الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٥

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٥

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١١

بالنوم ، ثم يبعثهم إلى الدار الاخرة كما بعث هؤلاء الفتية ، وما ذلك على الله بعزيز ، ولا هو في قدرته بعجيب. وتقرر هذه المقدمة أنّ العبرة من بعثهم والإعثار عليهم : أن يعلم الناس ، أنّ وعد الله حقّ ، وأنّ الساعة لا ريب فيها.

ب ـ وجاء أمر البعث مرة ثانية في هذه السورة حينما قررت أن الحق من الله ، وأن كل امرئ مخيّر في الإيمان أو الكفر :

(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الآية ٢٩] فهناك دار أخرى غير هذه الدار ، يحاسب فيها كل امرئ ، ويجزى بما يستحقه :

(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) [الآية ٢٩] وللذين آمنوا وعملوا الصالحات (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) [الآية ٣١].

ج ـ وجاء أمر البعث في المثل الذي ضربه الله للناس عن صاحب الجنّتين وزميله ، وما كان من إنكاره قدرة الله ، وشكّه في الساعة ، ونصح صاحبه له وتبرّئه منه ، وأن الله قد أحال الجنتين صعيدا زلقا ؛ وحينئذ ، تنبه الكافر فقال ، كما ورد في التنزيل :

(يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) (٤٢).

د ـ وجاء أمر البعث ، بعد هذا ، في المثل الذي ضربه الله بالحياة الدنيا ، يكون فيها نبات وزينة ، ثمّ يصبح ذلك كلّه هشيما تذوره الرياح ، وتنتهي الدنيا وما فيها. وقد عقّب الله سبحانه على هذا المثل بذكر الجبال وسيرها ، والأرض وبروزها ، والحشر وشموله ، والعرض على الله ، ووضع الكتاب ، وإشفاق المجرمين ممّا فيه ؛ قال تعالى ، حكاية عنهم :

(يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤٩).

ه ـ وجاء في السورة أيضا إشارة إلى قصّة آدم وإبليس ، حيث طلب الله من إبليس أن يسجد لآدم فأبى ، فتقررت بينهما العداوة منذ ذلك اليوم إلى أبد الدهر. وحذر الله أبناء آدم من أن يتخذوا الشيطان وذريته أولياء من دونه ، مع هذه العداوة المتأصّلة. ثم ذكر لهم أمرا من أمور الاخرة بعد هذا التحذير من اتّخاذ الأولياء أو الشّركاء ، حيث ينادى الشركاء فلا يجيبون ،

١٢١

ويستجار بهم فلا يجيرون ؛ وتبرز الجحيم فيراها المجرمون ويظنون أنّهم مواقعوها ، ولا يجدون عنها مصرفا.

في هذا الأسلوب ، جمع بين المبدأ والمعاد ، ووضع لقضية الخلق والبعث ، مقترنتين بين يدي العقل ، ليدرك الإنسان أنه ، منذ أوّل نشأته ، هدف لعدوّ مبين يحاول إضلاله ولفته عن الطريق المستقيم حسدا له وانتقاما منه ؛ وأن أخطر هذا الإضلال هو الوصول إلى حد الثقة بالعدوّ المبين ، واتّخاذه وليّا من دون الله يتّبع أمره وينصر هواه ؛ وأن هذا العدوّ المخاتل ، سيكون أمره يوم الجزاء كسائر الشركاء ، يزيّنون الكفر والعصيان ما داموا في الدنيا. حتّى إذا جاء أمر الله ، أعلنوا براءتهم ممّن اتّبعوهم وضلّوا بسببهم :

(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (١٧) [الحشر].

و ـ وجاء في هذه السورة أيضا ، مما يتصل ببراهين البعث ، قصة موسى (ع) وفتاه والعبد الصالح. وهي قصة عظيمة حافلة بالفوائد والمعاني الجليلة. وفيها يساق الحديث على نحو يشعر معه كل سامع شعورا قويا ، بأن لله سبحانه علما فوق علم الناس ، وتصريفا للكون على سنن ، منها ما هو معروف ومنها ما هو خفيّ. وإذا آمن الناس بهذا واطمأنّوا إليه ، لم يعد هناك مجال للعجب من أمر الساعة. فما هي إلا تغيير يحدثه خالق الكون ومالك ناصيته. فإذا السنن المعروفة تحلّ محلّها سنن أخرى ، ومن قدر على إنشاء السنن قدر على تغييرها. وبهذا يؤمن كل عاقل ، بصدق ما أخبر به المعصوم من كل أمر يبدو أمام العقول عجيبا. وهو في قدرة الله غير عجيب.

