الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٧

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٧

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٥

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «فاطر» (١)

وقال تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) [الآية ٤].

أقول : قال النحاة : كلّ جمع مؤنّث ، وهذا يعني أنّ الغالب على معنى الجمع هو التأنيث ، إذا استثنينا جمع المذكّر السالم.

ويصدق قولهم : إنّ الجمع مؤنث في كثير من الألفاظ المذكّرة الدّالّة على العاقل ، مثل كلمة ، «رسل» فهي جمع رسول.

٢ ـ وقال تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) [الآية ٩].

أقول : الميّت بالتشديد «فيعل» ، وقد يخفف فيكون «ميت» ، «فعل» مثل «ضيّق» و «ضيق».

وقد ورد «ميت» بالتخفيف في قوله تعالى :

(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا) [الفرقان : ٤٩].

كما ورد «ضيّق» بالتشديد ، في قوله تعالى :

(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [الأنعام : ١٢٥].

٣ ـ وقال تعالى : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) [الآية ١٠].

أي : ومكر أولئك يكسد ويفسد.

أقول : والبوار كثير استعماله في التجارة ، فيقال تجارة بائرة أو بضاعة بائرة ، هذا في العربية المعاصرة ، ومثله ورد في قوله تعالى : (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) [الآية ٢٩].

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٦١

٤ ـ وقال تعالى : (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) [الآية ١٣].

أقول : لم يأت «قطميرا» في الآية ، لتكون الآية على نمط الفواصل في السورة كلها ، ذلك أنّ المعنى : ما يملكون شيئا.

إنّ قوله تعالى : (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) أبلغ ممّا لو قيل :

«ما يملكون شيئا» ، من قبل أنّ القطمير شيء لا قيمة له البتّة ، ولا يلتفت اليه فهو لفافة النّواة.

٥ ـ وقال تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) [الآية : ٢٧].

أقول : وصف قوله تعالى : (جُدَدٌ) ب (بِيضٌ) ، و (وَحُمْرٌ) ثم قوله تعالى : (وَغَرابِيبُ سُودٌ) يدلّنا على أن الوصف للجمع لا يكون ، ولا يصحّ ب «فعلاء» ، بل يكون ب «فعل» جمع أفعل فعلاء.

وعلى هذا ، يكون من ذهب إلى خطأ قولنا : صحائف بيضاء على حقّ.

٦ ـ وقال تعالى : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً) [الآية ٣٧].

أقول : (يَصْطَرِخُونَ) ، بمعنى : يتصارخون.

لم نسمع في غير هذه الآية «افتعل» من الصراخ.

٧ ـ وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) [الآية ٣٩].

والخلائف جمع خليفة ، فأما خلفاء فهي في الأصل جمع خليف ، مثل شريف وشرفاء ، ولكنّها شاعت في جمع خليفة ، لوجود الخليفة مستعملا في العربية أكثر من الخليف.

٨ ـ وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [الآية ٤١].

أقول : كنّا قد أشرنا إلى مثل هذه الآية في احتساب (السَّماواتِ) مفردا ، بإزاء (الْأَرْضَ) الّتي هي مفرد فرجع الضمير إليهما ضمير الاثنين في قوله سبحانه : (أَنْ تَزُولا) ، وهذا شيء من خصائص لغة القرآن.

١٦٢

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «فاطر» (١)

في قوله تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [الآية ١] لم تصرف «ثلاث» و «رباع» على تأويل «الثلاثة» و «الأربعة». وهذا لا يستعمل إلّا في حال العدد. وقال سبحانه في مكان آخر (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) [سبأ : ٤٦] ، وتقول «ادخلوا أحاد أحاد» كما تقول «ثلاث ثلاث». وقال الشاعر [من الوافر وهو الشاهد الثاني والستون بعد المائة].

أحمّ الله ذلك من لقاء أحاد أحاد في شهر حلال وقال تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) [الآية ٢] بالتأنيث لذكر (الرحمة) (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) .. بالتذكير لأنّ لفظ (ما) يذكّر.

وقوله تعالى : (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) [الآية ١٨] خبر.

