التّفسير الحديث - ج ٧

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٧

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤

وفلك. وهناك من حاول استخراج الغيب والأسرار من بعض الآيات والحروف وهناك من زعم أن للقرآن ظاهرا وباطنا وجرى في متاهات وتخيلات عجيبة من المعاني والاستنباطات واللعب بالألفاظ والشطح إلى ما يكاد يكون هذيانا بسبيل إظهار هذا الباطن. ومنهم من فعل هذا بتأثير من النزعة الصوفية المغالية. ومنهم من فعله لتأييد الأهواء المتنوعة وبخاصة الشيعية. وهناك من كذب على الله ورسوله وأصحابه بسبيل ذلك كله مما أوردنا بعض أمثله منه في ما سبق تفسيره من السور.

٨ ـ هناك اختلاف في مدى (الواو) التي سبقت كلمة (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) حيث قال بعضهم إنها عطفت وإن التعبير يفيد أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله أيضا وقدروا العبارة هكذا (والراسخون في العلم الذين يقولون آمنا به كل من عند ربنا يعلمون تأويله). وحيث قال بعضهم إنها إنشائية وإن الجملة مستقلة عن سابقتها وتفيد أن الراسخين لا يتمحلون في التأويل ويكتفون بإيكال ما اشتبه عليهم فهم كنهه وتأويله إلى الله ويقولون آمنا به كل من عند ربنا ويدعون ربهم بأن لا يزيغ قلوبهم بعد أن هداهم. ومما دلّل عليه الذين يقولون القول الأول إنه لا يصح أن يكون في كتاب الله ما لا يعرف تأويله وما لا يفهمه أحد. والله طلب من الناس أن يتدبروا آيات القرآن وأنزلها وهو يعلم أنهم يفهمون ويعقلون ويعلمون كما جاء ذلك في آيات عديدة وهذا الكلام وجيه بدون ريب. وقد يزيد في وجاهة ذلك أن القول الثاني يؤدي إلى القول إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا لا يعلم تأويله مما قد يكون غير مستساغ.

ومع ذلك فنحن نرجح كون الواو إنشائية وليست عطفية. وأن كلمة (تَأْوِيلِهِ) في الآية أريد بها والله أعلم ما في المتشابهات من ماهيات وأسرار استأثر الله تعالى بعلمه وأن في القرآن حقا ما لا يفهمه أحد غير الله سرّه وماهيته وكنهه مثل سرّ الله وسرّ الوجود وسرّ الخلق وسرّ النبوة وسرّ الوحي وسرّ الملائكة والجن وإبليس والشياطين إلخ ... وماهيات ذلك. وحينئذ تكون وجاهة قول

١٢١

القائلين إنه لا يصح أن يكون في القرآن ما لا يفهمه أحد هي في صدد ما في ذلك من حكم وحقائق إيمانية وهذا حق. ولا نرى هذا التقرير متناقضا مع قولنا الآنف لأن ذلك مقرر في آيات قرآنية عديدة. ولسنا نرى من الضروري لأجله أن تكون (الواو) عطفية.

ومعلوم أن الصدر الإسلامي الأول درج على عدم الخوض في كيفيات وماهيات ما ورد في القرآن من صفات الله وأعضائه وحركاته ومشاهد كونه وسائر ما في المتشابهات من أمور لا تعرف حقائقها والاكتفاء بالقول (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) والمتبادر أن هذا الذي يراه كثير من الأئمة في مختلف الحقب الإسلامية هو الأولى والأسلم هو نتيجة لما في الآية ثم في الأحاديث من تلقين.

ولقد روى بعض المفسرين عن ابن عباس قوله : «أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله». ونحن نشكّ في صدور هذا القول عن ابن عباس إذا كان أريد به علم تأويل كل ما في القرآن من أسرار ومتشابهات علما لا يقتصر على الحكمة ويشمل السرّ والكنه والماهية. ولقد روى عن ابن كثير الذي روى عنه القول الأول قولا آخر جاء فيه «التفسير على أربعة أنحاء تفسير لا يعذر أحد على فهمه. وتفسير تعرفه العرب من لغاتها. وتفسير يعلمه الراسخون في العلم. وتفسير لا يعلمه إلّا الله». وعقب ابن كثير على هذا بقوله : إن هذا القول يروى عن عائشة وعروة وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم. ولا يخلو هذا القول من سداد فيه توفيق بين القولين. والله تعالى أعلم.

ولقد روى المفسر الشيعي الطبرسي عن أبي جعفر أحد الأئمة قوله : «إن الأئمة والأوصياء من آل رسول الله يعلمون تأويله». وروى المفسر الشيعي العلوي عن الصادق من الأئمة قوله : «نحن الراسخون في العلم نحن نعلم تأويله». ونحن نقف من هذا موقف التحفظ كما فعلنا في قول ابن عباس. ونرجح أن هذا من نوع الأقوال التي يسوقها مفسرو الشيعة في كل مناسبة. والله تعالى أعلم.

١٢٢

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣)) [١٠ ـ ١٣]

(١) كدأب : كعادة ، أو كشأن ، أو كمثل ، أو كعمل. والدأب في اللغة بمعنى الإدمان على العمل والتعب فيه والاعتياد عليه.

