الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٤

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٤

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

قل لخفيف القصبات الجوفان

جيئوا بمثل عامر والعلهان (١)

وإنما وصف الجبان بأنه لا قلب له ، لأن القلب محل الشجاعة ، وإذا نفي المحل فأولى أن ينتفي الحالّ فيه. وهذا على المبالغة في صفته بالجبن. ويسمون الشيء إذا كان خاليا «هواء» ، أي ليس فيه ما يشغله إلا الهواء.

وعلى هذا قول الله سبحانه : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) [القصص / ١٠] أي خاليا من التجلّد ، وعاطلا من التصبّر. وقيل أيضا : إن معنى ذلك أنّ أفئدتهم منحرفة لا تعي شيئا ، للرعب الذي دخلها ، والهول الذي استولى عليها. فهي كالهواء الرقيق في الانحراف ، وبطلان الضبط والامتساك.

وقوله سبحانه : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (٤٦). وهذه استعارة على إحدى القراءتين. وهما : لتزول. بكسر اللام الأولى وفتح اللام الأخرى ، ولتزول ، بفتح اللام الأولى وضم الأخرى. وقرأنا بهذه القراءة للكسائي (٢) وحده ، وقرأنا لبقية السبعة القراءة الأولى.

فمعنى القراءة الأولى أن يكون موضع «إن» فيها موضع نعم ، لأنها قد ترد بهذا المعنى مثقلة : كقوله : [إنّ وراكبها] (٣).

ويجوز أن ترد مخففة. لأنّ «إن» على أصلها قد تأتي مخففة ومثقلة. ويكون المعنى واحدا. وكذلك «أن» المفتوحة. قال الشاعر (٤) :

أكاشره وأعلم أن كلانا

على ما ساء صاحبه حريص

وأراد «أنّ كلانا» فخفف. فإذا تقرر ذلك صار تقدير الكلام في الآية :

__________________

(١). ورد هذا البيت في ديوان جرير هكذا :

ويلكموا يا قصبات الجوفان

جيئوا بمثل قعنب والعلهان

(٢). الكسائي : هو علي بن حمزة الكوفي ، أحد القراء السبعة. وإمام مدرسة في النحو واللغة مشهورة. وكان مؤدّبا للرشيد العباسي وابنه الأمين. توفي سنة ١٨٩ ه‍ بمدينة الري.

(٣). هذا هو ما ردّ به ابن الزبير رضي الله عنه لمن قال له : لعن الله ناقة حملتني إليك. فقال ابن الزبير : إنّ وراكبها. أي : نعم! ولعن راكبها. وهو من شواهد كتب معاني الحروف. انظر «مغنى اللبيب» ج ١ ص ٣٦.

(٤). قيل هو عديّ بن زيد ؛ وقيل هو عمرو بن جابر الحنفي.

راجع إميل يعقوب : المعجم المفصّل في شواهد اللغة العربية ٤ / ١٢٣ ؛ ففيه إحالات إلى مظانّ عدّة.

٢٦١

ونعم كان مكرهم لتزول منه الجبال. وقد وردت هذه اللام في موضع ليس ، لأن الخفيفة فيه تحمل (١).

قال الفرّاء (٢) : سمعت العرب تقول : الكراء حينئذ لرخيص. ولم يقل : إنّ الكراء لرخيص. فيكون المراد : إنّ الجبال تزول من مكرهم استعظاما واستفظاعا ، لو كانت ممّا يعقل الحال ، ويقدر على الزوال. وهذه اللام هاهنا تومئ إلى معنى «تكاد» (٣) ...

__________________

(١). هنا الكلام ناقص ، ولعل الناسخ أراد أن يكتب «لأن الخفيفة فيه تحمل محمل ما ، وتكون اللام للجحود». وعبارة القرطبي في هذا المقام واضحة دالة على الغرض ، حيث يقول في الجزء ٩ ص ٣٨٠ : (إن بمعنى ما. أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال. لضعفه ووهنه). ثم زاد القرطبي خمسة مواطن في القرآن جاءت فيها «إن» بمعنى «ما» وهذا هو أحدها.

