أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٦

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٦

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

قد شعشعت سائر الأكوان مذ جليت

فقلت ينبوع نور فار باللهب

السمع في طرب والذوق في ضرب

والجو في لهب والقوم في عجب

آيات نظمك قد سيرتها مثلا

كالشمس تطلع في ناء ومقترب

أبعدت شوطك في مضمار سبقهم

ولم تدع للمجاري فيه من قصب

فصرت تمشي الهوينا إذ بلغت مدى

قد أمعنوا فيه بالتقريب والخبب

فلتسم قدراً وتزدد رتبة وعلا

مع مالها من رفيع القدر والرتب

وكتب عنه الأستاذ الخاقاني في ( شعراء الحلة ) وذكره صاحب ( الحصون ) ج ٩ ص ١٥٧ فقال : كان فاضلاً أديباً ، بارعاً وشاعراً ، حسن الشعر مقله حلو الانسجام بديع النظام ، سكن النجف مدة ثم عاد إلى الحلة حيث أقام أبوه وأخوه ، وبعد وفاة أبيه استوطن النجف هو وأخوه.

أقول إلى هذا الشاعر خاصة ـ دون غيره من آل النحوي ـ تنتمي الأسرة المعروفة في النجف الأشرف بـ ( آل الشاعر ). كانت وفاة الهادي النحوي سنة ١٢٣٥ ـ على الأشهر.

٢٤١

الشيخ حمزة النحوي

القرن الثالث عشر

قفوا بديار فاح من عرفها ند

ديار سعود ما لا ربابها ند

وإن أصحت قفراء من بعد أهلها

سلوا ربعها عن ريعها أيها الوفد

وخصوا سلام الصب عرب عريبها

سلام سليم لا يفارقه الود

محارب أعداهم وسلم محبهم

وباغض شانيهم وحر لهم عبد

لنحوكم النحوي ( حمزة ) قاصد

فحاشا لديكم أن يخيب له قصد

جفاني الكرى حتى أضر بي الجوى

وقرح أجفاني لبعدكم السهد

فمن وجدهم فان وجودي وقد غدا

ودادي لهم باق له خلدي خلد

فطوبى لحزوى والعقيق ورامة

ونجد لعمري للعليل بها نجد

إذا فاح طيب من أطائب طيبة

تأرج منه المندل الرطب والرند

هم شفعائي والذين أدخرتهم

ليوم به لا ينفع المال والولد

هم الذاكرون الله آناء ليلهم

نهارهم صوم وليلهم سهد

هم العالمون العالمون بهم هدوا

بواطنهم علم ظواهرهم رشد

٢٤٢

منار هدى أبياتهم كعبة الورى

ركوع سجود دون اعتابها الوفد

إلى أن عفت من بعدهم عرصاتها

وأمست خلاء لا سعاد ولا هند

سطت حادثات الدهر في كل نكبة

على أهلها خير العباد إذ عدوا

أآل منى نال المنى بولائكم

عبيدكم لا بل لعبدكم عبد

ويصف شجاعة الحسين عليه‌السلام بقوله :

لقد شهدت أفعاله الطف والعدا

كما شهدت أفعال والده أحد

بكرب البلا في كربلا يشتكي الظما

وليس له إلا دما نحره ورد

فيالك مقتولاً أجل الورى أباً

ويالك مظلوماً ، له المصطفى جد

٢٤٣

الشيخ حمزة النحوي

شاعر أديب وفاضل أريب ، والظاهر أنه من بيت النحوي الحليين المشهورين وفيهم شعراء أدباء كثيرون ذكروا في مطاوي هذا الكتاب ، له القصيدة الدالية في مدح الأئمة عليهم‌السلام نحو ١٢٠ بيتاً لم يتيسر لنا الإطلاع على أولها :

قفوا بديار فاح من عرفها ند

ديار سعود مالاربابها ند

قال الشيخ اليعقوبي في البابليات : لم نقرأ من شعره في المجاميع سوى هذه القصيدة الدالية وهي طويلة وجدتها في مجموعة من مخطوطات أوائل القرن الثالث عشر فيها بعض القصائد والمقاطيع لكبير هذه الأسرة الشيخ أحمد النحوي ، ولا أعلم ماذا يكون المترجم منه ، وهل هو من أولاده أو أحفاده.

