الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٤

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٤

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

المبحث الرابع

مكنونات سورة «يونس» (١)

١ ـ (قَدَمَ صِدْقٍ) [الآية ٢].

قال مقاتل : هو محمد ؛ شفيع صدق. أخرجه ابن أبي حاتم

٢ ـ (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) [الآية ١٦].

قال قتادة : أربعين سنة. أخرجه ابن أبي حاتم.

٣ ـ (بِمِصْرَ بُيُوتاً) [الآية ٨٧].

قال مجاهد : بمصر الإسكندرية. أخرجه ابن أبي حاتم (٢).

٤ ـ (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) [الآية ٩٣]. قال قتادة : بالشام. أخرجه ابن المنذر (٣).

٥ ـ (إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) [الآية ٨٣].

قيل : الضمير لفرعون. و(الذّريّة) : مؤمن آل فرعون ، وامرأة فرعون ، وخازنه (٤). وامرأة خازنه.

٦ ـ (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [الآية ٩٨].

هم أهل قرية «نينوى» بشاطئ دجلة من بلاد الموصل.

أخرجه ابن أبي حاتم عن السّدّيّ وغيره.

__________________

(١). انتقى هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). الطبري ١١ / ٦٨.

(٣). الطبري ١١ / ١٠٧.

(٤). ١١ / ١١٤.

٢١
٢٢

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «يونس» (١)

١ ـ وقال تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [الآية ٢].

المراد بقوله تعالى : (قَدَمَ صِدْقٍ) السابقة والفضل والمنزلة الرفيعة ، وقد سمّيت السابقة «قدما» ، لأن السعي والسّبق بالقدم ، كما سمّيت النّعمة يدا ، لأنها تعطى باليد ، وباعا لأن صاحبها يبوع بها ، فقيل : لفلان قدم في الخير. وإضافته إلى (صِدْقٍ) دلالة على زيادة فضل ، وأنه من السّوابق العظيمة ، وقيل : مقام صدق.

٢ ـ وقال تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [الآية ١٥].

أراد تعالى بقوله : (ما يَكُونُ لِي) ، ما يتسهّل لي ، وما يمكنني أن أبدّله.

أقول : وهذا من معاني الفعل «كان» ، وهي التامّة غير الناقصة ، التي تنصرف إلى معان عدّة.

وقوله تعالى : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى) تشتمل على «إن» النافية ، وهذا يدعونا إلى أن نقف على هذه الأداة النافية قليلا.

قال النحاة في باب «ليس» وعملها : إنّ النافيات : «ما» ، و «لا» ، و «لات» و «إن» ، تعمل عمل «ليس». تعمل عمل «ليس». فأما «إن» النافية فمذهب البصريين والفرّاء أنّها لا تعمل شيئا ، ومذهب الكوفيين ، خلا الفرّاء ، أنها تعمل عمل «ليس» ، وقال به من البصريّين أبو العباس المبرّد ، وأبو

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السّامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

٢٣

بكر بن السّرّاج ، وأبو عليّ الفارسي ، وأبو الفتح بن جني.

واستشهدوا مع ذلك بقول الشاعر :

إن هو مستوليا على أحد

إلّا على أضعف المجانين

وقال آخر :

إن المرء ميتا بانقضاء حياته ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا وذكر ابن جني في «المحتسب» أنّ سعيد بن جبير ، رضي الله عنه ، قرأ :

(إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) [الأعراف / ١٩٤].

أقول :

لا أريد أن أناقش عمل «إن» فتلك مسألة ضعيفة يعوزها الشاهد الآية ، والشاهد الشعري الصحيح ، ذلك بأن قراءة سعيد بن جبير قراءة خاصة ، والقراءات الكثيرة تجمع على : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ) (١).

فليس في الآية «إن» النافية ، بل هي «إنّ» المشبهة بالفعل للتوكيد ، المشدّدة النون ، وعلى هذا ليس في آي القرآن «إن» النافية التي تعمل عمل «ليس».

أما البيتان اللذان ادّعي أنهما شاهدان في «إن» النافية العاملة ، فهما بيتان يتيمان لا يعرف لهما قائل.

ومجموع هذه الشواهد ، على ضعفها ، يشير إلى أن الأداة غير عاملة على النحو الذي أرادوا.

غير أنّ «إن» النافية قد وجدت في آيات القرآن داخلة على الجملة اسمية وفعلية تنفيهما ، ولكن النفي ، في جميع الشواهد الآيات ، منتقض ب «إلّا».

أقول : ولولا «إلا» هذه ، لكان السامع والقارئ في حيرة وإشكال من أمر هذه الأداة النافية «إن» ، لأن هذه الأداة على عدة أحوال فهي شرطية ، وهي مخففة وهي زائدة. غير أن وجود «إلّا» جعل القارئ والسامع يدرك أنها نافية ، ودونك طائفة من الآيات التي وردت فيها «إن» النافية :

(إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٣١) [الأنفال].

(إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) [الأنفال / ٣٤].

__________________

(١). وعليها رسم المصحف الشريف.

