الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٣

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٣

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨

الآية بمعنى «ربّما» ، الذي يجيء لزيادة الفعل وكثرته ، كقول زهير :

أخو ثقة لا تهلك الخمر ماله ولكنّه قد يهلك المال نائله وقد علق الشيخ أحمد بن المنير الإسكندري في حاشيته «الارتشاف» فقال : ومثلها ، (أي : مسألة «قد») في قوله تعالى : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) [الصّفّ : ٥] فإنّه يكثر علمهم برسالته ، ويؤكّده بظهور آياته ، حتّى يقيم عليهم الحجّة في جمعهم بين متناقضين : أذيّته ، ورسوخ علمهم برسالته.

ومنه أيضا قول الشاعر :

قد أترك القرن مصفرّا أنامله

أقول : هذه الفائدة من خصائص العربية في اللغة القديمة ، أي : أن «قد» تدخل على الفعل المضارع ، وتفيد التكثير ، بعكس الشائع الكثير وهو التقليل.

أقول : قد يكون بقي شيء من إفادة التقليل ل «قد» مع المضارع في اللغة العربية المعاصرة ، إلّا أن إفادة التكثير لا نجد له مكانا وذلك لأن المعربين من الأدباء وغيرهم قد أضاعوا الكثير من خصائص هذه وجهلوا مكانها.

ومن المفيد أن نقف عند قول الزمخشري : أن «قد» في «قد نعلم» بمعنى «ربّما».

أود أن أقول : إن «ربّما» تفيد التقليل ، وهي كذلك في العربية القديمة ولكنها تفيد التكثير أيضا. فما ذا بقي منها في العربية المعاصرة؟ لم يبق من ذلك إلا إفادة التقليل وقد يضاف إلى التقليل ، الشك والاحتمال الضعيف (١).

وفي هذه الآية جاء : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ).

وهمزة «إن» مكسورة وقد جرينا في العربية على فتح الهمزة ، إذا صحّ أن تؤوّل هي ومعمولاها بمصدر في موضع المفعول به للفعل «نعلم».

غير أن القراءة جرت بالكسر : وهذه سنة متبعة وعلينا قبولها ، ولا يصح سبكها بالمصدر ثم الفعل «يحزن» مثل «ينصر» ، وقرئ أيضا بضم الياء.

والقراءة بالفتح هي المثبتة ، وهي الشهيرة ، على أن الفعل ثلاثي «حزن يحزن» والفعل متعدّ.

__________________

(١). انظر : مسألة «رب» ، ومسائل أخرى لابن السيد البطليوسي (نشر مجمع اللغة العربية في دمشق ١٩٦٠).

٤١

أقول : وكون هذا الفعل متعدّيا ، معروف مشهور في العربية القديمة ، ولا وجود له في العربية المعاصرة ؛ فإذا أريد تجاوزه إلى المفعول به ، قالوا «أحزن» مزيدا بالهمزة.

وجاء في «الصحاح» أنّ «حزن» لغة قريش ، و «أحزن» لغة تميم. والمصدر الحزن. وأمّا الحزن فمصدر «حزن» اللازم.

أقول :

لم أهتد في استقرائي منذ زمان بعيد إلى استعمال «حزن» المتعدي بصيغة المضي ، فكلّ الذي وجدته من نصوص هو استعمال «يحزن» ، ويؤيّد دعواي هذه ما ورد في لغة التنزيل ، فقد جاء الفعل متعدّيا بصيغة «يفعل» في تسع آيات ، منها قوله تعالى :

(فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٧٦) [يس].

٥ ـ وقال تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) [الآية ٥٩].

أريد أن أقف على قوله تعالى : (إِلَّا يَعْلَمُها) فأقول : هذا هو أسلوب القرآن يأتي الفعل بعد أداة الاستثناء في الجملة الحالية ، وليس من واو كما نجد عند المعربين ، ولا سيما في عصرنا الحاضر ، يقال :

ما رأيته إلا ووجدته مشغولا بمسألة مشكلة.

وكأن الأسلوب الفصيح القول : ما رأيته إلا وجدته مشغولا بمسألة مشكلة.

ومثل هذا قوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (٤).

وقوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١١) [الحجر].

٦ ـ وقال تعالى : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) [الآية ٦٥].

(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) بمعنى أن يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتّى ، كلّ فرقة منكم مشايعة لإمام. ومعنى خلطهم : أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال.

وكتيبة لبّستها بكتيبة

حتى إذا التبست نفضت لها يدي (١)

__________________

(١). «الكشاف» ٢ : ٢٣.

٤٢

واللّبس واللّبس : اختلاط الأمر ، ولبس عليه الأمر يلبسه لبسا فالتبس ، إذا خلطه عليه حتى لا يعرف جهته.

وعلى هذا ، فرّق بالفعل بين معنى الخلط وبين قولهم : لبس الثوب فهذه الأخيرة مثل «علم» ، والتي تفيد الخلط مثل «ضرب». كما فرّق بالمصدر ، فمصدر قولهم : لبس الثوب «اللّبس» بضم اللام ، أما ما يفيد الخلط فهو «اللّبس» بفتح اللام.

وقالوا : لا بس الرجل الأمر بمعنى خالطه ولا بست فلانا : عرفت باطنه.

أقول : هذه هي الملابسة ، أمّا أن يراد بها الالتباس كما في اللغة المعاصرة ، فهو أمر جديد حدث عن طريق الاتساع ، لأنّ الكلمة تفيد المخالطة. وقد كنا عرضنا لشيء من مادة «لبس».

٧ ـ وقال تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [الآية ٦٨].

المراد بقوله تعالى : (يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) ، أي : في الاستهزاء بها والطعن فيها.

أقول : جاءت مادة «الخوض» ، فعلا ، ومصدرا ، واسم فاعل في إحدى عشرة آية ، وفي جميعها قد انصرف «الخوض» إلى الدخول في الباطل وما لا ينبغي ، ومن ذلك قوله تعالى :

(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) (١٢) [الطور].

