الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٣

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٣

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «الأعراف» (١)

قال تعالى : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [الآية ٢] على الابتداء (٢).

وقال : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) [الآية ٢] على النهي كما قال : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) [الكهف : ٢٨] أي : «الحرج فلا يكن في صدرك» ، و : «عيناك فلا تعدوا عنهم».

وقال تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) [الآية ٦] أي «لنسألنّ القوم الذين بعث إليهم وأنذروا». (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٦).

(فَلَنَقُصَّنَ) [الآية ٧] بالنون واللام ، لأنّ قوله تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) على القسم.

وقال تعالى : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) [الآية ١٠] فالياء غير مهموزة وقد همز بعض القراء (٣) وهو رديء لأنها ليست بزائدة.

وانما يهمز ما كان على مثال «مفاعل» إذا جاءت الياء زائدة في الواحد والألف والواو التي تكون الهمزة مكانها نحو «مدائن» لأنها «فعايل». ومن جعل «المدائن» من

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). نقل رأي الأخفش في زاد المسير ٣ : ١٣٥.

(٣). في الطبري ٢ : ٣١٦ و ٣١٧ الى عبد الرحمن ، وفي السبعة الى نافع ، وغلطها نقلا عن أبي بكر ، وفي الشواذ ٤٢ الى خارجة عن نافع والأعرج ، وفي الجامع ٧ : ١٦٧ الى الأعرج ونافع ، وفي البحر ٤ : ٢٧١ الى الأعرج وزيد بن علي والأعمش وخارجة ، عن نافع وابن عامر في رواية.

١٤١

«دان» «يدين» لم يهمز لأن الياء حينئذ من الأصل. وأمّا «قطائع» و «رسائل» و «عجائز» و «كبائر» فإنّ هذا كلّه مهموز ، لأنّ واو «عجوز» زائدة ، ألا ترى أنك تقول : «عجز» ؛ وألف «رسالة» زائدة إذ تقول «أرسلت» فتذهب الألف منها. وتقول في «كبيرة» «كبرت» فتذهب الياء منها. وأما «مصايب» فكان أصلها «مصاوب» لأن الياء إذا كانت أصلها الواو ، فجاءت في موضع لا بد من أن تحرك فيه ، قلبت الواو في ذلك الموضع إذا كان الأصل من الواو ، فلمّا قلبت صارت كأنها قد أفسدت حتى صارت كأنها الياء الزائدة ، فلذلك همزت ، ولم يكن القياس أن تهمز. وناس من العرب يقولون «المصاوب» وهي قياس (١).

وقال تعالى : (صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) [الآية ١١]. «ثمّ» في معنى الواو (٢) ويجوز أن يكون معناه (لآدم) كما تقول للقوم :

«قد ضربناكم» وإنّما ضربت سيدهم.

وقال تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الآية ١٢] ومعناه : ما منعك أن تسجد ، و (لا) هاهنا زائدة. وقال الشاعر (٣) [من الطويل وهو الشاهد الرابع بعد المائتين] :

أبى جوده «لا» البخل واستعجلت به

«نعم» من فتى لا يمنع الجوع (٤) قاتله (٥)

وفسرته العرب : أبى جوده البخل «وجعلوا (لا) زائدة حشوا هاهنا وصلوا بها الكلام. وزعم يونس أنّ أبا عمرو ، كان يجرّ «البخل» ولا يجعل «لا» مضافة إليه أراد : أبى جوده (لا) التي هي للبخل لأن (لا) قد تكون للجود والبخل. لأنه لو قال له : «امنع الحقّ»

__________________

(١). وقد نقلت من هذه الآراء جذاذات في التهذيب ١٢ : ٢٥٣ «صاب» وإعراب القرآن ١ : ٣٥١ و ٣٥٢ والجامع ٧ : ١٦٧ و ١٦٨.

(٢). نقله في الجامع ٧ : ١٦٨.

(٣). لم تفد المصادر والمراجع شيئا في الشاعر.

(٤). في ما عدا الصحاح واللسان «لا» وردت ب «الجود».

(٥). البيت في الخصائص ٢ : ٣٥ و ٢٨٣ ، ومغني اللبيب ١ : ٢٤٩ و ٢١٧ ، وأمالي ابن الشجري ٢ : ٢٢٨ ، واللسان «لا» ، وفيه نقلت عبارات الأخفش من غير نسبة ، وكذلك في الصحاح «لا».

