الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٤

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٤

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

يوسف وأخاه أحبّ إلى أبينا منّا ، وأقرب إليه منا جميعا.

وقال الثاني : إن حبّ يوسف قد تمكّن من قلب يعقوب ، ولا شفاء ليعقوب من هذا المرض إلا بإبعاد يوسف عنه ، فيجب أن نقتل يوسف ، أو نتركه في أرض نائية مقطوعة حتى يموت.

وقال يهوذا : إن القتل لا يقرّه العقل ولا الدين ، فلا تقتلوا يوسف ، وإنما ألقوه في البئر العميق بجوار بيت المقدس ، فهذا البئر ملتقى الغادي والرائح ، وسيأخذه بعض القوافل ويبعدون به عنكم ، فوافقوا جميعا على رأي يهوذا ، وبيّتوا أمرهم عليه.

رؤيا يوسف

أصبح يوسف ، فأخبر أباه أنه رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدين له ، فعلم الأب أن ابنه سيكون له شأن عظيم ، وأنّ أسرته ستأتي له خاضعة معترفة بفضله ، فيسجد بين يديه يعقوب أبوه [سجود تحيّة] ، وخالته ليا وهي بمنزلة أمه ، وأخوته الأحد عشر ، ولكن يعقوب خشي على يوسف من حسد إخوته ، فأمره أن يكتم هذه الرؤيا وألّا يخبر بها أحدا ؛ ولأمر ما تسرب خبر هذه الرؤيا إلى الإخوة فأشعل نار الغيرة بينهم ، واستأذنوا أباهم في مصاحبة يوسف يوما إلى المرعى حيث الهواء الطلق والمنظر الجميل ، فأذن لهم بعد تردّد ، وأخذوا يوسف وألقوه في ظلام البئر بعد أن استغاث بهم فلم يغيثوه ؛ وألقى الله على يوسف السكينة ، فاطمأنّ لمصيره ، وجاءت قافلة تريد الماء ، وألقت بدلوها إلى البئر ، فتعلّق يوسف بالدلو وفرحت القافلة بمنظر الغلام الجميل ، وقدموا به إلى أرض مصر ، فباعوه إلى عزيز مصر بثمن بخس زهيد ، ولمح العزيز في يوسف كرم الأصل وشرف العنصر وجمال الخلق وطيب المنبت ، فقال العزيز لامرأته أكرمي مثوى هذا الغلام وأحسني معاملته ، وحاشاك أن تزجريه زجر الخدم أو تضربيه ضرب العبيد ، فإني لأرجو إذا اكتمل عوده ونضجت سنه ، أن ينفعنا أو نتّخذه ولدا.

وانصرف يوسف إلى العمل في بيت العزيز في جد وأمان ، فمكّن الله له في الأرض وأودع محبته في قلوب الجميع ، فلما وصل إلى سن الرشد

١٢١

والقوة ، وهي تقع عادة بين العشرين والثلاثين ، آتاه الله حكما وعلما ، وصوابا في الحكم على الأمور ، ومعرفة بمصائر الأحاديث وتأويل الرؤيا.

وهكذا أراد إخوة يوسف به أمرا ، وأراد الله له أمرا ؛ ولكن أمر الله غالب ، ومشيئته نافذة ، فقد زادت ثقة العزيز في يوسف ، وظهر له مكنون حزمه وعقله ، وأمانته ونزاهته ، فأدخله فيما بين نفسه وأهله ، وبوّأه مكان الأشراف الأحرار ، ووضعه من قلبه موضع الأبناء الأبرار.

يوسف وامرأة العزيز

نما يوسف وترعرع وبلغت سنه خمسا وعشرين سنة ، وصار أمينا في بيت العزيز. وكانت امرأة العزيز في سن الأربعين ، ولها سلطان الملك وقدرة الأمر والنهي ، وسيطرة النفوذ والجاه ؛ ولكن سلطان الحب قد ملك قلبها ، وسيطر على فؤادها.

وحاولت إغراء يوسف مستغلة فنون الإغراء كلها ، قال تعالى :

(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) [الآية ٢٣].

فكلمة (راودته) من راد يرود بالإبل إذا ذهب بها ، وجاء ؛ وهي تشير إلى فنون الأنثى مقبلة إلى فن ، مدبرة عن فن ، من فنون الإغراء الصامتة التي تحاول بها أن تثير يوسف ، فلما يئست من الصمت (غلّقت الأبواب) بتشديد اللام ، كأنها أرادت أن تجعل الأبواب حيطانا ، ثم عرضت نفسها على يوسف (وقالت هيت لك) : قد تهيأت لك راغبة فيك ؛ وهنا وقد خلعت المرأة ثياب الملك والعظمة والسيادة ، ولبست ثوب الإغراء والتولّه والرغبة ؛ وقف يوسف في عزّة وإباء وإيمان ، يقول ، كما ورد في محكم التنزيل :

(مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢٣) [الآية ٢٣].

فالمرأة في العصور كلها أكثر عاطفة من الرجل وأكثر تديّنا وإيمانا ، وأكثر مراعاة لحرمة الزوجية ، وأكثر نفورا من الظلم.

ولهذا عمد يوسف إلى عاطفة الايمان بالله ، فقال : (مَعاذَ اللهِ) أستعيذ بالله من الفحشاء والمنكر ، إن زوجك أكرمني وجعلني أمينا على بيته

١٢٢

وعرضه ، فهل جزاء الإحسان إلّا الإحسان :

(إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ).

