أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٦

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٦

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

ومن مساجلاته مع أستاذه السيد صادق الفحام وهو في قرية ( الحصين ) قوله (١) :

يا أديباً على الفرزدق قد

ساد بأحكام نظمه وجرير

وبسر الحديث آثره الله

فأوفى علا على ابن الأثير

وبعلم اللغات فاق كثيراً

من ذويها فضلا عن ابن كثير

بك روض الآداب عاد أريضاً

ذا غدير يروي الظما نمير

ورقيق القريض أضحى رقيقا

لك لا ينتهي إلى تحرير

وإذا ما حررت طرزت بترداً

ظل عنه المطرزي والحريري

حجج قصر ابن حجة عنها

ودجا ليلها على ابن منير

لك نثر سما الدراري ونظم

فاق در المنظوم والمنثور

حلم قيس واحنف نجل قيس

طلت فيه العلى ورأي قصير

خلق كالرياض دبجها الطل

بند فعبرت عن عبير

وعلوم لو قيست الأبحر

السبعة فيها ازرت بفيض البحور

ومزايا لو رمت إحصاء ما أو

ليت منها لم أحص عشر العشير

فقليلي ولو حرصت سواء

حين أسمو لعدها وكثيري

فتجشمت خطة لو سما

الطرف إليها لرد أي حسير

عالماً أنني وإن طال مدحي

وثنائي عليك ذو تقصير

غير أني أقول لا يسقط

الميسور فيما يراد بالمعسور

فخذ العفو وأعف عوفيت عنى

لقليل أنهيته من كثير

__________________

١ ـ شعراء الحلة للخاقاني ج ٥ ص ٣٢.

١٦١

فكتب له الجواب على الروي والقافية :

أيها الناقد البصير ولا فخر

وما كل ناقد ببصير

والمجلي لدى السباق إذا صالت

جياد المنظوم والمنثور

والذي قد طوى بنشر بديع

النظم ذكر الطائي دهر الدهور

وبه باقلا غدا مثل سحبان

وأمثال جرول وجرير

وبه ابن العميد بات عميداً

ذا غناء كالعاشق المهجور

وبه أصبح ابن عباد في الآداب

عبداً لم يسم للتحرير

وابن هاني لم يهنه العيش واسود

منير الرجا من ابن منير

وغدا ابن النبيه غير نبيه

وتحامى البوصيرة البوصيري

والتهامي راح يتهم الفس

بدعوى التبرير في التحبير

والسلامي لم يعد بسلام

بعد تعريفه من التنكير

والرضي الشريف لم يرض في

ملحمة النظم غيره من أمير

والصفي الحلي لم ير عيشا

مذ نشا صافياً من التكدير

وابن حجر الكندي ألقم فيه

حجراً بعد سبقه المشهور

ومعيد الذماء (١) من بارع الآداب

بعد انطماسه والدثور

وربيب المجد الذي دان

في الفضل له كل فاضل نحرير

ومجلي غياهب الشك واللبس

بنود البيان والتحرير

وجواداً للسبق جلى أخيراً

فشأى كل أول وأخير

قد أتانا منكم فريد نظام

تتحلى به نحور الحور

كيف قلدتم به جيد من لم

يك في العير لا ولا في النفير

ذاك فضل منكم وإن كثيراً

ما بعثتم إلى الأقل الحقير

__________________

١ ـ الذماء : بقية الروح.

١٦٢

وقال مراسلا (١) :

كتبت وكم تحدر من دموعي

على وجنات قرطاسي سطور

إلى عين الحياة حياة نفسي

ومن هو في سواد العين نور

عتبت عليك يا أملي وإني

عليك بما عتبت به جدير

جفوت وكنت لا تجفو ولكن

هي الأيام دولتها تدور

وغيرك الزمان وجل من لا

تغيره الحوادث والدهور

وغرك ما ازدهاك وكنت نعم

الخليل المصطفى لولا الغرور

سأصبر ما أطاق الصبر قلبي

فإن الحر في البلوى صبور

فلا تغتر فليس الدهر يبقى

على حال سيعدل أو يجور

فإن الليل يظلم حين يبدو

ويسفر بعده صبح منير

وإن الماء يكدر ثم يصفو

ويخبو ثم يلتهب السعير

وإن الغصن يذبل ثم يزهو

وتنكسف البدور وتستنير

وإن الهم يقتل حين يبقى

ويعقبه فيقتله السرور

ومقصوص الجناح يمر يوم

عليه من الزمان به يطير

وقال :

قفوا قبل لوشك البين يبعدكم عنا

نودعكم والقلب من أجلكم مضنى

قفوا نسكب الدمع الهتون صبابة

على صبوة نلنا بها الأرب ألاهنا

__________________

١ ـ شعراء الحلة ، للخاقاني ج ٥ ص ٣٤.