وجاء في شعراء الحلة للبحاثة الخاقاني :

الشيخ حمزة النحوي هو أحد أولئك الشعراء الذين شاءت الحوادث أن ينسى فقد جهلت كتب التراجم ذكره ولو لا العقيدة التي بعثت بكثير من المسجلين أن يدونوا ما قيل من الشعر في الإمام الحسين (ع) وآل البيت للدوافع القدسية التي فرضت عليهم أن يتبعوا ما قاله الشعراء لفاتنا أن نعرف اسمه أيضاً كما فاتنا أن نعرف من هو وما هي علاقته بآل النحوي فقد وجدت في أكثر من مجموع يرجع عهده إلى أكثر من قرن ونصف ذكر قصيدة له إلى جنب ما ذكر من شعراء الحلة ومن بينهم الشيخ أحمد وأبناءه محمد رضا وهادي وبمثل هذه القرائن وبما احتفظ به من لقب يجمعه بهم يتولد لدينا أنه من هذه الأسرة التي خدمت الأدب العربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة ولو لا هذه القصيدة لبقي الشيخ حمزة نسياً منسياً ، انتهى.

٢٤٤

السيد باقر العطار

المتوفى ١٢٣٥

إلى الله أشكو وقع دهياء معضل

يشب لظى نيرانها بالضمائر

يعز على الإسلام أن حماته

تئن لهم حزناً قلوب المنابر

يعز على الدين الحنيفي أن غدت

معارفه مطموسة بالمناكر

يعز على الأشراف أن عميدها

يغيب بعين الله عن كل ناظر

يعز على المختار أن أمية

رمت ولده ظلماً بأدهى الفواقر

يعز على الكرار أن رجاله

أبيدوا بأطراف القنا والبواتر

عجبت لشمس كورت من بروجها

وبدر علا قد غاب بين الحفائر

عجبت لذي الأفلاك لم لا تعطلت

وغيب من آفاقها كل زاهر

ومن عجب أن يمنع السبط ورده

وفيض يديه كالبحور الزواخر

٢٤٥

السيد باقر بن ابراهيم بن محمد الحسني البغدادي

توفي سنة ١٢٣٥ ودفن في النجف الأشرف. في الطليعة ، كان فاضلا أديباً مشاركاً وكان ناثراً شاعراً ، قدم النجف لطلب العلم وبقي بها مدة مدح علماءها كالشيخ موسى والشيخ علي ابني الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء. وروى له جملة من الشعر. وذكره صاحب ( الروض النضير ) فقال : كان من أهل العلم والأدب والفضل والتقوى ، وكانت وفاته حدود ١٢٤٠ وله شعر في أنواع شتى.

أما الصحيح في تاريخ وفاته فهو ما ذكره ولد الشاعر السيد حسن من أنه توفى سنة ١٢١٨ والناس أعرف بآبائهم من غيرهم. وترجم له البحاثة الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر جملة من مراسلاته ومدائحه لعلماء عصره.

أقول ديوان المرحوم العلامة السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد الحسني الشهير بالعطار مخطوط بخط ولده السيد حسن المعروف بالأصم وقال في أوله :

ولد الوالد صاحب هذا الديوان السيد باقر يوم الأربعاء قبيل الظهر ثالث أو رابع شهر رمضان المبارك سنة ١١٧٧ وتوفي في يوم الخامس عشر من صفر سنة ١٢١٨.

وجاء في مقدمة الديوان : وبعد فيقول الفقير إلى الله الغني حسن بن باقر

٢٤٦

ابن ابراهيم الحسني ، أني جامع في هذه الأوراق ما رق من شعر الوالد المرحوم وراق ، ليضوع ولا يضيع وينشر طيب رياه ويشيع ، وأرجو من الله التوفيق فهو حسبي ونعم الرفيق.

