الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٣

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٣

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨

الروم ، وهي دولة قوية ليست كمن قاتلوهم من قبائل العرب ، فتثاقل عنها المنافقون واستعظموا غزو الروم ، وأثّروا في بعض المؤمنين ، وقد بدأ بلومهم على تثاقلهم ، إذا قيل لهم انفروا في سبيله ، وإيثارهم الحياة الدنيا على الاخرة ؛ ثم ذكر أنهم إلّا ينفروا يعذّبهم ، ويستبدل قوما غيرهم ، ولا يضرّوا النبي (ص) ، وأنهم إلّا ينصروه فقد نصره في هجرته من مكة ثاني اثنين ، وقد جزع رفيقه وهما في الغار أن يدركهما المشركون ، فقال له كما ورد في التنزيل (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [الآية ٤٠] فأنزل سكينته عليه ، وأيّده بجنود من عنده ، وجعل كلمة الكافرين السّفلى ، وكلمته هي العليا ؛ ثم أمرهم أن ينفروا خفافا وثقالا ، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ؛ ورغّبهم في ذلك ، بأنه خير لهم لو كانوا يعلمون ؛ ثم عاد السياق إلى توبيخهم على تثاقلهم ، فذكر سبحانه ، أنه لو كان دعاهم إلى عرض قريب من الدنيا ، أو سفر سهل لاتّبعوه طمعا في منافع الدنيا ، ولكن طال السفر عليهم في هذه الغزوة ، وأيسوا من الفوز بالغنائم ، فتثاقلوا عنها ، وسيحلفون بالله ، أنهم لو استطاعوا الخروج لخرجوا ، (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٤٢) [الآية] ، ثم عاتب تعالى النبي (ص) على إذنه لهم بالقعود ، وكان من الخير ألّا يأذن لهم ، حتّى يعلم الصادقين في عذرهم من الكاذبين ؛ ثم ذكر أن الذين يؤمنون به وباليوم الاخر ، لا يستأذنون في الجهاد بأموالهم وأنفسهم ، لأنهم يعلمون عظيم ما أعدّ لهم في ذلك اليوم ، إذا استشهدوا في الجهاد ، وإنما يستأذن في الجهاد الذين لا يؤمنون بذلك من المنافقين ؛ ولو أنهم أرادوا الخروج ، لأعدوا له عدّته ، وخرجوا مع المجاهدين ؛ ولكنه علم المصلحة في عدم خروجهم ، فثبّطهم عن الخروج ؛ ولو خرجوا ، لأوقعوا الفتنة في صفوف المسلمين ، وأطلعوا أعداءهم على أسرارهم ، كما فعلوا مثل هذا من قبل ، في غزوة أحد وغيرها.

ثم قسّمهم في النفاق إلى أقسام ، أولها : الذين إذا طلبوا للجهاد ذهبوا إلى النبي (ص) وعرضوا عليه أن يعينوه بأموالهم ، على أن يأذن لهم في القعود ، ولا يفتنهم بعدم الإذن ؛ فسقطوا في الفتنة من حيث يظهرون البراءة منها. ثم ذكر السياق بعد هذا ،

٢٤١

أنه إن أصاب الرسول (ص) فوز ساءهم ، وإن أصيب بمكروه ، فرحوا بحذرهم وعدم خروجهم ؛ وأمر النبي (ص) أن يذكر لهم ، أنه لن يصيب المسلمين إلا ما كتب لهم ؛ وأنهم لا يتربّصون بهم إلا إحدى الحسنيين : النصرة أو الشهادة ؛ أمّا هم فسيصابون بعذاب من عند الله ، أو بأيدي المسلمين ؛ ثم ذكر لهم أنّ ما ينفقونه طوعا أو كرها ، ليقعدوا في نظيره عن القتال ، لن يتقبله منهم لفسقهم ، وكفرهم ، وعدم إخلاصهم في صلاتهم وإنفاقهم ؛ ثم نهى النبيّ (ص) أن تعجبه أموالهم وأولادهم ، لأنه يريد أن يعذّبهم بها في الدنيا ، بإنفاقها فيما يكرهون ، وهو أشقّ شيء عليهم ؛ وتزهق أنفسهم ، وهم كافرون ، فيعذّبون في الاخرة أيضا. ثم ذكر أنهم ، مع هذا ، يحلفون أنهم من المسلمين ، وما هم منهم ، ولكنهم قوم جبناء ، يفرقون من الجهاد (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) (٥٧).

وثانيها : الذين يطعنون على النبي (ص) في الصدقات المفروضة ، ويزعمون أنه يخص بها أقاربه وأهل مودته ؛ فإن أعطوا منها ، رضوا ؛ وإن لم يعطوا ، سخطوا ؛ ولو أنهم رضوا بقسمة الله ورسوله فيها ، ونصيبهم منها ، لكان خيرا لهم ؛ ثم ذكر في الجواب عن طعنهم ، أنّ هذه الصدقات لها مصارف معلومة ، من الفقراء ومن ذكرهم ، وهي مصارف لا تراعى فيها قرابة ولا مودة ، وإنّما تراعى فيها المصلحة والحاجة.

