الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٧

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٧

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٥

دعا النبيّ (ص) فاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، وعليّا ؛ فقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي» (١).

وأخرج ابن أبي حاتم عن طريق عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : نزلت في نساء النبي (ص) خاصّة (٢).

قال عكرمة : من شاء باهلته (٣) أنّها نزلت فيهنّ.

١٥ ـ (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) [الآية ٣٦].

نزلت في أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأخيها ، كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن زيد (٤).

١٦ ـ (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) [الآية ٣٧].

هو زيد بن حارثة (٥).

١٧ ـ (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) [الآية ٣٧].

هي : زينب بنت جحش.

١٨ ـ (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) [الآية ٥٠].

أخرج ابن أبي حاتم عن عائشة ، قالت : «الّتي وهبت نفسها للنبيّ (ص) خولة بنت حكيم ، وتكنّى : [أمّ شريك]».

وأخرجه عن عروة بلفظ : كان يقال : إن خولة بنت حكيم من اللّاتي وهبن أنفسهن. وأخرج عن محمّد بن كعب وغيره : أنّ ميمونة بنت الحارث هي الّتي وهبت نفسها.

__________________

(١). أخرجه التّرمذيّ (٣٢٠٣) في التفسير و (٣٧٨٩) في المناقب ، وقال : هذا حديث حسن غريب ، وأورده الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ٢ : ٢٠٨ عن عكرمة ، عن ابن عبّاس. وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه عليه : «إسناده حسن» وللحديث طرق أخرى ، انظر تخريجها في «سير أعلام النبلاء» ٢ : ١٢٢ ، و ٣ : ٢٥٤ ، ٢٥٥.

(٢). قال ابن كثير في «تفسيره» ٣ : ٤٨٣ : «فإن كان المراد أنّهن كن سبب النزول دون غيرهنّ فصحيح ، وإن أريد أنهنّ المراد فقط دون غيرهنّ ففي هذا نظر ، فإنه قد وردت أحاديث تدلّ على أنّ المراد أعمّ من ذلك» ، ثم أورد الأحاديث في ذلك.

(٣). من المباهلة ، وهي أن يدعو كلّ من المباهلين إلى الله تعالى ، ويخلص إلى الله الدعاء ، ويطلب منه سبحانه أن ينزل لعنته وعضبه على من يستحقه منهم.

(٤). ابن زيد : هو عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ، وروى آخرون منهم قتادة : أنّها نزلت في زينب بنت جحش حين خطبها رسول الله (ص) على فتاه زيد بن حارثة ، فامتنعت من إنكاحه نفسها. انظر «تفسير الطّبري» ٢٢ : ٩ ، و «مجمع الزوائد» ٧ : ٩٢ وفيه : «رواه الطّبراني بأسانيد ، ورجال بعضها رجال الصحيح».

(٥). انظر «تفسير الطّبري» ٢٢ : ٩ ، ١٠ ، «وتفسير ابن كثير» ٣ : ٤٩٠.

١٠١

وحكى الكرماني : أنها زينب أمّ المساكين ، امرأة من الأنصار (١).

وقيل : أمّ شريك (٢) بنت الحارث.

١٩ ـ (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) [الآية ٥١].

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي رزين مولى شقيق بن سلمة قال : كان ممّن أرجي : ميمونة ، وجويريّة ، وأمّ حبيبة (٣) ، وصفيّة ، وسودة ؛ وكان ممّن آوى : عائشة ، وأمّ سلمة ، وزينب ، وحفصة.

وأخرج عن ابن شهاب قال : هذا أمر أباحه الله لنبيّه ، ولم نعلم أنه أرجأ منهنّ شيئا. وهذان على أنّ ضمير منهنّ عائد لأمّهات المؤمنين ، وهو الّذي أخرجه ابن أبي حاتم عن طريق العوفي ، عن ابن عبّاس.

وأخرج عن الشّعبي قال : كنّ نساء وهبن أنفسهنّ للنبي (ص) ، فدخل ببعضهنّ ، وأرجأ بعضهنّ ، منهن أمّ شريك.

٢٠ ـ (قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ) [الآية ٥٩].

تقدّمت الأزواج (٤) ، وأمّا البنات : ففاطمة ، وزينب زوج أبي العاص ؛ ورقيّة ، وأمّ كلثوم ، زوجا عثمان (٥).

٢١ ـ (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) [الآية ٧٢].

