الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٦

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٦

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٣

المبحث الرابع

مكنونات سورة «العنكبوت» (١)

١ ـ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [الآية ٢].

هم المؤذون على الإسلام في مكّة ، منهم عمّار بن ياسر (٢).

٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) [الآية ١٢] قائل ذلك : الوليد بن المغيرة. حكاه المهدوي (٣).

٣ ـ (هذِهِ الْقَرْيَةِ) [الآيتان ٣١ و ٣٤].

هي سدوم.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). كما جاء في آثار أخرجها الطّبري ٢٠ : ٨٣ ، وابن أبي حاتم. انظر «الدر المنثور» ٥ : ١٤١.

(٣). وأخرج ابن أبي شيبة في «المصنّف» ، وابن المنذر عن ابن الحنفيّة رضي الله عنه قال : كان أبو جهل ، وصناديد قريش ، يتلقّون الناس إذا جاءوا إلى النبي (ص) ، يسلمون ، يقولون : إنه يحرّم الخمر ، ويحرّم الزّنا ، ويحرّم ما كانت تصنع العرب ، فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم ؛ فنزلت هذه الآية : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [الآية ١٣] «الدر المنثور» ٥ : ١٤٢. وانظر «تفسير الطبري» ٢٠ : ٨٦.

٢٦١
٢٦٢

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «العنكبوت» (١)

١ ـ وقال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) [الآية ٧].

وتكفير السّيّئات ، يعني إسقاط عقابها بثواب الحسنات.

أقول : ولعل استعمال التضعيف في الفعل فيه شيء من معنى السّلب ، كقولنا : مرّض الطبيب المريض ، أي : شفاه : فأزال مرضه.

٢ ـ وقال تعالى : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) [الآية ٢٩].

والنادي : مجتمع القوم ومجلسهم ، ولا يسمّى ناديا حتى يكون فيه أهله.

أقول : وقد عاش النادي طوال العصور حتى أمسكنا به في عصرنا ، فذهب «النّدي» ، وانصرفت «الندوة» إلى شيء آخر ، فهي المجلس الخاص ، المقيّد بزمن معيّن ، كما في «ندوات أهل الحكم» (٢). ومثل هذه النّدوات المنتدى الذي لم يبق له مكان كبير في الاستعمال المعاصر.

٣ ـ وقال تعالى : (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) [الآية ٣٤].

الرّجز والرّجس العذاب ، وإن كان في مجيء الكلمة بالسين دلالات أخرى ، وهذا من فوائد الإبدال في العربية.

٤ ـ وقال تعالى : (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [الآية ٣٨].

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). وكان في مكّة ، في عصر النبوّة وقبله ، دار الندوة ، وهي ناد يجتمع فيه أهل مكة.

٢٦٣

وقوله تعالى : (مُسْتَبْصِرِينَ) ، يعني عقلاء ، تمكّنوا من النظر والفكر.

٥ ـ وقال تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٨).

وقوله تعالى : (إِذاً) فيه إشارة إلى ما تقدم في الآية ، ومعناه : لو كان شيء من ذلك ، أي : من التلاوة والخطّ (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ).

أقول : وهذا ضرب من الإيجاز الجميل. ٦ ـ وقال تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [الآية ٦٤].

أي : ليس فيها إلّا حياة مستمرة ، دائمة ، خالدة ، لا موت فيها ، فكأنّها في ذاتها حياة. و «الحيوان» مصدر «حيي» ، وكان ينبغي أن يكون القياس حييان ، فقلبت الثانية واوا خلافا للقياس كما قالوا : حياة في اسم رجل.

٢٦٤

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «العنكبوت» (١)

قال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) [الآية ٨] ، على «ووصّيناه حسنا» وقد يقول الرجل : «وصّيته خيرا» أي : بخير.

وقال تعالى : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [الآية ١٢] ، على الأمر (٢) : كأنّهم أمروا أنفسهم.

وقال تعالى : (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ) [الآية ١٩] وقال : (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [الآية ٢٠] ، فهما لغتان تقول : «بدأ الخلق» و «أبدأ».

وقال تعالى (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [الآية ٢٢] ، أي : لا تعجّزوننا هربا في الأرض ولا في السّماء.

وقال تعالى (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [الآية ٣٣]. فالأوّل كان في معنى التنوين لأنه لم يقع ، ولذلك انتصب الثاني على هذا التقدير (٣).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). نقله في زاد المسير ٦ : ٢٦٠.