١٤٢

او «لا تعط المساكين» فقال «لا» كان هذا جودا منه.

وقال تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٦) أي : على صراطك. كما تقول : «توجّه مكّة» أي : إلى مكة. وقال الشاعر (من الطويل وهو الشاهد الخامس بعد المائتين) :

كأنّي إذ أسعى لأظفر طائرا

مع النّجم في جوّ السّماء يصوب

يريد : لأظفر بطائر. فألقى الباء ونحوه (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) [الآية ١٥٠] يريد : عن أمر ربكم.

وقال تعالى (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) [الآية ١٨] لأنه من «الذّأم» تقول «ذأمته» ف «هو مذءوم» والوجه الاخر من «الذم» : «ذممته» ف «هو مذموم» تقول : «ذأمته» و «ذممته» و «ذمته» كلّه في معنى واحد ومصدر : «ذمته» «الذّيم».

وقال تعالى : (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) [الآية ١٨] فاللام الاولى للابتداء والثانية للقسم.

وقال تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) [الآية ٢٠] والمعنى : فوسوس إليهما الشيطان (١). ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلّها الفعل ، ومنهم من يقول : «غرضت» في معنى : اشتقت اليه. وتفسيرها : غرضت من هؤلاء إليه.

وقال تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) [الآية ٢٠] كأنه يقول : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا) كراهة (أَنْ تَكُونا) (٢) كما تقول : «إيّاك أن تفعل» أي : كراهة أن تفعل.

وقال تعالى : (وَطَفِقا) [الآية ٢٢] وقرأ بعضهم (وطفقا) (٣) فمن قال «طفق» قال : «يطفق» (٤) ومن قال «طفق» قال «يطفق».

وقرأ قوله تعالى : (يَخْصِفانِ) [الآية ٢٢] قرأه (يخصّفان) جعلها من «يختصفان» فأدغم التاء في الصاد

__________________

(١). نقله في إعراب القرآن ١ : ٣٥٣.

(٢). نقله في زاد المسير ٣ : ١٧٩ ، وأشرك معه الزجاج.

(٣). في الشواذ ٤٢ ، والبحر ٤ : ٢٨٠ نسبت القراءة بالفعل من باب «ضرب» الى ابي السمال ، وكذلك في الكشاف ٢ : ٩٦.

(٤). نقله في الجامع ٧ : ١٨٠ ، وإعراب القرآن ١ : ٣٥٤ ، والصحاح «طفق».

١٤٣

فسكنت ، وبقيت الخاء ساكنة ، فحرّكت الخاء بالكسر ، لاجتماع الساكنين (١). ومنهم من يفتح الخاء ويحوّل عليها حركة التاء (٢).

وقال تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣) فكأنه على القسم ، والله أعلم ، كأنه قال : «والله لنكوننّ من الخاسرين إن لم تغفر لنا وترحمنا».

وقال تعالى : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الآية ٢٦] برفع قوله سبحانه (وَلِباسُ التَّقْوى) على الابتداء ، وجعل خبره في قوله تعالى : (ذلِكَ خَيْرٌ) (٣) وقد نصب بعضهم (ولباس التّقوى) (٤).

وقال تعالى (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) [الآية ٣٠] بتذكير الفعل بسبب الفصل كما في قوله تعالى (لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) [الحديد : ١٥].

وقال تعالى : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [الآية ٣٥] كأنّ المعنى (فأطيعوهم).

وقال تعالى : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الآية ٤٠] من «ولج» «يلج» «ولوجا».

وقال سبحانه : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الآية ٤١] بكسر (غواش) لأن هذه الشين في موضع عين «فواعل» فهي مكسورة. وأما موضع اللام منه فالياء ، والياء والواو إذا كانتا بعد كسرة وهما في موضع تحرك برفع أو جرّ ، صارتا ياء ساكنة في الرفع ، وجرتا ونصبتا في النصب. فلمّا صارتا ياء ساكنة وأدخلت

__________________

(١). في المحتسب ٢٤٥ ، والجامع ٧ : ١٨٠ ، والكشّاف ٢ : ٩٦ أنها قراءة الحسن ، وزاد في البحر ٤ : ٢٨٠ الأعرج ومجاهدا وابن وثاب.

