أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

الشيخ الطهراني في ( الكرام البررة ). وله قصيدة تعرف بـ ( الخالية ) تتكون من ٣٢ بيتا آخر كل بيت منها كلمة ( خال ) وتعطي معنى غير الاخر ، وقد عارض بها قصيدة بطرس كرامة وقد تخلص في القصيدة لمدح العلامة الشيخ حسن آل كاشف الغطاء وأولها :

سقى الخال من نجد وسكانه الخال

وأزهر في أكنافه الرند والخال

كما خمس القصيدة الخالية وبعث التخميس الى الآستانة الى ناظمها ، فلما وقف عليه قرضه فقال :

يا بن الشريف الذي أضحت فضائله

كالشمس تشرق بين البدو والحضر

خمست بالنظم ذات الخال مكرمة

مطوقا جيدها عقدا من الدرر

من البديع ومن سحر البيان لقد

أوتيت سؤلك يا موسى على قدر

وللحاج جواد بدكت الحائري ـ تخميس الشيخ للقصيدة الدريدية :

ان آيا أبديتها في القوافي

قد هوت سجدا لها الشعراء

ان هوت سجدا فغير عجيب

أنت موسى وهي اليد البيضاء

وللشيخ جابر الكاظمي :

ألقت لموسى الشعراء العصا

كما لموسى ألقت الساحرون

في شعره للشعرا معجز

مثل العصا تلقف ما يأفكون

١٤١

ذكر الدكتور عبدالرزاق محي الدين في مؤلفه ( الحالي والعاطل ) المترجم له في معارضة قصيدة بطرس كرامة ( الخالية ) أما تخميسه للقصيدة الدريدية المذكورة في ( الحالي والعاطل ) والتي نظمها ابن دريد في مدح ابني مكيال ـ كما هو معروف فقد حولها شاعرنا المترجم له الى مدح الامامين الحسن والحسين عليهما‌السلام بتخميسه للقصيدة وها نحن نروي جملة من هذا التخميس :

هما سليلا احمد خير الملا

الحسنين الاحسنين عملا

هما اللذان انقعالي غللا

هما اللذان أثبتا لي أملا

قد وقف اليأس به على شفا

هما اللذان أورداني موردا

عاد به روض المنى موردا

وأنشئاني بعد ما كنت سدى

وأجريا ماء الحيا لي رغدا

فاهتز غصني بعد ما كان ذوى

كم ردني بعد الرجاء خائبا

من خلته ألا يرد طالبا

وحين أصبحت له مجانبا

هما اللذان عمرا لي جانبا

من الرجاء كان قدما قد عفا

وأولياني ما به النفس اقتنت

عزاً به عن درن الدنيا اعتنت

وعوداني عادة ما امتهنت

وقلداني منة لو قرنت

بشكر أهل الارض طراً ما وفى

أحمد ربي الله ما أعاشني

اذ في ولاء المرتضى قد راشني

فلم أقل وهو بخير ناشني

ان ابن مكيال الامير انتاشني

من بعد ما قد كنت كالشيء اللقى (١)

__________________

١ ـ اللقى : الشيء المطروح.

١٤٢

ومذ وفى لي بالذي له ضمن

وخصني بما به قلبي أمن

قلت أبو السبطين بالوفا قمن

ومد ضبعي أبوالعباس من

بعد انقباض الذرع والباع الوزي (١)

ذاك علي المرتضى عقد الولا

وصنو طه المرتضى خير الملا

ذاك الذي رام المعالي فعلا

ذاك الذي لا زال يسمو للعلا

بفعله حتى علا فوق العلا

ومذ علا بالرغم من حسوده

لو كان يرقى أحد بجوده

قلت وحق القول من ودوده

بجوده الموفى على وفوده

ومجده الى السماء لارتقى

فعد الى مدح الحسين والحسن

تأمن في مدحهما من الزمن

وقل اذا ما فزت منهما بمن

نفسي الفداء لأميري ومن

تحت السماء لأميري الفدا

وقال يمدح الامام (ع) :