وهناك عين الله التي ترى وتعلم السر وأخفى ، وهذا ظلم وعدوان ، وإنه (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢٣).

ولكن المرأة كانت قد صمّت أذنيها عن سماع كل موعظة ، وأغمضت عينيها عن رؤية الحق ، ولم يبق في ذهنها إلا فكرة واحدة في مكان .. في رجل .. فهمّت به صائلة عليه لتنتقم لنفسها وكرامتها ، أو لترغمه على طاعتها ، وهمّ بها ليضربها أو يقتلها دفاعا عن الفضيلة والشرف ، ولكن الله ألهمه أن الفرار خير من القتال ، والمسالمة خير من المواثبة ، وفتحت الأبواب أمامه فأسرع هاربا منها ، ولكنها عدت وراءه ، طمعا في تنفيذ رغبتها ، أو خوفا من افتضاح أمرها.

(وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) [الآية ٢٥].

ونتيجة جذبها له لترده عن الباب ، وقعت مفاجأة ، فقد كان العزيز يمرّ في تلك اللحظة ، فرأى يوسف واقفا وقميصه ممزّقا ، وكان موقفا يبعث على الرّيبة ويثير الاتهام ، فاتهمت المرأة يوسف ، بأنه راودها عن نفسها ؛ وهجم عليها في مخدعها ، ولا بدّ من سجنه ، أو إذاقته مرّ العذاب.

ولم يجد يوسف بدّا من وصف الواقع وإيضاحه ، فقال هي التي راودتني عن نفسي وجذبتني من ثوبي ، وهذا قميصي شاهد على صدقي ، وأمام تضارب الأقوال ، استدعى الملك ابن عمها وكبير أسرتها ، وكان فطنا لبيبا ، فسمع القضية من أطرافها ، وفطن لما وراء قصّتها فقال : إن كان قميصه قدّ من الأمام فذلك إذا من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها ، فهي صادقة وهو من الكاذبين ؛ وإن كان قميصه قدّ من الخلف ، فهو إذا من أثر هروبه منها ، ومطاردتها له حتى الباب ، فهي كاذبة وهو من الصادقين.

فلما رأى الملك بعينه أن القميص قد مزّق من الخلف ، وضح الحق وظهرت براءة يوسف أمامه ، والتفت العزيز إلى امرأته وقال : إنّ هذا من كيد النساء ومكرهنّ ، فاستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ، وأنت يا يوسف أمسك لسانك عن الخوض في هذا الحديث ، واكتم أمره عن الناس أجمعين.

١٢٣

يوسف عزيز مصر

تعرض يوسف لحلقات متتابعة من الإغراء والوعد والوعيد ، وتوالت عليه حملات زليخا ، ونساء من وجوه المدينة ، فدعا يوسف ربه أن ينجيه من كيدهن ومكرهن ، بقوله كما ورد في القرآن الكريم :

(رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [الآية ٣٣].

ورأى العزيز أن يضحي بهذا البريء النزيه ، حتى تسكت الألسنة وتخف عن زوجته التهمة ، فأدخل يوسف السجن.

وكان يوسف في السجن ، مثالا كريما في الدعوة إلى الإيمان وتفسير الأحلام وإرشاد الناس إلى الحق ؛ ثم رأى الملك في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف ، وفسّر يوسف هذه الرؤيا بأن البلد مقبلة على سبع سنين مخصبة يجود فيها النيل بالماء ، ثم تأتي بعدها سبع سنين مجدبة يجف فيها ماء النيل ، ويعقب ذلك عام طيّب مثمر ، فأمر الملك بالعفو عن يوسف ، ولكنه أبى أن يخرج من السجن إلا بعد التثبّت من براءته ونزاهته ، فاعترفت النسوة بنزاهته وفي ذلك ، يقول الله تعالى :

(حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (٥١).

فخرج يوسف من السجن بريئا نزيها ، ثم نال إعجاب الملك والحظوة عنده.

وعلم يوسف أن مصر قادمة على مجاعة ، فالنيل سيجود بالماء سبع سنين ثم يمتنع عن الفيضان سبع سنين أخرى ، ورأى يوسف ثقة الملك فيه وإعجابه بنزاهته وأمانته فقال كما ورد في التنزيل :

(قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٥٥).

واستطاع يوسف بحكمته أن ينجي مصر من المجاعة ، وأن يدّخر القمح في سنابلها ، والذرة في كيزانها ، وأن يدير التموين والأموال ، وأن يحفظ لمصر مكانتها وفضلها فاستطاعت أن تساعد نفسها ، وأن تمديد العون لما حولها من البلاد.

ووصل خبر يوسف إلى البلاد

١٢٤

المجاورة ، وإلى أرض كنعان حيث يقيم نبيّ الله يعقوب وأبناؤه الأسباط.

فقال يعقوب لبنيه : يا بنيّ إن الجدب عمّنا والقحط يكاد يأتي علينا ، فاقصدوا هذا العزيز ، وأحضروا من عنده القمح والطعام ، واتركوا عندي أخاكم بنيامين أتعزّى ببقائه عن فراقكم ، فرحل أبناء يعقوب إلى مصر ، قاصدين مقابلة العزيز.