٢٤

(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) [الأنعام / ١١٦].

(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) [النجم / ٢٨].

(إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) (٢٩) [يس].

وغيرها كثير. ومثل هذه الشواهد قد نجدها في كلام العرب وهي قليلة (١).

٣ ـ وقال تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) [الآية ٢١].

جواب (إذا) الشرطية الأولى هو (إذا) الثانية التي تفيد المفاجأة ، وإنما جعل «إذا» جوابا لكونها بعض الجملة لما فيها من معنى المفاجأة ، وهي ظرف مكان ، وهو كقوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (٣٦) [الروم].

ومعناه : وإن تصبهم سيّئة قنطوا.

ومعنى الآية المتقدمة : وإذا أذقنا الناس رحمة .... مكروا.

٤ ـ وقال تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) [الآية ٢٢].

في هذه الآية ابتداء خطاب وبعد ذلك إخبار عن غائب ، لأنّ كلّ من أقام يخاطبه جاز له أن يردّه إلى الغائب ، قال كثير :

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا ولا مقليّة إن تفلّت

وقال عنترة :

شطّت مزار العاشقين فأصبحت

عسرا عليّ طلابك ابنة مخرم

وقوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ) [الآية ٢٣].

المعنى : فلما أنجاهم بغوا (٢).

أقول : ومثل هذا الانتقال من الخطاب إلى الغيبة معروف في لغة التنزيل ، وهو غرض ترمي إليه لغة العرب في غير القرآن من كلامهم.

٥ ـ وقال تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) [الآية ٢٦].

__________________

(١). فاتنا أن نشير إلى قوله تعالى : (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) [يونس / ٦٨].

والمعنى : ما عندكم من سلطان ، وفي هذه الآية وردت «إن» النافية ، ولم ينتقض نفيها ب «إلا».

(٢). «مجمع البيان» للطبرسي ١٠ / ١٠١.

٢٥

(وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) أي : لا يغشى وجوههم غبرة فيها سواد ، أي : لا يرهقهم ما يرهق أهل النار إذكارا بما ينقذهم منه برحمته. والفعل «رهق يرهق» ، قد جاء في أربع آيات أخرى بهذا المعنى ، ومنها :

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) (٤١) [عبس].

أقول : وليس لنا في العربية المعاصرة إلا الفعل المزيد «أرهق» ، بمعنى «عذّب» و «آذى» و «حمّله ما لا يطيق».

على أن الفعل المزيد قد جاء في ثلاث آيات منها :

(وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) (٧٣) [الكهف].

كما ورد «الرّهق» في آيتين من سورة الجن منهما :

(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦)) [الجن].

أي : زادوهم إثما وغيّا.

ولا بد أن نشير إلى الفعل «كان» الذي يعني «وجد» فهو مكتف بمرفوعه.

٦ ـ وقال تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) [الآية ٢٨].

قوله تعالى : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي : ففرّقنا بينهم وقطعنا أقرانهم ، والوصل التي كانت بينهم في الدنيا ، أو فباعدنا بينهم بعد الجمع بينهم في الموقف (١).

وقال الفرّاء : هي ليست من «زلت» بالضم ، وإنما هي من «زلت» بالكسر وزلت الشيء فأنا أزيله إذا فرّقت ذا من ذا ، وأبنت ذا من ذا ، وقال فزيّلنا لكثرة الفعل ، ولو قلّ لقلت : زل ذا من ذا.

وقرأ بعضهم : (فزايلنا) وهو مثل قولك : لا تصعّر ولا تصاعر.

وقال تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا) [الفتح / ٢٥].

يقول : لو تميّزوا.

أقول : وهذه بعض الذخائر اللغوية التي حفظها القرآن ، ولو لا ذلك لعفا الأثر وضاعت فرائد.

٧ ـ وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ

__________________

(١). «الكشاف» : ٢ / ٣٤٣.

٢٦

النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٤).

قال الزمخشري (١) :

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) ، أي : لا ينقصهم شيئا مما يتصل بمصالحهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب ، ولكنهم يظلمون أنفسهم بالكفر والتكذيب.

أقول : هكذا درج المفسرون عامة على تفسير الظلم في هذه الآية ، بمعنى نقصهم حسناتهم.

وقد يكون «نقص الحسنات والمصالح» ظلما ، ولكني أقول : المراد ، والله أعلم ، أنهم لم يظلموا شيئا ، أي : ما كان قليلا جدا.

وأنا إن أذهب إلى هذا فدليلي ما يمكن أن يوحي به استعمال لفظ «شيء» في طائفة من آي الذكر الحكيم.

قال تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) [البقرة / ١١٣]. (عَلى شَيْءٍ) أي : على شيء يصح ويعتدّ به.

وقال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) [البقرة / ١٥٥].

(بِشَيْءٍ) بقليل من كل واحد من هذه البلايا ، وطرف منه.

وقال تعالى : (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران / ١٥٤].