(٢). الفرّاء هو يحيى بن زياد أبو زكريا إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة والأدب. وكان فوق علمه باللغة والنحو فقيها متكلّما مفسّرا. وقد عهد إليه الخليفة المأمون بتربية ولديه. توفي سنة ٢٠٧ ه‍. وهناك فرّاء آخر اسمه الحسين بن مسعود البغوي اشتهر بالفقه والحديث والتفسير ، وتوفي سنة ٥١٠ ه‍ وليس هو المقصود هنا ، فقد ولد بعد وفاة الشريف الرضي بثلاثين عاما.

(٣). هنا قطعة مفقودة من الكتاب تبلغ ورقة تقريبا.

٢٦٢

سورة الحجر

١٥

٢٦٣
٢٦٤

المبحث الأول

أهداف سورة «الحجر» (١)

سورة الحجر سورة مكّيّة. ومحور هذه السورة الأول هو إبراز المصير المخيف الذي ينتظر الكافرين المكذّبين.

وحول هذا المحور يدور السياق في عدة جولات متنوعة الموضوع والمجال ، ترجع كلها إلى ذلك المحور الأصيل ، سواء في ذلك القصة ، ومشاهد الكون ومشاهد القيامة ، والتوجيهات والتعقيبات التي تسبق القصص ، وتتخلله ، وتعقّب عليه.

وإذا كان جوّ سورة الرعد يذكر بجوّ سورة الأنعام ، فإن جوّ هذه السورة ، سورة الحجر ، يذكّر بجوّ سورة الأعراف.

لقد كان ابتداء سورة الأعراف بالإنذار ثم ورد فيها قصة آدم وإبليس ، ويلي القصة عرض لبعض مشاهد الكون في السماوات والأرض ، والليل والنهار ، والشمس والقمر والنجوم ، والرياح والسحاب ، ويلي ذلك قصص قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى.

وهنا ، في سورة الحجر ، يجيء الإنذار كذلك في مطلعها ، ولكن ملفّعا بظلّ من التهويل :

(فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) (٥).

ثم يعرض السياق بعض مشاهد الكون : السماء وما فيها من بروج ، والأرض الممدودة ، والرواسي

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٢٦٥

الراسخة ، والنبت الموزون والرياح اللواقح ، والماء والسّقيا ، والحياة والموت والحشر للجميع. يلي ذلك قصة آدم وإبليس ، منتهية بمصير أتباعه ومصير المؤمنين. ومن ثمّ لمحات من قصص ابراهيم ولوط وشعيب وصالح عليهم‌السلام ، منظور فيها ، إلى مصائر المكذّبين.

ويمكن تقسيم سياق السورة هنا إلى عدة جولات ، أو عدة مقاطع يتضمن كل منها موضوعا أو مجالا :

تتضمن الجولة الأولى بيان سنّة الله تعالى التي لا تتخلف في الرسالة والإيمان بها والتكذيب ، مبدوءة بذلك الإنذار الضمني الملفّع بالتهويل :

(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٣).

ومنهية بأن المكذّبين إنما يكذّبون عن عناد لا عن نقص في دلائل الإيمان ، وأنهم جميعا من طراز واحد :

(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) (١٣).

وتعرض الجولة الثانية بعض آيات الله في الكون ، في السماء وفي الأرض وما بينهما ؛ وقد قدرت بحكمة ، وأنزلت بقدر ، وإلى الله مرجع كل شيء وكل أحد في الوقت المقدر المعلوم ، حيث يقول سبحانه :

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢١).

وتعرض الجولة الثالثة قصة البشرية ، وأصل الهدى والغواية في تركيبها وأسبابها الأصلية ، ومصير الغاوين في النهاية والمهتدين ، وذلك في خلق آدم (ع) من صلصال من حمأ مسنون ، والنفخ من روح الله في هذا الطين. ثم غرور إبليس واستكباره وتولّيه الغاوين دون المخلصين.

والجولة الرابعة في مصارع الغابرين من قوم لوط وشعيب وصالح ، مبدوءة بقول الله سبحانه :

(نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٥٠).

ثم يتتابع القصص يجلو رحمة الله مع ابراهيم ولوط ، وعذابه لأقوام لوط وشعيب وصالح.