ز ـ جاءت السورة أيضا ، بعد هذه القصة ، بقصة أخرى عن عبد مكّن الله له في الأرض وآتاه من كلّ شيء سببا ، وسخّر له العلم والقوة وأسبابا أخرى كثيرة ، ذلك هو «ذو القرنين». وقد لجأ إليه قوم ليحول بينهم وبين المفسدين ، فأنجدهم وأعانهم وجعل الله عمله في ذلك رحمة للناس ، يبقى ما بقيت هذه الحياة ؛ فإذا جاء وعد الله ضاعت السدود والحوائل وأصبحت دكّا ، وترك الناس مضطربين يموج بعضهم في

١٢٢

بعض ، ثم ينفخ في الصور فيجمعون كلّهم ، وتعرض يومئذ للكافرين جهنّم عرضا ، فيبصرون ، وقد كانت أعينهم من قبل في غطاء ، ويسمعون وقد كانت آذانهم من قبل في صمم. وهكذا نجد القصة قد انتهت إلى أمر البعث والدار الاخرة وما فيها ، وتخلّصت إليه في براعة وقوة ، مذكّرة به ، منذرة بما هنا لك من الأهوال والشدائد.

ح ـ ثم تأخذ السورة بعد ذلك في تهديد الكافرين الذين اتّخذوا من دون الله أولياء ، وتبيّن ما أعدّ لهم ، وتوازن هؤلاء جميعا بالذين آمنوا وعملوا الصالحات وما أعدّ لهم ؛ ويأتي ختامها بعد إثبات القدرة والعظمة لله ، وأنّ كلماته سبحانه لا تنفد ولو كانت مياه البحار كلها مدادا لها. والمراد آياته في الكون وتصريفه وآثار قدرته ، فتذكر رسالة الرسول ، وأنها عن وحي من هذا الخالق القادر الواحد ؛ وتتوجّه بعد ذلك إلى الناس جميعهم بصيغة من صيغ العموم ، هي لفظ «من» فتقول :

(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠).

بهذا ، يتجلّى للناظر في السورة أنها منتظمة النسق ، مطّردة السياق ، واضحة الغرض ، قويّة الأسلوب ، متماسكة في أوّلها وآخرها وفي ثناياها ، يجول فيها معنى واحد ، تلتقي عليه الآيات والأمثال والقصص والوعد والوعيد والتذكير والبيان. ولذلك يقول الله عزوجل في آية من آياتها :

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (٥٤).

١٢٣
١٢٤

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الكهف» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة الكهف بعد سورة الغاشية ، وهي من السور التي نزلت بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، فيكون نزول سورة الكهف في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم لذكر قصة أصحاب الكهف فيها ، وتبلغ آياتها عشرا ومائة آية.

الغرض منها وترتيبها

قيل إن قريشا بعثت إلى أحبار اليهود بالمدينة يخبرونهم بأمر النبي (ص) ، ويسألونهم عنه ، فقالوا : سلوه عن ثلاثة فتية ذهبوا في الدهر الأوّل : ما كان من أمرهم؟ وعن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها : ما كان نبأه؟ فسألوا النبي (ص) عن ذلك ، فقال : أخبركم بما سألتم عنه غدا. ولم يقل : «إن شاء الله». فمكث خمس عشرة ليلة لا يأتيه الوحي ، حتّى أرجف أهل مكّة به ، وقالوا : وعدنا محمّد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة. فشقّ هذا عليه ، ثم نزل عليه جبريل بسورة الكهف ، وفيها معاتبة له على حزنه لعدم إيمانهم بما أنزل إليه ، وخبر أولئك الفتية ، وذلك الرجل الطوّاف.

وقد افتتحت هذه السورة بمقدّمة في بيان الغرض من تنزيل القرآن ، وهو

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٢٥

إنذار الكافرين وتبشير المؤمنين ؛ فليس على النبي (ص) إلا أن ينذرهم ويبشّرهم ، ولا يصحّ له أن يحزن لعدم إيمان قومه ورؤسائهم به ، لأنه لا قيمة لما عندهم من أمر الدنيا. وقد مهّد بهذا لذكر قصة أصحاب الكهف ، لأنهم آثروا دينهم على دنيا قومهم ، واعتزلوهم في الكهف حينما خافوا منهم على دينهم ، ثم ذيّل قصة أصحاب الكهف بما يناسب الغرض من ذكرها ؛ ثم ذكر قصة الرجل الطوّاف وهو ذو القرنين ، وذيّلها بما ذيّلها به إلى آخر السورة.

وقد ذكرت هذه السورة بعد سورة الإسراء لأنها ، مثلها ، تنوّه بشأن القرآن ، ولأنّ سورة الإسراء جاء في ختامها تنزيه الله عن الولد ، وقد جاء في أوّل سورة الكهف إنذار للذين قالوا اتّخذ الله ولدا.

المقدمة

الآيات [١ ـ ٨]

قال الله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) (١) ، فذكر أنه أنزل عليه القرآن كاملا في ذاته ، مكمّلا لغيره ، لينذر الكافرين عامّة بأسا شديدا من لدنه ، ويبشّر المؤمنين بأنّ لهم أجرا حسنا ، وينذر الذين قالوا إنّ الله اتّخذ ولدا ؛ ثم ذكر للنبي (ص) أنه لعلّه باخع نفسه أسفا ، لأنّ قومه لم يؤمنوا بما أنزل عليه ، وأنه جعل ما على الأرض زينة لها ليبلوهم أيّهم أحسن عملا : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) (٨).

