الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٣

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٣

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨

فأخذ سمعهم وأبصارهم ؛ وختم على قلوبهم ، فإنه لا يقدر غيره على رد ذلك إليهم ؛ وأن ذلك العذاب لو نزل بهم فإنه لا يهلك به إلا القوم الظالمون ، فليقلعوا عن ظلمهم ولا يقترحوا نزول العذاب عليهم ؛ ثم ذكر أنه لا يرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ، ليبين أنهم لا قدرة لهم على إنزال تلك الآيات ، فمن آمن فلا خوف عليه ، ومن كذّب بآياته يمسّه العذاب بفسقه ؛ ثم أمر النبي (ص) أن يخبرهم بأنه لم يقل إن عنده خزائن الله ، أو إنه يعلم الغيب ، أو إنه ملك ، حتى يصحّ لهم أن يتعنّتوا عليه باقتراح تلك الآيات ، وإنّما هو رسول يتّبع ما يوحى إليه ، هو من الوضوح كالفرق بين الأعمى والبصير ؛ ثم أمره أن ينذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع ، ونهاه أن يطردهم عنه إرضاء لأولئك المتعنّتين ؛ ثم ذكر أنه فتنهم بهم ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟ والله أعلم حيث يضع هدايته ، ثم أمره أن يكرمهم إذا جاءوه للسلام ونحوه ، بعد أن نهاه عن طردهم ؛ وذكر أنه يفصّل الآيات في ذلك ليظهر الحق له في إيثارهم على الذين يريدون طردهم ، ويستبين سبيل أولئك المجرمين المتعنّتين عليهم ثم أمر النبي (ص) أن يخبرهم بأنه نهي أن يعبد ما يدعون من دونه ، وبأنه لا يتبع أهواءهم في اقتراح الآيات ، وبأنه على بيّنة من ربّه ، وقد كذبوا به مع قيام هذه البيّنة ، وليس عنده ما يستعجلون به من نزول العذاب عليهم ، وإنما الحكم له تعالى في أمر عذابهم ، ولو أنّ عنده ما يستعجلون به لقضي بينه وبينهم بإهلاكهم ، وعند الله وحده مفاتيح الغيب ، فهو الذي يعلم وقت عذابهم ؛ ثمّ ذكر كمال علمه وقدرته سبحانه ، وأنّه قادر على أنه يبعث عليهم عذابا من فوقهم ، أو من تحت أرجلهم ، أو يلبسهم شيعا ، ويذيق بعضهم بأس بعض ؛ وأنهم كذبوا بهذا العذاب ، وهو حقّ لا ريب فيه ؛ ثم أمر النبي (ص) أن يخبرهم بأنه ليس بوكيل عليهم ، ولكلّ نبأ وقت يحصل فيه من غير خلف.

ثم أمر النبي (ص) إذا رآهم يخوضون في تكذيب آياته أن يعرض عنهم ، حتى يخوضوا في حديث غيره ؛ وأخبره بأنّ الذين يتقونه من المؤمنين ليس عليهم شيء من حساب تكذيبهم ، ولكنه يعظهم بذلك تنزيها لهم عن

٢١

سماع باطلهم ، ثم أمره أن يترك الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا أو خوضا في تكذيب آياته ، وأن يذكّر بها قبل أن ترتهن نفس بما كسبت ، ولا ينفعها من دون الله ولي ولا شفيع ، ولا يقبل منها فداء عن عذابها ، ولأصحابها شراب من حميم وعذاب أليم ، بما كانوا يكافرون.

ثمّ أمر سبحانه ، النبي (ص) أن يذكر لهم أنه لا يصح له أن يدعو من دونه ما لا ينفع ولا يضر ، فيردّ على عقبه بعد هدايته له ، وأنّ هداه جلّ جلاله هو الهدى ، وقد أمر هو وأتباعه أن يسلموا له ، وأن يقيموا الصلاة ويتّقوه ، وهو الذي يحشرون إليه ، وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ، وإذا أراد تكوين شيء لا بد من أن يكون ، وله المالك يوم ينفخ في الصّور ، عالم الغيب والشهادة ، وهو الحكيم الخبير.

ثم نوّه بشأن إثبات التوحيد بالنظر ، فذكر أنه طريق إبراهيم (ع) ، وساق ما جرى بين إبراهيم وبين أبيه آزر في إنكاره عليه أن يتخذ أصناما آلهة ؛ وذكر سبحانه أنه أراه ملكوت السماوات والأرض ليستدل به على توحيده ، (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) [الآية ٧٦] ، فلمّا غاب علم أنه لا يصلح أن يكون ربا. وكذلك نظر في القمر والشمس ، وكان قومه يعبدون هذه الكواكب ويتّخذون لها تماثيل من أصنامهم ، فتبرّأ من عبادتها ، وتوجّه بوجهه للّذي فطر السماوات والأرض ؛ ثم ذكر أن قومه حاجّوه في ذلك ؛ فأنكر عليهم أن يحاجّوه فيه بعد أن اهتدى إليه ، ثم نوّه بشأن تلك الحجة النظرية التي اهتدى بها ؛ وذكر أنه رفع بها درجته ، ووهب له ذرية صالحة قاموا بها بعده ، من إسحاق ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء ؛ ثم ذكر أنّ أولئك الأنبياء هم الذين آتاهم الكتاب والحكمة والنبوة ، فإن يكفر بها مشركو العرب فقد وكل بها قوما ليسوا بها بكافرين : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (٩٠).