عبارة الآيات واضحة. وفي الأوليين منها توكيد إنذاري للكافرين بأسلوب مطلق. وتذكير بما كان من أمر فرعون ومن قبله حيث أخذهم الله لأنهم كذبوا بآياته. وفي الثانيتين أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإنذار الكفار بأنهم سيغلبون في الدنيا ويحشرون إلى جهنّم في الآخرة وبتذكيرهم بما كان من نصر الله للفئة المؤمنة القليلة على الفئة الكافرة الكثيرة حينما التقتا وتقاتلتا. وقد انتهت الآيات بلفت النظر إلى ما في ذلك من عبرة لأولي العقول والبصائر.

تعليق على الآية

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ

مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) (١٠)

والآيات الثلاث التالية لها

وقد روى المفسرون (١) روايات عديدة في مناسبة هذه الآيات. منها أنها نزلت في اليهود الذين جادلوا النبي في بعض الآيات المتشابهات ابتغاء الدس

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير والطبرسي والخازن إلخ.

١٢٣

والفتنة ومنها أنها نزلت في اليهود الذين ذهلوا لانتصار النبي على قريش في بدر وأخذوا يحسبون حساب العواقب. ومنها أنها نزلت في يهود بني قريظة وبني النضير. ومنها أنها نزلت في حق مشركي قريش حيث علم أنهم يحشدون قواهم بقيادة أبي سفيان لأخذ ثأر بدر. ومنها أنها نزلت خصيصا في يهود بني قينقاع وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جمعهم بعدها وأنذرهم بتقوى الله والإيمان برسالته وحذرهم من الكفر ولفت نظرهم إلى ما كان من نصر الله للمؤمنين على كفار قريش وهم مثلاهم فأجابوه قائلين : إنكم إنما قاتلتم أناسا لا بصيرة لهم في الحرب وإنكم إذا قاتلتمونا علمتم أننا نحن الناس.

وليس شيء من هذه الروايات واردا في الصحاح. وروح الآيات وفحواها تلهم أنها ليست موجهة إلى كفار قريش وإنما هي موجهة إلى فئة أخرى مفروض أنها شهدت أو علمت بما وقع في حرب نشبت بين مؤمنين وكفار. وقد يكون هذا ملهما لصحة رواية نزولها في حق اليهود. وقد تكون الآيتان الأوليان منها بمثابة تمهيد تقريري عام بين الآيتين الثانيتين اللتين تأمران النبي بمخاطبة الكفار. وليس في إطلاق كلمة الكفار على اليهود ما يبعد الرواية. فقد نعتت سلسلة آيات البقرة اليهود بهذا النعت في أكثر من حلقة. غير أننا نلاحظ أن الروايات ذكرت في سياق الآيات [٥٥ ـ ٥٩] من سورة الأنفال على ما أوردناه في تفسيرها أن هذه الآيات نزلت في يهود بني قينقاع وأن النبي حاصرهم وأجلاهم بناء عليها. فإما أن تكون آيات آل عمران التي نحن في صددها نزلت قبل آيات الأنفال كإنذار أولي لبني قينقاع ، وإما أن تكون نزلت في حق يهود آخرين اقتضت الحكمة إنذارهم وتذكيرهم بعد ما حلّ في كفار قريش ويهود بني قينقاع من بعدهم ما حلّ. ولا سيما أن التسليم بصحة رواية نزولها لإنذار بني قينقاع يقتضي فرض أن تكون نزلت قبل آيات الأنفال في حين أن الظاهر يسوغ القول إنها نزلت بعدها إلّا إذا صحت رواية ترتيب آل عمران كثاني سورة نزولا وهذا ليس وثيقا. وفي الروايات أن الآيات نزلت في حق بني النضير وبني قريظة. وفي آيات الأنفال أمر للنبي بالبطش باليهود إذا ثقفهم وتمكّن منهم في الحرب لتخويف وتشريد وتذكير من خلفهم.

١٢٤

وهذا يتسق مع احتمال رواية كون الآيات نزلت في حق بني النضير وبني قريظة أكثر.

والآيات الأربع حسب ما تقدم من شرح نزولها وتفسيرها تبدو فصلا مستقلا لا صلة له بالآيات السابقة سياقا وموضوعا. إلّا إذا صحّ ما روي من أن الآيات السابقة نزلت في مناسبة مجادلة اليهود في بعض الآيات المتشابهة. ولقد استبعدنا هذا ورجحنا كون الآيات نزلت في صدد وفد نجران. وكما أنه لا يبدو صلة بين هذا الفصل والآيات السابقة كما رجحنا فإنه لا يبدو لها صلة بالآيات اللاحقة لها أيضا كما يتبادر لنا. وسورة آل عمران كسورة البقرة احتوت فصولا عديدة بعضها مستقل عن بعض ثم رتبت على وضعها الحاضر بعد تمامها. وقد تكون هذه الآيات نزلت بعد الآيات السابقة لحدوث مناسبتها في ظرف نزول الشطر الأول من السورة فوضعت في مكانها والله تعالى أعلم.

وجمهور المؤولين والمفسرين على أن جملة (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) عنت ما كان من تفوق مشركي قريش يوم بدر عددا على المؤمنين. وهذا ما ذكرته الروايات التي أوردناها في سياق تفسير سورة الأنفال.

وأسلوب الآيات قوي ينطوي فيه إيذان رباني حاسم بقهر الذين كفروا برسالة رسول الله وكذبوا بآيات الله المنزلة عليه كما جرت سنّة الله في الذين قبلهم. وفيه تبشير رباني بنصر المؤمنين عليهم. وهذا الإنذار والتبشير مما تكرر في سور مكية ومدنية. وتحقق مصداقهما في العهد المدني فكان فيه مظهر من مظاهر الإعجاز القرآني.

