أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٦

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٦

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

والكل يهتف هذا يوم ميعاد

والنار ما بين إلهاب وإيقاد

وكان فيها شفيع الخلق خصمهم

والله مطلع منهم بمرصاد

ومنهم أظهر الشكوى بترداد

والحاكم الله في ذيالك النادي

يا عثرة ما يقال الدهر عاثرها

كبابها الدهر يابن المصطفى الهادي

عند الوفود غداً في شر وفاد

والشر أخبث ما أوعيت من زاد

مولاي يا ابن أجل المرسلين علا

وأكرم الناس من قار ومن باد

* * *

يا من إليه لقد ألقيت أقيادي

ومن هم لمعادي خير إعدادي

إليك من أحمد عذراء فائقة

أضحت إجازتها من نجله هادي

مدوا بها أحمداً من خير إمداد

ومن رضا در إنشاء وإنشاد

يعيي السلامي أن يأتي بمشبهه

نظما ويعجز عنها نجل عباد

والخالدي وبشر وابن خلاد

أين الخليعي منها وابن حماد (١)

__________________

١ ـ عن الرائق مخطوط المرحوم السيد أحمد العطار

١٤١

الشيخ محمد رضا النحوي

توفي ١٢٢٦

ابن الشيخ أحمد بن الحسن الملقب بالشاعر ـ الحلي النجفي مولده بالحلة في أواسط القرن الثاني عشر وقضى الشطر الأول من حياته فيها والثاني في النجف على عهد آية الله السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، جمع إلى الفقه والحديث آداب اللغة العربية واحتل مكانة سامية في الأوساط العلمية والادبية ، وهو أحد الفطاحل الخمسة الذين كان يعرض السيد الطباطبائي عليهم منظومته الفقهية الشهيرة الموسومة بـ « الدرة » إبان نظمها فصلاً بعد فصل لإبداء ملاحظاتهم ومناقشاتهم العلمية حولها وهو من أبطال « وقعة الخميس » التي هي عبارة عن مساجلة أدبية اتفقت في عهد السيد بحر العلوم ونظم فيها شعراء ذلك العصر كالسيد محمد بن زين الدين والشيخ محمد بن الشيخ يوسف من آل محي الدين والسيد صادق الفحام وبحر العلوم وكاشف الغطاء وصاحب الترجمة وسميت باسم وقعة الخميس التي جرت بصفين زيادة في المطايبة والظرف وهي مدونة في عدة من المجاميع العراقية المخطوطة.

كان النحوي أكبر شعراء عصره بلا مراء وأطولهم باعا في النظم وأنقاهم ديباجة لا يجاريه أحد منهم في حلبة ، وشعره رصين البناء متين الأسلوب وألفاظه محكمة الوضع لا تكاد تعثر على كلمة مقتضبة في شعره وقد جمع فيه بين الإكثار والإجادة وقلما اتفق ذلك لغيره.

١٤٢

درس المبادئ من النحو والصرف والمعاني والبيان ونظائرها على والده الشيخ أحمد ـ المتقدم ذكره ـ والفقه والأصول على العلامة بحر العلوم ومن بعده على الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وقد ذكره صاحب روضات الجنات في آخر ترجمة بحر العلوم وعبر عنه بالشيخ محمد رضا « النجفي » ويحتمل أن أصل الكلمة « النحوي » وصحفت بالنجفي وأشار إلى مرثيته السيد ولم يذكر منها سوى مادة التاريخ وهو شطر واحد « قد غاب مهديها جداً وهاديها ـ ١٢١٢ ونقل ذلك عن السيد صدر الدين العاملي.

وكان ابوه يمرنه على النظم ـ كما مرن البازي كف الملاعب ـ ويقحمه في تلك المضامير الرهيبة منذ عهد الصغر وفي السفر والحضر ويشجعه على مجاراته والاشتراك معه في مرتجلاته واليك هذه القطعة التي شارك في نظمها اباه وهو يافع حين قدما من الحلة الى النجف لزيارة المشهد العلوي ولاحت لهما القبة الذهبية من بعيد وذالك من بعد تذهيبها ببضعة اعوام فقال الوالد لولده : ( انظر اليها تلوح كالقبس ) فقال الولد : أو برق غيث همى بمنبجس ثم شرع كل منهما باجازة بيت بيت وقد علمنا ما هو للشيخ احمد بقوسين وما هو غفل منها ـ فهو لولده الرضا :