غير أننا نجد «الخوض» ، مستعملا في العربية المعاصرة غير متصف بهذه الخصوصية المعنوية ، فهو عام يكون في الخير والشر ، والحق والباطل ، يقال مثلا : «كنا نخوض في مختلف الشؤون» ، والشؤون تكون حقا وباطلا ، وقد تكون كلها حقا. وهذا يعني أن المعربين قد جهلوا الكثير من خصائص هذه اللغة العريقة.

٨ ـ وقال تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) [الآية ٧٠].

قوله تعالى : (وَذَكِّرْ بِهِ) ، أي : بالقرآن ، والمراد ب (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ) أي : مخافة أن تسلم النفس إلى الهلكة والعذاب ، وترتهن بسوء كسبها. وأصل الإبسال : المنع ، لأن المسلم إليه يمنع

٤٣

المسلم ، قال عوف بن الأحوص الباهلي :

وإبسالي بنىّ بغير جرم

بعوناه ولا بدم مراق (١)

ومنه : هذا عليك بسل ، أي : حرام محظور.

وأبسلت فلانا : أسلمته للهلاك فهو مبسل.

ومثل هذا قوله تعالى من الأنعام :

(أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا) [الآية ٧٠].

أي : أسلموا بجرائمهم ، وقيل : ارتهنوا ، وقيل أهلكوا (٢).

أقول : وهذا من الكلم الشريف الذي اشتملت عليه لغة القرآن ، وليس لنا شيء منه في العربية المعاصرة.

إننا لم نعرف في عربيتنا المعاصرة من مادة «بسل» إلا الباسل والبسالة فنقول : الجيش الباسل ، وأبدى المحارب بسالة ، ولا نعرف الفعل «بسل».

٩ ـ وقال تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [الآية ٧٣].

ورد «الصّور» في عشر من الآيات ، وفي جميعها يرد الفعل «نفخ وينفخ» بالبناء للمفعول ، فما الصّور هذا؟

وفي «الصّور» قولان أحدهما : أنه بفتح الواو جمعا لصورة ، كما في قراءة لقوله تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) (١٠٢) [طه].

والثاني : أنه القرن الذي ينفخ فيه.

أقول : وأما من قال : إن الصّور «بفتح الواو» هو المراد ، وهو جمع صورة ، فهو أبو علي.

وقال أبو الهيثم : اعترض قوم فأنكروا أن يكون الصّور قرنا ، كما أنكروا العرش والميزان والصّراط ، وادّعوا أن الصّور جمع الصورة كما أن الصّوف جمع الصّوفة ، والثّوم جمع الثّومة ، ورووا ذلك عن أبي عبيدة. قال أبو الهيثم وهذا خطأ فاحش ، وتحريف لكلمات الله ، عزوجل ، عن مواضعها لأن الله ، سبحانه ، قال : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [غافر : ٦٤] ففتح الواو.

__________________

(١). الكشاف ٢ : ٣٦.

(٢). اللسان (بسل).

٤٤

قال : ولا نعلم أحدا من القرّاء قرأها : (فأحسن صوركم) ، وكذلك قال : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) [الكهف : ٩٩] ، فمن قرأ : (ونفخ في الصّور) ، أو قرأ : (فأحسن صوركم) فقد افترى الكذب وبدّل كتاب الله.

أقول : وأنا أميل إلى قول أبي علي عن أبي عبيدة وهو أن «الصور» جمع صورة كالصوف جمع صوفة ، أو أنه «الصّور» جمع الصورة ، وذلك يبعد عنا فكرة التجسيم والتمثيل التي تكون في «القرن» ينفخ فيه.

١٠ ـ (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) [الآية ٨٠].

الكلام على (وَقَدْ هَدانِ) فالنون مكسورة ، والأصل : «وقد هداني» والياء مطلوبة لأنها ضمير المتكلم وهي المفعول به ، وقد حذفت هذه الياء واجتزئ عنها بكسرة قصيرة. أقول : «قصيرة» لأنها حركة قصيرة بالقياس إلى الياء التي هي كسرة أو حركة طويلة.

ولما ذا هذا الاجتزاء؟ سبب ذلك أن الوقف الجائز بعد (هَدانِ) يسوّغه وجود حركة قصيرة ؛ ولو كانت طويلة ، لما حسن الوقف ، لأن الوقف على النون الساكنة ، أوقع على السمع من الوقف على الياء ، أي : المدّ الطويل ؛ كما هو أحسن من الوقف على الكسر ، وهذا من لطائف حسن الأداء ، الذي تقتضيه قراءة القرآن ، وإحسان تلك القراءة.

١١ ـ وقال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الآية ٩٠].

الكلام على (اقْتَدِهْ) ، والهاء فيها صوت اقتضاه الوقف الذي هو أولى من الوصل في هذه الآية ، وذلك أن الوقف لو كان على «الدال» لوجب إسكان الدال ، وبذلك يختلّ الفعل ، ويلتبس معناه بالأمر من «اقتاد» ، فجيء بالهاء وهو صوت حلقي يحسن السكوت عليه ؛ ألا ترى أن العرب في باب النداء والندبة والاستغاثة ، وقفوا على الهاء فقالوا يا غوثاه ، ويا زيداه ، ووا حرّ قلباه ، وغير ذلك.

١٢ ـ وقال تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الآية ٩١].

والمعنى : ما عظّموا الله حقّ تعظيمه.

وقال الخليل : ما وصفوه حقّ صفته.

٤٥

أقول : هذا هو «القدر» بمعنى التعظيم الذي تحوّل إلى «التقدير» في لغة المعاصرين ، يقولون : فلان حظي بالتقدير والاحترام. على أن «التقدير» في فصيح العربية القديمة ليس من هذا ، وتقدير الله الخلق ، تيسيره كلّا منهم ، لما علم أنهم صائرون إليه من السعادة والشقاء ، كذا قال المفسّرون ؛ والتقدير أيضا تعيين المقدار والدرجة والحدّ.

قال تعالى : (وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) [فصلت : ١٠].

وقال تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) (١٨) [المدّثّر].

وقال تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس : ٣٩].

وقال تعالى : (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً) (١٦) [الإنسان].

١٣ ـ وقال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) [الآية ٩٣].