(٢). في الشواذ ٤٢ الى الزهري ، وفي المحتسب ٢٤٥ بلا نسبة. وفي الجامع ٧ : ١٨١ الى ابن بريدة ويعقوب ، وفي البحر ٤ : ٢٨٠ الى الحسن في رواية محبوب وابن بريدة ويعقوب. وقد نقل هذا عنه في الصحاح «خصف».

(٣). في السبعة ٢٨٠ الى ابن كثير وعاصم وأبي عمرو وحمزة ، وزاد في الوقف ٢ : ٦٥٢ مجاهدا والأعمش ، وفي الكشف ١ : ٤٦٠ والتيسير ١٠٩ / إلى غير من أخذ بالأخرى.

(٤). في معاني القرآن ١ : ٣٧٥ الى الكوفيين ، وفي الجامع ١ : ٣٧٥ إلى أهل المدينة والكسائي ، وفي السبعة ٢٨٠ والكشف ١ : ٤٦٠ والتيسير ١٠٩ الى نافع وابن عامر والكسائي ، وفي الوقف ٢ : ٦٥٣ أهمل ابن عامر ، وزاد أبا جعفر وشبية.

١٤٤

عليها التنوين وهو ساكن ذهبت الياء لاجتماع الساكنين.

وقال تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) [الآية ٤٣] وهو ما يكون في الصدور. وأما الذي يغلّ به الموثق فهو «الغلّ».

وقال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) [الآية ٤٣] كما قال سبحانه : (اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) [يونس : ٣٥] وتقول العرب : «هو لا يهتدي لهذا» أي : لا يعرفه. وتقول : «هديت العروس إلى بعلها». وتقول أيضا : أهديتها إليه» و «هديت له» وتقول : «أهديت له هديّة». وبنو تميم يقولون «هديت العروس إلى زوجها» جعلوه في معنى «دللتها» وقيس تقول : «أهديتها» جعلوها بمنزلة الهدية.

وقال تعالى (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) (٤٤) و (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الآية ٤٤] وقال أيضا في موضع آخر : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) [يونس : ١٠] و (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) [الآية ٤٤] فهذه «أنّ» الثقيلة خفّفت وأضمر فيها ، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة لأنّ بعدها اسما. والخفيفة لا يليها الأسماء. وقال الشاعر (١) [من البسيط وهو الشاهد السادس بعد المائتين] :

في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يخفى وينتعل (٢)

وقال الشاعر (٣) [من الوافر وهو الشاهد السابع بعد المائتين] :

أكاشره وأعلم أن كلانا

على ما ساء صاحبه حريص

. وتكون (أَنْ قَدْ وَجَدْنا) في معنى «أي».

وقوله تعالى : (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ) [الآية ٥٠] تكون «أي أفيضوا»

__________________

(١). هو الأعشى ميمون بن قيس ، الصبح المنير والإنصاف ١ : ١١٣ ، وفي الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ٢٨٢ و ٤٤٠ و ٤٨٠ و ٢ : ١٢٣ ، والخزانة ٣ : ٥٤٧.

(٢). عجزه في الصبح المنير «أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل» وفي تحصيل عين الذهب ٢ : ١٢٣ ب «من فتية». والبيت بعد في الخصائص ٢ : ٤٤١ ، والمنصف ٣ : ١٢٩ ، والخزانة ٤ : ٣٥٦ ، والمقاصد النحوية ٢ : ٢٨٧ ، والدرر ١ : ١١٩.

(٣). هو عديّ بن زيد معجم شواهد العربية ٢٠٣ ، وليس في ديوانه ، وذلك ما أشار اليه مؤلف المعجم ، ولكنه ليس كما ذكر موجودا في الخصائص ١ : ١٢٦ و ٢٦١ ، وهو في شرح المفصل ١ : ٥٤ وفيه «شاء» بالمعجمة المثلثة. وفي الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ٤٤٠ والإنصاف ١ : ١١٣ و ٢٣٦ وأمالي ابن الشجري ١ : ١٨٨.

١٤٥

وتكون على «أن» التي تعمل في الأفعال لأنك تقول : «غاظني أن قام» و «غاظني أن ذهب» فتقع على الأفعال ، وإن كانت لا تعمل فيها ؛ وفي كتاب الله (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٦] معناها : أي امشوا.

