التّفسير الحديث - ج ٧

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٧

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤

ولقد أوّل بعضهم جملة (لِذِي الْقُرْبى) بذي العمل الذي فيه قربى إلى الله وفيه خدمة لمصالح الإسلام والمسلمين. وما دام أنه لم يثبت بنصّ صريح وصحيح أن النبي وخلفاءه أعطوا سهم ذي القربى لفئة ما من الأقارب وأثر عنهم أنهم كانوا يجعلونه في معونة الإسلام وأهله والكراع والسلاح مع سهم رسول الله بعده فنحن نرى هذا التأويل وجيها ومتسقا مع ذلك بحيث يصح القول إن حكمة الله شاءت التنبيه على وجوب مكافأة ذي الجهد والخدمة النافعة للإسلام والمسلمين ويصح القول بالتالي أن هذا السهم هو لمصلحة الإسلام والمسلمين العامة. وقد يكون مقابلا أو شبيها بسهم المؤلفة قلوبهم المذكورين في مصارف الزكاة في آية سورة التوبة [٦٠] والتوجيه القرآني في تخصيص مكافأة لهذه الفئة مع احتمال كونها غنيّة تعليل مستمر المدى إذا صحّ ما صح التأويل الذي قد يؤيده ورود (ذي القربى) في صيغة المفرد. فلو كان المقصود أقارب رسول الله الذين كانوا في حياته وذرياتهم من بعده لا قتضى والله أعلم أن يأتي بصيغة الجمع حتى يكون شاملا. ولقد استعمل القرآن اشتقاق (قرب) في معان قريبة لهذا التأويل كما جاء في آية سورة التوبة هذه (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) [٩٩] وآية سبأ هذه (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) [٣٧] وآية الزمر هذه (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [٣] ما يمكن أن يستأنس به على وجاهة هذا التأويل. وقد يؤيده أيضا أن معظم أقارب رسول الله حين نزول آية الأنفال ثم آية الحشر السادسة اللتين فيهما تشريع الغنائم والفيء واللتين ذكر فيهما جملة (لِذِي الْقُرْبى) كانوا غير مسلمين في مكة ، ومنهم من شهد وقعة إلى جانب الكفار. وممن ذكرت الروايات أسماءهم من أسراهم (العباس بن عبد المطلب عمّ النبي وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب وأبو عزيز بن عمير بن هاشم والسائب بن عبيد بن هاشم ونعمان بن عمرو بن عبد المطلب ، وولدان من أولاد أخي العباس لم يذكر اسماهما. وقد روي أن أبا لهب عمّ

٦١

النبي أرسل بديلا عنه وأنه مات جزعا حينما علم بالكسرة التي حلّت في قريش (١).

وقد يقول الشيعة إن عليا وفاطمة رضي الله عنهما كانا مع النبي بالإضافة إلى حمزة عمه الذي شهد بدرا وجعفر ابن عمه الذي كان مهاجرا في الحبشة حين نزول آيات الأنفال وهذا صحيح. ولكنّا لا نسلم أن جملة (لِذِي الْقُرْبى) في سورة الأنفال نزلت لتعنيهم حين نزولها على ضوء ما تقدم من أحاديث نبوية وصحابية وفهم وتطبيق خلفاء رسول الله الأربعة على ملأ وإقرار من كبار أصحاب رسول الله من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. وإنه ليتبادر لنا أن موقف الشيعة متصل بما كان من منافسات ومنازعات في صدر الإسلام وبخاصة بين الهاشميين والأمويين. ولعلّ مما يحسن أن يقال في هذا المقام إن تخصيص سهم لأقارب رسول الله في خمس الغنائم ثم في خمس الفيء على ما سوف يأتي شرحه في سياق سورة الحشر فيه معنى الأجر المادي الذي نفاه القرآن مرة بعد مرة عن رسول الله بقوة وحسم لأنه لا يتفق مع عظمة النبوة وأخلاقها وأهدافها. ولقد حاول الشيعة أن يؤولوا آية الشورى التي جاء فيها (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [٢٣] بمثل ما حاولوا تأويل الآية التي نحن في صددها وخالفهم جمهور المفسرين على ما شرحناه في سياق تفسيرها شرحا يغني عن التكرار.

ويجب أن نؤكد بهذه المناسبة مرة أخرى أننا نكنّ أعظم التكريم والإجلال لمن ينتسب إلى الدوحة الطاهرة النبوية وأن ما ننبه عليه هنا وفي أي مكان من التفسير هو في صدد تقرير ما يتبادر لنا أنه الأكثر اتساقا مع روح الآيات وفحواها وجلال المقام النبوي ووثيق الروايات ، والله تعالى أعلم.

سادسا : وفي صدد شرح مدى الآية نقول : إن المسكين الذي اختصّ بالذكر في الآية ليس هو الفقير مطلقا وإنما هو كما وصفه النبي في حديث رواه الشيخان

__________________

(١) انظر الأسماء في ابن هشام ج ٢ ص ٢٦٩ و ٣٦٤ وتفسير آية الأنفال [٧٠] في كتب تفسير الطبري وابن كثير.