شبهتهم الثالثة على التوحيد والنبوة

الآيات [٩١ ـ ١٠٨]

ثم قال تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ٩١]. فذكر شبهتهم الثالثة في

٢٢

إنكار التوحيد والنبوّة ، وهي قولهم : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ٩١] وفي هذا إنكار للتوحيد أيضا ، لأنهم لم يقدّروا الله فيها حقّ قدره ، لأنه لا يليق به أن يخلقهم ويتركهم من غير أن يرشدهم ، وقد أمر النبي (ص) أن يسألهم : (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) [الآية ٩١] وذكر أنهم جعلوه قراطيس يبدون بعضها ، ويخفون منها ما فيه البشارة بالنبي (ص) ، وقد علموا من هذا ما لم يعلموه هم ولا آباؤهم ؛ ثم أمره أن يخبرهم بأن الذي أنزله هو الله ، وحينئذ يبطل قولهم (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) ثم ذكر أنه أنزل القرآن مصدقا لهذا الكتاب لينذر مكة ومن حولها ، وأن (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [الآية ٩٢] لأنه يدعوهم إليها ، ثم ذكر أنه لا يوجد أظلم ممّن افترى عليه كذبا أو ادّعى أنه يوحى إليه ، ولم يوح إليه شيء أو أنه يمكنه أن ينزل مثل ما أنزل الله ، فكيف يفتري النبي (ص) مثل هذا الكتاب عليه؟ ثم ذكر أنهم في حال الموت يخبرهم الملائكة بأنهم سيجزون عذاب الهون بقولهم عليه غير الحقّ ، واستكبارهم عن آياته ، وأنهم يجيئونه فرادى كما خلقهم أوّل مرة ، وليس معهم ما أعطاهم من المال وغيره في دنياهم ، ولا شفعاؤهم الذين زعموا أنهم شركاء فيهم.

ثم أخذ في ذكر ما يبطل هذا الزعم ، فذكر أنه فالق الحب والنوى ، إلى غير هذا ممّا ذكره في إثبات قدرته وعلمه وحكمته ، ولا يصح معه أن يكون هناك شريك له ؛ ثم ذكر أنهم مع هذا جعلوا له شركاء من الجن ، وجعلوا له بنين وبنات من الملائكة وغيرهم ، ورد عليهم بأنه بديع السماوات والأرض ، فأنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة؟ إلى غير هذا مما ذكره في الرد عليهم ؛ ثم ذكر أنه قد جاءهم من هذا بصائر من ربهم ، فمن أبصر فلنفسه ، ومن عمي فعليها ، وأنه كذلك يصرف الآيات حتى تصل إلى نهاية الكمال ، ويزعموا أنها نتيجة دراسة وعلم ، ثم أمر النبي (ص) أن يتبع ما أوحي إليه من تلك الآيات ، ويعرض عن المشركين وما يقترحونه من الآيات على سبيل التعنّت ؛ وذكر أنه لو شاء ما أشركوا ، وأنه لم يجعله حفيظا ولا وكيلا عليهم ، فليس عليه إلا أن يبلغهم ، ثم نهاهم أن يسبّوا آلهتهم ، لئلا يسبّوه عدوا بغير علم : (كَذلِكَ

٢٣

زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٠٨).

شبهتهم الرابعة على التوحيد والنبوة

الآيات [١٠٩ ـ ١١٧]

ثم قال تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٩) فذكر أنهم أقسموا به جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها ، ثم أجابهم بأنه يعلم أنهم لا يؤمنون بها إذا جاءتهم وإن وقع ذلك الحلف منهم ، وأنه لو جاءهم بها تتحوّل أفئدتهم وأبصارهم عنها كما تحوّلت عن الآيات التي تتلى عليهم ، وأنه لو أجابهم إلى ما يطلبون وزاد عليه بأن حشر عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلّا بمشيئته ، فلا وجه لهم في تعليق إيمانهم على تلك الآيات التي يقترحونها ؛ ثم ذكر سبحانه أنه كذلك جعل لكل نبيّ عدوّا من شياطين الإنس والجن ، يزخرف بعضهم إلى بعض بمثل ما زخرف المشركون بقسمهم ، ليخدعوا بذلك من ينخدع بهم ؛ ثم ذكر أن الدليل على صدقه قد كمل بحكمه به ، وهو الحكم الذي لا يطلب بعده حكم ، كما كمل بشهادة المؤمنين من أهل الكتاب به ، فلا يصحّ أن يلتفت بعد ذلك إلى ما يطلبونه من تلك الآيات ، وقد تمّ حكم الله بذلك صدقا وعدلا ؛ ثم ذكر أنه لا يصح له بعد ذلك أن يطيعهم فيما يقترحون من طلب الآيات ، وأنه إن أطاعهم في ذلك يضلّونه عن سبيل الحق ولا يصل إلى ما يريده من إيمانهم ، لأنهم لا يتّبعون إلا الظنّ وإن هم إلّا يخرصون (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١١٧).