( أنظر إليها تلوح كالقبس )

أو برق غيث همى بمنبجس

( أو غرة السيد الإمام أبي

الأطهار من قد خلا من الدنس )

يا حبذا بقعة مباركة

فاقت بتقديسها على قدس

( شاهدت فيها بدر التمام بدا

فقلت نور الإله فاقتبس )

يهدي البرايا ونور حكمته

يجلو سناه غياهب الغلس

( إن فاه نطقي بغير مدحته

أبدلني الله عنه بالخرس )

من قام للضد فيه مأتمه

وأصبح الطير منه في عرس

١٤٣

( سل عنه بدراً فكم بحملته

من طائح رائح ومرتكس )

هذا عن السرج خر منجدلا

وذا قضى نحبه على الفرس

( وأصبح البر وهو بحر دم

فما جرى سابح على يبس )

يفترس الأسد وهي شيمته

كم فارس وهو غير مفترس

( جدد رسم الهدى وقد طمست

أعلامه فهو غير منطمس )

يكفيك فخراً ما جاء في خبر

الطائر صدق الحديث عن أنس

( اليك وجهت همتي فعسى

أبدل حظاً بحظي التعس )

واجتاز اعلى غلام عامل يصنع سفينة فاشتركا في نظم هذه القطعة والصدور منها إلى الوالد والإعجاز لولده المترجم :

ورب ظبي مروع

يروع في الهجر روعي

ذلت له الخشب طوعا

كذلتي وخشوعي

فقلت يا ريم ماذا

تبغي بهذا الصنيع

فقال أبغي سفينا

لرحلتي ورجوعي

فقلت دونك فاصنع

سفينة من ضلوعي

شراعها من فؤادي

وبحرها من دموعي

وبعد وفاة والده انقطع إلى ملازمة السيد صادق الفحام فكان له أبا ثانياً ـ ومربياً حانياً وله معه مساجلات مثبتة في ديوانيهما ورأيت السيد في ديوانه المخطوط يعبر عنه غالباً بـ « الولد الأكرم » وطوراً ينعته بـ « الأديب العارف الكامل » وقد حفظ النحوي لسيده الصادق تلك

١٤٤

اليد وما زال يتذكرها فيشكرها له في حياته وبعد وفاته وإليك قسماً كبيراً من قصيدته التي رثاه فيها وهي تنيف على (٧٠) بيتاً لتشاهد اللوعة والحزن العميق في رثائه ( الصادق ) :

خليلي عوجا بالديار وسلما

وحوما معي طيرا على ذلك الحمى

ألما معي نقضي حقوقاً تقدمت

فما نصف أن تسلماني وتسلما

فحلا عزالي الدمع فيها وأرخيا

وإن كان ما بي من جوى ليس فيكما

خليلي ثوبا عن دموعي بسقيها

فعيني إذا استقطرتها قطرت دما

سلاها دنو الدار ممن نأت بهم

« عسى وطن يدنو بهم ولعلما »

لعل الليالي أن تعود كما بدت

« وأن تعتب الأيام فيهم وربما » (١)

سلاها سقاها الله ما بال أفقها

وقد أزهر الأكوان أصبح مظلما

وغاضت بحار العلم فيها وقد طمت

عبابا وقد سامت بأمواجها السما

هوى قمر الأقمار من آل هاشم

فأظلم ذاك الحي فيهم وأعتما

أصم به الناعي ذوي السمع لانعى

وأخرس فيه الناطقين وأبكما

فيا نائياً لم ينأ عنا وإن رمت

به مزعجات البين أبعد مرتمى

برحت وما بارحت خطرة خاطر

وبنت وما باينت من ذكره فما

شطرت عليك العمر شطرين عبرة

تجيش بجاريها ووجداً تضرما

سأستغرق الأحوال فيك ولم أقل

« إلى الحول ثم اسم السلام عليكما »