قصة أصحاب الكهف

الآيات [٩ ـ ٨٢]

ثم قال تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) (٩) فذكر للنبي (ص) أنه حسب أنّ أصحاب الكهف والرقيم (اسم كلبهم) كانوا عجبا من آياته ؛ وأمره أن يذكر إذ أووا إلى الكهف طالبين منه أن يرحمهم ويرشدهم إلى رضاه ، فضرب على آذانهم في الكهف سنين عددا ، ثم بعثهم ليظهر أيّ الحزبين المختلفين في

١٢٦

مدّة لبثهم بالكهف أحصى لها أمدا ؛ ثم فصّل هذا الإجمال ، فذكر أنهم فتية آمنوا به سبحانه ، وزادهم هدى ، وأنه ربط على قلوبهم ، إذ قاموا بين يدي ملكهم فصرّحوا له بإيمانهم ؛ وخالفوه وقومه في عبادة آلهتهم ؛ ثم ذكر أنهم اتفقوا حينما اعتزلوا قومهم ، أن يأووا إلى كهف بجبل قريب من مدينتهم. فلمّا ذهبوا إليه ، وضرب على آذانهم فناموا ، كانت الشمس ، إذا طلعت ، تميل عن كهفهم ذات اليمين ، وإذا غربت تميل عنه ذات الشّمال ، ليصون أجسامهم من الفساد بضوء الشمس ؛ ثم ذكر أنه كان يقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال لئلا تبلى أجسامهم ، وأنّ كلبهم وقع في النوم معهم وهو باسط ذراعيه بباب الكهف ليحرسهم ؛ ثم ذكر أنه ، جلّ جلاله ، بعثهم من نومهم ليتساءلوا بينهم عن مدة لبثهم ، وأنهم بعثوا أحدهم بورقهم ليشتري لهم طعاما من مدينتهم ، وأمروه أن يتلطّف في أمره حتى لا يشعر أحد بهم فيرجموهم أو يعيدوهم في ملّتهم ؛ ثم ذكر أنه أعثر قومهم عليهم ، ليعلموا أنّ وعده سبحانه ، بالبعث حقّ ، لأنّ قيام أصحاب الكهف بعد ذلك النوم الطويل يشبه البعث من الموت. ثم ذكر أن قومهم تنازعوا في أمرهم ، لأنه أماتهم بعد إعثارهم عليهم ، فقال بعضهم : الأولى أن نسدّ باب الكهف فلا يدخل عليهم أحد ، ولا يقف على أحوالهم إنسان. وقال آخرون : بل الاولى أن نبني على باب الكهف مسجدا نعبد الله فيه ، ونستبقي آثار أصحاب الكهف به.

ثم ذكر ما كان من اختلافهم في عددهم ، وأمر النبي (ص) أن يذكر لهم أنّ الله أعلم به ، وأنه لا يعلمه إلّا قليل ممّن آثره بعلمه ، ونهاه أن يجادلهم في أمرهم إلّا جدالا ظاهرا ، فلا يكذّبهم فيما يعيّنونه من عدد ، بل يذكر لهم أنّ هذا التعيين لا دليل عليه ، فيجب التوقف في أمره وترك القطع به. ثم نهاه أن يستفتي أحدا منهم فيهم لأنهم لا علم عندهم بهم ، وألّا يقدم على شيء من ذلك وغيره إلّا بإذنه ومشيئته ، فلا يرجم بالغيب كما يرجمون في أمر أصحاب الكهف. ثم ذكر اختلافهم

١٢٧

أيضا في مدّة لبثهم ، وأنّ بعضهم يذهب إلى أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين ، وبعضهم يزيد على ذلك تسع سنين ، وأمره أن يذكر لهم أن الله أعلم بمدة لبثهم : (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) (٢٦).

وذيّلت نهاية هذه القصة بما يناسبها ، فأمر سبحانه رسوله (ص) أن يتلو ما أوحي إليه فيها ، لأنه هو الحق الذي لا تبديل فيه ، ولن يجد من دونه ملتحدا يلجأ في علم شيء إليه ؛ ثم أمره أن يصبر نفسه مع الذين آمنوا به ، ونهاه أن تعدو عيناه عنهم إلى أهل الدنيا من رؤساء قومه وأغنيائهم ، وأن يطيع هؤلاء الرؤساء والأغنياء في طرد من آمن به ليؤمنوا هم به ، فيكون له بهذا أسوة بأصحاب الكهف ؛ ثم أمره أن يذكر لهم أنّ الحق منه وهو غنيّ عنهم ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ، فمن كفر فله عذابه الذي أعدّ له ، ومن آمن فلن يضيع عليه عمله : (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) [الآية ٣١].