وقال تعالى : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها) [الآية ١٨] فكأنّ المعنى «إن تدع إنسانا لا يحمل من ثقلها شيئا ولو كان الإنسان ذا قربى.

في قوله تعالى : (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١)) يشبه أن تكون (لا) زائدة لأنك لو قلت : «لا يستوي عمرو ولا زيد» في هذا المعنى ، لم يكن إلّا أن تكون (لا) زائدة.

وقال تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ) [الآية ٢٧] و «الجدد» واحدتها

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٦٣

«جدّة» و «الجدد» هي ألوان الطرائق الّتي فيها. مثل «الغدّة» وجماعتها «الغدد» ولو كانت جماعة «الجديد» لكانت «الجدد». وإنّما قرئت (مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) [الآية ٢٧] لأنّ كلّ صفة مقدّمة فهي تجري على الّذي قبلها ، إذا كانت من سببه فالثّمرات في موضع نصب.

وقال تعالى : (وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) [الآية ٢٧] برفع «المختلف» لأنّ الّذي قبلها مرفوع.

وقال سبحانه : (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [الآية ٣١] لأنّ «الحقّ» معرفة.

وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما) [الآية ٤١] بالتثنية ، وقد قال سبحانه : (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فهذه جماعة ؛ وأرى ، والله أعلم ، أنّ السياق جعل السماوات صنفا كالواحد.

وقال تعالى : (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) [الآية ٤٢] فجعلها السياق إحدى ، لأنها أمّة.

وقال تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [الآية ٤٥] بإضمار الأرض من غير أن يكون ذكرها ، لأنّ هذا الكلام قد كثر حتى عرف معناه تقول : «أخبرك ما على ظهرها أحد أحبّ إليّ منك وما بها أحد آثر عندي منك».

وقال تعالى : (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [الآية ٣٦] وقد قال سبحانه : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧)) [الإسراء] أي : «لا يخفّف عنهم من العذاب الّذي هو هكذا».

١٦٤

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «فاطر» (١)

إن قيل : قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) [الآية ٩]. لم جاء (فَتُثِيرُ) مضارعا دون ما قبله وما بعده؟

قلنا : هو مضارع وضع موضع الماضي ، كما في قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٣٧].

فإن قيل ما معنى قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) [الآية ١١]؟

قلنا : معناه وما يعمّر من أحد ، وإنّما سمّاه بما هو صائر إليه.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [الآية ٢٤] ، وكم من أمة كانت في الفترة بين عيسى (ع) ومحمد (ص) ولم يخل فيها نذير؟

قلنا : إذا كان آثار النّذارة باقية لم تخل من نذير إلى أن تندرس ، وحين اندرست آثار نذارة عيسى (ع) بعث محمد عليه الصلاة والسلام.

فإن قيل : لم اكتفى سبحانه وتعالى ، بذكر النّذير عن البشير في آخر الآية ، بعد سبق ذكرهما في أوّلها؟

قلنا : لمّا كانت النّذارة مشفوعة بالبشارة ، لا محالة ، استغني بذكر أحدهما عن الاخر بعد سبق ذكرهما.

فإن قيل : ما الفرق بين النّصب واللّغوب حتّى عطف أحدهما على الاخر؟

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٦٥

قلنا : النّصب المشقّة والكلفة ، واللّغوب الفتور الحاصل بسبب النّصب فهو نتيجة النّصب ، كذا فرّق بينهما الزمخشري رحمه‌الله. ويردّ على هذا ، أن يكون انتفاء الثاني معلوما من انتفاء الأول.

فإن قيل ما الحكمة في قوله تعالى (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [الآية ٣٧] ، مع أنه قد يفيد أنهم يعملون صالحا آخر غير الصالح الّذي عملوه ، وهم ما عملوا صالحا قطّ ، بل سيئا؟

قلنا : هم كانوا يحسبون أنّهم على سيرة صالحة ، كما قال تعالى : (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤)) [الكهف] فمعناه غير الّذي كنا نحسبه صالحا ، فنعمله.