ويا والداً ربيت دهراً ببره

ومن بعدما ربى وأحسن أيتما

لساني عصاني في رثائك محجما

وعهدي به إن أحجم القرن مقدما

وكان إذا جالت قداح مياسر

على خطباء القوم فيك المتمما

__________________

١ ـ هذا العجز وما قبله مطلع قصيدة لأبي تمام الطائي

١٤٥

فأنت الذي فللت حد غراره

وكان جرازاً يأكل الغمد مخذما

ولولا الذي بي منك شعشعت أفقها

شموساً وصيرت القوافي أنجما

وها أنا ذا قدمت ما ليس ينبغي

لمثلك عذر إليك تقدما

لئن كان عن فكر عليل معبراً

فقد جاء عن ود صحيح مترجما

سقى عهدك المعهود بالصدق والوفا

سماء (١) من الرضوان ما دامت السما

ولا برحت تعتاد مثواك بالثنا

ملائكة الرحمن فذا وتوأما

ولا زايلت تلك الرياض مودعا

من الودق نضاخ الحيا ومسلما

فيالك رزء جب من آل غالب

سناما لآفاق البلاد تسنما

لوى من لوي حيث كانت لواءها

وهد ذرى عليا قريش وهدما

ومنها يعزي السيد بحر العلوم ويمدحه :

فتى قرن الباري سلامة خلقه

وصحتهم في أن يصح ويسلما

هو الخلف المهدي بورك هادياً

وبورك مهديا إذا النهج أبهما

تكفل بالأيتام فهو لهم أب

وحامى عن الإسلام فهو له حمى

فتى كلما أبدى الجميل أعاده

وإن صنع المعروف زاد وتمّما

عزاء وإن عز العزاء وسلوة

عليه وإن خلت السلو محرما

فما العمر ما عاش الفتى غير طائف

أطاف كرجع الطرف ثم تصرما

وما هذه الأيام إلا بوارق

ألقن غروراً أو هي الركب هوّما

وما كان هذا العيش إلا صبابة

تمر لماضا أو خيالاً مسلما

وعزاك من عزاك عنه مؤرخا

على الصادق الود السما أمطرت دما

__________________

١ ـ السماء من أسماء المطر.

١٤٦

وحسبك شاهداً على سمو منزلة المترجم ما كتب به إليه شيخ الفقهاء في الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس‌سره ضمن رسالة :

يكلفني صحبي القريض وإنما

تجنبت عنه لا لعجز بدا مني

ألم يعلموا أن الكمال بأسره

غدا داخلاً في حوزتي صادراً عني

ألم تر مولانا الرضا نجل أحمد

إذا قال شعراً لم يحكم سوى ذهني

على أنه للفضل قطب وللنهى

مدار وفي الآداب فاق ذوي الفن

غدا في الورى رباً لكل فضيلة

وحاز جميل الذكر في صغر السن

فأجابه النحوي على الروي والقافية :

ألا أيها المولى الذي سار ذكره

مسير الصبا قد عبقت سائر المدن

ومن كلما اعتاصت وندت عويصة

وأعيت على الأفهام كان لها مدني

إذا نحن أثنينا عليك فإنما

يعود علينا ما عليك به نثني

ونعنيك بالذكر الجميل فينتهي

إلينا كأنا فيه أنفسنا نعني

أتاني نظام منك ضمن ألوكة

يفوق نظام الدر في النظم والحسن

نظمت النجوم الزاهرات قلائداً

وقلدتنيها منك منا بلا من

ألذ على الأسماع من مطرب الغنا

وأحلى على ذي الخوف من وارد الأمن

فكان سروري عند كل مساءة

أسري به همي وأجلو به حزني

وكان دليلي حيث ضلت مسالكي

علي ومصباحي بكل جدى دجن

فخذها كما تهوى نسيجة وحدها

مقدرة في السرد محكمة الوضن (١)

على انها لم تحك دراً نظمته

وإن شاكلته في الروي وفي الوزن

__________________

١ ـ السرد : الذرع. والوضن : النسج ومنه قوله تعالى : على سرر موضونة.