أما الجولة الخامسة والأخيرة ، فتكشف عن الحق الكامن في خلق السماوات والأرض الملتبس بالساعة

٢٦٦

وما بعدها من ثواب وعقاب ، المتّصل بدعوة الرسول (ص) فهو الحق الأكبر الشامل للكون كله ، والشامل للبدء والمصير.

الآيات الكونية في سورة الحجر

عرضت سورة الحجر لألوان المكابرة والعناد التي يلجأ إليها الكافرون ثم انتقلت إلى معرض الآيات الكونية مبدوءا بمشهد السماء فمشهد الأرض ، فمشهد الرياح اللواقح بالماء ، فمشهد الحياة والموت ، فمشهد البعث والحشر. كل أولئك ، آيات يكابر فيها المعاندون. قال تعالى :

(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) (١٨).

إنه الخط الأول في اللوحة العريضة ، لوحة الكون العجيب الذي ينطق بآثار اليد المبدعة ، ويشهد بالإعجاز ، ويكشف عن دقة التنظيم والتقدير كما يكشف عن عظمة القدرة على هذا الخلق الكبير. والبروج قد تكون النجوم والكواكب بضخامتها ، وقد تكون منازل النجوم والكواكب التي تنتقل فيها بمدارها. وهي في كلتا الحالتين شاهدة بالقدرة وشاهدة بالدقة ، وشاهدة بالإبداع الجميل. قال تعالى :

(وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) (١٦).

وهي لفتة إلى جمال الكون ، وبخاصة أن تلك السماء تشي بأن الجمال غاية مقصودة في خلق هذا الكون ، فليست الضخامة وحدها وليست الدقة وحدها ، إنما هو الجمال الذي ينظم المظاهر جميعا ، وينشأ من تناسقها جميعا.

وإنّ نظرة مبصرة إلى السماء في الليلة الحالكة ، وقد انتثرت فيها الكواكب ، والنجوم توصوص بنورها ثم تبدو كأنّما تخبو ، ريثما تنتقل العين لتلبّي دعوة من نجم بعيد ، ونظرة مثلها في الليلة القمرية والبدر حالم ، والكون من حوله مهموم كأنما يمسك أنفاسه حتى لا يوقظ الحالم السعيد.

إن نظرة واحدة شاعرة ، لكفيلة بإدراك الحقيقة في الجمال الكوني ، وعمق هذا الجمال في تكوينه ، ولإدراك معنى هذه اللفتة العجيبة : (وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) (١٦).

٢٦٧

والخط الثاني في اللوحة العريضة الهائلة ، هو خط الأرض الممدودة أمام النظر ، المبسوطة للخطو والسير ، وما فيها من رواس وما فيها من نبت وأرزاق للناس ، ولغيرهم من الأحياء. قال تعالى :

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (١٩).

إن ظل الضخامة واضح في السياق ، فالإشارة في الأرض إلى الرواسي ، ويتجسّم ثقلها في التعبير بقوله سبحانه :

(وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ).

وإلى النبات موصوفا بأنه (موزون) وهي كلمة ذات ثقل ، وإن كان معناها أن كل نبت في هذه الأرض في خلقه دقة وإحكام وتقدير.

والآية الكونية هنا تتجاوز الآفاق إلى الأنفس ، فهذه الأرض الممدودة للنظر والخطو ، وهذه الرواسي الملقاة على الأرض تصاحبها الإشارة إلى النبت الموزون ، ومنه إلى المعايش التي جعلها الله للناس في هذه الأرض ، وهي الأرزاق المؤهّلة للعيش والحياة فيها ، وهي كثيرة شتّى. وهذه الأرزاق ، ككل شيء ، مقدرة في علم الله تابعة لأمره ومشيئته ، يصرّفها حيث يشاء وكما يريد ، في الوقت الذي يريد ، وفق سنّته التي ارتضاها وأجراها في الناس والأرزاق ، قال تعالى :

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢١).

فما من مخلوق يقدر على شيء أو يملك شيئا ، ولكن خزائن كلّ شيء مصادره وموارده عند الله سبحانه ، في علاه ، ينزله على الخلق في عوالمهم : (بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢١). فليس من شيء ينزل جزافا ، وليس من شيء يتمّ اعتباطا ، بل كلّ شيء يتم بحكمة العليم الخبير ، وتقدير السميع البصير (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) [القمر].