١٦٣

هلموا إلى العهد الذي كان بيننا

قديماً فإن حلتم فوالله ما حلنا

رحلتم فجسمي مبعد معذب

عقيبكم والقلب عندكم رهنا

بعدتم فلا ندري أبالوصل نحتضي

أم الفصل محتوم فياليت ما كنا

فجودوا وعودوا وارحموا اليوم حالنا

فما عنكم مغنا ولا شاقنا مغنى

ساذكركم حتى أموت وإنني

أحن إذا ما الليل بي سحراً جناً

أيا سائق الأضعان مزقت خاطراً

رويداً لعلي باللقا ساعة أهنا

فيامهجتي ذوبي أسى لفراقهم

ويا مقلتي سحي الدماء لهم حزنا

رحلتم أحبائي وكنت بإنسكم

أنيساً وإني الآن خلفكم مضنى

فلو تعلمون اليوم حالي رحمتم

نحيلاً أقاسي الموت ياليتني أفنى

فما الليل إلا من غمومي سواده

وذا الغيم من دمعي غدا يسكب المزنا

وما الفجر إلا من بياض مفارقي

وما الورق إلا من حنيني قد حنا

وقد سائني لما وقفت بداركم

أظنكم فيها فأخلفتم الظنا

فعاينتها قفرا أضر بها النوى

فقمت بها أبكيكم بدم أقنا

فياطول حزني بعدكم وصبابتي

فما عبرتي ترقى ولا مقلتي وسنا

كفى حزناً ان الشرايع عطلت

وأن عداة الشرع أفنوكم ضغنا

بني الوحي عودوا للمساجد والدعا

وقوموا بها بالذكر في الليلة الدجنا

بني الوحي عودوا للمدارس أصبحت

دوارس فيها اليوم بعدكم سكنا

بني الوحي عودوا اللمنابر وانظروا

عليها العدا تهديكم السب واللعنا

بني الوحي جرعنا بفاضل صابكم

ونلنا العنا لما بكم سادتي لذنا

فنستر ما قلتم ونبدي خلافه

كأن إله العالمين له سنا

سأندبكم حتى تقوم قيامتي

وأعدل من عذل العذول إذا شنا

١٦٤

وقال يمدح الامام المهدي عليه‌السلام وقد أنشأها في سر من رأى :

أريحا فقد أودى بها السير والوخد

وقولا لحادي العيس إيهاً فكم تحدو

طواها الطوى في كل فيفاء ماؤها

سراب وبرد العيش في ظلها وقد

تحن إلى نجد وأعلام رامة

وما رامة فيها مرام ولا نجد

وتلوي على بان الغدير ورنده

ولا البان يلوي البين عنها ولا الرند

وتصبو إلى هند ودعد على النوى

وما هند تشفي ما أجنت ولا دعد

( هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى )

وما قصدها حيث اختلفنا هو القصد

هم آل ياسين الذين ضفا لهم

من المجد يرد ليس يسمو له برد

ربينا بنعماهم وقلنا بظلهم

وعشنا بهم والعيش في ظلهم رغد

إليكم بني الزهراء أمت مغذة

عراب المهارى والمسومة الجرد

قطعن بها غور الفلاة ونجدها

فيخفضنا غور ويرفعنا نجد

فقبلن أرضا دون مبلغها السما

وسفن ترابا دون معبقه الند

فيا بن النبي المصطفى وسميه

ومن بيديه الحل في الكون والعقد

ومن عنده علم الذي كان والذي

يكون من الإثبات المحو من بعد

اليك حثثناها خفافاً عيابها

على ثقة أن سوف يوقرها الرفد

فألوت على دار أناخ بها الندى

وألقى عليها فضل كلكله الجد

إلى خلق كالروض وشحه الحيا

يغار إذا استنشقته الغار والرند

فعوجا فهذا السر من سر من رأى

يلوح فقدتم الرجا وانتهى القصد

وهاتيك ما بين السراب قبابهم

فآونة تخفى وآونة تبدو

فعرج عليها حيث لا روض فضلها

هشيم ولا ماء الندى عندها ثمد

١٦٥

ورد دارها المخضلة الربع بالندى

ترد جنة للوفد طاب بها الخلد

وطف حيث ما غير الملائك طائف

لديها وجبريل بأفنائها عبد

وسل ما تشامن سيب نائلهم فما

لسائلهم إلا بنيل المنا رد

هم القوم آثار المعارف منهم

على جبهات الدهر ما برحت تبدو

هم علة الإيجاد بدءاً ومنتهى

وما قبلهم قبل وما بعدهم بعد

تباعدت عنكم لا ملالا ولا قلى

ولكن برغمي عنكم ذلك البعد

وجئتكم والدهر عضت نيوبه

علي وعهدي وهي عني بكم درد

فكن لي يا اسكندر العصر معقلا

وكهفا يكن بيني وبين الردى سد

إلى كم نعادي من وددناه رقبة

وخوفا ونصفي الود من لا له ود

( ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى )

صديقا يعاديه لخوف عدى تعدو

وانكد من ذا أن يبيت مصادقا

( عدواً له ما من صداقته بد ) (١)

وفي النفس حاجات وعدتم بنجحها

وقد آن يا مولاي أن ينجز الوعد

فدونكما فضفاضة البرد ما سما

بنعتك ( بشار ) إليها ولا ( برد )

على أنها لم تقض حقاً وعذرها

بأن المزايا الغر ليس لها حد (٢)

__________________

١ ـ البيت من أمثال المتنبي.

٢ ـ عن الجزء الخامس من شعراء الحله أو البابليات للخاقاني ص ٢٩ كما رواها السيد الأمين في الأعيان ، أما الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) فقد نسبها للشيخ أحمد النحوي.

١٦٦

وقال مخمساً قصيدة السيد نصر الله الحائري التي قالها في بناء قبة أميرالمؤمنين عليه‌السلام :