١٤٧

وفي المترجم يقول العلامة الأديب الشيخ محمد علي الأعسم من قصيدة :

وقف على الشيخ نجل الشيخ ثم وقل

يا نبعة نبعت من ( أحمد ) الزاكي

ويا ذبالته من نوره اتقدت

ونفحة نفحت من عرفه الذاكي

ملكتم النظم والنثر البديع وكم

سما لدعواه قوم غير ملاك

وكم لكم آية غراء بان بها

نهج الهدى لم تدع شكا لشكاك

والأبيات من قصيدة نظمها الأعسم في محاورة أدبية جرت في مجلس الميرزا أحمد النواب في كربلاء حول قصيدة السيد نصر الله الحائري اشترك فيها النحوي وجماعة من معاصريه وحكموا فيها السيد بحر العلوم وهي غير « معركة الخميس » وقد أثبتها سيدنا الأمين في الـ ج ١١ من الأعيان ، وهنأه صديقه ومعاصره السيد أبراهيم العطار والد السيد حيدر ـ جد الأسرة الحيدرية في بغداد والكاظمية ـ بقصيدة عند قدومه من زيارة خراسان ـ منها ـ :

قد جد في مسيرة حتى هوت

شوقا إلى طوس به مطيه

وزار فيها قبر قدس قد ثوى

فيه ابن موسى المجتبى « عليه »

نال من الله الرضا زائره

لا سيما الشيخ « الرضا » سميه

( كميت ) هذا العصر ( بحترية )

( طائيه ) ( كنديه ) ( رضيه )

فلو أتى سحبان في زمانه

لبان ما بين الأنام عيه

أنى يبارى وأبوه « أحمد »

الفضل إمام الشعر بل نبيه

الطاهر الأخلاق والذات الذي

من باهر الفضل له جليه

أعاد ميت الفضل حياً بعدها

طبق أقطار الفلا نعيه

١٤٨

وإليك من شعر النحوي في الغزل والنسيب قوله :

ذكرت ليالياً سلفت بجمع

فبت لذكرها شرقاً بدمعي

وأذكر من نسيم رياض نجد

معاهد جيرة نزلوا بسلع

وأومض بارق في الجزع وهناً

يترجم عن قلوب ذات صدع

وغرد طائر يملي حديثاً

فعذب خاطري وأراح سمعي

بجمع لو تعطفتم قلوب

تبدد شملها من بعد « جمع »

فمنوا واصلين عقيب هجر

وجودوا منعمين عقيب منع

وقال :

آه من محنتي ومن طول كربي

وعنائي إذا تذكرت صحبي

كلما استوقد الغرام بلبي

صحت في لوعتي وحرقة قلبي

الحريق الحريق حقاً وربي

ذبت حتى رثى لي العذال

مذ رأوني أضر بي الاشتعال

حاولوا برأه وذاك محال

فاتوا بالمياه نحوي وقالوا

اين هذا الحريق قلت بقلبي

وله :

صحا من خمار الشوق من ليس وجده

كوجدي وقلبي من جوى البين ما صحا

وعاد غرامي فيكم مثلما بدا

وأمسى هيامي مثلما كان أصبحا

أطعت غراماً في هواكم ولوعة

وخالفت عذالاً عليكم ونصحا

١٤٩

ألا فليلم في الحب من لام والهوى

أبيّاً على اللوام وليلح من لحا

وكم قد سترت الحب والدمع فاضحي

وما جرت العينان إلا لتفضحا

وكنيت عنكم إن خطرتم بغيركم

وغالبني الشوق الملح مصرحا

وصرت بنوحي للحمام مجاوبا

إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى

فتدعو هديلا حين أهتف باسمكم

كلانا به الوجد المبرحّ برحا

وما وجدت وجدي فتغتبق الجوى

وتصطبح الأشجان ممسى ومصبحا

ولو صدقت بالنوح ما خضبت يداً

ولا اتخذت في الروض مسرى ومسرحا

ولي دونها إلف متى عن ذكره

نحاني لذكراه من الوجد مانحا

إذا ما تجاهشنا البكا خيفة النوى

وجدنا بدمع كنت أسخى وأسمحا

فيا غائبا ما غاب عني وناز

على بعده ما كان عني لينزحا

تقربك الذكرى على القرب والنوى

وبرح جوى ما كان عني ليبرحا

فأنت معي سراً وإن لم تكن معي

جهاراً فما أدناك مني وانزحا

وكتب إلى صديق له :

سلام عليكم والمفاوز بيننا

وبالرغم مني من بعيد مُسلّم

فإن لم يجّنئي بالسلام كتابكم

فإني راضٍ بالسلام عليكم

أأحبابنا والمرء يا ربما ارعوى

وأغمض والأحوال عنه تترجم

١٥٠

ألفناكم والشوق يلعب بالحشا

ويبدي الذمي يخفي الضمير ويكتم

وعشنا بكم والعيش غض نباته

رقيق الحواشي ناعم البرد معلم

إذ الظل دان والأحبة حيرة

ودهري سلم والحوادث نوم

( ولما أنسنا منكم بخلائق )

