المبحث الرابع
مكنونات سورة «العنكبوت» (١)
١ ـ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [الآية ٢].
هم المؤذون على الإسلام في مكّة ، منهم عمّار بن ياسر (٢).
٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) [الآية ١٢] قائل ذلك : الوليد بن المغيرة. حكاه المهدوي (٣).
٣ ـ (هذِهِ الْقَرْيَةِ) [الآيتان ٣١ و ٣٤].
هي سدوم.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). كما جاء في آثار أخرجها الطّبري ٢٠ : ٨٣ ، وابن أبي حاتم. انظر «الدر المنثور» ٥ : ١٤١.
(٣). وأخرج ابن أبي شيبة في «المصنّف» ، وابن المنذر عن ابن الحنفيّة رضي الله عنه قال : كان أبو جهل ، وصناديد قريش ، يتلقّون الناس إذا جاءوا إلى النبي (ص) ، يسلمون ، يقولون : إنه يحرّم الخمر ، ويحرّم الزّنا ، ويحرّم ما كانت تصنع العرب ، فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم ؛ فنزلت هذه الآية : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [الآية ١٣] «الدر المنثور» ٥ : ١٤٢. وانظر «تفسير الطبري» ٢٠ : ٨٦.
المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «العنكبوت» (١)
١ ـ وقال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) [الآية ٧].
وتكفير السّيّئات ، يعني إسقاط عقابها بثواب الحسنات.
أقول : ولعل استعمال التضعيف في الفعل فيه شيء من معنى السّلب ، كقولنا : مرّض الطبيب المريض ، أي : شفاه : فأزال مرضه.
٢ ـ وقال تعالى : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) [الآية ٢٩].
والنادي : مجتمع القوم ومجلسهم ، ولا يسمّى ناديا حتى يكون فيه أهله.
أقول : وقد عاش النادي طوال العصور حتى أمسكنا به في عصرنا ، فذهب «النّدي» ، وانصرفت «الندوة» إلى شيء آخر ، فهي المجلس الخاص ، المقيّد بزمن معيّن ، كما في «ندوات أهل الحكم» (٢). ومثل هذه النّدوات المنتدى الذي لم يبق له مكان كبير في الاستعمال المعاصر.
٣ ـ وقال تعالى : (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) [الآية ٣٤].
الرّجز والرّجس العذاب ، وإن كان في مجيء الكلمة بالسين دلالات أخرى ، وهذا من فوائد الإبدال في العربية.
٤ ـ وقال تعالى : (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [الآية ٣٨].
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). وكان في مكّة ، في عصر النبوّة وقبله ، دار الندوة ، وهي ناد يجتمع فيه أهل مكة.
وقوله تعالى : (مُسْتَبْصِرِينَ) ، يعني عقلاء ، تمكّنوا من النظر والفكر.
٥ ـ وقال تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٨).
وقوله تعالى : (إِذاً) فيه إشارة إلى ما تقدم في الآية ، ومعناه : لو كان شيء من ذلك ، أي : من التلاوة والخطّ (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ).
أقول : وهذا ضرب من الإيجاز الجميل. ٦ ـ وقال تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [الآية ٦٤].
أي : ليس فيها إلّا حياة مستمرة ، دائمة ، خالدة ، لا موت فيها ، فكأنّها في ذاتها حياة. و «الحيوان» مصدر «حيي» ، وكان ينبغي أن يكون القياس حييان ، فقلبت الثانية واوا خلافا للقياس كما قالوا : حياة في اسم رجل.
المبحث السادس
المعاني اللغوية في سورة «العنكبوت» (١)
قال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) [الآية ٨] ، على «ووصّيناه حسنا» وقد يقول الرجل : «وصّيته خيرا» أي : بخير.
وقال تعالى : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [الآية ١٢] ، على الأمر (٢) : كأنّهم أمروا أنفسهم.
وقال تعالى : (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ) [الآية ١٩] وقال : (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [الآية ٢٠] ، فهما لغتان تقول : «بدأ الخلق» و «أبدأ».
وقال تعالى (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [الآية ٢٢] ، أي : لا تعجّزوننا هربا في الأرض ولا في السّماء.
وقال تعالى (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [الآية ٣٣]. فالأوّل كان في معنى التنوين لأنه لم يقع ، ولذلك انتصب الثاني على هذا التقدير (٣).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). نقله في زاد المسير ٦ : ٢٦٠.
(٣). نقله في البحر ٧ : ١٥١ ، والبيان ٢ : ٢٤٤ ، والإملاء ٢ : ١٨٣.
المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «العنكبوت» (١)
إن قيل : قال تعالى : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ١٢] ثم قال سبحانه : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [الآية ١٣]؟
قلنا : معناه : وما الكافرون بحاملين شيئا من خطايا المؤمنين ، التي ضمنوا حملها ، وليحملنّ الكافرون أثقال أنفسهم ، وهي ذنوب ضلالهم ، وأثقالا مع أثقالهم ، وهي ذنوب إضلالهم غير هم من الكفار ، لا خطايا المؤمنين التي نفى سبحانه عنهم حملها ؛ وقد سبق نظير هذا في قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤].
فإن قيل : ما الحكمة في العدول عن القول «تسعمائة وخمسين عاما» إلى قوله سبحانه (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [الآية ١٤] مع أن عادة أهل الحساب هي اللفظ الأول؟
قلنا : لما كانت القصة مسوقة ، لتسلية النبي (ص) بذكر ما ابتلي به نوح عليهالسلام ، من أمته ، وكابده من طول مصابرتهم ، كان ذكر أقصى العدد ، الذي لا عقد أكثر منه في مراتب العدد ، أفخم وأعظم إلى الغرض المقصود ، وهو استطالة السامع مدة صبره. وفيه فائدة أخرى ، وهي نفي وهم إرادة المجاز ، بإطلاق لفظ التسعمائة والخمسين على أكثرها ، فإنّ هذا الوهم هو مع ذكر الألف ، والاستثناء منتف ، أو هو أبعد.
فإن قيل : لم جاء المميّز أولا بلفظ «السنة» والثاني بلفظ «العام»؟
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.
قلنا : لأن تكرار اللفظ الواحد ، مجتنب في مذهب الفصحاء والبلغاء ، إلّا أن يكون لغرض تفخيم ، أو تهويل ، أو تنويه ، أو نحو ذلك.
فإن قيل : لم نكّر الرزق ثم عرّفه في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) [الآية ١٧]؟
قلنا : لأنّه سبحانه أراد أنهم لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق ، فابتغوا عند الله الرزق كلّه ، فإنه هو الرازق وحده لا يرزق غيره.
فإن قيل : لم أضمر اسمه تعالى في قوله عزوجل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [الآية ٢٠] ، ثمّ أظهره في قوله تعالى (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) [الآية ٢٠] ، وكان القياس «كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الاخرة»؟
قلنا : إنّما عدل ، سبحانه ، إلى ما ذكر ، لتأكيد الإخبار عن الإعادة التي كانت هي المنكرة عندهم ، بالإفصاح باسمه تعالى في ذكرها ، وجعله مبتدأ لزيادة الاهتمام بشأنها؟
فإن قيل : لم قال تعالى (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) [الآية ٢٧] ، في معرض المدح أو في معرض الامتنان عليه ، وأجر الدنيا فان منقطع ، بخلاف أجر الاخرة فإنه النعيم المقيم الباقي ، فكان الأولى بالذكر؟
قلنا : المراد به : وآتيناه أجره في الدنيا ، مضموما إلى أجره في الاخرة ، من غير أن ينقص من أجر الاخرة شيء. قال ابن جرير : وإليه الإشارة بقوله تعالى (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [الآية ٢٧] ، يعني له في الاخرة جزاء الصالحين وافيا وكاملا ، وأجره في الدنيا. قيل : هو الثناء الحسن من الناس ، والمحبّة من أهل الأديان. وقيل : هي البركة التي بارك الله فيه ، وفي ذرّيته.
فإن قيل : لم قال تعالى : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [الآية ٣١] ، يعني مدينة قوم لوط (ع) ، ولم يقل «تلك القرية» ، مع أن مدينة قوم لوط كانت بعيدة عن موضع إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه ، غائبة عند وقت هذا الخطاب؟
قلنا : إنّما قال سبحانه : (هذِهِ الْقَرْيَةِ) لأنها كانت قريبة حاضرة بالنسبة إليهم ، وإن كانت بعيدة بالنسبة
إلى إبراهيم (ع).
فإن قيل : لم قال تعالى : (أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [الآية ٣٤] ولم يقل : أهل هذه القرى؟ مع أن مدائن قوم لوط كانت خمسا ، فأهلكوا منها أربعا؟
قلنا : انّما اقتصر سبحانه في الذّكر على قرية واحدة ، لأنها كانت أكبر وأقرب ، وهي سدوم مدينة لوط (ع) ، فجعل ما وراءها تبعا لها في الذكر.