أقول لمقتعد اليعملات

يلف الوعوث على السجسج

أنخها على ذكوات الغري

وفي باب حيدرة عرج

على أسد الغاب بحر الرغاب

مغيث السغاب سرور الشجى

وصي الرسول وزوج البتول

ومعطي السؤل الى المرتجي

أبي الحسنين وطلق اليدين

اذا العام ضاق ولم يفرج

وقل يا يد الله في الكائنات

ويا وجهه في الظلال الدجي

سلام عليك بصوت رقيق

من الخطب والكرب لم يفرج

أتيتك ملتجأ منهما

لأنك أنت حمى الملتجي

وجئت وايقنت أن يصدرا

طريدين عني مهما أجي

فمثلك من كف عني الهموم

وألحب في أعيني منهجي (٢)

__________________

١ ـ الوزى بالفتح : القصير.

٢ ـ عن الحالي والعاطل.

١٤٣

الحاج جواد بدقت

المتوفى ١٢٨١

الحاج جواد بدكت قال في الحسين (ع) :

بواعث اني للغرام مؤازر

رسوم بأعلا الرقمتين دوائر

يعاقب فيها للجديدين وارد

اذا انفك عنها للجديدين صادر

ذكرت بها الشوق القديم بخاطر

به كل آن طارق الشوق خاطر

وان لم تراع للوداد أوائلا

فما لك في دعوى الوداد أواخر

وتلك التي لو لم تهم بمهجتي

لما أنبأت أن اللحاظ سواحر

لحاظ كألحاظ المهى أن أتيتها

فواتك الا أن تلك فواتر

وجيد يريك الظبي عند التفاتها

هي الظبي ما بين الكثيبين نافر

تحملت حتى ضاق ذرعا تحملي

ومل اصطباري عظم ما أناصابر

عدمتك فاقلع عن ملائمة الهوى

ألم يعتبر بالأولين الاواخر

أهل جاء أن ذو صبوة نال طائلا

وان جاء فاعلم ان تلك نوادر

فان شئت ان توري بقلبك جذوة

يصاعدها ما بين جنبيك ساجر

فبادر على رغم المسرة فادحا

عظيما له قلب الوجودين ذاعر

غداة أبو السجاد والموت باسط

موارد لا تلفى لهن مصادر

أطل على وجه العراق بفتية

تناهت بهم للفرقدين الاواصر

فطاف بهم والجيش تأكله القنا

وتعبث فيه الماضيات البواتر

على معرك قد زلزل الكون هوله

وأحجمن عنه الضاريات الخوادر

١٤٤

يزلزلن أعلام المنايا بمثلها

فتقضي بهول الاولين الاواخر

وينقض أركان المقادير بالقنا

امام على نقض المقادير قادر

أمستنزل الاقدار من ملكوتها

فكيف جرت فيما لقيت المقادر

وان اضطرابي كيف يصرعك القضا

وان القضا انفاذ ما أنت آمر

أطل على وجه المعالم موهن

وبادر أرجاء العوالم بادر

بأن ابن بنت الوحي قد أجهزت به

معاشر تنميها الاماء العواهر

فما كان يرسو الدهر في خلدي بأن

تدور على قطب النظام الدوائر

وتلك الرفيعات الحجاب عواثر

بأذيالها بل انما الدهر عاثر

تجلى بها نور الجلال الى الورى

على هيئة لا أنهن حواسر

يطوف على وجه البراقع نورها

فيحسب راء أنهن سوافر

وهب انها مزوية عن حجابها

وقاهرها عن لطمة الخدر قاهر

فماذا يهيهن البدر وهو بأفقه

بأن الورى كل الى البدر ناظر

ولكن عناها حين وافت حميها

رأته صريعا فوقه النقع ثائر

فطورا تواريه العوادي وتارة

تشاكل فيه الماضيات البواتر

فيا محكم الكونين أو هي احتكامها

بأنك ما بين الفريقين عافر

وانك للجرد الضوامير حلبة

الا عقرت من دون ذاك الضوامر