وقال تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [الآية ٥٣] بنصب ما بعد الفاء ، لأنه جواب استفهام.

وقوله تعالى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) [الآية ٥٤] عطف على قوله سبحانه : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الآية ٥٤] (١).

وقال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦) بتذكير (قريب) وهي صفة «الرحمة» وذلك كقول العرب «ريح خريق» و «ملحفة جديد» و «شاة سديس». وإن شئت قلت : تفسير «الرحمة» هاهنا : المطر ، ونحوه (٢). فلذلك ذكّر. كما في قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا) [الآية ٨٧] بالتذكير على إرادة «الناس». وإن شئت جعلته كبعض ما يذكّرون من المؤنث (٣) كقول الشاعر (٤) [من المتقارب وهو الشاهد الحادي والثلاثون] :

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها

وقال تعالى في أول هذه السورة : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [الآية ٢](لِتُنْذِرَ بِهِ) [الآية ٢](فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) [الآية ٢] هكذا تأويلها على التقديم والتأخير. وفي كتاب الله مثل ذلك كثير ، قال تعالى : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) (٢٨) [النمل] والمعنى ـ والله أعلم ـ (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) وفي كتاب الله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ

__________________

(١). نقله في اعراب القرآن ١ : ٣٦٣ ، والجامع ٧ : ٢٢١.

(٢). نقله في التهذيب ٩ : ١٢٥ «قرب» ، والمشكل ١ : ٢٩٤ ، والبحر ٤ : ٣١٣ ، وزاد المسير ٣ : ٢١٦ ، والتصريح ٢ : ٣٢ ، واعراب القرآن ١ : ٣٦٥ ، والجامع ٧ : ٢٢٨.

(٣). نقله مع الشاهد في اعراب القرآن ١ : ٣٦٤ ، والجامع ٧ : ٢٢٨.

(٤). هو عامر بن جوين الطائي ، او الخنساء ، الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ٢٤٠ ، ومجاز القرآن ٢ : ٦٧ ، والصحاح واللسان «بقل» ، والبيت بعد في معاني القرآن ١ : ١٣٧.

١٤٦

الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) [النحل] والمعنى ـ والله أعلم ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وفي غافر (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) [غافر : ٨٣].

والمعنى ـ والله أعلم ـ (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنَ الْعِلْمِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ). وقال بعضهم (فَرِحُوا بِما) هو (عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي : كان عندهم العلم وهو جهل ؛ ومثل هذا في كلام العرب وفي الشعر كثير من التقديم والتأخير. يكتب الرجل : «أمّا بعد ، حفظك الله وعافاك ، فإنّي كتبت إليك» فقوله «فإنّي» محمول على «أمّا بعد» وانما هو «أمّا بعد فإنّي» وبينهما كما ترى كلام. قال الشاعر [من الكامل وهو الشاهد الثامن بعد المائتين] :

خير من القوم العصاة أميرهم

يا قوم فاستحيوا النساء الجلّس

والمعنى : خير من القوم العصاة أميرهم النّساء الجلّس يا قوم فاستحيوا.

قال الاخر (١) [من البسيط وهو الشاهد التاسع بعد المائتين] :

الشّمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا (٢)

ومعناه : الشمس طالعة لم تكسف نجوم الليل والقمر لحزنها على «عمر» (٣) وذلك أنّ الشمس كلما طلعت كسفت القمر والنجوم فلم تترك لها ضوا.

وقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) [البقرة : ٢٥٨] ثم قال (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) [البقرة : ٢٥٩] ف «الكاف» تزاد في الكلام. والمعنى : «ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أو الّذي مرّ على قرية». ومثلها في القرآن. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] والمعنى ليس

__________________

(١). هو جرير بن عطية بن الخطفي. ديوانه ٢ : ٧٣٦ ، والكامل ٢ : ٦٥٢.

(٢). في الديوان «فالشمس كاسفة ليست بطالعة» ، وكذلك شرح الأبيات للفارقي ١١٨ ، وفي الكامل ب «فالشمس» والشاهد بعد في الصحاح «بكى».

(٣). هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الخليفة الأموي ، ترجمته وأخباره في مروج الذهب ٣ : ١٩٢ ـ ٢٠٥ ، والأغاني ٨ : ١٥١.

