أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٦

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٦

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

ويقول في مرثية ثانية :

يا سائق الحرة الوجناء أنحلها

طي السرى وطواها الإين والنصب

وجناء ما ألفت يوماً مباركها

ولا انثنت عند تعريس لها ركب

عج بي إذا جئت غربي الحمى وبدت

منه لمقلتك الإعلام والقبب

وحي عني الأولى أقمارهم طلعت

من طيبة ولدى كرب البلاغربوا

وأين تلك البدور التم لا غربوا

وأين تلك البحور الفعم لا نضبوا

قوم كأولهم في الفضل آخرهم

والفضل أن يتساوى البدء والعقب

من كل أبيض وضاح الجبين له

نوران في جانبيه الفضل والنسب

يستنجعون الردى شوقاً لغايته

كأنما الضرب في أفواهها الظرب

حتى إذا سئموا دار البلى وبدت

لهم عيانا هناك الخرد العرب

فغودورا بالعرى مصرعي تلفهم

مطارف من أنابيب القناقشب

وفيها يصف مصرع الحسين عليه‌السلام بقوله :

إن يصبح الكون داجي اللون بعدك

والأيام سوداً وحسن الدهر مستلب

فأنت كالشمس ما للعالمين غنى

عنها ولم تجزهم من دونها الشهب

تالله ما سيف شمرنال منك ولا

يد اسنان وإن جل الذي ارتكبوا

لولا الأولى أغضبوا رب العلى وأبوا

نص الولاء وحق المرتضى غصبوا

أصابك النفر الماضى بما ابتدعوا

وما المسبب لو لم ينجح السبب

٢٢١

ولا تزال خيول الحقد كامنة

حتى إذا أبصروها فرصة وثبوا

كف بها أمك الزهراء قد ضربوا

هي التي أختك الحورا بها سلبوا

وإن ناروغى صاليت جمرتها

كانت لها كف ذاك البغي تحتطب

* * *

يفنى الزمان وفيك الحزن متصل

باق إلى سرمد الإيام ينتسب

كأن حزنك في الأحشاء مجدك

في الأحياء لم تبله الأعوام والحقب

ويقول من أخرى :

وأقبل ليث الغاب يهتف مطرقا

على الجمع يطفو بالألوف ويرسب

إلى أن أتاه السهم من كف كفر

ألا خاب باريها وخاب المصوب

فخر على وجه التراب لوجهه

كما حر من رأس الشناخيب أخشب

ولم أنس مهما أنس إذ داك زينبا

عشية جاءت والقواطم زينب

تحن فيجري دمعها فتجيبها

ثواكل في أحشائها النار تلهب

نوائح يعجمن الشجى غير أنها

تبين عن الشجو الخفي وتعرب

نوائح ينسين الحمام هديلها

إذا ما حدى الحادي وثاب المثوب

وما أم عشر أهلك البين جمعها

عداداً يقفي البعض بعضا ويعقب

بأوهى قوى منهن ساعة فارقت

حسينا ونادى سائق الركب ركبوا

* * *

إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم

تسح لها العينان والخد يشرب

أما فيكم يا أمة السوء شيمة

إذا لم يكن دين ولم يك مذهب

بنات رسول الله تسبى حواسراً

ونسوتكم بالصون تخبى وتحجب

٢٢٢

وقال :