ألست الذي أوردتها مورد الردى

فيا ليتها ضاقت عليها المصادر

فيا ليت صدري دون صدرك موطأ

ويا ليت خدي دون خدك عافر

* * *

١٤٥

هو الحاج جواد ابن الحاج محمد حسين الاسدي الحائري ـ الشهير بـ ( بذقت ) أو بذكت (١). ولد بكربلاء عام ١٢١٠ هـ وتوفي سنة ١٢٨١ بكربلاء ودفن فيها.

كان فاضلا أديبا مشهور المحبة لاهل البيت عليهم‌السلام من مشاهير شعراء القرن الثالث عشر وديوانه لا يزال مخطوطا وفيه قصائد عامرة ، وقد ساجل جملة من شعراء عصره نخص بالذكر منهم الشيخ صالح الكواز فلقد ذكر الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) ان الكواز زار شاعرنا المترجم له فرأى عنده عبدا له اسمه ( ياقوت ) وهو يضجر من رمد في عينيه فقال الكواز :

ألا ان ياقوتا يصوت معلنا

غداة غدت عيناه ياقوته حمرا

فأجابه الحاج جواد مرتجلا :

وقد صير الرحمن عينيه هكذا

لأني اذا أدعوه ينظرني شزرا

نظم الحاج جواد في مختلف أبواب الشعر فأجاد وأبدع فمن روائعه قوله مخمسا :

قلت لصحبي حين زاد الظما

واشتد بي الشوق لورد اللمى

متى أرى المغنى وتلك الدمى

قالوا غدا تأتي ديار الحمى

وينزل الركب بمغناهم

هم سادة قد أجزلوا بذلهم

لمن أتاهم راجيا فضلهم

فمن عصاهم لم ينل وصلهم

وكل من كان مطيعا لهم

أصبح مسرورا بلقياهم

__________________

١ ـ وبذقت لقب جدهم الحاج مهدي ، أراد أن يقول عن الشمس بزغت فقال لتمتمة فيه : بذقت.

١٤٦

قد لامني صحبي على غفلتي

اذ نظرت غيرهم مقلتي

فما أطالوا اللوم في زلتي

قلت فلي ذنب فما حيلتي

بأي وجه أتلقاهم

يا قوم اني عبد احسانهم

ولم أزل أدعى بسلمانهم

فاليوم هل أحظى بغفرانهم

قالوا أليس العفو من شانهم

لا سيما عمن تولاهم

جعلت زادي في السرى ودهم

وموردي في نيتي وردهم

وقلت هم لم يخجلوا عبدهم

فحين ألقيت العصا عندهم

واكتحل الطرف بمرءآهم

لم أر فيهم ما تحذرته

بل لاح بشر كنت بشرته

كأنما فيما تفكرته

كل قبيح كنت أحرزته

حسنه حسن سجايايهم

ومن شعره قوله مقرضا تخميس الشيخ موسى ابن الشيخ شريف محي الدين لمقصورة ابن دريد :

أي آي أبديتها في القوافي

قد هوت سجدا لها الشعراء

ان هوت سجدا فغير غريب

أنت موسى وهي اليد البيضاء

وله ايضا في تقريضه :

لقد كفرت بالشعر قوم وقد قضى

علينا الردى حزنا عليه وتبئيسا

فأحييتنا فيما نظمت فآمنوا

فكنت لنا عيسى وكنت لهم موسى

وللشاعر ملحمة كبيرة يمدح بها الامام أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام نظمها فصولا على عدد حروف الهجاء رأيت أكثرها في مخطوط العلامة المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء المسمى بـ

١٤٧

( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ج ٣ ص ٣٢٥ قال : وقد نقلتها من نسخة بخطه وهي مسودة ومبيضة لا ثاني لها. أقول ورأيت هذه الروضة في مجموعة بمكتبة كاشف الغطاء العامة قسم المخطوطات ـ رقم ٨٧٢ وهي التي أشار اليها الشيخ.

