الروم ، وهي دولة قوية ليست كمن قاتلوهم من قبائل العرب ، فتثاقل عنها المنافقون واستعظموا غزو الروم ، وأثّروا في بعض المؤمنين ، وقد بدأ بلومهم على تثاقلهم ، إذا قيل لهم انفروا في سبيله ، وإيثارهم الحياة الدنيا على الاخرة ؛ ثم ذكر أنهم إلّا ينفروا يعذّبهم ، ويستبدل قوما غيرهم ، ولا يضرّوا النبي (ص) ، وأنهم إلّا ينصروه فقد نصره في هجرته من مكة ثاني اثنين ، وقد جزع رفيقه وهما في الغار أن يدركهما المشركون ، فقال له كما ورد في التنزيل (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [الآية ٤٠] فأنزل سكينته عليه ، وأيّده بجنود من عنده ، وجعل كلمة الكافرين السّفلى ، وكلمته هي العليا ؛ ثم أمرهم أن ينفروا خفافا وثقالا ، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ؛ ورغّبهم في ذلك ، بأنه خير لهم لو كانوا يعلمون ؛ ثم عاد السياق إلى توبيخهم على تثاقلهم ، فذكر سبحانه ، أنه لو كان دعاهم إلى عرض قريب من الدنيا ، أو سفر سهل لاتّبعوه طمعا في منافع الدنيا ، ولكن طال السفر عليهم في هذه الغزوة ، وأيسوا من الفوز بالغنائم ، فتثاقلوا عنها ، وسيحلفون بالله ، أنهم لو استطاعوا الخروج لخرجوا ، (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٤٢) [الآية] ، ثم عاتب تعالى النبي (ص) على إذنه لهم بالقعود ، وكان من الخير ألّا يأذن لهم ، حتّى يعلم الصادقين في عذرهم من الكاذبين ؛ ثم ذكر أن الذين يؤمنون به وباليوم الاخر ، لا يستأذنون في الجهاد بأموالهم وأنفسهم ، لأنهم يعلمون عظيم ما أعدّ لهم في ذلك اليوم ، إذا استشهدوا في الجهاد ، وإنما يستأذن في الجهاد الذين لا يؤمنون بذلك من المنافقين ؛ ولو أنهم أرادوا الخروج ، لأعدوا له عدّته ، وخرجوا مع المجاهدين ؛ ولكنه علم المصلحة في عدم خروجهم ، فثبّطهم عن الخروج ؛ ولو خرجوا ، لأوقعوا الفتنة في صفوف المسلمين ، وأطلعوا أعداءهم على أسرارهم ، كما فعلوا مثل هذا من قبل ، في غزوة أحد وغيرها.
ثم قسّمهم في النفاق إلى أقسام ، أولها : الذين إذا طلبوا للجهاد ذهبوا إلى النبي (ص) وعرضوا عليه أن يعينوه بأموالهم ، على أن يأذن لهم في القعود ، ولا يفتنهم بعدم الإذن ؛ فسقطوا في الفتنة من حيث يظهرون البراءة منها. ثم ذكر السياق بعد هذا ،
أنه إن أصاب الرسول (ص) فوز ساءهم ، وإن أصيب بمكروه ، فرحوا بحذرهم وعدم خروجهم ؛ وأمر النبي (ص) أن يذكر لهم ، أنه لن يصيب المسلمين إلا ما كتب لهم ؛ وأنهم لا يتربّصون بهم إلا إحدى الحسنيين : النصرة أو الشهادة ؛ أمّا هم فسيصابون بعذاب من عند الله ، أو بأيدي المسلمين ؛ ثم ذكر لهم أنّ ما ينفقونه طوعا أو كرها ، ليقعدوا في نظيره عن القتال ، لن يتقبله منهم لفسقهم ، وكفرهم ، وعدم إخلاصهم في صلاتهم وإنفاقهم ؛ ثم نهى النبيّ (ص) أن تعجبه أموالهم وأولادهم ، لأنه يريد أن يعذّبهم بها في الدنيا ، بإنفاقها فيما يكرهون ، وهو أشقّ شيء عليهم ؛ وتزهق أنفسهم ، وهم كافرون ، فيعذّبون في الاخرة أيضا. ثم ذكر أنهم ، مع هذا ، يحلفون أنهم من المسلمين ، وما هم منهم ، ولكنهم قوم جبناء ، يفرقون من الجهاد (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) (٥٧).
وثانيها : الذين يطعنون على النبي (ص) في الصدقات المفروضة ، ويزعمون أنه يخص بها أقاربه وأهل مودته ؛ فإن أعطوا منها ، رضوا ؛ وإن لم يعطوا ، سخطوا ؛ ولو أنهم رضوا بقسمة الله ورسوله فيها ، ونصيبهم منها ، لكان خيرا لهم ؛ ثم ذكر في الجواب عن طعنهم ، أنّ هذه الصدقات لها مصارف معلومة ، من الفقراء ومن ذكرهم ، وهي مصارف لا تراعى فيها قرابة ولا مودة ، وإنّما تراعى فيها المصلحة والحاجة.