أما طلل يا سعد هذا فتسأل

نزال فهذي الدار ان كنت تنزل

هي الدار لا شوقي إليها وإن خلت

يحل ولاعن ساكنيها يحول

قفوا بي على أطلالها علنا نرى

سميعا فنشكو أو مجيباً فنسأل

لي الله كم تلحوا اللواحي وتعذل

وكم ابتدى عذراً وكم اتنصل

يريدون بي مستبدلا عن أحبتي

أحالوا لعمري في الهوى وتمحلوا

أبعد نوى الهادين من آل هاشم

يروقك غزلان وتصبيك غزل

بها ليل أمثال البدور زواهر

وليل الوغى مستحلك اللون اليل

ولا يومهم وابن النبي بكربلا

وللنقع في جو السماكين قسطل

يكر فتنحو نحوه هاشمية

فوارس أمثال الضراغم ترقل

فوارس من عليا قريش وهاشم

لهم سالف في المجديروى وينقل

فوارس إذ نادى الصريخ ترى لهم

مكانا بمستن الوغى ليس يجهل

إلى أن ثووا تحت العجاج تلفهم

ثياب علا منها رماح وانصل

فظل وحيدا واحد العصر في الوغى

نصيراه فيها سمهرى ومنصل

وشد على قلب الكتيبة مهره

فراحت ثباً مثل المهى تتجفل

فديتك كم من مشكل لك في الوغى

الاكل معنى من معانيك مشكل

فتلك منايا أم أمان تنالها

وذاك حريق أم رحيق معسل

إلى أن أتاه في الحشى سهم مارق

فخر فقل في يذبل قل يذبل

وزلزلت الارضون وارتجت السما

وكادت له افلاكها تتعطل

وأقبل نحو المحصنات حصائه

يحن ومن عظم المصيبة يعول

فاقبلن ربات الحجال وللاسى

تفاصيل لا يحصي لهن مفصل

فواحدة تحنو عليه تضمه

وأخرى عليه بالرداء تضلل

٢٢٣

وأخرى بفيض النجر تصبغ شعرها

وأخرى لما قد نالها ليس تعقل

وأخرى على خوف تلوذ بجنبه

وأخرى تفديه وأخرى تقبل

وجاءت لشمر زينب ابنة فاطم

تعنفه عن أمره وتعذل

أيا شمر هذا حجة الله في الورى

أعد نظراً يا شمر إن كنت تعقل

أعد نظراً ويل لامك إنها

إذ الويل لا يجدي ولا العذر يقبل

أيا شمر لا تعجل على ابن محمد

فذو ترة في مثله ليس يعجل

ومر يحز النحر غير مراقب

من الله لا يخشي ولا يتوجل

وراحت له الأيام سودا كانما

تجلببها قطع من الليل أليل

واضحى كتاب الله من أجل فقده

يحن له فرقانه والمفصل

ولم انس لا والله زينب اذ دعت

بواحدها والدمع كالمزن مسبل

وراحت تنادي جدها حين لم تجد

كفيلا فيحمى أو حميا فيكفل

أيا جدنا هذا الحبيب على الثرى

طريحاً يخلى عارياً لا يغسل

يخلى بارض الطف شلوا ورأسه

إلى الشام فوق الرمح يهدى ويحمل

لتبك المعالي يومها بعد يومه

إذا ما بغى باغ وأعضل معضل

وبيض الظبى والسمر تدمى صدورها

وخيل الوغى تحفى وبالهام تنعل

ومنقبة تقلى وذكر يرتل

ومكرمة تبنى ومجد يؤثل

وليلة مسكين تحمل قوته

اليه سراراً والظلام مجلل

بكاء العذارى الفاقدات كفيلها

عشية جد الخطب والخطب مهول

متى نبصر النصر الآلهى مشرقاً

بانواره تكسى الربى وتجلل

يروم سلوى فارغ القلب مثله

وذلك خطب دونه الصعب يسهل

حرام على قلبي العزا بعد فقدكم

وفرط الجوى فيه المباح المحلل

ولولا الذي أرجوه من أخذ ثاركم

فاعلق آمالي به وأعلل

٢٢٤

لمت على ما كان من فوت نصركم

أسى وجوى والموت في ذاك امثل

ولي سيئات قد عرفت مكانها

فظهري منها أحدب الظهر مثقل

ومالي فيها من يد غير أنني

عليكم بها بعد الآله أعول

فسمعا بني المختار نظم بديعة

يذل لها بشر ويخضع جرول

تجاري كميتا كالكميت ولم يكن

بها أخطل اذ ليس في الشعر أخطل

فان تمنحوا حسن القبول فانكم

وما عنكم أن تطردوا متحول

عليكم سلام الله ما لاح بارق

وما ناح قمري وما هب شمأل

وقال :