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ

١٢٥

وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧)) [١٤ ـ ١٧].

(١) الشهوات : هنا بمعنى ما تشتهيه النفس على ما تلهمه بقية الآية الأولى.

(٢) القناطير المقنطرة : هنا كناية عن الكمية العظيمة. والقنطار كلمة أعجمية معربة قبل الإسلام. وهناك أقوال عديدة في وزنه منها أن (١٢٠٠) أوقية أو (١٠٠) رطل أو (١٠٠٠) دينار ذهبا أو (٨٠٠٠) درهم فضة أو (١٢٠٠) درهم فضة.

(٣) الخيل المسوّمة : قيل إنها بمعنى المضمرة الحسان وقيل إنها التي تجد من الرعي ما يساعدها على زيادة قوتها وحسنها لأن معنى السوم الرعي. وقيل إنها المعلمة بالتحجيل الأبيض في رجليها ويديها وبالغرة البيضاء في جبهتها حيث تكون كلمة (المسوّمة) من الوسم وعلى كل حال فالمقصد هو صفة من صفات الخيل المحببة.

(٤) الحرث : الزرع.

في الآيات :

١ ـ إشارة إلى ما انطبع عليه الناس من اشتهاء ما تشتهى حيازته من نساء وبنين وكميات كبيرة من الذهب والفضة والخيول المحببة الصفات والأنعام والزروع.

٢ ـ واستدراك بأن ذلك كلّه إنما هو متعة في الحياة الدنيا القصيرة الأمد وأن عند الله ما هو أحسن ، عاقبة ومآبا.

٣ ـ وأمر للنبي بسؤال الناس عما إذا كانوا يريدون أن يخبرهم بما هو خير من ذلك كلّه عند الله للذين اتقوا ربهم وبيان لذلك بأن لهم عنده الخلود في جنات تجري من تحتها الأنهار متمتعين فيها بزوجات مطهرة ولهم فوق ذلك رضوان الله السامي الكريم.

١٢٦

٤ ـ ووصف بياني للمتقين المستحقين لهذه المنزلة العظمى : فهم الذين يعلنون إيمانهم التام بكل ما جاءهم من عند الله ويطلبون منه المغفرة والوقاية من النار. وهم الصابرون الصادقون الخاضعون المطيعون المنفقون لأموالهم في سبل الله والبر والمتعبدون لله والمستغفرون له بخاصة في الأسحار.

تعليق على الآية

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ ...) إلخ

والآيات الثلاث التالية لها

ولم نطلع على رواية بمناسبة نزول هذه الآيات. وقد روى المفسرون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حينما نزلت الآية الأولى منها : يا ربّ الآن وقد زينتها لنا فنزلت الآيات التالية لها. والرواية لم ترد في الصحاح. والمتبادر أن الآية الثانية وما بعدها غير منفصلة في النظم والسياق عن الآية الأولى. وقد روى الطبري أن في الآية الأولى توبيخا لليهود الذين آثروا الدنيا وزينتها على الإيمان بالرسالة الإسلامية. ولم ترد هذه الرواية أيضا في الصحاح وإن كان لها صلة برواية كون الآيات السابقة في صدد اليهود. غير أن تعبير الناس والإطلاق في الخطاب في الآية الأولى وانسجامها مع الآيات التي بعدها يسوغان القول إن هذه الآيات فصل مستقل لا علاقة له مباشرة باليهود وبالآيات السابقة. ولقد أورد المفسرون وكتّاب السيرة في مناسبة ذكرهم خبر وفد نجران أن هذا الوفد أقبلوا على مسجد النبي وعليهم ثياب الحبرات وأردية الديباج فأثار مشهدهم المسلمين حتى قالوا ما رأينا وفدا مثلهم (١). فلا يبعد أن تكون هذه الآيات وقد جاء بعدها بقليل سلسلة طويلة يحتمل أن تكون في صدد مجالس المناظرة بين النبي وهذا الوفد قد نزلت بين يدي هذه السلسلة ليكون فيها للمسلمين الذين دهشوا بزينة الوفد موعظة وتنبيه.

__________________

(١) انظر ابن هشام ج ٢ ص ٢٠٦ وتفسير الطبري.