إبطال بدعة لهم في الحلال والحرام

الآيات [١١٨ ـ ١٢٣]

ثم قال تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (١١٨) فانتقل إلى إبطال بدعة لهم في شركهم ، وهي تحليل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة ونحوها تنويعا لضروب الكلام ، وتصريفا لفنون الجدال ، وكانوا يقولون للمسلمين : إنكم تعبدون الله ، فما قتله الله أحقّ أن تأكلوه ممّا قتلتموه أنتم. فأمر المسلمين أن يعرضوا عن قولهم ويأكلوا ممّا ذكر اسمه سبحانه عليه ؛ ثم ذكر لهم أنه قد

٢٤

فصّل لهم ما حرّم عليهم ولم يبح لهم الميتة إلّا عند الضرورة ، وأنّ هؤلاء المشركين يريدون أن يضلّوهم عنه جلّ جلاله بأهوائهم وجهالاتهم ؛ ثم أمرهم أن يتركوا ذلك الإثم ، ما ظهر منه وما بطن ، ونهاهم أن يأكلوا ممّا لم يذكر اسمه عليه ، وحذّرهم من الاستماع إلى ذلك الجدال الذي يوحي به شياطين المشركين إليهم ؛ ثم ضرب لهم مثلا ميّز به حال المؤمنين من الكافرين ، وهو أنه لا يصحّ أن يجعل من كان ميتا بالشرك فأحياه الله تعالى بالإيمان كمن غرق في ظلمات الشرك ، فصار بحيث لا يمكنه الخروج منها ؛ ثم ذكر أنه في هذه الظلمات زين للكافرين ما كانوا يعملون (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) (١٢٣).

شبهتهم الخامسة على

التوحيد والنبوة

الآيات [١٢٤ ـ ١٣٥]

ثم قال تعالى : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) [الآية ١٢٤] فذكر شبهتهم الخامسة في إنكار التوحيد والنبوة ، وعاد بهذا إلى السياق الأول ؛ وقد حكوا عن الوليد بن المغيرة أنه قال : والله لو كانت النبوّة حقّا ، لكنت أنا أحقّ بها من محمّد ، فإنّي أكثر منه مالا وولدا. وحكوا عن غيره من المشركين ، أنهم قالوا : لن نؤمن حتّى يحصل لنا مثل هذا المنصب. فأجابهم عن ذلك بأنه تعالى : (أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الآية ١٢٤] ، ثمّ توعّدهم بأنهم سيصيبهم صغار عنده على ذلك التعالي ، وذكر أن من يرد هدايته يشرح صدره للإسلام ، ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا ، فيتعنّت بمثل ما يتعنّت به أولئك المشركون ؛ ثم ذكر جلّ جلاله أن صراطه مستقيم ، قد فصّله لمن يتذكرون ، وأن لهم دار السلام بما كانوا يعملون ؛ ثم ذكر أنه سيحشر أولئك المشركين من الجنّ والإنس ، فيخبر الجنّ بأنهم قد أكثروا من الإضلال تبكيتا لهم ، ويبكّت الإنس على قبول إغوائهم ، فيجيب الإنس بأنه قد استمتاع بعضهم ببعض ، وصاروا الآن إلى أجلهم الذي أجّله لهم ، فيقضي عليهم بجعل النار مثواهم ، وكذلك يجمع بينهم في النار ، ويولي بعضهم بعضا فيها بما كانوا يكسبون. ثم ذكر أنه

٢٥

يسألهم أيضا : ألم يأتكم رسل يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ فيعترفون بذلك ويشهدون على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. ثم ذكر أن ذلك العذاب ، إنّما كان بعد بعث الأنبياء ، لأنه لا يليق بعد ، له أن يهلك القرى قبل تنبيهها من غفلتها ، وأنّ ثوابه وعقابه على درجات بقدر الأعمال ، وأنه غنيّ ذو رحمة ، لو شاء لعجّل لهم العذاب في الدنيا ، واستخلف من بعدهم من يشاء من خلقه ، وأن ما يوعدون من ذلك لآت ، وما هم بمعجزين (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (١٣٥).

إبطال بدع لهم في الحلال والحرام

الآيات [١٣٦ ـ ١٤٧]

ثم قال تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) [الآية ١٣٦] فذكر من بدعهم في شركهم ، أنهم جعلوا له سبحانه نصيبا مما ذرأ من حرثهم وأنعامهم ونصيبا لآلهتهم ، فإن نما نصيب آلهتهم دون نصيبه تركوا نصيبها لها ، وقالوا لو شاء نمّى نصيب نفسه ، وإن نما نصيبه دون نصيبها قالوا لا بد لها من نفقة ، فأخذوا نصيبه ، فأعطوه لسدنتها. ثم ذكر منها أنهم كانوا ينحرون أولادهم لآلهتهم ، وكان الرجل يقوم في الجاهلية فيحلف لئن ولد له كذا وكذا غلاما لينحرنّ أحدهم ؛ ثم ذكر منها حجرهم لبعض أنعامهم ، وتحريم ظهور بعضها ، وتحريم ذكر اسم الله على بعضها ، وجعل ما في بطون بعضها خالصة لذكورهم محرّما على أزواجهم ، وقتلهم أولادهم سفها بغير علم ، وتحريمهم ما رزقهم الله من الطيبات افتراء عليه : (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٤٠).