وثالثها : الذين يؤذون النبي (ص) ويقولون هو أذن ، لأنه يسمع ما يقال فيهم ؛ وقد أمره سبحانه أن يذكر لهم أنه أذن خير لهم ، لأنه يؤمن بالله ويخافه ، فلا يقدم على أذى أحد ، ولا يسمع إلا للمؤمنين الصادقين ، الذين يريدون المصلحة بنقل أخبارهم ؛ ثم ذكر أنهم إذا بلغ عنهم ما يقولون ، يحلفون للمسلمين أنهم لم يقولوه ليرضوهم ، والله ورسوله أحق أن يرضوه ، بترك ما يقولونه من الإثم ؛ ثم ذكر أنهم حين يفعلون ذلك ، يحذرون أن تنزل عليهم سورة تفضحهم به ؛ وأمر النبيّ (ص) أن يأمرهم بأن يفعلوا ما يفعلونه من الاستهزاء به وغيره ، فإن الله مخرج ما يحذرون من أسرارهم ،

٢٤٢

بهذه السورة التي أنزلها فيهم ؛ ثم ذكر أنه إذا سألهم عما يبلغ عنهم ، اعتذروا عنه ، بأنه كان على وجه اللعب لا على وجه الجدّ ، وردّ عليهم بأنه لا محلّ للّعب في أمر الله وآياته ورسوله ، إلى غير ذلك ممّا ذكره في الردّ عليهم ؛ ثم ذكر أن المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض ، فلا يوالي بعضهم إلّا بعضا ، لأنهم يستأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ، إلى غير هذا ممّا لا يصحّ موالاتهم عليه.

ثم ذكر سبحانه ، أنه أعدّ لهم على ذلك نار جهنّم خالدين فيها ؛ وذكر أنه سينالهم ما نال من كان قبلهم ، ممّن كانوا أشدّ منهم قوة ، وأكثر أموالا وأولادا ، كقوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، وغيرهم.

ثم ذكر أن المؤمنين يجب أن يكون بعضهم أولياء بعض ، لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على عكس ما يفعله المنافقون ؛ وذكر ما أعدّ لهم من الثواب ، كما ذكر ما أعدّ للمنافقين من العذاب ؛ ثم أمر النبي (ص) أن يجاهدهم بالتغليظ والتشديد عليهم ، ثم أعاد السياق ما ذكره سبحانه ، من حلفهم وإنكارهم ما يقولونه بعد الأمر بجهادهم ، ليؤكد ثانيا أنهم قالوه.

ورابعها : الذين عاهدوا الله إن أغناهم أن يتصدّقوا من أموالهم ، فلمّا آتاهم ما طلبوا بخلوا بصدقاتهم ، فجازاهم على ذلك بأن أعقبهم نفاقا لا يفارقهم الى يوم القيامة ، وهددهم بأنه يعلم سرّهم ونجواهم ولا يخفى عليه ، جلّت قدرته ، شيء من أحوالهم ؛ ثم ذكر أنهم مع بخلهم بالصدقات يطعنون المطّوعين من المؤمنين فيها ، والذين لا يجدون ما يتصدقون به إلا جهد المقلّ ، فيسخرون منهم ويزعمون أنهم يقصدون الرياء والسمعة ، وأن الله غنيّ عن صدقة المقلّ منهم ؛ ثم ذكر أنه جازاهم سخرية بسخرية ، ولهم عذاب أليم ، ونهى النبي (ص) أن يستغفر لهم كما يستغفر للمسلمين ؛ وذكر أنه لا يغفر لهم ، ولو استغفر لهم سبعين مرة ، لأنهم كفروا به وبرسوله وهو لا يهدي القوم الفاسقين.

ولما انتهى السياق من بيان أقسامهم ، عاد إلى أصل الكلام في تثاقلهم وتخلّفهم عن غزوة تبوك ، فذكر ما كان من فرحهم بتخلّفهم ، وكراهتهم للجهاد

٢٤٣

بأموالهم وأنفسهم ، وتثبيطهم الناس عن هذه الغزوة ؛ وأوعدهم الله وسبحانه ، على ذلك بما أوعدهم به ، ثم أمر النبي (ص) ألّا يأذن لهم في الخروج بعد ذلك إذا استأذنوه فيه ، وألّا يشركهم معه في قتال عدو ، ونهاه نهيا قاطعا أن يصلّي على أحد منهم مات ، وأن يقوم على قبره ؛ وأن تمتدّ عينه إلى أموالهم وأولادهم ، كما كان يفعل قبل ذلك من أخذ أموالهم ، وقبول تخلفهم ؛ ثم وبّخ أصحاب الأموال منهم على ما كانوا يفعلونه من ذلك ، ورضاهم بأن يقعدوا مع الخوالف من النساء والولدان ؛ ثم ذكر أن الرسول والمؤمنين على خلاف ما يفعل أولئك المنافقون ، وأنه أعدّ لهم على ذلك ما أعدّ من جنات النعيم.