ثم أمره أن يضرب لهم أربعة أمثال تبيّن لهم خطأهم في تعاليهم بغناهم على فقراء المؤمنين ، لأن الافتخار يجب أن يكون بالعمل الصالح لا بالمال :

الأول : مثل رجلين جعل الله لأحدهما جنّتين من أعناب محفوفتين بنخل ، وجعل بينهما زرعا ، وقد آتى كلّ منهما ثمره كاملا غير منقوص ، فافتخر بذلك على صاحبه ، وظنّ أنه باق له لا يفنى ، وأنه ليس هناك معاد يخاف حسابه. ولئن كان هناك معاد ، ليكوننّ فيه أحسن حالا ممّا هو عليه في الدنيا ، فأنكر عليه صاحبه أن يكفر بالله ولا يقابل نعمته بشكره عليها. وذكر له أنه إذا كان يفخر عليه بذلك ، فعسى أن يؤتيه الله خيرا منه ، ويرسل على جنّته صواعق من السماء فتبيدها ؛ وكان أنّ الله أرسل عليها ذلك ، فأبادها ؛ وأصبح يقلّب كفيه على ما أنفق فيها ، ويتمنّى أن لو كان آمن بربه ، ولم يجد من ينصره من دون الله ، وما

١٢٨

كان منتصرا : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) (٤٤).

والثاني : مثل الحياة الدنيا في حقارتها وقلّة بقائها ، فهي كماء أنزله الله من السماء فاختلط به نبات والأرض ، ولم يلبث أن جفّ وتكسّر وأصبح هشيما تذوره الرياح. وما يفتخر به أولئك المشركون على فقراء المؤمنين من المال والبنين ، هو من زينة الحياة الدنيا ، فهو سريع الزوال مثلها ؛ والأعمال الصالحة الباقية ، خير منه ثوابا ؛ ثم ذكر لهم يوم يسيّر الجبال وتبرز الأرض ويحشرهم جميعا ، وأنهم يعرضون عليه وليس معهم شيء من أموالهم وأولادهم ؛ ويوضع أمامهم كتاب أعمالهم ، فيشفقون مما فيه : (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤٩).

والثالث : مثل آدم وإبليس ، لأنّ إبليس لعنه الله ، إنما تكبّر على آدم ، لأنه افتخر بأصله ونسبه ، وكان من الجن ففسق عن أمر ربه ؛ وقد نهاهم عن الاقتداء به في ذلك ، واتخاذه وذرّيّته أولياء من دونه ، وهم لهم عدوّ ، والعاقل لا يتّخذ عدوّه وليّا له ، ومثلهم لا يصح أن يكون شريكا بالله ، وهو لم يشهدهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ، وهم مضلّون لا يمكن أن يتّخذ الله له عضدا منهم. ثم ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة أمرهم أن ينادوا أولئك الشركاء الذين اتخذوهم أولياء ، فيدعونهم فلا يستجيبون لهم ، ولا ينفعونهم بشيء ممّا كانوا يزعمونه فيهم. ثم ذكر أنه جلّت قدرته ، ضرب تلك الأمثال لهم ليعتبروا بها ، ويرتدعوا عن افتخارهم بكثرة أتباعهم وأموالهم على فقراء المسلمين ؛ ولكنّ هذه الأمثال لا تؤثّر فيهم ، بل يمضون فيما جبلوا عليه من الجدال والشغب ، ويطلبون أن تأتيهم سنّة الأوّلين من عذاب الاستئصال ، أو تتوالى عليهم ضروب العذاب وهم أحياء ؛ والله جل جلاله لم يرسل المرسلين إلا مبشّرين ومنذرين ليؤمن الناس طوعا لا كرها ؛ ولكنهم يجادلون

١٢٩

بالباطل ، ليدحضوا به الحق ، ولا يريدون الإيمان إلّا بما يقترحونه من تلك الآيات ؛ وإنّما يتّخذون ما جاءهم من الآيات ، وما أنذروا به منها لعبا وهزوا ؛ وليس أظلم ممّن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها ، ونسي ما قدّمت يداه. ثم ذكر أن سبب إعراضهم ، أنه جعل في قلوبهم أكنّة تمنعهم من فهمها ، وأنه جعل في آذانهم وقرا يمنعهم من سماعها ؛ ثم ذكر أنه لو يؤاخذهم بذلك لعجّل لهم ما طلبوه من العذاب ، ولكنّ عذابهم له موعد لن يجدوا من دونه موئلا : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (٥٩).