فمن شعره يستنهض الإمام المهدي عليه‌السلام :

طلاب المعالي بالرقاق البواتر

ونيل الأماني بالعتاق الضوامر

وبالسابغيات المضاعف نسجها

وبالسمهريات اللدان الشواجر

تلوى بأيدى الشوس ليناً كأنها

صلال الأفاعي من خلال المغافر

وبالغارة الشعواء في ليل عثير

ترى القوم فيها دارعاً مثل حاسر

وبالعزمة الغراء لمع وميضها

تبسم عن ماض الغرارين باتر

وبالفتحة العضباء عن حد نجدة

تجد بها الأعناق دون المناخر

ورب جهول قد تعرض للعلى

ولم يحض منها بالخيال المزاور

فقلت له خفض عليك فإنها

مطامح لم تدرك سناء لناظر

فما كل من جاب القفار بجائب

وما كل من خاض الغمار بظافر

ولا كل خفاق البروق بماطر

ولا كل زهر في الرياض بعاطر

ولم يبلغ العلياء إلا أخو نهى

توطأ هامات الرجال البحاتر

وليس يليق التاج إلا لأصيد

تلفع في بردي علا ومفاخر

ولا يرتقي الأعواد أعواد منبر

سوى صادح بالحق ناه وآمر

وتلك العلى وقف على كل ما جد

تربى وليداً في حجور المفاخر

فطوبى لنفس تشهد الملك في يدي

مليك وسيف الله في كف شاهر

وتبصر مولى المؤمنين مؤيداً

بجند من الرحمن للدين ناصر

وتنظره في الدست من حول صحبه

كبدر سماء في نجوم زواهر

٢٤٧

يقيم قناة الدين بعد التوائها

باسمر خطار وأبيض باتر

ويملك تصريف المقادير كيفما

يشاء ويجري حكمه في المقادر

يشمر أذيال الخلافة ساحباً

على هامة الجوزاء ذيل التفاخر

فقل بفتى جبريل خادم جده

وخادمه والخضر خير موازر

هو الخلف المنصور والحجة التي

بها يهتدي من ضل سبل البصائر

حسام إذا ما اهتز يوم كريهة

تدين له طوعاً رقاب الجبابر

إمام إليه الدهر فوض أمره

بأمر إله خصه بالأوامر

همام إذا ما جال في حومة الوغى

فلم تلق إلا ضامراً فوق ضامر

جواد إذا ما انهل وابل كفه

به غني العافون عن كل ماطر

وجوهو قدس لا يقاس بمثله

وشتان ما بين الحصى والجواهر

له المعجزات الغر يبهرن للحجى

فاكرم بها من معجزات بواهر

مكارم فضل لا تحد لواصف

وآيات صدق لا تعد لحاصر

من البيض يحمى البيض بالبيض والقنا

ويرمي العدا قسراً بإحدى الفواقر

إذا انقض في قلب الخميس تنافرت

جموعهم مثل النعام النوافر

وإن حل في أرض تضوع نشرها

وأخصب من أطلالها كل دائر

ويحي به الله العباد جميعها

فمن رابح فيه هناك وخاسر

ويأذن في نبش القبور ويصلح

الأمور ويعلو ذكرهن في المنابر

بكل عفيف الذيل من دنس الخنا

وأبلج ميمون النقيبة طاهر

وأصيد لا يعطى الوغى فضل مقود

ولو ملئت بيداؤها بالحوافر

وأمجد من عليا معد نجاره

إذا عدت الأنساب يوم التفاخر

يذبون عن غر كرام أطائب

غطارفة شوس كماة مغاور

هناك ترى نور النبوة ساطعاً

منوطاً بنور للامامة زاهر

هناك ترى التوفيق بالبشر صادحاً

وتقدمه أم العلى بالتباشر

٢٤٨

هناك نرى ربع المسرة ممرعاً

وروض الأماني بين زاه وزاهر

هناك نروى القلب من كل غاشم

ونأخذ ثار السبط من كل غادر

فسارع لها يا ابن النبي بوثبة

فما طالب ذحلاً سواك بثائر

هلم بنا واجبر قلوباً كسيرة

فليس لها إلاك يا خير جابر

أيا ابن الميامين اللذين وجوههم

توقد عن نور من الله زاهر

فخذ من بنات الفكر مني غادة

تفوق جمالاً كل عذراء باكر

بها ( باقر ) يبدى اعتذار مقصر

بمدحكم يرجو قبول المعاذر

ومن يكن القرآن جلا بمدحه

فأنى يوفي مدحه وصف شاعر

عليكم سلام الله ما لاح بارق

وجادت مرابيع السحاب المواطر (١)