فإن قيل : لم قال الله تعالى : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [الآية ٣٨] ، أي ذوي بصائر؟ يقال : فلان مستبصر ، إذا كان عاقلا لبيبا صحيح النظر. ولو كانوا كذلك ، لما عدلوا عن طريق الهدى ، إلى طريق الضلال؟
قلنا : معناه : وكانوا مستبصرين في أمور الدنيا ، وقيل معناه : وكانوا عارفين الحق بوضوح الحجج والدلائل ، ولكنهم كانوا ينكرونه متابعة للهوى ، لقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤]. وقيل : معناه : وكانوا مستبصرين لو نظروا نظر تدبّر وتفكّر.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [الآية ٤١] ، وكل أحد يعلم أن أضعف بيوت يتخذها الهوامّ بيت العنكبوت؟
قلنا : معناه لو كانوا يعلمون ، أنّ اتخاذهم الأصنام أولياء من دون الله ، مثل اتخاذ العنكبوت بيتا ، لما اتّخذوها.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [الآية ٤٦] ، وأهل الكتاب كلهم ظالمون لأنهم كافرون ، ولا ظلم أشدّ من الكفر ، ويؤيده قوله تعالى (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٥٤]؟
قلنا : أوّلا المراد بالظلم هنا الامتناع عن قبول عقد الذّمّة ، وأداء الجزية ، أو نقض العهد بعد قبوله. ثانيا : أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٢٩].
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [الآية ٤٨]؟
قلنا : الحكمة فيه تأكيد لنفي ، كما يقال في الإثبات للتأكيد : هذا الكتاب
ممّا كتبه فلان بيده وبيمينه ، ورأيت فلانا بعيني ، وسمعت هذا الحديث بأذني ، ونحو ذلك.
فإن قيل : لم لم يؤكّد سبحانه وتعالى في التلاوة ، ولم يقل : «وما كنت تتلو من قبله من كتاب بلسانك»؟
قلنا : الأصل في الكلام عدم الزيادة ، وكلّ ما جاء على الأصل لا يحتاج إلى العلّة ، إنما يحتاج إلى العلة ما جاء على خلاف الأصل.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [الآية ٦٩] ، ومعلوم أنّ المجاهدة في دين الله تعالى ، أو في حقّ الله تعالى ، مع النفس الأمّارة بالسوء ، أو مع الشيطان أو مع أعداء الدين ، ذلك كله إنّما يكون بعد تقدّم الهداية من الله تعالى ، فلم جعلت الهداية من ثمرات المجاهدة؟
قلنا : معناه : والذين جاهدوا في طلب التعلّم ، (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) ، بمعرفة الأحكام وحقائقها. وقيل معناه : لنهدينّهم طريق الجنة. وقيل معناه : والذين جاهدوا لتحصيل درجة لنهدينّهم إلى درجة أخرى أعلى منها ، وحاصله لنزيدنّهم هداية وتوفيقا للخيرات ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] وقوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦]. وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه : معناه : والذين جاهدوا فيما علموا ، لنهدينّهم إلى ما لم يعلموا. وعن بعض الحكماء : من عمل بما علم ، وفّق لما لا يعلم. وقيل : إن الذي نرى من جهلنا بما لا نعلم ، هو من تقصيرنا فيما نعلم.
المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «العنكبوت» (١)
قوله سبحانه : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٥).
وهذه استعارة لأن لقاء الله سبحانه على الحقيقة ، لا يصحّ ، وإنما المراد لقاء حسابه ، ولقاء جزائه وثوابه ، أو لقاء الوقت ، الذي جعله سبحانه وقت توفية الجزاء ، على أعمال العاملين ، وتوفير الأعواض على المعوّضين ، وعلى ذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦) [البقرة]. وكلّ ما ورد في القرآن من ذكر لقاء الله تعالى ، فالمراد به المعنى الذي ذكرناه والله أعلم ؛ ومن كلام العرب : لقينا خيرا ولقينا شرّا ، وليس شيء من ذلك ممّا يرى بعين ، ولا يواجه بوجه ، وإنّما المراد أصابنا هذا ، وأصابنا هذا.
وقوله سبحانه : (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [الآية ١٧].
وهذه استعارة ، والمراد أنّكم خلقتم من الأصنام صورا ، أي قدّرتموها على اختياراتكم ؛ وأصل الخلق التقدير ، ثمّ جعلتموها آلهة تعبدونها ؛ والإله المعبود ، إنّما هو الخالق لا المخلوق ، والصانع لا المصنوع ؛ فكأنّه سبحانه قال : إنّكم جعلتم كذبا من الإله تعبدونه من دون الله ، والإفك هاهنا هو الكذب ، وقال بعضهم معنى تخلقون إفكا أي تصنعون الكذب ، على مواقع
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
إرادتكم ، وتضعونه مواضع شهواتكم.