ثم بيّن حكمه في ذلك ، فذكر أنه سبحانه هو الذي أنشأ جنّات معروشات وغير معروشات ، والنخل والزرع وغيرهما ، وأمر الناس أن يأكلوا منها ويؤدوا حقه فيها يوم حصادها ؛ ثم ذكر أنه أنشأ من الأنعام حمولة تحمل أثقالنا ، وأنشأ منها فرشا يفرش للذبح ، وأمر الناس أن يأكلوا منها ولا يتّبعوا فيها الشيطان فيما زيّنه من تلك البدع ، وذكر أنه أباح من ذلك ثمانية أزواج ذكر وأنثى من كل من الضأن والمعز

٢٦

والإبل والبقر ، ثم توعّدهم على افتراء ما حرّموه منها ، وأمر النبي (ص) أن يخبرهم بأنه لا يجد فيما أوحى إليه محرّما من ذلك ، إلّا أن يكون ميتة ، أو دما مسفوحا ، أو غير ذلك مما ذكره ؛ ثم ذكر أنه حرم على اليهود كل ذي ظفر وغيره مما حرمه عليهم عقابا لهم على بغيهم ، وتوعدهم إذا كذبوه في ذلك فقال (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١٤٧).

شبهتهم السادسة

على التوحيد والنبوة

الآيات [١٤٨ ـ ١٥٨]

ثم قال تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الآية ١٤٨] فذكر شبهتهم السادسة على التوحيد والنبوة ، وهي قولهم : لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء ، وإذا كان ذلك بإرادته كان راضيا عنه. ثم رد عليهم بأن من قبلهم اعتمد على مثل هذا في تكذيب الرسل حتى ذاق عذابه ، فعلم أنه كان واهما. وبأنهم يزعمون ذلك من غير أن يكون عندهم به علم ، وبأن الحجة البالغة لله عليهم بمعجزاته التي أيد بها رسله ، وبأنه لا أحد يشهد لهم على زعمهم أن الله حرّم ما حرّموه على أنفسهم ؛ ثم أمر النبي (ص) أن يتلو ما حرّمه عليهم من الشرك به وما ذكر معه ؛ وذكر أن هذا هو صراطه المستقيم الذي يجب عليهم أن يتّبعوه ولا يتّبعوا غيره من السبل التي تفرّقهم عن سبيله ، وأنه أنزل التوراة على موسى هدى ورحمة لقومه ، وأنزل القرآن لئلّا يحتجّ من كفر بعد التوراة بأنه لم ينزل عليهم كتاب كما أنزل على اليهود والنصارى من قبلهم ، وأنه لو أنزل عليهم كتاب لكانوا أهدى منهم ؛ ثم ذكر أنه قد جاءهم ذلك الكتاب الذي يقطع عذرهم ، وأنه لا يوجد أظلم منهم إذ صدفوا عن آياته بعد أن ظهر صدقها لهم ، وأوعدهم على ذلك بما أعده لهم من سوء العذاب ؛ وذكر أنهم إذا كانوا ينتظرون بإيمانهم أن تأتيهم الملائكة أو غير ذلك من اقتراحاتهم ، فإن إيمانهم لا ينفع في ذلك الوقت (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٥٨)

٢٧

الخاتمة

الآيات [١٥٩ ـ ١٦٥]

ثمّ قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١٥٩) فذكر أن النبي (ص) ليس في شيء من أولئك المشركين الذين فرّقوا دينهم ، لأنه بلّغهم رسالته ، وكل إنسان لا يسأل إلّا عن عمله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الآية ١٦٠] ثم أمره أن يذكر لهم أنّ ما أتى به هو دين أبيهم إبراهيم الذي لم يكن من المشركين ، وأنّ صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله الذي لا شريك له ، وأنه لا يمكنه أن يطلب الى غيره وهو تعالى ربّ كل شيء ، وأنّ الرسول (ص) يتحمل تبعة عمله في ذلك كما يتحملون تبعة عملهم ، ثم إلى ربهم مرجعهم فيحكم بينهم في خلافهم ؛ ثم ذكر أنه جلّ وعلا خلقهم ليجعلهم خلائف الأرض ، وأنه رفع بعضهم فوق بعض درجات ليبلوهم في ما آتاهم (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦٥).

٢٨

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الأنعام» (١)

قال بعضهم : مناسبة هذه السورة لآخر المائدة : أنها افتتحت بالحمد ، وتلك ختمت بفصل القضاء ، وهما متلازمتان ؛ كما قال تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٧٥) [الزّمر].

وقد ظهر لي بفضل الله مع ما قدمت الإشارة إليه في آية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١٤]. أنه لما ذكر في آخر المائدة (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٢٠) [المائدة : ١٢٠] على سبيل الإجمال ، افتتح هذه السورة بشرح ذلك وتفصيله.

فبدأ بذكر : أنه خلق السماوات والأرض ، وضم إليه أنه جعل الظلمات والنور ، وهو بعض ما تضمنه قوله تعالى : (وَما فِيهِنَ) في آخر المائدة. وضمن قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أول الأنعام أن له ملك جميع المحامد ، وهو من بسط : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَ) (١٢٠) في آخر المائدة.

ثم ذكر سبحانه ، أنه خلق النوع الإنساني ، وقضى له أجلا مسمّى ، وجعل له أجلا آخر للبعث ؛ وأنه جلّ جلاله ، منشئ القرون قرنا بعد قرن ، ثم قال : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الآية ١٢]. فأثبت له ملك جميع المنظورات. ثم قال (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الآية ١٣] فأثبت له ملك جميع المظروفات

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق : عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨.

٢٩

لظرفي الزمان. ثم ذكر أنه خلق سائر الحيوان ، من الدواب والطير ، ثم خلق النوم واليقظة ، والموت والحياة ، ثم أكثر في أثناء السورة من ذكر الخلق والإنشاء لما فيهن ، من النيرين ، والنجوم ، وفلق الإصباح ، وخلق الحب والنوى ، وإنزال الماء ، وإخراج النبات والثمار بأنواعها ، وإنشاء جنات معروشات وغير معروشات ، والأنعام ، ومنها حمولة وفرش. وكل ذلك تفصيل لملكه سبحانه ، ما فيهن : وهذه مناسبة جليلة.