هي الروض غب القطر ساعه ينجم

وفزنا بأفعال كما رويت لنا

( تصدق ما تروي الخلائق عنكم )

( تباعدتم لا أبعد الله داركم )

وقوضتم والذكر منكم مخيم

وفارقتم لا قدر الله فرقة

( وأوحشتم لا أوحش الله منكم )

وله :

أقول وللهوى ولع بروح

أبت إلا التردد في التراقي

بنفسي الجيرة الغادين عني

ووجدهم كوجدي واشتياقي

ألا يا يوم فرقتنا رويداً

فلست إلى تلاقينا بباقي

ووقفنا موقف التوديع سكرى

ولا كأس تدار بكف ساقي

أحب نوى يكون به وداع

وإن كان النوى مر المذاق

نودعكم أحبتنا فإنا

نرى أن لا سبيل إلى التلاقي

وكتب إلى أخيه الشيخ هادي من النجف إلى الحلة :

أسكان فيحاء العواق ترفقوا

بمهجة صب بالغرام مشوق

ولا تقطعوا كتب الموده والرضا

فقد خانني في الحب كل صديق

وكتب إليه السيد صادق الفحام يعاتبه على قطع المراسلة :

عتاب به سمع الصفا الصلد يقرع

وشكوى لهاصم الصخور تصدع

وما كان هذا العتب إلا تعللاً

فلم يبق في قوس الأماني منزع

هو الدهر عرنين المخازي بنحسه

أشم وعرنين المكارم أجدع

١٥١

فلاذو المساعي بـ ( الرضا ) منه فائز

ولا ذو الحجا بالعيش منه ممتع

أفي الحق ـ لويرعون للحق ذمة ـ

أبيت ولي حق لديكم مضيع

أأمنع شرب الماء والبحر زاخر

وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع

أعز كتاب أم تبرم كاتب

وأعوز قرطاس أم أعتل مهيع

على أنني لا أدعي نقص خلة

ولكنه حظ به النقص مولع

فعمد النحوي إلى أبيات السيد وحذف صدورها وعمل لأعجازها صدوراً من نظمه وأجاب بها السيد :

أتاني من المولى كتاب بطيه

عتاب به سمع الصفا الصلد يقرع

فها أنا ذو بث يلين له الحصى

وشكوى لها صم الصخور تصدع

وكنت أمني النفس بالصفح والرضا

فلم يبق في قوس الأماني منزع

هو الشهم أنف اللؤم لولا آباؤه

أشم وعرنين المكارم أجدع

عتاب فلا ذو اللب يملك لبه

ولا ذو الحجا بالعيش منه ممتع

فتى لم يضع حقاً فحقاً مقاله

أبيت ولي حق لديكم مضيع

أخاف إذا لم يعف أظمأ في الروا

وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع

ولا عذر لي إن قلت قد عز كاتب

وأعوز قرطاس أم اعتل مهيع

وما كان تركي الكتب تركا لوده

ولكنه حظ به النقص مولع

وقال يخاطب أستاذه السيد بحر العلوم وقد أبل من مرض :

لقد مرضت فأضحى الناس كلهم

مرضى ولولاك ما اعتلوا ولا مرضوا

ومذ برئت من الأسقام قد برئوا

فمنك في حالتيك البر والمرض

وله في مرض السيد بحر العلوم :

ولما اعتللت غدا العالمون

وكل عليل جفاه الوساد

فلا غرو إن لم يعودوك إذ

مرضت فمن حقهم أن يعادوا

١٥٢

وقال أيضاً :

لقد مرض الناس لما مرضت

وما ذاك بدعاً نراه جليلا

حللت من العالمين القلوب

فلا شخص إلا وأمسى عليلا

ورأيت في الجزء الرابع من ( سمير الحاضر ) مخطوط الشيخ علي كاشف الغطاء قال : وللشيخ محمد رضا النحوي مؤرخاً عام تزويح الشيخ موسى كاشف الغطاء.