قال ابن عبّاس : هو آدم. أخرجه ابن أبي حاتم (٦).

__________________

(١). هي زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية ؛ من أزواج النبي (ص) ، وسميت بأمّ المساكين لرحمتها إيّاهم ، ورقّتها عليهم ، وكان النبيّ (ص) قد تزوّجها سنة ثلاث للهجرة ، ولبثت عنده ثمانية أشهر أو أقل ، وماتت بالمدينة وعمرها نحو ثلاثين سنة. انظر «سيرة ابن هشام» ٢ : ٦٤٧ ، و «سير أعلام النبلاء» ٢ : ٢١٨ ، و «تفسير الطبري» ٢٢ : ١٧.

(٢). واسمها : ميمونة كما في رواية ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في «الدرّ المنثور» ٥ : ٢٠٨ ، وانظر ترجمتها في «سير أعلام النبلاء» ٢ : ٢٥٥ ، ٢٥٦.

(٣). في رواية ابن مردويه عن مجاهد ، أنّ أم حبيبة كانت ممّن آواها النبي (ص).

(٤). انظر الآية رقم (٢٨) في هذه السورة.

(٥). انظر «سيرة ابن هشام» ١ : ١٩٠.

(٦). الطّبري ٢٢ : ٣٨.

١٠٢

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «الأحزاب» (١)

١ ـ قال تعالى : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) [الآية ٤].

يقال : ظاهر من امرأته وتظاهر وتظهّر ، وهو أن يقول لها : أنت عليّ كظهر أمّي. وكانت العرب تطلّق نساءها في الجاهليّة بهذا اللفظ ، فلمّا جاء الإسلام نهوا عنه ، وأوجبت الكفّارة على من ظاهر من امرأته.

أقول : وهذا شيء من إفادة العربية من أعضاء الجسم في توليد هذا المصطلح. ومن ذلك أيضا قوله تعالى :

(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ) [الآية ٢٦].

أي : أعانوهم.

أقول : وهذه «المظاهرة» الّتي تعني الإعانة والمساعدة ، ليست بعيدة عن الأصل ، الّذي ولّدت منه ، وهو «الظهر» كأن الإعانة في هذا الفعل أن تكون «ظهيرا» ، أي : مساعدا لغيرك.

٢ ـ وقال تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠)).

أقول : والوجه في العربية أن يقال :

وتظنّون بالله الظنون ، لمكان الألف واللام في الكلام ، ولا تأتي ألف الإطلاق إلّا مع النكرة.

ولم يلجأ إلى هذا إلّا لمراعاة الفواصل ، لتجيء عدّة الآيات على نسق متجانس في الكلم وفي الأبنية.

٣ ـ وقال تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) [الآية ١٨].

و (الْمُعَوِّقِينَ) في الآية هم المثبّطون

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٠٣

عن رسول الله (ص) وهم المنافقون.

أقول : والمعوّق في عصرنا من كان به عاهة جسميّة ، كالعرج والعضب في رجله ويده ، وهو غير الأعمى والأبكم.

٤ ـ وقال تعالى : (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) [الآية ١٩].

وقوله تعالى : (سَلَقُوكُمْ) ، أي : آذوكم بالكلام.

وأصل السّلق شدّة الصوت ، وهو الصّلق أيضا.

أقول : والسّلق بالألسنة الحداد ممّا نعرفه في العربية الدّارجة بهذا المعنى ، ولكنّ الكلام الحادّ يكون في غيبة الرّجل.

٥ ـ وقال تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) [الآية ٣٢].

أي : لستنّ كجماعة واحدة من جماعات النّساء ، فجعلت الجماعة كأنّها واحد بإزاء الجماعات الأخرى ، ومثله قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) [النساء : ١٥٢].

يريد بين جماعة واحدة منهم.

٦ ـ وقال تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) [الآية ٣٣].

وقوله تعالى : (قَرْنَ) وأصله أقررن ، فحذفت الراء وألقيت فتحتها على ما قبلها.

أقول : وفي العربيّة من هذا الحذف ، ممّا يراد به التخفيف ، ألا ترى أنّ الهمزة من «رأى» تحذف في المضارع فقالوا : «يرى»؟

٧ ـ وقال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الآية ٣٦].

أقول : وليس للخيرة من فعل إلا المزيد «اختار» ، أمّا المجرد ، «خار» ، فهو قليل الاستعمال بالقياس إلى المزيد «اختار» أو «تخيّر».

