الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٨

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٨

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩

المبحث السابع

المعاني المجازية في سورة «الزخرف» (١)

في قوله سبحانه : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) (٥) استعارة. ويقال : ضربت عنه وأضربت عنه بمعنى واحد.

وسواء قولك ذهبت عنه صفحا ، وأعرضت عنه صفحا ، وضربت وأضربت عنه صفحا ، ومعنى صفحا هاهنا أي أعرضت عنه بصفحة وجهي.

والمراد ، والله اعلم ، أفنعرض عنكم بالذّكر ، فيكون الذّكر مرورا بصفحه عنكم ، من أجل إسرافكم وبغيكم؟ أي لسنا نفعل ذلك ، بل نوالي تذكيركم لتتذكّروا ، ونتابع زجركم لتنزجروا. ولمّا كان سبحانه يستحيل أن يصف نفسه بإعراض الصفحة ، كان الكلام محمولا على وصف الذّكر بذلك ، على طريق الاستعارة.

وفي قوله سبحانه : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) (١١) استعارة. وقد مضى مثلها في ما تقدم ، إلا أن هاهنا إبدال لفظة مكان لفظة. لأن ما مضى من نظائر هذه الاستعارة ، إنما يرد بلفظ إحياء الأرض بعد موتها. وورد ذلك هاهنا ، بلفظ الإنشار بعد الموت وهو أبلغ. لأن الإنشار صفة تختصّ بها الإعادة بعد الموت ، والإحياء قد يشترك فيه ما يعاد من الحيوان بعد موته ، وما يعاد من النبات والأشجار بعد تلبّده وجفوفه. يقال : قد أحيا الله الشجر.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٠١

كما يقال : قد أحيا البشر. ولا يقال : أنشر الله النبات ، كما يقال : أنشر الأموات.

وفي قوله سبحانه : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢٨) استعارة : لأنّ الكلام الذي هو الأصوات المقطّعة ، والحروف المنظومة ، لا يجوز عليه البقاء. إنما المراد ، والله اعلم ، أن إبراهيم (ع) جعل الكلمة التي قالها لأبيه وقومه وهي قوله تعالى : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) (٢٧) باقية في عقبه ، بأن وصّى بها ولده ، وأمرهم أن يتواصوا بها ما تناقلتهم الأصلاب ، وتناسختهم الأدوار. وهذه الكلمة هي كلمة الإخلاص والتوحيد. والله اعلم.

وقوله سبحان : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٤٥) وهذا الكلام أيضا داخل في قبيل الاستعارة. لأن مسألة الرسل الذين درجت قرونهم ، وخلت أزمانهم غير ممكنة. إنّما المراد ، والله اعلم ، واسأل أصحاب من أرسلنا من قبلك من رسلنا ، أو استعلم ما في كتبهم ، وتعرّف حقائق سننهم. وذلك على مثال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٨٢) [يوسف / ٨٢].

وقال بعضهم : مسألة الرسل هاهنا بمعنى المسألة عنهم ، عليهم‌السلام ، وعمّا أتوا به من شريعة ، وأقاموه من عماد سنّة. وقد يأتي في كلامهم : اسأل كذا ، أي اطلبه ، واسأل عنه.

قال سبحانه : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (٣٤) [الإسراء / ٣٤] أي مسؤولا عنه.

وقال تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (٨) (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩) أي سئل عن قتلها ، وطلب بدمها. فكأنه تعالى قال لنبيه (ع) : واسأل عن سنن الأنبياء قبلك ، وشرائع الرسل الماضين أمامك ، فإنك لا تجد فيها إطلاقا عبادة لمعبود إلا الله سبحانه. وقد استقصينا الكلام على ذلك في كتابنا الكبير.

١٠٢

سورة الدّخان

٤٤

١٠٣
١٠٤

المبحث الأول

أهداف سورة «الدخان» (١)

سورة «الدخان» سورة مكية نزلت في الفترة الأخيرة من حياة المسلمين في مكة ، بعد الإسراء ، وقبيل الهجرة ، وآياتها ٥٩ آية ، نزلت بعد سورة «الزخرف». وقد سميت سورة «الدخان» لقوله تعالى فيها :

(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠).