ان تكن كربلا فحيوا رباها

واطمئنوا بنا نشم ثراها

الثموا جوها الانيق على ما

كان في القلب من حريق جواها

واغمروها باحمر الدمع سقيا

فكرام الورى سقتها دماها

وبنفسي مودعون وفي العيـ

ـن بكاها وفي القلوب لظاها

من بحور تضمنتها قبور

وبدور قد غيبتها رباها

ركبهم والقضا بأظعانهم

يسري وهادي الورى أمام سراها

وتبدت شوارع الخيل والسمـ

ـر وفرسانها يرف لواها

فدعا صحبه هلموا فقد اسـ

ـمع داعي المنون نفسي رداها

فأجاب الجميع عن صدق نفس

اجمعت امرها وحازت هداها

لا ومعنى به تقدست ذاتا

وجلالا به تعاليت جاها

لا نخليك أو نخلي الأعادي

تتخلى رؤوسها عن طلاها

واستبانت على الوفا وتواصتـ

ـه واضحى كما تواصت وفاها

تتهادى إلى الطعان اشتياقا

ليت شعري هل في فناها بقاها

ذاك حتى ثوت موزعة الأشـ

ـلاء صرعى سافي الرمال كساها

وامتطى الندب مهره لا يبالي

أشأته منونه أم شآها

٢٢٥

يتلقى القنا بباسم ثغر

متلقى العفاة حين يراها

مقريا وأفديه نسرا وذئبا

لحم أسد لحم الأسود قراها

وانبرت نبلة فشلت يدا رجـ

ـس رماها وكف علج براها

وهوى الأخشب الأشم فماجت

نقطة الكون أرضها وسماها

وانثنى المهر بالظليمة عاري

السرج ناع للمكرمات فتاها

يا لقومي لعصبة عصت اللـ

ـه واضحى لها هواها إلاها

اسخطت أحمدا ليرضى يزيد

ويلها ما أضلها عن هداها

يا ابن من شرف البراق وفاق

الكل والسبعة الطباق طواها

ان تمنى العدى لك النقص بالقتـ

ـل فقد كان فيه عكس مناها

اين من مجدك المنيع الأعادي

وبك الله في العناية باهى

وعليك اعتماد نفسي فيما

املته وما جنته يداها

وذنوبي وان عظمن فاني

بك يا ابن الكرام لا أخشاها

وبميسور ما استطعت ثنائي

والهدايا بقدر من أهداها

وقال :

اهاج حشاك للشادي الطروب

قرير العين في الغصن الرطيب

فكم للقلب من وجد وحزن

وكم للطرف من دمع سكوب

ونفس حشو احشاها هموم

يشيب لها الفتى قبل المشيب

تريد من الليالي طيب عيش

وهل بعد الطفوف رجاء طيب

سقى الله الطفوف وان تناءت

سجال السحب مترعة الذنوب

فكم لي عندها فرط ووجد

وحر جوى لاحشائي مذيب

أسلوان لقلبي وابن طه

على الرمضاء ذو خد تريب

عديم النصر الا من قليل

من الأنصار والرحم القريب

تفانوا دونه والرمح عاط

لناظره إلى ثمر القلوب

٢٢٦

يرون الموت أحلى من حبيب

أباح الوصل خلواً من رقيب

فتلك جسومهم في الترب صرعى

عليها الطير تهتف بالنعيب

تكفنها الرماح السمر حتى

كأن سليبها غير السليب

تخوفه المنون جنود حرب

وهل يخشى المنون ابن الحروب

أبي الضيم حامل كل ثقل

عن العلياء كشاف الكروب

ابو الأشبال في يوم التعادي

أبو الأيتام في يوم السغوب

يدافع عن مكارمه ويحمي

بصارمه عن الحسب الحسيب

خطيب بالأسنة والمواضي

وقرت ثم شقشقة الخطيب

فأحمد حين تلقاه خطيباً

وحيدرة تراه لدى الخطوب

وظل مجاهدا بالنفس حتى

أتى فعل ابن منجبة النجيب

وولى مهره ينعاه حزناً

بمقلة ثاكل وحشى كئيب

ونادت زينب منها بصوت

يصدع جانب الطود الصليب

أخي يا ساحباً فوق الثريا

ذيول علا نقيات الجيوب

ويا متجمعاً لنعوت فضل

سليم النقص معدوم العيوب

وياسر المهيمن في البرايا

وشاهده على غيب الغيوب

ويا شمسا بها تجلى الدياجى

رماها الدهر عنا بالمغيب

ويا قمرا أحال على غروب

وعاقبة البدور إلى الغروب

فمن نرجو لصعب الخطب يوماً

ومن ندعوه لليوم العصيب

فيا ابن القوم حبهم نجاة

لمعتصم وحطة كل حوب

مدحتك راجياً غفران ذنبي

ومدحك فيه غفران الذنوب

وقال :