يقول الكافرون بعضهم لبعض هل لنا من النصر والفتح والظفر نصيب ، قالوا ذلك على سبيل التعجب والإنكار ، أي : أنطمع أن يكون لنا الغلبة على هؤلاء ، أي : ليس لنا من ذلك شيء.

أقول : والقلّة المتضمنة في «شيء» ، يعضدها التنكير ، وزيادة «من» الجارة قبلها.

ومثل هذه الآية قوله تعالى : (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) [النساء / ١١٣].

والمعنى : لا يضرّونك بكيدهم ومكرهم شيئا ، فإن الله حافظك وناصرك.

__________________

(١). «الكشاف» ٢ / ٣٤٩.

٢٧

وقال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام / ٣٨].

أي : ما تركنا ، وقيل : معناه ما قصرنا ، وقوله تعالى : (مِنْ شَيْءٍ) أي : مهما كان قليلا بدلالة التنكير.

وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام / ١٥٩].

هذا خطاب للنبيّ (ص) وإعلام له أنه ليس منهم في شيء ، وأنه على المباعدة التامة ، من أن يجتمع معهم في معنى من مذاهبهم الفاسدة.

وليس خافيا دلالة «الشيء» على القلة في هذه الآية.

وقال تعالى : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) [هود / ٥٧].

أي : ولا تضرّونه بتولّيكم شيئا من ضرر مّا ، لأنه لا يجوز عليه المضار والمنافع ، وإنما تضرّون أنفسكم.

وقال تعالى : (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف / ٣٨].

أي : ما صحّ لنا معشر الأنبياء أن نشرك بالله أيّ شيء كان من ملك ، أو جنّيّ ، أو إنسيّ ، فضلا عن أن نشرك به صنما لا يسمع ولا يبصر. وقد بقي من معنى «شيء» في إفادة القلة والصغر الكثير في نثر الأدباء وشعرهم طوال العصور إلى عصرنا هذا ، وقد نجد من ذلك شيئا في اللهجات الدارجة.

وقد يتضح هذا المعنى من القلة أن كلمة «شيء» تأتي كثيرا بعد النفي لتؤكد النفي وهي منكّرة. يقال : لا أعرف شيئا ولا أملك من شيء ، وما يغنيني عن ذلك من شيء ، والله أعلم بما أراد.

٨ ـ وقال تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [الآية ٦١].

(وَما يَعْزُبُ) (قرئ بالضمّ والكسر ، أي : وما يبعد وما يغيب.

وفي الحديث : أنهم كانوا في سفر مع النبي (ص) فسمع مناديا ، فقال : انظروه تجدوه معزبا أو مكلئا.

وهو الذي عزب في إبله أي : غاب.

والعازب من الكلأ : البعيد المطلب ، والمعزب : طالب الكلأ البعيد.

والعزيب المال العازب عن الحيّ.

أقول : أراد ب «المال» الإبل وسائر الماشية.

٢٨

ومن المفيد أن أشير أن «العزيب» بهذا المعنى ما زالت معروفة لدى الرعاة في عصرنا.

٩ ـ وقال تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٦٦).

في هذه الآية وردت (إن) النافية مرتين ، وكنا قد بسطنا القول فيها.

وقوله تعالى : (يَخْرُصُونَ) (٦٦) ، أي : يحزرون ويقدّرون أن تكون شركاء تقديرا باطلا. ومن المفيد أن نبسط القول في الفعل «خرص» ، الذي كاد أن يطوى خبره في العربية المعاصرة ، لو لا ما نسمع قليلا من استعمالهم «تخرّص» بمعنى ابتدع الكذب والأوهام ، وهي مثل ذلك في فصيح العربية كما في قوله تعالى :

(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (١٠) [الذاريات].

قال الزجاج : هم الكذّابون. وتخرّص فلان على الباطل واخترصه ، أي افتعله.

والفعل (يخرصون) في الآية بمعنى الحزر ، ولأنه من الذين يتّبعون الظن فهو أقرب إلى الوهم والباطل.

ولنعد إلى «الخرص» أيضا فنقول :

وأصل الخرص : التظنّي فيما لا تستيقنه ، ومنه خرص النخل والكرم ، إذا حزرت التّمر لأنّ الحزر إنّما هو تقدير بظنّ لا إحاطة ، والاسم الخرص ، بالكسر ، ومن هنا قيل للكذب خرص ، لما يدخله من الظنون الكاذبة.

وقد خرصت النخل والكرم أخرصه خرصا ، إذا حزرت ما عليها من الرطب تمرا ، ومن العنب زبيبا.

وفي الحديث عن النبي (ص) أنه أمر بالخرص في النخل والكرم خاصة دون الزرع القائم ، وذلك لأن ثمارها ظاهرة.

أقول : وما زال «الخرص» معروفا لتقدير ما على النخل من تمر لدى أهل البساتين في جنوبي العراق.

والذي نلاحظه أن مجموع ما يتصل بهذه اللفظة هو من العامي الدارج تقريبا ، ولا نعرفه في الفصيحة المعاصرة.

١٠ ـ وقال تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [الآية ٧٨].