إلى كم تصول الرزايا جهارا

و توسعنا في الزمان انكسارا

فيا من على الدهر يبغى انتصارا

إذا ضامك الدهر يوما وجارا

فلذ بحمى امنع الخلق جارا

تمسك بحب الصراط السوي

أخي الفضل رب الفخار الجلي

إمام الهدى ذو البهاء البهي

علي العلي وصنو النبي

وغيث الولي وغوث الحيارى

جمال الجمال جلال الجلال

جميل الخصال حميد الخلال

بعيد المنال عديم المثال

هزبر النزال وبحر النوال

وشمس الكمال التي لا توارى

فياقبة زانها مشهد

لمن فضله الدهر لا يجحد

سنا نورها في الورى يوقد

هي الشمس لكنها مرقد

لظل المهيمين عز اقتدارا

هي الشمس من غير حر يذيب

ولا ضير للمنتأي والقريب

لقد طالعتنا بأمر عجيب

هي الشمس لكنها لا تغيب

ولا يحسد الليل فيها النهارا

هي الشمس جلت ظلام العنا

وبشرنا سعدها بالمنى

فلا الليل يسترها إن دنا

ولا الكسف يحجب منها السنا

ولم تتخذ برج نحس مدارا

١٦٧

هي الشمس تبهر في حسنها

وتهدي لذي اليمن في يمنها

وتمحو دجى الخوف من أمنها

هي الشمس والشهب في ضمنها

قناديلها ليس تخشى استتارا

بدت وهي تزهو بتبرية

منمقة أرجوانية

شقيقة حسن شقيقة

عروس تحلت بوردية

ولم ترض غير الدراري نثاراً

هوت نحوها الشهب غب ارتفاع

لتعلو بتقبيل تلك البقاع

ولم ترعن ذا الجناب اندفاع

فها هي في قربها والشعاع

جلاها لعينيك در صفارا

عروس سبت حسن بلقيسها

وعم الورى ضوء مرموسها

زهت فزها حسن ملبوسها

بدت تحت أحمر فانوسها

لنا شمعة نورها لا يوارى

هي الشمع ضاء بأبهى نمط

وقد قميص الدياجي وقط

كفانا سنا النور منها نقط

هي الشمع ما احتاج للقط قط

ولا النفخ اطفأه مذ أنارا

جلا للمحب جلا كربه

وأهدى الضياء إلى قلبه

ترفرف شوقا إلى قربه

ملائكة الله حفت به

فراشاً ولم تبغ عنه مطارا

فيا قبة شاد منها المحل

بعزفق للأعادي أذل

ولا عجب حيث فيها استقل

هي الترس ذهب ثم استظل

به فارس ليس يخشى النفارا

١٦٨

غمامة تبر جلت غمة

اطلت وكم قد هدت امة

ومرجانة بهرت قيمة

وياقوته خلطت خيمة

على ملك فساق كسرى ودارا

عقيق يفوق الحلى في حلاه

غداة تسامى بأعلى علاه

الى حيدر ليس تبغي سواه

ولم يتخذ غير عرش الآله

له معدناً وكفاه فخاراً

فكم قد عرتنا بها زهوة

لدى سكرة مالها صحوة

فقلت ولي نحوها صبوة

حميا الجنان لها نشوة

تسر النفوس وتنفي الخمارا

فيالك صهباء في ذا الوجود

تجلت أشعتها في السعود

ترى عندها الناس يقظى رقود

إذا رشفتها عيون الوفود

تراهم سكارى وما هم سكارى

هي الطود طالت بأعلى العلا

ولم ترض غير السهى منزلا

غدت لعلي العلى موئلاً

عجبت لها إذ حوت يذبلا

وبحراً بيوم الندى لا يبارى

فيا أيها التبر لما استتم

فخارا وركن العلى فاستلم

فما زلت أطلب برهان لم

وكنت أفكر في التبر لم

غلا قيمة وتسامى فخارا

وكيف غدا وهو مستطرف

وبين السلاطين مستظرف

مطل على هامهم مشرف

إلى أن بدا خوفها يخطف

النواظر مهما بدا واستنارا

فثم تسامى إلى نسبة

تسامى ونال علا رتبة

١٦٩

ولم يخش في الدهر من سبة

وما يبلغ الدهر من قبة

بها علم الملك زاد افتخارا

فيا قبة نلت عزاً وجاه

وعين النضار بك اليوم تاه

ومع حسنها فهي عين الحياه

ومذ كان صاحبها للأله

يدان يدا نعمة واقتدارا

يرى الركب ان ضل حاديهم

يداً في علاها تناديهم

لها آية الفتح تهديهم

يد الله من فوق أيديهم

بدت فوق سر طوقها لا تبارى

يد ربح البذل في سوقها

ترى البذل أحسن معشوقها

تسامت إلى أوج عيوقها

وقد رفعت فوق سرطوقها

تشير إلى وافديها جهارا

١٧٠

السيد جواد العاملي

وافى المشيب مهجهجاً ومخبراً

اني بلغت من الطريق الأكثرا

فلئن صبوت لاصبون تكلفاً

ولئن جذلت لأجذلن مكدراً

وخدور مثلك يا أميم هجرتها

وصحوت من سكر الهوى متبصرا

قد غرني دهري فنلت جرائماً

والدهر من عاداته أن يغدرا

أبكي وما في العمر ما يسع البكا

فالحزن أن أبكي الحسين لتغفرا

هذا الحسين ابن النبي وسبطه

أمسى طريحاً في الطفوف معفرا

هذي بنات محمد ووصيه

أمست سبايا ضائعات حسرا

أبكي على الأيتام عز كفيلها

مرعوبة يا للورى مما ترى

لهفي لزين العابدين مصفداً

يرنو النساء ولا يطيق المنظرا

لو أن فاطمة تشاهد ما جرى

أجرت من الآماق دمعاً أحمرا

فلتلبس الدنيا ثياب حدادها

فالنور نور الله غيب في الثرى

١٧١

السيد محمد جواد العاملي النجفي المتوفى ١٢٢٦.

هو السيد محمد جواد ابن السيد محمد بن محمد العاملي الشقرائي النجفي من كبار علماء الأمامية وفطاحل فقهائهم في هذا القرن.

