الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٨

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٨

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩

سورة الأحقاف

٤٦

١٤١
١٤٢

المبحث الأول

أهداف سورة «الأحقاف» (١)

سورة الأحقاف سورة مكية ، آياتها ٣٥ آية ، نزلت بعد سورة «الجاثية».

سورة الإيمان والتوحيد

تعرض سورة الأحقاف قضية الإيمان بوحدانية الله ، وربوبيته المطلقة لهذا الوجود ومن فيه وما فيه ، والإيمان بالوحي والرسالة ، والإيمان بالبعث وما وراءه من حساب وجزاء على ما كان في الحياة الدنيا من عمل وكسب ، من إحسان وإساءة.

هذه الأسس الأولى التي يقيم عليها الإسلام بناءه كله ، ومن ثمّ عالجها القرآن في كل سوره المكية علاجا أساسيّا ، وظل يتكئ عليها كذلك في سوره المدنية كلما همّ بتوجيه أو تشريع للحياة بعد قيام الجماعة المسلمة والدولة الإسلامية. ذلك أن طبيعة هذا الدين تجعل قضية الإيمان بوحدانية الله سبحانه ، وبعثة محمد (ص) والإيمان بالآخرة وما فيها من جزاء ، هي المحور الذي تدور عليه آدابه ونظمه وشرائعه كلها ، وترتبط به أوثق ارتباط ، فتبقى حية حارّة تبعث تأثّرا دائما بذلك الايمان.

وتسلك السورة بهذه القضية الى القلوب كلّ سبيل ، وتوقّع فيها على كلّ وتر ، وتعرضها في مجالات شتّى ، مصحوبة بمؤثرات كونية ونفسية وتاريخية. كما أنها تجعلها قضية الوجود كله ، لا قضية البشر وحدهم ، فتذكر طرفا من قصة الجن مع هذا

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

١٤٣

القرآن ، كما تذكر موقف بعض بني إسرائيل منه ، وتقيم من الفطرة الصادقة شاهدا ، كما تقيم من بعض بني إسرائيل شاهدا سواء بسواء.

ثم هي تطوف بتلك القلوب في آفاق السماوات والأرض ، وفي مشاهد القيامة في الآخرة ، كما تطوف بهم في مصرع قوم «هود» ، وفي مصارع القرى حول مكة ، وتجعل من السموات والأرض كتبا تنطق بالحق ، كما ينطق هذا القرآن بالحق على السواء.

أربعة مقاطع

تشتمل سورة الأحقاف على أربعة عناصر متماسكة ، كأنها عنصر واحد ذو أربعة مقاطع :

١ ـ نقاش المشركين

يبدأ المقطع الأول بالحرفين حاء وميم ، في قوله تعالى : (حم) (١). وهي بداية تكررت في ست سور سابقة تسمى بالحواميم. وهي : «غافر» ، و «فصّلت» ، و «الشورى» ، و «الزخرف» ، و «الدّخان» ، و «الجاثية» ؛ والسورة السابعة هي «الأحقاف».

ونلحظ أن هذه السور السبع تبدأ بالحرفين حاء وميم ، ثم تعقب بذكر الكتاب ، مما يؤيد أن هذه الأحرف نزلت على سبيل التحدي لأهل مكة أن يأتوا بمثل هذا القرآن.

وتشير سورة الأحقاف في بدايتها الى القرآن فتقول : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (٢). وعقبها مباشرة الإشارة إلى كتاب الكون وقيامه على الحق وعلى التقدير والتدبير. (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) [الآية ٣] فيتوافى كتاب القرآن المتلوّ ، وكتاب الكون المنظور على الحق والتقدير.

وبعد هذا الافتتاح القوي الجامع ، يأخذ السياق في عرض قضية العقيدة مبتدئا بإنكار ما كان عليه القوم من الشرك الذي لا يا قوم على أساس من واقع الكون ، ولا يستند الى حق من القول ولا مأثور من العلم. ويعرض بعد هذا سوء استقبالهم للحق الذي جاءهم به محمد رسول الله (ص) ؛ قال تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧).