أقول : واسم الفاعل «باسطو» مضاف إلى معموله ، والمعنى يبسطون أيديهم ، وهذا يعني أن الدلالة الزمنية هي حكاية الحال الماضية ، ومن أجل ذلك وجبت الإضافة ، ولم يجب النصب ، وقد كنا أشرنا إلى هذا الموضوع وأوضحناه.

١٤ ـ وقال تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الآية ٩٤].

أريد أن أقف على قوله تعالى (أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، والمضاف إلى المصدر حكمه حكم المصدر مفعولا مطلقا.

أقول : درج المعاصرون على جرّ «أوّل» باللام فيقولون : حدث لأوّل مرّة ، والفصيح : حدث أوّل مرّة.

١٥ ـ وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) [الآية ٩٥].

اسم الفاعل في الآية أضيف إلى معموله ، وامتنع النّصب. وانظر الآية : ٩٣.

١٦ ـ وقال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الآية ١٠١].

قالوا : من إضافة الصفة المشبّهة إلى فاعلها ، كقولك : فلان بديع الشّعر ، أي : بديع شعره. كقولك : فلان ثبت الغدر ، أي : ثابت فيه ، والمعنى أنه عديم النّظير والمثل فيها.

وقيل : البديع بمعنى المبدع (١).

__________________

(١). «الكشاف» ٢ : ٥٣.

٤٦

أقول : إن قولهم : البديع بمعنى المبدع أكثر وجاهة ، وذلك لأنّ المبدع هو الموجد ، والخالق ، والبادئ ، وأن بدأ وبدع وبده واحد في الأصل والمعنى واحد. وعلى هذا فالمبدع ، مقابلا للبديع في الآية ، يعضده الاشتقاق.

١٧ ـ وقال تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٩).

أقول القسم في غاية الإغلاظ.

وقد كنت عرضت للايات المصدّرة ب «لئن» وأشرنا إلى اللام أنها موطئة للقسم ، ومن أجل ذلك فافعل بعدها جواب للقسم ، وقد أكّد بالنون لأنه الجواب المتصل باللام ، المثبت المستقبل في دلالته الزمنية.

وعلى هذا ، فأسلوب المعاصرين ومن سبقهم ممن أشرنا إليهم من الشعراء ، غير فصيح ، في جعل الجواب للشرط ، يدل عليه اقترانه بالفاء التي هي فاء الجزاء. (وَما يُشْعِرُكُمْ) ، بمعنى (وما يدريكم) ، أن الآية التي تقترحونها (إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها ، وأنتم لا تدرون بذلك. وذلك أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ، ويتمنّون مجيئها. فكأنّه ، عزوجل ، قال وما يدريكم أنهم لا يؤمنون. على معنى أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون به.

ألا ترى إلى قوله تعالى : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الآية ١١٠].

وقيل : «أنّها» بمعنى «لعلّها» من قول العرب : ائت السوق أنّك تشتري لحما.

وقال امرؤ القيس :

عوجا على الطّلل المحيل لأنّنا (١)

نبكي الدّيار كما بكى ابن خذام

ويقوّيها قراءة أبيّ : (لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون).

وقرئ بالكسر على أن الكلام قد تمّ قبله بمعنى : وما يشعركم ما يكون منهم (٢).

__________________

(١). لأننا بفتح اللام والهمزة ، بمعنى لعلّنا.

(٢). «الكشاف» ٢ : ٥٧.

٤٧

١٨ ـ وقال تعالى : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) [الآية ١٣٨].

أقول : حجر بمعنى محجور مثل الذّبح والطّحن ، وهذا باب كبير في العربية ، وهو ما جاء على «فعل» بكسر فسكون ومعناه مفعول.

ولعل هذه الأبنية السماعية التي تؤدّي ما تؤدّيه الأبنية القياسية ، قد سبقت الأبنية القياسية ، ومن أجل ذلك احتفظت العربية ببقاياها. ألا ترى أن «فعلة» في كثير من الألفاظ تؤدّي معنى «مفعول» ، نحو اللّقمة والكسوة والضحكة ونحو ذلك ، ومثل ذلك ما ورد على «فعل» بفتحتين كالحلب والسلب والجلب والعلل والنّهل.

١٩ ـ وقال تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) [الآية ١٣٩].

قال الزمخشري (١) : كانوا يقولون في أجنّة البحائر والسوائب : ما ولد منها حيّا ، فهو خالص للذكور ، لا تأكل منه الإناث.

وأنّث لفظ (خالصة) للحمل على المعنى ، لأنّ (ما) في معنى الأجنّة ، وذكّر لفظ (محرّم) للحمل على اللفظ.

ويجوز أن تكون التاء في «خالصة» للمبالغة مثلها في راوية الشعر. وأن تكون مصدرا وقع موقع الخالص ، كالعاقبة ، أي : ذو خالصة.

أقول : ولا أرى قوله الثاني في أن التاء للمبالغة وجيها ، والوجه الأول هو الحسن والصواب ، وذلك أن لغة القرآن هي لغة العرب ، وقد درج العرب على مراعاة اللفظ مرّة ومراعاة المعنى أخرى ؛ فإذا اقتضت الحال المراعاة مرّتين ، حمل عليهما للتجانس ؛ وأظن أن هذه هي الحكمة اللطيفة ، التي جرت عليها لغة القرآن ، والله تعالى أعلم.

ويحسن أن نشير إلى قول الزمخشري «البحائر والسوائب» بشيء من الشرح فنقول :

أقول : البحيرة والسائبة من قوله تعالى :

(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) [المائدة : ١٠٣].

__________________

(١). «الكشاف» ٢ : ٧١.

٤٨

قيل : البحيرة من الإبل التي بحرت أذنها ، أي : شقّت طولا ، ويقال : هي التي خلّيت بلا راع.

وقال الأزهري ، قال أبو إسحاق النحويّ : أثبت ما روينا عن أهل اللغة ، في البحيرة ، أنها الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا ، بحروا أذنها ، أي : شقّوها ، وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح ، ولا تحلّأ عن ماء ترده ، ولا تمنع من مرعى ، وإذا لقيها المعيي المنقطع به لم يركبها.

وقيل : البحيرة الشاة إذا ولدت خمسة أبطن ، فكان آخرها ذكرا ، بحروا أذنها ، أي : شقّوها وتركت فلا يمسّها أحد.