ثم لما كان المقصود من هذه السورة بيان الخلق والملك ، أكثر فيها من ذكر الرب الذي هو بمعنى المالك والخالق والمنشئ ، واقتصر فيها على ما يتعلق بذلك من بدء الخلق الإنساني والكوني ، والملكي والشيطاني ، والحيواني والنباتي ، وما تضمنته من الوصايا ، فكلّها متعلّق بالقوام والمعاش الدنيوي ، ثم أشار إلى أشراط الساعة.

فقد جمعت هذه السورة المخلوقات بأسرها ، وما يتعلّق بها ، وما يرجع إليها ، فظهر بذلك مناسبة افتتاح السور المكية بها ، وتقديمها على ما تقدم نزوله منها.

وهي في جمعها الأصول والعلوم والمصالح الدنيوية ، نظير سورة البقرة في جمعها العلوم والمصالح الدينية. وما ذكر فيها من العبادات المحضة ، فعلى سبيل الإيجاز والإيماء ، كنظير ما وقع في البقرة من علوم بدء الخلق ونحوه ، فإنه على سبيل الاختصار والإشارة.

فإن قلت : فلم لم يفتتح القرآن بهذه السورة مقدّمة على سورة البقرة ، مادام بدء الخلق مقدّما على الأحكام والتعبّدات؟.

قلت : للإشارة إلى أن مصالح الدين والاخرة مقدّمة على مصالح المعاش والدنيا ، وأن المقصود إنما هو العبادة ، فقدم ما هو الأهم في نظر الشرع (١) ، ولأن علم بدء الخلق كالفضلة ، وعلوم الأحكام والتكاليف متعين على كل

__________________

(١). ولهذا جاء في البقرة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) [البقرة : ٢١] وليس في القرآن غيره بلفظه. قال الكرماني : العبادة في الآية : التوحيد. وهو أول ما يلزم العبد من المعارف. فكان هذا أول خطاب خاطب به العباد في القرآن ، ثم ذكر سائر المعارف ، وبنى عليها العبادات فيما بعدها من السور والآيات (أسرار التكرار في القرآن (٢٢).

٣٠

واحد. فلذلك ينبغي ألا ينظر في علم بدء الخلق وما جرى مجراه من التواريخ ، إلا بعد النظر في علم الأحكام وإتقانه.

ثم ظهر لي بحمد الله وجه آخر ، أكثر إتقانا مما تقدم. وهو أنه لما ذكر في سورة المائدة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا) [الآية ٨٧] إلى آخره ، فأخبر عن الكفار أنهم حرموا أشياء مما رزقهم الله افتراء عليه ، وكان القصد بذلك تحذير المؤمنين أن يحرموا شيئا مما أحل الله ، فيشابهوا بذلك الكفار في صنيعهم وكان ذكر ذلك على سبيل الإيجاز ، ساق هذه السورة لبيان ما حرمه الكفار في صنيعهم ، فأتى به على الوجه الأبين والنمط الأكمل ، ثم جادلهم فيه ، وأقام الدلائل على بطلانه ، وعارضهم وناقضهم ، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه القصة (١) فكانت هذه السورة شرحا لما تضمنته المائدة من ذلك على سبيل الإجمال ، وتفصيلا وبسطا ، وإتماما ، وإطنابا.

وافتتحت بذكر الخلق والملك (٢) ، لأنّ الخالق والمالك هو الذي له التصرّف في ملكه ، ومخلوقاته ، إباحة ومنعا ، تحريما وتحليلا ، فيجب ألّا يتعدّى عليه بالتصرف في ملكه.

وكانت هذه السورة بأسرها متعلقة بالفاتحة ، من وجه كونها شارحة لإجمال قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢). وللبقرة من حيث شرحها لإجمال قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ٢١]. وقوله جلّ وعلا : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩]. وبال عمران من جهة تفصيلها لقوله تعالى : (وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) [آل عمران : ١٤]. وقوله جلّ وعلا : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥]. وبالنساء من جهة ما فيها من بدء الخلق ، والتقبيح لما حرموه على أزواجهم ،

__________________

(١). وهذا البيان الكامل في قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) [الآية ١٣٦] إلى (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (١٣٩).

(٢). وذلك قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الآية الأولى] إلى (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) (٣).

٣١

وقتل البنات بالوأد (١).

وبالمائدة من حيث اشتمالها على الأطعمة بأنواعها (٢).

وفي افتتاح السور المكية بها وجهان آخران من المناسبة.

الأول : افتتاحها بالحمد.

والثاني : مشابهتها للبقرة ، المفتتح بها السور المدنية ، من حيث أن كلا منهما نزل مشيّعا. ففي حديث أحمد : «البقرة سنام القرآن وذروته ، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا» (٣). وروى الطبراني وغيره من طرق : «أن الأنعام شيّعها سبعون ألف ملك». وفي رواية : «خمسمائة ملك» (٤).

ووجه آخر ، وهو : أن كل ربع من القرآن افتتح بسورة أولها الحمد. وهذه للربع الثاني ، والكهف للربع الثالث ، وسبأ وفاطر للربع الرابع.

وجميع هذه الوجوه التي استنبطتها من المناسبات بالنسبة للقرآن كنقطة من بحر.