ثم شرع السياق في بيان ما حصل من منافقي الأعراب في تلك الغزوة ، وكان ما سبق في منافقي المدينة ، فذكر ، جلّت قدرته ، أن المعذّرين منهم جاءوا ليؤذن لهم في القعود ، وهم الذين يعتذرون بلا عذر ، وأن بعضهم قعد ولم يعتذر جراءة على الله ورسوله ؛ فأوعدهم سبحانه ، بأنهم سيصيبهم عذاب أليم ؛ ثم نفي الحرج عمّن قعد بعذر لضعفه أو لأنه لا يجد الأهبة والزاد والراحلة ، فهؤلاء ليس عليهم من سبيل ، والله غفور رحيم ، إنما السبيل على الذين يستأذنون وهم أغنياء ، ولا ضعف فيهم ؛ ثم ذكر أنهم سيعتذرون إليهم بعد رجوعهم من الغزو ، ونهى النبي (ص) عن قبول عذرهم ؛ وذكر أنهم سيحلفون لهم أنهم لم يقدروا على الخروج ، ليعرضوا عنهم ولا يوبّخوهم ؛ وأمرهم أن يعرضوا عنهم ، إعراض مقت وسخط ؛ ثم ذكر أن منافقي الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا وجهلا من منافقي المدينة ؛ وأن منهم من يعتقد أن ما ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران ، ويتربص بالمسلمين الدوائر بظهور أعدائهم عليهم ؛ ثم ذكر أن من الأعراب من يخلص في إيمانه ، وأنه سيدخلهم في رحمته ؛ وأن السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان ، لهم درجات أعلى منهم ، لأن الأعراب ، وإن أخلصوا في إيمانهم ، ليس لهم مثل سبقهم وجهادهم.

ثم ذكر أن من الأعراب وأهل

٢٤٤

المدينة منافقين مردوا على النفاق ؛ وأن النبي (ص) لا يعلمهم ، وهو سبحانه ، يعلمهم ، وسيعذّبهم مرتين في الدنيا والاخرة ؛ وأن منهم آخرين اعترفوا بذنوبهم ، وخلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا ؛ وذلك بخروجهم مع النبي (ص) في سائر الغزوات ، وتخلّفهم في هذه الغزوة ؛ وأنه قد قبل توبتهم ، وغفر لهم ؛ وكانوا قد تأخّروا عن تقديم زكواتهم قبل توبتهم ، فأمر النبي (ص) أن يأخذها منهم ، لتتمّ توبتهم بها ؛ ثم ذكر أنه هو الذي يقبل التوبة عن عباده ، ويأخذ الصدقات ترغيبا فيها لمن لم يتب ، وأمرهم أن يعملوا الصالحات ، لتكفّر ما مضى من سيئاتهم ؛ وأخبرهم بأنه يرى عملهم ، ترغيبا وترهيبا لهم ؛ ثم ذكر أن منهم آخرين ندموا على ما فعلوا ، ولكنهم أحجموا عن الحضور الى النبي (ص) ، وإظهار التوبة ، خوفا منه أو خجلا واستحياء ، وأنهم مرجون لأمره ، فإما يعذّبهم وإمّا يوفّقهم لتكميل التوبة ، لأن الندم وحده لا يكفي فيها ، ثم ذكر أن منهم الذين اتّخذوا مسجدا قبيل غزوة تبوك ، يضارّون به مسجد قباء ، ويفرّقون به بين المؤمنين ؛ ونهى النبيّ (ص) أن يصلّي فيه ، وذكر أن مسجد قباء الذي أسس على التقوى ، من أول يوم ، أحقّ بذلك وأجدر ؛ وكان قد أمر النبي (ص) بتخريبه ، فذكر أنه لا يزال بنيانهم بعد تخريبه ريبة في قلوبهم ، (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١١٠).

ولما انتهى من ذكر ما فعلوه في تلك الغزوة ، ذكر أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ، بأنّ لهم الجنة ، فلا يصحّ لمسلم أن يبخل بنفسه وماله في الجهاد ، كما يبخل أولئك المنافقون ، وأنه وعد المجاهدين بذلك وعدا عليه حقّا في التوراة والإنجيل والقرآن ، ولا يوجد من هو أوفى بعهده منه. ثمّ أمرهم أن يستبشروا بذلك البيع الرابح ، وأخبرهم بأن ذلك هو الفوز العظيم ، ومدحهم بأنهم التائبون العابدون ، إلى غير ذلك من الصفات التي امتازوا بها على المنافقين ، وجعلتهم يبذلون أنفسهم وأموالهم ، في سبيل الله ، راضين مطمئنين.

ثم نهى النبي (ص) والمؤمنين عن الاستغفار لأولئك المنافقين بعد أن بيّن ما حصل منهم ، لأن هذا أشد

٢٤٥

عقوباتهم ، فكرر النهي عنه تأكيدا له ، وذكر انه لا يصح أن يقتدوا ، في هذا ، باستغفار إبراهيم لأبيه ، لأنه لم يستغفر له إلّا بعد أن وعده أن يؤمن ، فلما لم يف بوعده تبرّأ منه ، وترك الاستغفار له ؛ ثم ذكر أنه لا يؤاخذهم بما سبق منهم فيضلّهم ، لأنه لا يؤاخذ قوما بعد إذ هداهم ، حتى يبيّن لهم ما يتّقون ، ثم ذكّرهم بكمال علمه ، وواسع ملكه ، لينقادوا لنهيه ، ويستغنوا به ، عن أولئك المنافقين.

وكان قد حصل من النبي (ص) والمؤمنين بعض ما يؤاخذون عليه في تلك الغزوة ، كإذنه (ص) للمنافقين في القعود ، وتأثّر بعض المؤمنين بتثبيط المنافقين. فذكر أنه تاب عليهم من تلك الزلّات ؛ وعلى الثلاثة الذين تخلّفوا منهم ، ثم ندموا وتابوا ، وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع ، فتاب عليهم بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضاقت عليهم أنفسهم ، وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلّا إليه ؛ وأمرهم بأن يتّقوه ، ويكونوا مع الصادقين.