ومذ جاء فرداً قلت فيه مؤرخاً

بحسبك أن أوتيت سؤلك يا موسى

وله :

فاسعد بعرس لك الإقبال ارخه

زوجت بدر الحجى بالشمس يا موسى

وله وقد دخل على السيد بحر العلوم وقد أخذته الحمى والقشعريرة :

وقالوا أصابته وحاشا علاءه

قشعريرة من ذلك الألم الطاري

وما علموا أن تلك من قبل عادة

تعودها ـ مذ كان ـ من خشية الباري

وقال مخمساً بيتي غانم بن الوليد الآشوني : (١)

أقاموا فأضحى القلب وقفاً عليهم

وشطوا فأمسى وهو رهن لديهم

فما برحوا في القلب في حاليتهم

ومن عجب اني أحن إليهم

وأسأل عن أخبارهم وهم معي

عجبت لنفسي بعدهم واتحادها

بهم تشتكي منهم أليم بعادها

__________________

١ ـ نسبة إلى ( آشونة ) من حصون الأندلس

١٥٣

تتوق لهم روحي وهم في فؤادي

وتطلبهم عيني وهم في سوادها

ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

وقال مشطراً لنفس البيتين :

( ومن عجب أني أحن اليهم )

وهم حيث كانوا من حشاي بموضع

واستنطق الأطلال أين ترحلوا

( وأسأل عن أخبارهم وهم معي )

( وتطلبهم عيني وهم في سوادها )

ويهفو لهم سمعي وهم ملء مسمعي

وتصبو لهم نفسي وفي نفسي هم

( ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي )

وقال في بنت له صغيرة مرضت واسمها رحمة وفيها الاقتباس :

قد مرضت ( رحمة ) فكل

عج إلى الله والأئمة

فعافها ربنا سريعاً

« وهب لنا من لدنك رحمة »

وللنحوي يد طولى في نظم التواريخ في الحروف الأبجدية وليس الغرض المقصود من التاريخ ضبط عدد السنين من الحروف فقط وانما الغرض ايداع النكتة فيه أو التورية التي تدل على الموضوع وتواريخ النحوي كلها لا تخلو من هذه المحسنات التي المعنا اليها فمنها ما قال في ختان العلامة الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء واتفق ان الخاتن له يدعى « عبدالرحمن »

تطهر موسى بالختان وإنه

فتى طاهر من طاهر متطهر

وما كان محتاجاً لذاك وانما

جرت سنة الهادى النبي المطهر

هنالك قد أنشدت فيه مؤرخا

لقد طهر ( الرحمن ) ( موسى بن جعفر )

١٥٤

وقال مؤرخاً ولادة الشيخ حسن صاحب ( انوار الفقاهة ) أصغر انجال الشيخ الأكبر كاشف الغطاء من أبيات :

أهلاً بمولود له التاريخ ـ قد

أنبته الله نباتاً ( حسناً )

١٢٠١هـ

وله يؤرخ ولادة العلامة السيد رضا سليل آية الله بحر العلوم :

بشرى فان الرضا بن المرتضى ولدا

وانجز الله للاسلام ما وعدا

حبا به الله مهدي الزمان فيا

له هدى متبعاً من ربه بهدى

قد طاب أصلا وميلاداً وتربية

لذاك أرخت ( قد طاب الرضا ولدا )

١١٨٩ هـ

وقوله في آخر قصيدته التي رثى فيه السيد سليمان الكبير يؤرخ عام وفاته

وتسعة آل الله وافوا وأرخوا

سليمان أمسى في الجنان مخلداً

١٢١١ هـ

ولا يخفى حسن التورية فيه فان مادة التاريخ تنقص في العدد ( تسعة ) فاكملها بتلك الجملة الظريفة مشيراً إلى عدد أسماء الأئمة من ذرية الحسين (ع) الذين ذكرهم ابن العرندس بقوله :

وذرية درية منه تسعة

أئمة حق لا ثمان ولا عشر

وله يهني استاذه الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء في قدومه من الحج ويؤرخ ذلك العام ١١٩٩