* * *

قصة آدم في سور البقرة

والأعراف والحجر

ذكرت قصة آدم في القرآن مرتين من قبل ، في سورة البقرة ، وفي سورة الأعراف ، ولكن مساقها في كل مرة كان لأداء غرض خاص في معرض خاص وفي جو خاص ؛ ومن ثم

٢٦٨

اختلفت الحلقات التي تعرض منها في كل موضع ، واختلفت طريقة الأداء.

في سورة البقرة كانت نقطة التركيز استخلاف آدم (ع) في الأرض التي خلقها الله سبحانه للناس جميعا :

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة / ٣٠].

ومن ثم عرض الأسرار في هذا الاستخلاف ، وبين قدرة الإنسان على الاستنباط والاستنتاج وتمتّعه بالإرادة والاختيار ، ثم عرض حكاية سجود الملائكة وإباء إبليس واستكباره ، وسكنى آدم وزوجه الجنة وإذلال الشيطان لهما عنها وإخراجهما منها ، ثم الهبوط إلى الأرض للخلافة فيها بعد تزويده بهذه التجربة القاسية ، واستغفاره وتوبة الله عليه.

وفي سورة «الأعراف» ، كانت نقطة التركيز في السياق هي الرحلة الطويلة من الجنة وإليها ، وإبراز عداوة إبليس للإنسان منذ بدء الرحلة إلى نهايتها ، حتى يعود الناس مرة أخرى إلى ساحة العرض الأولى ، ففريق منهم يعود إلى الجنة التي أخرج الشيطان أبويهم منها لأنهم عادوه وخالفوه ، وفريق ينتكس إلى النار لأنه اتّبع خطوات الشيطان العدوّ اللدود ... ومن ثم عرض السياق حكاية سجود الملائكة ، وإباء إبليس واستكباره ، ثم إسكان آدم وزوجه الجنة يأكلان من ثمرها كلّه إلا شجرة واحدة ، وهي رمز المحظور الذي تبتلى به الإرادة والطاعة ؛ ثم وسوسة الشيطان لهما بتوسع وتفصيل ، وأكلهما من الشجرة وظهور سوآتهما لهما ، وعتاب الله لآدم وزوجه ، وإهباطهما إلى الأرض جميعا للعمل في أرض المعركة الكبرى.

فأما هنا في سورة الحجر ، فإن نقطة التركيز في السياق هي سر التكوين في آدم وسر الهدى والضلال ، وعواملهما الأصلية في كيان الإنسان. ومن ثم نص ابتداء على خلق الله آدم من صلصال من حمأ مسنون ، ونفخه فيه من روحه المشرق الكريم ، وخلق الشيطان من قبل من نار السموم ، ثم عرض حكاية سجود الملائكة وإباء إبليس استنكافا من السجود لبشر من صلصال من حمأ مسنون ، وطرد إبليس ولعنته وطلبه الانتظار إلى يوم البعث وإجابته ، وفي هذه السورة ، إشارة إلى أن إبليس الملعون قرر على نفسه أن ليس له سلطان على عباد الله

٢٦٩

المخلصين ، إنما سلطانه على من يدينون له ، ولا يدينون لله ؛ وانتهى السياق بمصير هؤلاء وهؤلاء في غير حوار ولا عرض ولا تفصيل تبعا لنقطة التركيز فيه ، وقد استوفيت ببيان عنصري الإنسان ، وبيان مجال سلطة الشيطان.

خلق الإنسان

تفيد الآيات الواردة في سورة الحجر أن الإنسان قد خلق :

(مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٢٦).

والصلصال : هو الطين اليابس الذي يصلصل أي يصوّت إذا نقر.

والحمأ : هو الطين الذي تغيّر واسودّ من طول مجاورة الماء.

المسنون : هو المصوّر أو المصبوب لييبس من سنّه إذا صبه ، أي أن الإنسان مخلوق من طين يابس قد اختلط بالماء وصوّر على هيئة الإنسان ثم نفخ الله فيه من روحه فصار بشرا سويا.

