الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٨

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٨

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩

دونه ، ويقولون إنّنا نعبدهنّ بمشيئة الله ولو شاء ما عبدناهنّ. وكانت مجرد أسطورة ناشئة عن انحراف في العقيدة.

وفي هذه السورة يناقشهم القرآن بمنطقهم هم ، ويحاجّهم كذلك بمنطق الفطرة الواضح حول هذه الأسطورة التي لا تستند الى شيء على الإطلاق :

(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) (١٩).

ثم يكشف القرآن الكريم عن سندهم الوحيد في اعتقاد هذه الأسطورة ، وهو المحاكاة والتقليد ، وهي صورة زريّة ، تشبه صورة القطيع يمضي حيث هو ، منساقا بدون تفكير.

ثم يبيّن القرآن ، أن طبيعة المعرضين عن الهدى واحدة ، وحجّتهم مكرورة بدون تدبّر لما يلقى إليهم ، ولو كان أهدى وأجدى ، ومن ثمّ لا تكون عاقبتهم إلّا التدمير والتنكيل ، انتقاما منهم وعقابا لهم :

(وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (٢٥).

٢ ـ مناقشة ومحاجة

تشتمل الآيات [٢٦ ـ ٥٦] على القسم الثاني من السورة ، وهو استمرار لمناقشة قريش في دعاويها. فقد كانت قريش تقول : إنها من ذريّة إبراهيم (ع) ـ وهذا حق ـ وإنها على ملّة إبراهيم (ع) ـ وهذا ادّعاء باطل ـ فقد أعلن إبراهيم (ع) كلمة التوحيد قوية واضحة ، لا لبس فيها ولا غموض ، ومن أجلها هجر أباه وقومه ، بعد أن تعرّض للقتل والتحريق ، وعلى التوحيد قامت شريعة إبراهيم (ع) ، ثم أوصى بها ذريّته وعقبه ، فلم يكن للشرك فيها أي خيط رفيع.

وفي هذا القسم من السورة يردّهم

٨١

الى هذه الحقيقة التاريخية ، ليعرضوا عليها دعواهم التي يدّعون. ثم يحكي اعتراضهم على رسالة النبي (ص) وقولهم كما ورد في التنزيل (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٣١) ، ويناقش قولتهم هذه ، وما تنطوي عليه من خطأ في تقدير القيم الأصلية التي أقام الله عليها الحياة ، والقيم الزائفة التي تتراءى لهم ، وتصدّهم عن الحقّ والهدى. وعقب تقرير الحقيقة في هذه القضيّة ، يطلعهم على عاقبة المعرضين عن ذكر الله ، بعد أن يطلعهم على علّة هذا العمى ، وهو من وسوسة الشيطان.

ويلتفت السياق في نهاية هذا الدرس الى الرسول (ص) فيذكر تسلية الله تعالى له ومواساته إيّاه عن إعراضهم وعماهم ، بأن الرسول (ص) ليس بهادي العمي أو مسمع الصّمّ ، وسيلقون جزاءهم ، سواء أشهد انتقام الله منهم ، أم أخّره الله عنهم ، ويوجّهه تعالى الى الاستمساك بما أوحى إليه فإنّه الحق الذي جاء به الرسل أجمعون ؛ فكلّهم جاءوا بكلمة التوحيد ؛ ثم يعرض ، من قصة موسى (ع) ، حلقة تمثّل واقع العرب هذا مع رسولهم ، وكأنّما هي نسخة مكررة تحوي الاعتراضات ذاتها التي يبدونها ، وتحكي اعتزاز فرعون وملته بالقيم ذاتها ، التي يعتز بها المشركون : المال ، الملك ، الجاه ، السلطان ، مظاهر البذخ. وقد بيّن القرآن الكريم ، فيما سبق ، أنّها لا تزن عند الله جناح بعوضة ، ولو شاء الله لأعطى هذه الأموال للكافر في الدنيا لهوانها على الله من جهة ، ولأنّ هذا الكافر لا حظّ له في نعيم الآخرة ، من جهة أخرى ؛ ولكنّ الله سبحانه لم يفعل ذلك خشية أن يفتن الناس ، وهو العليم بضعفهم ، ولو لا خوف الفتنة لجعل للكافر بيوتا سقفها من فضة ، وسلالمها من ذهب ، بيوتا ذات أبواب كثيرة ، وقصورا فيها سرر للاتكاء ، وفيها زخرف للزينة ... رمزا لهوان هذه الفضة والذهب ، والزخرف والمتاع ، بحيث تبذل هكذا رخيصة لمن يكفر بالرحمن.