٦٢

عن أبي هريرة عن النبيّ : «ليس المسكين الذي يطوف على الناس تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكنه الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدّق عليه ولا يقوم فيسأل الناس» (١). حيث ينطوي في تخصيصه بالذكر في توزيع الغنائم لفتة ربانية جليلة إلى هذا النوع من المحتاجين وحيث يجب على ولي أمر المسلمين أن يلحظ ذلك في سياق مساعدة الطبقات المعوزة من بيت المال التي جعلها القرآن واجبا رسميا من واجبات الدولة الإسلامية.

سابعا : أما (ابْنِ السَّبِيلِ) فهو على ما هو المتبادر المجتاز من أرض إلى أرض وقد نفد ما في يده وأصبح محتاجا إلى مساعدة ولو كان في بلده غنيا على ما يستفاد من معظم الأقوال التي ذكرها المفسرون. وهناك من قال إنه الضيف إطلاقا. وروح الآية تجعل الرجحان للأول على أن القول الثاني لا يبعد وبخاصة إذا كان الضيف غريبا محتاجا كما هو واضح.

ثامنا : والأقوال متفقة على أن (الْيَتامى) الذين جعل لهم نصيب في الغنائم هم فقراء اليتامى الذين ليس لهم مال ، وهو حق وصواب. وننبه على أن اليتامى لم يذكروا في مصارف الزكاة المذكورة في الآية [٦٠] من سورة التوبة. حيث نلمح اللفتة الربانية الكريمة في جعل نصيب لهذه الفئة في مال الغنيمة التي تدخل لبيت المال ، وهي من نوع المساكين الذين قد لا يفطن إليهم ولا يقومون ليسألوا الناس.

تاسعا : يلحظ أن الآية ذكرت (المساكين واليتامى وابن السبيل) في حين أن آية التوبة [٦٠] التي ذكرت مصارف الزكاة ذكرت (الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين) ولا ندري هل يصح القول إن هذا الفرق أسلوبي وإن ما ذكر في الآيتين يمثل الطبقات المعوزة من المسلمين عامة. وإن كنا نظن أن هذا هو المتبادر والله أعلم. ومع ذلك فإن من واجبنا أن نقول إن روعة حكمة التنزيل ومغزاها الجليل ملموحان إذا ما لوحظ أن كلا من المسكين واليتيم لا يسألون الناس عادة حيث

__________________

(١) التاج ، ج ٢ ص ٣٠.

٦٣

تكون حاجتهم إلى المساعدة أشد وألزم والله تعالى أعلم.

عاشرا : تعددت أقوال الفقهاء والمفسرين في كيفية توزيع سهام خمس الغنائم حيث قال بعضهم إنه يقسم إلى ستة أسهام متساوية ويصرف على كل مصرف حصته. وهناك من قال إن هذا متروك لولي أمر المؤمنين يتصرف فيه حسب المصلحة بمشاورة أهل الرأي مع واجب مراعاة جميع المصارف. وليس هناك حديث صحيح نبوي أو راشدي فيه حسم إلا ما كان في صدد سهم رسول الله حيث جاء في أحد الأحاديث الصحيحة أنه كان يفرزه فينفق منه ما ينفق على نفسه وبيته ويوجه ما بقي لوجوه البرّ ومصلحة الإسلام على ما ذكرناه قبل. ولقد أصبح هذا السهم بعد النبي لبيت المال على ما ذكرناه أيضا. والآية مطلقة لا تتحمل التقسيم والحصر ، وهذا ما يجعل القول الثاني هو الأوجه والله أعلم.

وما قلناه في تعليقنا على الزكاة في سورة المزمل من أنه ليس ما يمنع أن تنشئ الدولة ببعض المال المخصص للفئات المحتاجة منشآت لمصلحتهم مثل مياتم ومشاف ومدارس وعيادات ودور عجزة وملاجىء ودور ضيافة يصح أن يقال في هذا المقام أيضا والله تعالى أعلم.

(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤)) [٤٢ ـ ٤٤]

(١) العدوة : المقصود هنا طرف الوادي أو معبره.

٦٤

(٢) الدنيا : القريبة لناحية المدينة.

(٣) القصوى : البعيدة أي في الطرف الثاني لناحية مكة.

(٤) الركب : المقصود جيش قريش.

(٥) فشلتم : ضعفتم وتخاذلتم وجبنتم.

في الآيات :

١ ـ تذكير استطرادي للمؤمنين بما كان يوم المعركة. فقد كانوا في طرف الوادي القريب للمدينة وكان الكفار في الطرف الثاني البعيد ، وكان هؤلاء في مكان أوطأ من مكانهم. وكان كل من المؤمنين والكفار قد وصلوا إلى مكانهم على غير ميعاد وكان في هذا إصابة لم تكن على ما جاءت عليه لو كان بينهم ميعاد متفق عليه بينهم من قبل وكان هذا تدبيرا ربانيا ليتمّ أمر الله وقضاؤه فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة والله سميع لكل شيء عليم بكل شيء.

٢ ـ إشارة إلى بعض ما وقع في ذلك اليوم وما كان من تدبير الله فيه. فقد أرى الله نبيه الأعداء في منامه قليلا فأخبر المسلمين بذلك فكان فيه تشجيع لهم ولو رآهم كثيرين لكان من الممكن أن يطرأ على قلوبهم ما يبعث فيهم التهيب ويجعلهم يتنازعون في الأمر فيؤدي ذلك إلى فشلهم وتخاذلهم. ولكن الله سلم فاقتضت حكمته أن يراهم النبي في منامه قليلا ليدفع عنهم ذلك وهو العليم بما يختلج في صدور الناس من نزعات وخطرات. ومن هذا التدبير الرباني أن جعل الله المؤمنين يرون الكفار قليلين ، وجعل الكفار يرون المؤمنين قليلين حينما وقعت عيون بعضهم على بعضهم حتى يهون اللقاء على الفريقين ويتم أمر الله وقضاؤه وهو الذي ترجع إليه الأمور وتسير وفق حكمته.