ولما كانت هذه السورة لبيان بدء الخلق ، ذكر فيها ما وقع عند بدء الخلق ، وهو قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الآية ٥٤]. ففي الصحيح : «لما فرغ الله من الخلق ، وقضى القضية ، كتب كتابا عنده فوق العرش : إنّ رحمتي سبقت غضبي» (٥).

__________________

(١). سبق ما يدل على بدء الخلق ، وما حرموه على أزواجهم ، أما تقبيح قتل البنات بالوأد فجاء عقبه في قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) [الآية ١٤٠].

(٢). الأطعمة ذكرت هنا مفصلة في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ) [الآية ١٤١] إلى قوله : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (١٤٨).

(٣). أخرجه أحمد في المسند : ٥ : ٢٦ عن معقل بن يسار. وأخرج أوله الترمذي : ٨ : ١٨١ بتحفة الاحوذي. والدارس في فضائل القرآن عن ابن مسعود : ٢ : ٤٤٧ ، ونزول الملائكة معها أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد : ٦ : ٣١١ وعزاه للطبراني.

(٤). أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد عن ابن عمر : ٧ : ١٩ ، ٢٠ وفيه (أنزلت جملة واحدة) وفيه (لهم زجل بالتسبيح والتحميد). وعزاه للطبراني وقال : فيه يوسف الصفار ، وهو ضعيف. وقال ابن الجوزي : متروك.

(العلل المتناهية من اسمه يوسف) ونقل السيوطي عن ابن الصلاح في فتاواه رواية تخالف ذلك : أنها لم تنزل جملة ، بل نزلت منها آيات بالمدينة ، قيل : ثلاث ، وقيل : غير ذلك (الإتقان : ١ : ١٣٧).

(٥). أخرجه البخاري في بدء الخلق : ٤ : ١٢٩ ، وفيه (كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش).

٣٢

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الأنعام» (١)

١ ـ (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الآية ٨].

سمّى ابن إسحاق من القائلين : زمعة بن الأسود ، والنّضر بن الحارث ابن كلدة ، وعبدة بن عبد يغوث ، وأبيّ بن خلف ، والعاصي بن وائل. أخرجه ابن أبي حاتم.

٢ ـ (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) [الآية ٥٢].

نزلت في نفر ، سمّي منهم : صهيب ، وبلال ، وعمّار ، وخباب ، وسعد بن أبي وقّاص ، وابن مسعود ، وسلمان الفارسي ؛ كما خرّجته في «أسباب النزول» (٢).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). قال السيوطي في «لباب النقول في أسباب النزول» : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ : «روى ابن حبان ، والحاكم عن سعد بن أبي وقاص قال : لقد نزلت هذه الآية في ستة : أنا ، وعبد الله بن مسعود ، وأربعة قالوا لرسول الله (ص) : اطردهم ، فإنّا نستحي أن نكون تبعا لك كهؤلاء ، فوقع في نفس النبي (ص) ما شاء الله فأنزل الله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) إلى قوله سبحانه : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).

روى أحمد ، والطبراني ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : مرّ الملأ من قريش على رسول الله (ص) وعنده خباب بن الأرت ، وصهيب ، وبلال ، وعمار ، فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء؟ أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا ، لو طردت هؤلاء لا تبعناك ، فأنزل الله فيهم القرآن».

قلت : في «صحيح مسلم» في كتاب الفضائل ، أثر سعد الأول. الذي أورده السيوطي في «أسباب النزول». والخبر الثاني عن ابن مسعود ، أخرج نحوه أبو يعلى وابن أبي شيبة عن خباب ، بسند صحيح ، كما في «المطالب العالية» : (٣٦١٨) ؛ والبزار ، كما في «كشف الأستار بزوائد البزار» ٣ : ٤٨ رقم : ٢٢٠٩ ، وانظر «سيرة ابن هشام» ١ : ٣٩٢.

٣٣

٣ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ) [الآية ٧٤].

قال ابن عباس : اسمه تارح (١). أخرجه ابن أبي حاتم ، من طريق الضّحّاك عنه.

وأخرج عن السّدّي مثله (٢).

٤ ـ (رَأى كَوْكَباً) [الآية ٧٦].

قال زيد بن علي : هو الزّهرة.

وقال الزّهري (٣) : هو المشتري.

أخرجهما ابن أبي حاتم.

٥ ـ (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) [الآية ٨٩].

يعني : أهل مكة (٤).

__________________

(١). كذا في «الحاوي للفتاوي».

(٢). ساق السيوطي الأدلة بأن (آزر) ليس أبا إبراهيم في رسالته «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» : المتضمنة في كتابه «الحاوي للفتاوي» ٢ : ٢٠٢ ـ ٢٢٣ وفي «الدر المنثور» ٣ : ٢٣.

قال في «الحاوي للفتاوي» ٢ : ٢١٣ ـ ٢١٤.

«... وهذا القول ، أعني أن آزر ليس أبا إبراهيم ، ورد عن جماعة من السلف. أخرج ابن المنذر بسند صحيح عن ابن جريج في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) قال : «ليس آزر بأبيه ، إنما هو إبراهيم بن تيرح أو تارح». وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن السدي أنه قيل له : اسم أبي إبراهيم آزر؟! فقال : بل اسمه تارح.

وقد وجه من حيث اللغة بأن العرب تطلق لفظ الأب على العم إطلاقا شائعا ، وإن كان مجازا وفي التنزيل : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [البقرة : ١٣٣] فأطلق على إسماعيل لفظ الأب ، وهو عم يعقوب ، كما أطلق على إبراهيم وهو جده».