ثم يسوق ، عزوجل ، إنكارهم للحق وتطاولهم على الوحي ، واتهامهم

١٤٤

النبي (ص) بالكذب والافتراء. ويرد عليهم سبحانه بأن الأمر أجلّ من مقولاتهم الهازلة ، وادّعاءاتهم العابثة. إذ هو أمر الله العليم الخبير ، يشهد ويقضي ، وفي شهادته وقضائه الكفاية : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٨).

ثم يبيّن أن محمدا (ص) ليس بدعا من الرسل فقد سبقه رسل كثيرون ، فهو مبلغ عن الله سبحانه ، وملتزم بوحي السماء. ويسوق حجة أخرى على صدق رسالته ، تتمثل في موقف بعض من اهتدى للحق من بني إسرائيل ، حينما رأى في القرآن مصداق ما يعرف من كتاب موسى (ع). ويستطرد السياق في عرض تعلّاتهم ومعاذيرهم الواهية على هذا الإصرار ، وهم يقولون عن المؤمنين ، كما ورد في التنزيل : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الآية ١١]. ويشير إلى كتاب موسى (ع) من قبله ، والى تصديق هذا القرآن له ، والى وظيفته ومهمته : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) (١٢).

وفي نهاية المقطع الأول يصوّر لهم جزاء المحسنين ، ويفسّر لهم هذه البشرى التي يحملها إليهم القرآن الكريم بشرطها ، وهو الاعتراف بربوبيّة الله وحده ، والاستقامة على هذا الاعتقاد ومقتضياته : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١٣) ، فقد آمنوا بالله سبحانه ، وأعلنوا ذلك ، واستقاموا على منهج الايمان ، فاستحقوا حياة كريمة في الدنيا ونعيما خالدا في الآخرة.

٢ ـ الفطرة السليمة والفطرة السقيمة

يحتوي المقطع الثاني على ست آيات هي الآيات [١٥ ـ ٢٠] ، وفيها حديث عن الفطرة في استقامتها وفي انحرافها ، وفيما تنتهي إليه حين تستقيم ، وما تنتهي إليه حين تنحرف.

يبدأ بالوصيّة بالوالدين ، وكثيرا ما ترد الوصيّة بالوالدين لاحقة للكلام عن العقيدة ، لبيان أهمية الأسرة والعمل على ترابطها ، وتذكير الإنسان بأصل نعمته ورعايته.

١٤٥

وتذكّرنا الآيات بجهود الأم وفضلها في الحمل والولادة والرضاع.

«إنّ البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية ، تسعى للالتصاق بجدار الرحم وهي مزوّدة بخاصّية تمزيق جدار الرحم الذي تلتصق به ، فيتوارد دم الأم الى موضعها حيث تسبح هذه البويضة دائما في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات ، وتمتصّه لتحيا به وتنمو وهي دائمة الأكل لجدار الرحم ، دائمة الامتصاص لمادة الحياة ، والأم المسكينة تأكل وتشرب ، وتهضم وتمتص ، لتصبّ هذا كلّه دما نقيا غنيا لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول.

وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر الى الجير ، ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير ، وهذا كله قليل من كثير.

ثم الوضع وهو عملية شاقة ، ممزّقة ، ولكن آلامها الهائلة كلّها لا تقف في وجه الفطرة ، ولا تنسى الأم حلاوة الثمرة ، ثمرة تلبية الفطرة ، ومنح الحياة نبتة جديدة تفيض وتمتدّ ، بينما هي تذوي وتموت.

ثم الرضاع والرعاية ، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن ، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية ، وهي ، مع هذا وذلك ، فرحة سعيدة ، رحيمة ودود. لا تملّ أبدا ، ولا تراها كارهة لتعب هذا الوليد ، وأكبر ما تتطلع إليه من جزاء : أن تراه يسلم وينمو ، فهذا هو جزاؤها الحبيب الوحيد» (١).

وقد تكررت وصية القرآن للأبناء ببرّ الآباء ، لأنّ الوالدين قدّما كل شيء ، كالنبتة التي ينمو بها النبات فإذا هي قشّة ، وكالبيضة التي ينمو منها الكتكوت فإذا هي قشرة.

ومن الواجب رد الجميل والعرفان بالفضل لأهله ، وأن يحسن الإنسان الى أصله وأن يدعو لهما ، وهو نوع من تكافل الأجيال. قال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ

__________________

(١). في ظلال القرآن ٢٦ / ٢١.