وثالثها : الذين يؤذون النبي (ص) ويقولون هو أذن ، لأنه يسمع ما يقال فيهم ؛ وقد أمره سبحانه أن يذكر لهم أنه أذن خير لهم ، لأنه يؤمن بالله ويخافه ، فلا يقدم على أذى أحد ، ولا يسمع إلا للمؤمنين الصادقين ، الذين يريدون المصلحة بنقل أخبارهم ؛ ثم ذكر أنهم إذا بلغ عنهم ما يقولون ، يحلفون للمسلمين أنهم لم يقولوه ليرضوهم ، والله ورسوله أحق أن يرضوه ، بترك ما يقولونه من الإثم ؛ ثم ذكر أنهم حين يفعلون ذلك ، يحذرون أن تنزل عليهم سورة تفضحهم به ؛ وأمر النبيّ (ص) أن يأمرهم بأن يفعلوا ما يفعلونه من الاستهزاء به وغيره ، فإن الله مخرج ما يحذرون من أسرارهم ،
بهذه السورة التي أنزلها فيهم ؛ ثم ذكر أنه إذا سألهم عما يبلغ عنهم ، اعتذروا عنه ، بأنه كان على وجه اللعب لا على وجه الجدّ ، وردّ عليهم بأنه لا محلّ للّعب في أمر الله وآياته ورسوله ، إلى غير ذلك ممّا ذكره في الردّ عليهم ؛ ثم ذكر أن المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض ، فلا يوالي بعضهم إلّا بعضا ، لأنهم يستأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ، إلى غير هذا ممّا لا يصحّ موالاتهم عليه.
ثم ذكر سبحانه ، أنه أعدّ لهم على ذلك نار جهنّم خالدين فيها ؛ وذكر أنه سينالهم ما نال من كان قبلهم ، ممّن كانوا أشدّ منهم قوة ، وأكثر أموالا وأولادا ، كقوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، وغيرهم.
ثم ذكر أن المؤمنين يجب أن يكون بعضهم أولياء بعض ، لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على عكس ما يفعله المنافقون ؛ وذكر ما أعدّ لهم من الثواب ، كما ذكر ما أعدّ للمنافقين من العذاب ؛ ثم أمر النبي (ص) أن يجاهدهم بالتغليظ والتشديد عليهم ، ثم أعاد السياق ما ذكره سبحانه ، من حلفهم وإنكارهم ما يقولونه بعد الأمر بجهادهم ، ليؤكد ثانيا أنهم قالوه.
ورابعها : الذين عاهدوا الله إن أغناهم أن يتصدّقوا من أموالهم ، فلمّا آتاهم ما طلبوا بخلوا بصدقاتهم ، فجازاهم على ذلك بأن أعقبهم نفاقا لا يفارقهم الى يوم القيامة ، وهددهم بأنه يعلم سرّهم ونجواهم ولا يخفى عليه ، جلّت قدرته ، شيء من أحوالهم ؛ ثم ذكر أنهم مع بخلهم بالصدقات يطعنون المطّوعين من المؤمنين فيها ، والذين لا يجدون ما يتصدقون به إلا جهد المقلّ ، فيسخرون منهم ويزعمون أنهم يقصدون الرياء والسمعة ، وأن الله غنيّ عن صدقة المقلّ منهم ؛ ثم ذكر أنه جازاهم سخرية بسخرية ، ولهم عذاب أليم ، ونهى النبي (ص) أن يستغفر لهم كما يستغفر للمسلمين ؛ وذكر أنه لا يغفر لهم ، ولو استغفر لهم سبعين مرة ، لأنهم كفروا به وبرسوله وهو لا يهدي القوم الفاسقين.
ولما انتهى السياق من بيان أقسامهم ، عاد إلى أصل الكلام في تثاقلهم وتخلّفهم عن غزوة تبوك ، فذكر ما كان من فرحهم بتخلّفهم ، وكراهتهم للجهاد
بأموالهم وأنفسهم ، وتثبيطهم الناس عن هذه الغزوة ؛ وأوعدهم الله وسبحانه ، على ذلك بما أوعدهم به ، ثم أمر النبي (ص) ألّا يأذن لهم في الخروج بعد ذلك إذا استأذنوه فيه ، وألّا يشركهم معه في قتال عدو ، ونهاه نهيا قاطعا أن يصلّي على أحد منهم مات ، وأن يقوم على قبره ؛ وأن تمتدّ عينه إلى أموالهم وأولادهم ، كما كان يفعل قبل ذلك من أخذ أموالهم ، وقبول تخلفهم ؛ ثم وبّخ أصحاب الأموال منهم على ما كانوا يفعلونه من ذلك ، ورضاهم بأن يقعدوا مع الخوالف من النساء والولدان ؛ ثم ذكر أن الرسول والمؤمنين على خلاف ما يفعل أولئك المنافقون ، وأنه أعدّ لهم على ذلك ما أعدّ من جنات النعيم.