قال الأزهري : والقول هو الأوّل لما جاء في حديث أبي الأحوص الجشمي عن أبيه ، أن النبيّ (ص) قال له : أربّ إبل أنت أم ربّ غنم؟ فقال : من كلّ قد آتاني الله فأكثر ، فقال : هل تنتج إبلك وافية آذانها فتشقّ فيها وتقول : بحر؟ يريد جمع البحيرة.

أقول : وهذا من عاداتهم ومعتقدهم الذي درجوا عليه بالباطل فجاء الإسلام وأبطله.

وأمّا «السائبة» فهي أن الرجل في الجاهلية كان إذا قدم من سفر بعيد ، أو برئ من علّة ، أو نجته دابّة من مشقّة أو حرب قال : ناقتي سائبة ، أي : تسيّب فلا ينتفع بظهرها ، ولا تحلّأ عن ماء ، ولا تمنع من كلأ ، ولا تركب.

وقيل : بل كان ينزع من ظهرها فقارة أو عظما فتعرف بذلك ؛ فأغير على رجل من العرب ، فلم يجد دابة فركب سائبة ، فقيل : أتركب حراما؟ فقال : يركب الحرام من لا حلال له ، فذهبت مثلا (١).

وجاء في الصحاح : السائبة الناقة التي كانت تسيّب في الجاهلية ، لنذر ونحوه (٢).

وهذه أيضا آبدة من أوابدهم التي درجوا عليها ، وسنأتي إلى الوصيلة فنقول : الوصيلة كانت في الشّاء خاصّة ، فكانت الشّاة إذا ولدت أنثى فهي لهم ، وإذا ولدت ذكرا فهو

__________________

(١). «اللسان» (سيب).

(٢). «الصحاح» (سيب).

٤٩

لآلهتهم ، فإذا ولدت ذكرا وأنثى ، قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوا الذّكر لآلهتهم ، هذا هو قول المفسّرين للاية.

وقال غيرهم :

الوصيلة الناقة التي وصلت بين عشرة أبطن ، وهي من الشّاء التي ولدت سبعة أبطن عناقين عناقين ، فإن ولدت في السابع عناقا ، قيل : وصلت أخاها ، فلا يشرب لبن الأمّ إلّا الرجال دون النساء ، وتجري مجرى السائبة.

وقال أبو عرفة : الوصيلة من الغنم كانوا إذا ولدت الشاة ستّة أبطن ، نظروا ، فإن كان السابع ذكرا ذبح ، وأكل منه الرجال والنساء ، وإن كانت أنثى تركت في الغنم ، وإن كانت أنثى وذكرا ، قالوا : وصلت أخاها فلم يذبح ، وكان لبنها حراما على النساء.

على أن في الوصيلة أقوالا أخرى ليست بعيدة عن هذه الرسوم الجاهلية. وأما الحامي : فهو الفحل من الإبل يضرب الضّراب المعدود ، قيل : عشرة أبطن ، فإذا بلغ ذلك قالوا : هذا حام ، أي : حمى ظهره فيترك فلا ينتفع منه بشيء ولا يمنع من ماء ولا مرعى.

وقد أبطل الإسلام هذه الرسوم الجاهلية ، وجعلها حلالا كغيرها من الحلال ، وبذلك صرّحت الآية.

٢٠ ـ وقال تعالى : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) [الآية ١٤٢].

قال الفراء : «الحمولة» ما أطاق العمل والحمل. و «الفرش» : الصّغار.

وقال أبو إسحاق : أجمع أهل اللغة على أن الفرش صغار الإبل.

وقال بعض المفسّرين : «الفرش» صغار الإبل ، وإن البقر والغنم من الفرش ، والذي جاء في التفسير يدلّ عليه قوله عزوجل (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ) [الآية ١٤٣] فلما جاء هذا بدلا من قوله تعالى : (حَمُولَةً وَفَرْشاً) جعله للبقر والغنم مع الإبل (١).

٢١ ـ وقال تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) (١٥٦).

أريد أن أقف قليلا على «الدراسة» ، وينبغي أن أرجع إلى الآية ١٠٥ من هذه السورة ، وهي :

__________________

(١). «اللسان» (فرش).

٥٠

(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١٠٥). وقد قرئت هذه الآية : (وليقولوا دارست). والمعنى كما قالوا : درست كتب أهل الكتاب ؛ وأمّا دارست أي : ذاكرتهم. وقرئ : (درست) و (درست) ، أي : هذه أخبار قد عفت وامّحت.

أقول : وهذه القراءة الأخيرة لا تعدل قوّة القراءة الأولى ووضوحها ، التي اتّفق أكثر القراء وأهل العلم عليها.

وقرأ ابن عباس ومجاهد : (دارست) ، وفسّرها : قرأت على اليهود وقرءوا عليك.

وقرئ : (درست) أي : قرئت وتليت.

والمصدر في هذا الفعل بمعنى القراءة الدّرس كالمصدر في «درس» بمعنى «عفا وامّحى». أما الدراسة بمعنى القراءة ، فهي خاصة بهذه الدلالة. والدّرس بمعنى القراءة من الأصول القديمة في مجموعة اللغات السامية ، ومن المعلوم أن المدراش عند العبرانيين هو البيت الذي يدرسون فيه ، نظير «المدرسة» في العربية التي استحدثت للمكان في العصور الإسلامية.

ودلالة الدرس على القراءة لها شواهد من كلام الله العزيز ، كقوله :

(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) (٣٧) [القلم].

(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) [سبأ : ٤٤].

٥١
٥٢

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «الأنعام» (١)

قال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ) [الآية ٦] ثم قال في الآية نفسها (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) كأنه أخبر النبي (ص) ثم خاطبه معهم كما قال سبحانه (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] فجاء بلفظ الغائب ، وهو يخاطب ، لأنه هو المخاطب.

فأمّا قوله عزوجل (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الآية ٢] ف (أجل) على الابتداء وليس على (قَضى).

وقال تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ) [الآية ١٢] بنصب لام (ليجمعنّكم) لأن معنى (كتب) كأنه قال «والله ليجمعنّكم» ثم أبدل فقال تعالى في الآية نفسها : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي : ليجمعنّ الذين خسروا أنفسهم (٢).