والآيات متصلة بالسياق نظما وموضوعا. وهي استمرار للاستطراد كما هو واضح. ولقد قال الطبري في صدد توضيح وتأويل جملة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) إنها بمعنى ليموت من يموت عن حجة لله قد أثبتت له وقطعت عذره قد عاينها ورآها. ويعيش من يعيش عن حجة لله أثبتت له وظهرت

٦٥

لعينه فعلها ، وقال ابن كثير عزوا إلى إسحق إنها بمعنى ليكفر من كفر بعد الحق لما رأى من آيات الله وما فيها من عبر ويؤمن من آمن على مثل ذلك. وكلا التأويلين وجيه. ويتبادر لنا تأويل آخر وهو أن الله تعالى قدر اللقاء لتقوم لكل من الفريقين الحجة على ما انتهى إليه مصيرهما من هلاك وحياة ، فنصر المسلمين هو حجة على أنهم على حق وهزيمة الكفار حجة على أنهم على باطل ، وللأولين فيما كان حياة وللآخرين هلاك ، والله تعالى أعلم.

ولقد احتوت الآيات بعض مشاهد ووقائع الوقعة ولكن أسلوبها يدل على أن القصة لم تكن المقصودة وإنما القصد هو بيان ما كان من عناية الله وتدبيره بحيث لم يكن نصر للمسلمين لولاها ، وذلك بسبيل توطيد أوامر الله ورسوله وبخاصة في أمر الغنائم المختلف على قسمتها والتي كان الاختلاف عليها هو السبب المباشر لنزول السورة. وهذا يلحظ أيضا في الفصول السابقة على ما نبهنا عليه.

ولقد أوردنا خلاصة ما روي من مشاهد ووقائع المعركة. فلم يبق محل للإعادة ولا ضرورة للزيادة بمناسبة هذه الآيات. غير أن هناك رواية يرويها الطبري والبغوي في صدد الآية [٤٤] هنا محلها حيث رويا بالتسلسل عن ابن مسعود أنه قال «لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت للرجل إلى جانبي تراهم سبعين ، قال أراهم مائة».

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ

٦٦

يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)) [٤٥ ـ ٤٩].

(١) تذهب ريحكم : بمعنى يزول إقبالكم ودولتكم تشبيها بتغير الريح المواتية ونتائجها.

في هذه الآيات :

١ ـ نداء موجّه للمسلمين يؤمرون به بالثبات في القتال حينما يلتحمون مع فئة من أعدائهم ويلقونها. وبذكر الله كثيرا آنذاك حيث يضمن لهم ذلك الروحانية والتأييد والفلاح. ويحثون به على طاعة الله ورسوله في كل موقف ويحذرون به من التنازع والاختلاف لأن فيهما فشلهم وإدبار أمرهم ، ويؤمرون فيه بالصبر لأن ذلك يضمن لهم نصر الله وتأييده وينهون به عن أن يكونوا مثل الكفار الذين خرجوا من مكة يملأهم الفخر والزهو والبطر وحبّ التظاهر وهم يصدون عن سبيل الله ، والله محيط بهم ومحبط لأعمالهم.

٢ ـ وتذكير أو إخبار بما كان من موقف الشيطان وموقف المنافقين ومرضى القلوب في ظروف يوم بدر. فقد زيّن الشيطان للكفار الخروج وحثّهم عليه وألقى في روعهم أنهم من القوة بحيث لا يغلبهم أحد وأعلنهم أنه جار لهم ومناصرهم. فلما تراءت الفئتان والتحمتا نكص على عقبيه تاركا الكفار وما يلقونه من ويل متبرئا من جوارهم معلنا أنه يرى ما لا يرون وأنه خائف من الله الشديد العقاب الذي هو حقيق بأن يخافه أعداؤه. أما المنافقون ومرضى القلوب في المدينة فقد أخذهم العجب وتولتهم الدهشة مما بدا من جرأة المسلمين وخروجهم لقتال قريش مع ما هو معروف من تفوق هؤلاء عليهم في العدد والعدد فأخذوا يقولون عنهم إنهم اغتروا بدينهم.

وقد انتهت الآيات بتقرير ينطوي على التنويه بما كان من نصر الله للمسلمين الذين توكلوا عليه ، فهو العزيز الحكيم الذي ينصر من يتوكل عليه ويتمسك بحباله.