واستأذن الحاجب على يوسف ، فقال إن بالباب عشرة رجال تتشابه وجوههم ، وكأنهم غرباء عن هذه الديار يستأذنون في الدخول عليك ، فأذن يوسف لإخوته وعرفهم ، ولكنهم لم يعرفوه ، فقد تركوه في الجب ذليلا فريدا ، فأين منه هذا الأمير العزيز الذي يأمر فيطاع ، ويقول فيمتثل الجميع أمره. وأكرم يوسف وفادتهم ، وترك نقودهم داخل التموين الذي أمدّهم به ، وطلب منهم أن يحضروا أخاهم بنيامين معهم في المرة الثانية ، ولما حضر بنيامين مع إخوته استطاع يوسف أن يستبقيه معه ، ثم ذهب الإخوة إلى أبيهم ، فاشتدّ حزنه لفراق يوسف وبعده بنيامين ، وجلس حزينا في محرابه يبكي أشد البكاء ، ويقول كما أخبرنا القرآن الكريم (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) [الآية ٨٤].

ثم قال الأب لأبنائه ، إني أحس في قرارة نفسي بوجود يوسف على قيد الحياة ، فاذهبوا إلى مصر وتحسّسوا من يوسف وأخيه ، ولا تيأسوا من فضل الله ورحمته ؛ ودخل الإخوة على يوسف ، وقد اشتدّ بهم الضرّ والحاجة ، فطلبوا من يوسف أن يرفق بهم ، وأن يتصدّق عليهم ، وهنا فاض قلب يوسف حنانا وعطفا على إخوته ، وسألهم عمّا فعلوه بيوسف في زمان جهلهم ، فقالوا إنك لأنت يوسف ، قال أنا يوسف وهذا أخي بنيامين :

(قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٩٠).

لقد اتقى يوسف ربّه ، وصبر عن الفحشاء ، وتحمّل السجن في طاعة الله ، فلم يضع أجره ، وجعله الله على خزائن الأرض ، عزيزا كريما ، فالله يتولى الصالحين.

وصفح يوسف عن إخوته وقال لهم :

(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٣).

١٢٥

وعاد الإخوة إلى أبيهم ، فأحسّ رائحة القميص من مسافة بعيدة ، ولمّا وضع القميص على وجهه عاد بصيرا ، ورحل يعقوب مع أسرته قادمين إلى مصر ، ودخلوا على يوسف ، وخرّوا له جميعا ساجدين [سجود تحيّة] ، الأب والأم والإخوة ، فقال يوسف :

(يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) [الآية ١٠٠].

وشكر يوسف ربّه إذ أخرجه من السجن ، وجاء بإخوته من البادية ، وجمع شمل الأسرة ، ثم مكّن الله ليوسف في الأرض ، وآتاه الملك والحكمة ، ليكون في قصته دليلا للعاملين ونبراسا للمخلصين ؛ وكأنه سبحانه يمهد الأسباب والمقدمات بلطفه وحكمته ، لتكون العاقبة للمتّقين ، ومد يوسف (ع) يده لله تعالى طالبا منه حسن الخاتمة والسير في موكب الصالحين فقال ، كما ورد في التنزيل :

(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١).

* * *

١٢٦

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «يوسف» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة «يوسف» بعد سورة «هود» ، وقد نزلت سورة «هود» بعد «الإسراء» وقبيل الهجرة ، فيكون نزول سورة «يوسف» في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لأنها نزلت في قصة يوسف مع أبيه وإخوته ، وتبلغ آياتها إحدى عشرة ومائة آية.

الغرض منها وترتيبها

يقصد من هذه السورة إثبات تنزيل القرآن ، كما يقصد من سورتي «يونس» «وهود» ، ولهذا ذكرت بعدهما ، وتختلف طريقة إثباته فيها عن طريقة إثباته فيهما ، لأن طريقة إثباته فيهما ، كانت بتحدّيهم أن يأتوا بسورة أو عشر سور مثله ؛ أما طريقة إثباته في هذه السورة ، فبأنه يقصّ عليهم من تفصيل أخبار يوسف (ع) ، ما لا يمكن أميّا مثله أن يعرفه.

وقد جاءت هذه السورة في هذا الغرض على ثلاثة أقسام : أولها في مقدمة ، يقصد منها التمهيد لقصة يوسف ، وثانيها ، في قصة يوسف ، وثالثها ، في خاتمة تناسب ما سيقت له هذه القصة.

المقدمة

الآيات (١ ـ ٣)

قال الله تعالى (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز. المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٢٧

الْمُبِينِ) (١) فأقسم بهذه الحروف ، أن ما أنزله هو آيات الكتاب المبين ، وذكر أنه أنزله قرآنا عربيّا ، ليعقلوه ويفهموه ، وأنه يقصّ عليه فيه أحسن القصص ، وقد كان من قبله لا يعلم شيئا منه ، فلا يمكن إلا أن يكون منزّلا من عنده.