وكتب عنه صديقنا السيد سليمان هادي الطعمة فقال : ان الديوان يشتمل على جوانب انسانية ووطنية وله ملحمة رائعة يمتدح بها أهل البيت عليهم‌السلام جارى بها ملحمة الشيخ كاظم الازري المسماة بـ ( الازرية ) عدد أبياتها ١٢٦٥ بيتا. أقول ويحتفظ بنسخة منها آل الرشتي بكربلاء ومطلعها :

أهي الشمس في سماء علاها

أخذت كل وجهة بسناها

طرق أبواب الشعر فأسمع كل حي وفتح له الشعر أبوابه وأحسن به ترحابه فها هو يصف جلسة اختلسها من الزمان بين أحباب واخوان ولعلها بمناسبة زفاف السيد أحمد الرشتي عام ١٢٧٩ :

هي والراح أسفرا اسفارا

فأعاد ليل الندامى نهارا

أشرقا حين لاصحاب فيحمي

عن تعاطى اجتلاهما الابصارا

هي عاطتهم لماها ولما

أسكرتهم به سقتهم عقارا

تتهاوى فيهم فتحسبهم منها

سكارى وما هم بسكارى

كلما رنحت لهم عطفها هاجوا

ارتياحا وأزعجوا الاوتارا

بينهم من بني النصارى طروب

ضل فيها احكام دين النصارى

سلبت رشده وقد كسر الناقوس

هجرا وقطع الزنارا

١٤٨

ومن شعره في رثاء الامام الحسين (ع) :

شجتك الضعائن لا الاربع

وسال فؤادك لا الادمع

ولو لم يذب قلبك الاشتياق

فمن أين يسترسل المدمع

توسمتها دمنة بلقعا

فما أنت والدمنة البلقع

تعاتبها وهي لا ترعوي

وتسألها وهي لا تسمع

فعدت تروم سبيل السلو

وسهمك طاش به المنزع

خذوه بألسنة العاذلين

فقد عاد في سلوة يطمع

تجاهلت حين طلب السلو

علام قد انضمت الاضلع

هل ارتعت من وقفة الاجرعين

فأمسيت من صابها تجرع

فأينك من موقف بالطفوف

يحط له الفلك الارفع

بملمومة حار فيها القضاء

وطاش بها البطل الانزع

فما اقلعت دون قتل الحسين

فيا ليتها الدهر لا تقلع

اذا ميز الشمر رأس الحسين

أيجمعها للعلا مجمع

فيا ابن الذي شرع المكرمات

والا فليس لها مشرع

بكم أنزل الله ام الكتاب

وفي نشر آلائكم يصدع

أوجهك يخضبه المشرفي

وصدرك فيه القنا تشرع

وتعدو على صدرك الصافنات

وعلم الاله به مودع

وينقع منك غليل السيوف

وان غليلك لا ينقع

ويقضي عليك الردى مصرعا

وكيف القضا بالردى يصرع

بنفسي ويا ليتها قدمت

وأحرزها دونك المصرع

ويا ليته استبدل الخافقين

وأيسر ما كان لو يقنع

لقد أوقعوا بك يابن النبي

عزيز على الدين ما أوقعوا

وخوص متى نسفت مربعا

تلقفها بعده مربع

لقد أوقروها بنات النبي

فهل بعدها جلل أسفع

١٤٩

خريم يغار عليها الاله

بمن أرقلوا وبمن جعجعوا

أتدري حدات مطياتها

وأملاكه عندها تخضع

يلاحظها في السبا أغلف

ويحدو بها في السرى أكوع

يطارحن بالنوح ورق الحمام

فهذي تنوح وذي تسجع

لسهم الزفير بأكبادها

الى أن تكاد به تنزع

تسير وتخفي لفرط الحيا

جواها ويعربه المدمع

وللحاج جواد بذكت :