١٤٦

أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (١٥).

وهذا النموذج ، الذي نشاهده في الآية ، نموذج للفطرة المستقيمة التي ترعى أصلها وتتعهد ذريتها ، وهذا النموذج يقبل الله عمله ويحشره في أصحاب الجنة.

أما النموذج الثاني ، فهو نموذج الانحراف والفسوق والضلال ، نموذج ولد عاق يجحد معروف والديه وينكر البعث والجزاء ويقول (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٧).

وهذا النموذج جدير بالخسران : لقد خسر اليقين والإيمان في الدنيا ، ثم خسر النّعيم والرّضوان في الآخرة.

وينتهي هذا المقطع من السورة بعرض هذين النموذجين ومصيرهما في النهاية ؛ ثم يعرض مشهدا من مشاهد القيامة حيث يعرض المتكبّرون على النار ؛ وفي ذلك المشهد نرى الغائب شاهدا ماثلا يستحثّ النّفوس على الهدى ، ويستجيش الفطر السليمة القوية لارتياد الطريق الواصل المأمون.

٣ ـ قصة عاد

يتناول المقطع الثالث من السورة قصة عاد وهم قوم نبي الله هود (ع) ، ويشمل الآيات [٢٠ ـ ٢٨].

والقصة هنا تخدم الفكرة وتؤيّدها : فقد أنكر أهل مكة رسالة النبي محمد (ص) ، وأعرضوا عن دعوته. فجاء هذا المقطع يذكّرهم بأشباههم ، وينذرهم أن يصيبهم ما أصاب السابقين.

(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) [الآية ٢١]. وأخو عاد هو هود عليه‌السلام ، دعا قومه إلى التوحيد وحذّرهم من عذاب الله.

والأحقاف جمع حقف ، وهو الكثيب المرتفع من الرّمال ، وقد كانت منازل عاد على المرتفعات المتفرّقة في جنوب الجزيرة ، يقال في حضرموت.

وقد أنذر أخو عاد قومه ودعاهم الى عبادة الله وحده ، وحذرهم بطشه وانتقامه. ولم تؤمن عاد برسالة هود (ع) ، وقابلت دعوته بسوء الظن وعدم الفهم والتحدي والاستهزاء ، واستعجال العذاب الذي ينذرهم به. فلما رأوا العذاب ، في صورة سحابة ،

١٤٧

ظنّوه مطرا مفيدا لهم : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢٥).

وتقول الروايات إنه أصاب القوم حرّ شديد ، واحتبس عنهم المطر ، ودخن الجوّ حولهم من الحرّ والجفاف ، ثم ساق الله جلّ جلاله إليهم سحابة ففرحوا بها فرحا شديدا وخرجوا يستقبلونها في الأودية وهم يحسبون فيها الماء (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا). وجاءهم الرد بلسان الواقع (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) .. وهي الريح الصرصر العاتية التي ذكرت في سورة أخرى كما جاء في صفتها : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (٤٢) [الذاريات / ٤٢].

لقد اندفعت الريح تحقّق أمر الله ، وتدمر كل شيء بأمر الله ، فهلك القوم بجميع ما يملكون من أنعام ومتاع وأشياء ، وبقيت مساكنهم خالية موحشة لا ديّار فيها ولا نافخ نار.

ويلتفت السياق الى أهل مكة يلمس قلوبهم ، ويحرك وجدانهم ، ويذكّرهم بأنّ الهالكين كانوا أكثر منهم تمكّنا في الأرض ، وأكثر مالا ومتاعا وقوّة وعلما. فلم تغن عنهم قدرتهم ولا قوتهم ، ولم يغن عنهم ثراؤهم. ولم ينتفعوا بسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم ، بل أصمّوا قلوبهم عن سماع الحق ، ولم تغن عنهم آلهتهم التي اتّخذوها تقرّبا إلى الله.

وكذلك يقف المشركون في مكة أمام مصارع أسلافهم من أمثالهم ، فيقفون أمام مصيرهم هم أنفسهم ، ثمّ أمام الخطّ الثّابت المطّرد المتّصل ، خط الرسالة القائمة على أصلها الواحد الذي لا يتغيّر ، وخط السنّة الإلهيّة التي لا تتحوّل ولا تتبدّل. وتبدو شجرة العقيدة عميقة الجذور ، ممتدّة الفروع ، ضاربة في أعماق الزمان ، سنّة واحدة ، على اختلاف القرون واختلاف المكان.