٦٧

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا

وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٤٥)

وما بعدها إلى الآية [٤٩]

والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا كما هو المتبادر. وقد روى المفسرون روايات متنوعة الصيغ متفقة المدى في صدد الآية [٤٨] ومن أكثر ما توافقوا عليه منها أن قريشا تحسبت من بني كنانة وكان بينهم وبينهم عداء وكانوا في طريقهم وأن إبليس تجسّم لهم في صورة أحد أشرافهم «سراقة بن مالك» فقال لهم : أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه وجعل يحرضهم ويقوي من عزائمهم فكان ذلك مما جعلهم يسرعون إلى الخروج لإنقاذ القافلة. ومما جاء في الرواية أنه كان معهم في المعركة فلما رأى من المسلمين ما رأى من استبسال وعزيمة وما استولى عليهم من روحانية انتزع يده من يد رفيق له وفرّ لا يلوي على شيء قائلا ما ذكرته الآيات (١). والذي نلاحظه على هذه الرواية أن في القرآن نصا صريحا بأن الناس لا يرون إبليس وقبيله وهو ما جاء في هذه الآية من سورة الأعراف : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [٢٧] ، وليست الرواية المروية ذات سند قوي. ولذلك نقول إما أن تكون الآية قد عنت أحد صناديد الكفار وشياطينهم ممن كان أشدهم تثبيتا للقلوب وتسديدا للعزائم ثم كان من الناكصين المنهزمين. والقرآن أطلق كلمة الشيطان على الإنس أيضا كما جاء في آية سورة الأنعام هذه (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [١١٢] ، وإما أن تكون احتوت تصويرا معنويا للحال لتقرر أن الكفار بخروجهم مزهوين معتدّين بأنفسهم إنما انساقوا لتزيين الشيطان ووساوسه فوردوا مورد الهلاك استهدافا لتوكيد التحذير والدعوة إلى التأسي من

__________________

(١) انظر ابن هشام ج ٢ ص ٢٥٠ وتفسير الآيات في الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والزمخشري والطبرسي.

٦٨

جهة ولتشديد التنديد والتشنيع من جهة أخرى للخلاف والنزاع والبطر ، ولقد روى الطبرسي عن الحسن البصري أن ما جاء عن الشيطان إنما كان على سبيل الوسوسة وأن الشيطان لم يتمثل في صورة إنسان وهو المعقول فيما نرى.

ويتبادر لنا أن الآيات انطوت على قصد المقارنة أيضا ، فالكفار خرجوا بتزيين الشيطان وكان معتمدهم وجارهم فأخزاهم الله على ما كانوا عليه من كثرة عدد وعدد وزهو وبطر واعتداد بالنفس ، والمسلمون خرجوا بإلهام الله متوكلين عليه فنصرهم على ما كانوا عليه من قلة عدد وعدد أثارت عجب المنافقين ومرضى القلوب وحملتهم على الغمز والاستخفاف بهم وتوقع الهزيمة لهم.

وروى المفسرون في صدد الآية [٤٧] أن أبا سفيان أرسل إلى جيش مكة يقترح عليه العودة وقد نجت القافلة فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم عليه ثلاثا ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا بعدها أبدا ، وهو ما عبرت الآية عنه بتعبير (بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) فكان ذلك من أسباب الاشتباك الفعلي (١).

وروى المفسرون في صدد الآية [٤٩] روايات عديدة منها أنها عنت جماعة من أهل مكة تكلموا بالإسلام وخرجوا مع المشركين يوم بدر. فلما رأوا قلة المسلمين قالوا غرّ هؤلاء دينهم ، ومنها أن بعض رجال من قريش خرجوا مع الجيش على ارتياب فلما رأوا قلة المؤمنين قالوا ذلك. ومنها أن جماعة من أهل مكة كانوا مسلمين حبسهم أهلهم عن الهجرة وأخرجوهم معهم قهرا إلى بدر فلما رأوا قلة المسلمين ارتدوا وقالوا ذلك القول. ولسنا نرى هذه الروايات مستقيمة مع الظروف ، لأنه لم يكن يوجد في مكة بعد الهجرة من يصح أن يوصف بالنفاق ومرض القلب اللذين كان يوصف بهما الذين كانوا يتظاهرون بالإسلام من أهل المدينة. والأوجه أن يكون هذا القول صدر عن هؤلاء حينما رأوا عدد المسلمين الذين خرجوا إلى بدر قليلا وهم يعرفون كثرة قريش وقوتهم. وقد احتوت الآية

__________________

(١) ابن هشام ج ٢ ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، وتفسير الآية في ابن كثير والبغوي والطبري والخازن.

٦٩

ردا قويا مستمدا من النصر الذي أحرزه المسلمون على قتلهم. فالمخلص المتوكل على الله لا يبالي بكثرة عدد عدوه وقلة عدده لأنه موقن بتأييد الله العزيز الحكيم له.

هذا ، ومع خصوصية الآيات الزمنية فإنها احتوت تلقينات عامة جليلة مستمرة المدى بما فيها من علاج نفسي قوي في ذكر الله حين اشتداد الملحمة وما يثيره هذا من قوة وروحانية وثقة وأمل ، وبما فيها من حثّ على الثبات والصبر كما في ذلك من ضمان النصر وكسب لرضاء الله وتأييده. وبما فيها من حكمة اجتماعية فيما في التنازع من فشل وإدبار. وفيما في التضامن والاتحاد من قوة وفلاح ، وبما فيها من حثّ على طاعة الله ورسوله. وتتمثل طاعة الله في التزام ما في القرآن من مبادئ وأحكام وخطوط ، وطاعة رسوله في التزام ما ثبت عنه من سنن قولية وفعلية تمثلا دائما.

ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا رواه أيضا البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن أبي أو فى جاء فيه : «إنّ رسول الله في بعض أيامه التي لقيّ فيها العدوّ انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال : أيّها الناس ، لا تتمنّوا لقاء العدوّ وسلوا الله العافية. فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. ثم قال : اللهمّ منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» (١).