سفه وقوفك في عراص الدار

من بعد رحلة زينب ونوار

٢٢٧

ما أنت واللفتات في أكنافها

ظن الفريق وخف عنك الساري

لا عيب من محن الزمان فانما

خلق الزمان عداوة الأحرار

أو ما كفاك من الزمان فعاله

ببني النبي وآله الأطهار

ولعت بفارع قدرهم اخطاره

ما أولع الأخطار بالأقدار

بيض يريك جمالهم وجلالهم

تم البدور عشية الإسرار

يكسو ظلام الليل نور وجوههم

لون الشموس وزينة الأقمار

شرعوا بصافية الفخار وخلفوا

للواردين تكفف الاسآر

يلقى العفاة بغير من منهم

كالصبح مبتسما بوجه الساري

خطباء ان شهدوا الندي ترى لهم

فيه شقاشق فحله الهدار

فاذا هم شهدوا الكريهة أبرزوا

غلبا تجعجع بالفريق ضواري

فان احتبى بهم الظلام رأيت

في المحراب سجع نوائح الأسحار

هادون في طول القيام كأنهم

بين السواري الجامدات سواري

ويبيت ضيفهم بأنعم ليلة

لم يحص عدتها من الأعمار

للكون من أنفاسهم طيب الشذى

أرجا كجيب الغادة المعطار

ما شئت من نسب وعظم جلالة

فانسب وقل تصدق بغير عثار

وحياة نفس فضلهم لو لم تكن

تدلى مصائبهم لها ببوار

وكفاك لو لم تدر الا كربلا

يوم ابن حيدر والسيوف عواري

أيام قاد الخيل توسع شأوها

من تحت كل شمردل مغوار

يمشون في ظل السيوف تبخترا

مشي النزيف معاقراً لعقار

وتناهبت أجسادهم بيض الظبى

فمسربل بدم الوتين وعارى

٢٢٨

وانصاع نحو الجيش شبل الضيغم

الكرار شبه الضيغم الكرار

يوفي على الغمرات لا يلوي به

فقد الظهير وقلة الأنصار

يلقى الألوف بمثلها من نفسه

فكلاهما في فيلق جرار

غيران يبتدر الصفوف كأنه

يجري واياها إلى مضمار

أمضى من الليث الهزبر وقد نبا

رمح الكمي وصارم المغوار

متمكن في السرج غرب لسانه

في الجمع مثل حسامه البتار

حتى أتته من العناد مراشة

شلت يد الرامي لها والباري

وهوى فقل في الطود خر فاصبح

الرجفان عم قواعد الأقطار

بأبي وأمي عافرون على الثرى

اكفانهم نسج الرياح الذاري

تصدى نحورهم فينبعث الشذى

فكأنما تصدى بمسك داري

ومطرحون يكاد من أنوارهم

يبدو لعينك باطن الأسرار

نفست بهم أرض الطفوف فاصبحت

تدعى بهم بمشارق الأنوار

بالبيت أقسم والركاب تحجه

قصدا لأدكن قالص الأستار

لولا الأولى من قبل ذاك تبرموا

نقضاً لحكم الواحد القهار

لم يلف سبط محمد في كربلا

يوماً بهاجرة الظهيرة عار

تطأ الخيول جبينه وضلوعه

بسنابك الايراد والاصدار

كلا ولا راحت بنات محمد

يشهرن في الفلوات والأمصار

حسرى تقاذفها السهول إلى الربى

وتلفها الأنجاد بالأغوار

ما بعد هتكك يا بنات محمد

في الدهر هتك مصونة من عار

قدر أصارك للخطوب درية

هو في البرية واحد الأقدار

يا طالبا بالثار وقيت الردى

طال المقام على طلاب الثار

٢٢٩

يا مدرك الأوتار قد طال المدى

طال المدى يا مدرك الأوتار

يا ابن النبي وخير من علقت به

كف الولي ووالد الأبرار

أنا عبدكم ولكم ولاي وفيكم

أملي ونحو نداكم استنظاري

وقال من قصيدة :