١٢٧

هذا ، والمتبادر لنا أن الآية الأولى ليست بسبيل تزهيد الناس في متع الحياة وطيباتها وزينتها إطلاقا وكل ما في الأمر أنها تقرر أن الميل إلى ذلك مما طبع الله الناس عليه. وآية سورة الأعراف [٣٢] التي تستنكر تحريم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وآيات سورة المائدة [٨٦ و ٨٧] والتي تنهى المؤمنين عن تحريم ما أحلّه الله لهم من الطيبات يمكن أن تورد كدليل قرآني على ما نقول. وإنما هي بسبيل التشويق إلى نعيم الآخرة بالتحقق بصفات المتقين الممدوحة إزاء ذكر طبيعة الإنسان بالميل إلى المتع المشتهاة واستهدافا والله أعلم لتطوير هذه الطبيعة إلى ما هو خير وأبقى وتهذيبها حتى لا تطغى على الإنسان فتجعله يستغرق فيها استغراقا ينسيه واجباته نحو الله والناس على ما شرحناه في سياق آية سورة الأعراف وفي مناسبات مماثلة في سور أخرى سبق تفسيرها. ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات حديثين وصفهما بالصحة جاء في أحدهما «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حبّب إليّ النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة» وجاء في ثانيهما : «أنّ عائشة قالت لم يكن شيء أحبّ إلى رسول الله من النساء إلّا الخيل وفي رواية من الخيل إلّا النساء». ويمكن أن يورد هذان الحديثان كدليل نبوي على أنه ليس هناك مانع من كتاب وسنّة يمنع الإنسان من أن يحبّ النساء والخيل والطيب وطيبات الحياة الأخرى إذا كانت حلالا لا فاحشة فيها ولا معصية مع القصد والاعتدال اللذين هما من التنبيهات القرآنية المتكررة. والصفات التي نوّهت بها الآيات الثلاث الأخيرة جامعة لأحسن صفات المؤمن الصالح. وما يجب أن يتخلّق به من أخلاق دينية وشخصية واجتماعية. وتكاد تكون خلاصة موجزة لأهداف الدعوة الإسلامية وصورة مثالية للمسلم. وقد انطوى فيها بالبداهة الدعوة إلى الاتصاف بها والحثّ عليها.

ولقد أورد ابن كثير أحاديث عديدة في سياق هذه الآيات فيها حثّ على الاستغفار وبخاصة في الأسحار وصورة لاجتهاد النبي وأصحابه في ذلك ، ولقد علقنا على ذلك وأوردنا طائفة من الأحاديث في سياق تفسير آيات سورة المزمل [١ ـ ٨ و ٢٠] والإسراء [٧٨] والذاريات [١٦ ـ ١٨] فنكتفي بهذا التنبيه.

١٢٨

(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠)) [١٨ ـ ٢٠]

(١) قائما بالقسط : حال لحقيقة من الحقائق الربانية أي أنه لا إله إلا هو وأنه قائم بالقسط متحقق بالعدل.

(٢) بغيا بينهم : أي بقصد بغي بعضهم على بعض أو نتيجة لما قام بينهم من بغي بعضهم على بعض.

(٣) الأميين : شرحنا معاني الكلمة في سورة البقرة والكلمة هنا وفي مقامها قد يكون القصد منها الأمم غير اليهودية. وقد تكون الكلمة هنا كناية عن الأمم غير الكتابية إطلاقا. وقد تكون في مقامها كناية عن الأمم غير اليهودية أيضا.

عبارة الآيات واضحة. وقد روى الخازن روايتين في سبب نزولها. الأولى أنها في صدد مناظرة وفد نجران. والثانية تذكر أن حبرين من أحبار الشام قدما إلى المدينة وقالا للنبي نريد أن نسألك عن شيء إن أخبرتنا به آمنّا بك فقال اسألا فقالا أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فأنزل الله الآيات. والروايات لم ترد في الصحاح. والآيات كما يتبادر لنا استمرار للسياق السابق الذي رجحنا أنه في صدد وفد نجران وهذا ما يجعلنا نرجح أن هذه الآيات أيضا في صدده. ومن المحتمل أن تكون في صدد المشهد الأول من مشاهد المناظرة بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا الوفد أو في صدد تلقينه الموقف الذي ينبغي أن يقفه في هذا المشهد. وقد استهدفت انتزاع التسليم المبدئي بوحدة الله المطلقة المنزّهة ووجوب الخضوع له وحده وتنزيهه عن

١٢٩

كل نقص من الوفد على اعتبار أن التسليم بذلك مبدئيا يمهد لحل كل خلاف ثانوي ولتحقيق التطابق في المسائل المتفرعة عنها. وفي هذا الأسلوب ما هو ظاهر من القوة والرصانة.

والأسلوب الذي بدأت به الآيات من تقرير شهادة الله والملائكة وأولي العلم بوحدة الله هو أسلوب تعبيري لتقوية المعنى المقرر وإعلان كونه حقا وصدقا لا يمكن أن يكون فيه خلاف. وهو كما يظهر أسلوب قوي وملزم يعرض النبي بلسان القرآن به جوهر الدعوة الإسلامية ومبدأها الأساسي وهما وحدة الله المطلقة ووجوب الإسلام له وحده. فهذا هو الدين الحق وهو ما لا ينبغي أن يكون محل خلاف ونزاع. وما كان من ذلك بين أهل الكتاب إنما هو ناشىء عن الأهواء والبغي لا عن كتب الله وأنبيائه. وقد أمر النبي في آخر الآيات إذا كابر الفريق الذي يتناظر معه وجادل في هذا الذي لا يتحمل نزاعا ولا جدالا بأن يحسم الموقف بإعلانه أنه قد أسلم نفسه هو ومن اتبعه لله وأن يسأل سامعيه من كتابيين وأميين عما إذا كانوا يسلمون لله مثله. فإن أسلموا فيكون هدى الله قد جمعهم ، وإن تولوا فعليه أن يعلن أنما عليه البلاغ والله هو البصير بالناس المراقب لأعمالهم.

ويلحظ أن الآية الأخيرة قد احتوت أمرا للنبي بتوجيه الخطاب لأهل الكتاب وغيرهم. فمن المحتمل أن يكون ذلك من قبيل التعميم والاستطراد لأن الكلام بسبيل الدعوة والتقرير العام. ومن المحتمل أيضا أن يكون بعض مشركي العرب المحايدين أو المسالمين شهدوا المناظرة.