وقال يرثي الحسين (ع) :

يا عين لا لا دكار البان والعلم

ولا على ذكر جيران بذى سلم (٢)

وقل من دمع عيني أن يفيض أسى

أجل ولا كان ممزوجاً بصوب دم

على أجل قتيل من بني مضر

زاكي الأرومة والأخلاق والشيم

كيف السلو وروح الطهر فاطمة

ملقى ثلاثة أيام على الاكم

واحسرتا أيموت السبط من ظمأ

وجده خير رسل الله كلهم

وأمه البضعة الزهراء ووالده

خير القبائل من عرب ومن عجم

__________________

١ ـ عن الديوان المخطوط بخط ولد الناظم وهو السيد حسن المعروف بالأصم ـ الموجود في مكتبة السيد عبدالعزيز الحيدري.

٢ ـ هذه القصيدة وما بعدها عن ( الرائق ).

٢٤٩

لم أنسه في عراص الطف منفرداً

يقول يا قوم هل راعيتم ذممي؟

هل منكم ناصر يرجو الشفاعة في

يوم المعاد غداً من شافع الأمم؟

لم أنسه وهو يسطو شبه قسورة

والقوم منهزم في إثر منهزم

فخر عن مهره للأرض تحسب أن

هوى غدات هوى عال من الأطم

ومر نحو الخيام المهر يندبه

والدمع يهمل من عينيه كالديم

فمذ رأته النسا أقبلن في دهش

كل تنوح ومنها القلب في ألم

هاتيك حاسرة بين الطغاة وذي

تقول أين كفيلي أين معتصمي

تقول يا قوم ما أقسى قلوبكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

غادرتم أسرة الكرار حيدرة

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

لهفي له وهو في الرمضاء منجدل

والخيل توطئه قسراً بجريهم

ورأسه فوق رأس الرمح مرتفع

يضيء تحسبه نوراً على علم

أين النبي وأين الطهر فاطمة

وأين أين علي القدر والهمم

وأين أين أسود الغاب من مضر

ومن سمو كل ذى مجد بمجدهم

اليوم خابت ظنوني واعتدى زمني

فواعنائي وواذلي وواندمي

ثم أنثنت تندب الهادي النبي وفي

أحشائها ضرم ناهيك من ضرم

يا جد إن ابنك السجاد مضطهد

بين الطغاة يعاني كربة السقم

وقيدوه بأصفاد الهوان ولم

يراقبوا فيه من إل ولا ذمم

أعظم بها نكبة دهياء قد عظمت

على النبي ورب البيت والحرم

متى يقوم ولي الأمر من مضر

فينجلي بمحياه دجى الغمم

الحجة الخلف المهدي من ختم

الله الإمامة فيه خير مختتم

هو الإمام الذي ترجى حميته

بكل هول من الأهوال مقتحم

ملك له عزمة في الروع ثابتة

تغنيه عن كل مصقول الشبا خذم

مولى سرى عدله في كل ناحية

كما سرى البرق في داج من الظلم

متى نراه وقد حفت به زمر

الأنصار من كل مغوارو كل كمي

٢٥٠

ويملأ الأرض عدلاً مثلما ملئت

جوراً وذئب الفلا يرعى مع الغنم

ويغتدي كل من والاه مبتهجاً

في خفض عيش رغيد دائم النعم

يا ابن النبي ومن قد راق مدحهم

ورق حتى حلا تكراره بفم

ومن أتى مدحهم في هل أتى وسبا

وجاء فضلهم في نون والقلم

إليك من لج بحر الفكر جوهرة

فريدة الحسن قد جلت عن القيم

يرجو بها باقر أن يضام غداً

وهل يضام؟ ومن والاك لم يضم

وكيف أخشى معاذ الله يوم غد

سوء العذاب وجدي شافع الأمم

أقل عثاري وخذ يا سيدي بيدى

عند الصراط إذا زلت به قدمي

قد أفلح المومنون المادحون لكم

واستوثقوا بوثاق غير منفصم

صلى الإله عليكم ما سرت سحب

وأومض البرق في الظلماء من إضم

وقال يرثي الحسين عليه‌السلام :