١٤٧

مثله شيء. لأنه ليس لله مثل (١). وقال الشاعر (٢) [من الرجز وهو الشاهد العاشر بعد المائتين] :

فصيّروا مثل كعصف مأكول (٣)

والمعنى : فصيّروا مثل عصف ، والكاف زائدة. وقال الاخر (٤) (من الرجز وهو الشاهد الحادي عشر بعد المائتين) :

وصالبات ككما يؤثفين

فإحدى الكافين زائدة

وقوله تعالى (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً) [النساء : ٥٦] يعني غيرها في النضج ، لأنّ الله عزوجل يجدّدها فيكون أشدّ للعذاب عليهم. وهي تلك الجلود بعينها التي عصت الله تعالى ، ولكن أذهب عنها النضج ، كما يقول الرجل للرجل : «أنت اليوم غيرك أمس» وهو ذلك بعينه إلا أنه نقص منه شيء أو زاد فيه. وفي كتاب الله عزوجل (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢٨) [الأنعام] فيسأل السائل فيقول كيف كانوا كاذبين ولم يعودوا بعد. وإنما يكونون كاذبين إذا عادوا. وقد قلتم إنه لا يقال له كافر ، قبل أن يكفر ، إذا علم أنه كافر. وهذا يجوز أن يكون أنّهم الكاذبون بعد اليوم كما يقول : «أنا قائم» وهو قاعد ، يريد «إني سأقوم». أو يقول تعالى (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) يعني ما وافوا به القيامة من كذبهم وكفرهم ، لأنّ الذين دخلوا النار كانوا كاذبين كافرين.

وقوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) [القيامة] يقول «تنظر في رزقها وما يأتيها من الله». يقول الرجل : «ما أنظر إلّا إليك» ولو كان نظر البصر ، كما يقول بعض الناس ، كان في الآية التي بعدها بيان ذلك. ألا ترى أنه قال (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) (٢٥) [القيامة] ولم يقل : «ووجوه لا تنظر ولا ترى» وقوله تعالى : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) (٢٥) يدلّ

__________________

(١). سبق للأخفش أن ذكر هذه الآراء ، في كلامه على الآيتين ٢٥٨ و ٢٥٩ في سورة البقرة ، بعبارة لا تكاد تختلف.

(٢). هو رؤبة بن العجّاج. ديوانه ١٨١ ، والخزانة ٤ : ٢٧٠ ، وقيل هو حميد الأرقط الكتاب ١ : ٢٠٣.

(٣). في الخزانة «فأصبحوا». والبيت بعد في شرح الأبيات للفارقي ١٨٠.

(٤). هو خطام المجاشعي ، الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ١٣ ، والكتاب ١ : ٢٠٣ و ٢ : ٣٣١ ، والخزانة ١ : ٣٦٧ ، والشاهد أيضا في الخزانة ٢ : ٣٥٤ و ٤ : ٢٧٣.

١٤٨

«الظن» هاهنا على النظر ثم الثقة بالله وحسن اليقين ، ولا يدل على ما قالوا. وكيف يكون ذلك والله سبحانه يقول (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣] وقوله تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] يعني ما تشاؤون من الخير شيئا إلّا أن يشاء الله أن تشاؤوه.

وقوله تعالى (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [النور : ٤٠] حمل على المعنى ، وذلك أنه لا يراها ؛ وذلك أنّك إذا قلت : «كاد يفعل إنما تعني قارب الفعل ولم يفعل» فإذا قلت «لم يكد يفعل» كان المعنى أنه لم يقارب الفعل ولم يفعل على صحة الكلام. وهكذا معنى هذه الآية. إلّا أنّ اللّغة قد أجازت «لم يكد يفعل» في معنى : فعل بعد شدة ، وليس هذا صحة الكلام أنه إذا قال : «كاد يفعل» فإنما يعني قارب الفعل. وإذا قال : «لم يكد يفعل» يقول : «لم يقارب الفعل» إلا أنّ اللغة جاءت على ما فسرت لك ، وليس هو على صحة الكلمة.

وقال تعالى (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [الآية ٦٩] كأنه قال : «صنعوا كذا كذا وعجبوا» فقال «صنعتم كذا وكذا أو عجبتم» فهذه واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام.