قصة يوسف (ع)

الآيات (٤ ـ ١٠١)

ثم قال تعالى (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٤) كان ليعقوب اثنا عشر ولدا : ستة من ليا بنت ليان ، وأربعة من سريّتين له ، واثنان من راحيل بنت ليان ، وكان قد تزوجها بعد وفاة أختها ، فولدت له بنيامين ويوسف. فذكر تعالى أن يوسف رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له ، فقصّ ما رآه على أبيه ، فنهاه أن يقصّه على إخوته ، لئلا يحملهم الشيطان على الكيد له ، وكان يحبه هو وأخوه بنيامين أكثر منهم ، ثم أوّله له بأن ربه يجتبيه ، ويعلمه من تأويل الأحاديث ، ويتمّ نعمته عليه ، وعلى آل يعقوب ، كما أتمها على أبويه إبراهيم وإسحاق ؛ ثم ذكر سبحانه أن في قصة يوسف آيات وعبرا للسائلين ، ثمّ فصّلها ، فذكر تعالى أن إخوة يوسف ذكروا فيما بينهم أن يوسف وأخاه أحبّ إلى أبيهم منهم ، وحكموا بتخطئته في إيثارهما بزيادة حبّه عليهم ، وتآمروا على قتله أو إبعاده في أرض عن أبيه ؛ فأشار بعضهم بإلقائه في جبّ ليلتقطه بعض السّيّارة الذين يمرون به ، فاتفقوا على هذا الرأي ، ثم احتالوا على أبيهم ، حتى يرسله ليرتع ويلعب معهم ، فذكر أنه يخاف أن يأكله الذئب وهم عنه غافلون ، فتعهّدوا له ألّا يغفلوا عنه ، فلمّا ذهبوا به ألقوه في ذلك الجبّ ، واتفقوا على أن يرجعوا إلى أبيهم ، فيخبروه بأن الذئب أكله وهم في غفلة عنه ، وأوحى الله إليه لينبّئنّهم بأمرهم هذا ، وهم لا يشعرون.

ثم ذكر سبحانه أنهم رجعوا إلى أبيهم يبكون ، وأخبروه بأنهم ذهبوا يستقون ، وتركوا يوسف عند متاعهم ، فأكله الذئب ، وأتوه بقميصه وعليه دم لطّخوه به ، فنظر إلى القميص فوجده لا تمزيق فيه. فعرف كذبهم وأخبرهم بأن أنفسهم سوّلت لهم فيه أمرا ، وصبر

١٢٨

على فقد يوسف صبرا جميلا ، واستعان الله على ما يصفون من الكذب ، ليظهر أمره له ، ويعلم ما فعلوه به.

ثم ذكر تعالى ، أن سيارة كانت ذاهبة من مدين إلى مصر ، أرسلوا واردهم ليطلب لهم الماء، فسار حتى وصل إلى ذلك الجبّ ، فأدلى دلوه فتعلق يوسف به ، فلمّا رآه فرح به لجماله وحسنه ، واتفق هو ومن معه على أن يخفوا أمره عن سيارتهم ، ويخبروهم بأن أهل الماء جعلوه بضاعة عندهم ، على أن يبيعوه لهم بمصر ، ثم ذكر أنهم باعوه بثمن بخس لأنهم لم يغرموا فيه شيئا ، وكان الذي اشتراه عزيز مصر ، فأمر امرأته أن تكرم مثواه ، عسى أن ينفعهم أو يتخذوه ولدا ؛ ثم ذكر جلّ شأنه أنه لما بلغ أشدّه ، آتاه حكمة وعلما ، وجزاه بذلك على إحسانه وطاعته ، وأنّ امرأة العزيز راودته عن نفسه ، فاستعاذ بالله ممّا تطلبه منه ، وخرج هاربا إلى الباب فخرجت وراءه لتمنعه ، وتعلّقت بقميصه فقدّته من دبر ، فلما وصلا إلى الباب ، وجدا بعلها عنده ، فرمته بأنه كان يريد بها سوءا ، وذكر له أنها راودته عن نفسه فأبى ؛ وجاء شاهد من أهلها ، فذكر أن قميصه إن كان قدّ من قبل ، تكون هي الصادقة ، وإن كان قدّ من دبر يكون هو الصادق ، فلما رآه قدّ من دبر علم أن اتهامها له من الكيد الذي عرفن به ، وأمره أن يعرض عن هذا ، لئلّا يظهر للناس ، وأمرها أن تستغفر من ذنبها ، ولا تعود إليه.

ثم ذكر تعالى أن نسوة في المدينة عرفن ذلك ، فلمنها عليه ، فلما سمعت بما حصل منهن ، دعتهنّ إليها ، وأحضرت لهن طعاما ، وآتت كل واحدة منهن سكينا لقطع الطعام ، وأمرت يوسف أن يخرج عليهن ، فلمّا رأينه أكبرنه ، ودهشن ، فوقعت سكين كل واحدة على يدها ، فجرحتها ، ثم أخبرتهن بأنه هو الذي لمنها فيه ، وأنه إن لم يفعل ما تأمره به ، فلا بدّ من أن تسعى في سجنه ، فآثر السجن على ما دعته إليه ، ولم يجبها إلى ما أرادته ، فذهبت إلى بعلها ، فشكته أنه فضحها في الناس ، وأنه يخبرهم بأنها راودته عن نفسه ، فرأى أن يحبسه ، حتى يسقط عن ألسنة الناس ذكر ذلك الحديث.