فوق الحمولة لؤلؤ مكنون

زعم العواذل انهن ضعون

لم لقبوها بالظعون وانها

غرف الجنان بهن حور عين

يا ايها الرشأ الذي سميته

قمر السماء وانه لقمين

اني بمن أهواه مفتون وذاك

بأن يؤنب بالهوى مفتون

مهما نظرت وانت مرآة الهوى

بك بان لي ما لا يكاد يبين

لم تجر ذكرى نير وصفاته

الا ذكرتك والحديث شجون

ومنها :

يا قلب ما هذي شعار متيم

ولعل حال بني الغرام فنون

خفض فخطبك غير طارقة الهوى

ان الهوى عما لقيت يهون

ما برحت بك غير ذكرى كربلا

فاذا قضيت بها فذاك يقين

ورد ابن فاطمة المنون على ظما

ان كنت تأسف فلتردك منون

ودع الحنين فانها العظمى فلا

تأتي عليها حسرة وحنين

ظهرت لها في كل شيء آية

كبرى فكاد بها الفناء يحين

بكت السماء دما ولم تبرد به

كبد ولو ان النجوم عيون

ندبت لها الرسل الكرام وندبها

عن ذي المعارج فيهم مسنون

فبعين نوح سال ما اربى على

ماسار فيه فلكه المشحون

١٥٠

وبقلب ابراهيم ما بردت له ـ

ما سجر النمرود وهو كمين

ولقد هوى صعقا لذكر حديثها

موسى وهون ما لقى هارون

واختار يحيى ان يطاف برأسه

وله التأسي بالحسين يكون

وأشد مما ناب كل مكون

من قال قلب محمد محزون

فحراك تيم بالضلالة بعده

للحشر لا يأتي عليه سكون

عقدت بيثرب بيعة قضيت بها

للشرك منه بعد ذاك ديون

برقي منبره رقي في كربلا

صدر وضرج بالدماء جبين

لولا سقوط جنين فاطمة لما

أودى لها في كربلاء جنين

وبكسر ذاك الضلع رضت أضلع

في طيها سر الاله مصون

وكذا على قوده بنجاده

فله علي بالوثاق قرين

وكما لفاطم رنة من خلفه

لبناتها خلف العليل رنين

وبزجرها بسياط قنفذ وشحت

بالطف من زجر لهن متون

وبقطعهم تلك الاراكة دونها

قطعت يد في كربلا ووتين

لكنما حمل الرؤوس على القنا

أدهى وان سبقت به صفين

كل كتاب الله لكن صامت

هذا وهذا ناطق ومبين (١)

__________________

١ ـ عن ( رياض المدح والرثاء ) للشيخ حسين آل سليمان البلادي البحراني من منشورات المكتبة العربية ومطبعتها مطبعة الاداب ـ النجف الاشرف.