أهاب به الداعي فلباه اذ دعا

وكان عصي الدمع فانصاع طيعا

عصى دمعه حادي المطايا فمذ رأى

بعينيه ظعن الحي أسرع ، اسرعا

فبادر لا يلوي به عذل عاذل

إذا قيل مهلا بعض هذا تدفعا

ظعائن تسري والقلوب بأسرها

على أثرها يجرين حسرى وطلعا

وبالنفس أفدي ظاعنين تجلدي

لبينهم قبل التودع ودعا

مضوا والمعالي الغر حول قبابهم

تطوف الجهات الست مثنى ومربعا

سروا وسواد الليل داج وشعشعت

على لونه أنوارهم فتشعشعا

يحل الهدى أنى يحلون والندى

فان اقلعوا لا قدر الله أقلعا

مصاليت يوم الحرب رهبان ليلهم

بوارع في هذا وفي ذاك خشعا

ترى الفرد منهم يجمع الكل وصفه

كمالا كأن الكل فيه تجمعا

رمت بهم نحو العلا المحض عزمه

لو الطود وافاها وهي وتصدعا

عشية أمسى الدين دين أمية

وأمسى يزيد للبرية مرجعا

وهل خبرت فيما تروم أمية

بأن العلا لم تلف للضيم مدفعا

وقد علمت أن المعالي زعيمها

حسين إذا ما عن ضيم فافزعا

رأى الدين مغلوباً فمد لنصره

يمين هدى من عرصة الدين أوسعا

٢٣٠

فأوغل يطوي الكون ليس بشاغل

على ما به من كف علياه اصبعا

تجر من الرمح الطويل مزعزعاً

ويمضي من السيف الصقيل مشعشعا

مطلا على الأقدار لو شاء كفها

فجاءته تترى حسبما شاء طيعا

فالقى ببيداء الطفوف مشمراً

إلى الموت لن يخشى ولن يتروعا

وقامت رجال للمنايا فارخصوا

نفوسا زكت في المجد غرسا ومنبعا

تفرع من عليا قريش فان سطت

رأيت أخا ابن الغاب عنها تفرعا

بدور زهت أفعالهم كوجوههم

فسرتك مرأى اذ تراها ومسمعا

أبوا جانب الورد الذميم واشرعوا

مناهل اضحى الموت فيهن مشرعا

فاكسبها المجد المؤثل ابلج

غشى نوره جنح الدجى فتقشعا

فتنثر أوصال الكمي سيوفها

وتنظم بالرمح الويل المدرعا

إلى أن ثووا صرعى الغداة كأنهم

ندامى سقوا كأساً من الراح مترعاً

واقبل ليث الغاب يحمي عرينه

ببأس من العضب اليماني اقطعا

يكر فتلقى الخيل حين يروعها

مضامين سرب خلفها الصقر زعزعا

يصرف آحاد الكتيبة رأيه

فلا ينتقى إلا الكمي المقنعا

بطعن يعيد الزوج بالضم واحداً

وضرب يعيد الفرد بالقطع أربعا

ولما رمت كف المقادير رميها

وحان لشمل الدين أن يتصدعا

بدى عن سراة السرج يهوي كأنما

جبال شرورى من علاها هوت معا

وراح بأعلى الرمح يزهو كريمه

كبدر الدجى اذ تم عشراً وأربعا

٢٣١

وعاثت خيول الظالمين فأبرزت

كرائم أعلى أن تهان وارفعا

ثواكل لم يبق الزمان لها حمى

يكن ولم يترك لها الدهر مفزعا

تكاد إذا ما اسبلت عبراتها

تعيد الثرى من وابل الدمع مربعا

وكادت إذا ما أشعلت زفراتها

بأنفاسها يغدو لها الروض بلقعا

فما الفاقدات الألف شتت جمعها

غداة النوى أيدي العداة ووزعا

بأوهى قوى منها وأشجى مناحة

وأضرم احشاءاً واضيع أدمعا

نوائح من فوق الركاب كأنها

حمام نأى عنه الأليف فرجعا

سبايا يلاحظن الكفيل مصفداً

وأطفالها في الأسر غرثى وجوعا

وأسرتها الحاملون للبيض مطعما

وأموالها في النهب للقوم مطمعا

إلى الله أشكو معشراً ضل سعيها

فجاؤوا بها شنعاء تحمل اشنعا

جزى الله قوماً قبلها مهدوا لهم

عن المصطفى شر الجزاء وافظعا

فاقسم لولا السابقون وما أتوا

به قبل هذا ما ادعاها من ادعى

ولا راح يدعى في الانام خليفة