ومع تساوق الحديث مع التلقين القرآني فإن فيه نقطة هامة ، وهي نهي المسلمين عن الاستعجال بلقاء العدو أو استعجال التحرش به. والمتبادر أن الحكمة في ذلك هي أن لا يكون الاستعجال بدون ضرورة محتمة ، أو أن لا يؤدي إلى خطر وضرر وفي هذا تلقين جليل آخر والله أعلم.

(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٣٣٠ و ٣٣١.

٧٠

وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤)) [٥٠ ـ ٥٤]

وفي هذه الآيات :

١ ـ إشارة تنويهية وإنذارية خوطب بها النبي أو السامع إلى ما سوف يكون من أمر الكفار في الآخرة. فحينما يتوفى الملائكة الكفار سيضربون وجوههم وأدبارهم ثم يسوقونهم إلى النار ويقولون لهم ذوقوا عذاب الحريق الذي استحققتموه بما اقترفتم من آثام جزاء وفاقا دون ما ظلم. لأن الله لا يظلم عبيده وإنما يوفي كلا منهم جزاء ما عمل وقدّم.

٢ ـ وتمثيل لحالة الكفار ومصيرهم بحالة أمثالهم الذين سبقوهم ومصيرهم : فإن شأنهم كشأن قوم فرعون ومن كان قبلهم كفروا بآيات الله فعاقبهم الله على ذنوبهم حيث أهلكهم وكان مما كان أن أغرق آل فرعون. فهؤلاء وأولئك كانوا جميعهم ظالمين ، فكانوا موضع تنكيل الله في الدنيا بالإضافة إلى عذابه في الآخرة ، وإنه لقوي قاهر وإن عذابه لشديد قاصم.

٣ ـ وتقرير لسنّة ربانية جارية في الأمم بسبيل التعقيب على ما ذكرته الآيات من مصير الكفار. فالله لا يغير نعمة أنعمها على قوم فيبدل أمنهم بخوف وغناهم بفقر وعزتهم بذلّ وسلامتهم بهلاك إلّا إذا غيروا ما بأنفسهم فانحرفوا عن الطريق القويم وضلّوا عن الهدى واقترفوا الآثام والمنكرات وإنه لسميع عليم يسمع كل شيء ويعلم بكل شيء فيعامل الناس بما يستحقونه.

والآيات استمرار على التعقيب على نتائج وقعة بدر ومتصلة بالسياق السابق كما هو المتبادر وقد انطوت على تقرير كون ما حلّ في الكفار هو مثل ما حلّ في قوم فرعون وغيرهم من عذاب الله الدنيوي ، وبيان ما سوف يصيرون إليه في الآخرة

٧١

من المصير المشترك إضافة إليه كمن سبقهم أيضا. وأسلوبها قوي ، ومع واجب الإيمان بما احتوته من مشهد أخروي فإنه قد يتبادر أن من حكمة ذكر ذلك إثارة الاغتباط في قلوب المؤمنين بالإضافة إلى ما تمّ لهم من النصر ، وإثارة الفزع في من بقي من زعماء الكفار وعامتهم وقد انطوت الآية [٥٣] على تعليل بليغ لما حلّ في الكفار من نكال وعلى تقرير استحقاقهم له بسبب كفرهم ومواقفهم المناوئة.

تلقين جملة

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ...)

هذه الجملة جاءت في الآية [٥٣] المذكورة آنفا ، ومع أنها متصلة المدى بالموقف الذي انتهت إليه معركة بدر مما جعلنا نقول إنها انطوت على التعليل البليغ الذي نبهنا عليه آنفا فإن أسلوبها المطلق التقريري يسوغ القول إنها انطوت على تلقين مستمر المدى وحكمة اجتماعية خالدة في تقريرها إناطة فقد الناس لما يكونون مستمتعين به من حالة حسنة ونعمة ربانية بتصرفاتهم المنحرفة الباغية المؤدية إلى ذلك. وهذه الحكمة جاءت مطلقة في آية سورة الرعد [٣٨] لتشمل تغير حالة الناس من سوء إلى حسن ومن حسن إلى سوء وتجعله منوطا بتصرفاتهم. وما قلناه في سياق هذه الآية من دلالتها على كون الله تعالى قد أودع في الناس القابلية لذلك وحملهم مسؤولية ما قد يكونون فيه أو يصيرون إليه من حالات حسنة وسيئة يصح أن يورد هنا بطبيعة الحال.

ولقد روى الطبري والبغوي عن السدي أن المقصودين بالآية قريش وبالنعمة رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما كذبوها نقلها عنهم إلى الأنصار ... ولا يخلو التأويل من وجاهة بالنسبة للظرف الذي نزلت فيه الآية غير أن إطلاق العبارة يجعلها عامة مستمرة المدى والتلقين على النحو الذي شرحناه.

وإذا صح أن يكون المعنيون بها قريشا فيكون من باب تسجيل الواقع عند نزولها لأن قريشا لم تحرم من هذه النعمة بالمرة وإنما كان ذلك لأمد محدود

٧٢

وبالنسبة للذين ماتوا وهم كفار منهم حيث تمتع معظمهم تمتعا كاملا بها حينما تمّ الفتح ودخل أهلها في دين الله.

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)) [٥٥ ـ ٦٤]

(١) تثقّفنّهم : تلقاهم وتتمكن منهم أو تظفر بهم.