ومع ترجيحنا أن تعبير (أُولُوا الْعِلْمِ) في الآية [١٨] قد قصد به (أولي الكتاب) بقرينة ذكرهم في الآيات التالية فإن لورود التعبير مطلقا مغزى مهما من حيث احتمال انطوائه على تقرير أن كل من أوتي علما من أي نحلة كان لا بد من أن يشهد هذه الشهادة. وهذا المغزى منطو في آية سورة فاطر (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) على ما شرحنا ذلك في سياق الآية. ولقد رأينا القاسمي والطبرسي يقفان عند الكلمة فيقول الأول إن ذكر أولي العلم في هذا المقام مرتبة جليلة

١٣٠

لهم. ويقول الثاني إن في ذلك تنويها بفضل أهل العلم. وأورد الثاني بعض الأحاديث النبوية فيها هذا التنويه مما أوردناه في مناسبات سابقة.

ولقد قال الخازن عزوا إلى بعض أهل التأويل إن جملة (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) منسوخة بآية السيف أو القتال. وهذا مما تكرر قوله من بعض المفسرين والمؤولين في العبارات المماثلة التي مرّت أمثلة منها وبخاصة في السور المكية. وقد نبهنا على الوجه الحق في ذلك في المناسبات السابقة وفي تعليقنا المسهب في سورة (الكافرون) فنكتفي بهذا التنبيه.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢)) [٢١ ـ ٢٢].

عبارة الآيتين واضحة. وفيها نعي على الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون أنبياءه ومن يأمر بالقسط من الناس. وتقرير حبوط أعمالهم واستحقاقهم عذاب الله. دون أن يكون لهم أي نصير منه.

تعليق على الآية

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ...) إلخ

والآية التالية لها

لم يذكر المفسرون رواية ما في مناسبة الآيتين. وإنما ساقوا ما يفيد أن المقصود فيها هم اليهود. وهذا صحيح حيث وصف اليهود في بعض حلقات سلسلة سورة البقرة بمثل هذه الأوصاف. ولقد أورد الطبري حديثا عن أبي عبيدة جاء فيه : «قلت يا رسول الله أي الناس أشدّ عذابا يوم القيامة قال رجل قتل نبيا أو رجل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف ثم قرأ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ

١٣١

وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢١) إلى أن انتهى إلى جملة (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٢) ثم قال رسول الله يا أبا عبيدة قتل بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة رجل واثنا عشر رجلا من عبادهم وأمروا القاتلين بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعا من آخر النهار فذلك تأويل الآية».

والرواية لم ترد في الصحاح. وقد أوردها ابن كثير أيضا كحديث من تخريجات ابن أبي حاتم أحد أئمة الحديث. وصحتها محتملة لأنها متسقة مع ما روي عن اليهود على ما ذكرناه في سياق تفسير آيات البقرة [٨٧ و ٩١] التي ذكرت ذلك عنهم. وقد أوردنا في سياق ذلك نصوصا من بعض أسفار اليهود القديمة مؤيدة لذلك. ونذكر هنا شيئا فاتنا ذكره وهو أن المؤرخ اليهودي يوسيفوس من رجال القرن الميلادي الأول ذكر في كتابه أن هيرودوس ملك اليهود قتل كثيرا من علماء اليهود وقتل يوحنا بن زكريا الحبر الأعظم (١).

وهكذا تتحدى الآيات القرآنية اليهود في تنديدها وإنذارها المتكررين وتدمغهم بما ورد في أسفارهم وكتبهم بما اقترفوه من جرائم كبرى بقتل الأنبياء والآمرين بالقسط من علمائهم حينما لا يسيرون على هواهم.

ومن المحتمل أن اليهود كانوا طرفا في المناظرة وفي المشهد الذي مرّ بيانه. أو أنهم قالوا بمناسبة العقيدة التي أعلنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنهم يقرون بوحدانية الله ثم أخذوا يعاندون ويحاجّون في صحة رسالة النبي في حين أنه يترتب عليهم التصديق بها لأنها تدعو إلى الله وحده ودينه الحق الإسلام. ولعلهم حاججوا في أمور أخرى يترتب عليهم التسليم بها تبعا للتسليم بالمبدأ في مقتضى الموقف وحكمة التنزيل تذكيرهم بما كان من آبائهم من مواقف مماثلة حيث كانوا يكفرون بآيات الله

__________________

(١) انظر الترجمة العربية ص ١٤٩ وما بعدها. وخبر قتل يوحنا بن زكريا الحبر الأعظم الذي هو يحيى في النصوص الإسلامية مذكور في الإصحاح (١٤) من إنجيل متى.

١٣٢

ويجادلون فيها ويقتلون الأنبياء ودعاة الحق ومؤيديه بقصد ربط موقف الحاضرين بموقف الغابرين. وهذا أسلوب جرى عليه القرآن مما مرت أمثلة منه في سلسلة سورة البقرة. وفي الآيات التالية قرائن قد تدل على هذه الأمور المفروضة من موقفهم.

والآيات وإن كانت عنت اليهود على ضوء الشرح المتقدم فإن الإطلاق في أسلوبها ينطوي على تلقين مستمر المدى في صدد كل من يكفر بآيات الله ويناوىء دعاة الحق والخير والصلاح ويعتدي عليهم في كل ظرف ومكان.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥) قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧)) [٢٣ ـ ٢٧].

عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت تنديدا بفريق من أهل الكتاب يدعون إلى تحكيم كتاب الله فيأبونه ويتبجحون بما لهم من الحظوة عند الله في الآخرة ويزهون بدينهم ويفترون على الله فيه ، وإنذارا لهم. وإعلانا تقريريا بقدرة الله على منح الملك لمن شاء ونزعه ممن شاء وتغيير الليل بالنهار والنهار بالليل وإخراج الحي من الميت والميت من الحي وإغداقه الرزق على من يشاء بغير حساب.

تعليق على الآية

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ...) إلخ والآيات التالية لها إلى الآية [٢٧]

روى المفسرون روايات عديدة في سبب نزول الآيات. فرووا في سبب نزول

١٣٣

الآيات الثلاث الأولى أن اليهود رفعوا قضية زنا للنبي ليحكم فيها فحكم بالرجم حسب شريعتهم فأنكروا فطلب منهم إحضار التوراة والاحتكام إليها فأبوا. كما رووا في صددها أن اليهود ادعوا أن إبراهيم كان يهوديا وأن ملّته هي اليهودية فكذبهم النبي وطلب منهم الاحتكام للتوراة فأبوا. ورواية ثالثة تذكر أن النبي دعاهم إلى الإيمان به لأنه مكتوب عندهم في التوراة فأنكروا فطلب الاحتكام للتوراة فأبوا. وفي سبب نزول الآيتين الرابعة والخامسة رووا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فتح مكة وعد المؤمنين بأن يجعل الله لهم ملك الروم وفارس فقال اليهود والمنافقون هيهات أين لمحمد ذلك فنزلت الآيات للردّ عليهم. ومما روي أن هذا الوعد كان يوم حفر الخندق حينما غزت أحزاب قريش والكفار المدينة. فقد استعصت صخرة عظيمة على المؤمنين حين الحفر فأخبروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاء فضربها ثلاث ضربات حتى كسرها وكان يتطاير البرق في كل ضربة حتى كأنه مصباح في جوف مظلم فسأل سلمان الفارسي عن ذلك فقال له أضاءت لي من الضربة الأولى قصور الحيرة ومن الثانية قصور الروم ومن الثالثة قصور كسرى فأبشروا واستبشروا بنصر الله ووعده ، فقال المنافقون ألا تعجبون يميتكم ويعدكم بالباطل ويعدكم بقصور كسرى والروم والحيرة وأنتم تحفرون الخندق من الفرق ولا تستطيعون أن تبرزوا لعدوكم فأنزل الله الآيتين لتكذيب المنافقين وتأييد وعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ورواية ثالثة أن اليهود قالوا حينما دعاهم النبي إلى الإيمان به «لا نتبع رجلا جاء لينقل النبوّة من بني إسرائيل».

وعدا رواية تحكيم اليهود للنبي في قضية زنا لم ترد أي من الروايات في الصحاح. ورواية هذا التحكيم رواها البخاري في صدد الآية [٩٣] من هذه السورة (١). ورواية ما كان أثناء حفر الخندق تبدو مقحمة لأن الآيات في صدد موقف فريد من أهل الكتاب وغزوة الخندق وقعت بعد مدة ما من غزوة أحد التي ذكرت في فصل آخر من هذه السورة. والمتبادر أن الآيات نزلت قبل ذلك بمدة

__________________

(١) انظر التاج ، ج ٤ ص ٧٢.

١٣٤

ما. وحجاج اليهود في ملّة إبراهيم ويهوديته قد حكمته آيات أخرى في هذه السورة تأتي بعد قليل. مما يجعلنا نستبعد رواية ذلك في صدد الآيات.

وعلى كل حال فالمتبادر أن الآيات الأولى الثلاث نزلت في موقف دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه فريقا من أهل الكتاب إلى الاحتكام للتوراة فأبوا وأن الآيتين الرابعة والخامسة نزلتا معقبتين على هذا الموقف. وجملة (قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) حكيت عن اليهود في آية سورة البقرة [٨٠] حيث يمكن أن يكون في ذلك قرينة على أن هذا الفريق من اليهود. والسياق قد يتسق مع رواية كون الآيات الثلاث الأولى في صدد آباء اليهود الاستجابة إلى دعوة النبي للإيمان به. فهم قد أقروا بوحدانية الله ثم راوغوا وأنكروا صحة رسالة النبي بزعم أن النبوة محصورة ببني إسرائيل أو غيظا من أن تظهر في غيرهم. وقد حكت ذلك عنهم آيات سورة البقرة [٨٩ ـ ٩٠] فذكرتهم الآيتان [٢١ ـ ٢٢] بمواقف آبائهم من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه ، ومن الإيمان ببعض الأنبياء والكفر ببعضهم وقتل بعضهم وهو ما ذكرته عنهم الآيات [٨٥ ـ ٨٨] من سورة البقرة كذلك فدعاهم النبي إلى الاحتكام إلى التوراة لإفحامهم بما فيها من الدلائل على صحة نبوته التي أشارت إليها آية سورة الأعراف [١٥٧] وهي : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ...) [١٥٧] إلخ فأبوا وعاندوا فنددت بهم الآيات الثلاث لاغترارهم وتبجحهم وافترائهم على الله ثم قررت الآيتان الأخيرتان ما قررته من مطلق تصرف الله وقدرته في كونه وخلقه ومشاهد ذلك لتقرر ضمنا أنه لا حرج عليه أن ينزع النبوة ممن يشاء ويمنحها من يشاء وأن يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء ويرزق من يشاء بغير حساب.