والرابع مثل موسى وبعض علماء عصره ، فقد بلغ موسى من علوّ المنصب ما بلغ ؛ ولكنه تواضع لذلك العالم الذي آثره الله بعلم لم يعلمه موسى ، وسافر إليه لطلب ذلك العلم ، وكان أن ذكر لفتاه أنّه لا يبرح عن السّير حتّى يبلغ مجمع البحرين ، فيجد عنده هذا العالم ؛ فلمّا بلغ ذلك المكان ، نسي فتاه حوتا كان معهما ، فانساب في البحر ؛ وكان هذا علامة مكان العالم الذي يطلبه ، ولكن فتاه لم يخبره بذلك ، حتّى جاوزا ذلك المكان ، وطلب منه غداءهما ، فأخبره بأنه نسي حوتهما إذ أويا إلى الصخرة فانساب في البحر ، فذكر له أنّ هذا هو ما كان يطلبه ؛ فارتدّا إلى ذلك المكان ، فوجدا عنده ذلك العالم ، فطلب منه موسى أن يتبعه على أن يعلّمه ممّا آثره به ربّه ، فأخبر موسى بأنه لن يستطيع الصبر على تعلّم ذلك العلم الذي لا يحيط به ، وتخفى عليه أسراره ؛ فأخبره موسى بأنه سيجده صابرا على ذلك إن شاء الله تعالى ، فطلب منه ألّا يسأله عن شيء حتى يحدّثه عنه ويعرّفه حقيقته. فانطلقا ، حتّى ركبا في سفينة ، فعمد ذلك العالم إليها فخرقها ، فأنكر موسى عليه أن يخرقها ليغرق أهلها ، فذكّره بما أخبره به ، من أنه لن يستطيع الصبر معه ، فاعتذر له موسى بأنه نسي وطلب منه ألّا يؤاخذه على ذلك النسيان ؛ فانطلقا ، حتّى وجدا غلاما ، فعمد ذلك العالم إليه فقتله ، فأنكر موسى عليه

١٣٠

ذلك أيضا ، فعاد إلى تذكيره بما أخبره به من أنه لن يستطيع الصبر معه ، فذكر له موسى أنه إن سأله عن شيء بعد ذلك فلا يصاحبه ، لأنه قد بلغ منه العذر ؛ فانطلقا حتى أتيا أهل قرية ، فطلبا من أهلها طعاما فأبوا أن يطعموهما ، فوجد ذلك العالم فيها جدارا يوشك أن يسقط فأقامه ، فأنكر عليه موسى أن يقيمه من غير أجر لقوم أبوا أن يطعموهما ، فذكر له أنه لا يمكنه أن يصاحبه بعد هذا ، وأنه سيخبره بتأويل ما أنكره عليه من هذه الأمور الثلاثة ؛ فذكر له أن السفينة كانت لمساكين يعملون في البحر ، وكان هناك ملك يغصب كلّ سفينة صحيحة ، فخرقها ليعيبها فلا يغصبها ؛ وأنّ الغلام كان أبواه مؤمنين ولو بقي لشبّ على الطغيان والكفر ، وفتن به أبواه فكفرا مثله ؛ وأن الجدار كان لغلامين يتيمين ، وكان تحته كنز لهما ، وكان أبوهما صالحا ، فأقامه لهما ، حتّى يبلغا أشدّهما ، ويستخرجا كنزهما : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (٨٢).

قصة ذي القرنين

الآيات [٨٣ ـ ١٠٨]

ثم قال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) (٨٣) فذكر ، سبحانه ، أنهم سألوا الرسول (ص) عن ذي القرنين وأن الرسول (ص) أجابهم بأنه سيتلو عليهم بعض أخباره ؛ وفصّل السياق ذلك بأنه جلّ جلاله مكّن له في الأرض ، وأعطاه من العلم والقدرة والعدّة ما يتوصّل به إلى مقصوده. فلما أراد أن يوسّع ملكه جهة الغرب ، سار حتى بلغ أوائل بلاد المغرب ، فوجد هناك عينا حمئة ، ووجد عندها قوما لا يكادون يفقهون قولا ، فدعاهم إلى الدخول في طاعته ، فمن أبى عذّبه عذابا شديدا في الدنيا ، إلى ما سيناله من عذاب الله في الاخرة ، ومن دخل في طاعته جازاه بالحسنى ، ويسّر عليه زكاته وخراجه وغيرهما ؛ ثم أراد أن يوسّع ملكه جهة الشرق فسار حتى بلغ أوائل بلاد الشرق الأقصى ، فوجد هناك قوما كالأوّلين ، لا يسترون أجسامهم

١٣١

من الشمس ، فقضى فيهم ما قضاه سابقا من تعذيب من لم يدخل في طاعته ، والإحسان إلى من دخل فيها ؛ ثم سار من هناك حتى بلغ بين السّدّين ، فوجد هناك قوما كالأوّلين أيضا ، وهم قوم يأجوج ومأجوج من قبائل التّرك ؛ وكانوا مفسدين في الأرض ، فشكاهم إليه من دخل في طاعته من أهل تلك البلاد ، وطلبوا منه أن يقيم سدّا يمنع غاراتهم عليهم ، فأجابهم إلى ما طلبوه من ذلك السدّ ، وأمرهم أن يأتوه بقطع الحديد فوضع بعضها على بعض حتى سدّت ما بين الجبلين إلى أعلاهما ، ثم وضع المنافخ عليها حتّى إذا صارت كالنار صبّ النحاس المذاب عليها ، فالتصق بعضها ببعض حتى صارت جبلا صلدا ، فلم يقدروا أن يظهروه (١) أو ينقبوه ؛ ولما تمّ له ذلك ، ذكر أنه رحمة من الله بعباده ، وأنه إذا جاء وعد الله بخروجهم سّواه بالأرض ، فيخرجون منه ، يموج بعضهم في بعض ، ويعيثون فسادا في الناس ، وذلك من أمارات يوم القيامة ؛ وبعد هذا ينفخ في الصور فيجمعون وسائر الناس للحساب ، وتعرض جهنّم للكافرين الذين عموا وصمّوا عما يذكّرهم بذلك اليوم.