ثم ذكر أنه ما كان لأهل المدينة ، ومن حولهم من الأعراب ، على العموم ، أن يتخلفوا عن النبي (ص) ، لأنهم لا يصيبهم شيء في الجهاد ، ولا ينالون ظفرا على العدو ، إلّا كتب لهم به عمل صالح ، ولا ينفقون نفقة ، ولا يقطعون واديا إلّا كتب لهم ؛ ثم ذكر أنه لا يكلفهم كلّهم أن ينفروا إلى النبي (ص) ، وإنّما يكلفهم أن تنفر من كل فرقة منهم طائفة إليه ، ليتفقّهوا في الدين ، ويشاركوه في الجهاد ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.

ثم أمر المؤمنين أن يقاتلوا الذين يلونهم من الكفار ، وهم المنافقون ؛ وقد أمر النبي (ص) بجهادهم فيما سبق ، فأعاده تأكيدا له ، والمراد من قتالهم ، أن يظهروا العداوة لهم بالتشديد والتغليظ عليهم كما سبق ؛ ثمّ حرّضهم عليهم ، فذكر أنهم إذا أنزلت سورة من القرآن ، فمنهم من يقول : (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) [الآية ١٢٤] وأجاب عن قولهم بأن المؤمنين يزدادون بها إيمانا. وأما هم فيزدادون بها نفاقا إلى نفاقهم ؛ ثم وبّخهم بأنهم يفتنون في نفاقهم (كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ

٢٤٦

يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦). ومنهم من ينظر عند نزولها ، هل يراه أحد إذا انصرف كراهة لسماعها ، ثم ينصرفون إلى دورهم (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (١٢٧).

ثم ذكر لهم من أمر النبي (ص) ما لا يصحّ معه أن ينافقوه ، وهو أنه رسول لهم من أنفسهم ، عزيز عليه ما هم فيه من العنت ، حريص عليهم بالمؤمنين ، رؤوف رحيم (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (١٢٩).

٢٤٧
٢٤٨

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «التوبة» (١)

أقول : قد عرف وجه مناسبتها ، ونزيد هنا أن صدرها (٢) تفصيل لإجمال قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : ٥٨]. وآيات الأمر بالقتال متصلة بقوله سبحانه هناك : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠]. ولذا قال هنا في قصة المنافقين : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا) [الآية ٤٦].

ثم إن بين السورتين تناسبا من وجه آخر ، وهو : أنه سبحانه ، في الأنفال ، تولّى قسمة الغنائم ، وجعل خمسها خمسة أخماس (٣) ، وفي براءة تولّى قسمة الصدقات ، وجعلها لثمانية أضعاف (٤).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). صدر التوبة : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) إلى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [الآيات ٣ ـ ٥].

(٣). وذلك قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الأنفال : ٤١].

(٤). وذلك قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦٠).

٢٤٩
٢٥٠

المبحث الرابع

مكنونات سورة «التوبة» (١)

١ ـ (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١).

سمّى منهم مجاهد : خزاعة ، ومدلجا. أخرجه ابن أبي حاتم (٢).

٢ ـ (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) [الآية ٢].

قال الزّهري : نزلت في شوّال ؛ (الأربعة أشهر) (٣) شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم (٤).

وقال مجاهد : هي من عشرين من آخر ذي الحجّة ، الى عشرة تخلو من ربيع الاخر.

أخرجهما ابن أبي حاتم.

ويؤيد الأولى قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [الآية ٥].

٣ ـ (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) [الآية ٣].

فسّر في أحاديث مرفوعة ب «يوم النّحر».

أخرج ذلك التّرمذي من حديث

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). وابن جرير ١٠ ، ٤٤ ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر. «الدر المنثور» ٣ : ٢٠٩. وسقط من هذه الفقرة حتى نهاية الفقرة رقم ٢١٩ من النسخ المطبوعة.

(٣). زيادة من «الدر المنثور» ٣ : ٢١١. و «الطبري».

(٤). أخرجه ابن جرير ١٠ : ٤٥ ، وعبد الرزاق ، والنحّاس. «الدر المنثور».

٢٥١

عليّ ، وعمرو بن الأحوص (١) ؛ وابن جرير (٢) من حديث ابن عمر.

وأخرجه عن ابن عباس ، والمغيرة بن شعبة موقوفا.

وروى ابن أبي حاتم عن المسور بن مخرمة أنه : يوم عرفة.

وأخرج مثله عن عمر ، وابن عباس موقوفا.

وأخرجه ابن جرير (٣) عن عليّ ، وابن الزّبير.

وقال سعيد بن المسيّب : هو : اليوم الثاني من يوم النّحر.

أخرجه ابن أبي حاتم.

٤ ـ (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الآية ٤].

قال ابن عباس : هم قريش.

وقال محمد بن عباد بن جعفر : هم بنو جذيمة بن عامر ، من بني بكر بن كنانة (٤).

وقال مجاهد : بنو مذحج ، وخزاعة.

أخرج ذلك أبن أبي حاتم.

٥ ـ (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الآية ٧].

قال ابن عباس : هم قريش.

أخرجه بن أبي حاتم.

٦ ـ (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) [الآية ١٢].

قال قتادة : هم أبو سفيان ، وأبو جهل ، وأميّة بن خلف ، وسهيل بن عمرو ، وعتبة بن ربيعة. أخرجه ابن أبي حاتم (٥).

__________________

(١). حديث علي في الترمذي برقم (٣٠٨٨) ورجح أنه موقوف ، وفي إسناده (الحارث الأعور) متكلم فيه. وحديث ابن الأحوص في الترمذي برقم (٣٠٨٧) أيضا وقال : حسن صحيح ، وابن ماجة (٣٠٥٥) وانظر «فتح الباري» ٨ : ٣٢٠.