وقال تعالى (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) [الآية ٦٥](وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) [الآية ٧٣] فكلّ هذا ـ والله أعلم ـ نصبه على الكلام الأول على قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [الآية ٥٩] وكذلك (وَلُوطاً) [الآية ٨٠] ، وقال بعضهم : «واذكر لوطا». وإنما يجيء هذا النصب على هذين الوجهين ، أو يجيء على أن يكون الفعل قد عمل فيما قبله ، وقد سقط بعده فعل على شيء من سببه ، فيضمر له فعلا. فإنّما يكون على أحد هذه الثلاثة ، وهو في القرآن كثير.

وقال تعالى (خَلائِفَ الْأَرْضِ) [الأنعام : ١٦٥] وقال (خُلَفاءَ) [الآية ٦٩] و [الآية ٧٤] وكلّ جائز ، وهو جماعة «الخليفة».

وقال تعالى (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) [الآية ٦٩] أي : انبساطا.

وقال في موضع آخر (بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) [البقرة : ٢٤٧] وهو مثل الأول.

وتقرأ (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) [الآية ٧٣] بالجزم إذا جعلته جوابا ،

١٤٩

وبالرفع إذا أردت (فذروها آكلة). وقال تعالى (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) [الآية ١٤٥] وقال (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ) [الجاثية : ١٤] و (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) [الزخرف : ٨٣] فصار جوابا في اللفظ ، وليس كذلك في المعنى.

وقال تعالى : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) [الآية ٨٥].

ثم قال تعالى : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) [الآية ٨٦] تقول : «هم في البصرة» و «بالبصرة» و «قعدت له في الطّريق» و «بالطّريق».

وقال تعالى (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) [الآية ٩٢] وهي من «غنيت» «تغنى» (١) «غنى».

وقال تعالى : (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) [الآية ٩٨] فهذه الواو للعطف دخلت عليها ألف الاستفهام.

وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) [الآية ١٠٠] أي : (أو لم يتبيّن لهم) وقرأ بعضهم (نهد) (٢) بالنون أي : «أو لم نبيّن لهم» (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ).

وقال تعالى : (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) [الآية ١٠١] «من» زائدة وأراد «قصصنا» كما تقول «هل لك في ذا» وتحذف «حاجة».

وقال تعالى : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) [الآية ١٠١] فقوله سبحانه (بِما كَذَّبُوا) والله أعلم يعني : «بتكذيبهم» باعتبار (ما كذّبوا) اسما للفعل والمعنى : «لم يكونوا ليؤمنوا بالتكذيب» أي لا نسمّيهم بالإيمان بالتكذيب (٣).

وقال تعالى : (وَما تَنْقِمُ مِنَّا) [الآية ١٢٦] (٤) وقرأ بعضهم (وما تنقم منّا) (٥)

__________________

(١). نقله في إعراب القرآن ١ : ٣٦٩.

(٢). في الشواذ ٤٥ إلى ابن عباس والسلمي ، وفي المشكل ١ : ٢٩٧ الى مجاهد ، وفي البحر ٤ : ٣٥٠ ، والكشاف ٢ : ١٣٤ ، والبيان ١ : ٣٦٩ ، والإملاء ١ : ٢٨٠ ، بلا نسبة.

(٣). نقله في إعراب القرآن ١ : ٣٧١.

(٤). هي قراءة الجمهور ، كما في البحر ٤ : ٣٦٦.

(٥). في الشواذ ٤٥ ، الى يحيى وإبراهيم وأبي حياة ، وفي البحر ٤ : ٣٦٦ ، إلى أبي حياة وأبي اليسر هاشم وابن أبي عبلة ، وفي الجامع ٧ : ٢٦١ ، الى الحسن ، وكذلك في إعراب القرآن ١ : ٣٧٤.

١٥٠

وهما لغتان (١) (نقم) ، «نقم» ، «ينقم» و «ينقم» وبالأولى نقرأ.

وقال تعالى (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) [الآية ١٣٢] لأن (مهما) من حروف المجازاة وجوابها (فما نحن).

وقال تعالى (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) (١٣٧) (٢) «ويعرشون» (٣) لغتان ؛ وكذلك (نبطش) و (نبطش) (٤) ، و «يحشر» و «يحشر» ، و «يكفّ» و «يكفّ» ، و «ينفر» و «ينفر».

وقال تعالى : (الطُّوفانَ) [الآية ١٣٣] وواحدتها في القياس «الطوفانة» (٥).