١٦٦

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «فاطر» (١)

قوله سبحانه : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [الآية ١٠] هذه استعارة. وليس المراد أنّ هناك على الحقيقة شيئا يوصف بالصّعود ، ويرتقي من سفال إلى علوّ. وإنّما المراد أنّ القول الطّيب والعمل الصالح متقبّلان عند الله تعالى ، واصلان إليه سبحانه. بمعنى أنهما يبلغان رضاه ، وينالان زلفاه. وأنّه تعالى لا يضيّعهما ولا يهمل الجزاء عليهما. وهذا كقول القائل لغيره : قد ترقّى الأمر إلى الأمير. أي بلغه ذلك على وجهه ، وعرفه على حقيقته. وليس يريد به الارتقاء الّذي هو الارتفاع ، وضده الانخفاض.

ووجه آخر : قيل إن معنى ذلك صعود الأقوال والأعمال إلى حيث لا يملك الحكم فيه إلّا الله سبحانه. كما يقال ارتفع أمر القوم إلى القاضي. إذا انتهوا إلى أن يحكم بينهم ، ويفصل خصامهم. ووجه آخر : قيل إنّ الله سبحانه لمّا كان موصوفا بالعلوّ على طريق الجلال والعظمة ، لا على طريق المدى والمسافة ، فكلّ ما يتقرّب به إليه من قول زكيّ ، وعمل مرضيّ فالإخبار عنه يقع بلفظ الصعود والارتفاع ، على طريق المجاز والاتّساع.

وقوله سبحانه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) [الآية ١٨]. وقد مضى نظير هذا الكلام في الأنعام ، وفي بني إسرائيل ، وتركنا الإشارة إليه

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٦٧

هناك لمّا جاءت في هذا الموضع زيادة حققت الكلام بالاستعارة ، فاحتجنا إلى العبارة عنها أسوة بنظائرها. فنقول : إنّ قوله سبحانه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل حاملة حمل غيرها يوم القيامة. يقال : وزر ، يزر وزرا ، إذا حمل. والاسم الوزر. ومن ذلك أخذ اسم الوزير ، لأنه حامل الثّقل عن الأمير. والمعنى : ولا يحمل مذنب ذنب غيره ، ولا يؤخذ بجرمه وجنايته.

والزيادة في هذا الموضوع قوله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) فشبّه تعالى استغاثة المثقّل من الآثام باستغاثته من الإعياء. لأنّ من عادة من تلك حاله أن يطلب من يشاطره الحمل ، ويخفّف عنه الثّقل. فأمّا في ذلك اليوم فلا يهمّ كلّ امرئ إلّا نفسه ، ولا يعنيه إلّا أمره ، ولا يعين أحد أحدا ، ولا يخفّف مدعوّ من داع ثقلا ، ولو كان أولى الناس بأمره ، وأقربهم التياطا به ، وانتياطا (١) بنسبه.

وإنّما قال سبحانه : (مُثْقَلَةٌ). ولم يقل : «مثقل». لأنه ردّ ذلك إلى النفس ، ولم يردده إلى الشخص.

وقوله سبحانه : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [الآية ٤٣] وهذه استعارة. والمراد أن الله سبحانه يعاقب المشركين على مكرهم بالمؤمنين ، فكأنما مكروا بأنفسهم ، ووجّهوا الضرر إليهم ، لا إلى غيرهم ، إذ كان المكر عائدا بالوبال عليهم. ومعنى لا يحيق أي لا يحلّ ، ولا ينزل ، ولا يحيط إلّا بهم.

وهذه الألفاظ كلها بمعنى واحد.

__________________

(١). انتاط به : أي تعلّق به. ولاحظ هنا الجناس الناقص بين التياط وانتياط ؛ وذلك من براعات الشريف الرضي.

١٦٨

سورة يس

٣٦

١٦٩
١٧٠

المبحث الأول

أهداف سورة «يس» (١)

سورة «يس» سورة مكّية ، نزلت في الفترة المتوسّطة من حياة المسلمين في مكّة ، أي فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء ، وآياتها ٨٣ آية نزلت بعد سورة الجن.

وللسورة اسمان : سورة «يس» لافتتاحها بها ، وسورة «حبيب النجار» لاشتمالها على قصته ، فقد جاء في تفسير قوله تعالى :

(وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠)) أنّ هذا الرجل يسمّى «حبيب النّجّار».