ثم ذكر سبحانه ، أنه دخل معه السجن فتيان : أحدهما صاحب طعام

١٢٩

الملك ، وثانيهما كان صاحب شرابه ، فقصّ عليه صاحب الشراب ، أنه رأى أنه يعصر خمرا ، وقصّ عليه صاحب الطعام أنه رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ، وطلبا منه أن يؤوّل لهما رؤياهما ، فأخبرهما بأنه سيؤوّل لهما ذلك قبل أن يأتيهما طعامهما ، وأن علمه بتأويل الرؤيا ممّا علّمه ربّه ، لأنه ترك ملّة من لا يؤمنون به ولا باليوم الآخر ، واتّبع ملّة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ثم بيّن لهما بطلان ما يعبدانه من دون الله ، وأوّل لصاحب الشراب رؤياه بأنه سيعود إلى عمله عند الملك ، وأوّل لصاحب الطعام رؤياه ، بأنه سيصلب فتأكل الطير من رأسه ، وطلب من صاحب الشراب أن يذكره عند الملك ، إذا عاد إلى عمله ، فلما عاد إلى عمله نسي أن يذكره عند الملك ، فلبث في السجن بضع سنين.

ثم ذكر تعالى أن الملك رأى سبع بقرات سمان ، يأكلهن سبع عجاف ؛ وسبع سنبلات خضر وأخرى يابسات ، وطلب من قومه أن يؤوّلوا له هذه الرؤيا ، فعجزوا عن تأويلها له ، فطلب منهم صاحب الشراب ، أن يرسلوه إلى يوسف ليؤوّلها ، فلما قصّها عليه ، أخبره بأنهم يزرعون سبع سنين متوالية ، وأوصاهم أن يتركوا ما يحصدونه في سنبله ، لئلّا يأكله السوس ، ولا يأكلوا إلا قليلا منه ؛ ثم أخبره بأنه سيأتي بعد ذلك سبع سنين مجدبات ، يأكلون فيها ما ادّخروه لها ، ثم يعودون إلى الخصب كما كانوا قبل الجدب ، فلما عاد صاحب الشراب إلى الملك ، وأخبره بهذا التأويل ، طلب أن يأتوه بيوسف من السجن ، فلمّا جاءه الرسول أمره أن يرجع إلى الملك ، فيسأله عن حال النسوة اللاتي قطّعن أيديهن ، لينكشف أمرهن وتعلم براءته ممّا اتهمنه به ، فسألهن الملك عن خطبهن ، إذ راودن يوسف عن نفسه ، فأجبن بأنهن لم يعلمن عليه من سوء ، واعترفت امرأة العزيز بأنها هي التي راودته عن نفسه.

ثم ذكر تعالى ، أن الملك أمر أن يأتوه به ليستخلصه لنفسه ، فلمّا أتاه وكلّمه ، أخبره بأن قد صار عنده مكينا أمينا ؛ فطلب منه يوسف أن يجعله أميرا على خزائن أرض مصر ، ليدبّر أمورها في سني الجدب ، فأجابه الملك إلى ما طلب من ذلك ، ثم ذكر تعالى أن إخوة

١٣٠

يوسف جاءوا إليه يبتاعون ميرة لأهلهم ، فعرفهم ولم يعرفوه ، ولمّا جهّزهم بجهازهم ، سألهم أن يأتوه بأخ لهم من أبيهم ، وأخبرهم بأنهم إن لم يأتوه به لم يعطهم شيئا ، فأخبروه بأنهم سيراودون عنه أباه ، لعلّه يرسله معهم ، ثم أمر يوسف فتيانه ، أن يجعلوا بضاعتهم التي ابتاعوا الميرة بها في رحالهم ، ليعرفوها إذا انقلبوا الى أهلهم ، فيرجعوا إليه ثانية ، فلمّا رجعوا إلى أبيهم ، أخبروه بأنهم لا يعطون شيئا ، إذا لم يرسل معهم أخاهم بنيامين ، وطلبوا منه أن يرسله معهم ، وتعهدوا له بحفظه ؛ فأجابهم بأنهم قد تعهدوا قبل ذلك بحفظ يوسف ، ولم يحفظوه ، وذكر لهم أن الله خير حافظ وهو أرحم الراحمين ، ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردّت إليهم ، فأخبروا أباهم بذلك ، وأنهم إذا ذهبوا ثانيا يميرون أهلهم ويحفظون أخاهم ، ويزدادون كيل بعير له ، فطلب منهم أن يؤتوه موثقا من الله ليأتنّه به ، فلما آتوه موثقهم ، أرسله معهم ، وأشهد الله عليهم ؛ ثم ذكر سبحانه أنهم لما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه بنيامين ، وعرّفه أنه أخوه ، ونهاه أن يبتئس بما كانوا يفعلون ؛ فلمّا جهّزهم بجهازهم جعل صواع الملك في رحل بنيامين ، ثم أمهلهم حتى انطلقوا ، فأرسل وراءهم رسولا اتهمهم بأنهم سرقوا صواع الملك ، فرجعوا إلى يوسف وأصحابه ، وأقسموا بالله أنهم ما جاءوا ليفسدوا في الأرض ، وما كانوا سارقين ؛ فسألوهم عن جزائه إن ظهر أنه منهم ، فأجابوهم بأن جزاءه استرقاق من وجد في رحله ، وكان هذا هو حكم السارق في شريعة ملك مصر ، وقد فعل يوسف ذلك ليأخذ أخاه منهم ؛ ففتّش أوعيتهم حتى وجد الصواع في وعاء أخيه ، فحكم باسترقاقه ، وأخذه منهم.