وهذا المتاع الزائل لا يتجاوز حدود الدنيا ، ولكن الله يدّخر نعيم الآخرة للمتقين.

٣ ـ من أساطير المشركين

تشتمل الآيات [٥٧ ـ ٨٩] على

٨٢

الدرس الأخير من سورة الزخرف ، وفيها يستطرد السياق الى حكاية أساطير المشركين حول عبادة الملائكة ، ويحكي حادثا من حوادث الجدل الذي كانوا يزاولونه ، وهم يدافعون عن عقائدهم الواهية ، لا بقصد الوصول الى الحق ، ولكن مراء ومحالا.

فلما قيل : إنكم وما تعبدون من دون الله حطب جهنم ، وكان القصد هو أصنامهم التي جعلوها تماثيل للملائكة ، ثم عبدوها بذاتها ؛ وقيل لهم إنّ كل عابد وما يعبد من دون الله في النار ... لما قيل لهم هذا ، ضرب بعضهم المثل بعيسى بن مريم (ع) ، وقد عبده المنحرفون من قومه ، أهو في النار؟ وكان هذا مجرد جدل ، ومجرد مراء.

ثم قالوا : إذا كان أهل الكتاب يعبدون عيسى (ع) ، وهو بشر ، فنحن أهدى منهم إذ نعبد الملائكة وهم بنات الله ، وكان هذا باطلا يقوم على باطل.

وبهذه المناسبة ، يذكر السياق طرفا من قصة عيسى بن مريم (ع) ، يكشف حقيقته وحقيقة دعوته ، واختلاف قومه من قبله ومن بعده.

ثم يهدّد المنحرفين عن سواء العقيدة جميعا بمجيء الساعة بغتة. وهنا يعرض مشهدا مطوّلا من مشاهد القيامة ، يتضمّن صفحة من النعيم للمتّقين ، وصفحة من العذاب الأليم للمجرمين ، ثم يبيّن إحاطة الله سبحانه بجميع ما يصدر عنهم ، وتسجيل ذلك عليهم.

(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٨٠).

ثم تلطّف القرآن الكريم في تنزيه الله تعالى عمّا يصفون ، فأمر النبي (ص) أن يذكر لهم أنّه لو كان للرحمن ولد ، لكان النبي (ص) أوّل العابدين له ، ولكن الله جلّ جلاله منزّه عن اتّخاذ الولد ، فهو سبحانه له الملكية المطلقة ، للسماء والأرض ، والدنيا والآخرة.

ثم يواجههم القرآن الكريم بمنطق فطرتهم ، فهم يؤمنون بالله ، فكيف يصرفون عن الحق الذي تشهد به فطرتهم ، ويحيدون عن مقتضاه :

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٨٧).

وفي ختام السورة يتبدّى اتجاه الرسول (ص) لربّه ، يشكو إليه كفرهم ، وعدم إيمانهم :

٨٣

(وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) (٨٨).

ويجيب عليه سبحانه في رعاية ، فيدعوه الى الصفح والإعراض ، فسيلقون جزاءهم المحتوم :

(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٨٩).

٨٤

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الزخرف» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة «الزخرف» بعد سورة «الشورى» ، ونزلت سورة «الشورى» بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، فيكون نزول سورة «الزخرف» ، في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى منها : (وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (٣٥) وتبلغ آياتها تسعا وثمانين آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة تنزيه الله تعالى عن الأولاد ، وقد ذكر في السورة السابقة اتفاق الرسل على شريعة التوحيد ، ولكنّ بعض أتباعهم أدخل عقيدة الولد في شرائعهم ، فذكرت هذه السورة بعدها لتنزيه الله سبحانه عنها ، وتبرئة هذه الشرائع منها ؛ هذا إلى ما فيها من أخذهم بالترهيب والترغيب وغيرهما مما تشبه به السورة السابقة أيضا.