٨ قال تعالى : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) [الآية ٥٣].

أقول : والضمير في (إِناهُ) يعود على الطّعام في الآية نفسها :

(إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) [الآية ٥٣].

وإنى الطعام : إدراكه ، يقال : أني الطعام إنّى ، كقولك : قلاه قلى ، ومنه قوله تعالى : (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)) [الرّحمن] ، أي : بالغ إناه.

١٠٤

وقيل : إناه وقته ، أي : غير ناظرين وقت الطّعام.

أقول : أني الطّعام ، أي : بلغ إدراكه ، فيه شيء من «آن» أي «حان» و «أنى» يأني ، وهما بمعنى.

٩ ـ وقال تعالى : (وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١)).

أقول : والتضعيف للاستفظاع.

١٠٥
١٠٦

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «الأحزاب» (١)

قال تعالى : (مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) [الآية ٤] إنّما هو «ما جعل الله لرجل قلبين في جوفه» وجاءت (من) توكيدا.

وقال تعالى : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا) [الآية ٦] في موضع نصب واستثناء خارج.

وقال تعالى : (الظُّنُونَا (١٠)) مراعاة للفواصل في رؤوس الآي.

وقال تعالى : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الآية ٤٠] أي : «ولكن كان رسول الله وخاتم النبيين».

وقال تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) [الآية ٥] فأنت تقول «هو يدعى لفلان».

وقال تعالى : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) [الآية ٥٢] فمعناه ـ والله أعلم ـ «أن تبدّل بهنّ أزواجا». وأدخلت (من) للتوكيد.

وقال تعالى : (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) [الآية ٥٣] بالعطف على (غَيْرَ) وجعله نصبا أو على ما بعد (غَيْرَ) بجعله جرّا.

وقال تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً (٦٠)) أي : «لا يجاورونك إلّا قليلا» على المصدر.

وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦)) فصلاة النّاس عليه دعاؤهم له ، وصلاة الله عزوجل إشاعة الخير عنه.

وقال تعالى : (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً (١٦)) برفع ما بعد (وَإِذاً) لمكان الواو وكذلك الفاء ، وقال تعالى : (فَإِذاً

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٠٧

لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣)) [النساء] وهي في بعض القراءة نصب أعملوها كما يعملونها بغير فاء ، ولا واو (١).

وقال تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) [الآية ٥٣] بالنصب على الحال أي : إلّا أن يؤذن لكم غير ناظرين. ولا يكون جرّا على الطعام إلّا أن يقال «أنتم».

ألا ترى أنّك لو قلت : «ائذن لعبد الله على امرأة مبغضا لها» لم يكن فيه إلّا النصب ، إلّا أن تقول «مبغض لها هو» : لأنّك إذا أجريت صفته عليها ولم تظهر الضمير الّذي يدلّ على أنّ الصفة له ، لم يكن كلاما. لو قلت : «هذا رجل مع امرأة ملازمها» كان لحنا حتى تقول «ملازمها» فترفع ، أو تقول «ملازمها هو» فتجرّ.

__________________

(١). قراءة الرفع في آية الأحزاب هي للجمهور ، وإجماع القرّاء للطّبري ٢١ : ١٣٨ ، والبحر ٧ : ٢١٩.

وقراءة النصب فيها لم تذكر في كتاب إلّا الجامع ١٤ : ١٥١ ولم تنسب.

أمّا قراءة النصب في آية النساء ، فقد نسبت في البحر ٣ : ٢٧٣ ، إلى عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عبّاس.

١٠٨

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «الأحزاب» (١)

إن قيل : لم قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) [الآية ١] ولم يقل يا محمّد كما قال تعالى : يا موسى ، يا عيسى ، يا داود ونحوه؟

قلنا : إنّما عدل عن ندائه باسمه إلى ندائه بالنبيّ والرّسول ، إجلالا له وتعظيما ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) [المائدة : ٦٧].

فإن قيل : لو كان ذلك كما ذكرتم ، لعدل عن اسمه إلى نعته في الإخبار عنه ، كما عدل في النّداء في قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) [الفتح : ٢٩] وقوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران : ١٤٤].