ثم ذكر تعالى ، أنهم أخبروا يوسف بأنّ لأخيهم أبا شيخا كبيرا ، وسألوه أن يأخذ أحدهم مكانه ، فأبى أن يأخذ إلّا من وجد الصواع عنده ، فلمّا يئسوا منه ، تناجوا في أمرهم ، وما يقولونه لأبيهم ، فذكر كبيرهم أنه لن يبرح أرض مصر حتى يأذن له أبوه ، أو يمكّنه الله من خلاص أخيه ، وأمرهم أن يرجعوا إلى أبيهم ، ويخبروه بما فعله ، بنيامين ؛ فلما رجعوا إليه ، وأخبروه بذلك لم يصدقهم ، واتهمهم بأنه دبّروا له أمرا ، كما دبّروا لأخيه من

١٣١

قبل ، وصبر على فقده أيضا صبرا جميلا. ورجا من الله أن يأتيه بأبنائه جميعا ، ثم أعرض عنهم ، وأظهر أسفه على يوسف ، وصار يبكي عليه حتى ذهب بصره ، فأشفق عليه أبناؤه ، وأخبروه بأنه لا يفتأ يذكر يوسف حتّى يمرض أو يهلك ؛ فأجابهم بأنه إنما يشكو أمره إلى الله ، ويعلم منه ما لا يعلمون ، ثم أمرهم أن يذهبوا إلى مصر ، فيفتشوا عن يوسف وأخيه ، ولا ييأسوا من رحمة الله ، فأطاعوا ، وذهبوا إلى مصر يمتارون ويفتشون عن أخويهم ؛ فلما دخلوا على يوسف شكوا إليه ما مسّهم وأهلهم من الضر ، وأنهم جاءوا ببضاعة رديئة يرجون أن يقبلها منهم ، وأن يعطيهم بدلها كيلا وافيا ، ويتصدق بذلك عليهم ؛ فلمّا شكوا إليه ذلك رقّ لهم ودمعت عيناه ، وسألهم عمّا فعلوه بيوسف وأخيه ، وهم في جهل الشباب ، فقالوا له (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٩٠).

ثم ذكر تعالى ، أنهم لما عرفوه ، اعترفوا له بالمزيّة والفضل ، وأقرّوا بأنهم أخطئوا فعفا عنهم ، ورجا من الله أن يغفر لهم ، وأمرهم أن يذهبوا بقميصه ، فيلقوه على وجه أبيه ليأتي إليه بصيرا ، ويأتوا بأهلهم أجمعين ؛ ثم ذكر سبحانه ، أنهم رجعوا إلى أبيهم ، وألقوا عليه القميص فارتدّ إليه بصره ، وأنهم أتوا بأهلهم ، فلما دخلوا على يوسف ، ضمّ إليه أبويه ، ورفعهما إلى سريره الذي يجلس عليه ، وأنهم خرّوا له سجّدا سجود تكريم ، وأن يوسف أخبر أباه ، بأن هذا هو تأويل رؤياه من قبل ، قد جعلها ربّه حقا ، وقد أحسن به إذ أخرجه من السجن ، وجاء بهم إليه ، من بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوته ، إنه لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١).

الخاتمة

الآيات (١٠٢ ـ ١١١)

ثم قال تعالى (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) (١٠٢) فذكر سبحانه ،

١٣٢

أن قصة يوسف (ع) من غيب الماضي الذي يوحيه إليه ، وما كان يعلمه ، وأن أكثر الناس لا يؤمنون بالقرآن ، ولو حرص على إيمانهم لتعنّتهم ، وأنه لا يسألهم عليه أجرا ، حتّى يعرضوا عنه ، وإنما هو تذكير للناس وعظة لهم ؛ ثم ذكر تعالى ، أن هذا الإعراض شأنهم في آياته في السماوات والأرض ، وأن أكثرهم لا يؤمن به إلّا وهم مشركون ؛ ثم أنكر عليهم ، أنهم لا يحذرون أن يؤاخذهم على تعنّتهم ، بغاشية من عذابه ، أو تأتيهم الساعة بغتة ، وهم لا يشعرون.

ثم أمر النبي (ص) أن يذكر لهم ، أن هذا سبيله يدعو إليه على بصيرة ، هو ومن اتّبعه ، ولا يأتيهم بما يقترحونه من الآيات على سبيل التعنّت ، ثم ذكر سبحانه ، أنه لم يرسل من قبله إلّا رجالا مثله ، من أهل القرى ، فلم يرسل ملائكة كما يقترحون ، وأمرهم أن يسيروا في الأرض ، لينظروا كيف كانت عاقبة المكذّبين قبلهم ؛ وذكر تعالى ، أن دار الآخرة خير للمتقين ، من دنياهم التي أعمتهم ؛ ثم ذكر جلّ شأنه أنه لم يهلك المكذبين قبلهم ، إلا بعد أن استيأس الرسل ، وظنّوا أنهم قد كذبوا فيما وعدوا به من هلاكهم ، وأنّ نصره جاءهم بعد هذا ، فنجّى من يشاء من المؤمنين ، ولم يردّ أحد عذابه عن القوم المجرمين (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١١١).

١٣٣
١٣٤

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «يوسف» (١)

أقول : وجه وضعها بعد سورة «هود» زيادة على الأوجه الستة السابقة ، أن قوله تعالى في مطلعها : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [الآية ٣] مناسب لقوله سبحانه في مقطع تلك : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) [هود / ١٢٠].

وأيضا فلما وقع في سورة هود : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) (٧١). وقوله تعالى : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) [هود / ٧٣].

ذكر هنا حال يعقوب مع أولاده ، وحال ولده الذي هو من أهل البيت مع إخوته ، فكان كالشرح ، لإجمال ذلك.