(٢) فشرّد بهم من خلفهم : خوّف وشتّت بالتنكيل بهم من وراءهم من الأعداء.

(٣) فانبذ إليهم على سواء : أصل النبذ الطرح ، وقد فسّر جمهور المفسرين هذه الجملة بإعلان المعاهدين الذين يبدو منهم أمارات النقض والغدر والخيانة بأن النبي يريد أن يقف منهم نفس الموقف حتى لا يكون النقض غدرا.

(٤) رباط الخيل : إعداد الخيل وجعلها جاهزة للحرب.

(٥) جنحوا : هنا بمعنى مالوا أو رغبوا.

٧٣

في هذه الآيات :

١ ـ نعي على الكفار الذين يصرون على الكفر ولا يؤمنون مع ما ظهر من الحق والهدى. فهؤلاء هم شرّ الدواب عند الله.

٢ ـ وتفسير بياني للمقصودين ، فهم أولئك الذين عاهدهم النبي ثم ينقضون عهدهم في كل مرة دون تورّع ولا خوف من العواقب.

٣ ـ وأمر للنبي بالتنكيل بهم إذا ما لقيهم وتمكن منهم في الحرب بحيث يكون ذلك عبرة وإنذارا لمن خلفهم من الأعداء لعلهم يتذكرون ويتورعون ولا يقدمون على البغي والغدر والخيانة.

٤ ـ وأمر آخر للنبي : فإذا ما شعر من قوم بينه وبينهم عهد بخيانة وغدر فله أن ينقض عهده معهم بعد معالنتهم بزوال العهد بينه وبينهم فالله لا يحبّ الخائنين.

٥ ـ وإنذار للكفار الذين ينجون من التنكيل في موقف أو ظرف ما ، فلا يحسبون أنفسهم أنهم نجوا من نكال الله بالمرة ، فإنهم ملحوقون ولن يسبقوا الله أو يعجزوه.

٦ ـ وأمر موجه للمسلمين بإعداد كل ما يقدرون عليه من قوة ووسيلة حربية وبالاستعداد للحرب ليبعثوا الخوف في قلوب أعدائهم الذين هم أعداء الله وفي قلوب غيرهم ممن يضمر العداء للمسلمين ويتربص بهم الدوائر ، ولا يعرفونهم ولكن الله يعلمهم.

٧ ـ وحثّ للمسلمين على الإنفاق في سبيل الله من أجل هذا الاستعداد. فما ينفقونه من شيء يوفيه الله لهم من دون نقص وبخس.

٨ ـ أمر موجّه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحثه فيه على الميل إلى المسالمة مع الأعداء الذين هم موضوع الكلام إذا مالوا إليها والتوكل على الله فهو السميع العليم الذي لا يغيب عن علمه وسمعه أي شيء.

٩ ـ وتطمين له ودعوة للاعتماد على الله فيما إذا كان الأعداء يبيتون الخداع

٧٤

في تظاهرهم بالميول السلمية فالله هو حسبه. وهو الذي أيده بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم هذا التأليف الشديد الذي لو أنفق في سبيل تحقيقه ما في الأرض ما كان يتحقق لو لا عناية الله العزيز الحكيم القادر على نصره والذي يأمر بما فيه الحكمة والمصلحة والصواب.

١٠ ـ وتطمين آخر له وللمؤمنين في الصدد نفسه ، فإن الله هو حسبه وحسب الذين اتبعوه وكافيهم ومانعهم فلا ينبغي أن يكونوا في قلق من جراء ما يمكن أن يقفه الأعداء من مواقف ويبيتونه من نيات.

تعليق على الآية

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٥)

والآيات التالية لها إلى آخر

الآية [٦٣] وشرح وقعة بني قينقاع

وما في الآيات من مبادئ وتلقينات

١ ـ الآيات تبدو فصلا مستقلا عن السياق السابق إلّا التناسب وبين ذكر مصير الكفار الذي ذكر في الآيات السابقة لها وبين ذكر حالة الكفار فيها. وهي فصل متكامل جميعه في موضوع واحد. ولذلك جمعناها في هذه الطبعة وشرحناها في سياق واحد. وقد تكون نزلت بعد الآيات السابقة لها مباشرة فوضعت بعدها للتناسب الظرفي الموضوعي والله أعلم.

٢ ـ وروايات المفسرين (١) متفقة على أن الآيات عنت اليهود في المدينة ، وظروف نزولها التي كانت بعد قليل من وقعة بدر على ما سوف نشرحه بعد وأسلوبها يؤيد ذلك. فلم يكن بين النبي وبين أحد من الذين جحدوا رسالته عهد عدا اليهود في السنتين الأوليين من الهجرة. وروايات السيرة (٢) تذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.

(٢) انظر سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١١٩ ـ ١٢٣.

٧٥

حينما استقرّ في المدينة بعد هجرته إليها من مكة كتب كتاب موادعة أبقى فيه اليهود على صلاتهم ومحالفاتهم مع الأوس والخزرج الذين كان الإسلام قد نشأ فيهم. ومنحهم حرية الدين وأوجب عليهم نصرة المؤمنين والاتفاق معهم في الحرب كما أوجب على نفسه والمؤمنين نصرتهم غير مظلومين ولا تناصر عليهم إلّا من أثم وظلم فكان هذا عهد بينه وبينهم على تعدد كتلهم في المدينة وهي بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة.