ثم شرع السياق في بيان ما حصل من منافقي الأعراب في تلك الغزوة ، وكان ما سبق في منافقي المدينة ، فذكر ، جلّت قدرته ، أن المعذّرين منهم جاءوا ليؤذن لهم في القعود ، وهم الذين يعتذرون بلا عذر ، وأن بعضهم قعد ولم يعتذر جراءة على الله ورسوله ؛ فأوعدهم سبحانه ، بأنهم سيصيبهم عذاب أليم ؛ ثم نفي الحرج عمّن قعد بعذر لضعفه أو لأنه لا يجد الأهبة والزاد والراحلة ، فهؤلاء ليس عليهم من سبيل ، والله غفور رحيم ، إنما السبيل على الذين يستأذنون وهم أغنياء ، ولا ضعف فيهم ؛ ثم ذكر أنهم سيعتذرون إليهم بعد رجوعهم من الغزو ، ونهى النبي (ص) عن قبول عذرهم ؛ وذكر أنهم سيحلفون لهم أنهم لم يقدروا على الخروج ، ليعرضوا عنهم ولا يوبّخوهم ؛ وأمرهم أن يعرضوا عنهم ، إعراض مقت وسخط ؛ ثم ذكر أن منافقي الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا وجهلا من منافقي المدينة ؛ وأن منهم من يعتقد أن ما ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران ، ويتربص بالمسلمين الدوائر بظهور أعدائهم عليهم ؛ ثم ذكر أن من الأعراب من يخلص في إيمانه ، وأنه سيدخلهم في رحمته ؛ وأن السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان ، لهم درجات أعلى منهم ، لأن الأعراب ، وإن أخلصوا في إيمانهم ، ليس لهم مثل سبقهم وجهادهم.
ثم ذكر أن من الأعراب وأهل
المدينة منافقين مردوا على النفاق ؛ وأن النبي (ص) لا يعلمهم ، وهو سبحانه ، يعلمهم ، وسيعذّبهم مرتين في الدنيا والاخرة ؛ وأن منهم آخرين اعترفوا بذنوبهم ، وخلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا ؛ وذلك بخروجهم مع النبي (ص) في سائر الغزوات ، وتخلّفهم في هذه الغزوة ؛ وأنه قد قبل توبتهم ، وغفر لهم ؛ وكانوا قد تأخّروا عن تقديم زكواتهم قبل توبتهم ، فأمر النبي (ص) أن يأخذها منهم ، لتتمّ توبتهم بها ؛ ثم ذكر أنه هو الذي يقبل التوبة عن عباده ، ويأخذ الصدقات ترغيبا فيها لمن لم يتب ، وأمرهم أن يعملوا الصالحات ، لتكفّر ما مضى من سيئاتهم ؛ وأخبرهم بأنه يرى عملهم ، ترغيبا وترهيبا لهم ؛ ثم ذكر أن منهم آخرين ندموا على ما فعلوا ، ولكنهم أحجموا عن الحضور الى النبي (ص) ، وإظهار التوبة ، خوفا منه أو خجلا واستحياء ، وأنهم مرجون لأمره ، فإما يعذّبهم وإمّا يوفّقهم لتكميل التوبة ، لأن الندم وحده لا يكفي فيها ، ثم ذكر أن منهم الذين اتّخذوا مسجدا قبيل غزوة تبوك ، يضارّون به مسجد قباء ، ويفرّقون به بين المؤمنين ؛ ونهى النبيّ (ص) أن يصلّي فيه ، وذكر أن مسجد قباء الذي أسس على التقوى ، من أول يوم ، أحقّ بذلك وأجدر ؛ وكان قد أمر النبي (ص) بتخريبه ، فذكر أنه لا يزال بنيانهم بعد تخريبه ريبة في قلوبهم ، (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١١٠).
ولما انتهى من ذكر ما فعلوه في تلك الغزوة ، ذكر أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ، بأنّ لهم الجنة ، فلا يصحّ لمسلم أن يبخل بنفسه وماله في الجهاد ، كما يبخل أولئك المنافقون ، وأنه وعد المجاهدين بذلك وعدا عليه حقّا في التوراة والإنجيل والقرآن ، ولا يوجد من هو أوفى بعهده منه. ثمّ أمرهم أن يستبشروا بذلك البيع الرابح ، وأخبرهم بأن ذلك هو الفوز العظيم ، ومدحهم بأنهم التائبون العابدون ، إلى غير ذلك من الصفات التي امتازوا بها على المنافقين ، وجعلتهم يبذلون أنفسهم وأموالهم ، في سبيل الله ، راضين مطمئنين.
ثم نهى النبي (ص) والمؤمنين عن الاستغفار لأولئك المنافقين بعد أن بيّن ما حصل منهم ، لأن هذا أشد
عقوباتهم ، فكرر النهي عنه تأكيدا له ، وذكر انه لا يصح أن يقتدوا ، في هذا ، باستغفار إبراهيم لأبيه ، لأنه لم يستغفر له إلّا بعد أن وعده أن يؤمن ، فلما لم يف بوعده تبرّأ منه ، وترك الاستغفار له ؛ ثم ذكر أنه لا يؤاخذهم بما سبق منهم فيضلّهم ، لأنه لا يؤاخذ قوما بعد إذ هداهم ، حتى يبيّن لهم ما يتّقون ، ثم ذكّرهم بكمال علمه ، وواسع ملكه ، لينقادوا لنهيه ، ويستغنوا به ، عن أولئك المنافقين.
وكان قد حصل من النبي (ص) والمؤمنين بعض ما يؤاخذون عليه في تلك الغزوة ، كإذنه (ص) للمنافقين في القعود ، وتأثّر بعض المؤمنين بتثبيط المنافقين. فذكر أنه تاب عليهم من تلك الزلّات ؛ وعلى الثلاثة الذين تخلّفوا منهم ، ثم ندموا وتابوا ، وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع ، فتاب عليهم بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضاقت عليهم أنفسهم ، وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلّا إليه ؛ وأمرهم بأن يتّقوه ، ويكونوا مع الصادقين.