التمهيد لتنزيه الله سبحانه

عن الأولاد

الآيات [١ ـ ١٤]

قال الله تعالى : (حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٣) فمهّد لذلك بالتنويه بشأن ما يتلى عليهم فيه ، وذكر سبحانه

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٨٥

أنّه لا يصح أن يعرض عن إنذارهم لإسرافهم في شركهم ، وأنه كم أرسل من نبي في الأولين ، وأنهم كانوا أشدّ منهم بطشا ، فلمّا استهزءوا بالرسل أهلكهم وجعلهم مثلا لمن بعدهم ؛ ثم انتقل السياق من ذلك الى إثبات ما ذكره من إسرافهم وعنادهم ، فذكر سبحانه أنهم لو سئلوا : من خلق السماوات والأرض لقالوا : خلقهنّ العزيز العليم ؛ وذكر بعد هذا بعض ما أنعم به عليهم ، ليعرفوا فضله ، وينزّهوه عمّا لا يليق به ، ويعتقدوا أنهم لا بد من رجوعهم إليه (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١٤).

إبطال بنوة الملائكة

الآيات [١٥ ـ ٥٦]

ثم قال تعالى : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) (١٥) فذكر ، جلّ وعلا ، أنهم ، بدل شكره سبحانه ، وتنزيهه عمّا لا يليق به ، قالوا عن الملائكة إنهم بناته ، مع أنهم لا يرضون البنات لأنفسهم ، وإذا بشّر أحدهم بما يضربه لله مثلا من البنات ظلّ وجهه مسودا من الحزن والغم ؛ ثم ذكر أنهم لا دليل لهم على عبادتها إلّا قولهم : لو شاء الرحمن ما عبدناهم ، وقولهم : إنّا وجدنا آباءنا يعبدونهم ونحن مقتدون بهم ؛ وردّ عليهم بأنّ من قبلهم من المشركين ذكر مثل هذا لرسلهم ، فلم يفدهم شيئا وانتقم الله منهم فأهلكهم ؛ ثم أمر النبي (ص) أن يذكر لهم براءة إبراهيم (ع) ممّا يشركون ، وهو الأب الأعلى لهم ، والإمام الذي يجب أن يكون قدوتهم ، وكان قومه يعبدون الكواكب وسكّانها من الملائكة ، فتبرّأ من عبادتهم ، وشرع دين التوحيد لذريّته ، ليرجعوا إليه جيلا بعد جيل ؛ ثم ذكر تعالى أنه متّع العرب من ذرّيّته حين انصرفوا عن شرعه ، الى تلك العبادة الباطلة ، فأمهلهم وأمدّ لهم ، إلى أن أرسل إليهم رسولا منهم ، وأنزل عليه القرآن ليدعوهم الى عبادته ، فاستخفّوا به لأنه لم يكن من ذوي الرياسة فيهم ، وقالوا لو لا نزّل هذا القرآن على رجل عظيم من مكة أو الطائف ؛ وردّ عليهم سبحانه بأن ذلك فضله ورحمته يقسمهما كما يريد ، وهو الذي قسم بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، واقتضت حكمته أن يكون فيهم الأغنياء والفقراء لتنتظم بهذا أمور

٨٦

حياتهم ، ورحمته خير من تلك الأموال التي يجعلونها مقياس الفضل بينهم. ولو لا أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر ، لجعل لمن يكفر به بيوتا سقفها من فضة ، إلى غير هذا من زخرف الدنيا وزينتها : (وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (٣٥) ثم ذكر تعالى أن ذلك من إغواء الشيطان الذي اتخذوه قرينا لهم ، وأنّهم سيندمون على استماعهم له ، حين يرجعون الى ربّهم ، ويتمنّون أن لو كان بينهم وبينه بعد المشرقين ؛ ثم ذكر سبحانه للنبي (ص) استحكام الجهل فيهم ، وأنهم لا ترجى هدايتهم ، وأنه إن ذهب به قبلهم فإنه سينتقم منهم في آخرتهم ، وإن أراه ما يوعدون من العذاب في دنياهم فهو مقتدر عليهم. ثم أمره أن يستمسك بما أوحي إليه من الإسلام والتوحيد ؛ وذكر أنه هو الدين الذي أرسل به الرسل قبله ؛ ثم خصّ موسى (ع) بالذكر من بينهم ، لبقاء ظهور التوحيد في شريعته ، أعظم من ظهوره في سواها ؛ فذكر ما كان من إرساله الى فرعون وقومه ، وذكر ما كان من اغترار فرعون بملكه ، واستهزائه بموسى (ع) لأنه لا يبلغ ما بلغه من المجد والسلطان في الحياة الدنيا ، وأنه استخفّ قومه فأطاعوه فأغرقهم أجمعين : (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) (٥٦).