قلنا : إنّما عدل عن نعته في هذين الموضعين لتعليم النّاس أنه رسول الله ، وتلقينهم أن يسمّوه بذلك ، ويدعوه به ؛ ولذلك ذكره بنعته لا باسمه في غير هذين الموضعين من مواضع الإخبار ، كما ذكره في النداء : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] ، (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الآية ٢١] ، (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] ، (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الآية : ٦] ، (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الآية ٥٦] ، (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِ) [المائدة : ٨١] ونظائره كثيره.

فإن قيل : ما الحكمة من ذكر الجوف في قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) [الآية ٤]؟

قلنا : قد سبق مثل هذا السؤال

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٠٩

وجوابه في سورة الحجّ ، في قوله تعالى : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤١)) [الحج].

فإن قيل : ما معنى قولهم. أنت عليّ كظهر أمّي؟

قلنا : أرادوا أن يقولوا أنت عليّ حرام كبطن أمّي ، فكنّوا عن البطن بالظّهر لئلّا يذكروا البطن الّذي يقارب ذكره ذكر الفرج ، وإنما كنّوا عن البطن بالظّهر لوجهين : أحدهما أنّه عمود البطن ، ويؤيّده قول عمر رضي الله تعالى عنه : يجيء أحدهم على عمود بطنه : أي على ظهره. الثاني : أنّ إتيان المرأة من قبل ظهرها كان محرّما عندهم ، وكانوا يعتقدون أنّها إذا أتيت من قبل ظهرها جاء الولد أحول ، فكان المطلّق في الجاهلية ، إذا قصد تغليظ الطلاق ، قال : أنت عليّ كظهر أمي.

فإن قيل : لم قال الله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الآية ٦]. جعل أزواج النبي (ص) بمنزلة أمهات المؤمنين حكما : أي في الحرمة والاحترام وما جعل النبي (ص) بمنزلة أبيهم ، حتى قال تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الآية ٤٠]؟

قلنا : أراد الله بقوله تبارك وتعالى (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) أوّلا : أنّ أمّته يدعون أزواجه بأشرف الأسماء ، وأشرف أسماء النساء الأمّ ، وأشرف أسماء النبي (ص) رسول الله ، لا الأب. ثانيا : أنّه تعالى جعلهنّ أمّهات المؤمنين تحريما لهنّ وإجلالا وتعظيما له (ص) كيلا يطمع أحد في نكاحهنّ بعده ؛ فلو جعل النبي (ص) أبا المؤمنين لكان أبا للمؤمنات أيضا ، فلم يجعل له نكاح امرأة من المؤمنات بل يحرّمن عليه (ع) ، وذلك ينافي إجلاله وتعظيمه ، وقد جعله أعظم من الأب في القرب والحرمة ، بقوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الآية ٦] فجعل (ص) أقرب إليهم من أنفسهم ؛ وكثير من الآباء يتبرّأ من ابنه ويتبرّأ منه ابنه أيضا ، وليس أحد يتبرّأ من نفسه.

فإن قيل : لم قدّم النبي (ص) على نوح (ع) ومن بعده في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [الآية ٧]؟

قلنا : لأنّ هذا العطف من باب عطف الخاصّ على العامّ الّذي هو جزء منه ، لبيان التفضيل والتخصيص بذكر

١١٠

مشاهير الأنبياء وذراريهم ، فلمّا كان النبي (ص) أفضل هؤلاء المفضّلين قدّم عليهم. وفي الميثاق المأخوذ قولان : أحدهما أنه تعالى أخذ منهم الميثاق يوم أخذ الميثاق بأن يصدّق بعضهم بعضا ؛ والثاني أخذ منهم الميثاق أن يوحّدوا الله تعالى ، ويدعوا إلى توحيده ، ويصدّق بعضهم بعضا.

فإن قيل : فلم قدّم نوح (ع) في نظير هذه الآية ، وهي قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الشورى : ١٣]؟

قلنا : لأنّ تلك الآية سيقت لوصف دين الإسلام بالأصالة والاستقامة ، كأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الّذي بعث عليه نوح (ع) في العهد القديم ، وبعث عليه محمّد (ص) في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسّطهما من الأنبياء المشاهير ، فكان تقديم نوح (ع) أشدّ مناسبة بالمقصود من سوق الآية.

فإن قيل : ما الحكمة من إعادة أخذ الميثاق في قوله تعالى : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧))؟

قلنا : فائدته التأكيد ، ووصف الميثاق المذكور أوّلا بالجلالة والعظم استعاذة من وصف الأجرام به. وقيل إنّ المراد بالميثاق الغليظ ، اليمين بالله تعالى على الوفاء بما حملوا ، فلا إعادة لاختلاف الميثاقين.