(٣). نقله في البحر ٧ : ١٥١ ، والبيان ٢ : ٢٤٤ ، والإملاء ٢ : ١٨٣.

٢٦٥
٢٦٦

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «العنكبوت» (١)

إن قيل : قال تعالى : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ١٢] ثم قال سبحانه : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [الآية ١٣]؟

قلنا : معناه : وما الكافرون بحاملين شيئا من خطايا المؤمنين ، التي ضمنوا حملها ، وليحملنّ الكافرون أثقال أنفسهم ، وهي ذنوب ضلالهم ، وأثقالا مع أثقالهم ، وهي ذنوب إضلالهم غير هم من الكفار ، لا خطايا المؤمنين التي نفى سبحانه عنهم حملها ؛ وقد سبق نظير هذا في قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤].

فإن قيل : ما الحكمة في العدول عن القول «تسعمائة وخمسين عاما» إلى قوله سبحانه (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [الآية ١٤] مع أن عادة أهل الحساب هي اللفظ الأول؟

قلنا : لما كانت القصة مسوقة ، لتسلية النبي (ص) بذكر ما ابتلي به نوح عليه‌السلام ، من أمته ، وكابده من طول مصابرتهم ، كان ذكر أقصى العدد ، الذي لا عقد أكثر منه في مراتب العدد ، أفخم وأعظم إلى الغرض المقصود ، وهو استطالة السامع مدة صبره. وفيه فائدة أخرى ، وهي نفي وهم إرادة المجاز ، بإطلاق لفظ التسعمائة والخمسين على أكثرها ، فإنّ هذا الوهم هو مع ذكر الألف ، والاستثناء منتف ، أو هو أبعد.

فإن قيل : لم جاء المميّز أولا بلفظ «السنة» والثاني بلفظ «العام»؟

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٦٧

قلنا : لأن تكرار اللفظ الواحد ، مجتنب في مذهب الفصحاء والبلغاء ، إلّا أن يكون لغرض تفخيم ، أو تهويل ، أو تنويه ، أو نحو ذلك.

فإن قيل : لم نكّر الرزق ثم عرّفه في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) [الآية ١٧]؟

قلنا : لأنّه سبحانه أراد أنهم لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق ، فابتغوا عند الله الرزق كلّه ، فإنه هو الرازق وحده لا يرزق غيره.

فإن قيل : لم أضمر اسمه تعالى في قوله عزوجل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [الآية ٢٠] ، ثمّ أظهره في قوله تعالى (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) [الآية ٢٠] ، وكان القياس «كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الاخرة»؟

قلنا : إنّما عدل ، سبحانه ، إلى ما ذكر ، لتأكيد الإخبار عن الإعادة التي كانت هي المنكرة عندهم ، بالإفصاح باسمه تعالى في ذكرها ، وجعله مبتدأ لزيادة الاهتمام بشأنها؟

فإن قيل : لم قال تعالى (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) [الآية ٢٧] ، في معرض المدح أو في معرض الامتنان عليه ، وأجر الدنيا فان منقطع ، بخلاف أجر الاخرة فإنه النعيم المقيم الباقي ، فكان الأولى بالذكر؟

قلنا : المراد به : وآتيناه أجره في الدنيا ، مضموما إلى أجره في الاخرة ، من غير أن ينقص من أجر الاخرة شيء. قال ابن جرير : وإليه الإشارة بقوله تعالى (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [الآية ٢٧] ، يعني له في الاخرة جزاء الصالحين وافيا وكاملا ، وأجره في الدنيا. قيل : هو الثناء الحسن من الناس ، والمحبّة من أهل الأديان. وقيل : هي البركة التي بارك الله فيه ، وفي ذرّيته.

فإن قيل : لم قال تعالى : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [الآية ٣١] ، يعني مدينة قوم لوط (ع) ، ولم يقل «تلك القرية» ، مع أن مدينة قوم لوط كانت بعيدة عن موضع إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه ، غائبة عند وقت هذا الخطاب؟

قلنا : إنّما قال سبحانه : (هذِهِ الْقَرْيَةِ) لأنها كانت قريبة حاضرة بالنسبة إليهم ، وإن كانت بعيدة بالنسبة

٢٦٨

إلى إبراهيم (ع).

فإن قيل : لم قال تعالى : (أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [الآية ٣٤] ولم يقل : أهل هذه القرى؟ مع أن مدائن قوم لوط كانت خمسا ، فأهلكوا منها أربعا؟

قلنا : انّما اقتصر سبحانه في الذّكر على قرية واحدة ، لأنها كانت أكبر وأقرب ، وهي سدوم مدينة لوط (ع) ، فجعل ما وراءها تبعا لها في الذكر.