وقال تعالى : (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ) [الآية ١٤] على النعت. وقرأ بعضهم (فاطر) بالرفع على الابتداء أي : هو فاطر (٣).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). نقله في المشكل ١ : ٢٤٧ وإعراب القرآن ١ : ٣٠٧ والبحر ٤ : ٨٣ وشرح الرضي ١٤٧ ؛ ونقله في البيان ١ : ٣١٥ والإملاء ١ : ٢٣٦ والجامع ٦ : ٣٩٦.

(٣). في إعراب القرآن ١ : ٣٠٧ نقل وجهي النصب والرفع ، والقراءة بالجرّ هي في البحر ٤ : ٨٥ إلى الجمهور ؛ وفي معاني القرآن ١ : ٣٢٨ بلا نسبة ، وفي الكشاف ٢ : ٩ بلا نسبة ، والإملاء ١ : ٢٣٦ بلا نسبة. والقراءة بالرفع ، هي في البحر ٤ : ٨٥ إلى ابن أبي عبلة ؛ وفي معاني القرآن ١ : ٣٢٨ بلا نسبة ، وانظر ما سبق. وقراءة النصب في معاني القرآن ١ : ٢٣٦ و ١ : ٣٢٨ بلا نسبة ، وعدّه في الإملاء شذوذا قرئ به ؛ وأورده في الجامع ٦ : ٣٩٧ إعرابا لا قراءة.

٥٣

وقال تعالى (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَ) [الآية ١٤] أي : وقيل لي : «لا تكوننّ».

وقال تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا) [الآية ٢٣] على الصفة (١). وقرأ بعضهم (ربّنا) (٢) على : يا ربّنا. وأمّا (والله) فبالجرّ على القسم ، ولو لم تكن فيه الواو نصبت فقلت «الله ربّنا». ومنهم من يجرّ بغير واو لكثرة استعمال هذا الاسم ؛ وهذا في القياس رديء. وقد جاء مثله شاذّا قولهم (٣) [من الرجز وهو الشاهد التاسع والثمانون بعد المائة] :

وبلد عاميّة أعماؤه (٤)

وإنّما هو : ربّ بلد وقال (٥) : [من الوافر وهو الشاهد التسعون بعد المائة] :

نهيتك عن طلابك أمّ عمرو

بعاقبة (٦) وأنت إذ صحيح

يقول : «حينئذ» فالقى «حين» وأضمرها (٧). وصارت الواو عوضا من «ربّ» في «وبلد». وقد يضعون «بل» في هذا الموضع. قال الشاعر (٨) : [من الرجز وهو الشاهد الحادي والتسعون بعد المائة] :

ما بال عين عن كراها قد جفت

مسبلة تستنّ لمّا عرفت

__________________

(١). في الطبري ١١ : ٣٠٠ قراءة الخفض إلى عامّة قراء المدينة وبعض الكوفيين والبصريين ، وفي السبعة ٢٥٥ إلى ابن كثير ونافع وعاصم وأبي عمرو وابن عامر ، وفي الكشف ١ : ٤٢٧ ، والتيسير ١٠٢ إلى غير حمزة والكسائي ، وفي البحر ٤ : ٩٥ إلى السبعة ما عدا الأخوين ، وفي معاني القرآن ١ : ٣٣٠ بلا نسبة.

(٢). في معاني القرآن ١ : ٣٣٠ إلى علقمة بن قيس النخعي ، وفي الطبري ١١ : ٣٠٠ إلى جماعة من التابعين وهي قراءة عامة قراء أهل الكوفة ، وفي السبعة ٢٥٥ ، والكشف ١ : ٤٢٧ ، والتيسير ١٠٢ إلى حمزة والكسائي ، وفي البحر ٤ : ٩٥ إلى الأخوين. وانظر الخزانة ٣ : ١٤٨ و ١٤٩ ، وشرح المفصل ٣ : ٢٩ و ٩ : ٣١٥ ، واللسان أذذ.

(٣). القائل هو رؤبة بن العجاج ، مجموع أشعار العرب ٣ ، والصحاح واللسان «عمي» ، وقيل هو العجاج ، المقاييس «عمي» ٤ : ١٣٤.

(٤). في شذور الذهب ٣٢٠ ، وأوضح المسالك ٥٥٣ : وبلد مغبرّة أرجاؤه.

(٥). هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد بن محرث الهذلي ؛ ديوان الهذليين ١ : ٦٨ ، والخزانة ٣ : ١٤٧ ، ومختار الصحاح والصحاح واللسان أذذ.

(٦). في المرتجل ١٠ «بعافية» وكذلك في مختار الصحاح ، والبيت بعد في الخصائص ٢ : ٣٧٦.

(٧). نقله في الخزانة ٣ : ٤٨ و ١٤٩ ، وشرح المفصل ٣ : ٢٩ و ٩ / ه ٣١ ، واللسان أذذ.

(٨). هو سؤر الذئب أخي بني مالك بن كعب بن سعيد. اللسان «حجف» و «بلل» ، ومعجم ألقاب الشعراء ١٢١.

٥٤

دارا لليلى بعد حول قد عفت بل جوز تيهاء كظهر الحجفت (١) فيمن قال «طلحت» (٢) وقال تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) [الآية ٢٥] وواحد «الأكنّة» : الكنان. و «الوقر» في الأذن بالفتح ، و «الوقر» على الظهر بالكسر. وقال يونس (٣) «سألت رؤبة» (٤) فقال : «وقرت أذنه» «توقر» إذا كان فيها «الوقر». وقال أبو زيد (٥) : «سمعت العرب تقول : «أذن موقورة» فهذا يقول : «وقرت». قال الشاعر (٦) [من الرمل وهو الشاهد الثاني والتسعون بعد المائة] :