(٢). / ١٠ : ٥٢ ـ ٥٣ ، والبخاري ٣ : ٥٧٤ تعليقا ، وأبو داود (١٩٤٥) ، وابن ماجة (٣٠٥٨) ، والبيهقي ٥ : ١٣٩ ، والحاكم ٢ : ٣٣١ ، والطّبراني في «المعجم الصغير» ٢ : ١١٩. قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.

(٣). ١٠ : ٤٩.

(٤). المثبت من «الدر المنثور» وانظر : «جمهرة النسب» للكلبي ١ : ٢٠٨ ، و «تفسير الطبري» ١٠ : ٥٨.

(٥). والحاكم ٢ : ٣٢٢ عن ابن عمر وصححه ، وأقرّه الذهبي. قال الحافظ في «فتح الباري» ٨ : ٣٢٣ : «وتعقب بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر ، إنّما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة ، وهو حيّ ، فيصحّ في أبي سفيان ، وسهيل بن عمرو ، وقد أسلما».

٢٥٢

٧ ـ (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (١٤).

قال مجاهد ، والسّدّي ، وعكرمة : هم خزاعة.

أخرج ذلك ابن أبي حاتم (١).

٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [الآية ٢٨].

هو سنة تسع من الهجرة (٢).

٩ ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [الآية ٣٠].

سمّي منهم : سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، ومحمد بن دحية ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الضّيف.

أخرجه ابن أبي حاتم (٣) عن ابن عباس.

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج (٤) قال : قالها رجل واحد اسمه فنحاص.

١٠ ـ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [الآية ٣٦].

قال (ص) : «ثلاث (٥) متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرم ، ورجب مضر : الذي بين جمادى وشعبان».

أخرجه الشيخان (٦) ، من حديث أبي بكرة.

١١ ـ (إِذْ هُما فِي الْغارِ) [الآية ٤٠].

هو غار ثور ، جبل بمكة.

١٢ ـ (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [الآية ٤٠].

__________________

(١). انظر : «تفسير الطبري» ١٠ : ٦٤.

(٢). انظر : «تفسير الطبري» ١٠ : ٧٥ ، و «تفسير ابن كثير» ٢ : ٣٤٦.

(٣). وابن جرير في «تفسيره» ١٠ : ٧٨ ، وليس فيه «محمد بن دحية».

(٤). في «تفسير الطبري» ١٠ : ٧٨ : «عن ابن جريج قال : سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير».

(٥). انظر توجيه الرواية من حيث اللغة في «فتح الباري» ٨ : ٣٢٥.

(٦). البخاري (٤٦٦٢) في التفسير ، ومسلم في القسامة (١٦٧٩) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في «شعب الإيمان».

٢٥٣

هو أبو بكر رضي الله عنه (١).

١٣ ـ (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [الآية ٤٧].

قال مجاهد : هم عبد الله بن أبيّ بن سلول ، ورفاعة بن التابوت ، وأوس بن قيظيّ. أخرجه ابن أبي حاتم (٢).

١٤ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [الآية ٤٩].

هو الجد بن قيس ، كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس (٣).

١٥ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) [الآية ٥٨].

هو ذو الخويصرة. كما أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري (٤).

١٦ ـ (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) [الآية ٦٠].

سمّي من المؤلّفة في عهده (ص) :

أبيّ بن شريق ، وأحيحة بن أمية بن خلف ، وأسد (٥) بن حارثة ، والأقرع بن حابس ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن هشام ، وحرملة بن هودة ، وخالد بن هودة (٦) ، وحكيم بن حزام ، وحكم (٧) بن طليق ، وحويطب بن عبد العزّى ، وخالد بن قيس السهمي ، وزيد الخيل ، والسائب بن أبي السائب ،

__________________

(١). ثبت ذلك في : البخاري (٣٦٥٣) في مناقب المهاجرين ، و (٤٦٦٣) في التفسير ، ومسلم ٥ : ٢٤٢ في الفضائل (بشرح النووي) ، والترمذي (٣٠٩٥) في التفسير ، وأحمد في «المسند» برقم (١١) ، و (٣٢٥١) ١ : ٣٤٨.

وانظر «المسند» لأحمد ١ : ٣٣٠ (٣٠٦٣) و ١ : ٣٣١ (٣٠٦٣).

كما خرج ذلك الإمام الحافظ القاضي : أبو بكر أحمد بن علي الأموي المروزي ، المولود نحو سنة (٢٠٢) ه والمتوفى سنة (٢٩٢ ه‍) ، شيخ النسائي والطّبراني وغيرهما ، في جزئه المسند الذي أفرده في أحاديث أبي بكر الصديق ، المسمى ب «مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه» والذي يعتبر من أجمع ما أفرد في أحاديث أبي بكر خاصة ، وذلك في الأحاديث ذات الأرقام : (٤٢) ، (٥٦) ، (٦٢) ، (٦٥) ، (٧١) ، (٧٢) ، (٧٣) ، (٨٢).

(٢). والطبري ١٠ : ١٠٢ ، وفي «تفسير مجاهد» ١ : ٢٨٠ زيادة «عبد الله بن نبتل».

(٣). في إسناده : يحيى الحماني ، وهو ضعيف. قاله الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ : ٣٠ ، وأخرجه الطبري أيضا ١٠ : ١٠٤.