إبطال بنوة عيسى

الآيات [٥٧ ـ ٨٩]

ثم قال تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (٥٧) فذكر أنهم اعتمدوا على النصرانية في عبادتهم الملائكة ، فقالوا إن النصارى عبدوا عيسى (ع) واتخذوه ولدا لله ، والملائكة خير منه بزعمهم الباطل ؛ وردّ عليهم سبحانه بأن عيسى ما هو إلا عبد مثلهم ، وأنه لو يشاء سبحانه لجعلهم خلفا في الأرض منهم ، ولم يسكنهم السماوات التي جعلتهم يبالغون في أمرهم ؛ ثم ذكر أن عيسى (ع) إنما ولد من غير أب ، ليكون علامة على الساعة ، ونهاهم عن الشكّ فيها ، وأمرهم أن يتّبعوه ولا يسمعوا للشيطان فيما يزيّن لهم من عبادة غيره ؛ ثم ذكر أن عيسى (ع) جاء بما جاء به غيره من الرسل ، فأمر بتقوى الله وعبادته ، ولكنّ أتباعه

٨٧

اختلفوا بعده الى أحزاب في شريعته ، وزعموا أنه ابن له ، ثم هدّدهم على هذا بعذاب يوم القيامة ، وبيّن أنها توشك أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ، ويومئذ يعادي الأخلاء بعضهم بعضا إلا المتّقين ؛ ثم ذكر ما يحصل للمتّقين في ذلك اليوم ، وذكر بعده ما يحصل للمجرمين فيه ، الى أن ذكر في بيان استحقاقهم لما يحصل لهم : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٨٠).

ثم ختمت السورة بالتلطّف في إبطال اتّخاذ الأولاد له تعالى ، فأمر الله نبيّه أن يذكر أنه لو كان لله سبحانه ولد ، كما يزعمون باطلا ، لكان أوّل العابدين (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٨٢). وأمره أن يتركهم في لهوهم ولعبهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ؛ ثم ذكر سبحانه أنه هو الذي ثبتت ألوهيته في السماء والأرض ، وله ملك السماوات والأرض وما بينهما ، ولا يملك الذين يدعون ، من الملائكة ونحوهم ، الشفاعة لأحد ، إلّا من شهد بالحق ، فلا يصحّ أن يكونوا مع هذا العجز أولادا له ؛ ثم استبعد منهم أن يذهبوا إلى عبادتهم ، مع علمهم بأنه جل جلاله ، هو الذي خلقهم ؛ ثم ذكر أن مثل هؤلاء قوم لا يؤمنون : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٨٩).

٨٨

المبحث الثالث

مكنونات سورة «الزخرف» (١)

١ ـ (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٣١).

قال الضّحّاك ، عن ابن عباس : يعنون الوليد بن المغيرة المخزومي من مكة ، ومسعود بن عمرو بن عبيد الله الثقفي من الطائف ، أخرجه ابن أبي حاتم.

وأخرج عن قتادة : وعروة بن مسعود (٢).

ومن طريق العوفي ، عن ابن عباس : حبيب بن عمر بن عثمان (٣) الثقفي.

وأخرج عن مجاهد : عتبة بن ربيعة من مكة ، وابن عبد ياليل الثّقفي من الطائف (٤).

٢ ـ (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) [الآية ٥١].

قال مجاهد : الإسكندرية. أخرجه ابن أبي حاتم.