فإن قيل : لم قال الله تعالى : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [الآية ٣٨] ، أي ذوي بصائر؟ يقال : فلان مستبصر ، إذا كان عاقلا لبيبا صحيح النظر. ولو كانوا كذلك ، لما عدلوا عن طريق الهدى ، إلى طريق الضلال؟

قلنا : معناه : وكانوا مستبصرين في أمور الدنيا ، وقيل معناه : وكانوا عارفين الحق بوضوح الحجج والدلائل ، ولكنهم كانوا ينكرونه متابعة للهوى ، لقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤]. وقيل : معناه : وكانوا مستبصرين لو نظروا نظر تدبّر وتفكّر.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [الآية ٤١] ، وكل أحد يعلم أن أضعف بيوت يتخذها الهوامّ بيت العنكبوت؟

قلنا : معناه لو كانوا يعلمون ، أنّ اتخاذهم الأصنام أولياء من دون الله ، مثل اتخاذ العنكبوت بيتا ، لما اتّخذوها.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [الآية ٤٦] ، وأهل الكتاب كلهم ظالمون لأنهم كافرون ، ولا ظلم أشدّ من الكفر ، ويؤيده قوله تعالى (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٥٤]؟

قلنا : أوّلا المراد بالظلم هنا الامتناع عن قبول عقد الذّمّة ، وأداء الجزية ، أو نقض العهد بعد قبوله. ثانيا : أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٢٩].

فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [الآية ٤٨]؟

قلنا : الحكمة فيه تأكيد لنفي ، كما يقال في الإثبات للتأكيد : هذا الكتاب

٢٦٩

ممّا كتبه فلان بيده وبيمينه ، ورأيت فلانا بعيني ، وسمعت هذا الحديث بأذني ، ونحو ذلك.

فإن قيل : لم لم يؤكّد سبحانه وتعالى في التلاوة ، ولم يقل : «وما كنت تتلو من قبله من كتاب بلسانك»؟

قلنا : الأصل في الكلام عدم الزيادة ، وكلّ ما جاء على الأصل لا يحتاج إلى العلّة ، إنما يحتاج إلى العلة ما جاء على خلاف الأصل.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [الآية ٦٩] ، ومعلوم أنّ المجاهدة في دين الله تعالى ، أو في حقّ الله تعالى ، مع النفس الأمّارة بالسوء ، أو مع الشيطان أو مع أعداء الدين ، ذلك كله إنّما يكون بعد تقدّم الهداية من الله تعالى ، فلم جعلت الهداية من ثمرات المجاهدة؟

قلنا : معناه : والذين جاهدوا في طلب التعلّم ، (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) ، بمعرفة الأحكام وحقائقها. وقيل معناه : لنهدينّهم طريق الجنة. وقيل معناه : والذين جاهدوا لتحصيل درجة لنهدينّهم إلى درجة أخرى أعلى منها ، وحاصله لنزيدنّهم هداية وتوفيقا للخيرات ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] وقوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦]. وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه : معناه : والذين جاهدوا فيما علموا ، لنهدينّهم إلى ما لم يعلموا. وعن بعض الحكماء : من عمل بما علم ، وفّق لما لا يعلم. وقيل : إن الذي نرى من جهلنا بما لا نعلم ، هو من تقصيرنا فيما نعلم.

٢٧٠

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «العنكبوت» (١)

قوله سبحانه : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٥).

وهذه استعارة لأن لقاء الله سبحانه على الحقيقة ، لا يصحّ ، وإنما المراد لقاء حسابه ، ولقاء جزائه وثوابه ، أو لقاء الوقت ، الذي جعله سبحانه وقت توفية الجزاء ، على أعمال العاملين ، وتوفير الأعواض على المعوّضين ، وعلى ذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦) [البقرة]. وكلّ ما ورد في القرآن من ذكر لقاء الله تعالى ، فالمراد به المعنى الذي ذكرناه والله أعلم ؛ ومن كلام العرب : لقينا خيرا ولقينا شرّا ، وليس شيء من ذلك ممّا يرى بعين ، ولا يواجه بوجه ، وإنّما المراد أصابنا هذا ، وأصابنا هذا.

وقوله سبحانه : (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [الآية ١٧].