١٥١

الشيخ صالح بن طعان

المتوفى ١٢٨١

فآه واندمى من فوت نصرته

وغير مجد على مافات ، واندمي

والظاهرات من الاستار حين وعت

صوت الجواد أتاها قاصد الخيم

توجهت نحوه تلقاء سيدها

اذا به من على ظهر الجواد رمي

فصرن كالمتمنى اذ يرى فلقا

من الصباح فلما ان رآه عمي

لهفي لهن من الاستار بارزة

ما بين رجس وأفاك ومغتشم

عواثرا في ذيول ما تطرقها

ريب ولا سحبت في مسحب أثم

تخال في صفحات الخد أدمعها

كالدر ما بين منثور ومنتظم

كل تلوذ بأخرى خوف آسرها

لوذ القطا خوف بأس الباشق الضخم

حتى اذا صرن في أسر العداة وقد

ركبن فوق ظهور الانيق الرسم

مروا بهن على القتلى مطرحة

ما بين منعفر في جنب مصطلم

فمذ رأت زينب جسم الحسين على

البوغا خضيبا بدم النحر واللمم

عار اللباس قطيع الراس منخمد

الانفاس في جندل كالجمر مضطرم

ألقت ردى الصبر وانهارت هناك على

جسم الشهيد كطود خر منهدم

وقد لوت فوقه احدى اليدين على

الاخرى وتدعوه يا سؤلي ومعتصمي

١٥٢

أخي فقدتك فقدان الربيع فلا

يسلوك قلبي ولا يقلو نعاك فمي

هل كيف يجمل لي صبري ويهتف بي

بشر وانت رهين الترب والرجم

وتارة تستغيث المصطفى ولها

قلب خفوق ودمع في الخدود ودهمي

يا جد هذا أخي ما بين طائفة

قد استحلوا دماه واحتووا حرمي

يا جد أصبحت نهبا للنوائب ما

بين العدى من ظلوم لي ومهتضم

لا والد لي ولا عم ألوذ به

ولا أخ لي بقى أرجوه ذو رحم

أخي ذبيح ورحلي قد أبيح وبي

ضاق الفسيح وأطفالي بغير حمي

وابن الحسين كساه البين ثوب أسى

والسقم أبراه بري السيف للقلم

بالله يا راكب الوجنا يخد بها

بيد الفلا مدلجا بالسير لم ينم

ان جزت بالنجف الاعلا فقف كرما

بقرب قبر علي سيد الحرم

وابد الخضوع ولذ بالقبر ملتزما

واقرى السلام لخير الخلق واحترم

وانع الحسين له واقصص مصيبته

وقل له يا امام العرب والعجم

هل أنت تعلم ما نال الحسين وما

نالت ذراريك أهل المجد والكرم

أما الحسين فقد ذاق الردى وقضى

بجانب النهر لهفان الفؤاد ظمي

وصحبه أصبحوا صرعى ونسوته

أمسوا سبايا كسبي الترك والخدم

* * *

الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي الستري البحراني البركوياني المتوفى بالطاعون في مكة سنة ١٢٨١ له ديوان في المراثي لأهل البيت مطبوع في بمبي. كذا ذكر البحاثة الطهراني في الذريعة وقال :

١٥٣

رأيت رثاءه للشيخ سليمان بن أحمد بن عبد الجبار المتوفى سنة ١٢٦٢ بخط صاحب أنوار البدرين وولده الشيخ احمد بن صالح المولود سنة ١٢٥١ وله ايضا ديوان مطبوع بمبي ، وتوفي سنة ١٣١٥ ذكره لنا ولده الشيخ محمد صالح بن احمد بن صالح ابن طعان المذكور قبل وفاته ١٣٣٣.

وجاء في ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) للشيخ الطهراني :

الشيخ صالح بن طعان عالم فاضل وفقيه بارع ، وقال : أثنى صاحب ( انوار البدرين في أحوال علماء الاحساء والقطيف والبحرين ) على علمه وصلاحه ، وكان من العلماء العاملين الورعين ، وله آثار كثيرة منها ( تسلية الحزين ) وله ( ديوان المراثي ) طبع.

١٥٤

الشيخ محمد علي كمونة

المتوفى ١٢٨٢

الشيخ محمد علي كمونة مفخرة الامجاد وسلالة الاسخياء الاجواد نشأ في بيت الزعامة والرئاسة والوجاهة كان ولم يزل هذا البيت محط رحال الوفاد ومنتدى العلم والادب وله الشرف والرفعة والمكانة السامية لدى أهالي كربلاء وكانت بيدهم سدانة الحرم المطهر الحسيني من ذي قبل. نشأ شاعرنا نشأة علمية دينية أدبية ، نظم فأجاد وبرع حتى فاق أقرانه ولانه يتحدر من الاسرة العربية الشهيرة وهم بنو أسد الذين نالوا الشرف بمواراة جسد الحسين عليه‌السلام فهو لازال يفتخر بهم ولأن عددا غير قليل منهم نالوا السعادة وحصلوا الشهادة يوم عاشوراء بين يدي أبي عبدالله الحسين سيد شباب أهل الجنة فهو يتمنى أن يكون معهم ويغبطهم على هذه المنزلة فيقول :