وكلام سيّئ قد وقرت

أذني (٧) منه وما بي من صمم

وقال تعالى (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٥) فبعضهم يزعم أنّ واحده «أسطورة» وبعضهم «إسطارة» (٨) ، ولا أراه إلّا من الجمع الذي ليس له واحد ، نحو «عباديد» و «مذاكير» و «أبابيل» (٩). وقال بعضهم : «واحد الأبابيل» : إبّيل ، وقال بعضهم : إبّول» مثل : «عجّول» ولم أجد العرب تعرف له واحدا (١٠). فأمّا «الشّماطيط» فإنهم يزعمون أنّ واحده «شمطاط». وكل هذه لها واحد

__________________

(١). وردت المصاريع الأربعة مسلسلة في الصحاح «حجف» ، ووردت حسب تسلسلها في اللسان «حجف» الأول والرابع والخامس والثاني عشر في أرجوزة ، وورد المصراع الرابع وحده وهو موضع الشاهد في الإنصاف ١ : ٩٠٢ ، والخصائص ١ : ٣٠٤ و ٢ : ٩٨ ، وشرح المفصّل لابن يعيش ٢ : ١١٨ و ٤ : ٦٧ و ٨ : ١٠٥ و ٩ : ٨١ ، والمخصص ٩ : ٧ و ١٦ : ٨٤ و ٩٦ و ١٢٠.

(٢). أفيدت المعاني عن «بل» ونطق هاء التأنيث تاء في المراجع السابقة ، أو نقلت ومن قسم فيها ، ومما جاء في «اللهجات» ٣٩٣ و ٣٩٤ ، يفاد ان نطق هاء التأنيث تاء لغة حمير وطيئ.

(٣). هو يونس بن حبيب النحوي ، وقد مرت ترجمته قبل.

(٤). هو رؤبة بن العجّاج الراجز المشتهر ، وترجمته وأخباره في الأغاني ٢١ : ٨٤ ، والشعر والشعراء ٢ : ٥٩٤ ، وطبقات فحول الشعراء ٢ : ٧٦١.

(٥). هو أبو زيد الانصاري النحوي ، وقد مرت ترجمته قبل.

(٦). هو المثقّب العبدي ، راجع شعر المثقب العبدي ٤٦ ، والخزانة ٤ : ٤٣١ ، واللسان «زعم».

(٧). في شعر المثقّب ب «عنه أذناي» وفي المصادر الأخرى كلها ب «أذني عنه».

(٨). نقله باجتزاء في الجامع ٦ : ٤٠٥ وزاد المسير ٣ : ١٩.

(٩). نقله في زاد المسير ٣ : ١٩.

(١٠). نقله في الصحاح «أبل» وعزاه في اللسان «أبل» إلى الجوهري.

٥٥

إلّا أنه ليس يستعمل ، ولم يتكلّم به لأنّ هذا المثال لا يكون إلّا جميعا. وسمعت العرب الفصحاء يقولون : «أرسل إبله أبابيل (١)» يريدون «جماعات «فلم يتكلّم لها بواحد.

وأمّا قوله تعالى (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) [الآية ٢٦] فانه من : «نأيت» «ينأى» نأيا».

وقال تعالى (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٧) نصب لأنّه جواب للتمني (٢) وما بعد الواو كما بعد الفاء ، وإن شئت رفعت (٣) وجعلته على مثل اليمين ، كأن القول «ولا نكذّب والله بآيات ربّنا ونكون والله من المؤمنين» (٤). هذا إذا كان هذا الوجه منقطعا من الأول. والرفع وجه الكلام ، وبه نقرأ الآية. وإذا نصب جعلها واو عطف ، فكأنهم قد تمنّوا ألّا يكذبوا وأن يكونوا (٥). وهذا ، والله أعلم ، لا يكون ، لأنهم لم يتمنّوا الإيمان ، إنّما تمنّوا الردّ ، وأخبروا أنهم لا يكذبون ، ويكونون من المؤمنين.

وقال تعالى : (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٣١) من «وزر» «يزر» «وزرا» ويقال أيضا : «وزر» ف «هو موزور». وزعم يونس (٦) أنّ الاثنين يقالان.

وقال تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ) [الآية ٣٣] بكسر «إنّ» لدخول اللام الزائدة بعدها.

وقال تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ

__________________

(١). نقل في الصحاح واللسان «أبل».

(٢). نقله في المحتسب ١ : ١٩٢ و ٢٥٢ ؛ والنصب في الطبري ١١ : ٣١٨ قراءة منسوبة إلى بعض قراء الكوفة ؛ وفي المصاحف ٦١ إلى عبد الله ؛ وفي السبعة ٢٥٥ إلى حمزة وإلى عاصم وابن عامر في رواية ؛ وفي البحر ٤ : ١٠١ أهمل عاصما وزاد حفصا ، وفي الكشف ١ : ٤٢٧ ، والتيسير ١٠٢ ، والجامع ٦ : ٤٠٩ ، اقتصر على حمزة وحفص ؛ وفي حجّة ابن خالويه ١١٢ بلا نسبة. وفي الكتاب ١ : ٤٢٦ إلى عبد الله بن أبي إسحاق.

(٣). في الطبري ١١ : ٣١٨ إلى عامّة قراء الحجاز والمدينة والعراقيين ، وأن بعض قراء أهل الشام قرأ برفع نكذب ونصب نكون. وفي السبعة ٢٥٥ إلى ابن كثير وأبي عمرو والكسائي وإلى عاصم وابن عامر في رواية. وفي الكشف ١ : ٤٢٧ والتيسير ١٠٢ إلى غير حمزة وحفص ، وفي الجامع ٦ : ٤٠٩ إلى أهل المدينة والكسائي وأبي عمرو وأبي بكر عن عاصم ، وإلى ابن عامر وإلى عبد الله بن مسعود ب «فلا» ؛ وفي البحر ٤ : ١٠٢ إلى ابن عامر في رواية هشام ، وإلى السبعة غير من ذكر.

(٤). نقله في زاد المسير ٣ : ٢٣.

(٥). نقله بعبارة مغايرة في المحتسب ١ : ١٩٢ و ١٩٣ و ٢٥٢.

(٦). انظر ترجمته فيما سبق.

٥٦

الْمُرْسَلِينَ) (٣٤) قال العرب : «قد أصابنا من مطر» و «قد كان من حديث» (١).

وقال تعالى : (نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) [الآية ٣٥] ف «النفق» ليس من «النفقة» ولكنه من «النّافقاء» ، يريد دخولا في الأرض.