أفكار السورة

قال الفيروزآبادي : معظم ما ترمي إليه سورة الدخان هو :

نزول القرآن في ليلة القدر ، وآيات التوحيد ، والشكاية من الكفار ، وحديث موسى (ع) وبني إسرائيل وفرعون ، والرد على منكري البعث ، وذلّ الكفار في العقوبة ، وعز المؤمنين في الجنة ، والمنّة على الرسول (ص) بتيسير القرآن على لسانه ، في قوله تعالى :

(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٥٨).

فضل السورة

سورة الدخان سورة يكثر المسلمون قراءتها ، خصوصا ليلة النصف من شعبان ، وليلة القدر في رمضان ، وليلة الجمعة. وهي تبدأ ببيان أن القرآن أنزل من السماء في ليلة مباركة ، يحمل الرحمة والهدى من رب العالمين ؛ ثم تنذر المشركين بالعذاب ، وتذكر طرفا من قصة موسى (ع) مع فرعون ، يعقبه

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

١٠٥

مشاهد القيامة ، وفيها نعيم المتقين ، وعقاب المشركين.

ومن السنّة قراءة سورة الدخان ليلة الجمعة لتثبيت الإيمان وتقوية اليقين بقدرة الله رب العالمين. قال رسول الله (ص) : «من قرأ حم التي يذكر فيها الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له» (١).

سياق السورة

سورة الدخان سريعة الإيقاع ، قصيرة الفواصل ، لها سمات السور المكية ، إذ تشتمل على صور عنيفة متقاربة ، ونذر متكررة ، تشبه المطارق التي تقع على أوتار القلب البشري. «ويكاد سياق السورة أن يكون كله وحدة متماسكة ، ذات محور واحد ، تشد إليه خيوطها جميعا ، سواء في ذلك القصة ، ومشهد القيامة ، ومصارع الغابرين ، والمشهد الكوني ، والحديث المباشر عن قضية التوحيد والبعث والرسالة ، فكلها وسائل ومؤثرات لإيقاظ القلب البشري ، واستجاشته لاستقبال حقيقة الإيمان حية نابضة ، كما يبثها هذا القرآن في القلوب» (٢).

تبدأ السورة بهذه الآيات القصيرة المتلاحقة ، المتعلقة بالكتاب والإنذار والرسالة والهداية :

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (٥).

ثم تعريف للناس بربهم : رب السماوات والأرض وما بينهما ، وإثبات الوحدانية لله المحيي المميت ، ربّ الأولين والآخرين.

ثم أعرض السياق عن هذا الحديث ليتناول شأن القوم :

(بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) (٩).

ويعاجلهم بالتهديد المرعب جزاء الشك واللعب :

(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) (١١).

ثم ذكر ما يكون من دعائهم لله أن يكشف عنهم العذاب ، وإعلانهم

__________________

(١). في حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي ١٤٨ «هذا الحديث أخرجه الترمذي ، وليس موضوعا».

(٢). في ظلال القرآن ، بقلم سيد قطب ٢٤ / ١٠٥.

١٠٦

الاستعداد للإيمان في وقت لا يقبل منهم فيه إيمان.

وتذكيرهم بأن هذا العذاب لم يأت بعد ، وهو الآن عنهم مكشوف فلينتهزوا الفرصة ، قبل أن يعودوا الى ربهم ، فيكون ذلك العذاب المخيف.

(يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (١٦).

ومن هذا الإيقاع العنيف بمشهد العذاب ، ومشهد البطشة الكبرى والانتقام ، ينتقل بهم السياق الى مصرع فرعون وملّته ، يوم جاءهم رسول كريم ، يدعوهم الى الإيمان بالله تعالى ، فأبوا أن يستجيبوا لدعوته ، وهمّوا بالانتقام من موسى (ع) فأغرقهم سبحانه ، وتركوا وراءهم الجنات والزروع ، والفاكهة والمقام الكريم ، يستمتع بها سواهم ، ويذوقون هم عذاب السعير.

وفي غمرة هذا المشهد الموحي يعود السياق الى الحديث عن تكذيبهم بالآخرة ، وإنكارهم للبعث وقولهم ، كما ورد في التنزيل :

(إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٦).

ليذكّرهم ، بأنهم ليسوا أقوى من قوم تبّع الذين هلكوا لإجرامهم. ويربط السّياق بين البعث ، وحكمة الله ، جلّ وعلا ، في خلق السماوات والأرض ، فلم يخلقهما عبثا ، وإنما لحكمة سامية ، هي أن تكون الدنيا للعمل والابتلاء ، والآخرة للبعث والجزاء.