أطيلي النوح معولة اطيلي

على رزء القتيل ابن القتيل

وسحى الدمع باكية عليه

ولا تصغى إلى عذل العذول

ونادي يا رسول الله يا من

حباه الله بالفضل الجزيل

أتعلم أن رأس السبط يهدى

إلى الأوغاد في رمح طويل

ويضحى جسمه بالطف ملقى

تكفنه الصبا نسج الرمول

ويقرع ثغره الطاغي يزيد

ولا يخشى من الملك الجليل

وزين العابدين يقاد فيهم

برغم منه في قيد ثقيل

لعمري لا يحق النوح إلا

لمقتول الأسنة والنصول

بنفسي ضامياً والماء طام

وليس له إليه من سبيل

ينادي وهو في الهيجاء فرداً

ألا هل ناصر لبني الرسول

أأقتل فيكم ظلماً وجدي

شفيع الخلق في اليوم المهول

أأقتل ضامياً وأبي علي

بيوم الحشر ساقي السلسبيل

٢٥١

فلما أن راى الأعداء كل

كليم القلب يطلب بالذحول

تصدى للقتال ومر يسطو

على الأبطال كالليث الصؤول

فيا لله كم قد فل جمعاً

بحد حسامه العضب الصقيل

إلى أن جاءه الأجل المسمى

فخر مجدلاً تحت الخيول

فأقبلن الكرائم حاسرات

نوادب للمحامي والكفيل

وزينب بينهن عليه تذرى

عقيق الدمع في الخد الأسيل

وتدعو أمها الزهراء شجواً

ومنها القلب في داء دخيل

ألا يا بضعة المختار طه

من الأجداث قومي واندبي لي

ونوحي للغريب المستظـ

ـام البعيد النازح الدار القتيل

يعز عليك يا أماه ما قد

تطوقنا من الخطب الجليل

ألا يا أم كلثوم هلمي

لقد نادى المنادي بالرحيل

وجاءت فاطم الصغرى تنادي

أباها وهي تعلن بالعويل

أبي عز الكفيل فهل ترى لي

فديتك يا بن فاطم من كفيل

أبي أحرقتني بجفاك فامنن

علي بنظرة تطفي غليلي

أبي إن ابنك السجاد أضحى

عليلاً لهف نفسي للعليل

أيسلمني الزمان وأنت كهفي

وتألمني الخطوب وأنت سولي

مصابك يابن فاطمة كساني

ثياب الهم والحزن الطويل

وخبطك هد أركان المعالي

وثل قواعد المجد الأثيل

واذكى جمرة في قلب طه

ومهجة حيدر وحشا البتول

ألا يابن الأطائب من قريش

وخير الخلق من بعد الرسول

ويا ابن الأكرمين ومن بكته

السموات العلى بدم همول

إليك خريدة حسناء رقت

وراقت بهجة لذوي العقول

تؤم حماك قاصدة ومنها

دموع العين كالغيث الهطول

بها يرجو غدات الحشر منكم

سليلك باقر خير القبول

وتنقذه من النيران فيها

وتنقله إلى ظل ظليل

٢٥٢

وخذ بيديه يوم الحشر وامنن

عليه بشربة من سلسبيل

فليس له سواكم من معين

إذا ما جاء في حوب ثقيل

فلا زالت صلوة الله تترى

عليكم بالغدات وبالأصيل

وقال متوسلاً إلى الله بالنبي والأئمة الطاهرين :