ولد في شقراء من قرى جبل عامل في حدود ١١٦٠ ونشأ هنالك فقرأ بعض مقدمات العلوم ثم هاجر إلى العراق ولما ورد كربلاء على عهد الوحيد البهبهاني حضر على السيد الطباطبائي صاحب ( الرياض ) ثم حضر على الأستاذ الوحيد البهبهاني لازم بحثهما مدة حتى حصل قسطاً وافراً من العلم وعرف بالفضل وأجيز من البهبهاني فجاء إلى النجف وحضر على السيد مهدي بحر العلوم والشيخ الأكبر كاشف الغطاء والشيخ حسين نجف بقى ملازماً لأبحاثهم زمناً طويلاً ، وكتب له المحقق القمي صاحب « القوانين » إجازة من قم بتاريخ (١٢٠٦) والمعروف عنه إنه كان كثير الإنكباب على الاشتغال ، ولا يقدم على ذلك عملاً من الأعمال ولم تشغله حتى الحوادث. فقد صرح في آخر بعض مؤلفاته أنه فرغ والوهابي محاصر للنجف وأهلها مشغولون مع سائر العلماء بالدفاع وكانت له يد معهم في مباشرة الأمور وتهيئة اللوازم حتى انه كتب رسالة في ذلك. أخذ اسم المترجم يشتهر يوماً فيوماً حتى أصبح من مراجع عصره واستقل بالتدريس فتخرج عليه جم غفير من الأعلام الأجلاء كالشيخ جواد ملا كتاب والشيخ محمد حسن صاحب « الجواهر » والشيخ محسن الأعسم والشيخ الأغا محمد علي الهزار جريبي والسيد صدر الدين العاملي والشيخ مهدي ملا كتاب والسيد علي الأمين من بني عمه وولده السيد محمد وسبطه الشيخ رضا بن زين العابدين الأسدي الحلي والميرزا عبدالوهاب المجاز منه باجازة تاريخها (١٢٢٥) وغيرهم ممن لا يحصى ، قضى عمره الشريف بالتصنيف والتأليف والدرس والبحث وخدمة الدين إلى أن توفي

١٧٢

في (١٢٢٦) في النجف ودفن في الحجرة الثالثة من حجر الصحن الشريف من الجهة القبلية بين بابي الفرج والقبلة وترك آثاراً جليلة تدل على تحقيقه وتدقيقه وتبحره في الفقه والأصول وتتبعاته لأقوال الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين وما امتاز به من ضبط واتقان مع جودة الخط وأهم آثاره وأشهرها ( مفتاح الكرامة ) في شرح ( قواعد العلامة ) من خيرة أسفار المتأخرين جمع أكثر أبواب الفقه بأسلوب جيد وهو في اثنين وثلاثين مجلداً ألفه بأمر أستاذه كاشف الغطاء أيام اشتغاله عليه كما صرح به في أوله قال : امتثلت فيه أمر أستاذي الإمام العلامة الحبر الأعظم الشيخ جعفر جعلني الله فداه إلخ طبع أكثر هذا الكتاب في ثمان مجلدات ضخام ، سبع منها في مصر وطبع الثامن في دمشق بسعي العلامة السيد محسن بن عبدالكريم الأمين العاملي من أقارب المترجم في « ١٣٣٣ » وترجمة مفصلاً في آخر مجلد المتاجر وسرد نسبه إلى عيسى بن يحيى المحدث بن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام وله أيضاً شرح كتاب الطهارة من « الوافي » ألفه من تقريرات درس أستاذه الطباطبائي ، وألف من تقريره أيضاً حاشيته على كتاب التجارة من ( القواعد ) وجاشية كتاب الطهارة من المدراك وهي تقرير درس الشيخ حسين نجف وحاشية الدين والرهن من القواعد من تقرير أستاذه كاشف الغطاء وله حاشية أول ( تهذيب الأصول ) رأيت هذه الخمسة الأخيرة في مجموعة عند حفيده السيد عبدالحسين بن محمد ابن الحسن بن محمد ابن المؤلف وله رسالة في حكم العصيرين العنبي والتمري ألفهما بأمر أستاذه كاشف الغطاء وقرضها أستاذه الشيخ حسين نجف و ( الرحمة الواسعة ) في المضايقة والمواسعة ألفه بأمر أستاذه صاحب ( الرياض ) وحاشية على الروضة على كتاب المضاربة والوديعة والعارية والمزارعة والمساقاة والوصايا والنكاح والطلاق وهي على بعض ما مر غير تامة ورسالة في جواز العدول عن العمرة إلى الأفراد عند الضيق وشرح ( الوافية ) في الأصول مجلدان ورسالة في الشك في الشرطية والجزئية وأخرى في مناظرة شيخه كاشف الغطاء مع المحقق السيد محسن الأعرجي ومكاتباتهما في المسائل العلمية وتعليقه على مقدمة