أقول : والمراد بقوله تعالى : (لِتَلْفِتَنا) لتصرفنا.

وأكثر من «لفت» استعمالا «التفت» وتلفّت المزيدان.

٢٩

قال تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [هود / ٨١].

وفي الحديث في صفته (ص) : فإذا التفت التفت جميعا ، أراد أنه لا يسارق النظر.

وفي الحديث أيضا : «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يلفت الكلام كما تلفت البقرة الخلى (١) بلسانها».

أقول : إن ما في الحديث يذكّر بأقوال المعاصرين مما ولّدوه متأثرين باللغات الغربية الأعجمية وهو قولهم : اللّف والدوران ، وفلان يلف ويدور أي : لا يفصح ويعمّي عن قصد ، وهي صفة تقرب من الاحتيال والخداع. ويقولون في العربية المعاصرة : وهذا يلفت النظر ، من «ألفت» وهو رباعيّ مولّد لا تعرفه الفصيحة.

وقولهم : «ألفت النظر» ، وهو ملفت للنظر في العربية المعاصرة ، جديد من المجازات التي جدّت في العربية ، والأصل فيها نقل ما في اللغات الأعجمية.

ومن المفيد أن نقف قليلا على مادة «لفت» ، لندرك سعة العربية التي جاءت بالفرائد من هذا الأصل القديم.

قالوا : واللّفوت من النساء : التي تكثر التلفّت ، وقيل : هي التي يموت زوجها أو يطلّقها ويدع عليها صبيانا ، فهي تكثر التلفّت إلى صبيانها.

وقيل : هي التي لها زوج ، ولها ولد من غيره ، فهي تلفّت إلى ولدها.

وفي الحديث : لا تتزوّجنّ لفوتا ، وهي التي لها ولد من زوج آخر ، فهي لا تزال تلتفت إليه وتشتغل به عن الزوج.

والألفت : القويّ اليد الذي يلفت من عالجه ، أي : يلويه.

والألفت والألفك في كلام تميم : الأعسر ، سمّي بذلك لأنه يعمل بجانبه الأميل.

وفي كلام قيس : الأحمق مثل الأعفت ، والأنثى لفتاء.

وفوائد أخرى قديمة أشارت إليها المعجمات.

١١ ـ وقال تعالى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) [الآية ٨٨].

أريد بالأمر في الآية الدعاء عليهم ،

__________________

(١). الخلى : الرّطب من النبات.

٣٠

والمراد بالطّمس على الأموال تغييرها عن جهتها إلى جهة لا ينتفع بها.

والطّموس : الدروس والامّحاء ، وطمس الطريق يطمس ويطمس طموسا : درس وامّحى أثره.

وطمسته طمسا يتعدّى ولا يتعدّى ، وانطمس الشيء وتطمّس : امّحى ودرس.

وقال تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) [يس / ٦٦].

ومعناه : لأعميناهم.

ويكون الطموس بمعنى المسخ ، كقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) [النساء / ٤٧].

وكما ورد التعبير القرآنيّ : (لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) في الآية السابقة ، كذلك فقد ورد التعبير القرآنيّ : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) في قوله تعالى : (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) [القمر / ٣٧].

أي : مسحناها كسائر الوجه فلم ير لها شقّ ، فلما تغيّر المعنى صير إلى المتعدي ، ولم يأت بالخافض «على» كما في الآية.

وطمس النجم ذهاب ضوئه ، ومنه قوله تعالى : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) (٨) [المرسلات].

أقول :

والذي لنا من هذا الفعل في العربية المعاصرة ، هو غير المتعدي «انطمس» ، لذهاب الأثر والامّحاء.

ولنا في اللهجات الدارجة قول العامة : طمس الرجل ، وطمس الشيء ، وهو الغطس في الماء وغيره كالوحل.

١٢ ـ وقال تعالى : (فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨٩).

أقول : قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعانِ) ، فعل أمر مسند إلى ألف الاثنين ، وحقه أن تحذف منه نون الرفع «نون الاثنين».

وهذا يعني أن النون المكسورة المشدّدة هي نون التوكيد.

وقرئ بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين ، كما قالوا تشبيها بنون التثنية ، وقرئ بتخفيف التاء أيضا.

١٣ ـ وقال تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها) [الآية ٩٨].

(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ) ، أي : فهلّا كانت قرية واحدة.

٣١

فمعنى (لولا) ، الحضّ فهي بمنزلة «هلّا» ، ومثلها قوله تعالى :

(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) [الآية ٢٠].

١٤ ـ وقال تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٣).

أقول : حذفت الياء من «ننج» لغرض صوتي ، وذلك لأن قصر المدّ والاكتفاء بالكسر مما يتطلبه إسكان اللام في (الْمُؤْمِنِينَ) ، ليكون بين الجيم واللام صوت قصير هو الكسرة لأن المد الطويل ، أي : الياء لا يجعل الكلمتين مرتبطتين على هذا النحو من الإحكام. وإلا فليس من سبب آخر نحوي ، أو ما يسمّى خط المصحف اقتضى ذلك.