وهذا الشرح الذي نرجو أن يكون فيه الصواب جعلنا نلحق الآيتين [٢٦ ـ ٢٧] بالآيات الثلاث كما أنه يسوغ القول أن الآيات الخمس متصلة بالآيات السابقة واللاحقة وأن السياق متسق ومتصل بمشهد الحجاج والمناظرة القائم بين النبي

١٣٥

وأهل الكتاب والذي كان يحتمل أن اليهود كانوا طرفا فيه.

على أن كل هذا لا ينبغي فيما يتبادر لنا أيضا أن تكون الآيات في صدد وفد نصارى نجران وأن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد دعا هذا الوفد إلى الاحتكام إلى التوراة والإنجيل لإثبات نبوته بما فيهما من دلائل فأبوا وراوغوا. والنصارى يعتبرون التوراة كتاب شريعتهم. وفي آية الأعراف [١٥٧] تقرير بأن النبي مكتوب في التوراة والإنجيل معا.

ولقد ذكرنا أن قول اليهود (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) قد حكي عنهم في الآية [٨٠] من سورة البقرة فمن المحتمل أن يكون تكرر منهم فاقتضت حكمة التنزيل تكرار حكايته على سبيل التنديد. ولقد أعددنا ما روي في صدد هذا القول في سياق آية سورة البقرة المذكورة فنكتفي بهذا التنبيه.

ولا نرى هذا ينفي احتمال أن تكون الآيات في صدد وفد نجران. فقد حكى القرآن عن النصارى أيضا قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه والله تعالى أعلم.

والآيات قوية في أسلوبها نافذة في مداها. وتنطوي على تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء أفي التنديد بمن يدعى إلى الاحتكام لكتاب الله فيأتي ويراوغ ويظل سادرا في غيّه متمسكا بهواه. أم بمن يتبجح في تزكية نفسه ويغترّ بما يكون له من سلطان أو علوّ مرتبة وسعة رزق وعزة ولا يتذكر أن الله الذي رفعه وأعزّه وآتاه الملك ووسّع له الرزق قادر على خفضه وإذلاله ونزع الملك منه وتضييق الرزق عليه وكأنما تهيب به أن يجعل هذه الحقيقة نصب عينيه وذهنه ليتقي سخط الله وغضبه وتغييره نعمه التي أنعمها عليه إلى السوء بصالح العمل وأداء الواجب نحو الله والناس.

(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي

١٣٦

الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢)) [٢٨ ـ ٣٢].

(١) من دون المؤمنين : بمعنى بدلا من المؤمنين. أو مكان المؤمنين أو متجاوزين المؤمنين.

(٢) تقاة : قرئت (تقية) والمعنى واحد وهو الاتقاء.

عبارة الآيات واضحة. وقد احتوت تحذيرا مكررا للمؤمنين من تولّي الكافرين دون المؤمنين إلّا إذا كان بقصد التقية حين الاضطرار. وتنبيها إلى أن الله تعالى يعلم كل ما يبدونه ويسرّونه ، وأن كل نفس سوف تجد أمامها يوم القيامة ما عملته من خير وشرّ. فيتمنّون حينئذ أن لو كان ما عملوه من سوء وشرّ بعيدا عنهم ، وتوكيدا على المسلمين بوجوب طاعة الله والرسول وبيانا بكون طاعة الله ومحبته منوطتان بطاعة الرسول.

تعليق على الآية

(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ...) إلخ

والآيات التالية لها إلى الآية [٣٢]

ولقد روى المفسرون (١) في صدد هذه الآيات روايات عديدة. حيث روى بعضهم أن الآيات الثلاث الأولى نزلت في بعض المؤمنين أو المنافقين المتظاهرين بالإسلام الذين كانوا يوالون اليهود أو المشركين وأن الآيتين الأخيرتين نزلتا في

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والخازن والطبرسي وابن كثير.

١٣٧

النصارى الذين كانوا يقولون إننا نعظم عيسى حبا لله ، أو نزلتا في حق وفد نجران لقولهم نحن نحب الله ، أو في حق المشركين الذين كانوا يقولون إننا نعظم الملائكة حبا لله ، أو في حق اليهود والنصارى الذين كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه. وقد حكت هذا عنهم آية سورة المائدة هذه : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٨) ومما رواه بعضهم (١) أنها نزلت في حادث حاطب بن أبي بلتعة أحد المهاجرين بسبب كتابته لأبي سفيان بخبر عزيمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الزحف على مكة.

وليس شيء من هذه الروايات واردا في الصحاح. والرواية الأخيرة بعيدة في ظرفها. والروايات تقتضي أن تكون الآيات نزلت مجزأة وفي ظروف مختلفة مع أن المستلهم من روحها أنها سياق واحد وأنها متصلة بمشهد المناظرة والحجاج وقد جاءت استطرادية بعد ما حملت الآيات السابقة على أهل الكتاب ومنهم اليهود ونددت بكفرهم ومراوغتهم وتبجحهم بالحظوة لدى الله وافترائهم عليه وربطت بين موقفهم الحاضر وموقف آبائهم الغابر لتحذر المؤمنين من موالاتهم حيث كان بين قبائل اليهود وقبيلتي الأوس والخزرج حلف وولاء قديمان على ما شرحناه في سياق آيات سورة البقرة [٨٤ ـ ٨٥] وأنها تضمنت دعوة لأهل الكتاب إلى اتباع النبي إذا كانوا حقا يحبون الله لأنه هو الهادي إلى طريق الله القويم الذي ليس فيه عوج ولا تعقيد ولا انحراف. ولما كانت الآيات التالية لهذه الآيات تلهم أنها في صدد مشهد ثان من مشاهد المناظرة حول العقيدة النصرانية فإنه يصحّ أن يقال إن الآيات الخمس جاءت كذلك ختاما لما اقتضت حكمة التنزيل وحيه في صدد المشهد الأول.