١٥٥

قد الحجيج فمرحباً بقدومه

لقدوم من شرع الهدى بعلومه

هو جعفر من كان أحيا مذ نشا

من دين جعفر عافيات رسومه

حث الرواسم للحجاز ولم تزل

مشتاقة لوجيفه ورسيمه

كالغيث كل تنوفة ظمآنة

لغزير وابل ودقة عميمه

وسعى لحج البيت وهو الحج في

تحليله المعهود أو تحريمه

وبمروتيه وركنه ومقامه

بحجره وحجونه وحطيمه

رفعت قواعد حجر اسماعيله

فيه وقام مقام ابراهيمه

وبه الصفا لقي الصفا فتأرجت

ارجاء مكة من أريج نسيمه

وغدت ينابع زمزم وكأنما

مزجت لطيب الطعم من تسنيمه

اهدى السلام إلى النبي وما درى

ان النبي بداه في تسليمه

طبعت خلائقه على محمودها

والطبع ليس حميده كذميمه

فليقتنع ذو اللب في تبجيله

بمديح خالقه وفي تعظيمه

ليس المديح يشيد في تشريفه

شرفاً وليس يزيد في تكريمه

وان أدعى أحد بلوغ ثنائه

بنثير در صاغه ونظيمه

فأنا الذي سلمت أني عاجز

ونجاة نفس المرء في تسليمه

لكن عام قدومه أرخته

قدم السخا والمجد عند قدومه

وكان مولعاً في التخميس والتشطير مبدعاً في كل النوعين غاية الابداع وقد ذكر تخاميسه شيخنا الجليل في الـ ج ٤ من الذريعة كتخميس العرفانية الميمية لعمر بن الفارض في بيان راح العشق وخمر المحبة وهو مطبوع مع تخميس البردة و ( بانت سعاد ) في ـ الاستانة ـ وقد نقلت تخميس البردة مع مقدمة المخمس قبل نيف وثلاثين سنة عن مجموعة معاصره السيد جواد بن السيد محمد زيني

١٥٦

الحائري وقد فرغ النحوي من نظمه في الـ ٢٤ من رجب سنة ١٢٠٠ واليك شاهداً منه :

مالي أراك حليف الوجد والألم

أودي بجسمك ما أودي من السقم

ذا مدمع كالدم المنهل منسجم

أمن تذكر جيران بذي سلم

مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم

أصبحت ذا حسرة في القلب دائمة

ومهجة أثرهم في البيد هائمة

شجاك في الدوح تغريد لحائمة

أم هبت الريح من تلقاء كاظمة

وأومض البرق في الظلماء من أضم

وقد قرض تخميسه هذا جماعة من العلماء والأدباء منهم استاذه السيد صادق الفحام بقصيدة يقول فيها :

قرنت إلى عذراء بوصير كفوها

فكان كما شاءت قران سعود

و لما أتت تشكو العطول رددتها

بأحسن حلي زان أحسن جيد

وقرضه بأخرى ويقول فيها :

رويدك هل أبقيت قولاً لقائل

وحسبك هل غادرت سحراً ( لبابل )

وجاريت في تسميط أفضل مدحة

لأفضل ممدوح لأفضل قائل

فوارس راموا أن ينالوا فقصروا

( وأين الثريا من يد المتناول )

وممن قرضه السيد ابراهيم العطار بقصيدة مطلعها :

فرائد در ليس تحصى عجائبه

وقد بهرت عنا العقول غرائبه

١٥٧

وقرضه الشيخ علي بن زين الدين بقصيدة منها :

نسجت للبردة الغراء بردة تمسيط

غدا وشيهاً وشي الطواويس

فكنت آصف ذاك الصرح حيث حكى

منه لنا كل بيت عرش بلقيس

وقرضه الشيخ محمد علي الأعسم مشيراً إلى أن التخميس كان بإيعاز من السيد بحر العلوم بقصيدة منها :

فرائد للأديب ابن الأديب

نجوم ما جنحن إلى الغروب

ووشى البردة الممدوح فيها

رسول الله بالوشي العجيب

بتسميط يزيد الأصل حسنا

على حسن طيبا فوق طيب

وكم ملأ المسامع من معان

لها وقع غريب في القلوب

رعاك لمثلها ( المهدي ) إذ لم

يجد في الكون غيرك من مجيب

ففاض عليك حين دعاك نور

هديت به إلى مدح الحبيب

وقرضه أخوه الهادي النحوي بقصيدة سنذكرها في ترجمته ، وخمس أيضاً « الدريدية » ذات الشروح الكثيرة المشتملة على الحكم والآداب وتبلغ ٢٢٩ بيتاً لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الازدي البصري المتوفى سنة ٣٢١ خمسها النحوي وجعل لها مقدمة بدأ فيها بترجمة أبي دريد وذكر تخميس المقصورة لموفق الدين عبدالله بن عمر الأنصاري في رثاء الحسين (ع) ذكره النحوي واثنى عليه ولكن النحوي حولها في تخميسه إلى مدح استاذه السيد بحر العلوم وفرغ من تخميسها في ١٢ ربيع الأول سنة ١٢١٢ وتوفي استاذه الممدوح في رجب من تلك السنة. قلت وقد طبع الأصل مع التخميس في بغداد سنة ١٣٤٤ واليك بعض الشواهد منها :