٣٢

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «يونس» (١)

قال تعالى : (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ) [الآية ٢] القدم هاهنا : التقديم ، كما تقول : «هؤلاء أهل القدم في الإسلام» أي : الذين قدّموا خيرا فكان لهم فيه تقديم (٢).

وقال تعالى : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) [الآية ٥] ثقيلة (وَقَدَّرَهُ) ممّا يتعدى إلى مفعولين ، كأنه «وجعله منازل». وقال تعالى : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) [الآية ٥] فجعل القمر هو النور كما تقول : «جعله الله خلقا» وهو «مخلوق» و «هذا الدرهم ضرب الأمير». وهو «مضروب». وقال جلّ شأنه : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة / ٨٣] فجعل الحسن هو المفعول كالخلق.

وقال تعالى : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) وقد ذكر الشمس والقمر كما قال (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة / ٦٢].

وقال سبحانه : (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) [الآية ١٢] و (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً) [الآية ٤٥] وهذا في الكلام كثير وهي «كأنّ» الثقيلة ولكن أضمر فيها فخفّفت كما تخفف أنّ ويضمر فيها ، وإنما هي «كأنه لم» وقال الشاعر (٣) [من الخفيف وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المائتين] :

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). نقله في الصحاح «قدم» والبحر ٥ / ١٣٠.

(٣). هو زيد بن عمرو بن نفيل ، الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ / ٢٩٠ ، والخزانة ٣ / ٩٥ ؛ واللسان «ويا» ؛ وقيل هو نبيه بن الحجاج «اللسان» أيضا.

٣٣

وي كأن من يكن له نشب يحبب

ومن يفتقر يعش عيش ضرّ

وكما قال (١) [من الهزج وهو الشاهد التاسع والعشرون بعد المائتين] :

[وصدر مشرق النّحر]

كأن ثدياه حقّان (٢)

أي : كأنه ثدياه حقّان. وقال بعضهم «كأن ثدييه» فخفّفها وأعملها ، ولم يضمر فيها.

وقال تعالى : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) [الآية ١٩] على خبر «كان» كما (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً) [يس / ٢٩ و ٥٣]. أي «إن كانت تلك إلّا صيحة واحدة».

وقال تعالى : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) [الآية ٩] كأن (تجري) مبتدأة منقطعة من الأوّل.

وقال تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [الآية ٢٢] ، وإنما قيل : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) لأنّ (الفلك) يكون واحدا وجماعة. قال تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١)) [الشعراء / ١١٩ ويس / ٤١] وهو مذكر. وأمّا قوله جلّ شأنه (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) فجوابه قوله سبحانه : (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) [الآية ٢٢].

وأمّا قوله تعالى : (دَعَوُا اللهَ) [الآية ٢٢] فجواب لقوله سبحانه : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) [الآية ٢٢] وإنما قال (بِهِمْ) وقد قال (كُنْتُمْ) بذكر الغائب ومخاطبته. قال الشاعر (٣) [من الطويل وهو الشاهد العاشر بعد المائة] :

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا ولا مقليّة أن تقلّت

وقال تعالى : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الآية ٢٣] أي : وذلك متاع الحياة الدنيا ، وأراد «متاعكم متاع الحياة الدّنيا».

وقال تعالى : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ) [الآية ٢٤] أي : كمثل ماء.

__________________

(١). هذا الشاهد أحد الخمسين التي لا يعرف قائلها في الكتاب.

(٢). صدره احدى صور وروده في المراجع المذكورة ، وهي الكتاب ١ / ٢٨١ و ٢٨٣ وتحصيل عين الذهب ، وشرح ابن عقيل ١ / ٣٣٤ ، وشرح الأبيات للفارقي ٢٥٢ ، والخزانة ٤ / ٣٥٨ ، واللسان «أنن» مرتين.

(٣). هو كثير بن عبد الرحمن الخزاعي المعروف ب «كثير عزة» وقد سبق الاستشهاد بهذا الشاهد.

٣٤

وقال تعالى : (وَازَّيَّنَتْ) [الآية ٢٤] أي «وتزيّنت» ولكن أدغمت التاء في الزاي لقرب المخرجين ، فلمّا سكن أولها زيد فيها ألف وصل ، فصارت (وازّيّنت) ثقيلة «ازّيّنا» يريد المصدر وهو من «التزيّن» وإنما زيدت الألف بالإدغام حين أدغم ليصل الكلام ، لأنه لا يبتدأ بساكن.

وقال تعالى : (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) [الآية ٢٦] ، لأنه من «رهق» «يرهق» «رهقا».

وقال تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) [الآية ٣٨] وهذا ، والله أعلم ، «على مثل سورته» وألقى (١) السورة كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ([يوسف / ٨٢] يريد «أهل القرية».

وقال تعالى : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [الآية ٢٧] وزيدت الباء ، كما زيدت في قولك «بحسبك قول السوء».