فإن قيل : لم قال تعالى في وصف حال المؤمنين الّتي امتنّ عليهم فيها : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الآية ١٠] ولو بلغت القلوب الحناجر لماتوا ولم يبق للامتنان وجه؟

قلنا : قال ابن قتيبة : معناه كادت القلوب تبلغ الحناجر من الخوف ، فهو مثل في اضطراب القلوب ووجيبها. وردّه ابن الأنباري فقال : العرب لا تضمّن كاد ولا تعرف معناه ما لم تنطق به. وقال الفراء : معناه أنهم جبنوا وجزعوا ، والجبان إذا اشتدّ خوفه انتفخت رئته فرفعت قلبه إلى حنجرته ، وهي جوف الحلقوم وأقصاه ، وكذلك إذا اشتدّ الغضب أو الغم ؛ وهذا المعنى مرويّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، ومن هنا قيل للجبان : انتفخ منخره.

فإن قيل : لم ساق الله تعالى عذاب المنافقين بمشيئته بقوله تعالى : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) [الآية ٢٤] وعذابهم متيقّن مقطوع به ، لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥]؟

١١١

قلنا : إن شاء تعذيبهم بإماتتهم على النّفاق. وقيل معناه إن شاء ذلك ، وقد شاءه.

فإن قيل : ما معنى قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الآية ٢١]؟

قلنا : فيه وجهان. أحدهما أنّه (ص) نفسه أسوة حسنة : أي قدوة ، والأسوة اسم للمتأسّى به : أي المقتدى به ، كما نقول في البيضة عشرون منا حديدا : أي هي في نفسها هذا المقدار. الثاني : أنّ فيه خصلة من حقّها أن يؤتسى بها وتتبّع ، وهي مواساته بنفسه أصحابه وصبره على الجهاد ، وثباته يوم أحد حين كسرت رباعيته ، وشجّ وجهه الشريف.

فإن قيل : لم أظهر تعالى الاسمين مع تقدّم ذكرهما في قوله تعالى : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) [الآية ٢٢]؟

قلنا : لئلّا يكون الضمير الواحد ، عائدا على الله تعالى وغيره.

فإن قيل : لم قال تعالى في وصف بني قريظة : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) [الآية ٢٧] والله تعالى إنّما ملّكهم أرضهم بعد ما وطئوها وظهروا عليها؟

قلنا : معناه أوّلا : ويورثكم بطريق وضع الماضي موضع المستقبل ، مبالغة في تحقيق الموعود وتأكيده. ثانيا : أنّ فيه إضمارا تقديره : وأرضا لم تطئوها سيورثكم إيّاها ، يعني أرض مكّة ، وقيل أرض فارس والروم ، وقيل أرض خيبر ، وقيل كلّ أرض ظهر عليها المسلمون بعد ذلك إلى يوم القيامة. ثالثا : أنّ معناه ، وأورثكم ذلك كلّه في الأزل ، بكتابته لكم في اللّوح المحفوظ.

فإن قيل : لم خصّ الله تعالى نساء النبي (ص) بتضعيف العقوبة على الذّنب ، والمثوبة على الطّاعة ، في قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [الآية ٣٠]؟

قلنا : أمّا تضعيف العقوبة فلأنّهنّ أولا يشاهدن من الزّواجر الرّادعة عن الذنوب ما لا يشاهده غيرهنّ. ثانيا : أنّ في معصيتهنّ أذى لرسول الله (ص) أعظم من ذنب من آذى رسول الله (ص) أعظم من ذنب غيره ؛ والمراد بالفاحشة النشوز وسوء الخلق ؛ كذا قاله ابن

١١٢

عبّاس رضي الله تعالى عنهما. وأمّا تضعيف المثوبة فلأنّهنّ أشرف من سائر النساء بقربهنّ من رسول الله (ص) ، فكانت الطاعة منهنّ أشرف كما كانت المعصية منهنّ أقبح.

فإن قيل : لم قال تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) ولم يقل «كواحدة من النساء» [الآية ٣٢]؟

قلنا : قد سبق نظير هذا مرّة في آخر سورة البقرة في قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥].

فإن قيل : لم أمر الله تعالى نساء النبي (ص) بالزّكاة في قوله سبحانه (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ) [الآية ٣٣] ولم يملكن نصابا حولا كاملا؟

قلنا : المراد بالزّكاة هنا الصدقة النافلة ، والأمر أمر ندب.