وتفيد آيات القرآن الأخرى ، أن الله سبحانه خلق آدم (ع) من تراب ومن طين ، ومن حمأ مسنون ، ومن طين لازب ، ومن صلصال كالفخّار ، ومن عجل ، ومن ماء مهين. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره الكبير :

«ويجمع بين هذه الآيات على أنها دليل على تدرّج الخلقة ، فقد بدأ خلق آدم من أديم الأرض وهو التراب ، ثم تحوّل التراب إلى طين ، وتحوّل الطين إلى سلالة ، ثم تغيّرت رائحة الطين فتحوّل إلى حمأ مسنون ، ثم لصق فتحول الى طين لازب ، ثم صار له صوت كصوت الفخّار ، ثم نفخ فيه الروح فأراد أن ينهض قبل أن تتم الروح فيه فذلك قوله خلق الإنسان من عجل ، ثم جعل ذريته من النطفة التي تنسل من الإنسان ومن الماء المهين وهو الضعيف».

الربع الأخير من سورة الحجر

يتضمّن الربع الأخير من سورة الحجر نماذج من رحمة الله وعذابه ممثّلة في قصص إبراهيم (ع) وبشارته على الكبر بغلام عليم ، ولوط (ع) ونجاته وأهله إلا امرأته من القوم الظالمين ، وأصحاب الأيكة وأصحاب الحجر وما حل بهم من عذاب أليم.

هذا القصص يساق بعد مقدمة ، هي :

٢٧٠

(نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٥٠).

فيجيء بعضه مصداقا لنبأ الرحمة ، ويجيء بعضه مصداقا لنبأ العذاب ، كذلك هو يرجع إلى مطالع السورة ، فيصدق ما جاء فيها من نذير :

(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) (٥).

فهذه نماذج من القرى المهلكة بعد النذر ، حلّ بها جزاؤها بعد انقضاء الأجل.

الحجر

سميت هذه السورة الحجر ، إشارة إلى أصحاب الحجر وهم قوم صالح (ع). والحجر تقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى ، وهي ظاهرة إلى اليوم ، فقد نحتوها في الصخر ، في ذلك الزمان البعيد ، ممّا يدلّ على القوّة والحضارة :

(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) (٨٠).

وهم لم يكذّبوا سوى رسولهم صالح. ولكن صالحا ليس إلّا ممثّلا للرسل أجمعين ، فلمّا كذّبه قومه قيل : إنّهم كذّبوا المرسلين ، توحيدا للرسالة وللرسل وللمكذّبين في كل أعصار التاريخ وفي كل جوانب الأرض ، على اختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأقوام :

(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (٨١).

وآية صالح (ع) كانت الناقة. ولكن الآيات في هذا الكون كثيرة ، والآيات في هذه الأنفس كثيرة. وكلها معروضة للأنظار والأفكار. وليست الخارقة التي جاءهم بها صالح هي وحدها الآية التي آتاهم الله. وقد أعرضوا عن آيات الله كلها. ولم يفتحوا لها عينا ولا قلبا ، ولم يستشعرها فيهم عقل ولا ضمير :

(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٤).

لقد اتّخذ قوم صالح بيوتا حصينة أمينة في صلب الجبال فأخذتهم الصيحة في وقت الصباح ، وهم في ديارهم الحصينة آمنون ، فإذا كل شيء

٢٧١

ذاهب ، وإذا كل وقاية ضائعة ، وإذا كل حصين واهن ، ولم يبق لهم ممّا جمعوا وكسبوا ، وممّا بنوا ونحتوا شيء يغني عنهم ويدفع الهلاك الخاطف.

وهكذا تنتهي الحلقات الخاطفة من القصص في سورة الحجر محققة سنة الله تعالى في أخذ المكذّبين عند انقضاء الأجل المعلوم ، فتتناسق نهاية هذا الشوط مع نهايات الأشواط السابقة في تحقيق سنة الله سبحانه التي لا تتخلّف ولا تحيد.