وقال تعالى في قراءة من قرأ : (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) [الآية ٢٧] فالعين (٢) ساكنة لأنه ليس جماعة «القطعة» ولكنه «قطع» اسم على حياله (٣). وقرأ عامّة الناس (قِطَعاً) (٤) يريدون به جماعة «القطعة» ويستند الأول إلى قوله تعالى : (مُظْلِماً) لأن «القطع» واحد فيكون «المظلم» من صفته. والذين قالوا «القطع» يعنون به الجمع ، وقالوا نجعل (مُظْلِماً) حالا ل (اللَّيْلِ).

وقال تعالى : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) [الآية ٢٨] في معنى «انتظروا أنتم وشركاؤكم».

وقال تعالى : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ

__________________

(١). نقله في الهمع ١ / ١٢٧ والمغني ١ / ١١٠ وشرح المفصّل لابن يعيش ٨ / ١٣٩ و ٢ / ١١٥ وشرح الرضي على الكافية ٢٩٢ والبحر ٥ / ١٤٧ و ١٤٨.

(٢). يقصد عين الكلمة في ميزانها وهو حرف الطاء.

(٣). هي في الطبري ١١ / ١١٠ إلى بعض متأخري القراء ؛ وفي السبعة ٣٢٥ ؛ والكشف ١ / ٥١٧ ، والتيسير ١٢١ والجامع ٨ / ٣٣٣ ؛ والبحر ٥ / ١٥٠ الى ابن كثير والكسائي.

(٤). في معاني القرآن ١ / ٤٦٢ أنها قراءة العامة ، وكذلك نسب في الطبري ١١ / ١١٠ إلى عامة قراء الأمصار ، وفي السبعة ٣٢٥ إلى نافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة ، وفي البحر ٥ / ١٥٠ إلى السبعة ممن لم يأخذ بالسابقة ، وإلى ابن أبي عبلة ، وفي الكشف ١ / ٥١٧ والتيسير ١٢١ إلى غير ابن كثير والكسائي. وعلى هذه القراءة رسم المصحف.

٣٥

ما أَسْلَفَتْ) [الآية ٣٠] أي : تخبر. وقرأ بعضهم (١) تتلو أي : تتبعه.

وقال تعالى : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) [الآية ٣١]. فإن قلت : «كيف دخلت (أم) على (من) فلأن (من) ليست في الأصل للاستفهام وانما يستغنى بها عن الألف ، فلذلك أدخلت عليها (أم) ، كما أدخل على (هل) حرف الاستفهام وإنما الاستفهام ، في الأصل الألف. و(أم) تدخل لمعنى لا بد منه. قال الشاعر (٢) [من الطويل وهو الشاهد الثلاثون بعد المائتين] :

أبا مالك هل لمتني مذ حضضتني

على القتل أم هل لامني لك لائم (٣)

في قوله تعالى : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) (٥٠) ، إن شئت جعلت (ماذا) اسما بمنزلة (ما) وإن شئت جعلت (ذا) بمنزلة «الذي».

وقال تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) [الآية ٥٣] كأنه قال «ويقولون أحقّ هو».

وقال تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٥٨). وقرأ بعضهم (تجمعون) (٤) أي : تجمعون يا معشر الكفار. وقرأ بعضهم (فلتفرحوا) (٥)

__________________

(١). في معاني القرآن ١ / ٤٦٣ نسبت إلى عبد الله بن مسعود ، وفي الطبري ١١ / ١١٢ إلى جماعة من أهل الكوفة وبعض أهل الحجاز ، وفي السبعة ٣٢٥ والتيسير ١٢١ والجامع ٨ / ٣٣٤ إلى حمزة والكسائي ، وفي البحر ٥ / ١٥٣ الى الأخوين وزيد بن علي.

(٢). هو في الكتاب ١ / ٤٨٦ زفر بن الحارث ، وفي تحصيل عين الذهب والدرر اللوامع ٢ / ١٧٨ هو الجحّاف بن حكيم السّلمي ، وكذلك في الأغاني ١١ / ٦٠.

(٣). في الأغاني والدرر ب «إذ» «مذ» وفي الدرر «فيك» بدل «منك».

(٤). هي في الطبري ١١ / ١٢٦ الى أبي بن كعب في رواية ، والى أبي جعفر القارئ ، وفي السبعة ٣٢٧ ، والكشف ١ / ٥٢٠ ، والتيسير ١٢٢ ، والجامع ٨ / ٣٥٤ ، إلى ابن عامر ، وفي الشواذ ٥٧ إلى زيد بن ثابت ، وأبي جعفر المدني ، وأبي النتاج ، كذا ، وفي البحر إلى أبي ، وابن القعقاع ، وابن عامر ، والحسن على ما زعم هارون ، ورويت عن النبي الكريم.