يا رب بالهادي النبي المصطفى

ووصيه المولى علي المرتضى

وبفاطم ست النساء ونجلها

الحسن الزكي وبالحسين المجتبى

وسليله زين العباد وباقر

وبجعفر والطهر موسى والرضا

ومحمد وعلي نجل محمد

والعسكري وبالإمام المرتجى

الطف بعبدك وابن عبدك باقر

وأنله في يوم الجزا خير الجزا

٢٥٣

الملا حسين جاويش

المتوفى ١٢٣٧

ما للديار تنكرت أعلامها

وعفت مرابعها وأمحل عامها

صاح الغراب بشمل ساكنها ضحى

فلذا تبدد شملها ولمامها

سرعان ما ألقى بكلكله الردى

عمداً عليها فانقضت أيامها

عصفت أعاصير الرياح بربعها

فعفا وصوح شيحها وخزامها

ظعنوا برغم المكرمات عشية

والنفس إثر الركب زاد هيامها

كم لي وقد زموا الركائب خلفهم

عبرات وجد لا تجف سجامها

فذكرت مذ بانوا ركائب فتية

ضربت على شاطى الفرات خيامها

زحفت عليها للطغات كتائب

أموية ملأ الفضا إرزامها

فتكت بها أرجاس حرب فانثنى

بيد الذئاب فريسة ضرغامها

قتلت على ظمأ وكوثر جدها

منه الأنام غداً يبل أوامها

لله أدمية بشهر محرم

لرضى ابن هند يستحل حرامها

فرؤوسها من فوق خرصان القنا

وعلى الصعيد رمية أجسامها

من مبلغن سراة هاشم إنه

قد جذ غاربها وجب سنامها

وأفاه منهم سهم بغي صائب

إن المنايا لا تطيش سهامها

فهوى الجواد عن الجواد كأنما

من قنة العلياء خر دعامها

كالطود يعلوه الرغام ولم أخل

يعلو على الشم الرعان رغامها

يا ذروة الشرف انهضوا فسراتكم

ذبحت بسيف الظالمين كرامها

٢٥٤

خضب الدماء جباها ولطالما

لله طال سجودها وقيامها

يايوم عاشوراء كم لك في الحشا

قبسات وجد لا يبوخ ضرامها

كم فيك من ابناء احمد فتية

شم الانوف كبابها اقدامها

ياصاحبي قف بالطفوف مخاطبا

اين الالى بانو واين مقامها

الله اكبر اي غاشية بها

دار النبوة دكدكت اعلامها

الله اكبر اي جلى فتتت

احشاء خير الرسل وهو ختامها

عجباً لهذ الخلق لا يبكي دماً

عوض المدامع كلها وغلامها

لفتى بكاه محمد ووصيه

الهادي أمير المؤمنين امامها

كل الرزايا دون وقعة كربلا

تنسى وان عظمت تهون عظامها

نكثت عهود المصطفى حسداً لمن

ضلت عن النهج القويم طغامها

والله ما قتل الحسين سوى الألى

سجدت مخافة بأسه أصنامها

قد أججوها في ( ... ) فتنة

في الال يوم الطف شب ضرامها

كتبوا صحيفتهم والوا أنها

حتى القيامة لا يفض ختامها

فتداولتها بعدهم أبناؤها

فتضاعفت لما جنت اثامها

قدمت على حرب الحسين ببغيها

وتسابقت لقتاله أقدامها

نقضت عهود نبيها في اله

فلبئس ما قد أخلفته لئامها

يا سادة جلت مناقب فضلها

من أن تحيط بوصفها أوهامها

أتهاب نفس حسين أو تخشى غداً

ظيما وأنتم في المعاد عصامها

يمضي الزمان وحزنها بمصابكم

باق الى أن تنقضي أيامها

واليكموها غادة حليةُ

قد طاب فيكم بدؤها وختامها

٢٥٥

الملا حسين جاويش