وفي ختام السورة ذكر للسنن العامة التي لا تتخلف والتي تحكم الكون والحياة ، وتحكم الجماعات والرسالات ، وتحكم الهدى والضلال ، وتحكم المصائر والحساب والجزاء والتي انتهى كل مقطع من مقاطع السورة بتصديق سنّة منها ؛ تلك السنن شاهد على الحكمة المكنونة في كل خلق من خلق الله وعلى الحقّ الأصيل الذي تقوم عليه طبيعة هذا الخلق.

ومن ثمّ يعقب السياق في ختام السورة ، ببيان هذا الحق الأكبر الذي يتجلى في طبيعة خلق السماوات والأرض وما بينهما ، وطبيعة الساعة الآتية لا ريب فيها ، وطبيعة الدعوة التي يحملها الرسول (ص) وقد حملها الرسل قبله. ويجمع بينها كلها في نطاق الحق الأكبر الذي يربطها ويتجلى فيها ، ويبين أن الله جلّ جلاله هو الخلاق لهذا الوجود ولكل ما فيه :

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (٨٦).

٢٧٢

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الحجر» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة الحجر بعد سورة يوسف ، ونزلت سورة يوسف بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، فيكون نزول سورة الحجر في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم ، لذكر قصة أصحاب الحجر فيها ، وهم ثمود قوم صالح (ع). وتبلغ آياتها تسعا وتسعين آية.

الغرض منها وترتيبها

يقصد من هذه السورة إثبات تنزيل القرآن مثل السور السابقة ، ولكنه يأخذهم فيها بالترهيب والتحذير ممّا حصل للمكذّبين قبلهم ، وقد افتتحت بهذه الدعوى ومجادلتهم فيها ، ثم انتقل السياق من هذا إلى ترهيبهم بذكر أخبار المكذّبين قبلهم. ثم ختمت بما يناسب هذا الغرض المقصود منها.

إثبات تنزيل القرآن

الآيات [١ ـ ٢٧]

قال الله تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (١) فأقسم بهذه الحروف ، على أن ما أنزله من آيات الكتاب والقرآن المبين ، وحذرهم من تكذيبه بأنهم سيندمون عليه ، ويودون لو كانوا مسلمين. ثم أمر النبي (ص) أن يدعهم في لهوهم حتى يأتي وقت عذابهم ، وأخبره بأنه لم يهلك قرية من

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٧٣

القرى إلا في أجل معلوم ، لا تتقدّم عنه ولا تتأخّر.

ثم ذكر استهزاءهم بالقرآن وأنهم قالوا عن النبي (ص) إنه لمجنون ، لأنه يدّعي أنه آية على نبوته. ثم طلبوا منه أن يأتيهم بالملائكة إن كان من الصادقين. وقد ردّ عليهم النبي (ص) بأن الله لا ينزل الملائكة إلا بالعذاب ، فإذا نزلوا به لا يمهلونهم ، وبأنه سبحانه هو الذي نزّل القرآن وتولى حفظه مما حصل في الكتب المنزلة قبله ، ثم ذكر تعالى للنبي (ص) أنه قد استهزئ بالرسل من قبله كما استهزئ به ، ليصبر على استهزائهم به وطعنهم فيه ، وأنه كذلك يسلك القرآن في قلوب المجرمين ليعاقبهم عليه كما عاقب المكذّبين الأولين ، ثم رد عليهم بأنه لو فتح عليهم بابا من السماء فظلوا يعرجون فيه ، لزعموا أن هذا سحر ولم يؤمنوا به.

ثم انتقل السياق من هذا إلى إثبات قدرته جل جلاله على ما يقترحون من الآيات ، فذكر أنه سبحانه هو الذي جعل في السماء بروجا وزيّنها للناظرين إلخ ، وأنه مدّ الأرض وألقى فيها رواسي وأنبت فيها من كلّ شيء موزون إلخ ، وأنه أرسل الرياح لواقح فأنزل من السماء ماء فأسقاهموه وما هم له بخازنين إلخ ، وأنه يحيي ويميت ، وهو الوارث الباقي ، وأنه يعلم المستقدمين منهم والمستأخرين : (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٢٥).