(٥). نسبت في معاني القرآن ١ / ٤٦٩ إلى زيد بن ثابت ، وفي الطبري ١١ / ١٢٦ الى أبيّ في رواية ، والحسن البصري ، وأبي جعفر القارئ وفي الشواذ ٥٧ إلى زيد بن ثابت ، وأبي النتاج. كذا ، وأبي جعفر المدني ، وفي المحتسب ٣١٣ الى النبي الكريم ، وعثمان بن عفان ، وأبيّ بن كعب ، والحسن ، وأبي رجاء ، ومحمد بن سيرين والأعرج وأبي جعفر ، بخلاف ، والسلمي وقتادة والجحدري ، وهلال بن يساف والأعمش بخلاف ، والعباس ابن الفضل وعمرو بن فائد ، وفي الكشاف ١ / ٥٢٠ الى ابن عامر وغيره ، وفي الجامع ٨ / ٣٥٤ الى الحسن ، ويزيد بن القعقاع ، ويعقوب وغيرهم ، وفي البحر ٥ / ١٧٢ الى عثمان بن عفان ، وأبي ، وأنس ، والحسن ، وأبي رجاء ، ـ

٣٦

وهي لغة للعرب رديئة ، لأن هذه اللام إنما تدخل في الموضع الذي لا يقدر فيه على «افعل» ؛ يقولون : «ليقل زيد» لأنك لا تقدر على «افعل». ولا تدخل اللام إذا كلمت الرجل فقلت «قل» ولم تحتج إلى اللام (١). وقوله تعالى : (فَبِذلِكَ) بدل من قوله سبحانه : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ).

وقال تعالى في قراءة من قرأ : (وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) [الآية ٦١] على تقدير : «ولا يعزب عنه أصغر من ذلك ولا أكبر» بالرفع (٢). وقرأ أكثرهم (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) (٣) بالفتح أي : (ولا من أصغر من ذلك ولا من أكبر) ولكنه «أفعل» ولا ينصرف ، وهذا أجود في العربية ، واكثر في القراءة ، وبه نقرأ.

وقال تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [الآية ٧١] تقول العرب : أجمعت أمري أي أجمعت على أن أقول كذا ، أي عزمت عليه وقرأ بعضهم (وشركاؤكم) (٤) والنصب أحسن (٥) لأنك لا تجري الظاهر

__________________

ـ وابن هرمز ، وابن سيرين ، وأبي جعفر المدني ، والسلمي وقتادة ، والجحدري ، وهلال بن يساف ، والأعمش ، وعمرو بن فائد ، والعباس بن الفضل الأنصاري ، ورويت عن النبي الكريم ، وأنها وردت عن يعقوب ، وكذلك نسبت إلى ابن عطية ، وابن القعقاع وابن عامر ، والحسن ، على ما زعم هارون. أما القراءة بالياء ، فنسبت في معاني القرآن ١ / ٤٦٩ ، والبحر ٥ / ١٧٢ إلى العامة ، وخصّ منهم الجامع ٨ / ٣٥٤ ابن عامر ، وكذلك في الكشف ١ / ٥٢٠ ، وفي الطبري ١١ / ١٢٦ إلى قراء الأمصار ، وإلى أبي التياح ، وأبي بن كعب في رواية.

(١). نقله في الصحاح «تا».

(٢). في الطبري ١١ / ١٣٠ هي قراءة بعض الكوفيين ، وفي السبعة ٣٢٨ إلى حمزة وحده ، كذلك في الكشف ١ / ٥٢١ والتيسير ١٢٣ ، والبحر ٥ / ١٧٤ ، وزاد في الجامع ٨ / ٣٥٦ يعقوب.

(٣). في الطبري ١١ / ١٣٠ إلى عامة القراء ، وكذلك في البحر ٥ / ١٧٤ ، وفي الكشف ١ / ٥٢١ ، والتسير ١٢٣ الى غير حمزة ، وفي السبعة ٣٢٨ إلى ابن كثير ، ونافع ، وأبي عمرو ، وعاصم وابن عامر ، والكسائي.

(٤). في معاني القرآن ١ / ٤٧٣ هي قراءة الحسن ، وكذلك في الطبري ١١ / ١٤٢ ، وفي الشواذ ٥٧ إلى الحسن ويعقوب وسلام ، وفي البحر ٥ / ١٧٩ إلى أبي عبد الرحمن والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وسلام ويعقوب. وفي الجامع ٨ / ٣٦٢ الى الحسن وابن أبي إسحاق ويعقوب وفي المحتسب ٨ / ٣٦٢ الى أبي عبد الرحمن والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وسلام ويعقوب وأبي عمرو.

(٥). في الطبري ١١ / ١٤٢ إلى قراء الأمصار ، وفي البحر ٥ / ١٧٩ إلى الزهري والأعمش والجحدري وأبي رجاء والأعرج ، والأصمعي عن نافع ويعقوب بخلاف ، وفي المحتسب ٣١٤ الى الأعرج وأبي رجاء وعاصم والجحدري والزهري والأعمش ، وفي الجامع ٨ / ٣٦٢ إلى عاصم والجحدري.

٣٧

المرفوع على المضمر المرفوع ، إلا أنه قد حسن ، في هذا ، للفصل الذي بينهما ، كما في قوله تعالى : (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) [النمل / ٦٧] فحسن ، لأنه فصل بينهما بقوله سبحانه (تُراباً). وقرأ بعضهم (فاجمعوا) (١). وبالمقطوع نقرأ.