ثم وبّخهم على ظنّهم أن ينتفعوا بمن اتخذوهم أولياء من دونه ، مع إعراضهم عن تدبّر ما ذكّروا به ؛ وذكر سبحانه ، أنه أعدّ لهم جهنّم نزلا فلا يصرفهم أحد عنها ؛ ثم ذكر من قبيح صفاتهم ، أنهم قد ضلّ سعيهم في الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، إلى غير ذلك مما ذكره من وعيدهم ؛ ثمّ أتبع وعيدهم بوعد المؤمنين على عادته في الجمع بين الترهيب والترغيب ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) (١٠٨).

الخاتمة

الآيات [١٠٩ ـ ١١٠]

ثمّ قال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ

__________________

(١). ظهر الحائط يظهره ظهورا : فعل متعدّ ، معناه : علاه.

١٣٢

مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١٠٩).

فختم السورة بالتنويه بشأن ما جاء فيها من ذلك القصص العجيب ، وذكر جلّ جلاله أن كلماته في هذا الشأن العجيب لا تنفد ، وأنه لو كان البحر مدادا لها لنفد قبل نفادها ؛ ثمّ أمر الرسول (ص) أن يذكر لهم أنّ مثله لا يقدر على مثل هذا ، فقال : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠).

١٣٣
١٣٤

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الكهف» (١)

قال بعضهم : مناسبة وضعها بعد سورة الإسراء : افتتاح تلك بالتسبيح ، وهذه بالتحميد (٢) ، وهما مقترنان في القرآن وسائر الكلام بحيث يسبق التسبيح التحميد ، نحو : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [الحجر : ٩٨] ونحو (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [غافر : ٥٥ ؛ ق : ٣٩ ؛ الطور : ٤٨]. وسبحان الله وبحمده.

قلت : مع اختتام ما قبلها بالتحميد أيضا (٣) ، وذلك من وجوه المناسبة بتشابه الأطراف. ثم ظهر لي وجه آخر أحسن في الاتصال. وذلك : أن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا النبي (ص) عن ثلاثة أشياء : عن الروح ، وعن قصّة أصحاب الكهف ، وعن قصّة ذي القرنين (٤). وقد ذكر جواب السؤال الأول في آخر «الإسراء» ، فناسب اتصالها بالسورة التي اشتملت على جواب السؤالين الآخرين.

فإن قلت : لما ذا لم يجمع الثلاثة في سورة واحدة؟

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). وسبب آخر ذكره ابن الزّملكاني هو : أن «سورة الإسراء» اشتملت على الإسراء الذي كذّب به المشركون وكذّبوا الرسول (ص) من أجله. وتكذيبه تكذيب لله ، فأتى ب «سبحن» تنزيها لله عما نسب الى نبيه من الكذب. وسورة الكهف ، لمّا نزلت بعد سؤال المشركين عن قصة اصحاب الكهف ، وتأخر الوحي ، نزلت مبيّة أن الله لم يقطع نعمته عن رسوله ولا عن المؤمنين فناسب افتتاحها بالحمد (الإتقان : ٣ : ٣٨٧).

(٣). ختام الإسراء : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) [الإسراء : ١١١].

(٤). انظر تفسير ابن كثير : ٥ : ١٣٧.

١٣٥

قلت : لمّا لم يقع الجواب عن الأول بالبيان (١) ، ناسب فصله في سورة.

ثم ظهر لي وجه آخر : وهو أنه لما قال سبحانه فيها : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ، والخطاب لليهود ، واستظهر على ذلك بقصة موسى (ع) في بني إسرائيل مع الخضر (ع) ، التي كان سببها ذكر العالم والأعلم (٢) ، وما دلت عليه معلومات الله عزوجل التي لا تحصى من الإحاطة ، فكانت هذه السورة كإقامة الدليل على ما ذكر من الحكم.

وقد ورد في الحديث أنه لما نزل في سورة الإسراء : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) ، قال اليهود : قد أوتينا التوراة ، فيها علم كل شيء ، فنزل في هذه السورة (٣) : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١٠٩). فهذا وجه آخر في المناسبة. وتكون السورة من هذه الجهة جوابا عن شبهة الخصوم ، فيما قدّر بتلك.

وأيضا ، فلما قيل هناك : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) (١٠٤) [الإسراء] شرح ذلك هنا ، وبسط ، بقوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ) [الآية ٩٨] إلى قوله جلّ وعلا : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) (٩٩). (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) (١٠٠) فهذه وجوه عديدة في الاتصال.