ثم ذكر أنه ما كان لأهل المدينة ، ومن حولهم من الأعراب ، على العموم ، أن يتخلفوا عن النبي (ص) ، لأنهم لا يصيبهم شيء في الجهاد ، ولا ينالون ظفرا على العدو ، إلّا كتب لهم به عمل صالح ، ولا ينفقون نفقة ، ولا يقطعون واديا إلّا كتب لهم ؛ ثم ذكر أنه لا يكلفهم كلّهم أن ينفروا إلى النبي (ص) ، وإنّما يكلفهم أن تنفر من كل فرقة منهم طائفة إليه ، ليتفقّهوا في الدين ، ويشاركوه في الجهاد ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
ثم أمر المؤمنين أن يقاتلوا الذين يلونهم من الكفار ، وهم المنافقون ؛ وقد أمر النبي (ص) بجهادهم فيما سبق ، فأعاده تأكيدا له ، والمراد من قتالهم ، أن يظهروا العداوة لهم بالتشديد والتغليظ عليهم كما سبق ؛ ثمّ حرّضهم عليهم ، فذكر أنهم إذا أنزلت سورة من القرآن ، فمنهم من يقول : (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) [الآية ١٢٤] وأجاب عن قولهم بأن المؤمنين يزدادون بها إيمانا. وأما هم فيزدادون بها نفاقا إلى نفاقهم ؛ ثم وبّخهم بأنهم يفتنون في نفاقهم (كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ
يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦). ومنهم من ينظر عند نزولها ، هل يراه أحد إذا انصرف كراهة لسماعها ، ثم ينصرفون إلى دورهم (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (١٢٧).
ثم ذكر لهم من أمر النبي (ص) ما لا يصحّ معه أن ينافقوه ، وهو أنه رسول لهم من أنفسهم ، عزيز عليه ما هم فيه من العنت ، حريص عليهم بالمؤمنين ، رؤوف رحيم (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (١٢٩).
المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «التوبة» (١)
أقول : قد عرف وجه مناسبتها ، ونزيد هنا أن صدرها (٢) تفصيل لإجمال قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : ٥٨]. وآيات الأمر بالقتال متصلة بقوله سبحانه هناك : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠]. ولذا قال هنا في قصة المنافقين : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا) [الآية ٤٦].
ثم إن بين السورتين تناسبا من وجه آخر ، وهو : أنه سبحانه ، في الأنفال ، تولّى قسمة الغنائم ، وجعل خمسها خمسة أخماس (٣) ، وفي براءة تولّى قسمة الصدقات ، وجعلها لثمانية أضعاف (٤).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). صدر التوبة : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) إلى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [الآيات ٣ ـ ٥].
(٣). وذلك قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الأنفال : ٤١].
(٤). وذلك قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦٠).
المبحث الرابع
مكنونات سورة «التوبة» (١)
١ ـ (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١).
سمّى منهم مجاهد : خزاعة ، ومدلجا. أخرجه ابن أبي حاتم (٢).
٢ ـ (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) [الآية ٢].
قال الزّهري : نزلت في شوّال ؛ (الأربعة أشهر) (٣) شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم (٤).
وقال مجاهد : هي من عشرين من آخر ذي الحجّة ، الى عشرة تخلو من ربيع الاخر.
أخرجهما ابن أبي حاتم.
ويؤيد الأولى قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [الآية ٥].
٣ ـ (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) [الآية ٣].
فسّر في أحاديث مرفوعة ب «يوم النّحر».
أخرج ذلك التّرمذي من حديث
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). وابن جرير ١٠ ، ٤٤ ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر. «الدر المنثور» ٣ : ٢٠٩. وسقط من هذه الفقرة حتى نهاية الفقرة رقم ٢١٩ من النسخ المطبوعة.
(٣). زيادة من «الدر المنثور» ٣ : ٢١١. و «الطبري».
(٤). أخرجه ابن جرير ١٠ : ٤٥ ، وعبد الرزاق ، والنحّاس. «الدر المنثور».
عليّ ، وعمرو بن الأحوص (١) ؛ وابن جرير (٢) من حديث ابن عمر.
وأخرجه عن ابن عباس ، والمغيرة بن شعبة موقوفا.
وروى ابن أبي حاتم عن المسور بن مخرمة أنه : يوم عرفة.
وأخرج مثله عن عمر ، وابن عباس موقوفا.
وأخرجه ابن جرير (٣) عن عليّ ، وابن الزّبير.
وقال سعيد بن المسيّب : هو : اليوم الثاني من يوم النّحر.
أخرجه ابن أبي حاتم.
٤ ـ (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الآية ٤].
قال ابن عباس : هم قريش.
وقال محمد بن عباد بن جعفر : هم بنو جذيمة بن عامر ، من بني بكر بن كنانة (٤).
وقال مجاهد : بنو مذحج ، وخزاعة.
أخرج ذلك أبن أبي حاتم.
٥ ـ (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الآية ٧].
قال ابن عباس : هم قريش.
أخرجه بن أبي حاتم.
٦ ـ (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) [الآية ١٢].
قال قتادة : هم أبو سفيان ، وأبو جهل ، وأميّة بن خلف ، وسهيل بن عمرو ، وعتبة بن ربيعة. أخرجه ابن أبي حاتم (٥).
__________________
(١). حديث علي في الترمذي برقم (٣٠٨٨) ورجح أنه موقوف ، وفي إسناده (الحارث الأعور) متكلم فيه. وحديث ابن الأحوص في الترمذي برقم (٣٠٨٧) أيضا وقال : حسن صحيح ، وابن ماجة (٣٠٥٥) وانظر «فتح الباري» ٨ : ٣٢٠.