ترهيب المشركين بأخبار

المكذّبين قبلهم

الآيات [٢٨ ـ ٨٤]

ثم قال تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٢٨) ، فذكر قصة آدم (ع) حين خلقه وأمر الملائكة بالسجود له ، وأنّ إبليس كذّب وعصى فعوقب بما عوقب به من الطرد واللعن ؛ وقد سبقت هذه القصة في سورتي البقرة والأعراف ولكنها ، هنا ، تخالف ما سبق في سياقها وأسلوبها ، وما فيها من زيادة ونقص.

ثم ذكر قصة إبراهيم ولوط عليهما‌السلام ، وقد سبقت قصتهما في سورة هود وغيرها ، والفرق بينها في هذه المواضع كالفرق السابق في قصة آدم (ع).

ثم ذكر قصة أصحاب الأيكة وهم

٢٧٤

قوم شعيب (ع) ، وقد سبقت قصتهم في سورة هود وغيرها ، والفرق بينها في هذه المواضع كالفرق السابق في قصة آدم.

ثم ذكر قصة أصحاب الحجر وهم قوم صالح (ع) ، وقد سبقت قصتهم في سورة هود وغيرها ، والفرق بينها في هذه المواضع كالفرق السابق في قصة آدم ؛ وقد ذكر في آخرها ، أنه أهلكهم بالصيحة مصبحين : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٤).

الخاتمة

الآيات [٨٥ ـ ٩٩]

ثم قال تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (٨٥) فذكر أنه لا بد من أن يعاقب أولئك المشركين كما عاقب أولئك الأولين ، لأنه لم يخلق ما خلقه عبثا ، ثم أمر النبي (ص) أن يصفح عن استهزائهم ، وأخبره بأنه سبحانه هو الخلاق العليم ليفوّض أمره إليه ، ثم نوّه بشأن القرآن الذي يكذّبون به ، فذكر أنه آتاه سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، ونهاه أن يمدّ عينيه إلى أموالهم أو يحزن عليهم ، وأمره أن يخفض جناحه لمن آمن به ، وأن يخبرهم بأنه هو النذير المبين ، كما أنزل من الإنذار على المقتسمين ، وهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عنه ، وجعلوا القرآن عضين ؛ بعضه سحر ، وبعضه شعر ، وبعضه أساطير الأولين ، ثم أقسم أنه سيسألهم أجمعين عما كانوا يعملون ، وأمره أن يجهر بما أمر أن يبلّغه لهم ، وأن يعرض عنهم فلا يقابل استهزاءهم بمثله ، ووعده أن يكفيه المستهزئين منهم ؛ ثم ذكر له أنه يعلم أن صدره يضيق بما يقولون في حقه ، وأمره بما يشرح صدره ويصبره على أذاهم ، فقال : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩).

٢٧٥
٢٧٦

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الحجر» (١)

أقول : تقدّمت الأوجه في اقترانها بالسورة السابقة. وإنما أخرت عنها لقصرها بالنسبة إليها ، وهذا القسم من سور القرآن للمئين ، فناسب تقديم الأطول ، مع مناسبة ما ختمت به لبراعة الختام ، وهو قوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩). فإنه مفسر بالموت (٢).

وقد وقع ذلك في أواخر السور المقترنة. ففي آخر آل عمران : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠) وفي آخر الطواسين : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٨) [القصص] وفي آخر ذوات (الر) : (وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) (٣٠) [السجدة]. وفي آخر الحواميم : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف / ٣٥].

ثم ظهر لي وجه اتصال أول هذه السورة بآخر سورة إبراهيم ، فإنه تعالى لما قال هناك في وصف يوم القيامة : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) (٥٠). قال هنا : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (٢) فأخبر أن المجرمين المذكورين إذا طال مكثهم في النار ، ورأوا عصاة المؤمنين

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م.

(٢). أخرجه البخاري من سالم : ٦ / ١٠٢ ، والمعنى ونفسه أخرجه البخاري في الجنائز ، وأحمد في المسند : ٦ / ٤٣٦.

٢٧٧

الموحّدين قد أخرجوا منها ، تمنّوا أن لو كانوا في الدنيا مسلمين ، وذلك وجه حسن في الربط ، مع اختتام آخر تلك بوصف الكتاب ، وافتتاح هذه به (١) ، وذلك من تشابه الأطراف.