يزيد فيعطي من يشاء ويمنعا

ولا راح يوم الطف سبط محمد

لدى القوم مطلول الدماء مضيعا

وكانت بنو حرب أذل وجمعها

أقل وما شمت به العز أجدعا

فقامت على رغم المعالي أمية

بنقض الذي قد أبرم الدين ولعا

خليلى قولا وانصفا واسألا الذي

تبرعها عن أي وجه تبرعا

بأي بلاء كان منه أغصه

بمر المنايا مقدما فتجرعا

فباتت له ترعى الغوائل لا ترى

له مضجعاً إلا تمنته مصرعا

وما ضربت في الفضل أيام شركها

بسهم ولا قامت مع القوم مجمعا

٢٣٢

بني المصطفى يا خير من وطئ الحصى

وأكرم من لبى وطاف ومن سعى

ويا خير من أم المروعات ركنه

فآمنها منا وراع المروعا

ويا خير من امته غرثى سواغباً

فاطعمها عذب النوال فاشبعا

ويا خير من جاءته ظمئ نواهلا

فاصدرها ريا القلوب فانقعا

ويا خير من يرجو المسيؤون عفوه

فأولى به الصفح الجميل وأوسعا

سما رزؤكم كل الرزايا كما سما

على كل مجد مجدكم وترفعا

فاحرزتم الغايات في كل حلبة

فقصر عن مسعاكم كل من سعى

سوابق في الهيجا سوابق في الندى

سوابق ان صد الخصام المشيعا

مصابكم أضنى الفؤاد من الأسى

وازعج عيني ان تنام فتهجعا

٢٣٣

الشيخ هادي النحوي

المتوفى ١٢٣٥

هذي الطفوف فسلها عن أهاليها

وسح دمعك في أعلى رواسيها

ومدها بدم الأجفان إن نفدت

دموع عينيك أو جفت مآقيها

وقف على جدث السبط الشهيد وقل

سقاك رائحها من بعد غاديها

فديت بالروح مني أعظما سكنت

ذيالك الرمس في نائي مواميها

لهفي لناء عن الأوطان منتزح

عليه سدت من الدنيا نواحيها

لهفي لثاو رمت أيدي الخطوب به

بأرض كرب البلا أقصى مراميها

ثوي قتيلاً بشط الغاضرية ظمآن

الفؤاد فلا ساغت مجاريها

خلواً عن النصر يدعو لا مجيب له

سوى حدود شفار من مواضيها

من بعد ما تركت بالرغم نجدته

كأنها في رباها من أضاحيها

طوبى لها بذلت للقتل مهجتها

وعندها إن ذاك القتل يحييها

وآذنت للفنا في ذات سيدها

واستبدلت بجوار عند باريها

٢٣٤

ما ضرها بز أثواب وأردية

والله من حلل الرضوان كاسيها

آه لما حل ذاك اليوم من نوب

ومن خطوب بنو الهادي تعانيها

هاتيك أبدانهم صرعى مطرحة

تضيء من نورها السامي دياجيها

أفدي جسوما على الرمضاء قد كسيت

أكفان ترب أكف الريح تسديها

أفدي رؤوساً على الخرصان قد رفعت

لم يثنها القتل إن تتلو مثانيها

فيالها وقعة بألطف ما ذكرت

إلا وقد بلغت روحى تراقيها

ويالها قرحة لم تندمل أبداً

بل كل يوم يد التذكار تدميها

لله أنجم سعد خر طالعها

لله أقمار تم غاب هاديها

لله أطواد حلم هد شامخها

لله أبحر علم غار جاريها

لله أي شموس غاب شارقها

فأظلمت بعدها الدنيا وما فيها

لهفي على فتيات الطهر فاطمة

يهتفن بالسبط والأصدا تحاكيها

مسلبات على الأنضاء تندبه

ما أن عليها سوى نور يواريها

تقول يا كافل الأيتام بعدك من

أراء كافل أيتام وكافيها

يا أعبداً فتكت جهراً بسادتها

بئس العبيد الألى خانت مواليها

تلك الدماء الزواكي الطاهرات لقد

بددتم بربى الآكام جاريها

أقعدتم المجد في إزهاق أنفسها

وقد أقمتم ليوم الحشر ناعيها

أوسعتم كبد المختار جرح أسى

وقرحة بحشاه عز آسيها

سجرتم مهجة الكرار حيدرة

بقادح من زناد الوجد واريها