٣ ـ والمفسرون إلى قولهم إنها في صدد اليهود يروون روايات تخصيصية حيث يروون أن الآيتين الأوليين نزلتا في يهود بني قريظة أو عنتهم لنقضهم العهد ومظاهرتهم لقريش في وقعة الخندق. وروى الطبرسي مع إيراده الرواية السابقة أن الآية [٥٨] نزلت في صدد بني قينقاع وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزلت قال : إني أخاف بني قينقاع وسار إليها. والمناسبة بعيدة بين وقعتي بني قريظة وبني قينقاع لأن الأولى كانت في السنة الهجرية الخامسة والثانية في السنة الثانية وبعد قليل من وقعة بدر التي نزلت فيها سورة الأنفال. ووقعة الخندق ذكرت في سورة الأحزاب وليس من الوارد أن تذكر في سورة نزلت قبل وقوعها. وابن سعد يتوافق في طبقاته (١) مع رواية الطبرسي بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سار إلى بني قينقاع بالآية [٥٨] ويروي المفسرون وكتب السيرة القديمة معا أن يهود بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا العهد ووقع الصدام بينهم وبين النبي والمسلمين. وأن آيات سورة آل عمران هذه : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣) قد نزلت بسبيل إنذارهم ودعوتهم إلى الاعتبار بما حلّ في قريش الذين كانوا ضعف المسلمين وبنصر الله للمؤمنين. وذلك حينما بدت منهم أمارات الغدر والنقض بعد قليل من وقعة بدر. فجمعهم النبي وأنذرهم فقالوا له : «لا يغرنك أنك لقيت قوما

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٦٧ ـ ٦٨.

٧٦

لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة ، وإنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس» (١) ، وسورة الأنفال نزلت قبل سورة آل عمران. وآيات سورة الأنفال التي نحن بصددها نزلت بعد وقعة بدر وقبل وقعة أحد التي جاء في سورة آل عمران فصل طويل فيها وهذا يسوغ عدم التسليم بالروايات التي تذكر أن آيات سورة آل عمران [١٢ و ١٣] نزلت في بني قينقاع. والقول إنها نزلت في قوم آخرين ظهرت منهم بوادر غدر وعداء. والله أعلم.

ومهما يكن من أمر فالملحوظ أن آيات سورة الأنفال عامة الشمول بحيث يتبادر لنا منها أنه لما بدأ يظهر من اليهود بوادر الغدر والخيانة بعد مواقف التعجيز والتشكيك والسخرية واللجاج والدسّ والتآمر التي حكتها سلسلة سورة البقرة اقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بهذه الآيات كخطة عامة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تجاههم. ومن الجائز أن يكون بنو قينقاع ركبوا رؤوسهم ولم يرعوا فجمعهم النبي وأنذرهم فأجابوه بما حفظته الروايات ، ويجوز أنهم استمروا في غيّهم ولم يرعووا فبادر إلى التنكيل بهم وطبق مبادرته على جملة (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) فقال ما حفظته الروايات إني أخاف بني قينقاع ، والله أعلم.

٤ ـ أما ما كان من أمر بني قينقاع فخلاصة ما روته كتب السيرة والتفسير أنهم كانوا يسكنون وسط المدينة ، وكان لهم سوق خاص وأن امرأة من العرب جاءت بجلب لها فباعته في سوقهم ثم جلست إلى صائغ ، فسألها بعضهم كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا عليها فصاحت فوثب مسلم حاضر على الصائغ فقتله فشدّ عليه اليهود فقتلوه فاستصرخ أهله فعظم الشرّ. وقد حصرهم النبي والمسلمون في محلتهم خمس عشرة ليلة وضيّق عليهم حتى نزلوا على حكمه. وكانوا حلفاء للخزرج فطلب عبد الله بن أبيّ أحد كبار زعمائهم وكان كبير المنافقين من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن

__________________

(١) انظر سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٤٢٦ و ٤٢٩ وانظر تفسير آيات آل عمران في كتب التفسير المذكورة.

٧٧

يحسن في حلفائه ، وألحّ في الطلب حتى أساء أدبه مع النبي ، وقال له فيما قال أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة. ورأى النبي من الحكمة المسايرة فاكتفى بإجلائهم عن المدينة وسمح لهم بحمل ما قدروا عليه من مال وسلاح واستولى على ما بقي لهم في محلتهم من عقار وسلاح ومتاع وأثقال فأخذ خمسه ووزع الباقي على من شهد الحصار معه ، وقد جلوا إلى أذرعات (١).

ويتبادر لنا من فحوى الآيات وروحها وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إني أخاف بني قينقاع الذي أجمعت الروايات على ذكره ولو لم يرد حديث صحيح فيه أنه كان لبني قينقاع مواقف غدر ونقض عديدة فجاء حادث الامرأة والصائغ لتملأ الكأس وكان التنكيل مباشرة بعده ، والله أعلم.