(٢). / ١٠ : ٥٢ ـ ٥٣ ، والبخاري ٣ : ٥٧٤ تعليقا ، وأبو داود (١٩٤٥) ، وابن ماجة (٣٠٥٨) ، والبيهقي ٥ : ١٣٩ ، والحاكم ٢ : ٣٣١ ، والطّبراني في «المعجم الصغير» ٢ : ١١٩. قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.
(٣). ١٠ : ٤٩.
(٤). المثبت من «الدر المنثور» وانظر : «جمهرة النسب» للكلبي ١ : ٢٠٨ ، و «تفسير الطبري» ١٠ : ٥٨.
(٥). والحاكم ٢ : ٣٢٢ عن ابن عمر وصححه ، وأقرّه الذهبي. قال الحافظ في «فتح الباري» ٨ : ٣٢٣ : «وتعقب بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر ، إنّما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة ، وهو حيّ ، فيصحّ في أبي سفيان ، وسهيل بن عمرو ، وقد أسلما».
٧ ـ (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (١٤).
قال مجاهد ، والسّدّي ، وعكرمة : هم خزاعة.
أخرج ذلك ابن أبي حاتم (١).
٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [الآية ٢٨].
هو سنة تسع من الهجرة (٢).
٩ ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [الآية ٣٠].
سمّي منهم : سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، ومحمد بن دحية ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الضّيف.
أخرجه ابن أبي حاتم (٣) عن ابن عباس.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج (٤) قال : قالها رجل واحد اسمه فنحاص.
١٠ ـ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [الآية ٣٦].
قال (ص) : «ثلاث (٥) متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرم ، ورجب مضر : الذي بين جمادى وشعبان».
أخرجه الشيخان (٦) ، من حديث أبي بكرة.
١١ ـ (إِذْ هُما فِي الْغارِ) [الآية ٤٠].
هو غار ثور ، جبل بمكة.
١٢ ـ (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [الآية ٤٠].
__________________
(١). انظر : «تفسير الطبري» ١٠ : ٦٤.
(٢). انظر : «تفسير الطبري» ١٠ : ٧٥ ، و «تفسير ابن كثير» ٢ : ٣٤٦.
(٣). وابن جرير في «تفسيره» ١٠ : ٧٨ ، وليس فيه «محمد بن دحية».
(٤). في «تفسير الطبري» ١٠ : ٧٨ : «عن ابن جريج قال : سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير».
(٥). انظر توجيه الرواية من حيث اللغة في «فتح الباري» ٨ : ٣٢٥.
(٦). البخاري (٤٦٦٢) في التفسير ، ومسلم في القسامة (١٦٧٩) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في «شعب الإيمان».
هو أبو بكر رضي الله عنه (١).
١٣ ـ (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [الآية ٤٧].
قال مجاهد : هم عبد الله بن أبيّ بن سلول ، ورفاعة بن التابوت ، وأوس بن قيظيّ. أخرجه ابن أبي حاتم (٢).
١٤ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [الآية ٤٩].
هو الجد بن قيس ، كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس (٣).
١٥ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) [الآية ٥٨].
هو ذو الخويصرة. كما أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري (٤).
١٦ ـ (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) [الآية ٦٠].
سمّي من المؤلّفة في عهده (ص) :
أبيّ بن شريق ، وأحيحة بن أمية بن خلف ، وأسد (٥) بن حارثة ، والأقرع بن حابس ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن هشام ، وحرملة بن هودة ، وخالد بن هودة (٦) ، وحكيم بن حزام ، وحكم (٧) بن طليق ، وحويطب بن عبد العزّى ، وخالد بن قيس السهمي ، وزيد الخيل ، والسائب بن أبي السائب ،
__________________
(١). ثبت ذلك في : البخاري (٣٦٥٣) في مناقب المهاجرين ، و (٤٦٦٣) في التفسير ، ومسلم ٥ : ٢٤٢ في الفضائل (بشرح النووي) ، والترمذي (٣٠٩٥) في التفسير ، وأحمد في «المسند» برقم (١١) ، و (٣٢٥١) ١ : ٣٤٨.
وانظر «المسند» لأحمد ١ : ٣٣٠ (٣٠٦٣) و ١ : ٣٣١ (٣٠٦٣).
كما خرج ذلك الإمام الحافظ القاضي : أبو بكر أحمد بن علي الأموي المروزي ، المولود نحو سنة (٢٠٢) ه والمتوفى سنة (٢٩٢ ه) ، شيخ النسائي والطّبراني وغيرهما ، في جزئه المسند الذي أفرده في أحاديث أبي بكر الصديق ، المسمى ب «مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه» والذي يعتبر من أجمع ما أفرد في أحاديث أبي بكر خاصة ، وذلك في الأحاديث ذات الأرقام : (٤٢) ، (٥٦) ، (٦٢) ، (٦٥) ، (٧١) ، (٧٢) ، (٧٣) ، (٨٢).
(٢). والطبري ١٠ : ١٠٢ ، وفي «تفسير مجاهد» ١ : ٢٨٠ زيادة «عبد الله بن نبتل».
(٣). في إسناده : يحيى الحماني ، وهو ضعيف. قاله الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ : ٣٠ ، وأخرجه الطبري أيضا ١٠ : ١٠٤.
(٤). «صحيح البخاري» رقم (٦٩٣٣) في استتابة المرتدّين.