ثم يحدثهم عن يوم الفصل الذي هو (مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ). وهنا يعرض السياق مشهدا عنيفا لعذاب المكذّبين : إنهم يأكلون من شجرة مؤلمة طعامها مثل درديّ (١) الزيت المغلي ـ وهو المهل ـ يغلي في البطون كغلي الجحيم ، ويشدّ المجرم شدّا في جفوة وإهانة ، ويصبّ فوق رأسه من الحميم الذي يكوي ويشوي.

ومع الشدّ والجذب ، والدفع والعتل والكيّ ، التأنيب والإهانة ، جزاء الشكّ والتكذيب بالبعث والجزاء :

(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩).

وفي الجانب الآخر من ساحة

__________________

(١). درديّ الزيت : ما رسب أسفل الزيت.

١٠٧

القيامة ، نجد المتّقين في مقام أمين ، يلبسون الحرير الرقيق وهو السندس ، والحرير السميك وهو الإستبرق ، ويجلسون متقابلين يسمرون ويتمتعون بالحور العين ، وبالخلود في دار النعيم.

(فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٥٧).

ثم يأتي الختام يذكّرهم بنعمة الله سبحانه في تيسير هذا القرآن على لسان الرسول العربي ، الذي يفهمون كلامه ويدركون معانيه ، ويخوّفهم العاقبة والمصير ، في تعبير ملفوف ، ولكنه مخيف.

(فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) (٥٩).

١٠٨

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الدخان» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة «الدخان» بعد سورة «الزخرف» ، ونزلت سورة «الزخرف» بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، فيكون نزول سورة «الدخان» في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم لقوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠) وتبلغ آياتها تسعا وخمسين آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة ، بيان أن ما أنذر به المشركون ، في آخر السورة السابقة ، قد صار قريبا ، وأصبح وقوعه مرتقبا ، وأوشك دخانه أن يملأ آفاق السماء ؛ ولهذا جاءت هذه السورة بعد سورة الزخرف ، لما بينهما من هذه المناسبة الظاهرة.

إنزال يوم العذاب

الآيات [١ ـ ٥٩]

قال الله تعالى : (حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (٣) فذكر سبحانه أنه أنزل يوم عذابهم إلى سماء الدنيا ، في الليلة التي اختارها من السنة لتقدير الحوادث فيها ، وإعلان ملائكته بها لتنفيذها. ثم انتقل السياق من هذا الى أمر النبي (ص) بارتقاب يوم تأتي السماء

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٠٩

بدخانه. وهذا كناية عن ظهور شرّه ، لأن الإنسان إذا اشتد خوفه أظلمت عيناه ، فيرى الدنيا كأنها مملوءة من الدخان. ثم ذكر السياق ما يكون من دعائهم له ، سبحانه ، أن يكشفه عنهم وإعلان استعدادهم للإيمان ، وما يكون من استبعاده إيمانهم إذا كشفه عنهم ، وقد جاءهم رسول مبين فأعرضوا عنه وقالوا : معلّم مجنون. ثم ذكر السياق أيضا أنه ، سبحانه ، يكشفه قليلا ، ليظهر كذبهم في دعوى استعدادهم للإيمان ، إذا كشفه عنهم ، وأنه ، جلّت قدرته ، يبطش بهم بعد هذا بطشته الكبرى ، وينتقم منهم. ثم أتبع ذلك بذكر ما حصل لفرعون وقومه لبيان قدرة الله تعالى على إهلاكهم ، وأن تلك سنته فيمن يكذّب رسله ولا يؤمن به. ثم عاد السياق إليهم فذكر أنهم ينكرون ذلك ويزعمون أنهم لا يبعثون ؛ ويطلبون ، ممن يعتقد ذلك ، أن يبعث لهم آباءهم إن كان صادقا في دعواه. وأورد السياق ردّه سبحانه عليهم بأنهم ليسوا أقوى من قوم تبّع الذين أهلكهم لإجرامهم ، وبأنه ، جلّ وعلا ، لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ، وإنما خلق ذلك لحكمة لا تظهر إلّا بأن يكون هناك بعث بعد الموت ، لأنه لا بدّ من يوم يفصل فيه بينهم أجمعين ، فلا يغني فيه مولى عن مولى شيئا ، وتكون شجرة الزّقّوم طعام الأثيم ، ويكون المتّقون في مقام أمين. ثم ختمت السورة بمثل ما بدأت به ، فقال تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) (٥٩).