وكذلك قال تعالى في سورة «يوسف» : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) [الآية ٦]. فكان ذلك كالمقترن بقوله تعالى في هود : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) [الآية ٧٣].

وقد روينا عن ابن عباس وجابر بن زيد في ترتيب النزول : أن «يونس» نزلت ، ثم «هود» ، ثم «يوسف» (٢). وهذا وجه آخر ، من وجوه المناسبة في ترتيب هذه السور الثلاث ، لترتيبها في النزول هكذا.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م.

(٢). الإتقان : ١ / ٩٧ ، نقلا عن محمد بن الحارث بن أبيض في جزئه.

١٣٥
١٣٦

المبحث الرابع

مكنونات سورة «يوسف» (١)

١ ـ (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [الآية ٤].

هي الخرثان ، وطارق ، والذيال ، والكتفان ، وقابس ، ووثاب ، وعمودان ، والفيلق ، والمصبح ، والضروح ، وذو الفرع ، كما ورد في حديث مرفوع أخرجه الحاكم في «مستدركه» (٢).

٢ ـ (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) [الآية ٨].

قال قتادة : هو بنيامين ، شقيقه.

أخرجه ابن أبي حاتم.

٣ ـ (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) [الآية ١٠].

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). يبدو أن هذا الحديث سقط من مطبوعة «المستدرك» ، حتى إن الشيخ أحمد شاكر صرح في تعليقه على «تفسير الطبري» بأنه لم يجده فيه. وللعلماء كلام في هذا الحديث المرويّ عن جابر رضي الله عنه. قال الحافظ البوصيري : «رواه أبو يعلى بسند ضعيف ومنقطع ، ورواه البزار بتمامه إلا أنه قال : «التمردان» بدل «العمودان» ، والحاكم قال : صحيح على شرط مسلم ، وليس كما زعم». من هامش «المطالب العالية» ٣ / ٣٤٤.

وأورده ابن عراق الكناني في «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة» ١ / ١٩٣ ، وزاد في عزوه إلى سعيد بن منصور ، والعقيلي في «الضعفاء» وابن مردويه. وقد حاول ابن عراق إزالة تهمة الوضع عن الحديث. لكن تعقبه معلقا عليه الشيخ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري ، فقال : «تقتضي نكارته الحكم بوضعه جزما. وهو في الحقيقة مأخوذ عن الإسرائيليات».

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ / ٣٩ : «رواه البزار ، وفيه الحكم بن ظهير وهو متروك».

وهناك اختلاف بين النسخ التي روت هذا الحديث في أسماء هذه الكواكب ، انظر «تفسير الطبري» ١٢ / ٩٠ و «مجمع الزوائد» ٧ / ٣٩ ، و «كشف الأستار» ٣ / ٥٣ ، و «المطالب العالية» ٣ / ٣٤٤ ، و «تاريخ جرجان» لحمزة السهمي : ٢٤٤ ، و «تنزيه الشريعة المرفوعة» لابن عراق ١ / ١٩٣ ، و «ميزان الاعتدال» للذهبي ١ / ٥٧٢.

١٣٧

قال قتادة : كنا نحدّث أنه روبيل ، وهو أكبر إخوته وهو ابن خالة يوسف (١).

وقال السّدّي : هو يهوذا.

وقال مجاهد : هو شمعون. أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

٤ ـ (غَيابَتِ الْجُبِ) [الآيتان ١٠ و ١٥].

قال قتادة : بئر بيت المقدس.

وقال ابن زيد : بحذاء طبريّة (٢) ، بينه وبينها أميال.

أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

وأخرج عن أبي بكر بن عيّاش : أنّ يوسف أقام في الجبّ ثلاثة أيّام.

٥ ـ (بِدَمٍ كَذِبٍ) [الآية ١٨].

قال ابن عباس : كان دم سخلة (٣).

أخرجه ابن أبي حاتم (٤).

٦ ـ (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) [الآية ١٩].

هو : مالك بن ذعر (٥). ٧ ـ (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ) [الآية ٢١].

قال ابن عبّاس : كان اسمه : قطيفير (٦).

وقال ابن إسحاق : أطيفير (٧).

أخرجه ابن أبي حاتم.

٧ ـ (لِامْرَأَتِهِ) [الآية ٢١].

قال ابن إسحاق : اسمها راعيل بنت رعائيل. أخرجه ابن أبي حاتم.

وقيل : زليخا.

٨ ـ (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [الآية ٢٦].

قال ابن عباس : صبيّ في المهد.

وقال مجاهد : ليس من الإنس ، ولا من الجنّ ، هو خلق من خلق الله.

وقال الحسن : رجل له فهم وعلم.

وقال زيد بن أسلم : كان ابن عمّ لها حكيما.

__________________

(١). أخوه لأبيه. والأثر في «تفسير الطبري» ١٢ / ٩٣.

(٢). رواه الطبري ١٢ / ٩٣ ١٥ / ٥٦٦ ط شاكر.

(٣). السّخلة : ولد الشاة من المعز والضأن ، ذكرا كان أو أنثى.

(٤). والطبري في «تفسيره» ١٢ / ٩٧.

(٥). انظر «تفسير الطبري» ١٢ / ١٠٤.

(٦). «تفسير الطبري» ١٢ / ١٠٤ : «قطفير». والمثبت موافق ل «الإتقان» ٢ / ١٤٦.