__________________

(١). لم يقع الجواب بالبيان ، وإنما وقع بإسناد علم الروح الى الله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) [الإسراء].

(٢). أخرجه الامام أحمد في المسند : ١ : ٢٥٥ ، وفيه أوتينا علما كثيرا ، أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا.

(٣). وفي رواية لابن جرير في التفسير : ١٥ : ١٠٤ : فنزلت : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) [لقمان : ٢٧].

١٣٦

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الكهف» (١)

١ ـ (أَصْحابَ الْكَهْفِ) [الآية ٩].

قال أبو جعفر : كان أصحاب الكهف صيارفة.

قال مجاهد : كانوا أبناء عظماء أهل مدينتهم.

وقال ابن إسحاق : الكهف في جبل يقال له : بنجلوس.

وقال مجاهد : بين جبلين.

أخرج ذلك كلّه ابن أبي حاتم.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس : أن الرّقيم واد [بين عسفان وأيلة وهو] (٢) قريب من أيلة.

وأخرج عن شعيب الجبائي أن اسم جبل الكهف : «بنجلوس» (٣) واسم الكهف : «حرم» (٤).

٢ ـ (وَكَلْبُهُمْ) [الآية ١٨].

قال الحسن : اسمه قطمير.

وقال مجاهد : قطمورا.

وقال شعيب الجبائي : حمران (٥).

وقال كثير النّوّاء (٦) : كان أصفر.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). زيادة من «تفسير الطبري» ١٥ : ١٣١. وعسفان : قرية بين الجحفة ومكّة. انظر «معجم البلدان» ٤ : ١٢٢.

(٣). كذا في «تفسير الطبري» ١٥ : ١٣٢.

(٤). كذا في الأصول ، وفي «تفسير الطبري» و «تفسير ابن كثير» ٣ : ٧٣ : «حيزم». وانظر مادة «الرقيم» في «معجم البلدان».

(٥). وهو خطأ ، ومخالف للطبري ١٥ : ١٣٢.

(٦). هو كثير بن إسماعيل ، أو ابن نافع ، أبو إسماعيل التميمي ، الكوفي ؛ ضعّفه حفّاظ الحديث ، كأبي حاتم والنسائي. و «النّوّاء» نسبة الى بيع النّوى.

١٣٧

وقال رجل يقال له عبيد : أحمر.

أخرج ذلك كلّه ابن أبي حاتم ، إلّا قول شعيب فابن جرير.

وفي «العجائب» للكرماني : قيل : إن الرّقيم : اسم كلبهم.

قلت : أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس.

٣ ـ (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ) [الآية ١٩].

هو تمليخا. قاله ابن إسحاق.

٤ ـ (إِلَى الْمَدِينَةِ) [الآية ١٩].

قال مقاتل (١) : هي منبج. أخرجه ابن جرير.

٥ ـ (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) [الآية ٢٢].

قاله اليهود.

٦ ـ (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ) [الآية ٢٢]. قاله النّصارى ، قاله السّدّيّ وغيره.

٧ ـ (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ).

قال ابن عبّاس : أنا من أولئك القليل ؛ وهم سبعة (٢).

وفي رواية عنه : وهم ثمانية.

أخرجهما ابن أبي حاتم. وأخرج عن ابن مسعود أيضا قال : أنا من القليل ؛ كانوا سبعة. وسمّاهم ابن إسحاق : تمليخا ، ومكسميلينا ، ومحسملينا ومرطونس ، وكسوطونس ، وبيورس ، وبكرنوس ، ونطسوس ، وقالوس (٣).

فائدة :

أكثر العلماء على أنّ أصحاب الكهف كانوا بعد عيسى (ع). وذهب ابن قتيبة (٤) إلى أنّهم كانوا قبله ، وأنه أخبر قومه خبرهم ، وأن يقظتهم بعد رفعه زمن الفترة. وحكى ابن أبي

__________________

(١). لم نجد هذا الأثر في تفسير ابن جرير.

(٢). وأخرجه الطبراني في «الأوسط» وفيه يحيى بن أبي روق ، وهو ضعيف. قاله الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ : ٥٣.

(٣). هناك بعض الاختلاف في النسخ وابن كثير ٣ : ٧٨ أهملنا ضبطها لقول ابن كثير : «وفي تسميتهم بهذه الأسماء ، واسم كلبهم ، نظر في صحته ، والله أعلم. فإن غالب ذلك متلقّى من أهل الكتاب. وقال الله تعالى (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) [الآية ٢٢] أي سهلا هينا ، فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة».

(٤). ابن قتيبة (٢١٣ ـ ٢٧٦) ه : عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، من أئمّة الأدب والدين ، ومن المصنّفين المكثرين ، سمّوه فقيه الأدباء وأديب الفقهاء ، ولد ببغداد وسكن الكوفة ، صنّف : «تأويل مختلف الحديث» و «أدب الكاتب» و «المعارف» و «عيون الأخبار» و «غريب الحديث» ، وغيرها كثير.