وقال الشاعر (٦) [من الرمل وهو الشاهد الثاني عشر بعد المائتين] :

غيّر الجدّة من آياتها (٧)

خرق الرّيح وطوفان المطر

وهي من «طاف» «يطوف».

وقال تعالى : (جَعَلَهُ دَكًّا) [الآية ١٤٣] وهو سبحانه حين قال «جعله» كان كأنه قال «دكّه» وقرأ بعضهم (دكّاء) وإذا أراد هذا فقد أجري مجرى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] لأنه يقال : «ناقة دكّاء» إذا ذهب سنامها.

وقال تعالى (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) [الآية ١٤٣] على معنى «تجلّى أمره» نحو ما يقول الناس : «برز فلان لفلان» وإنّما برز جنده.

__________________

(١). نقله في إعراب القرآن ١ : ٣٧٤ ، والجامع ٧ : ٢٦١.

(٢). في الطبري ٩ : ٤٤ ، أنها قراءة عامة قراء الحجاز والعراق ، إلّا عاصما ، وهي إحدى لغتين مشهورتين عند العرب ، وفي السبعة ٢٩٢ ، إلى ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي ، وإلى عاصم في رواية. وفي البحر ٤ : ٣٧٧ ، إلى الحسن ومجاهد وأبي رجاء ، وفي السبعة إلى غير ابن عامر ، وأبي بكر ، وفي الكشف ١ : ٤٧٥ ، والتيسير ١١٣ ، إلى غير أبي بكر ، وابن عامر.

(٣). في الطبري ٩ : ٤٤ ، الى عاصم بن أبي النجود ، وفي السبعة ٢٩٢ ، إلى ابن عامر ، وإلى عاصم في رواية ، وفي الجامع ٧ : ٢٧٢ ، إلى ابن عامر وأبي بكر عن عاصم ، وفي الكشف ١ : ٤٧٥ ، والتيسير ١١٣ ، والبحر ٤ : ٣٧٧ الى ابن عامر وأبي بكر.

(٤). نصر لتميم ، وضرب للحجاز ، اللهجات العربية ٤٤٤ ، ولهجة تميم ١٩٣ ، والمزهر ٢ : ٢٧٥. وكذلك الأمر في «عرش».

(٥). نقله في إعراب القرآن ١ : ٣٧٥ ، والجامع ٧ : ٢٦٧ ، والبحر ٤ : ٣٧٢.

(٦). هو حسيل بن عرفطة. نوادر أبي زيد ٧٧.

(٧). في نوادر أبي زيد ٧٧ ، والمنصف ٢ : ٢٢٨ ، ب «عرفانه» بدل «آياتها».

١٥١

وأمّا قوله تعالى (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الآية ١٤٣] فإنما أراد علما لا يدرك مثله إلّا في الاخرة فأعلم الله سبحانه موسى (ع) أن ذلك لا يكون في الدنيا. وقرأها بعضهم «دكّاء» (١) جعله «فعلاء» وهذا لا يشبه أن يكون.

وهو في كلام العرب : «ناقة دكّاء» أي : ليس لها سنام. والجبل مذكّر ، إلّا أن يكون «جعله مثل دكّاء» وحذف «مثل».

وقال تعالى : (مِنْ حُلِيِّهِمْ) [الآية ١٤٨] (٢) وقرأ بعضهم «حليّهم» (٣) و «حليّهم» (٤) (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) [الآية ١٤٨] وقرأ بعضهم «جؤار» (٥) وكلّ من لغات العرب.

وقال تعالى : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) [الآية ١٤٩] وقرأ بعضهم «سقط» (٦) وكلّ جائز ، والعرب تقول : «سقط في يديه» و «أسقط في أيديهم» (٧).

وأمّا قوله تعالى : (مِنْ حُلِيِّهِمْ) بضم الحاء فانه «فعول» وهي جماعة «الحلي» ومن قرأ «حليّهم» في اللغة

__________________

(١). هذه القراءة في الطبري ٩ : ٥٤ ، الى عامة الكوفيّين وعكرمة ، وفي الجامع ٧ : ٢٧٨ إلى أهل الكوفة ، وفي السبعة ٢٩٣ ، والكشف ١ : ٤٧٥ ، والتيسير ١١٣ ، والبحر ٤ : ٣٨٤ ، الى حمزة والكسائي. أمّا قراءة «دكّا» ، ففي الطبري ٩ : ٥٤ ، الى عامة قراء أهل المدينة والبصرة ، وفي الشواذ ٤٥ ، الى يحيى بن وثاب ، وفي السبعة ٢٩٣ الى ابن كثير ونافع وابن عمرو وابن عامر وعاصم ، وفي الجامع ٧ : ٢٧٨ إلى أهل المدينة وأهل البصرة ، وفي الكشف ١ : ٤٧٥ ، والتيسير ١١٣ ، إلى غير حمزة والكسائي.