(٧). في «الدر المنثور» ٤ / ١١ : «أظفير» ، وفي «تفسير الطبري» : «أطفير بن روحيب». والمثبت موافق ل «الإتقان».

١٣٨

أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

وفي «العجائب» للكرماني : قيل : هو رجل من خاصة الملك ، له رأي.

وقيل : هو زوجها.

وقيل : هو سنّور (١) في الدار (٢).

٩ ـ (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) [الآية ٣٦].

قال ابن عباس : أحدهما ، خازن الملك على طعامه ، والآخر ، ساقيه على شرابه. أخرجه ابن أبي حاتم.

وأخرج عن مجاهد ، وابن إسحاق : أن اسم الأول ، مجلث (٣) ، والساقي ، نبو (٤) ، وفي «المسالك» لأبي عبيد البكري (٥) : أن اسم الأوّل : راشان ، والثاني : مرطش.

وقيل : الأول : بشرهم ، والثاني : شرهم.

حكاه السّهيلي.

١٠ ـ (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ) [الآية ٤٢].

هو السّاقي. قاله مجاهد ، وغيره.

أخرجه ابن أبي حاتم (٦).

١١ ـ (عِنْدَ رَبِّكَ) [الآية ٤٢].

قال مجاهد : أي الملك الأعظم : الريّان بن الوليد. أخرجه ابن أبي حاتم.

١٢ ـ (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (٤٢).

قال أنس بن مالك : سبع سنين (٧).

__________________

(١). السّنّور : الهر.

(٢). قال الطبري في «جامع البيان» ١٢ / ١١٦ : «والصواب من القول في ذلك ، قول من قال : كان صبيا في المهد. للخبر الذي ذكرناه عن رسول الله (ص) أنه ذكر من تكلّم في المهد فذكر أنّ أحدهم صاحب يوسف». والثلاثة المتكلمون في المهد هم : عيسى ، وصاحب يوسف ، وصاحب جريج.

(٣). «تفسير الطبري» ١٢ / ١٢٧ ؛ ووقع في «الدر المنثور» ٤ / ١٨ : «مجلب» بالباء الموحدة ، وفي الإتقان ٢ / ١٤٧ : «محلت».

(٤). «انظر تفسير الطبري» ١٢ / ١٢٧ ، وفي «الإتقان». أن اسمه : «بنوء».

(٥). أبو عبيد البكري : عبد الله بن عبد العزيز ، مؤرخ جغرافي ، ثقة ، أديب ، له مصنفات كان الملوك يتهادونها منها : «المسالك والممالك» ، مخطوط غير كامل ، طبع جزء منه باسم «المغرب في ذكر أفريقية والمغرب» وقطع خاصة ببلاد الروس والصقلب ومصر ، وله أيضا «معجم ما استعجم» و «شرح أمالي القالي» ، توفي سنة (٤٨٧) ه.

(٦). انظر «تفسير الطبري» ١٢ / ١٣١.

(٧). أخرجه ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وعبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد». «الدر المنثور» ٤ / ٢٠.

١٣٩

وقال ابن عباس : اثنتي عشرة سنة.

وقال طاوس ، والضّحّاك : أربع عشرة سنة. أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

وفي «العجائب» للكرماني : أنه لبث بكلّ حرف من قوله : (اذكرني عند ربّك) سنة.

١٣ ـ (وَقالَ الْمَلِكُ) [الآية ٤٣].

هو ريّان السابق (١).

١٤ ـ (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ) [الآية ٥٩].

قال قتادة : هو بنيامين. وهو المتكرّر (٢) في السورة.

١٥ ـ (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) [الآية ٧٧].

وقال ابن عباس : يعنون يوسف.

أخرجه ابن أبي حاتم (٣). ١٦ ـ (قالَ كَبِيرُهُمْ) [الآية ٨٠].

قال مجاهد : هو شمعون الذي تخلّف ، أكبرهم عقلا.

وقال قتادة : هو روبيل ، أكبرهم في السن. أخرج ذلك ابن أبي حاتم (٤).

١٧ ـ (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) [الآية ٨٢].

قال قتادة : هي مصر ، أخرجه ابن أبي حاتم (٥) ، وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس.

١٨ ـ (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) [الآية ٩٤].

قال ابن عبّاس : وجدها من مسيرة ستّة أيّام.

وفي رواية عنه (٦) : ثمانية. وفي أخرى : عشرة. وفي أخرى : من مسيرة

__________________

(١). انظر الآية (٤٢) من هذه السورة في هذا الكتاب ؛ و «تفسير الطبري» ١٣ / ٤.

(٢). المثبت موافق لما في «الإتقان» ٢ / ١٤٧ ؛ وانظر «تفسير الطبري» ١٣ / ٦.

(٣). قال الحافظ البوصيري بعد ما ذكر أثرا عن ابن عباس : رواه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» ، بتعبير يوسف عليه‌السلام بالسرقة : «رواه الحارث. بسند ضعيف لضعف خصيف ، ولا سيما فيما رواه في حق الأنبياء ، وهم معصومون قبل البعثة وبعدها. هذا هو الحق». من هامش «المطالب العالية» ٣ / ٣٤٥.

(٤). انظر «تفسير الطبري» ١٣ / ٢٣.

(٥). «تفسير الطبري» ١٣ / ٢٥.

(٦). انظر «تفسير الطبري» ١٣ / ٣٨.

١٤٠