مقصود السورة

قال الفيروزآبادي : «معظم مقصود سورة «يس» : تأكيد أمر القرآن والرسالة ، وإلزام الحجة على أهل الضلالة ، وضرب المثل بأهل قرية أنطاكية ، في قوله تعالى :

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣)).

وذكر قصة «حبيب النجار» ، الّذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، وبيان البراهين المختلفة في إحياء الأرض الميتة ، وإبداء الليل والنهار ، وسير الكواكب ودوران الأفلاك ، وجري الجواري المنشئات في البحار ، وذلّة الكفار عند الموت ، وحيرتهم ساعة البعث ، وسعادة المؤمنين المطيعين ، وشغلهم في الجنّة ، وتميّز المؤمن من الكافر في القيامة ، وشهادة الجوارح على أهل المعاصي بمعاصيهم ، والمنّة

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

١٧١

على الرسول (ص) بصيانته من الشعر ونظمه ، وإقامة البرهان على البعث ، ونفاذ أمر الحق في (كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)) ، وكمال ملك ذي الجلال على كل حال» (١) في قوله سبحانه :

(فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)).

ملامح السورة

لسورة يس وقع خاص في نفوس المسلمين ، يردّدون قراءتها في الصباح والمساء ، وتقرأ على المريض للشفاء ، وعلى المحتضر لتيسير خروج الروح ، وعلى المقابر لتنزل الرحمة على الموتى ، وقد أخرج ابن حبّان في صحيحه مرفوعا :

«من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر الله له» (٢).

وتتميز سورة يس بقصر الآيات ، وسهولة القراءة ، وتتابع المشاهد وتنوّعها ، من بدء السورة إلى نهايتها.

والموضوعات الرئيسة في السورة ، هي موضوعات السورة المكّيّة ، وهدفها الأول هو بناء أسس العقيدة ، فهي تتعرض لطبيعة الوحي وصدق الرسالة ، وتسوق قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ، لتحذّر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة ، وتعرض هذه العاقبة في القصّة على طريقة القرآن الكريم في استخدام القصص لتدعيم قضاياه ؛ وتعود السورة ، قبيل نهايتها ، إلى الموضوع ذاته ، فتوضح أنّ ما يوحى إلى محمد (ص) ، ليس شعرا ولكنّه ذكر وقرآن مبين.

كذلك تتعرّض السّورة لقضيّة الألوهيّة والوحدانيّة ، فيجيء استنكار الشّرك على لسان الرّجل المؤمن ، الّذي جاء من أقصى المدينة ليعلن إيمانه بالمرسلين ، وهو يقول كما ورد في التنزيل :

(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)).

والقضيّة الّتي يشتدّ عليها التركيز في مواضع كثيرة من السورة ، هي قضية البعث والنشور. وتحكي السورة قصّة

__________________

(١). بصائر ذوي التمييز ١ : ٣١٠ بتصرف.

(٢). انظر المصدر نفسه ١ : ٣٩٢.

١٧٢

أبيّ بن خلف ، حين جاء بعظم قد رمّ وبلي وصار ترابا ، ثمّ ضغط عليه بيديه ، ونفخ فيه فطار في الفضاء ، ثمّ قال : «يا محمّد تزعم أنّ ربّك يبعث هذا بعد ما رمّ وبلي وصار ترابا» ، فقال له : النبي (ص) «نعم ويبعثك ويدخلك النار» ، قال تعالى :

(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)).

«والقضايا المتعلّقة ببناء العقيدة ، تتكرّر في السور المكّية ، ولكنّها تعرض كلّ مرّة من زاوية معيّنة ، تحت ضوء معيّن ، مصحوبة بمؤثّرات تناسب جوّها ، وتتناسق مع إيقاعها وصورها.

«وهذه المؤثرات منتزعة في هذه السورة من مشاهد القيامة ، بصفة خاصة ، ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها ، ومن مصارع الغابرين على مدار القرون ، ثمّ من المشاهد الكونية الكثيرة ، المتفرعة الموحية : مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة ، ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام ، ومشهد الشمس تجري لمستقرّ لها ، ومشهد القمر يتدرّج في منازله حتّى يعود كالعرجون القديم ، ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرّية البشر الأوّلين ، ومشهد الأنعام مسخّرة للادميين ، ومشهد النطفة وتحوّلها في النهاية إلى إنسان فإذا هو خصيم مبين ، ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار الّتي يوقدون» (٣).