لقد أهلك الله القرى التي كذّبت رسلها في الجزيرة ، كعاد بالأحقاف في جنوب الجزيرة ، وثمود بالحجر في شمالها ، وسبأ وكانوا باليمن ، ومدين ، وكانت في طريقهم الى الشام ، وكذلك قرى قوم لوط وكانوا يمرون بها في رحلة الصيف الى الشمال.

١٤٨

وقد نوّع الله جلّ جلاله في آياته ، لعلّ المكذّبين يرجعون إلى ربّهم ، ويثوبون الى رشدهم.

قال تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢٧).

٤ ـ إيمان الجن

يتناول المقطع الرابع الحديث عن إيمان الجن ويشمل الآيات الأخيرة من سورة «الأحقاف».

وقد تحدث القرآن عن الجن فذكر أنّ أصلهم من نار ، وأنّ منهم الصالحين ومنهم الظالمين ، وأن لهم تجمّعات معيّنة تشبه تجمّعات البشر في قبائل وأجناس ، وأن لهم قدرة على الحياة على هذا الكوكب الأرضي ، ولهم قدرة على الحياة خارج هذا الكوكب. وللجن قدرة على التأثير في إدراك البشر ، والإيعاز بالشّرّ. قال تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦). ومن خصائص الجنّ أن يروا النّاس ولا يراهم النّاس ، لقوله تعالى عن إبليس ، وهو من الجن : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف / ٢٧].

وقد تحدّثت الآيات الأخيرة من السورة عن إيمان الجن الذين استمعوا لهذا القرآن ، فتنادوا بالإنصات ، واطمأنّت قلوبهم إلى الإيمان ، وانصرفوا إلى قومهم منذرين يدعونهم الى الله سبحانه ، ويبشّرونهم بالغفران والنجاة ، ويحذّرونهم الإعراض والضلال.

وهذا الأمر في ظاهره الخبر عن إيمان الجن ، ومع ذلك ، فهو يصوّر أثر هذا القرآن في القلوب. فعند ما سمع الجن تلاوة القرآن قالوا : أنصتوا. وعند ما تأثرت قلوبهم ، انطلقوا الى قومهم يتحدثون عن القرآن والإيمان ، ويعرضون دعوة الإسلام على قومهم. وبفضل القرآن صاروا دعاة هداة ، ملك القرآن عليهم نفوسهم ، فانطلقوا يحملون الهداية والرحمة لقومهم ، ثم يتحدثون عن الصلة الوثيقة بين القرآن والتوراة ، بين محمد وموسى ، صلوات الله وسلامه عليهما ، وعلى الأنبياء والمرسلين كافّة ، فالجميع من عند الله لهداية خلق الله :

١٤٩

(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٠).

وهذا القول على لسان الجنّ يفيد ما بين الرسل جميعا من آصرة الأخوّة. فربهم واحد ، ودعوتهم واحدة ، وفكرتهم أساسها هداية الناس ومحاربة الرذائل ، والتعاون على الخير والمعروف. والعداء بين الأديان إنما جاء من سوء الفهم أو من تحريف الإنسان للوحي.

كذلك وردت على لسان الجن إشارة الى كتاب الكون المفتوح ، ودلالته على قدرة الله الظاهرة في خلق السموات والأرض ، الشاهدة لقدرته على الإحياء والبعث ، وهي القضية التي يجادل فيها البشر ، وبها يجحدون.

وبمناسبة البعث ، يعرض السياق مشهدا من مشاهد القيامة يبدو فيه الكفار وهم يعترفون بالإيمان ، بعد أن كانوا ينكرونه في الدنيا ، ثم يقال لهم : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٤).

وفي ختام السورة توجيه للرسول (ص) بالصبر والمصابرة فإنها طريق الرسل ، وما ينبغي للدّعاة إلّا الصبر والاحتمال.