فواحزني ان لم أكن يوم كربلا

قتيلا ولم أبلغ هناك مأربي

__________________

١ ـ والقصيدة تناهز الستين بيتا وأولها :

أعدها أخا المسرى لقطع السباسب

مهجنة من يعملات نجائب

١٥٥

فان غبت عن يوم الحسين فلم تغب

بنو أسد أسد الهياج أقاربي

وقد جمع بعض أحفاده شعره في مجموعة سماها ( اللئالئ المكنونة في منظومات ابن كمونة ) ويقع في خمسة آلاف بيت.

جاء في ( الحصون المنيعة ) للشيخ علي كاشف الغطاء ما نصه : الحاج محمد علي الشهير بكمونة كان شاعرا بليغا أديبا لبيبا فصيحا آنست الناس أشعاره الرائقة وأسكرتهم بمعانيها ومبانيها الفائقة ، درة صدف الادب والمعالي والعاقمة عن مثله أمهات الليالي ، قد شاهدته أيام صباي في كربلاء زمن توقفي فيها واجتمعت معه كثيرا واقتطفت من ثمار افاداته يسيرا وقد ناهز عمره الثمانين من السنين ، وعرضت أول نظمي عليه ، وكان رجلا طوالا ذا شيبة بيضاء مهيبا شهما غيورا وكان قليل النظم وأكثر شعره في مدح الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان معاونا لأخويه الحاج مهدي والشيخ محمد حسن في تولية خدمة مرقد أبي عبدالله الحسين وسدانة هذه العتبة المقدسة.

توفي في شهر جمادي الاخرة ليلة الاحد سنة ١٢٨٢ بمرض الوباء في كربلاء ودفن مع أخيه الحاج مهدي في مقبرتهم المعدة لهم في الحائر الحسيني تجاه قبور الشهداء. أقول وفي سنة ١٣٦٧ هـ ١٩٤٨ م قام الاديب المعاصر محمد كاظم الطريحي بجمع ديوانه والتعليق عليه ونشره بمطبعة دار النشر والتأليف بالنجف الاشرف.

١٥٦

جاء في احدى قصائده الحسينية :

متى فلك الحادثات استدارا

فغادر كل حشى مستطارا

كيوم الحسين ونار الوغى

تصعد للفرقدين الشرارا

فلم تر الا شهابا ورى

وشهما بفيض النجيع توارى

فعاد ابن أزكى الورى محتدا

وأمنع كل البرايا جوارا

تجول على جسمه الصافنات

وتكسوه من نقعها ما استثارا

وقال رحمه‌الله في رأس الامام الحسين يوم طيف به على رمح :

رأس وقد بان عن جسم وطاف على

رمح وترتيله القرآن ما بانا

رأس ترى طلعة الهادي البشير به

كأنما رفعوه عنه عنوانا

تنبي البرية سيماه وبهجته

بأن خير البرايا هكذا كانا

يسري ومن خلفه الاقتاب موقرة

أسرى يجاب بها سهلا وأحزانا

وله رائعة غراء في سيدنا أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أولها :

نبت بالذي رام المعالي صوارمه

اذا ما حكتها بالفضاء عزائمه

وله القصيدة الشهيرة التي يصف فيها بطولة شهداء كربلاء ومنها :