فصول السورة

يجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة فصول :

١ ـ رسالة ورسول

يستغرق الفصل الأول من السورة الآيات [١ ـ ٢٩] ، ويبدأ بالقسم بالحرفين «يا سين» وبالقرآن الحكيم على صدق رسالة النبي (ص) ، وأنّه على صراط مستقيم ، ثم يبيّن أنّ القرآن الكريم منزل من عند الله تعالى ، لإنذار العرب الّذين لم ينذر آباؤهم من قبل فوقعوا فيما وقعوا من الغفلة ، وحقّ العذاب على أكثرهم بسببها ، وقد

__________________

(٣). في ظلال القرآن ٢٣ : ٧.

١٧٣

جرت سنّة الله سبحانه ألّا يعذّب قوما إلّا بعد أن يرسل إليهم من ينذرهم ، ثمّ وصف حرمانهم من الهداية وإمعانهم في الغواية ، كأنّما وضعت أغلال في أعناقهم بلغت إلى أذقانهم ، ووضعت سدود بين أيديهم ومن خلفهم فصاروا لا يبصرون ؛ وبيّن أنّ الإنذار إنّما ينفع من اتّبع الذكر ؛ وخشي الرّحمن بالغيب ، فاستعدّ قلبه لاستقبال دلائل الهدى ، وموحيات الإيمان. ثم يوجّه النبي (ص) إلى أن يضرب لهم مثلا أصحاب القرية.

قصة أصحاب القرية

ضرب الله جلّ جلاله لأهل مكّة مثلا قصّة أهل أنطاكية بالشام ، أرسل سبحانه إليهم رسولين ، هما يوحنا وبولس من حواريّي عيسى (ع) ، فكذّبهما أهل القرية ، فأرسل الله جلّ وعلا ، ثالثا على درجة من الذكاء في توجيه الدّعوة ، واستمرّ التّكذيب من الكافرين ، وبيان الحجة وأدلّة الإيمان من المرسلين. ثمّ جاء رجل مؤمن يسمى «حبيب النجار» فدعا قومه إلى الإيمان بالرسل ، فاتّهموه بأنه مؤمن ، فأعلن إيمانه في ظروف حرجة ، وتعرّض الرجل للإيذاء والقتل ، فحظي بالشهادة والجنّة ، وتمنّى لو أنّ قومه يعلمون منزلته الآن عند الله سبحانه.

أمّا القرية الظالمة فقد صاح بها الملك صيحة أهلكتها ، أفلا يعتبر أهل مكّة بهذه القرية ، وبالقرون الّتي هلكت جزاء كفرها؟ وسيجتمع الجميع أمام الله تعالى يوم القيامة ، ويتميّز المؤمنون بحسن الثواب ، ويحلّ بالكافرين سوء العقاب.

٢ ـ أدلة الايمان

بعد الحديث في الدرس الأول عن المشركين الّذين واجهوا دعوة الإسلام بالتكذيب ، والمثل الّذي ضربه الله لهم في قصة أصحاب القرية المكذّبين ، وما انتهى إليه أمرهم من الهلاك ، بصيحة الملاك ، فإذا هم خامدون ؛ تحدثت الآيات [٣٠ ـ ٦٨] عن موقف المكذّبين بكل ملّة ودين ، وعرضت صور البشرية الضالّة على مدار القرون ، ثم أخذت في استعراض الآيات الكونية ، الّتي يمرّون عليها معرضين غافلين ، وهي مبثوثة في أنفسهم وفيما حولهم.

فالماء الّذي يحيي الأرض بأنواع

١٧٤

الجنان والنخيل والأعناب ، واللّيل والنّهار والشّمس والقمر ، والنّبات والإنسان ، وكلّ ما في الكون قد أبدع بنظام دقيق ، فللشّمس مدارها ، وللقمر مساره ، ولليل وقته ، وللنهار أوانه : لا يتأخر كوكب عن موعده ، ولا يختلّ نظام ، ولا تضطرب حركات الكون : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)).