١٧٣

الواجب من ( المعالم ) ورسالة في التجويد وأخرى في رد الإخباريين وثالثة في وجوب الذب عن النجف لأنها بيضة الإسلام وأخرى في حكم المقيم الخارج عن الترخص و ( أهل البراءة ) رأيته في ( مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء ) كما فصلته في ( الذريعة ) ج ٢ ص ١١٣ إلى غير ذلك وكان شاعراً له مدائح لأساتذته وأراجيز ثلاث في الخمس والزكاة والرضاع ذكرناها في الجزء الأول من ( الذريعة ) وذكر مشايخه في الرواية في إجازته للأغا محمد علي الهزار جريبي ورأيت إجازته للشيخ حسن بن محمد علي العبودي بخطه أشركه فيها مع ولده الشيخ محمد طاهر بن الحسن وتاريخها (١٢٢٥) وخلفه من ولده العلامة السيد محمد المذكور فقد خلف (١) السيد عباس الذي لم يعقب و (٢) السيد حسين و (٣) السيد حسن والد السيد جواد المعاصر الذي حدثني بذلك.

شعره في الرثاء :

تساور رزء فادح الخطب فاقم

فخرت من الدين القويم القوائم

سلوا يوم حفت بالحسين خيامهم

وليس لها إلا الرماح دعائم

فتى الحرب يغنيه عن الجيش بأسه

ويكفيه عن نصر النصير العزائم

يخرون لا لله إن كر سجداً

ولكن لماضيه تخر الجماجم

لك الله تستبقي وتردي جحافلاً

كأنك في الأعمار قاض وحاكم

لك الله مكثوراً أضر به الظما

ولا ورد إلا المرهفات الصوارم

فللسمر في الجنبين منه مشارع

وللنبل في الجنبين منه مطاعم

وفي الجسم منه للنصول مدارع

وفي الهام منه للمواضي عمائم

فخر على عفر الثرى عن جواده

وقامت عليه في السماء مآتم

وقد طبق الافلاك رزءاً مصابه

فما أحد منهم ـ خلا الله ـ سالم

وجل جلال الله ما ينبغي له

ولكن قلباً قد حوى الله واجم

فمن مبلغ الزهراء أن بناتها

أسارى حيارى ما لها اليوم راحم

أفاطم قومي يا بنة الطهر واندبي

يتاماك أو قتلاك فالخطب فاقم

١٧٤

ولسيدنا قصائد في الكتب المتضمنة لمرائي أهل البيت ، منها في الحسين قصيدته التي أولها :

زموا الركائب للرحيل وأزمعوا

فذرى الدموع مودع ومودع

وأخرى أولها :

عواد على الإسلام صال بها الكفر

فحتى م حتى م التجلد والصبر

وثالثة كان مطلعها :