وقال تعالى : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الآية ٣٨] يريد : جماعة أمة.

وقال سبحانه : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) [الآية ٣٥] ولم يقل «فافعل» بل أضمر. وقال الشاعر (٢) [من الخفيف وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة] :

فبحظّ ممّا نعيش ولا تذ

هب بك التّرّهات في الأهوال

فأضمر فعش أو فعيشي.

وقال تعالى : (أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) [الآية ٤٠] فهذا الذي بعد التاء من قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكُمْ) إنما جاء للمخاطبة. وتركت التاء مفتوحة كما كانت للواحد ، وهي مثل كاف «رويدك زيدا» إذا قلت : «أرود زيدا». فهذه الكاف ليس لها موضع فتسمّى بجرّ ولا رفع ولا نصب ، وانما هي من المخاطبة مثل كاف «ذاك». ومثل ذلك قول العرب : «أبصرك زيدا» يدخلون الكاف للمخاطبة ، وإنّما هي «أبصر زيدا».

قال تعالى : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) [الآية ٤٦] ثم قال (يَأْتِيكُمْ بِهِ) [الآية ٤٦] بحمله على السمع ، أو على ما أخذ منهم.

قال تعالى (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٢) بالنصب جوابا لقوله جلّ وعلا (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ٥٢].

وفي الآية الرابعة والخمسين قراءتان الأولى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ) [الآية ٥٤] (٣)

__________________

(١). نقله في الإملاء ١ : ٢٤٠ والبحر ٤ : ١١٣ والبيان ١ : ٣٢٠.

(٢). هو عبيد بن الأبرص ، وقد سبق الاستشهاد بهذا الشاهد والكلام عليه قبل.

(٣). في الطبري ١١ : ٣٩٣ إلى بعض المكّيّين وعامة قراء أهل العراق من الكوفة والبصرة. وفي السبعة ٢٥٨ إلى ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي ؛ وكذلك في الكشف ١ : ٤٣٣ ، والتيسير ١٠٢ ، والجامع ٦ : ٤٣٦ ، والبحر ٤ : ١٤١ ، وزاد فيه الأعرج برواية.

٥٧

و (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٤) (١) ف (أنّه) بدل من (الرحمة) أي : كتب أنّه من عمل. وأمّا (فإنّه) (٢) فعلى الابتداء أي : فله المغفرة والرّحمة فهو غفور رحيم (٣). وقرأ بعضهم (فإنّه) أراد به الاسم وأضمر الخبر. أراد «فإنّ» (٤).

وفي قوله تعالى : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٥٥) ورد تأنيث السبيل ، على لغة أهل الحجاز (٥) وقرأ بعضهم (وَلِتَسْتَبِينَ) (٦) يعني النبيّ (ص). وقرأ بعضهم (وليستبين سبيل) (٧) في لغة بني تميم (٨).

وفي قوله تعالى : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) [الآية ٥٦] قراءة أخرى هي ضللت (٩). فمن قرأ (ضَلَلْتُ) فمن تضلّ (١٠) ؛ ومن قرأ «ضللت» فمن تضلّ (١١).

__________________

(١). في الطبري «كالسابق» إلى بعض الكوفيين ، وفي السبعة ، والكشف والتيسير ، والجامع ، والبحر «كالسابق» إلى عاصم وابن عامر ، وزاد في البحر الأعرج في رواية ، وعليها رسم المصحف.

(٢). وخرج عن هذا نافع وحده إذ قرأ بفتح الهمزة في «أنه» أولا وكسرها في «فانه» المراجع السابقة.

(٣). نقله في إعراب القرآن ١ : ٣١٥.

(٤). عبارة غير بيّنة المعنى والتعليل وفي الأصل فإن.

(٥). في الطبري ١١ : ٣٩٥ إلى بعض المكيين وبعض البصريين ، وفي الكشف ١ : ٤٣٤ والتيسير ١٠٣ إلى غير ابي بكر وحمزة والكسائي ، وفي البحر ٤ : ١٤١ إلى العربيين وابن كثير وحفص.

(٦). وعلى هذه القراءة يجب فتح اللام ، في «سبيل» وهي قراءة نافع كما في التيسير ١٠٣ والسبعة ٢٥٨ والكشف ١ : ٤٣٤.

(٧). في الطبري ١١ : ٣٩٥ إلى عامة قراء أهل الكوفة ، وفي السبعة ٢٥٨ إلى حمزة والكسائي ، وإلى عاصم في رواية ، وفي الكشف ١ : ٤٣٣ ، والتيسير ١٠٣ والبحر ٤ : ١٤١ ، أهمل عاصما وأبدل به أبا بكر.

(٨). أشارت كتب اللغة الى التأنيث والتذكير في لفظ «السبيل» ولم تعزهما لغتين المذكر والمؤنث للفراء ٨٧ ، والتذكير والتأنيث ١٦ ، والمذكر والمؤنث للمبرد ١١٥ ، والبلغة ٦٧ ، ونسبها كالأخفش في «لهجة تميم ٣١٧».

(٩). في الطبري ١١ : ٣٩٧ أنّ القراء بها قليلون ، وفي الشواذ ٣٧ نسبت إلى يحيى وابن أبي ليلى ، وفي الجامع ٦ : ٤٣٨ إلى يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف ، وروي عن أبي عمرو أنها لغة تميم. وفي البحر ٤ : ١٤٢ إلى السلمي وابن وثاب وطلحة.

(١٠). في الطبري ١١ : ٣٩٧ إلى عامة قراء أهل الأمصار ، وفي الجامع ٦ : ٤٣٨ إلى الجمهور وأنها لغة الحجاز.

(١١) في الجامع أن باب «فرح» لغة تميم ، وباب «ضرب» لغة الحجاز ؛ وفي الصحاح «ضلل» أن باب ضرب لغة نجد وهي الفصيحة ؛ وأن لأهل العالية لغة أخرى هي من باب «حسب» ، وما في اللسان «ضلل» عن كراع ، أن باب «فرح» و «حسب» لغة تميم ، وعن اللحياني أن باب «فرح» لغة أهل الحجاز ، وأن باب «ضرب» لغة تميم. وفي «لهجة تميم ١٩٥» أن باب ضرب لغة نجد وباب فرح لغة أهل الحجاز والعالية ، وأن باب ورث لغة تميم.