١٣٨

خيثمة (١) أنهم يبعثون (٢) في أيام عيسى (ع) إذا نزل ، ويحجّون البيت.

٨ ـ (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) [الآية ٢٨].

تقدّم بيانهم في سورة الأنعام.

٩ ـ (مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) [الآية ٢٨].

قال خبّاب (٣) : يعني عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس (٤).

وقال ابن بريدة (٥) : هو عيينة. أخرج ذلك ابن أبي حاتم. وأخرج عن الرّبيع أنه أميّة بن خلف. وكذا أخرجه ابن مردويه (٦) عن ابن عبّاس.

١٠ ـ (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) [الآية ٣٢].

قال الكرماني في «العجائب» :

قيل : كانا من أهل مكة ، أحدهما مؤمن وهو : أبو سلمة ، زوج أم سلمة.

وقيل : كانا أخوين في بني إسرائيل ، أحدهما مؤمن اسمه : تمليخا.

وقيل : يهوّذا والاخر كافر اسمه : فطروس ؛ وهما المذكوران في سورة الصافات (٧).

١١ ـ (وَذُرِّيَّتَهُ) [الآية ٥٠].

أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : ولد إبليس خمسة : ثبر ، والأعور ، وزلنبور ، ومسوط (٨) ،

__________________

(١). ابن أبي خيثمة (١٨٥ ـ ٢٧٩) ه : أحمد بن زهير ، أبو بكر ، مؤرخ ومن حفاظ الحديث ، كان ثقة ، راوية للأدب. صنّف «التاريخ الكبير» وهو كتاب مخطوط ، يكثر المصنفون من النقل عنه. قال الدار قطني : لا أعرف أغزر فوائد من تاريخه.

(٢). عند قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام : ٥٢].

(٣). يعني خبّاب بن الأرت الصحابي ، رضي الله عنه.

(٤). أثر خبّاب هذا ، أخرجه الحافظ بن حجر في «المطالب العالية» برقم : (٣٦١٨) وعزاه لأبي يعلى وابن أبي شيبة ، وأفاد الحافظ البوصيري ، كما في هامش «المطالب العالية» ، أن سند أبي يعلى صحيح ، وعزاه أيضا الى ابن ماجة مختصرا.

أقول : وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» : ٢٢٤ عن سلمان الفارسي.

(٥). كما في «الدر المنثور» ٤ : ٢٢٠.

(٦). والواحدي في «أسباب النزول» : ٢٢٥.

(٧). في قوله تعالى : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) (٥١) [الصافات].

(٨). كذا في «الطبري» ١٥ : ١٧١ و «الدر المنثور» ٤ : ٢٢٧ و «تاج العروس» مادة (سوط).

١٣٩

وداسم (١). فمسوط : صاحب الصّخب. والأعور وداسم لا أدري ما يعملان. وثبر : صاحب المصائب. وزلنبور : الذي يفرّق بين الناس ، ويبصّر الرجل عيوب أهله (٢).

وأخرج ابن جرير (٣) عنه قال :

زلنبور : صاحب الأسواق ، يضع رايته في كل سوق [ما بين السماء والأرض] (٤) وثبر : صاحب المصائب. والأعور : صاحب الزنا. ومسوط : صاحب الأخبار ، يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس ، ولا يجدون لها أصلا. وداسم : الذي إذا دخل الرجل بيته ، ولم يسلم ، ولم يذكر الله بصّره من المتاع ما لم يرفع. وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه.

١٢ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ) [الآية ٦٠].

قال ابن عبّاس وغيره : هو يوشع بن نون. أخرجه ابن أبي حاتم (٥). وفي «العجائب» للكرماني : كان أخا ليوشع.

١٣ ـ (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) [الآية ٦٠].

قال قتادة : هما بحرا المشرق والمغرب بحرا فارس والروم. وكذا قال الرّبيع.

وقال السّدّي : هما الكرّ والرّس (٦) حيث يصبّان في البحر.

وقال محمد بن كعب : مجمع البحرين بطنجة (٧).

وقال أبيّ بن كعب : بإفريقية. أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

١٤ ـ (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) [الآية ٦٥].

__________________

(١). كما ورد في «تفسير الطبري» و «تاج العروس».

(٢). كذا في «تاج العروس».

(٣). ١٥ : ١٧١.

(٤). زيادة من «الطبري».

(٥). رواية ابن عبّاس هذه ، جاءت مرفوعة في «صحيح البخاري» برقم (٤٧٢٦) في التفسير. وجاء في «الإتقان» ٢ : ١٤٧ : «وقيل : أخوه يثربي».

(٦). كذا في «فتح الباري» ٨ : ٤١٠ ، و «معجم البلدان» ٣ : ٤٤ ، وفيه أنهما يصبّان في بحر جرجان.

(٧). «طنجة» مدينة معروفة في المغرب تطلّ على البحر.

١٤٠