١٥٨

يقضي الفتى نحبا ويأوى لحده

ويذكر الناس جميعاً عهده

ينشر كل ذمه أو حمده

وانما المرء حديث بعده

فكن حديثاً حسناً لمن وعى

فليصرف المرء نفيس عمره

فيما به يبقى بقاء ذكره

ولا يجاوز حده في أمره

من لم يقف عند انتهاء قدره

تقاصرت عنه فسيحات الخطى

عليك بالعقل فكن مكملاً

له بهدي للنجاة موصلا

سلامة العقل الهدى لو عقلا

وآفة العقل الهوى فمن علا

على هواه عقله فقد نجا

ومنها في المديح :

أعاشني ربي مذ اعاشني

بهديه القامع ما أطاشني

فلم أقل ـ وابن النبي راشني

ان ابن ميكال الأمير انتاشني

من بعد ما قد كنت كالشيء اللقى

من زين الوجود في وجوده

وشعت السعود في سعوده

يصعد حتى قيل في صعوده

لو كان يرقى أحد بجوده

ومجده إلى السماء لارتقى

ووجدت قصيدة ميمية غراء الشيخ أحمد بن محمد أحد تلامذة العالم السيد شبر الموسوي الحويزي يمدح فيها أستاذه المذكور ـ ضمن كتاب ألفه في سيرته ـ وعلى هامشها تقريظ بقلم النحوي المترجم من الوزن والروي ومن خطه نقلت ما نصه ـ قال العبد الحقير محمد رضا ابن الشيخ أحمد النحوي مقرضاً على هذه القصيدة المباركة.

١٥٩

أكرم بنظم يروق الناظرين سنا

كأن عقد الثريا فيه منتظم

( أضحى لأحمد ) في ذا العصر معجزة

على نبوة شعر كله حكم

حوى مديح بني الزهراء فاطمة

ومن هم في جميع المكرمات هم

فما ( كشبرهم ) فيما ترى أحد

ولا يقاس بمن تلقى شبيرهم

فكم ينازعهم في بيت مجدهم

من لا خلاف له والبيت بيتهم

وما عسى أن يقول المادحون بمن

قد جاء في محكم القرآن مدحهم

وله من قصيدة طويلة غراء يهنئ فيها أستاذه السيد بحر العلوم ويؤرخ عام قدومه من مكة.

أعيد من الحمد المضاعف ما أبدي

وأهدي إلى المهدي من ذاك ما أهدي

ولو أنني أهديت ما ينبغي له

لسقت له ما في المثاني من الحمد

له حسب في آل أحمد معرق

كمنظوم عقد الدر ناهيك من عقد

أساريره تبدو سرائر قدسهم

عليها وللآباء سر على الولد

به الغيبة الكبرى تجلى ظلامها

وأشرق في آفاقها قمر السعد

ولولا سمات عندنا قد تميزت

بمعرفة المهدي قلنا هو المهدي

عطاء بلا من خلوص بلا رياً

سحاب بلا رعد سخاء بلا وعد

تعالى به جدي وطالت به يدي

وقام به حظي ودام به سعدي

وإني قد سيرت فيه شوارداً

تجاوزن من قبلي وأتعبن من بعدي

سعى ليحج البيت والحج بيته

فكم عاكف فيه معيد الثنا مبدي

وكر من الركن اليماني راجعاً

إلى جده أكرم بأحمد من جد

وقد بان في أرض الغري ظهوره

لذلك قد أرخته ( ظهر المهدي )

١١٩٥

وكانت وفاته في النجف سنة ١٢٢٦ هـ قبل وفاة كاشف الغطاء بعامين وقد ناهز الثمانين سنة من العمر.

١٦٠