وهذه استعارة ، والمراد أنّكم خلقتم من الأصنام صورا ، أي قدّرتموها على اختياراتكم ؛ وأصل الخلق التقدير ، ثمّ جعلتموها آلهة تعبدونها ؛ والإله المعبود ، إنّما هو الخالق لا المخلوق ، والصانع لا المصنوع ؛ فكأنّه سبحانه قال : إنّكم جعلتم كذبا من الإله تعبدونه من دون الله ، والإفك هاهنا هو الكذب ، وقال بعضهم معنى تخلقون إفكا أي تصنعون الكذب ، على مواقع

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٧١

إرادتكم ، وتضعونه مواضع شهواتكم.

قوله سبحانه : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [الآية ٤٥].

وهذه استعارة ؛ والمراد بها ، أنّ الصلاة لطف في الامتناع عن المعاصي ، فأقيمت مقام الزاجر الناهي ، لأن فيها من ذكر الله تعالى ، وتلاوة كلامه ، وما فيه من بشائر ثوابه ، ونذائر عقابه ، ما هو أدعى الدواعي إلى الطاعات ، وأقوى الصوارف عن المقبّحات.

وقوله سبحانه : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٦٤).

وهذه استعارة ؛ والحيوان هاهنا مصدر كالحياة ؛ والدار التي هي دار الاخرة ، لا يجوز وصفها على الحقيقة بأنها حياة ؛ وإنما المراد أن الخلق يحيون فيها حياة دائمة ، لا موت بعدها ولا انفصال لها ؛ فلما كانت الحياة الدائمة فيها ، حسن أن توصف بها على طريق المبالغة ، لأن الصفات بالمصادر تفيد المبالغة في معاني تلك الأشياء الموصوفة.

قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [الآية ٦٧].

وهي في معنى الاستعارة التي تقدّمتها على حدّ سواء ، لأنّ الحرم لا يصح وصفه بالأمن على الحقيقة ، وإنما يأمن الناس فيه ؛ فلاتصال هذه الحال ودوامها ، واختصاص الحرم بين المواضع بها ، حسن أن يوصف بالأمن على طريق المبالغة ، ولذلك نظائر كثيرة في القرآن الكريم.

٢٧٢

الفهرس

سورة «الحج»

المبحث الأول

أهداف سورة «الحج»............................................................. ٣

سمات القوة...................................................................... ٤

أقسام السورة وأفكارها............................................................ ٥

القسم الأول..................................................................... ٥

القسم الثاني..................................................................... ٦

القسم الثالث.................................................................... ٦

القسم الرابع..................................................................... ٦

حكمة التسمية.................................................................. ٧

مقصود السورة اجمالا............................................................. ٧

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الحج»..................................................... ٩

تاريخ نزولها ووجه تسميتها......................................................... ٩

الغرض منها وترتيبها.............................................................. ٩

بيان أهوال يوم القيامة........................................................... ١٠

الإذن في القتال................................................................ ١١

٢٧٣

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الحج»....................................................... ١٥

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الحج»......................................................... ١٧

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «الحج»...................................................... ١٩

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «الحج»................................................... ٢٥

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «الحج»............................................... ٢٩

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «الحج».................................................... ٣٥

سورة «المؤمنون»

المبحث الأول

أهداف سورة «المؤمنون»........................................................ ٤١

المؤمنون والايمان................................................................ ٤١

الأقسام الرئيسية في السورة....................................................... ٤٢

القسم الأول................................................................... ٤٢

القسم الثاني................................................................... ٤٢

القسم الثالث.................................................................. ٤٣

القسم الرابع................................................................... ٤٣

مظاهر عامة للسورة............................................................. ٤٤

٢٧٤

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «المؤمنون»................................................. ٤٥

تاريخ نزولها ووجه تسميتها....................................................... ٤٥

الغرض منها وترتيبها............................................................. ٤٥

بيان شروط فلاح المؤمنين........................................................ ٤٥

أخبار بعض الرسل.............................................................. ٤٦

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «المؤمنون».................................................... ٥١

المبحث الرابع

مكنونات سورة «المؤمنون»....................................................... ٥٣

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «المؤمنون»................................................... ٥٥

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «المؤمنون»................................................. ٦١

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «المؤمنون»............................................. ٦٣

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «المؤمنون»................................................. ٦٥

سورة «النور»

المبحث الأول

أهداف سورة «النور»........................................................... ٧١

روح السورة.................................................................... ٧١

٢٧٥

فقرات السورة.................................................................. ٧٢

الفقرة الأولى................................................................... ٧٢