قوله سبحانه : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [الآية ٤٥].
وهذه استعارة ؛ والمراد بها ، أنّ الصلاة لطف في الامتناع عن المعاصي ، فأقيمت مقام الزاجر الناهي ، لأن فيها من ذكر الله تعالى ، وتلاوة كلامه ، وما فيه من بشائر ثوابه ، ونذائر عقابه ، ما هو أدعى الدواعي إلى الطاعات ، وأقوى الصوارف عن المقبّحات.
وقوله سبحانه : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٦٤).
وهذه استعارة ؛ والحيوان هاهنا مصدر كالحياة ؛ والدار التي هي دار الاخرة ، لا يجوز وصفها على الحقيقة بأنها حياة ؛ وإنما المراد أن الخلق يحيون فيها حياة دائمة ، لا موت بعدها ولا انفصال لها ؛ فلما كانت الحياة الدائمة فيها ، حسن أن توصف بها على طريق المبالغة ، لأن الصفات بالمصادر تفيد المبالغة في معاني تلك الأشياء الموصوفة.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [الآية ٦٧].
وهي في معنى الاستعارة التي تقدّمتها على حدّ سواء ، لأنّ الحرم لا يصح وصفه بالأمن على الحقيقة ، وإنما يأمن الناس فيه ؛ فلاتصال هذه الحال ودوامها ، واختصاص الحرم بين المواضع بها ، حسن أن يوصف بالأمن على طريق المبالغة ، ولذلك نظائر كثيرة في القرآن الكريم.
الفهرس
سورة «الحج»
المبحث الأول
أهداف سورة «الحج»............................................................. ٣
سمات القوة...................................................................... ٤
أقسام السورة وأفكارها............................................................ ٥
القسم الأول..................................................................... ٥
القسم الثاني..................................................................... ٦
القسم الثالث.................................................................... ٦
القسم الرابع..................................................................... ٦
حكمة التسمية.................................................................. ٧
مقصود السورة اجمالا............................................................. ٧
المبحث الثاني
ترابط الآيات في سورة «الحج»..................................................... ٩
تاريخ نزولها ووجه تسميتها......................................................... ٩
الغرض منها وترتيبها.............................................................. ٩
بيان أهوال يوم القيامة........................................................... ١٠
الإذن في القتال................................................................ ١١
المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الحج»....................................................... ١٥
المبحث الرابع
مكنونات سورة «الحج»......................................................... ١٧
المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «الحج»...................................................... ١٩
المبحث السادس
المعاني اللغوية في سورة «الحج»................................................... ٢٥
المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «الحج»............................................... ٢٩
المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الحج».................................................... ٣٥
سورة «المؤمنون»
المبحث الأول
أهداف سورة «المؤمنون»........................................................ ٤١
المؤمنون والايمان................................................................ ٤١
الأقسام الرئيسية في السورة....................................................... ٤٢
القسم الأول................................................................... ٤٢
القسم الثاني................................................................... ٤٢
القسم الثالث.................................................................. ٤٣
القسم الرابع................................................................... ٤٣
مظاهر عامة للسورة............................................................. ٤٤
المبحث الثاني
ترابط الآيات في سورة «المؤمنون»................................................. ٤٥
تاريخ نزولها ووجه تسميتها....................................................... ٤٥
الغرض منها وترتيبها............................................................. ٤٥
بيان شروط فلاح المؤمنين........................................................ ٤٥
أخبار بعض الرسل.............................................................. ٤٦
المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «المؤمنون».................................................... ٥١
المبحث الرابع
مكنونات سورة «المؤمنون»....................................................... ٥٣
المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «المؤمنون»................................................... ٥٥
المبحث السادس
المعاني اللغوية في سورة «المؤمنون»................................................. ٦١
المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «المؤمنون»............................................. ٦٣
المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «المؤمنون»................................................. ٦٥
سورة «النور»
المبحث الأول
أهداف سورة «النور»........................................................... ٧١
روح السورة.................................................................... ٧١
فقرات السورة.................................................................. ٧٢
الفقرة الأولى................................................................... ٧٢
الفقرة الثانية................................................................... ٧٢
الفقرة الثالثة................................................................... ٧٣
الفقرة الرابعة................................................................... ٧٣
الفقرة الخامسة.................................................................. ٧٣
أثر السورة في حفظ المجتمع....................................................... ٧٣
المبحث الثاني
ترابط الآيات في سورة «النور»................................................... ٧٥
تاريخ نزولها ووجه تسميتها....................................................... ٧٥
الغرض منها وترتيبها............................................................. ٧٥
حكم الزّنا..................................................................... ٧٥
حكم القذف.................................................................. ٧٦
حكم دخول البيوت............................................................ ٧٧
حكم النظر.................................................................... ٧٧
أحكام أخرى.................................................................. ٧٧