٥ ـ ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون في المعنيين بجملة (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) منها أنهم المنافقون استئناسا بآية سورة التوبة هذه (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) [١٠١] ومنها أنهم الفرس. ومنها أنهم كل عدو للمسلمين لم يكن ظاهرا أو معروفا بعدائه ، ومنها أنهم الجن. وأوردوا في المقول الأخير حديثا أخرجه ابن أبي حاتم جاء فيه : «إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول في قول الله (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) هم الجنّ» ، والحديث لم يرد في الصحاح ونرى التوقف فيه كما نرى الوقوف عند الآية والقول إنها هدفت إلى تنبيه المسلمين إلى ما يمكن أن يكون لهم من أعداء لا يعرفونهم ويعرفهم الله بسبيل التحذير وإيجاب الاستعداد وإعداد ما استطاعوا من قوة لإرهاب أعدائهم المعروفين وغير المعروفين ، وقد يكون من جملة هؤلاء الطوائف اليهودية الأخرى التي كانت لم تظهر عداء صريحا ولكنها تبطنه والتي حكت سلسلة سورة البقرة ما كان لها من مواقف جحود ودسّ

__________________

(١) هذا تلخيص ما ورد في كتب التفسير والسيرة ، انظر كتب التفسير المذكورة وانظر ابن هشام ج ٢ ، ص ١١٩ ـ ١٢٢ وابن سعد ج ٣ ص ٦٧ و ٦٨.

٧٨

وتشكيك وتآمر ونقض ، والله تعالى أعلم.

٦ ـ وجمهور المفسرين على أن المعنيين في الآية [٦٣] الذين ألّف الله بينهم هم الأوس والخزرج الذين كانوا غالبية عرب المدينة والذين صار اسمهم في الإسلام (الأنصار). وقد كان بينهم تنافس وحروب وثارات قبل الإسلام وكان بعض كتل اليهود يحالفون الأوس وبعضهم يحالفون الخزرج على ما شرحناه في سياق الآيات [٨٤ و ٨٥] من سورة البقرة. وقد ألّف الله قلوبهم على يد رسوله فدعا من اجتمع إليه منهم في مكة واستجابوا لدعوته ثم بعد أن هاجر النبي إلى المدينة فأصبحوا بنعمة الله إخوانا. وقد جاءت إشارة ثانية إلى هذا في آية سورة آل عمران هذه : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٠٣) وهذه الآية في ظرف حاول اليهود فيها أن يثيروا فتنة بين الأوس والخزرج بتذكيرهم بما كان بينهم من ثارات على ما سوف نشرحه في مناسبتها.

٧ ـ ولقد روى البغوي عن سعيد بن جبير في صدد الآية الأخيرة من الآيات إلى [٦٤] أنها نزلت بعد إسلام عمر حيث كان أسلم قبله ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة فكمل عددهم بإسلام عمر أربعين. وعلق ابن كثير على ذلك بقوله إن إسلام عمر كان في مكة وهذه الآية مدنية ، وهو تعليق في محله. على أن جمهور المفسرين على أن هذه الآية جزء متمم للكلام وهو الحق المتبادر.

ولقد تعددت أقوال المفسرين والمؤولين في مدى الآية ، منها أنها بمعنى (إن الله حسبك وحسب من اتبعك) وذلك بسبيل تهوين شأن أعدائهم. ومنها أنها بمعنى (الله هو حسبك ، وحسبك كذلك متبعوك) فهذا كاف لك للانتصار على الأعداء ، وكلا القولين وجيه.

وجملة (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (٦٢) في الآية السابقة لها قد تؤيد وجاهة التأويل الثاني وإن كان مقام الآية قد يجعل الرجحان للتأويل الأول من

٧٩

حيث إن التأويل الثاني يجعل المؤمنين الذين اتبعوا النبي (حسب) النبي بالإضافة إلى الله. والأدب والإيمان يقضيان بأن الله وحده هو حسب النبي والمؤمنين معا ، وكلمة (حسبك) ليست في مقام (أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (٦٢) كما هو المتبادر والله تعالى أعلم.

التلقينات المنطوية في الآيات

[٥٥ ـ ٦٤]

والآيات كما قلنا احتوت خطة عامة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تجاه أعداء الإسلام والمسلمين ، وقد انطوى فيها تلقينات جليلة عامة مستمرة المدى كذلك وهذا هو المتبادر من ذلك :

١ ـ إن الذين لا يصدقون بالحق ويقفون منه موقف المكابرة والعناد ولا يتورعون عن نقض عهودهم مرة بعد مرة هم شرّ من الدواب.

٢ ـ إن الحروب التي باشرها النبي والتي يصح أن يباشرها المسلمون بعده هي حروب دفاع وردع وإنذار وتذكير وعبرة للغير. وهدفها حمل الأعداء والبغاة على الارعواء وضمان أمن المسلمين وحرية الدعوة الإسلامية ، وليست حروب عدوان وإبادة.

٣ ـ إن الواجب يقضي بالتمسك بالعهود فلا يكون من المسلمين نقض بدءا في أي حال. وليس لهم إلّا المقابلة على العدوان بمثله. وعلى الخيانة بما يستحقه الخائن الغادر.

٤ ـ إذا بدا من معاهد بوادر غدر أو خيانة صراحة أو سرا أو دسّا أو مظاهرة للأعداء فللمسلمين الحق حينئذ بنقض عهدهم معه والوقوف منه نفس موقفه. غير أن عليهم واجب إعلان بأنهم في حلّ من عهده ليكونوا وإياه في مركز متساو. ويعلم كل منهما موقف الآخر وليس لهم أن يفاجئوه بالنقض والحرب دون إنذار وإعلان. ويمكن استدراك أمر وهو أن هذا يكون في حالة عدم اقتران غدر العدو

٨٠