٣ ـ (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) [الآية ٥٧].

الضارب له عبد الله بن الزّبعرى.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطّباع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). انظر «تفسير الطبري» ٢٥ / ٤٠.

(٣). «تفسير الطبري» : «عمير» ، وكذا في «سيرة ابن هشام» ١ / ٤١٩.

(٤). رواه ابن إسحاق في «السيرة» ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

٨٩
٩٠

المبحث الرابع

لغة التنزيل في سورة «الزخرف» (١)

١ ـ قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (١٣).

وقوله تعالى : مقرنين ، أي : مطيقين ، يقال : أقرن الشيء إذا أطاقه ، قال ابن هرمة :

وأقرنت ما حمّلتني ولقلّما

يطاق احتمال الصدّ يا دعد والهجر

أقول : ومع استعمالنا للفعل «قرن» و «قارن» فإننا لا نعرف «أقرن» ولا نعرف هذا الاستعمال في العربية المعاصرة.

٢ ـ وقال تعالى : (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا).

والزخرف : زينة من كل شيء ، والزخرف : الزينة والذهب.

أقول : وقد خصّص الزخرف في لغتنا ، فصارت دلالته على الأشكال المنسّقة ، المتقابلة ، والمتقاطعة ، في حفر الخشب وقطعه ، وكذلك في المعادن.

٣ ـ وقال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) [الآية ٣٦].

وقرئ : ومن يعش بضم الشين وفتحها ، والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل : عشي. وإذا نظر نظر العشيّ ولا آفة به قيل : عشا ، ونظيره : عرج ، لمن به الآفة ، وعرج لمن مشى مشية العرجان من غير عرج.

٤ ـ وقال تعالى : (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) (٥٦).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٩١

وقرئ (سَلَفاً) : جمع سالف كخدم جمع خادم ، و (سلفا) ، بضمتين ، جمع سليف ، أي : فريق قد سلف ، و (سلفا) جمع سلفة أي ثلّة قد سلفت.

والمعنى : فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفّار ، يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ، ونزولهم به لإتيانهم بمثل أفعالهم.

٥ ـ وقال تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (٥٧).

وقوله تعالى : (يَصِدُّونَ) ، أي ترتفع لهم جلبة وضجيج ، أي من الصديد وهو الجلبة ، وقرئ : يصدّون من الصدود والتفسير واضح.

٦ ـ وقال تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) (٧٠).

وقوله تعالى : (تُحْبَرُونَ) ، أي : تكرمون وتسرّون.

٩٢

المبحث الخامس

المعاني الغوية في سورة «الزخرف» (١)

قال تعالى : (أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) (٥) أي : «لأن كنتم».

وقال تعالى : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الآية ١٣] فتذكيره متعلّق ب (ما تَرْكَبُونَ) (١٢) و (ما) هو مذكر ، كما تقول : «عندي من النساء ما يوافقك ويسرك» وقد تذكّر «الأنعام» وتؤنث. وقد قال تعالى في موضع : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [النحل / ٦٦] ، وقال جلّ شأنه في موضع آخر (بُطُونِها) [المؤمنون / ٢١].

وقال تعالى : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) (٢٦) ؛ تقول العرب «أنا براء منك» (٢).

وقال تعالى : (وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) (٣٣) تقول العرب «مفاتح» و «مفاتيح» و «معاط» في «المعطاء» و «أثاف» من «الأثفيّة». وواحد «المعارج» «المعراج» ولو شئت قلت في جمعه «المعاريج».

وقرأ بعضهم قوله تعالى : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الآية ٣٥] خفيفة منصوبة اللام (٣) وقرأ آخرون

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). في مجاز القرآن ٢ / ٢٣ ، أنّها لغة أهل العالية ؛ وفي اللهجات ٤٧٥ أنّها لغة حجازيّة.

(٣). هي في السبعة ٥٨٦ ، الى القراء ، عدا عاصما ، وحمزة ، وابن عامر ، في رواية ؛ وفي التيسير ١٩٦ أبدل هشاما ، بابن عامر ؛ وفي البحر ٨ / ١٥ الى الجمهور.