(٤). «صحيح البخاري» رقم (٦٩٣٣) في استتابة المرتدّين.

(٥). والمثبت من «الإصابة».

(٦). في «سيرة ابن هشام» : «هودة». بالذال المعجمة والمثبت من «الإصابة».

(٧). في «الإصابة» : «حكيم».

٢٥٤

وسهيل بن عمرو ، وشيبة بن عثمان ، وسفيان بن عبد الأسد (١) ، وأبو سفيان بن حرب ، وابناه : معاوية ، ويزيد ، وأبو السنابل بن بعكك ، وصفوان بن أمية ، وعبد الرحمن بن يربوع ، وعيينة بن حصن الفزاري ، وعمرو بن الأهتم التميمي ، والعباس بن مرداس السّلمي ، ومخرمة بن نوفل ، وسعيد بن يربوع ، وقيس بن عدي ، وعمرو بن وهب ، وهشام بن عمرو ، والنّضر بن الحارث ومطيع بن الأسود ، وأبو جهم بن حذيفة ، وعلقمة بن علاثة ، وعمير بن مرداس ، وقيس بن مخرمة ، وعكرمة بن عامر ، وعمرو بن ورقة ، ولبيد بن ربيعة ، والمغيرة بن الحارث ، وهشام بن الوليد المخزومي.

١٧ ـ (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) [الآية ٦١].

نزلت في نبتل بن الحارث. كما أخرجه ابن ابي حاتم ، عن ابن عباس (٢).

١٨ ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) [الآية ٦٥].

نزلت في عبد الله بن أبيّ. كما أخرجه ابن أبي حاتم (٣) من حديث ابن عمر.

وقيل : هو وديعة بن ثابت (٤) ذكره السّهيلي.

١٩ ـ (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) [الآية ٦٦].

هو مخشي (٥) بن حميّر. كما أخرجه ابن أبي حاتم ، عن كعب بن مالك.

وأخرج من طريق الضّحّاك ، عن ابن عباس قال : الطائفة ، الرجل ، والنّفر (٦).

__________________

(١). في كونه من المؤلفة قلوبهم ، فيه نظر. قاله الحافظ ابن حجر في ترجمته في «الإصابة».

(٢). انظر «سيرة ابن هشام» ١ : ٥٢١ ، و «تفسير الطبري» ١٠ : ١١٦.

(٣). وابن المنذر ، والعقيلي في «الضعفاء» ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والخطيب في «رواة مالك». «الدر المنثور» ٣ : ٢٥٤.

(٤). أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس. «الدر المنثور» ٣ : ٢٥٤ ، و «الطبري» ١٠ : ١١٩ عن ابن إسحاق.

(٥). في «الدر المنثور» : «محشي» ، وفي «سيرة ابن هشام» : «مخشّن» ، قال ابن هشام ٢ : ٥٢٤ : «ويقال : مخشي» وكذا جاء في «تفسير ابن كثير» ٢ : ٣٦٧ و «الإصابة» و «الإتقان» ٢ : ١٤٦.

(٦). معنى قول الضحّاك أن الطائفة قد يراد بها الرجل الواحد ، كما هو هنا.

٢٥٥

٢٠ ـ (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) [الآية ٧٠].

قال محمد بن كعب القرظي : حدّثت أنّهنّ كنّ خمسا :

ضبعة ، ومغيرة ، وعمرة ، ودوما ، وسدوم : وهي القرية العظمى أخرجه أبن أبي حاتم.

٢١ ـ (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) [الآية ٧٤].

نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت. أخرجه ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس وكعب بن مالك (١).

٢٢ ـ (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) [الآية ٧٤].

قال ابن عباس : همّ رجل ، يقال له : الأسود ، بقتل النبي (ص). أخرجه ابن أبي حاتم (٢).

٢٣ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٧٥).

نزلت في ثعلبة بن حاطب. أخرجه الطّبراني ، وغيره من حديث أبي أمامة (٣).

زاد ابن إسحاق : ومعتّب بن قشير.

٢٤ ـ (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ) [الآية ٧٩].

سمّي من المطّوّعين : عبد الرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي.

ومن الذين (لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) [الآية ٧٩] : أبو عقيل ، ورفاعة بن سعد (٤) في آثار أخرجها ابن أبي حاتم.

__________________

(١). وروى ابن جرير برقم (١٦٩٧٤) عن قتادة أنها نزلت في عبد الله بن أبيّ بن سلول.

قال ابن جرير رحمه‌الله : «والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ، أخبر عن المنافقين أنهم يحلفون بالله كذبا ، على كلمة كفر تكلّموا بها ، أنهم لم يقولوها ؛ وجائز أن يكون في ذلك القول ، ما روي عن عروة ، أن الجلاس قاله ، وجائز أن يكون قائله عبد الله بن أبيّ بن سلول ، والقول ما ذكر قتادة منه أنه قال ، ولا علم لنا بأيّ ذلك من أيّ ، إذ كان لا خبر بأحدهما يوجب الحجة ، ويتوصل به إلى يقين العلم به ، وليس ما يدرك علمه بفطرة العقل ، فالصواب أن يقال فيه كما قال الله جل ثناؤه : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) [الآية ٧٤].

(٢). انظر «تفسير الطبري» ١٠ : ١٢٩.

(٣). وإسناده ضعيف جدا. لأن في إسناده علي بن يزيد الألهاني ، وهو متروك. كما في «مجمع الزوائد» ٧ : ٣٢.