الحسين بن ابراهيم بن داود. من أسرة تعرف قديماً بآل « جاوش » وقد وجدت شهادات موقعة بخطوط جماعة منهم في وثيقة رسمية مصدقة من نائب الحلة « القاضي » سنة ١١٠١ هـ « إحدى ومائة وألف » وهي تخص بعض أوقاف السادة الأقدمين من « آل كمال الدين » ومن الشهود فيها عثمان بن مصطفى جاوش ـ جد المترجم ـ ويوجد حتى اليوم شارع قديم في إحدى محلات الحلة الشمالية يدعى بـ « الجاووشية » بالقرب من مرقد أبي الفضائل بن طاوس نسبة إلى الأسرة المذكورة التي نبغ منها شاعرنا المترجم ويعرف في المجاميع القديمة بالملا حسين جاوش. مولده ونشأته ومسكنه ووفاته في الحلة ولم يتحقق لدينا تاريخ ولادته لنعرف مدة عمره سوى أن وفاته كانت سنة ١٢٣٧ هـ ولم يكن ممن يجتدي بأشعاره أو يساوم ببنات أفكاره وإنما كان يمتهن بعض الحرف التي يعتاش منها وهو معدود في شعراء أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر تبودلت بينه وبين أدباء عصره مراسلات ومساجلات ونظم كثيراً من القصائد في جملة من الحوادث التي وقعت بين أهل الحلة والعشائر والحكومة يومئذ كما جاء في تاريخ الحلة بهذا القرن وشعره جزل الألفاظ عذب الأسلوب مكثر فيه من رثاء آل الرسول « ص » رأيت له قصيدة في رثاء الحسين (ع) في كتاب ( المجالس والمراثي ) للفاضل الأديب الشيخ أحمد بن الحسن قفطان النجفي سنة ١٢٨٥ ومن خطه نقلتها من الفصل الثالث من الكتاب المذكور :

وله من قصيدة في الرثاء :

هاج أحزان مهجتي وشجاها

خطب من جل في الآنام عزاها

* * *

٢٥٦

هل يولي أمر الخلافة إلا

من بنى أصلها وشاد علاها

سيد الأوصياء في كل عصر

تاجها عقدها منار هداها

من رقى منكب النبي وصلى

معه في السماء يوم رقاها

ذاك مولى بسيفه وهداه

آية الشرل والضلال محاها

وله في رثاء السيد سليمان الكبير المتقدم ذكره والمتوفى سنة ١٢١١ هـ.

الا خلياني يا خليلي من نجد

وتذكار سعدى في حمى بانة السعد

فما هاج وجدي ذكر حزوى وحاجر

ولا رامة فيها مرامي ولا قصدي

ولا تعذلاني إن قضيت من الأسى

وخدد دمع العين في سكبه خدي

فما أنا من يصغي إلى العذل سمعه

واني في شغل عن العذل بالوجد

سلا ظاهر الأنفاس عن باطن الأسى

فإن الذي أخفيه أضعاف ما أبدي (١)

أفي كل يوم لي حبيب مفارق

إلى القبر أضعان المنايا به تخدي

لقد ذهب العيش الرغيد بذاهب

هوى في الثرى لما رقى ذروة المجد

وعطل أحكام ( الشرايع ) فقد من

هو المقتدى في الحل منها وفي العقد

ومن سبل ( الارشاد ) ضاقت ( مسالك )

الرشاد وكانت قبل واضحة النجد (٢)

فلهفي عليه ثم لهفي لو أنه

يفيد الفتى طول التلهف أو يجدي

ولو رد ميت بالبكاء لرده

بكائي وأنى يسمح البين بالرد

أصاب الردى عمداً ( سليمان ) عصرنا

أخا النسب الوضاح والحسب العد (٣)

على الحلة الفيحاء من بعده العفا

فقد غاب عن آفاقها قمر السعد

وكان لها كفاً تكف به الأذى

وقد جذه صرف الحمام من الزند

يحامي عن الدين القويم بمرهف

اللسان كما تحمى العرينة بالأسد

__________________

١ ـ البيت مطلع قصيدة للشريف الرضي وأخذه المترجم بتصرف.

٢ ـ النجد : الطريق المرتفع ومنه قوله تعالى ( وهديناه النجدين ).

٣ ـ العد بالكسر : القديم.

٢٥٧

فيا بدر تم غاله الخسف بعدما

هدى في الدجى المسترشدين إلى الرشد

وشمساً تغشاها الكسوف وطالما

جلت ظلمات الشك في القرب والبعد

بكيتك للود القديم وكم بكى

عليك من الناس امرؤ غير ذي ود

وقد حال مني كل شيء عهدته

فلم يبق محفوظاً عليك سوى عهدي

فهذي جفوني من دموعي في حياً

وقلبي من ـر الكآبة في وقد

وهي طويلة. وفي آخرها يؤرخ عام وفاته بقوله :