٩٣

(لَمَّا) بتثقيل اللام ونصبها ، وتضعيف الميم (١) وزعم أنها في التفسير الأول «إلّا» وأنّها من كلام العرب.

وقال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) [الآية ٣٦] وهو ليس من «أعشى» و «عشو» ، إنّما هو في معنى قول الشاعر [من الطويل وهو الشاهد السابع والستون بعد المائتين] :

إلى مالك أعشو الى مثل مالك كأنّ «أعشو» : أضعف ، لأنه حين قال «أعشو الى مثل مالك» كان «العشو» : الضعف وحين قال : «أعشو إلى مثل مالك» أخبر أنه يأتيه غير بصير ، ولا قوي. كما قال [من الطويل وهو الشاهد الثامن والستون بعد المائتين] :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (٢).

أي : متى ما تفتقر ، فتقصد الى ضوء ناره ، يغنك.

وقال تعالى : (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) [الآية ٥٣] بجمع «أساور» و «أسورة» وقرأ بعضهم (أساورة) (٣)

__________________

(١). هي في السبعة ٥٨٦ الى عاصم ، وحمزة وابن عامر في رواية ، وأبدل في التيسير ١٩٦ هشاما بابن عامر ؛ وأهمل في البحر ٨ / ١٥ هشاما وابن عامر ، وذكر زيادة الحسن وطلحة والأعمش وعيسى ، وعلى هذه القراءة ، رسم المصحف الشريف.

(٢). البيت ملفق من صدر للحطيئة عجزه هو :

تجد خير نار عندها خير موقد

وعجز بيت لعبد الله بن الحر صدره هو :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ / ٤٤٥ و ٤٤٦ ؛ ومجالس ثعلب ٤٦٧ ، والإنصاف ٢ / ٣٠٩ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٥٣ ، و ١٠ / ٢٠ ، و ٢ / ٦٦ ، و ٤ / ٤٧٨ ، و ٧ / ٤٥ ، و ٥٣ ؛ والخزانة ٣ / ٦٦٠ ؛ والدرر ٢ / ١٦٦ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٩ ؛ ومجالس العلماء ٢٢٠ ؛ وأمالي ابن الشجري ٢ / ٢٧٨ ؛ وديوان الحطيئة ١٦١ ،

(٣). هي قراءة نسبت في معاني القرآن ٣ / ٣٥ الى يحيى بن وثاب ، وفي الطبري ٢٥ / ٨٢ ، الى عامة قراء المدينة ، والبصرة ، والكوفة ؛ وفي حجّة ابن خالويه ٢٩٥ الى القرّاء ، إلّا عاصما ، في رواية حفص ، وفي الكشف ٢ / ٢٥٩ ، والتيسير ١٩٧ ، الى غير حفص ؛ وزاد عليه في الجامع ١٦ / ١٠٠ ابن مسعود ، وأبيّا ؛ وفي البحر ٨ / ٢٣ الى الجمهور.

أمّا قراء أسورة ، ففي معاني القرآن ٣ / ٣٥ الى أهل المدينة ، والحسن ؛ واقتصر في الطبري ٢٥ / ٨٢ على الحسن ؛ وفي السبعة ٥٨٧ الى عاصم ، وفي حجّة ابن خالويه ٢٩٥ الى عاصم ، في رواية حفص ؛ وفي الكشف ـ

٩٤

بجعله جمعا للأسورة فكأنّه أراد : «أساوير» ، والله أعلم ، بجعل الهاء عوضا من الياء ؛ كما في «زنادقة» (١) ، بجعل الهاء عوضا من الياء التي في «زناديق».

__________________

ـ ٢ / ٢٥٩ ، والتيسير ١٩٧ ، والجامع ١٦ / ١٠٠ ، الى حفص ؛ وفي البحر ٨ / ٢٣ ، الى الحسن ، وقتادة ، وأبي رجاء ، والأعرج ، ومجاهد ، وابن حيوة ، وحفص.

(١). نقله في الصحاح ٢ / ٦٩٠.

٩٥
٩٦

المبحث السادس

لكل سؤال جواب في سورة «الزخرف» (١)

إن قيل : لم قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الآية ٣] ولم يقل قلناه أو أنزلناه ، والقرآن ليس بمجعول ، لأنّ الجعل هو الخلق ، ومنه قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام / ١] وقوله تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٣٩) [القيامة].