فإن قيل : ما الفرق بين المسلم والمؤمن ، حتّى عطف أحدهما على الاخر ، في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [الآية ٣٤] مع أنّهما متّحدان شرعا؟

قلنا : المراد بالمسلم الموحّد بلسانه ، وبالمؤمن المصدّق بقلبه.

فإن قيل : لم قال تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الآية ٤٠] مع أنه كان أبا للطّاهر والطّيّب والقاسم وإبراهيم (ع)؟

قلنا : قوله تعالى (مِنْ رِجالِكُمْ) [الآية ٤٠] يخرجهم من حكم النّفي من وجهين : أحدهما أنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال بل ماتوا صبيانا. والثاني : أنه أضاف الرجال إليهم. وهم كانوا رجاله لا رجالهم.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الآية ٤٠] وعيسى (ع) ينزل بعده ، وهو نبيّ؟

قلنا : معنى كونه خاتم النبيين ، أنّه لا يتنبّأ أحد بعده ، وعيسى (ع) ممّن نبّئ قبله ، وحينما ينزل عاملا بشريعة محمد (ص) مصلّيا إلى قبلته ، كأنّه بعض أمته؟

فإن قيل : قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) [الآية ٤٣] معناه يرحمكم ويغفر لكم ، فما معنى قوله تعالى : (وَمَلائِكَتُهُ) [الآية ٤٣] والرحمة والمغفرة منهم محال؟

قلنا : جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة بالرحمة والمغفرة ، كأنّهم فاعلو

١١٣

الرحمة والمغفرة ، كما يقولون : حيّاك الله : أي أحياك وأبقاك ، وحيّا زيد عمرا : أي دعا له بأن يحييه الله اتّكالا منه على إجابة دعوته ، ومثله قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الآية ٥٦].

فإن قيل : قد فهم من قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ) أنّه مأذون له في الدعاء إلى الله تعالى ، فما الحكمة في قوله سبحانه (بِإِذْنِهِ) [الآية ٤٦]؟

قلنا : معناه بتسهيله وتيسيره ، وقيل معناه بأمره لا أنك تدعوهم من تلقاء نفسك.

فإن قيل : لم شبّه الله تعالى النبي (ص) بالسّراج دون الشمس ، والشمس أتمّ وأكمل في قوله تعالى : (وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦))؟

قلنا : قيل إن المراد بالسّراج هنا الشمس كما في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦)) [نوح] وقيل إنما شبّه بالسّراج لأنّ السّراج يتفرّع ويتولّد منه سرج لا تعدّ ولا تحصى بخلاف الشمس ، والنبي (ص) تفرّع منه بواسطة إرشاده وهدايته العلماء جميعهم من عصره إلى يومنا هذا ، وهلم جرا إلى يوم القيامة ؛ وقيل إنّما شبّهه بالسّراج ، لأنّه جلّ جلاله بعث النبي (ص) في زمان ، يشبه الليل بظلمات الكفر والجهل والضلال.

فإن قيل : لم شبّهه بالسراج دون الشمع ، والشمع أشرف ، ونوره أتمّ وأكمل؟

قلنا : قد سبق الجواب عن مثل هذا ، في قوله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) [النور : ٣٥].

فإن قيل : لم خصّ تعالى المؤمنات بعدم وجوب العدّة في الطلاق قبل المسيس ، في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) [الآية ٤٩] ، مع أن حكم الكتابيّة كذلك أيضا؟

قلنا : هذا خرج مخرج الأغلب والأكثر ، لا تخصيص.

فإن قيل : لم أفرد سبحانه العمّ وجمع العمّات ، وأفرد الخال وجمع الخالات ، في قوله تعالى : (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ) [الآية ٥٠] والمعهود في كلام العرب مقابلة الجمع بالجمع؟

قلنا : لأنّ العمّ اسم على وزن

١١٤

المصدر الّذي هو الضم ونحوه ، وكذا الخال على وزن القال ونحوه ، فيستوي فيه المفرد والتثنية والجمع ، بخلاف العمّة والخالة ، ونظيره قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ) [البقرة : ٧].

فإن قيل : هذا الجواب منقوض بقوله تعالى في سورة النور (أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ) [النور : ٦١].