أودعتم قلب بنت المصطفى حزناً

مشبوبة لا يبوخ الدهر حاميها

أورثتم الحسن الزكي لهيب لظى

بين الجوانح كف البين تذكيها

حملتم كاهل الإسلام عبء جوى

تنهد من حمل أدناه رواسيها

فقبة المجد زعزعتم جوانبها

وقمة الفخر صوبتم أعاليها

٢٣٥

تباً لرأي بني حرب لقد تعست

منها الجدود وقد ضلت مساعيها

أما رعت ذمم المختار جدهم

ألم يكن لطريق الرشد هاديها

لهفي لمولى قضى في سيف جورهم

ظامي الحشاشة أفدي قلب ظاميها

لم حللوا قتله ظمآن ما علموا

بأن والده في الحشر ساقيها

أن المنابر لولا سيف والده

لم ترق يوماً ولا شيدت مراقيها

اليوم دين الهدى خرت دعائمه

وملة الحق جدت في تداعيها

اليوم ضل طريق العرف طالبه

وسد باب الرجافي وجه راجيها

اليوم عادت بنو الآمال متربة

اليوم بان العفا في وجه عافيها

اليوم شق عليه المجد حلته

اليوم جزت له العليا نواصيها

اليوم عقد المعالي أرفض جوهره

اليوم قد أصبحت عطلا معاليها

اليوم أظلم نادي العز من مضر

اليوم صرف الردى أرسى بواديها

اليوم قامت به الزهراء نادبة

اليوم آسية وافت تواسيها

اليوم عادت لدين الكفر دولته

اليوم نالت بنو هند أمانيها

ما عذر أرجاس هند يوم موقفها

والمصطفى خصمها والله قاضيها

ما عذرها ودماء أبناءه جعلت

خضاب أعيادها في راح أيديها

يا آل أحمد يا من محض ودهم

فرض على الخلق دانيها وقاصيها

يا سادتي أنتم سفن النجا وبكم

قد أنزل الله ( باسم الله مجريها )

خذوا إليكم أيا أزكى الورى نسباً

عذراء تمرح دلا في قوافيها

أمت إلى ربعكم تسعى على عجل

قد جاء طائعها يقتاد عاصيها

هادي بن احمد قد أهدى لكم مدحا

إن الهدايا على مقدار مهديها (١)

__________________

١ ـ عن البابليات.

٢٣٦

الشيخ هادي النحوي

هو ثاني أنجال الشيخ أحمد المتقدم ذكره في الجزء السابق ، كان يقيم في الحلة مع أبيه وأخيه الشيخ محمد رضا النحوي الشاعر المبدع ، وبعد وفاة والدهما استوطنا النجف الأشرف على عهد آية الله السيد بحر العلوم وله مطارحات مرتجلة مع أبيه وأخيه أثبتها العالم الأديب السيد أحمد العطار البغدادي المتوفى سنة ١٢١٥ هـ في كتابه المخطوط « الرائق » وكان من الفضلاء المبرزين والشعراء المجيدين طويل النفس للغاية وشعره حلو الانسجام بديع النظام وبعد وفاة السيد بحر العلوم رجع إلى الحلة حتى توفي فيها عن شيخوخة صالحة ونقل إلى النجف على أثر مرض عضال ألزمه الفراش مدة طويلة وعاقة عن قرض الشعر عدا مقاطيع قالها في أهل البيت (ع) يتضجر فيها مما يعانيه من الأوصاب والأسقام ويتوسل فيهم إلى الله تعالى بطلب الشفاء منها قوله في خطاب أمير المؤمنين (ع).

مولاي يا سر الحقائق

كم كشفت غطاءها

مولاي يا شمس المعارف

كم أنرت سناءها

مولاي يا باب العلوم

وأرضها وسماءها

يا قطب دائرة الوجود

فكم أدرت رحاءها

وبيوم خبير قد حملت

من الإله لواءها

فكشفت عن وجه النبي

محمد غماءها

٢٣٧

ولكم جلوت من الخطوب

ـ وقد دجت ـ ظلماءها

للعبد عندك حاجة

يرجو لديك قضاءها

أودت بجسمي علة

جهل الإساءة دواءها

والنفس قد تلفت أسى

وأتتك تشكو داءها

وافتك راجية فحقق

يا رجاي رجاءها

وله مخاطباً الإمام الكاظم موسى بن جعفر (ع) ومتوسلاً به :