الفقرة الثانية................................................................... ٧٢

الفقرة الثالثة................................................................... ٧٣

الفقرة الرابعة................................................................... ٧٣

الفقرة الخامسة.................................................................. ٧٣

أثر السورة في حفظ المجتمع....................................................... ٧٣

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «النور»................................................... ٧٥

تاريخ نزولها ووجه تسميتها....................................................... ٧٥

الغرض منها وترتيبها............................................................. ٧٥

حكم الزّنا..................................................................... ٧٥

حكم القذف.................................................................. ٧٦

حكم دخول البيوت............................................................ ٧٧

حكم النظر.................................................................... ٧٧

أحكام أخرى.................................................................. ٧٧

حكم دخول البيوت للغلمان ونحوهم.............................................. ٧٨

حكم الاجتماع في بيوت الندوة................................................... ٧٩

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «النور»....................................................... ٨١

المبحث الرابع

مكنونات سورة «النور»......................................................... ٨٣

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «النور»...................................................... ٨٥

٢٧٦

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «النور»................................................... ٩١

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «النور»............................................... ٩٣

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «النور».................................................... ٩٩

سورة «الفرقان»

المبحث الأول

أهداف سورة «الفرقان»....................................................... ١٠٥

سورة تشد أزر الرسول......................................................... ١٠٥

موضوعات السورة............................................................. ١٠٨

الموضوع الأول................................................................ ١٠٨

الموضوع الثاني................................................................ ١٠٩

الموضوع الثالث............................................................... ١٠٩

الموضوع الرابع................................................................ ١١٠

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الفرقان»................................................ ١١١

تاريخ نزولها ووجه تسميتها...................................................... ١١١

الغرض منها وترتيبها........................................................... ١١١

تنزيل القرآن للإنذار........................................................... ١١٢

عماية الكفار عن الإنذار...................................................... ١١٣

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الفرقان»................................................... ١١٥

٢٧٧

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الفرقان»...................................................... ١١٧

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «الفرقان».................................................. ١١٩

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «الفرقان»................................................ ١٢٣

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «الفرقان»............................................ ١٢٥

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «الفرقان»................................................ ١٢٩

سورة «الشعراء»

المبحث الأول

أهداف سورة «الشعراء»....................................................... ١٣٧

موضوع السورة................................................................ ١٣٧

القصص في سورة الشعراء...................................................... ١٣٨

قصة ابراهيم.................................................................. ١٣٨

قصة نوح.................................................................... ١٣٩

قصة هود.................................................................... ١٣٩

قصة ثمود.................................................................... ١٤٠

قصة لوط.................................................................... ١٤٠

أصحاب الأيكة.............................................................. ١٤١

في أعقاب القصص........................................................... ١٤١

٢٧٨

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الشعراء»............................................... ١٤٣

تاريخ نزولها ووجه تسميتها...................................................... ١٤٣

الغرض منها وترتيبها........................................................... ١٤٣

التنويه بشأن القرآن........................................................... ١٤٣

إثبات تنزيل القرآن............................................................ ١٤٤

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الشعراء»................................................... ١٤٧

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الشعراء»..................................................... ١٤٩

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «الشعراء».................................................. ١٥١

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «الشعراء»............................................... ١٥٥

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «الشعراء»........................................... ١٥٩

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «الشعراء»................................................ ١٦٥

سورة «النمل»

المبحث الأول

أهداف سورة «النمل»........................................................ ١٧١

نظام السورة.................................................................. ١٧١

٢٧٩

موضوع السورة................................................................ ١٧١

القصص في سورة النمل........................................................ ١٧٢

قصة داود وبلقيس............................................................ ١٧٢

قصة بلقيس.................................................................. ١٧٢

قصة صالح ولوط عليهما‌السلام....................................................... ١٧٣

أدلة القرآن على وجود الله..................................................... ١٧٤

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «النمل»................................................. ١٧٧

تاريخ نزولها ووجه تسميتها...................................................... ١٧٧

الغرض منها وترتيبها........................................................... ١٧٧

التنويه بشأن القرآن........................................................... ١٧٧

الترغيب والترهيب بقصص الأنبياء والصالحين..................................... ١٧٨

التنويه بهذه القصص وأصحابها.................................................. ١٧٩

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «النمل».................................................... ١٨١

المبحث الرابع

مكنونات سورة «النمل»....................................................... ١٨٣

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «النمل»................................................... ١٨٧

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «النمل»................................................. ١٩١

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «النمل»............................................. ١٩٥

٢٨٠