قلنا : ليس العمّ والخال مصدرين حقيقة ، بل على وزن المصدر ، فاعتبر هنا شبههما بالمصدر ؛ وهناك حقيقتهما عملا بالجهتين ، بخلاف السّمع فإنّه لو كان مصدرا حقيقة ، ما جاء قط في الكتاب العزيز إلا مفردا.

فإن قيل : لم ذكر الأقارب في قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ) [الآية ٥٥] ، ولم يذكر العمّ والخال ، وحكمهما حكم من ذكر في رفع الجناح؟

قلنا : سبق مثل هذا السؤال وجوابه ، في سورة النور في قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) [النور : ٣١]. فالأولى أن تستتر المرأة عن عمّها وخالها ، لئلّا يصف محاسنها عند ابنه فيفضي إلى الفتنة.

فإن قيل : السادة والكبراء بمعنى واحد ، فلم عطف أحدهما على الاخر ، في قوله تعالى : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) [الآية ٦٧]؟

قلنا : هو من باب عطف اللفظ على اللفظ المغاير له ، مع اتّحاد معنيهما ، كقولهم : فلان عاقل لبيب ، وهذا حسن جميل ، وقول الشاعر :

معاذ الله من كذب ومين

فإن قيل : المراد بالإنسان آدم (ع) في قوله تعالى : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) [الآية ٧٢] فلم قال سبحانه : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢)) وفعول من أوزان المبالغة ، فيقتضي تكرار الظلم والجهل منه ، وأنّه منتف؟

قلنا : لمّا كان عظيم القدر ، رفيع المحلّ ، كان ظلمه وجهله لنفسه أقبح وأفحش ، فقام عظم الوصف مقام الكثرة ؛ وقد سبق نظير هذا في سورة آل عمران في قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [آل عمران : ١٨٢].

١١٥
١١٦

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «الأحزاب» (١)

(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الآية ٢٦] وهذه استعارة. والمراد بها : أنّه تعالى ألقى الرّعب في قلوبهم من أثقل جهاته ، وعلى أقطع بغتاته. تشبيها بقذفة الحجر إذا صكّت الإنسان على غفلة منه. فإن ذلك يكون أملأ لقلبه ، وأشدّ لروعه.

وقوله سبحانه : (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الآية ٣٠] وهذه استعارة. فكأنّه تعالى جعل الفاحشة تبيّن حال صاحبها ، وتشير إلى ما يستحقّه من العقاب عليها. وهذا من أحسن الأعراض ، وأنفس جواهر الكلام.

وقوله سبحانه وتعالى : (وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦)) وهذه استعارة. والمراد بالسّراج المنير هاهنا : أنّه (ص) يهتدى به في ضلال الكفر ، وظلام الغي ، كما يستصبح بالشّهاب في الظلماء ، وتستوضح الغرّة في الدّهماء.

وقوله سبحانه : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢)). وهذه استعارة. وللعلماء في ذلك أقوال ، قال بعضهم : المراد بذلك تفخيم شأن الأمانة ، وأنّ منزلتها منزلة ما لو عرض على هذه الأشياء المذكورة مع عظمها ، وكانت تعلم ما فيها ، لأبت أن تحملها

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١١٧

وأشفقت كلّ الإشفاق منها. إلّا أنّ هذا الكلام خرج مخرج الواقع ، لأنّه أبلغ من المقدّر. وقال بعضهم : عرض الشيء على الشيء ومعارضته سواء. والمعارضة ، والمقابلة ، والمقايسة ، والموازنة ، بمعنى واحد. فأخبر الله سبحانه عن عظم أمر الأمانة وثقلها ، وأنّها إذا قيست بالسماوات والأرض والجبال ، ووزنت بها ، لرجحت عليها. ولم تطق حملها ، ضعفا عنها. وذلك معنى قوله تعالى : (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) ومن كلامهم : فلان يأبى الضّيم ، إذا كان لا يحتمله. فالإباء هاهنا هو ألّا يقام بحمل الشيء. والإشفاق في هذا الموضع هو الضّعف عن الشيء ، ولذلك كنّي به عن الخوف الّذي هو ضعف القلب. فقالوا : فلان مشفق من كذا. أي خائف منه. ومعنى قوله سبحانه : فالسماوات والأرض والجبال لم تحمل الأمانة ضعفا عنها ، وحملها الإنسان ، أي تقلّدها وقارف المأثم فيها ، للمعروف من كثرة جهله ، وظلمه لنفسه.

١١٨

سورة سبأ

٣٤

١١٩
١٢٠