(٥). والمثبت من «الإصابة».
(٦). في «سيرة ابن هشام» : «هودة». بالذال المعجمة والمثبت من «الإصابة».
(٧). في «الإصابة» : «حكيم».
وسهيل بن عمرو ، وشيبة بن عثمان ، وسفيان بن عبد الأسد (١) ، وأبو سفيان بن حرب ، وابناه : معاوية ، ويزيد ، وأبو السنابل بن بعكك ، وصفوان بن أمية ، وعبد الرحمن بن يربوع ، وعيينة بن حصن الفزاري ، وعمرو بن الأهتم التميمي ، والعباس بن مرداس السّلمي ، ومخرمة بن نوفل ، وسعيد بن يربوع ، وقيس بن عدي ، وعمرو بن وهب ، وهشام بن عمرو ، والنّضر بن الحارث ومطيع بن الأسود ، وأبو جهم بن حذيفة ، وعلقمة بن علاثة ، وعمير بن مرداس ، وقيس بن مخرمة ، وعكرمة بن عامر ، وعمرو بن ورقة ، ولبيد بن ربيعة ، والمغيرة بن الحارث ، وهشام بن الوليد المخزومي.
١٧ ـ (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) [الآية ٦١].
نزلت في نبتل بن الحارث. كما أخرجه ابن ابي حاتم ، عن ابن عباس (٢).
١٨ ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) [الآية ٦٥].
نزلت في عبد الله بن أبيّ. كما أخرجه ابن أبي حاتم (٣) من حديث ابن عمر.
وقيل : هو وديعة بن ثابت (٤) ذكره السّهيلي.
١٩ ـ (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) [الآية ٦٦].
هو مخشي (٥) بن حميّر. كما أخرجه ابن أبي حاتم ، عن كعب بن مالك.
وأخرج من طريق الضّحّاك ، عن ابن عباس قال : الطائفة ، الرجل ، والنّفر (٦).
__________________
(١). في كونه من المؤلفة قلوبهم ، فيه نظر. قاله الحافظ ابن حجر في ترجمته في «الإصابة».
(٢). انظر «سيرة ابن هشام» ١ : ٥٢١ ، و «تفسير الطبري» ١٠ : ١١٦.
(٣). وابن المنذر ، والعقيلي في «الضعفاء» ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والخطيب في «رواة مالك». «الدر المنثور» ٣ : ٢٥٤.
(٤). أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس. «الدر المنثور» ٣ : ٢٥٤ ، و «الطبري» ١٠ : ١١٩ عن ابن إسحاق.
(٥). في «الدر المنثور» : «محشي» ، وفي «سيرة ابن هشام» : «مخشّن» ، قال ابن هشام ٢ : ٥٢٤ : «ويقال : مخشي» وكذا جاء في «تفسير ابن كثير» ٢ : ٣٦٧ و «الإصابة» و «الإتقان» ٢ : ١٤٦.
(٦). معنى قول الضحّاك أن الطائفة قد يراد بها الرجل الواحد ، كما هو هنا.
٢٠ ـ (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) [الآية ٧٠].
قال محمد بن كعب القرظي : حدّثت أنّهنّ كنّ خمسا :
ضبعة ، ومغيرة ، وعمرة ، ودوما ، وسدوم : وهي القرية العظمى أخرجه أبن أبي حاتم.
٢١ ـ (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) [الآية ٧٤].
نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت. أخرجه ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس وكعب بن مالك (١).
٢٢ ـ (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) [الآية ٧٤].
قال ابن عباس : همّ رجل ، يقال له : الأسود ، بقتل النبي (ص). أخرجه ابن أبي حاتم (٢).
٢٣ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٧٥).
نزلت في ثعلبة بن حاطب. أخرجه الطّبراني ، وغيره من حديث أبي أمامة (٣).
زاد ابن إسحاق : ومعتّب بن قشير.
٢٤ ـ (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ) [الآية ٧٩].
سمّي من المطّوّعين : عبد الرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي.
ومن الذين (لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) [الآية ٧٩] : أبو عقيل ، ورفاعة بن سعد (٤) في آثار أخرجها ابن أبي حاتم.
__________________
(١). وروى ابن جرير برقم (١٦٩٧٤) عن قتادة أنها نزلت في عبد الله بن أبيّ بن سلول.
قال ابن جرير رحمهالله : «والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ، أخبر عن المنافقين أنهم يحلفون بالله كذبا ، على كلمة كفر تكلّموا بها ، أنهم لم يقولوها ؛ وجائز أن يكون في ذلك القول ، ما روي عن عروة ، أن الجلاس قاله ، وجائز أن يكون قائله عبد الله بن أبيّ بن سلول ، والقول ما ذكر قتادة منه أنه قال ، ولا علم لنا بأيّ ذلك من أيّ ، إذ كان لا خبر بأحدهما يوجب الحجة ، ويتوصل به إلى يقين العلم به ، وليس ما يدرك علمه بفطرة العقل ، فالصواب أن يقال فيه كما قال الله جل ثناؤه : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) [الآية ٧٤].
(٢). انظر «تفسير الطبري» ١٠ : ١٢٩.
(٣). وإسناده ضعيف جدا. لأن في إسناده علي بن يزيد الألهاني ، وهو متروك. كما في «مجمع الزوائد» ٧ : ٣٢.