٥٨

وقال تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٥٩) بالجر على (من) أو بالرفع على (تسقط) (١) ، وإن شئت جعلته على الابتداء ، وتقطعه من الأول.

وقال تعالى : (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) [الآية ٦٣] وقال أيضا (وَخِيفَةً) [الأعراف : ٢٠٥]. و «الخفية» : الإخفاء و «الخيفة» من الخوف والرّهبة.

وقال تعالى : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) [الآية ٦٥] لأنها من «لبس» «يلبس» «لبسا».

وقال تعالى : (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) [الآية ٧٠] وهي من «أبسل» «إبسالا».

وقال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا) [الآية ٧٠].

(حَيْرانَ) في قوله تعالى : (حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ) [الآية ٧١] «فعلان» له «فعلى» فهو لا ينصرف في المعرفة ولا النكرة.

وأمّا قوله تعالى : (إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) [الآية ٧١] فإنّ الألف التي في (ائتنا) ألف وصل ولكن بعدها همزة من الأصل هي التي في «أتى» وهي الياء التي في قولك «ائتنا» ، ولكنها لم تهمز حينما ظهرت ألف الوصل. لأن ألف الوصل مهموزة إذا استؤنفت ، فكرهوا اجتماع همزتين.

وقال تعالى : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٧١) يقول : «إنّما أمرنا كي نسلم لربّ العالمين» كما قال (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (١٢) [الزّمر] أي : إنما أمرت بذلك.

ثم قال تعالى (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) [الآية ٧٢] أي : وأمرنا أن أقيموا الصّلاة واتّقوه. أو يكون وصل الفعل باللّام ، والمعنى : أمرت أن أكون. والوصل باللام أيضا في قوله تعالى : (لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) (١٥٤) [الأعراف].

وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ) [الآية ٧٣] أضيف (يوم) إلى (كن فيكون) وهو نصب وليس له خبر ظاهر ، والله أعلم. وهو على ما فسّرت لك.

وقال تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ)

__________________

(١). في الشواذ ٣٧ إلى ابن أبي إسحاق ، وفي البحر ٤ : ١٤٦ أنّ رفع «رطب» و «يابس» قراءة الحسن وابن أبي إسحاق وابن السميفع ، وفي معاني القرآن ١ : ٣٣٨ بلا نسبة قراءة. وفي المشكل ١ : ٢٥٥ إلى الحسن وابن أبي إسحاق ، وفي الكشاف ٢ : ٣١ بلا نسبة.

٥٩

[الآية ٧٣] وقرأ بعضهم (ينفخ) (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الآية ٧٣] (١).

وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) [الآية ٧٤] قرئ (آزَرَ) بالفتح بدلا من (لِأَبِيهِ) (٢). وقد قرئت رفعا على النداء (٣) كأنه قال «يا آزر». وقال الشاعر [من الرجز وهو الشاهد الثالث والتسعون بعد المائة] :

إنّ عليّ الله أن تبايعا

تقتل صبحا أو تجيء طائعا (٤)

فأبدل «تقتل صبحا» من «تبايع».

في قوله تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) [الآية ٧٦] قرأ (٥) بعضهم : (أجنّ). وقال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد الرابع والتسعون بعد المائة] :

فلمّا أجنّ اللّيل بتنا كأنّنا

على كثرة الأعداء محترسان

وقال [من الرجز وهو الشاهد الخامس والتسعون بعد المائة] :

أجنّك اللّيل ولمّا تشتف

فجعل «الجنّ» مصدرا ل «جنّ». وقد يستقيم أن يكون «أجنّ» ويكون هذا مصدره ، كما قال «العطاء» و «الإعطاء». وأما قوله تعالى : (أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) [البقرة : ٢٣٥] فإنهم يقولون في مفعولها : «مكنون» ويقول بعضهم «مكنّ» وتقول : «كننت الجارية» إذا صنتها و : «كننتها من الشّمس» و «أكننتها من الشّمس» أيضا. ويقولون «هي مكنونة» و «مكنّة» (١)

__________________

(١). إشارة إلى معنى كون الرفع في «عالم» على الفاعلية ل «ينفخ» بالبناء للمعلوم ، انظر الجامع ٧ : ٢١.

(٢). وعليها في الطبري ١١ : ٤٦٧ قراءة عامة قراء الأمصار ، وفي البحر ٤ : ١٦٤ إلى الجمهور ، وفي معاني القرآن ١ : ٣٤٠ بلا نسبة ، وكذلك في البيان ١ : ٣٢٧ ، والإملاء ١ : ٢٤٨.

(٣). في معاني القرآن ١ : ٣٤٠ ، أنها قراءة بعضهم ، وفي الطبري ١١ : ٤٦٧ إلى أبي زيد المديني والحسن البصري وفي المحتسب ١ : ٢٢٣ إلى أبيّ وابن عباس والحسن ومجاهد والضحّاك وابن يزيد المدني ويعقوب وسليمان التيمي ، وفي الجامع ٧ : ٢٣ إلى ابن عباس وأبي يعقوب وغيرهما ، وفي البحر ٤ : ١٦٤ الى أبيّ وابن عباس والحسن ومجاهد وغيرهم ، واقتصر في المشكل ١ : ٢٥٨ على يعقوب ، وفي الكشاف ٢ : ٣٩ ، والبيان ١ : ٣٢٧ ، والإملاء ١ : ٢٤٨.

(٤). في الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ٧٨ وشرح الأبيات للفارقي ٩٤ ، وشرح ابن عقيل ٢ : ٢٠٠ ، والخزانة ٢ : ٣٧٣ ، والمقاصد النحوية ٤ : ١٩٩ ، ب «تؤخذ كسرها» بدل «تقتل صبحا».

(٥). في معاني القرآن ١ : ٣٤١ بلا نسبة قراءة ، وفي الطبري ١١ : ٤٧٨ و ٤٧٩ ، والجامع ٧ : ٢٥ أنه لغة ولم ينسب قراءة.

٦٠