__________________

(١). ختام إبراهيم : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٥٢) وافتتاح هذه : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (١) فكأنهما متصلتان.

٢٧٨

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الحجر» (١)

١ ـ (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) [الآية ٤٤].

قال عبد الرزاق (٢) : أخبرنا معمر (٣) ، عن الأعمش (٤) : أسماء أبواب جهنّم : الحطمة ، والهاوية ولظى ، وسقر ، والجحيم ، والسّعير ، وجهنّم.

وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن ابن عباس ، وزاد في الهاوية : وهي أسفلها.

٢ ـ (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) (٤٤).

قال الضّحّاك : باب لليهود ، وباب للنصارى ، وباب للصابئين ، وباب للمجوس ، وباب للذين أشركوا ـ وهم كفّار العرب ـ وباب للمنافقين ، وباب لأهل التوحيد. أخرجه ابن أبي حاتم.

٣ ـ (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) [الآية ٦٧].

هي سدوم (٥).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري (١٢٦ ـ ٢١١ ه‍) : من حفّاظ الحديث ، من أهل صنعاء. كان يحفظ نحو سبعة عشر ألف حديث. له «تفسير القرآن» لا يزال مخطوطا و «المصنف». في (١١) جزءا ، وهو آثار مسندة ، مرتّبة على الأبواب الفقهية.

(٣). معمر بن راشد : ثقة ثبت فاضل ، إلا أن في روايته عن الأعمش شيئا. مات سنة (١٥٤ ه‍).

(٤). الأعمش : سليمان بن مهران ، ثقة حافظ ورع ، عارف بالقراءة ، توفي سنة (١٤٧ ه‍) أو (١٤٨ ه‍) على قولين.

(٥). سدوم : مدينة من مدائن قوم لوط. وقال أبو حاتم في كتاب «المزال والمفسد» : إنما هو سذوم ، بالذال المعجمة ، قال والدال خطأ. قال الأزهري : وهو الصحيح ، وهو أعجمي. وذكر الميداني في كتابه «الأمثال» أن سدوم هي سرمين بلدة من أعمال حلب ، معروفة عامرة عندهم ، «معجم البلدان» لياقوت الحموي ٣ / ٢٠٠.

٢٧٩

٤ ـ (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) [الآية ٨٧].

قال الرسول (ص) : هي الفاتحة ، أخرجه البخاري (١) وغيره. وقال ابن عباس : السبع الطّول (٢). أخرجه الفريابي.

وقال سعيد بن جبير ، ومجاهد : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ويونس.

وقال سفيان ، بعد الأعراف : وبراءة ، والأنفال سورة واحدة ، أخرج ذلك ابن أبي حاتم. ٥ ـ (الْمُقْتَسِمِينَ) (٩٠).

قال ابن عباس : اليهود والنصارى ، أخرجه ابن أبي حاتم.

٦ ـ (الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٩٥).

قال سعيد بن جبير : هم خمسة : الوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل السّهمي ، وأبو زمعة ، والحارث بن الطّلاطلة (٣) ، والأسود بن عبد يغوث.

أخرجه ابن أبي حاتم (٤) ؛ وأخرج عن عكرمة مثله ، وسمّى الحارث بن قيس السّهمي.

__________________

(١). برقم (٤٤٧٤) في التفسير عن أبي سعيد بن المعلى بلفظ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) هو السبع المثاني والقرآن العظيم «الذي أوتيته»

(٢). السبع الطّول : هي السور المذكورة في رواية سعيد بن جبير التالية ؛ وأثر ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، «مجمع الزوائد» ٧ / ٤٦.

(٣). «سيرة ابن هشام» ١ / ٤٠٩. و(الطلاطلة) لغة : الداهية ، وقيل : هي اسم أمه ، والذي في «السيرة الشامية» : أن اسمه مالك ، وأن الطلاطلة أبوه. ووقع اسمه «الحارث بن قيس» في «الإتقان» ٢ / ١٤٧.

(٤). والطّبراني في «الأوسط» عن ابن عباس ، وفيه محمد بن عبد الحكيم النيسابوري ؛ قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ / ٤٧ : لم أعرفه.

٢٨٠