أراه وأمواج الهياج تلاطمت

يعوم بها مستأنسا باسما ثغرا

ولو لم يكفكفه عن الفتك حلمه

لعفى ديار الشرك واستأصل الكفرا

١٥٧

ولما تجلى الله جل جلاله

له خر تعظيما له ساجدا شكرا

هوى وهو طود والمواضي كأنها

نسور أبت الا مناكبه وكرا

هوى هيكل التوحيد فالشرك بعده

طغى غمره والناس في غمرة سكرى

وأعظم بخطب زعزع العرش وانحنى

له الفلك الدوار محدودبا ظهرا

غداة أراق الشمر من نحره دما

له انبجست عين السما أدمعا جمرا

وان أنس لا أنسى العوادي عواديا

ترض القرى من مصدر العلم والصدرا

ولم أنس فتيانا تنادوا لنصره

وللذب عنه عانقوا البيض والسمرا

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم

وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا

وما كنت أدري قبل حمل رؤوسهم

بأن العوالي تحمل الانجم الزهرا

حماة حموا خدرا أبى الله هتكه

فعظمه شأنا وشرفه قدرا

فأصبح نهبا للمغاوير بعدهم

ومنه بنات المصطفى أبرزت حسرا

يقنعها بالسوط شمر فان شكت

يؤنبها زجر ويوسعها زجرا

نوائح الا أنهن ثواكل

عواطش الا أن أعينها عبرى

يصون بيمناها الحيا ماء وجهها

ويسترها ان أعوز الستر باليسرى

وله من القصائد الحسينية المنشورة في ديوانه ما هذه أوائلها :

١ ـ ما بال عينك بعد كشف غطائها

قذف الاسى انسانها في مائها

٤٤ بيتا

٢ ـ باتت تلوم على الهوى وتؤنب

وحمى شجوني بالغرام محجب

٢٩ بيتا

١٥٨

٣ ـ أعدها أخا المسرى لقطع السباسب

مهجنة من يعملات نجائب

٥٧ بيتا.

٤ ـ أصبحت آل علي في السبا

أين عنها اليوم ارباب الابا

٣١ بيتا.

٥ ـ ماذا على النوائب

لو جانبت جوانبي

٥٠ بيتا.

٦ ـ نوى ظعنا يبغي منى فالمحصبا

فأدنى اليه اليعملات وقربا

٨٨ بيتا.

٧ ـ دع المطايا تجوب البيد في السحر

وعج بربع أبي الضيم من مضر

٤٨ بيتا.

٨ ـ من ذا دهى مضر الحمرا وعدنانا

وسام أقمارها خسفا ونقصانا

٢٣ بيتا.

والشاعر كمونة لم تقتصر براعته وشاعريته على الرثاء فقط وانما طرق أبواب الشعر من غزل ونسيب وفخر وحماسة فكم له من روائع عرفانية ووجدانية تنم عن ملكة أدبية ونوادر شعرية فمن ظرفه قوله في قصيدة :

نسيم الصبا هيجت لاعج أشواقي

وألحقت بالماضي من الرمق الباقي

فيا صاحبي نجواي عوجا على الحمى

لعل به رقيا لما أعجز الراقي

فكم لي عهدا بالحمى متقادما

ذوى غصن جسمي هو ينمو بايراق

١٥٩

ويا عاذلي في حب ليلى وما عسى

تروم وميثاقي على الحب ميثاقي

وله بمدح الامام أبي السبطين الحسن والحسين :

ألام على من خصه الله في العلى

وصيره في شرب كوثره الساقي

وزين فيه العرش فانتقش اسمه

على جبهة العرش المعظم والساق

وأودع من عاداه نار جهنم

فخلد في كفار قوم وفساق

لهم من ضريع مطعم وموارد

اذا وردوها من حميم وغساق

أما انني أكثرت ذنبا وانه

سيبدل أحمالي بعفو وأوساق

غداة أرى صحفي بكفيه في الولا

ينسق منها زلتي أي نساق

وأنظر لوامي تدع الى لظى

فيسقط منساق على اثر منساق

تقصدت لفظ الساق في ذكر نعته

لأنجو اذا ما التفت الساق بالساق

ومن نوادره قوله :

عصيت هوى نفسي صغير افعند ما

دهتني الليالي بالمشيب وبالكبر

أطعت الهوى عكس القضية ليتني

خلقت كبيرا ثم عدت الى الصغر

وقال في التوكل :

الهي ما ادخرت غني لنفسي

وولدي من حطام الدهر مالا

لعلمي أنك الكافي وأني

وكلت على خزائنك العيالا

١٦٠