(٤). في «فتح الباري» ٨ : ٣٣١ : «سهل» كما في رواية عبد بن حميد. قال الحافظ : «فيحتمل أن يكون تصحيفا ، ويحتمل أن يكون اسم أبي عقيل «سهل» ولقبه «حبحاب» أو هما اثنان».
وفي «المطالب العالية» ٣ : ٣٤١ رقم (٣٦٤٧) رواية ابن أبي شيبة. وأثر أبي عقيل ، رواه ابن مسعود وأخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (٤٦٦٨) في التفسير.
وأبو خيثمة الأنصاري. أخرجه ابن جرير (١).
٢٥ ـ (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) [الآية ٨١].
قال ذلك رجل من بني سلمة.
أخرجه ابن جرير (٢) عن محمّد بن كعب.
٢٦ ـ (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) [الآية ٨٣].
قال قتادة : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا [من المنافقين]. أخرجه ابن جرير (٣).
٢٧ ـ (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) [الآية ٩٠].
قال السّدّي : من قرأها خفيفة ، [قال] : بنو مقرّن.
ومن قرأها مشدّدة ، قال الذين لهم عذر.
وقال ابن إسحاق (٤) : ذكر لي أنهم نفر من بني غفار.
أخرج ذلك ابن أبي حاتم.
٢٨ ـ (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ) [الآية ٩٢].
سمّي منهم العرباض بن سارية. في حديث أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٥).
وعبد الله بن مغفّل (٦) المزني ، وعمرو المزني : جد كثير بن عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن الأزرق الأنصاري ، وأبو ليلى الأنصاري. في آثار أخرجها ابن أبي حاتم.
وقال مجاهد : هم بنو مقرّن (٧) من مزينة. أخرجه ابن أبي حاتم.
وقال محمد بن كعب القرظي : هم سبعة نفر : سالم بن عمير ، وحرمي بن عمرو ـ ويقال : هرمي ، ويقال : حزم ـ
__________________
(١). ١٠ : ٣٦.
(٢). ١٠ : ١٣٩.
(٣). ١٠ : ١٤١. والزيادة منه.
(٤). «سيرة ابن هشام» ٢ : ٥١٨.
(٥). والطبري (١٧٠٨٦) ١٠ : ١٤٦ ، والأثر لم أجده في «المستدرك».
(٦). التصويب من «سيرة ابن هشام» ٢ : ٥١٨.
(٧). والتصويب من «الدر المنثور» و «تفسير الطبري» ١٠ : ١٤٦.
وأبو ليلى : عبد الرحمن بن كعب ، وسلمان بن صخر ، وأبو عبلة : عبد الرحمن بن زيد (١) ، وعمرو بن غنمة (٢) ، وعبد الله بن عمرو المزني ، أخرجه ابن جرير (٣).
وسمّي منهم : علبة بن زيد الحارثي (٤) ؛ في أثر عند ابن مردويه.
وثعلبة بن زيد الأنصاري من بني حرام ؛ في أثر في «تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي».
٢٩ ـ (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [الآية ٩٩].
قال مجاهد : هم بنو مقرّن من مزينة. أخرجه ابن أبي حاتم.
وكانوا عشرة ؛ فيما أخرجه ابن جرير (٥).
٣٠ ـ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) [الآية ١٠٠].
قال أبو موسى الأشعري ، وسعيد بن المسيّب : هم الذين صلّوا القبلتين.
وقال الشّعبي : هم أهل بيعة الرضوان.
أخرج ذلك ابن أبي حاتم.
وقال محمد بن كعب ، وعطاء بن يسار : هم أهل بدر.
وقال الحسن : هم من أسلم قبل الفتح.
أخرجهما سنيد (٦).
٣١ ـ (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) [الآية ١٠١].
قال مولى ابن عباس : هم جهينة ، ومزينة ، وأشجع ، وأسلم ، وغفار ، أخرجه ابن المنذر.
٣٢ ـ (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) [الآية ١٠٢].
قال ابن عباس : هم سبعة ، أبو لبابة وأصحابه.
__________________
(١). وقع في «الطبري» ط شاكر : يزيد.
(٢). التصويب من «الطبري».
(٣). ١٠ : ١٤٦.
(٤). التصويب من «الدر المنثور».
(٥). ١١ : ٥ عن عبد الله بن مغفل.
(٦). سنيد بن داود : صاحب «التفسير» ، ضعّفه المحدثون على الرغم من إمامته ومعرفته ، توفي سنة (٢٢٦) ه. انظر لتخريج الآثار «تفسير الطبري» ١١ : ٦.
وقال زيد بن أسلم : ثمانية ، منهم : أبو لبابة ، وكردم ، ومرداس.
وقال قتادة : سبعة من الأنصار ، منهم : جد بن قيس ، وأبو لبابة ، وجذام ، وأوس.
أخرج ذلك ابن أبي حاتم.
٣٣ ـ (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) [الآية ١٠٦].
قال مجاهد : هم هلال بن أميّة ، ومرارة ، وكعب بن مالك.
أخرجه ابن أبي حاتم.
٣٤ ـ (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) [الآية ١٠٧].
هم أناس من الأنصار.
٣٥ ـ (لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الآية ١٠٧].
هو أبو (١) عامر الراهب. أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرج من وجه آخر عنه ، قال : هم رجال من الأنصار ، منهم : بخزج (٢) :
جدّ عبد الله بن حنيف ، ووديعة بن خذام ، ومجمّع بن جارية الأنصاري.