حكم دخول البيوت للغلمان ونحوهم.............................................. ٧٨
حكم الاجتماع في بيوت الندوة................................................... ٧٩
المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «النور»....................................................... ٨١
المبحث الرابع
مكنونات سورة «النور»......................................................... ٨٣
المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «النور»...................................................... ٨٥
المبحث السادس
المعاني اللغوية في سورة «النور»................................................... ٩١
المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «النور»............................................... ٩٣
المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «النور».................................................... ٩٩
سورة «الفرقان»
المبحث الأول
أهداف سورة «الفرقان»....................................................... ١٠٥
سورة تشد أزر الرسول......................................................... ١٠٥
موضوعات السورة............................................................. ١٠٨
الموضوع الأول................................................................ ١٠٨
الموضوع الثاني................................................................ ١٠٩
الموضوع الثالث............................................................... ١٠٩
الموضوع الرابع................................................................ ١١٠
المبحث الثاني
ترابط الآيات في سورة «الفرقان»................................................ ١١١
تاريخ نزولها ووجه تسميتها...................................................... ١١١
الغرض منها وترتيبها........................................................... ١١١
تنزيل القرآن للإنذار........................................................... ١١٢
عماية الكفار عن الإنذار...................................................... ١١٣
المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الفرقان»................................................... ١١٥
المبحث الرابع
مكنونات سورة «الفرقان»...................................................... ١١٧
المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «الفرقان».................................................. ١١٩
المبحث السادس
المعاني اللغوية في سورة «الفرقان»................................................ ١٢٣
المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «الفرقان»............................................ ١٢٥
المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الفرقان»................................................ ١٢٩
سورة «الشعراء»
المبحث الأول
أهداف سورة «الشعراء»....................................................... ١٣٧
موضوع السورة................................................................ ١٣٧
القصص في سورة الشعراء...................................................... ١٣٨
قصة ابراهيم.................................................................. ١٣٨
قصة نوح.................................................................... ١٣٩
قصة هود.................................................................... ١٣٩
قصة ثمود.................................................................... ١٤٠
قصة لوط.................................................................... ١٤٠
أصحاب الأيكة.............................................................. ١٤١
في أعقاب القصص........................................................... ١٤١
المبحث الثاني
ترابط الآيات في سورة «الشعراء»............................................... ١٤٣
تاريخ نزولها ووجه تسميتها...................................................... ١٤٣
الغرض منها وترتيبها........................................................... ١٤٣
التنويه بشأن القرآن........................................................... ١٤٣
إثبات تنزيل القرآن............................................................ ١٤٤
المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الشعراء»................................................... ١٤٧
المبحث الرابع
مكنونات سورة «الشعراء»..................................................... ١٤٩
المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «الشعراء».................................................. ١٥١
المبحث السادس
المعاني اللغوية في سورة «الشعراء»............................................... ١٥٥
المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «الشعراء»........................................... ١٥٩
المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الشعراء»................................................ ١٦٥
سورة «النمل»
المبحث الأول
أهداف سورة «النمل»........................................................ ١٧١
نظام السورة.................................................................. ١٧١
موضوع السورة................................................................ ١٧١
القصص في سورة النمل........................................................ ١٧٢
قصة داود وبلقيس............................................................ ١٧٢
قصة بلقيس.................................................................. ١٧٢
قصة صالح ولوط عليهماالسلام....................................................... ١٧٣
أدلة القرآن على وجود الله..................................................... ١٧٤
المبحث الثاني
ترابط الآيات في سورة «النمل»................................................. ١٧٧
تاريخ نزولها ووجه تسميتها...................................................... ١٧٧
الغرض منها وترتيبها........................................................... ١٧٧
التنويه بشأن القرآن........................................................... ١٧٧
الترغيب والترهيب بقصص الأنبياء والصالحين..................................... ١٧٨
التنويه بهذه القصص وأصحابها.................................................. ١٧٩
المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «النمل».................................................... ١٨١
المبحث الرابع
مكنونات سورة «النمل»....................................................... ١٨٣
المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «النمل»................................................... ١٨٧
المبحث السادس
المعاني اللغوية في سورة «النمل»................................................. ١٩١
المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «النمل»............................................. ١٩٥