صال الزمان بماضي الغرب مطرور

فأوسع المجد جرحاً غير مسبور

١٧٥

السيد محسن الاعرجي

المتوفي سنة ١٢٢٧

دموع بدا فوق الخدود خدودها

ونار غدا بين الضلوع وقودها

أتملك سادات الأنام عبيدها

وتخضع في أسر الكلاب أسودها

وتبتز أولاد النبي حقوقها

جهاراً وتدمي بعد ذاك خدودها

ويمسي حسين شاحط الدار دامياً

يعفره في كربلاء صعيدها

وأسرته صرعى على الترب حوله

يطوف بها نسر الفلاة وسيدها

قضوا عطشاً يا للرجال ودونهم

شرائع لكن ما أبيح ورودها

غدوا نحوهم من كل فج يقودهم

على حنق جبارها وعنيدها

يعز على المختار أحمد أن يرى

عداها عن الورد المباح تذودها

تموت ظماً شبانها وكهولها

ويفحص من حر الاوام وليدها

تمزق ضرباً بالسيوف جسومها

وتسلب عنها بعد ذاك برودها

وتترك في الحر الشديد على الثرى

ثلاث ليال لا تشق لحودها

وتهدى إلى نحو الشئام رؤوسها

وينكتها بالخيزران يزيدها

أتضربها شلت يمينك إنها

وجوه لوجه الله طال سجودها

ويسرى بزين العابدين مكبلا

تجاذبه السير العنيف قيودها

بنفسي أغصاناً ذوت بعد بهجة

واقمار تم قد تولت سعودها

وفتيان صدق لا يضام نزيلها

وأسياف هند لا تفل حدودها

حدا بهم الحادي فتلك ديارهم

طوامس ما بين الديار عهودها

١٧٦

كأن لم يكن فيها أنيس ولم تكن

تروح لها من كل أوب وفودها

أبا حسن يا خير من وطئ الثرى

وسارت به قب المهاوي وقودها

أتصبح يا مولى الورى عن مناصب

الخلافة مدفوعاً وأنت عميدها

واين بنو سفيان من ملك أحمد

وقد تعست في الغابرين جدودها

أتملك أمر المسلمين وقد بدا

بكل زمان كفرها وجحودها

ألا يا أبن هند لا سقى الله تربة

ثويت بمثواها ولا أخضر عودها

أتسلب أثواب الخلافة هاشماً

وتطردها عنها وأنت طريدها

وتقضي بها ويل لأملك قسوة

إلى فاجر قامت عليه شهودها

فواعجباً حتى يزيد ينالها

وهل دابه إلا المدام وعودها

وواحزناً مما جرى لمحمد

وعترته من كل أمر يكيدها

يسودها الرحمن جل جلاله

وتأبى شرار الخلق ثم تسودها

فما عرفت تالله يوماً حقوقها

ولا رعيت في الناس يوماً عهودها

وما قتل السبط الشهيد ابن فاطم

لعمرك إلا يوم ردت شهودها

يميناً برب النهي والأمر ما أتت

بما قد أتوه عادها وثمودها

وما أن أرى يطفي الجوى غير دولة

تدين لها في الشرق والغرب صيدها

تعيد علينا شرعة الحق غضة

وتزهر بها الدنيا وتعلو سعودها

أما والذي لا يعلم الغيب غيره

لئن ذهبت يوماً فسوف يعيدها

وتقدم من أرض الحجاز جنودها

وتخفق في أرض العراق بنودها

فعجل رعاك الله ان قلوبنا

يزيد على مر الليالي وقودها

وتلك حدود الله في كل وجهة

معطلة ما أن تقام حدودها

عليك سلام الله ما انسكب الحيا

وأبقلت الأرضون واخضر عودها

١٧٧

السيد محسن الاعرجي

السيد محسن بن الحسن بن مرتضى الأعرجي الكاظمي المعروف بالمحقق الكاظمي والمحقق البغدادي صاحب المحصول والوسائل ، توفي سنة ١٢٢٧ وقد ناف على التسعين وقيل في تاريخ وفاته : بموتك محسن مات الصلاح. ودفن في الكاظمية وقبره مزور وعليه قبة.

عالم فقيه محقق مدقق مؤلفاته مشهورة زاهد عابد تقي ورع جليل القدر وهو صاحب كتاب ( المحصول في الأصول ) و ( الوافي في شرح وافية ملا عبدالله التوني ) و ( شرح مقدمات الحدائق ) وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال :

السيد محسن بن السيد حسن بن مرتضى بن شرف الدين بن نصر الله بن زرزور ابن ناصر بن منصور بن أبي الفضل النقيب عماد الدين موسى بن علي بن أبي الحسن محمد بن عماد بن الفضل بن محمد بن أحمد البن بن محمد الأشتر (١) الحسيني الأعرجي الكاظمي. ولد ببغداد سنة ١١٣٠ هـ وكان من العلماء المحققين والفقهاء المقدسين الزاهدين العابدين. أخفى علمه الجم وجود أقطاب العلماء الأعلام ومراجع التقليد العظام ، وكان أديباً شاعراً له نظم كثير مثبت في المجاميع المخطوطة ومن شعراء العلماء الثمانية عشر الذين قرضوا القصيدة الكرارية لابن فلاح الكاظمي في مدح أميرالمؤمنين ، حج بيت الله الحرام سنة ١١٩٩ هـ وكان سفره مع العلماء الذين ساروا بركب الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ومن العلماء السيد

__________________

١ ـ ابن عبيدالله بن علي الصالح بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر ابن الامام زين العابدين علي ابن الحسين.