ثمّ تحدّثت الآيات عن عناد المشركين ، واستعجالهم العذاب غير مصدّقين :

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨)).

وبمناسبة ذلك يستعرض مشهدا من مشاهد القيامة ، يرون فيه مصيرهم الّذي به يستعجلون ، كأنّه حاضر تراه العيون.

٣ ـ وحي لا شعر

يشتمل الدرس الثالث على الآيات الممتدة من الآية ٦٩ الى آخر السّورة. ويكاد هذا الفصل يلخّص موضوعات السورة كلّها ، فينفي في أوّله أن ما جاء به محمد (ص) شعر ، وينفي عن الرسول (ص) كلّ علاقة بالشّعر أصلا ، ثمّ يعرض بعض المشاهد واللّمسات الدالّة على الألوهيّة المنفردة ، وينعي عليهم اتّخاذ آلهة من دون الله يبتغون عندهم النصر ، وهم الّذين يقومون بحماية تلك الالهة المدّعاة ؛ ويتناول قضية البعث والنشور ، فيذكّرهم بالنشأة الأولى من نطفة ، ليروا أنّ إحياء العظام وهي رميم ، كتلك النشأة ولا غرابة ، ويذكّرهم بالشجر الأخضر الّذي تكون فيه النار ، وهما في الظاهر بعيدان ، وبخلق السماوات والأرض ، وهذا الخلق شاهد للقدرة على خلق أمثالهم من البشر في الأولى والاخرة ؛ وفي ختام السورة نجد برهان القدرة الإلهية والإرادة الربّانيّة ، فالله مالك كلّ شيء في الدّنيا والاخرة ، وإليه المآب والمرجع ؛ قال تعالى :

(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)).

١٧٥
١٧٦

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «يس» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة «يس» بعد سورة «الجنّ» ، وكان نزول سورة الجن في رجوع النبي (ص) من الطائف ، وكان قد سافر إليها سنة عشر من بعثته ، ليعرض الإسلام على أهلها ، فيكون نزول سورة «يس» فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لابتدائها بالقسم بهذين الحرفين اللذين سميت بهما ، وتبلغ آياتها ثلاثا وثمانين آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السّورة إثبات الرّسالة ، وبيان الحاجة إليها ، وهي إنذار العرب الّذين لم ينذروا من قبل النبي (ص) ، وقد حقّ عذاب الله عليهم بغفلتهم وفجورهم. ويدور السّياق في هذه السورة على ذكر ما يدلّ على قدرة الله على ذلك من الأمثلة والآيات ، وقد ختمت السورة السابقة بإنذارهم بذلك العذاب ، وأن الله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض ؛ فجاءت هذه السورة لإثبات قدرة الله تعالى المطلقة ، بتلك الأمثلة والآيات.

حاجتهم إلى رسول لإنذارهم

الآيات [١ ـ ١٢]

قال الله تعالى : (يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)) ،

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٧٧

فأقسم بهذين الحرفين على أن محمّدا (ص) من المرسلين ، ثم ذكر الحاجة الى رسالته ، وهي إنذار العرب الّذين لم ينذر آباؤهم من قبل ، فوقعوا فيما وقعوا فيه من الغفلة ، وحقّ العذاب على أكثرهم بسببها ؛ وقد جرت سنّة الله تعالى ألّا يعذّب قوما إلّا بعد أن يرسل إليهم من ينذرهم ؛ ثم ذكر سبحانه ، أنه بلغ من استحكام غفلتهم ، أنهم كانوا كأنّما كانت في أعناقهم أغلال بلغت إلى أذقانهم ، فارتفعت بها رؤوسهم وصاروا لا يبصرون الطريق الّذي يخلّصهم منها ؛ ثم ذكر أن من وصلت بهم الغفلة إلى هذا الحدّ ، وهم الأكثر عددا ، لا فائدة في إنذارهم ، وإنّما ينذر من كان عنده استعداد لاتّباع الذكر ، وخشية من العذاب ، وهؤلاء لهم البشرى بمغفرة وأجر كريم : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)).