وصدر جنان الخلد وافى مؤرخاً

سليمان طب نفساً فمأواك بالخلد

وفي قوله وصدر جنان الخلد إشارة إلى « الجيم » لأن عجز البيت وفيه مادة التاريخ ينقص ثلاثة وفي الجيم يتم العدد « ١٢١١ » وكان سريع البداهة حاضر النكتة. نزل هو والشيخ صالح التميمي الشهير ضيفين على رجل من بني « لام » بين واسط والبصرة فلم يكرم مثواهما وزاحمهما من شدة جشعه على الزاد الذي قدمه إليهما في صحن صغير فنظما هذه القطعة المشتركة والصدور منها للتميمي والاعجاز لصاحب الترجمة.

رأينا من عجيب الدهر صحناً

صغير الحجم بين يدي لئيم

كأن حنو صاحبه عليه

( حنو المرضعات على الفطيم ) (١)

تدافع دونه كلتا يديه

مدافعة الغيور عن الحريم

يود بأن عيناً لا تراه

فيحجبه بكهف أو رقيم

فلو بالخلد قابله اكيل

لفر به إلى أصل الجحيم

ذميم الخلق والأخلاق أمسى

يزاحمنا على العيش الذميم

لعكس الحظ عاشرنا أناساً

بطرق اللؤم اهدى من تميم

__________________

١ ـ هو لأبي نصر أحمد السليكي المنازي من أبيات مشهورة وقد تضمن شاعرنا عجز البيت.

٢٥٨

فغضب التميمي من تعريضه في البيت الأخير وأمسك عن النظم فاعتذر المترجم بأن القافية عرضت له في الطريق.

« ايضاح » أن المترجم له غير ملا حسين ـ بالتصغير والتشديد ـ الحلي الذي كان شعره مقصوراً على اللغة العامية صاحب القصائد الزجلية من « الميمر » وغيره في مدح وادي بن شفلح « رئيس زبيد » المتوفى سنة ١٢٧١ وبينه وبين الشيخ عبدالحسين محي الدين صاحب ( ذرب بن مغامس ) رئيس خزاعة مطارحات في اللغة نفسها وله نوادر وحكايات مضحكة مع العلامة السيد مهدي القزويني المتوفي سنة ١٣٠٠ ومع الشيخ جعفر الصغير حفيد كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٩٠ كما في « العبقات العنبرية » وكل هؤلاء متأخرون عن عصر شاعرنا ( ابن جاوش ) ولكن سيدنا الأمين ـ في الـ ج ٢٦ من الاعيان ذكر أن وفاة الملا حسين الشاعر العامي سنة ١٢١٢ وهذا التاريخ أيضاً متقدم على عصر هؤلاء بكثير والصواب أن وفاته في اخريات القرن الثالث عشر ويحتمل أن ولادته كانت في التاريخ الذي ذكر في الأعيان. انتهى عن ( البابليات ).

٢٥٩

الشيخ محمد رضا الازري

المتوفى ١٢٤٠

خذ بالبكاء فما دمع بمذخور

من بعد نازلة في عشر عاشور

يوم تنقبت الدنيا بغاشية

من المصاب لفقد العالم النوري

واردف الملأ الأعلى براجفة

أللعوالم آنت نفخة الصور

يوم سرى ابن رسول الله يجلبها

قب البطون تهادى في المضامير

ترغو عليها فحول من بني مضر

معودون على حز المناحير

من كل مزدلف للروع يصحبه

أنف حمى وجاش غير مذعور

حيث السلاهب تنزو في شكائمها

نزو الثعابن في مشبوبة القور

واصيد مطمئن الجأش لو جأشت

في الروع وعوعة الأسد المغاوير

وللجبال الرواسي في دكادكها

مور بدكدكة الجرد المحاضير

فلو تراها وقد شالت نعامتها

والقوم ما بين مطعون ومنحور

لما رأيت سوى معزى يبددها

زئير ذي لبدة دامي الأظافير

حتى إذ حم أمر الله وانتزعت

مراشة سددت من كف مقدور

وافاة شمر فألفاه على رمق

فكان ما كان من إنفاذ مسطور

وشال رأس رئيس المسلمين على

أصم مطرد الكعبين مطرور

٢٦٠