١٧٨

محمد جواد صاحب مفتاح الكرامة والشيخ محمد علي الأعسم ونظرائهم.

أساتيذه :

تتلمذ على الأغا محمد باقر البهبهاني المتوفى سنة ١٢٠٥ هـ وعلى السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي واجازه. وتتلمذ عليه جمهرة من العلماء منهم الشيخ عبدالحسين الأعسم المتوفى سنة ١٢٤٦ هـ والشيخ إبراهيم الكلباسي المتوفى سنة ١٢٦١ هـ.

مؤلفاته :

ألف كتاب الرسائل في الفقه في عدة مجلدات وهو كتاب متين وكانت أساتذتنا تقول : هو أحسن ما كتب وكتاب المحصول وكتاب الوافي وشرح مقدمات الحدائق والعدة في الرجال لم يتم ، خرج منه الفوائد الرجالية.

توفي في الكاظمية ودفن بها في داره سنة ١٢٢٧ هـ.

وفي الذريعة ـ قسم الديوان : ديوان السيد محسن بن الحسن الشهير بالمقدس الأعرجي الكاظمي صاحب المحصول والعدة في الرجال وغيرهما من التصانيف ترجمة سيدنا الحسن الصدر في ( ذكرة المحسنين ) وقال : إن في ديوانه أشعار رائقة في المراثي وغيرها ، كما كتب السيد الخوانساري عنه في ( روضات الجنات ) وكتب عنه البحاثة العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين سلمه الله في مجلة البلاغ الكاظمية عدد ٧ من السنة الرابعة وذكر له ٢٠ مؤلفاً.

وجاء في بعض المجاميع المخطوطة قصيدته الميمية مقرضاً بها الكرارية مطلعها :

فضل تكل بحصره الأقلام

وتهيم في بيدائه الأوهام

ومناقب شهد العدو بفضلها

فضل الامام فما عليك ملام

قد حزت آيات السباق بأسرها

طفلا وما أعيى عليك مرام

وشأوت أرباب القريض جميعهم

فغدوا وليس لهم سواك إمام

١٧٩

وسلكت فجاً ليس يسلك مثله

ولطالما زلت به الأقدام

يهدي العقول عقول أرباب النهى

نثر نثرت عليهم ونظام

وقصائد لله كم نفدت لها

بقلوب أرباب النفاق سهام

لا سيما المثل الذي سارت به

الركبان وازدانت به الأيام

مدح الامام المرتضى علم الهدى

مولى اليه النقض والابرام

نفثات سحر ما بها آثام

وعقود در مازها النظام

هذا هو السحر الحلال وغيره

من نظم أرباب القريض حرام

ومدامة حليت ببابل فانتشت

مصر لها وتهامة والشام

كم ليلة بتنا سكارى ولها

طرباً بها والحادثات نيام

ما الروضة الغناء باكرها الحيا

فتعطرت من طيبها الآكام

ما الغادة الحسناء حار بخدها

ماء الشباب وفي القلوب أوام

خطرت تميس بعطفها فغدا لها

في كل قلب حسرة وغرام

الخ ....

وقال في رثاء الحسين عليه‌السلام :

فؤاد لا يزال به اكتئاب

ودمع لا يزال له انصباب

على من أورث المختار حزناً

تذوب لوقعة الصم الصلاب

ومات لموته الاسلام شجواً

وذلت يوم مصرعه الرقاب

وأرجفت البلاد ومن عليها

وأوشك أن يحل بها العذاب

يقبل نحره المختار شوقاً

وتدميه الأسنة والحراب

فيا لله من رزء جليل

وهت منه الشوامخ والهضاب

ديار لم تزل مأوى اليتامى

سوام كيف صاح بها الغراب

وكيف تعطلت رتب المعالي

بهن وقوضت تلك القباب

كأن لم تلف أمناً من مخوف

ولم تحلل بساحتها الركاب

فيا غوث الانام وصبح داجي

الظلام ومن به عرف الصواب

١٨٠