غير أن من العلماء من يرى غير ذلك ، فيقول ابن جرير الطبري في «تفسيره» ٧ : ١٥٩ : «أولى القولين بالصواب منهما عندي قول من قال : هو اسم أبيه. لأن الله تعالى أخبر أنه أبوه ، وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم دون القول الاخر الذي زعم قائله أنه نعت ، فإن قال قائل : فإن أهل الأنساب إنما ينسبون إبراهيم إلى تارح فكيف يكون آزر اسما له ، والمعروف به من الاسم تارح؟ قيل له : غير محال أن يكون له اسمان كما لكثير من الناس في دهرنا هذا ، وكان ذلك فيما مضى لكثير منهم ، وجائز أن يكون لقبا والله تعالى أعلم». وفي «البحر المحيط» ٤ : ١٦٤ لأبي حيّان : «قيل : إن آزر عم إبراهيم وليس اسم أبيه وهو قول [بعضهم] ، يزعمون أن آباء الأنبياء لا يكونون كفارا ، وظواهر القرآن ترد عليهم ، ولا سيما محاورة إبراهيم مع أبيه في غير ما آية».

(٣). الزهري : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري : فقيه حافظ ، متفق على جلالته وإتقانه ، ومن أوائل مدوني الحديث الشريف ، توفي سنة (١٢٥) وقيل غير ذلك.

(٤). أخرجه ابن أبي حاتم ، كما في الفقرة التالية.

٣٤

٦ ـ (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً) [الآية ٨٩].

يعني : أهل المدينة ، والأنصار.

أخرجه ابن أبي حاتم ، من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس (١).

وأخرج عن أبي رجاء العطاردي (٢) : (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً) قال : هم الملائكة.

٧ ـ (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ٩١].

قال ابن عباس : قال ذلك اليهود (٣).

وقال مجاهد : مشركو قريش. وقال السّدّي : فنحاص اليهودي.

وقال سعيد بن جبير : مالك بن الضّيف (٤).

أخرجهم ابن أبي حاتم (٥).

٨ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [الآية ٩٣]. قال السّدّي : نزلت في عبد الله بن أبي سرح.

٩ ـ (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَ) [الآية ٩٣].

قال قتادة : نزلت في مسيلمة ، والأسود العنسي (٦).

١٠ ـ (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) [الآية ٩٣].

قال الشّعبي (٧) : هو عبد الله بن أبيّ بن سلول. أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

١١ ـ (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) [الآية ١٢٢].

قال زيد بن أسلم وغيره : نزلت في عمر بن الخطاب.

وقال عكرمة : في عمّار بن ياسر.

١٢ ـ (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الآية ١٢٢].

__________________

(١). انظر «تفسير الطبري» ٧ : ١٧٤.

(٢). أبو رجاء العطاردي : عمران بن ملحان ، مخضرم ، ثقة ، معمّر ، مات سنة (١٠٥) ه وله مائة وعشرون سنة.

(٣). أخرجه الطبري ٨ : ١٧٧ ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ. «الدر المنثور» ٣ : ٢٩.

(٤). وقيل : «الصيف» بالصاد المهملة ؛ والوجهان جائزان كما في «سيرة ابن هشام» ١ : ٥١٤.

(٥). انظر «تفسير الطبري» ٥ : ١٧٦.

(٦). توفي مسيلمة الكذاب بن ثمامة عام (١٢) ه ، وأما الأسود العنسي. فهو عيهلة بن كعب ، وهو أول من ارتد عن الإسلام ؛ فقد توفي سنة (١١) ه.

(٧). الشّعبي : عامر بن شراحيل ، أبو عمرو ، ثقة مشهور ، وفقيه فاضل ، مات بعد المائة ، وله نحو ثمانين من العمر.

٣٥

قال الضّحّاك وزيد : نزلت في أبي جهل.

أخرج ذلك ابن أبي حاتم (١).

١٣ ـ (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) [الآية ١٢٧].

قال قتادة : هي الجنّة. أخرجه ابن أبي حاتم (٢).

١٤ ـ (عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) [الآية ١٥٦].

قال ابن عباس : هم اليهود ، والنّصارى. أخرجه ابن أبي حاتم (٣). ١٥ ـ (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) [الآية ١٥٨].

هو طلوع الشمس من مغربها ؛ كما ورد في حديث مرفوع عند «مسلم» وغيره (٤).

وقال ابن مسعود : طلوع الشمس ، والقمر من مغربهما. أخرجه الفريابي (٥).

١٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) [الآية ١٥٩].

قال النبي (ص) : «هم الخوارج».

__________________

(١). انظر «تفسير الطبري» ٨ : ١٧. وفي «الإتقان» ٢ : ١٥٠ في قوله تعالى (قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) [الآية ١٢٤] قال : سمي منهم : أبو جهل والوليد بن المغيرة.

(٢). انظر «تفسير الطبري» ٨ : ٢٥.

(٣). و «الطبري» ٨ : ٦٩.

(٤). أخرج البخاري : (٦٥٠٦) في الرقاق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال : «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت رآها الناس وآمنوا أجمعين ، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ..» إلخ.

وقد أخرج نحوه : مسلم وأبو داود والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجة ، وأحمد ، وعبد الرزاق ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي ، في «شعب الإيمان» كما في «الدر المنثور» ٣ : ٥٧.