إثبات قدرته على عذابهم

الآيات [١٣ ـ ٨٣]

ثم قال تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣)) فذكر سبحانه ، ممّا يدلّ على قدرته على عذابهم ، مثل أصحاب تلك القرية مع رسلهم ، وقد فصّله بما فصله به ، إلى أن ذكر سبحانه ، أنه لم يحتج في عذابهم إلى إنزال جند من السماء عليهم ، وإنما كانت صيحة واحدة أخمدتهم ، وجعلتهم يستحقّون التحسّر على ما أصابهم ، بسبب استهزائهم بمن كان يأتيهم من الرسل ، وعدم اتّعاظهم بما يرونه من الأمم الّتي أهلكت قبلهم ، وأنّهم إليهم لا يرجعون : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢)).

ثم ذكر تعالى من ذلك ، آية إحياء الأرض بعد موتها ، فأخرج منها حبّا وجعل فيها جنات من نخيل وأعناب ، إلى غير هذا ممّا ذكره في هذه الآية.

ثمّ ذكر سبحانه من ذلك آية سلخ النهار من الليل ، وجري الشمس لمستقرّ لها ، وتقدير القمر منازل ، الى غير هذا ممّا ذكره في هذه الآية.

ثم ذكر جلّ جلاله ، من ذلك آية حمل ذرّيتهم في الفلك الّتي تجري بهم في البحر ، وأنه ، جلّ شأنه ، إن يشأ يغرقهم ، فلا يقدر أحد على إنقاذهم ، ولكنّ رحمته سبحانه هي الّتي اقتضت أن يمهلهم الى حين ؛ ثم ذكر أنهم مع

١٧٨

هذا ، إذا قيل لهم احذروا مثل هذا العذاب ، لعلّ الله يرحمكم ، ويمنعه عنكم ، أعرضوا كما يعرضون عن كل آية تأتيهم ، وأنهم إذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ، قالوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ، ثم ذكر سبحانه أنهم يقولون مستهزئين متى هذا الوعد بالعذاب؟ وأجاب عنه بأنهم لا ينظرون إلّا صيحة واحدة وهم يجادلون فيه ، فلا يستطيعون توصية ولا رجوعا الى أهلهم ؛ ثم ذكر جلّ وعلا أنه بعد صيحة العذاب ، تكون صيحة النفخ في الصور ، فيبعثون من القبور ؛ وفصّل ما يكون بعد البعث من الثّواب والعقاب ، إلى أن ذكر أنّ الكافرين ينكرون في ذلك اليوم كفرهم ، فيختم على أفواههم ، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم ؛ وأنه لو يشاء سبحانه لطمس على أعينهم ، ومسخ على مكانتهم ، فأعجزهم عن الحركة كما أعجزهم عن النطق بالختم على أفواههم ؛ كما ينكّس من يعمّره في الخلق ، فيردّه من القوة إلى الضعف والإعياء ؛ ثم ذكر أن ما يوعدون به من ذلك ليس بقول شاعر يلقي القول على عواهنه ، وإنّما هو ذكر وقرآن مبين (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠)).

ثم ذكر من ذلك ، أنّه سبحانه خلق لهم أنعاما ، وذلّلها لركوبهم وأكلهم ، وجعل لهم فيها منافع ومشارب توجب شكره عليهم ؛ ولكنّهم يتّخذون من دونه آلهة يزعمون أنها تنصرهم ، وتدفع عنهم ما يوعدون به من العذاب ، مع أنها لا تستطيع أن تدفع عنهم شيئا إذا جاء يوم عذابهم وتتبرّأ منهم ؛ ثم نهى النبي (ص) أن يحزن لكفرهم بقوله تعالى : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦)).

ثمّ ذكر سبحانه ، من ذلك ، خلقه الإنسان من نطفة ، فإذا هو خصيم مبين ؛ وذكر من خصامه أنه يضرب مثلا لإنكار بعثه فيقول كما ورد في التنزيل : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)) ، وأمر النبي (ص) أن يجيبه بأن الّذي أنشأها أوّل مرة ، قادر على إحيائها ؛ وذكر من قدرته تعالى ، على ذلك أنّه يجعل من الشجر الأخضر نارا ، وأنّه هو الّذي خلق السماوات والأرض ، وإذا أراد شيئا قال له : (كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)).

١٧٩
١٨٠