قلنا : الجعل أيضا يأتي بمعنى القول ، ومنه قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) [النحل / ٥٧] وقوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) [إبراهيم / ٣٠] أي قالوا ووصفوا ، لا أنهم خلقوا كذلك هنا.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) [الآية ٤٥] والنبي (ص) ما لقيهم حتّى يسألهم؟

قلنا : فيه إضمار تقديره : واسأل أتباع من ، أو أمّة من أرسلنا من قبلك. الثاني : أنه مجاز عن النظر في أديانهم ، والبحث عن مللهم ، هل فيها ذلك. الثالث : أن النبي (ص) حشر له الأنبياء عليهم‌السلام ليلة المعراج ، فلقيهم ، وأمّهم في مسجد بيت المقدس ، فلمّا فرغ من الصلاة نزلت عليه هذه الآية ، والأنبياء حاضرون ، فقال لا أسال قد كفيت ، وقيل إنه خطاب له ، والمراد به أمّته.

فإن قيل : لم قال الله تعالى : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) [الآية ٤٨] يعني الآيات التسع

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٩٧

التي جاء بها موسى (ع). فإن كان المراد به أن كلّ واحدة منهن أكبر من سواها ، لزم أن يكون كل واحدة فاضلة ومفضولة ؛ وإن كان المراد به أنّ كلّ واحدة منهن أكبر من أخت معنية لها ، فأيّتها هي الكبرى ، وأيتها هي الصغرى؟

قلنا : المراد بذلك ـ والله أعلم ـ أنهن موصوفات بالكبر ، لا يكدن يتفاوتن فيه ، ونظيره بيت الحماسة :

من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم مثل النّجوم التي يسري بها الساري فإن قيل : لم قال عيسى (ع) لأمّته كما ورد في التنزيل : (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) [الآية ٦٣].

قلنا : كانوا يختلفون في ما يعنيهم من أمر الديانات ، وفي ما لا يعنيهم من أمور أخرى ، فكان يبيّن لهم الشرائع والأحكام خاصة. وقيل إن البعض هنا بمعنى الكل ، كما سبق في سورة غافر في قوله تعالى : (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) [غافر / ٢٨].

فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٦٦) بعد قوله تعالى (بَغْتَةً) أي فجأة.

قلنا : الحكمة أنّ الساعة تأتيهم ، وهم غافلون ، مشغولون بأمور دنياهم ، كما قال تعالى : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) (٤٩) [يس] فلو لا قوله تعالى (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٦٦) ، لجاز أن تأتيهم بغتة ، وهم فطنون ، حذرون ، مستعدّون لها.

فإن قيل : لم وصف تعالى أهل النار فيها بكونهم مبلسين ، والمبلس هو الآيس من الرحمة والفرج ، ثم قال تعالى (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الآية ٧٧] فطلبوا الفرج بالموت.

قلنا : تلك أزمنة متطاولة ، وأحقاب ممتدة ، فتختلف فيها أحوالهم ، فيغلب عليهم اليأس تارة فيسكنون ، ويشتدّ ما بهم من ألم العذاب تارة فيستغيثون.

فإن قيل : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الآية ٨٤] ظاهره يقتضي تعدّد الآلهة ، لأنّ النكرة إذا أعيدت تعدّدت كقول القائل : له عليّ درهم ودرهم ، وأنت طالق وطالق ، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما لن يغلب عسر يسرين؟

قلنا : الإله هنا بمعنى المعبود

٩٨

بالنقل ، كما في قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) [الأنعام / ٣] فصار المعنى : وهو الذي في السماء معبود وفي الأرض معبود. والمغايرة ثابتة بين معبوديّته في السّماء ، ومعبوديّته في الأرض ، لأن العبوديّة من الأمور الإضافية ، فيكفي في تغايرهما التغاير من أحد الطرفين ، فإذا كان العابد في السماء غير العابد في الأرض ، صدق أن معبوديته في السماء غير معبوديته في الأرض ، مع أن المعبود واحد.

٩٩
١٠٠