وروى الطبراني في «المعجم الصغير» ١ : ٦٤ رقم (١٦٤) عن أبي هريرة عن النبي (ص) في قوله عزوجل : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) قال : طلوع الشمس من مغربها.

قال الحافظ في «فتح الباري» ١١ : ٣٥٣ : قال ابن عطية : في هذا الحديث ـ أي حديث البخاري دليل على أن المراد ب «بعض» في قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) طلوع الشمس من المغرب ، وإلى ذلك ذهب الجمهور ، انتهى.

وقد ذكر المحدّث السيد محمد بن جعفر الكتاني في كتابه «نظم المتناثر» : ١٤٧ أن أحاديث طلوع الشمس من المغرب وردت من طريق (١٤) صحابيا ، فجعلها بذلك من قسم المتواتر.

(٥). وسعيد بن منصور ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ وعيد بن حميد. «الدر المنثور».

٣٦

أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أبي أمامة (١).

وأخرجه الطبراني (٢) من حديث عائشة ، بلفظ : «هم أصحاب البدع ، والأهواء». وقال قتادة : هم اليهود ، والنّصارى.

أخرجه عبد الرزاق (٣).

وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن السّدّي.

__________________

(١). قال ابن كثير في «تفسيره» ٢ : ١٩٦ : «لا يصح».

(٢). في «المعجم الصغير» ونصه : عن عمر بن الخطاب أن رسول الله (ص) قال لعائشة : «يا عائشة (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) هم أصحاب البدع ، وأصحاب الأهواء ، ليس لهم توبة وأنا منهم بريء ، وهم مني براء». قال الهيثمي : إسناده جيد.

وأخرج نحوه أيضا الطبراني في «المعجم الأوسط» عن أبي هريرة كما في «مجمع الزوائد» ٧ : ٢٢ ـ ٢٣.

(٣). و «الطبري» ٨ : ٧٧.

٣٧
٣٨

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «الأنعام» (١)

١ ـ قال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) [الآية ٦].

أقول : دلالة القرن على الزمان مشهورة وحدّه عشر سنين أو عشرون أو ثلاثون أو أربعون أو خمسون أو ستون أو سبعون أو ثمانون أو مائة أو مائة وعشرون. والغالب هو مائة سنة.

والعدد الأخير هو المعروف في عصرنا ، وليس شيئا من المقادير الأخرى ، فيقال القرن الرابع عشر الهجري ، وحدّه من ١٣٠١ إلى ١٤٠٠.

ولكن للقرن دلالات أخرى في العربية القديمة ، فهو الأمّة من الناس هلكت ، ولم يبق منها أحد ، وهذا متحقّق في الآية موضع بحثنا ، كما هو متحقق في آيات أخرى منها : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) [يونس : ١٣].

ولعل سبب إطلاق القرن على الأمّة ، وعلى قدر من السنين في الوقت نفسه مردّه إلى علاقة أحدهما بالآخر بنوع من الاتّصال والملابسة.

٢ ـ وقال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) [الآية ٢٥].

أي : ومنهم من يستمع إليك حين تتلو القرآن. روي أنّه اجتمع أبو سفيان ، والوليد ، والنضر ، وعتبة ، وشيبة ، وأبو جهل ، وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله (ص) فقالوا

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٣٩

للنضر : يا أبا قتيلة ، ما يقول محمّد؟ فقال : والذي جعلها بيته ، يعني الكعبة ، ما أدري ما يقول ، إلّا أنّه يحرّك لسانه ويقول أساطير الأولين ، مثل ما حدّثكم عن القرون الماضية. فقال أبو سفيان : إنّي لأراه حقّا. فقال أبو جهل : كلّا ، فنزلت الآية. والأكنّة : الأغطية ، وهي جمع كنان.

والمعنى غطّيت قلوبهم بأغطية لئلّا يفقهوا آيات الله ، أي : لكي لا يفقهوها أقول : حذفت لام التعليل كما حذفت أداة النفي «لا» قبل الفعل «يفقهوه» للعلم به من قرينة الحال ، وهذا نمط من إيجاز لغة التنزيل ، وهو معرض من معارض البلاغة.

٣ ـ وقال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) [الآية ٢٧].

والمعنى : ولو ترى إذ أروا النّار ....

إن الفعل : «وقف» في الآية مبني للمفعول.

والفعل وقف ، والمصدر وقف ووقوف ، خلاف الجلوس وهو لازم ، تقول : وقفت الدابّة تقف وقوفا. ووقفت الدابّة وقفا ، أي : وقّفتها أو أوقفتها ، وهو فعل متعدّ نعرفه كثيرا في الأدب القديم ، قال امرؤ القيس :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجمّل

ومثل قول طرفة :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجلّد

ومن ذلك قول النابغة :

وقفت فيها سراة اليوم أسألها

عن حال نعم أمونا عبر أسفار

هذا هو «وقف» الفعل المتعدي ، وهو ما لا وجود له في العربية المعاصرة ، بل عدل عنه إلى المزيد فيقال : أوقفت السيّارة ، ومثله المضاعف : وقّفها.

على أن الفعل في الآية موضع بحثنا «وقفوا» بمعنى أروا وأدخلوا النار فعرفوا مقدار عذابها ، كما تقول : وقفت على ما عند فلان ، تريد قد فهمته وتبيّنته.

٤ ـ وقال تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٣٣).

إنّ الأداة «قد» في (قَدْ نَعْلَمُ) من

٤٠