مقصود السورة اجمالا

ذكر الفيروزآبادي أن معظم سورة الأحقاف هو :

«إلزام الحجّة على عبادة الأصنام ، والإخبار عن تناقض كلام المتكبّرين ، وبيان نبوّة سيّد المرسلين محمّد (ص) ، وتأكيد ذلك بحديث موسى (ع) ، والوصيّة بتعظيم الوالدين ، وتهديد المتنعّمين والمترفين ، والإشادة بإهلاك عاد ، والإشارة إلى الدعوة ، وإسلام الجن ، وإتيان يوم القيامة فجأة» واستقلال لبث اللّابثين في قوله تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) (٣٥).

١٥٠

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الأحقاف» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة «الأحقاف» بعد سورة «الجاثية» ، ونزلت سورة «الجاثية» بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، فيكون نزول سورة الأحقاف في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم لقوله تعالى في الآية [٢١] منها (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ). وتبلغ آياتها خمسا وثلاثين آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة إنذار المشركين بالعذاب ، وأخذهم مع هذا الدليل الى التصديق بالتوحيد والرسالة ، وبهذا جمع فيها بين الأخذ بالترهيب والترغيب والأخذ بالدليل ، كما جمع بين ذلك في السّور السّابقة ، وهذا هو وجه المناسبة بينها وبين هذه السور.

إنذار الكفار بالعذاب

الآيات [١ ـ ٣٥]

قال الله تعالى (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) (٣) فذكر سبحانه أنه خلق السماوات والأرض لحكمة وأجل ينتهي أمرهما بعد ذلك ؛ وليس خلقهما عبثا ، فلا بدّ بعد انتهائهما من الحساب والعقاب ، ولا بدّ من رسول ينذرهم بهذا المآل ،

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٥١

ولكنهم ، لجهلهم وعنادهم ، يعرضون عن هذا الإنذار ، ويتمسّكون بما هم فيه من الشرك والضلال. ثم انتقل السياق من هذا الى تسجيل الجهل والعناد عليهم في شركهم وإعراضهم عما أنذروا به ، فطلب منهم ، سبحانه ، أن يخبروه عمّا خلق شركاؤهم من الأرض ، أو يأتوه بكتاب منزل أو دليل من العقل. وذكر ، عزوجل ، أنه لا أضلّ ممّن يدعو من دونه جمادا لا يستجيب له الى يوم القيامة ، وإذا حشر الناس تبرّأ من عبادتهم له. ثم انتقل السياق من هذا الى إعراضهم عمّا أنذروا به وزعمهم أنه سحر أو كذب مفترى ، فأمر الله تعالى نبيّه (ص) بأن يجيبهم بأنه لو كان قد افتراه لعاجله الله بعقربته ، ولم يملكوا أن يدفعوا عنه شيئا. ثم ذكر شبهة أخرى لهم فيه ، وهي قولهم في الذين آمنوا : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الآية ١١] ، وأجاب عنها بأنه أنزل التوراة قبله إماما ورحمة لبني إسرائيل ، وهذا كتاب أنزله لهم بلسان عربيّ إنذارا للذين ظلموا وبشرى للمحسنين ، ثم بيّن عزوجل وجه كونه بشرى لهم بأنهم إذا قالوا : ربّنا الله ثمّ استقاموا ، فلا خوف عليهم ، وسيكونون من أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون. وذكر من أعظم ما يجزون عليه هذا الجزاء استجابتهم لوصيّته بالإحسان الى الوالدين ، وقيامهم بشكره على ما أنعم به عليهم. ثم ذكر ، سبحانه ، حديث الذي أساء إلى والديه ، وقد أنذراه بعذاب الآخرة إن لم يؤمن بالله تعالى ، لأن ذكر الضد يدعو الى ذكر ضده ، وليأخذ في الوعيد بعد الأخذ في الوعد ، فذكر أن مثل هذا قد حقّ عليه القول بالعذاب في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ، وسلكوا في الضلال مسلكهم ؛ وأن من هؤلاء الأمم قوم عاد بالأحقاف ، فقد أنذرهم أخوهم هود فكذّبوه فأخذوا بريح دمّرت عليهم مساكنهم ؛ وكذلك ما حول مكة من القرى التي دمّرت باليمن والشام ، فلم ينصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٨).