(٤). في «فتح الباري» ٨ : ٣٣١ : «سهل» كما في رواية عبد بن حميد. قال الحافظ : «فيحتمل أن يكون تصحيفا ، ويحتمل أن يكون اسم أبي عقيل «سهل» ولقبه «حبحاب» أو هما اثنان».

وفي «المطالب العالية» ٣ : ٣٤١ رقم (٣٦٤٧) رواية ابن أبي شيبة. وأثر أبي عقيل ، رواه ابن مسعود وأخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (٤٦٦٨) في التفسير.

٢٥٦

وأبو خيثمة الأنصاري. أخرجه ابن جرير (١).

٢٥ ـ (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) [الآية ٨١].

قال ذلك رجل من بني سلمة.

أخرجه ابن جرير (٢) عن محمّد بن كعب.

٢٦ ـ (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) [الآية ٨٣].

قال قتادة : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا [من المنافقين]. أخرجه ابن جرير (٣).

٢٧ ـ (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) [الآية ٩٠].

قال السّدّي : من قرأها خفيفة ، [قال] : بنو مقرّن.

ومن قرأها مشدّدة ، قال الذين لهم عذر.

وقال ابن إسحاق (٤) : ذكر لي أنهم نفر من بني غفار.

أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

٢٨ ـ (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ) [الآية ٩٢].

سمّي منهم العرباض بن سارية. في حديث أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٥).

وعبد الله بن مغفّل (٦) المزني ، وعمرو المزني : جد كثير بن عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن الأزرق الأنصاري ، وأبو ليلى الأنصاري. في آثار أخرجها ابن أبي حاتم.

وقال مجاهد : هم بنو مقرّن (٧) من مزينة. أخرجه ابن أبي حاتم.

وقال محمد بن كعب القرظي : هم سبعة نفر : سالم بن عمير ، وحرمي بن عمرو ـ ويقال : هرمي ، ويقال : حزم ـ

__________________

(١). ١٠ : ٣٦.

(٢). ١٠ : ١٣٩.

(٣). ١٠ : ١٤١. والزيادة منه.

(٤). «سيرة ابن هشام» ٢ : ٥١٨.

(٥). والطبري (١٧٠٨٦) ١٠ : ١٤٦ ، والأثر لم أجده في «المستدرك».

(٦). التصويب من «سيرة ابن هشام» ٢ : ٥١٨.

(٧). والتصويب من «الدر المنثور» و «تفسير الطبري» ١٠ : ١٤٦.

٢٥٧

وأبو ليلى : عبد الرحمن بن كعب ، وسلمان بن صخر ، وأبو عبلة : عبد الرحمن بن زيد (١) ، وعمرو بن غنمة (٢) ، وعبد الله بن عمرو المزني ، أخرجه ابن جرير (٣).

وسمّي منهم : علبة بن زيد الحارثي (٤) ؛ في أثر عند ابن مردويه.

وثعلبة بن زيد الأنصاري من بني حرام ؛ في أثر في «تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي».

٢٩ ـ (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [الآية ٩٩].

قال مجاهد : هم بنو مقرّن من مزينة. أخرجه ابن أبي حاتم.

وكانوا عشرة ؛ فيما أخرجه ابن جرير (٥).

٣٠ ـ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) [الآية ١٠٠].

قال أبو موسى الأشعري ، وسعيد بن المسيّب : هم الذين صلّوا القبلتين.

وقال الشّعبي : هم أهل بيعة الرضوان.

أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

وقال محمد بن كعب ، وعطاء بن يسار : هم أهل بدر.

وقال الحسن : هم من أسلم قبل الفتح.

أخرجهما سنيد (٦).

٣١ ـ (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) [الآية ١٠١].

قال مولى ابن عباس : هم جهينة ، ومزينة ، وأشجع ، وأسلم ، وغفار ، أخرجه ابن المنذر.

٣٢ ـ (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) [الآية ١٠٢].

قال ابن عباس : هم سبعة ، أبو لبابة وأصحابه.

__________________

(١). وقع في «الطبري» ط شاكر : يزيد.

(٢). التصويب من «الطبري».

(٣). ١٠ : ١٤٦.

(٤). التصويب من «الدر المنثور».

(٥). ١١ : ٥ عن عبد الله بن مغفل.

(٦). سنيد بن داود : صاحب «التفسير» ، ضعّفه المحدثون على الرغم من إمامته ومعرفته ، توفي سنة (٢٢٦) ه. انظر لتخريج الآثار «تفسير الطبري» ١١ : ٦.

٢٥٨

وقال زيد بن أسلم : ثمانية ، منهم : أبو لبابة ، وكردم ، ومرداس.

وقال قتادة : سبعة من الأنصار ، منهم : جد بن قيس ، وأبو لبابة ، وجذام ، وأوس.

أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

٣٣ ـ (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) [الآية ١٠٦].

قال مجاهد : هم هلال بن أميّة ، ومرارة ، وكعب بن مالك.

أخرجه ابن أبي حاتم.

٣٤ ـ (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) [الآية ١٠٧].

هم أناس من الأنصار.

٣٥ ـ (لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الآية ١٠٧].

هو أبو (١) عامر الراهب. أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.

وأخرج من وجه آخر عنه ، قال : هم رجال من الأنصار ، منهم : بخزج (٢) :

جدّ عبد الله بن حنيف ، ووديعة بن خذام ، ومجمّع بن جارية الأنصاري.

وأخرج عن سعيد بن جبير قال : هم حي ، يقال لهم : بنو غنم.