١١٠

المبحث الثالث

مكنونات سورة «الدخان» (١)

١ ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) [الآية ٣].

قال عكرمة : ليلة القدر. أخرجه ابن أبي حاتم.

وقيل : ليلة النّصف من شعبان (٢).

حكاه ابن عسكر (٣).

٢ ـ (طَعامُ الْأَثِيمِ) (٤٤).

قال سعيد بن جبير : هو أبو جهل.

أخرجه ابن أبي حاتم (٤).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). قال ابن كثير في «تفسيره» ٤ / ١٣٧ : «ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان ، كما روي عن عكرمة ، فقد أبعد النّجعة ، فإن نص القرآن أنها في رمضان» أي في سورة القدر.

(٣). والطبري في «تفسيره» ٢٥ / ٦٤ ، وصوّب أنها في ليلة القدر.

(٤). وأخرجه الطبري ٢٥ / ٧٨ عن ابن زيد.

١١١
١١٢

المبحث الرابع

لغة التنزيل في سورة «الدخان» (١)

١ ـ وقال تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) (٢٩).

أي : لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا الى وقت آخر ، ولم يمهلوا إلى الآخرة. والإنظار : الإمهال.

٢ ـ وقال تعالى : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) (٤٧).

أي : فقودوه بعنف وغلظة ، وهو أن يؤخذ بتلبيب الرجل ، فيجرّ الى حبس أو قتل. ومنه العتلّ ، أي : الغليظ الجافي.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١١٣
١١٤

المبحث الخامس

المعاني اللغوية في سورة «الدخان» (١)

قال تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً) وقال : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [الآية ٦] بانتصابه على «إنّا أنزلناه أمرا ورحمة» في الحال.

وقال تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ) [الآية ٤٢] بجعله بدلا من الاسم المضمر في (يُنْصَرُونَ) (٤١) وإن شئت جعلته مبتدأ. وأضمرت خبره تريد «إلّا من رحم الله فيغني عنه».

وقال تعالى : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) (٥٤) أي ، والله أعلم ، «جعلناهم أزواجا بالحور» ، ومن العرب من يقول «عين حير».

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١١٥
١١٦

المبحث السادس

لكل سؤال جواب في سورة «الدخان» (١)

إن قيل : الخلاف بين النبي (ص) ومنكري البعث إنما كان في الحياة بعد الموت لا في الموت ، فلم قال تبارك وتعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) ، ولم يقل إلا حياتنا ، كما قال تعالى في موضع آخر : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [المؤمنون / ٣٧] وما معنى وصف الموتة بالأولى ، كأنهم وعدوا موتة أخرى ، حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الموتة الأولى؟

قلنا : لمّا وعدوا موتة تكون بعدها حياة نفوا ذلك ، كأنهم قالوا : لا تقع في الوجود موتة تكون بعدها حياة ، إلّا ما كنا فيه من موتة العدم ، وبعثنا منه الى حياة الوجود. وقيل إنهم نفوا بذلك الموتة الثانية في القبر ، بعد إحيائهم لسؤال منكر ونكير.

فإن قيل لم قال تعالى : (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) (٤٨) والعذاب لا يصب ، وإنما يصب الحميم ، كما في قوله تعالى في موضع آخر : (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) (١٩) [الحج]؟

قلنا : هو استعارة ليكون الوعد أهول وأهيب ، ونظيره قوله تعالى : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (١٣) [الفجر] وقوله تعالى : (أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) [البقرة / ٢٥٠] ، وقول الشاعر :

صبّت عليهم صروف الدّهر من صبب

فإن قيل : لم وعد الله أهل الجنة

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١١٧

بلبس الإستبرق وهو غليظ الديباج في قوله تعالى : (يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) مع أن لبس الغليظ من الديباج عند السعداء من أهل الدنيا عيب ونقص؟

قلنا : كما أن رقيق ديباج الجنة وهو السندس ، ولا يماثل رقيق ديباج الدنيا إلا في الاسم فقط ، فكذلك غليظ ديباج الجنة. وقيل السندس لباس السادة من أهل الجنة ، والإستبرق لباس العبيد والخدم إظهارا لتفاوت المراتب.