وفي قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) [الآية ٧١](يَكُنْ) جزم بالنهي.

وقال تعالى : (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) [الآية ٧٧] قرئ (سِحْرٌ) على الحكاية لقولهم ، كما ورد في التنزيل : (أَسِحْرٌ هذا) ، وقول موسى (ع) (أَتَقُولُونَ أَسِحْرٌ هذا) (٢).

وقال تعالى : (لِتَلْفِتَنا) [الآية ٧٨] من لفت يلفت ، نحو أنا ألفته ، «لفتا» أي : ألويه عن حقّه.

وقال تعالى : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) [الآية ٨١] أي : (الذي جئتم به السحر) وقرأ بعضهم (السحر) بالاستفهام (٣).

وقال سبحانه : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) [الآية ٨٣] أي ملأ الذرّيّة (٤).

وقال تعالى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا) [الآية ٨٨] بنصب (يُؤْمِنُوا) لأنّه جواب الدعاء بالفاء.

قال تعالى : (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) [الآية ٨٨] أيّ : فضلّوا. كما قال سبحانه : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص / ٨] أي : فكان. وهم لم يلتقطوه ليكون

__________________

(١). قراءة وصل الهمزة هي في السبعة ٣٢٨ الى نافع ، وفي المحتسب ٣١٤ الى الأعرج ، وأبي رجاء ، وعاصم الجحدري ، والزهري ، والأعمش ، واقتصر في الجامع ٨ / ٣٦٢ على عاصم الجحدري ، وفي البحر ٥ / ١٧٩ الى الزهري ، والأعمش ، والجحدري ، وأبي رجاء ، والأعرج ، والأصمعي عن نافع ويعقوب بخلاف عنه.

(٢). نقله في إعراب القرآن ٢ / ٤٦٣ ، والجامع ٨ / ٤٦٦.

(٣). في معاني القرآن ١ / ٤٧٥ نسبت الى مجاهد وأصحابه ، وفي الطبري ١١ / ١٤٨ الى مجاهد ، وبعض المدنيين ، والبصريين ، وفي السبعة ٣٢٨ ، والكشف ١ / ٥١٦ ، والجامع ٨ / ٣٦٨ ، الى أبي عمرو ، وزاد في البحر ٥ / ١٨٢ مجاهدا وأصحابه ، وابن القعقاع. أما القراءة بلا استفهام ، ففي الطبري ١١ / ١٤٨ الى عامة قرّاء الحجاز والعراق ، وفي السبعة ٣٢٨ ، والكشف ١ / ٥٢١ ، والجامع ٨ / ٣٦٨ الى غير أبي عمرو ، وفي البحر ٥ / ١٨٣ الى غير من أخذ بالأخرى من السبعة.

(٤). نقله في المشكل ١ / ٣٥٣ ، وإعراب القرآن ٢ / ٤٦٤ ، والجامع ٨ / ٣٧٠ ، والبحر ٥ / ١٨٣ ، و ١٨٤ والبيان ١ / ٤١٩ ، والإملاء ٢ / ٣٢.

٣٨

لهم عدوّا وحزنا ، وإنّما التقطوه فكان ، هذه اللام تجيء في هذا المعنى.

وقوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُوا) عطف على (لِيُضِلُّوا) في الآية ٨٨ نفسها ، من سورة يونس.

وقال تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) [الآية ٩٢] قرأ بعضهم (ننجيك) (١) وقوله سبحانه : (بِبَدَنِكَ) أي : لا روح فيه (٢).

وقال بعضهم معنى : (نُنَجِّيكَ) نرفعك على نجوة من الأرض. وليس قولهم : «أنّ البدن هاهنا» «الدرع» بشيء ولا له معنى (٣).

وقال تعالى : (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) [الآية ٩٧] بتأنيث فعل الكل ، عند إضافته الى الآية ، وهي مؤنّثة (٤).

وقال تعالى : (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [الآية ٩٩] فجاء بقوله (جَمِيعاً) توكيدا ، كما في قوله سبحانه : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل / ٥١] ففي قوله : (إِلهَيْنِ) دليل على الإثنين (٥).

وقال تعالى : (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٣) أي : «كذلك ننجي المؤمنين حقّا علينا».

وقال تعالى : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) [الآية ١٠٥] أي : وأمرت أن أقم وجهك للدّين.

__________________

(١). في البحر ٥ / ١٨٩ الى يعقوب. ونقله في إعراب القرآن ٢ / ٤٦٦ ، والجامع ٨ / ٣٨٠.

(٢). نقله في الصحاح «بدن» ، ونقله في الجامع ٨ / ٣٨٠.

(٣). نقله في الجامع ٨ / ٣٨٠.

(٤). نقله في زاد المسير ٤ / ٦٤.

(٥). نقله في زاد المسير ٤ / ٦٧ ، والجامع ٨ / ٣٨٥.

٣٩
٤٠