أمولاي يا موسى بن جعفر ذا التقى

ومن بابه للناس باب الحوائج

أتيتك أشكو ضر دهر أصابني

وكدر من عيشي وسد مناهجي

وأخرجني عن عقر داري وجيرتي

وما كنت لولا الضيق عنهم بخارج

وقد طفت في كل البلاد فلم أجد

سواك لدائي من طبيب معالج

عسى عطفة فيها يروج لعبدكم

من الأمر ما قد كان ليس برائج

وكان متضلعاً في علمي الرواية والدراية والحديث حافظاً للسير والآثار حتى لقب بـ « المحدث » : رأيت له كلمة نثرية وقطعة شعرية يقرض فيها رسالة « تحريم التمتع بالفاطميات » للعالم الكبير السيد شبر بن محمد بن ثنوان الموسوي الحويزي ـ أحد أعلام القرن الثاني عشر ـ وعليها تقاريض جماعة آخرين من العلماء منهم والد المترجم الشيخ أحمد والشيخ خضر بن يحيى المالكي والشيخ علي بزي العاملي والسيد عبدالعزيز النجفي ، أما أبيات المترجم التي يقرض فيها الرسالة فهي قوله بعد النثر :

هيهات أن يبلغ المثني عليه ولو

أضحى له الخلق في نشر الثنا مددا

فياله عالماً بالشرع ذا ورع

للشرع والعلم أضحى ساعدا ويدا

٢٣٨

أن صار قرة عين العلم لا عجب

من سيد قد غدا للمرتضى ولدا

لولاه أصبح هذا الحكم مطرحا

وجل أحكامنا لولاه صرن سدى

إن شمت أخلاقه الحسنى علمت بها

هو الإمام ولكن للإله ( بدا )

وقد كتب تحتها بقلمه ما صورته ـ وكتب أقل الطلبه محمد هادي المحدث ولد الشيخ أحمد النحوي.

وهناك قصيدة على قافية الراء نظمها الشاعر في رثاء الإمام الحسين (ع) واشترك معه في النظم أبوه المرحوم الشيخ أحمد النحوي ومطلع هذه المرثية :

قفوا بالمطايا ساعة أيها السفر

عسى النجح يدنينا ويسعفنا النصر

وقال في آخرها :

فيا ابن رسول الله وابن وصيه

ومن نزلت في مدحه ( الحج ) و ( الحجر )

أتتك عروس الشعر تبكي حزينة

وليس لها إلا قبولكم مهر

بها الفوز يرجو يا ابن أحمد ( أحمد )

وأنت ( لهاد ) نجل أحمدكم ذخر

ووجدت من نظمه في أهل البيت (ع) قصيدتين لم أجدهما في كتب المراثي المطبوعة ولا في أكثر المجاميع المخطوطة وإنما نقلناها من « مجموعة المراثي الحسينية » بقلم ـ الوالد ـ ره ـ التي فرغ من نسخها عام ١٣٠٢ وأثبتنا ما اخترناه منهما في كتابنا هذا حذراً عليهما من التلف والضياع

٢٣٩

وإليك الاول منها في رثاء سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه‌السلام انتهى عن البابليات.

وقال مقرضاً تخميس أخيه الأكبر الشيخ محمد رضا على البردة البوصيرية سنة ١٢٠٠ وقد تقدم ذكره في ترجمته.

ذي زبدة الشعر بل ذي نخبة الأدب

أستغفر الله من زور ومن كذب

تقاصر الشعران يجري لغايتها

وهل يجاري جياد الخيل ذو خبب

قد أصبحت خير مدح في الزمان كما

قد كان ممدوحها في الكون خير نبى

بدت وتيجانها مدح الحبيب كما

بدت لنا ألراح في تاج من الحبب

غادرت ( قساً ) غبياً في بلاغته

وذاك أمر على الأفهام غير غبى

فيالراح سكرنا من شميم شذى

عبيرها وهي في الأستار والحجب

قد سمطوا وأجادوا حسب ما بلغوا

لكن في الخمر معنى ليس في العنب

فالبعض كاد يوشى ثوب « بردتها »

والبعض جاءوا عليه بالدم الكذب

ما أنشدت قط في سمع وفي ملأ

إلا وقامت مقام الذكر والخطب

ولا تجلت لذى شك وذي ريب

إلا وجلت ظلام الشك والريب

ولا بدت في دجى الأنفاس ساطعة

إلا وخلنا هبوط البدر والشهب

ولا شدا قط في ناد أخو طرب

إلا وقلنا بها يشدو أخو الطرب

لله معجزة حار الأنام بها

كأنها حين تتلى واحد الكتب

أنى أكاد أقول الوحي أنزلها

لو كان يبعث من بعد النبي نبي

تبارك الله ما فضل بمنتحل

تبارك الله ما وحي بمكتسب

٢٤٠