فإن قيل : لم قال تعالى في وصف أهل الجنة : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الآية ٥٦] مع أن الموتة الأولى لم يذوقوها في الجنة؟

قلنا : قال الزجاج والفراء «إلّا» هنا بمعنى سوى كما في قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء / ٢٢] وقوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود / ١٠٨].

الثاني : أن «إلّا» بمعنى بعد كما قال بعضهم في قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ). الثالث : أنّ السعداء ، إذا حضرتهم الوفاة ، كشف لهم الغطاء ، وعرضت عليهم منازلهم ومقاماتهم في الجنة ، وتلذّذوا في حال النزع بروحها وريحانها ، فكأنهم ماتوا في الجنة ، وهذا قول ابن قتيبة رحمه‌الله.

١١٨

المبحث السابع

المعاني المجازية في سورة «الدخان» (١)

في قوله سبحانه : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٤) استعارة ، وقد مضى الكلام على مثلها في بني إسرائيل. والمراد ، والله أعلم ، تبيين كل أمر حكيم في هذه الليلة ، حتى يصير كفرق الصبح في بيانه ، أو مفرق الطريق في اتضاحه. ومنه قولهم : فرقت الشّعر. إذا خلّصت بعضه من بعض ، وبيّنت مخطّ وسطه بالمدرى (٢) أو بالإصبع.

وفي قوله سبحانه : (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (١٩) استعارة. والمراد بالعلوّ هاهنا : الاستكبار على الله سبحانه ، وعلى أوليائه.

ويوصف المستكبر في كلامهم بأن يقال : قد شمخ بأنفه. وهذه الصفة مثل وصفه بالعلوّ. لأنّ الشامخ : العالي.

وقال سبحانه : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) [القصص / ٤] أي تجبّر فيها ، واستكبر على أهلها. وليس يراد بذلك العلوّ الذي هو الصعود. وإنما يراد به العلوّ الذي هو الاستكبار والعتوّ. وضدّ وصفهم المستكبر بالعلوّ والتطاول ، وصفهم المتواضع بالخشوع والتضاؤل.

وفي قوله سبحانه : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) (٢٩). استعارة. وقد قيل في معناها أقوال : أحدها أن البكاء هاهنا بمعنى الحزن ، فكأنه تعالى قال : فلم تحزن عليهم السماء والأرض بعد هلاكهم ، وانقطاع

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). المدرى : المشط الذي يدرى به الرأس ، ويمشط.

١١٩

آثارهم. وإنما عبّر سبحانه عن الحزن بالبكاء ، لأن البكاء يصدر عن الحزن ، في أكثر الأحوال. ومن عادة العرب أن يصفوا الدّار إذا ظعن عنها سكّانها ، وفارقها قطّانها بأنها باكية عليهم ، ومتوجعة لهم ، على طريق المجاز والاتساع ، بمعنى ظهور علامات الخشوع والوحشة عليها ، وانقطاع أسباب النعمة والأنسة عنها.

ووجه آخر هو أن يكون المعنى : لو كانت السماوات والأرض من الجنس الذي يصح منه البكاء لم تبكيا عليهم ، ولم تتوجّعا لهم ، إذ كان الله سبحانه عليهم ساخطا ، ولهم ماقتا.

ووجه آخر : قيل معنى ذلك : ما بكى عليهم من السماوات والأرض ، ما يبكي على المؤمن عند وفاته ، من مواضع صلواته ، ومصاعد أعماله ، على ما ورد الخبر به (١).

وفي ذلك وجهان آخران يخرج بهما الكلام عن طريق الاستعارة ، فأحدهما أن يكون المعنى : فما بكى عليهم أهل السماء والأرض ، ونظائر ذلك في القرآن كثيرة. والآخر أن يكون المعنى أنه لم ينتصر أحد لهم ، ولم يطلب طالب بثأرهم.

ومضى في أشعار العرب : بكينا فلانا بأطراف الرماح ، وبمضارب الصفاح. أي طلبنا دمه ، وأدركنا ثأره.

__________________

(١). روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (ص) : «ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان : باب ينزل منه رزقه ، وباب يدخل منه كلامه وعمله ، فإذا مات فقداه ، فبكيا عليه. ثم تلا قوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ). انظر «الجامع لأحكام القرآن» ج ١٦ ص ١٤٠ وقال علي وابن عباس رضي الله عنهما : إنه يبكي مصلاه من الأرض ، ومصعد عمله من السماء. (المصدر نفسه).

١٢٠