وبقطع النظر عن صلة الآيات بمشهد المناظرة ففي الآية الأولى منها تشريع

__________________

(١) انظر تفسير الخازن.

١٣٨

إسلامي محكم في ذاته. وفي الآيتين التاليتين تدعيم لهذا التشريع.

ولقد انطوى في الآية الأولى مبدآن في صدد تنظيم مناسبات المؤمنين مع غيرهم :

الأول : عدم جواز اتخاذ المؤمنين من غيرهم نصراء وأولياء بدلا من المؤمنين في أي حال.

الثاني : تسويغ مداراة المؤمنين لغيرهم في الظروف التي توجب هذه المداراة لدفع الأذى والشرّ والضرر.

وفيما يلي شرح لمدى الآية وما يروى في صددها من أقوال وأحكام وتعليق عليه :

١ ـ لقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل أو يوردونها لأنفسهم في صدد الفقرة الأولى. من ذلك أن النهي يشمل التناصر والتحالف مع الكفار. ويشمل كذلك اتخاذهم بطانة أو اطلاعهم على أسرار المسلمين ولو كان بينهم قربى رحم أو جنس. ومما قالوه في تأويل (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) إنها بمعنى براءة الله منه والإيذان بأن فاعل ذلك مرتدّ عن الإسلام. وبعضهم أدار الكلام على اعتبار أن النهي هو عن موالاة الكفار الأعداء من حيث إن هناك كفارا غير أعداء مسالمين أو موادين أو حياديين ومعاهدين. وفي كل هذه الأقوال صواب وسداد.

٢ ـ وتنبيه يهدد المئات ولو كان الأمر بديهيا على أن كلمة (الْكافِرِينَ) في الآية هي نعت لكل جاحد لرسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم سواء أكان كتابيا أم مشركا أم وثنيا أو ملحدا. وفي آيات في سورة المائدة نهي صريح عن موالاة اليهود والنصارى وأهل الكتاب [٥٢ ـ ٥٨] حيث يكون في ذلك تدعيم قرآني.

٣ ـ والآية هي أولى آيات ورد فيها النهي عن تولي الكافرين. وقد تكرر ذلك مرارا في سور أخرى حيث يبدو أن من المسلمين سواء منهم المخلصون أو المنافقون المتظاهرون بالإسلام لم يمتنعوا عن تولي الكفار فاقتضت حكمة التنزيل

١٣٩

موالاة النهي وبتشديد أقوى مما جاء في الآية.

٤ ـ والنهي في الآية مطلق أي بدون تعليل حيث توجب عدم تولي الكافرين مطلقا. والآيات التي نزلت بعد ذلك مختلفة الصيغ. منها ما جاء مطلقا ومماثلا لهذه الآية مثل آيات سورة النساء [١٣٨ و ١٣٩ و ١٤٤] والمائدة [٥١ و ٥٢] والتوبة [٢٣ و ٢٤] ومنها ما جاء معللا بكون النهي هو للأعداء والمعتدين على المسلمين والإسلام مثل آية المائدة [٥٨] والممتحنة [١ ـ ٢].

٥ ـ وفي سورة الممتحنة هذه الآية (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٨) حيث يمكن أن يكون انطوى فيها استدراك تدعيمي لتعليل النهي المذكور آنفا. وفي الآية التي تلي هذه الآية تدعيم حاسم حيث جاء فيها (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩) والمتبادر أنه يصحّ أن تعتبر الآيتان ضابطين محكمين لموقف المسلمين من غيرهم مع القول إن جملة (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) تنسحب على مختلف أنواع التعامل والتعايش والتعاون. والله تعالى أعلم.

٦ ـ وللسيد رشيد رضا كلام سديد وجيه قاله في سياق تفسير آية آل عمران التي نحن في صددها حيث يقول إنه ليس ما يمنع المسلمين من أن يتحالفوا ويتفقوا مع غيرهم من غير أعدائهم إذا كان لهم مصلحة فضلا عن التعامل الذي ينطوي في آية الممتحنة [٨] ويسوق كدليل على ذلك حلف خزاعة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على شركهم نتيجة لصلح الحديبية حيث اتفق النبي وقريش على أن يخيروا القبيلتين النازلتين في منطقة مكة وهما بكر وخزاعة بين الدخول في صلح النبي أو صلح قريش فاختارت خزاعة النبي واختارت بكر قريشا لأنه كان بين القبيلتين عداء وحروب. وصار الصلح شاملا لكلتا القبيلتين مع الحليف الذي اختارته ، وهناك دليل آخر وهو كتاب الموادعة الذي كتبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينما حلّ في المدينة وجعله شاملا لليهود فيها. فأقرهم على دينهم وعلى ما كان بينهم وبين الأوس والخزرج من محالفات وأوجب

١٤٠