وقال ابن إسحاق : الذين بنوا [مسجد الضرار] اثنا عشر رجلا : خذام (٣) بن خالد ، من بني (٤) عبيد بن زيد ، أحد بني عمرو بن عوف ، [ومن

__________________

(١). المثبت من «تفسير الطبري» ، و «تفسير ابن كثير» ٢ : ٣٨٧.

(٢). هو اسم ، كما في «تاج العروس» مادة (بحزج) ٥ : ٤١٢ ط الكويت. وفي النسخ المطبوعة : «مجدح» ، وفي «سيرة ابن هشام» ٢ : ٥٣٠ ، «بحزج» وفي «تفسير الطبري» ١١ : ١٨ «بخدج» ، وكذا في «المحبر» : ٤٧٠ ، وكذا ضبطت في «تاج العروس» وفيه أنه اسم شاعر. وفي «تفسير الطبري» ط دار المعارف ١٤ : ٤٧١ علق عليها الأستاذ شاكر قائلا «ما أدري قوله «جد عبد الله بن حنيف» ولست أدري أهو من كلام ابن عباس ـ راوي الخبر ـ أو من كلام غيره ـ من رجال السند ـ وإن كنت أرجّح أنه من كلام غيره ، لأني لم أجد في الصحابة ولا التابعين «عبد الله بن حنيف» ، وجدّه «بحزج» ، والمذكور في المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار : «عباد بن حنيف» ، وأخو «سهل بن حنيف». فأخشى أن يكون سقط من الخبر شيء ، فاختلط الكلام. وفي نسب «سهل بن حنيف» ، و «عمرو ، وهو بحزج بن حنش بن عوف بن عمرو» (انظر «طبقات ابن سعد» ٣ : ٢ : ٣٩ ، ثم ٥ : ٥٩ ، و «جمهرة الأنساب» لابن حزم : ٣١٦) ؛ ولكن هذا قديم جدا في الجاهلية ، وهو بلا شك غير «بحزج» ، الذي كان من أمره ما كان في مسجد الضرار».

(٣). في سائر الأصول : «جذام» والمثبت من «تفسير الطبري» بتحقيق شاكر.

(٤). الطبري ١١ : ٢٣ ط الحلبي : «خالد بن عبيد» ، والمثبت من «تفسير الطبري» ط شاكر.

٢٥٩

داره أخرج مسجد الشقاق] (١) ؛ وثعلبة بن حاطب ، من بني عبيد ، وهو إلى بني أمية بن زيد ، ومعتّب بن قشير ، من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف ؛ وجارية بن عامر ، وابناه : مجمّع بن جارية ، وزيد بن جارية ؛ ونبتل بن الحارث ، وهو من بني ضبيعة ، وبحدج ، وهو من بني ضبيعة ، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة ، ووديعة بن ثابت ، وهو إلى بني أمية [ابن زيد] (٢) رهط أبي لبابة بن عبد المنذر (٣).

٣٦ ـ (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) [الآية ١٠٨].

أخرج مسلم (٤) عن أبي سعيد الخدري مرفوعا أنه : المسجد النبويّ.

وأخرجه أحمد (٥) عن أبيّ بن كعب ، وسهل بن سعد مرفوعا ، وأخرجه ابن جرير عن ابن عمر وزيد بن ثابت ، وأبي سعيد موقوفا.

وأخرج عن ابن عباس أنه : مسجد قباء (٦).

__________________

(١). زيادة من «الطبري» و «سيرة ابن هشام».

(٢). زيادة من «سيرة ابن هشام».

(٣). انظر «سيرة ابن هشام» ٢ : ٥٣٠.

(٤). برقم (١٣٩٨) ٣ : ٥٤٢ «شرح النووي» في أواخر الحج ، وأحمد في «المسند» ، والطبري في «تفسيره» ١١ : ٢١ ، والحاكم في «المستدرك» ٢ : ٣٣٤ ، ونص الحديث كما في «صحيح مسلم» : «حميد الخراط ، قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن ، قال : مرّ بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، قال : قلت له كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسّس على التقوى قال : قال أبي : دخلت على رسول الله (ص) في بيت بعض نسائه ، فقلت : يا رسول الله ، أيّ المسجدين الذي أسس على التقوى؟. قال ، فأخذ كفّا من حصباء فضرب به الأرض ، ثم قال «هو مسجدكم هذا» لمسجد المدينة.

قال النووي في «شرح صحيح مسلم» : «هذا نصّ بأنه المسجد الذي أسّس على التقوى المذكور في القرآن ، وردّ لما يقول بعض المفسرين أنه مسجد قباء ، وأمّا أخذه (ص) الحصباء ، وهي الحصى الصغار وضربها في الأرض ، فالمراد به المبالغة في الإيضاح ، لبيان أنه مسجد المدينة».

وقال الحافظ بن كثير في «تفسيره» ٣ : ٤٨٦ في موضع من تفسير سورة الأحزاب : «إنّ الآية ، إنّما نزلت في مسجد قباء ، كما ورد في الأحاديث الأخر ؛ لكن إذا كان ذاك أسّس على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله (ص) أولى بتسميته بذلك ، والله أعلم».

(٥). «مسند أحمد» ٥ : ١١٦.

(٦). قال الطبري رحمه‌الله في «تفسيره» ١٤ : ٤٧٩ ط شاكر : «وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال هو مسجد الرسول (ص) لصحة الخبر بذلك عن رسول الله».

٢٦٠