ثم ذكر سبحانه من استجاب للإنذار من الجن ، بعد أن ذكر من أعرض عنه من الإنس ، ليحملهم على الاستجابة للإنذار مثلهم ، فذكر حديث استماع نفر من الجن للقرآن وإيمانهم به ، وأنهم انصرفوا الى قومهم منذرين ،

١٥٢

فأخبروهم بما سمعوا منه ، ورغّبوهم في الإيمان وحذّروهم من الكفر : (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٢).

ثم ختم تعالى السورة بمثل ما بدأها به من الإنذار ، فذكر قدرته جلّ وعلا على إحياء الموتى وحسابهم ، وأنذر الكفار بعرضهم على النار ، وأنه يطلب منهم أن يعترفوا بأنها الحق فيعترفون ، فيقال لهم ذوقوا العذاب بما كنتم. تكفرون : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) (٣٥).

١٥٣
١٥٤

المبحث الثالث

مكنونات سورة «الأحقاف» (١)

١ ـ (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الآية ١٠].

هو عبد الله بن سلام. أخرجه الطّبراني من حديث عوف بن مالك الأشجعي (٢) بسند صحيح.

وأخرجه ابن أبي حاتم من حديث سعد بن أبي وقّاص. ومن طريق العوفي ، عن ابن عبّاس (٣).

وقاله مجاهد ، وعكرمة ، وآخرون.

٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). ونص الحديث كما في «مجمع الزوائد» ٧ / ١٠٥ ؛ نورده لما له من الفوائد في الكشف عن عناد بني إسرائيل ورفضهم الانصياع لحكم الحق.

«عن عوف بن مالك الأشجعي قال : انطلق النبي (ص) ، وأنا معه ، حتى إذا دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله (ص) : «يا معشر اليهود ، أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه» فأسكتوا فما أجابه منهم أحد ، ثم ردّ عليهم فلم يجبه أحد ، ثم ثلث ، فلم يجبه أحد. فقال : «أبيتم ، فو الله لأنا الحاشر ، وأنا العاقب ، وأنا المقفّي ؛ آمنتم أو كذّبتم ثمّ انصرف ، وأنا معه ، حتّى كدنا أن نخرج ، فإذا رجل من خلفه فقال : كما أنت يا محمد. فأقبل ، فقال ذاك الرجل : أي رجل تعلمونني منكم يا معشر اليهود؟ قالوا : والله ما نعلم فينا رجلا كان أعلم بكتاب الله ، ولا أفقه منك ، ولا من أبيك قبلك ، ولا من جدّك قبل أبيك. قال : فإنّي أشهد بالله أنه نبي الله الذي تجدون في التوراة. قالوا : كذبت ثمّ ردّوا عليه ، وقالوا فيه شرّا. فقال رسول الله (ص) : «كذبتم لن نقبل منكم قولكم». قال : فخرجنا ونحن ثلاثة : رسول الله (ص) ، وأنا ، وابن سلام. فأنزل الله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠). قال الهيثمي : رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح.

(٣). انظر «تفسير الطبري» ٢٦ / ٧.

١٥٥

لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الآية ١١].

قال ابن عسكر : قيل : قائل ذلك بنو عامر وغطفان ، والسّابقون : أسلم ، وغفار ، وجهينة ، ومزينة.

وقيل : قاله مشركو قريش ، حين أسلمت غفار.

وقيل : المراد بالسابقين : بلال ، وعمار ، وصهيب.

٣ ـ (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) [الآية ١٧].

قال السّدّي : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق ، وأبيه أبي بكر ، وأمّه أمّ رومان. أخرجه ابن أبي حاتم. وأخرج مثله عن ابن جريج.

وأخرج عن مجاهد أنه عبد الله بن أبي بكر ، وأنكرت ذلك عائشة ، كما أخرجه البخاري عنها ؛ وقالت : نزلت في فلان بن فلان. كذا في «الصحيح» (١) مكنيا.

٤ ـ (قالُوا هذا عارِضٌ) [الآية ٢٤].

قال ذلك : بكر بن معاوية ، من قوم عاد. ذكره ابن عسكر ، عن ابن جريج.

٥ ـ (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) [الآية ٢٩].

أخرج ابن أبي حاتم (٢) عن ابن عباس قال : هم جنّ نصيبين.

وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة ، عن ابن عبّاس : أنّهم كانوا سبعة من أهل نصيبين.

ومن طريق سعيد بن جبير عنه قال : كانوا تسعة.

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال :

__________________

(١). أخرجه البخاري في التفسير (٤٨٢٧) ، ونصه : «كان مروان على الحجاز استعمله معاوية ، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ؛ فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا ، فقال خذوه. فدخل بيت عائشة ، فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إن هذا الذي أنزل الله فيه (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي) فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري» ، أي في سورة النور والتي فيها قصة الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها ، وقول عائشة : نزلت في فلان بن فلان ، جاءت ، كما نص عليها الحافظ في «فتح الباري» ٨ / ٥٧٧ من رواية الإسماعيلي : للصحيح ؛ وفيه ، وفي رواية الإسماعيلي «فقالت عائشة : كذب والله ، ما نزلت فيه ، والله ما أنزلت إلا في فلان بن فلان الفلاني. وفي رواية له : لو شئت أن أسمّيه لسمّيته ، ولكن رسول الله (ص) لعن أبا مروان ومروان في صلبه».

(٢). والطبري في «تسيره» ٢٦ / ٢٠.

١٥٦

الجنّ الذين صرفوا الى النبيّ (ص) من الموصل ، وكان أشرافهم من نصيبين.

وعن زرّ بن حبيش قال : كانوا تسعة أحدهم : زوبعة.

وعن مجاهد : أنهم كانوا سبعة : ثلاثة من أهل حران ، وأربعة من أهل نصيبين.

وذكر السّهيلي : أنّ ابن دريد ذكرهم خمسة.

وفي «تفسير إسماعيل بن أبي زياد» : هم تسعة.

وقد أخرج ابن مردويه من طريق الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس : أنهم كانوا اثني عشر ألفا من جزيرة الموصل.

وأخرجه ابن أبي حاتم أيضا عن عكرمة.

٦ ـ (أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الآية ٣٥].

أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : كلّ الرسل كانوا أولي عزم (١).

وأخرج عن الحسن قال : هم من لم تصبه فتنة من الأنبياء.

وعن أبي العالية قال : هم نوح (ع) ، وهود (ع) ، وإبراهيم (ع) ، ومحمد (ص) رابعهم.

وعن سعيد بن عبد العزيز قال : هم نوح ، وهود ، وإبراهيم ، وموسى ، وشعيب عليهم الصلاة والسلام.

وعن السّدّي قال : هم الذين أمروا بالقتال من الأنبياء ؛ وبلغنا أنّهم ستة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وسليمان ، وعيسى ، ومحمد ، صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.

وعن ابن جريج قال : ليس منهم آدم ، ولا يونس ، ولا سليمان ، ولكن إسماعيل ، ويعقوب ، وأيّوب.

وعن الضّحّاك ، عن ابن عباس قال : هم نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ومحمد (ص).

__________________

(١). وأخرجه أيضا الطبري في «تفسيره» ٢٦ / ٢٤.

١٥٧
١٥٨

المبحث الرابع

لغة التنزيل في سورة «الأحقاف» (١)

١ ـ قال تعالى : (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) [الآية ٤].

الأثارة : البقيّة.

أقول : وهي قريبة من «الأثر» ، الذي فيه معنى ما بقي من الشيء.

٢ ـ وقال تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الآية ٩].

البدع : البديع كالخفّ بمعنى الخفيف.

والمعنى : ما كنت بدعا من الرسل فآتيكم بكل ما تقترحونه ، وأخبركم بكل ما تسألون عنه من المغيّبات ، فإنّ الرسل لم يكونوا يأتون إلّا بما آتاهم الله من آياته ، ولا يخبرون إلّا بما أوحي إليهم.

٣ ـ وقال تعالى : (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) [الآية ١٥].

أي : ألهمني وأولعني به.

وتأويله في اللغة : كفّني عن الأشياء إلّا عن شكر نعمتك ، وكفّني عمّا يباعدني عنك.

أقول : وهذا يدفعنا الى ان نقرأ قوله تعالى :

(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١٩) [فصّلت].

والمعنى : أن يحبس أوّلهم على آخرهم ، وقيل يكفّون.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٥٩
١٦٠