وأخرج عن سعيد بن جبير قال : هم حي ، يقال لهم : بنو غنم.
وقال ابن إسحاق : الذين بنوا [مسجد الضرار] اثنا عشر رجلا : خذام (٣) بن خالد ، من بني (٤) عبيد بن زيد ، أحد بني عمرو بن عوف ، [ومن
__________________
(١). المثبت من «تفسير الطبري» ، و «تفسير ابن كثير» ٢ : ٣٨٧.
(٢). هو اسم ، كما في «تاج العروس» مادة (بحزج) ٥ : ٤١٢ ط الكويت. وفي النسخ المطبوعة : «مجدح» ، وفي «سيرة ابن هشام» ٢ : ٥٣٠ ، «بحزج» وفي «تفسير الطبري» ١١ : ١٨ «بخدج» ، وكذا في «المحبر» : ٤٧٠ ، وكذا ضبطت في «تاج العروس» وفيه أنه اسم شاعر. وفي «تفسير الطبري» ط دار المعارف ١٤ : ٤٧١ علق عليها الأستاذ شاكر قائلا «ما أدري قوله «جد عبد الله بن حنيف» ولست أدري أهو من كلام ابن عباس ـ راوي الخبر ـ أو من كلام غيره ـ من رجال السند ـ وإن كنت أرجّح أنه من كلام غيره ، لأني لم أجد في الصحابة ولا التابعين «عبد الله بن حنيف» ، وجدّه «بحزج» ، والمذكور في المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار : «عباد بن حنيف» ، وأخو «سهل بن حنيف». فأخشى أن يكون سقط من الخبر شيء ، فاختلط الكلام. وفي نسب «سهل بن حنيف» ، و «عمرو ، وهو بحزج بن حنش بن عوف بن عمرو» (انظر «طبقات ابن سعد» ٣ : ٢ : ٣٩ ، ثم ٥ : ٥٩ ، و «جمهرة الأنساب» لابن حزم : ٣١٦) ؛ ولكن هذا قديم جدا في الجاهلية ، وهو بلا شك غير «بحزج» ، الذي كان من أمره ما كان في مسجد الضرار».
(٣). في سائر الأصول : «جذام» والمثبت من «تفسير الطبري» بتحقيق شاكر.
(٤). الطبري ١١ : ٢٣ ط الحلبي : «خالد بن عبيد» ، والمثبت من «تفسير الطبري» ط شاكر.
داره أخرج مسجد الشقاق] (١) ؛ وثعلبة بن حاطب ، من بني عبيد ، وهو إلى بني أمية بن زيد ، ومعتّب بن قشير ، من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف ؛ وجارية بن عامر ، وابناه : مجمّع بن جارية ، وزيد بن جارية ؛ ونبتل بن الحارث ، وهو من بني ضبيعة ، وبحدج ، وهو من بني ضبيعة ، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة ، ووديعة بن ثابت ، وهو إلى بني أمية [ابن زيد] (٢) رهط أبي لبابة بن عبد المنذر (٣).
٣٦ ـ (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) [الآية ١٠٨].
أخرج مسلم (٤) عن أبي سعيد الخدري مرفوعا أنه : المسجد النبويّ.
وأخرجه أحمد (٥) عن أبيّ بن كعب ، وسهل بن سعد مرفوعا ، وأخرجه ابن جرير عن ابن عمر وزيد بن ثابت ، وأبي سعيد موقوفا.
وأخرج عن ابن عباس أنه : مسجد قباء (٦).
__________________
(١). زيادة من «الطبري» و «سيرة ابن هشام».
(٢). زيادة من «سيرة ابن هشام».
(٣). انظر «سيرة ابن هشام» ٢ : ٥٣٠.
(٤). برقم (١٣٩٨) ٣ : ٥٤٢ «شرح النووي» في أواخر الحج ، وأحمد في «المسند» ، والطبري في «تفسيره» ١١ : ٢١ ، والحاكم في «المستدرك» ٢ : ٣٣٤ ، ونص الحديث كما في «صحيح مسلم» : «حميد الخراط ، قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن ، قال : مرّ بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، قال : قلت له كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسّس على التقوى قال : قال أبي : دخلت على رسول الله (ص) في بيت بعض نسائه ، فقلت : يا رسول الله ، أيّ المسجدين الذي أسس على التقوى؟. قال ، فأخذ كفّا من حصباء فضرب به الأرض ، ثم قال «هو مسجدكم هذا» لمسجد المدينة.
قال النووي في «شرح صحيح مسلم» : «هذا نصّ بأنه المسجد الذي أسّس على التقوى المذكور في القرآن ، وردّ لما يقول بعض المفسرين أنه مسجد قباء ، وأمّا أخذه (ص) الحصباء ، وهي الحصى الصغار وضربها في الأرض ، فالمراد به المبالغة في الإيضاح ، لبيان أنه مسجد المدينة».
وقال الحافظ بن كثير في «تفسيره» ٣ : ٤٨٦ في موضع من تفسير سورة الأحزاب : «إنّ الآية ، إنّما نزلت في مسجد قباء ، كما ورد في الأحاديث الأخر ؛ لكن إذا كان ذاك أسّس على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله (ص) أولى بتسميته بذلك ، والله أعلم».
(٥). «مسند أحمد» ٥ : ١١٦.
(٦). قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ١٤ : ٤٧٩ ط شاكر : «وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال هو مسجد الرسول (ص) لصحة الخبر بذلك عن رسول الله».