(٢). في الطبري ٩ : ٦٢ أنها قراءة مستفيضة ، وفي السبعة ٢٩٤ إلى ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر ، وفي البحر ٤ : ٣٩٢ إلى السبعة غير من أخذ بسواها ، وإلى الحسن وأبي جعفر وشيبة. وفي الجامع ٧ : ٢٨٤ ، إلى أهل المدينة وأهل البصرة ، وفي الكشف ١ : ٤٧٧ ، والتيسير ١١٣ ، إلى غير حمزة والكسائي ، وفي الجامع ٧ : ٢٨٤ ، إلى أهل الكوفة إلّا عاصما ، وفي البحر ٤ : ٣٩٢ الى الأخوين وأصحاب عبد الله ، ويحيى بن وثاب وطلحة والأعمش.

(٣). في السبعة ٢٩٤ إلى حمزة والكسائي ، وإلى عاصم في رواية. وفي الكشف ١ : ٤٧٧ ، والتيسير ١٣٣.

(٤). في البحر ٤ : ٣٩٢ إلى يعقوب.

(٥). في الشواذ ٤٦ ، الى أبي السمال ، وفي البحر ٤ : ٣٩٢ الى الإمام علي وأبي السمال ، وقد نقل هذا في الصحاح «جأر».

(٦). في الشواذ ٤٦ ، الى اليماني ، وفي البحر ٤ : ٣٩٤ ، الى فرقة منهم ابن السميفع.

(٧). في البحر ٤ : ٣٩٤ ، إلى ابن أبي عبلة. ويبدو مما جاء في اللهجات العربية ، أنّ الزيادة لغة تميم ، والتجريد لغة الحجاز ٤٩٤ وما بعدها ، ولهجة تميم ٢٠٣ وما بعدها.

١٥٢

الأخرى فالمكان الياء كما قالوا : «قسيّ» و «عصيّ».

وقال تعالى (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) [الآية ١٥٠] بإثبات نونين ، واحدة للفعل والأخرى للاسم المضمر ؛ وإنّما ثبتت في الفعل ، لأنه رفع ؛ ورفع الفعل إذا كان للجميع ، والاثنين بثبات النون ، إلّا أن نون الجميع مفتوحة ونون الاثنين مكسورة ، وقد قال تعالى : (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) [الأحقاف : ١٧] وقد يجوز في هذا الإدغام والإخفاء.

وقال تعالى : (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) [الآية ١٦٠] على تقدير اثنتي عشرة فرقة ، ثمّ أخبر أن الفرق أسباط ، ولم يجعل العدد على الأسباط.

وقال تعالى : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) [الآية ١٥٤] وقرأ بعضهم (سكن) (١) إلّا أنّها ليست على الكتاب ، فنقرأ (سَكَتَ) وكلّ من كلام العرب.

وقال تعالى (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الآية ١٥٥] أي : اختار من قومه ، فلما نزعت «من» عمل الفعل. وقال الشاعر (٢) [من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر] :

منا الذي اختير الرجال سماحة

وجودا (٣) إذا هبّ الرّياح الزعازع

وقال آخر (٤) [من البسيط وهو الشاهد الخامس عشر] :

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب

وقال النابغة (٥) : [من الكامل وهو الشاهد السادس عشر] :

نبّئت زرعة والسّفاهة كاسمها

يهدي إليّ أوابد الأشعار (٦)

وقال تعالى : (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ

__________________

(١). في الشواذ ٤٦ ، والجامع ٧ : ٢٩٢ ، والبحر ٤ : ٣٩٨ ، أنها قراءة معاوية بن قرة.

(٢). هو الفرزدق همّام بن غالب : ديوانه ٢ : ٥١٦ ، والكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ١٨.

(٣). في الديوان ب «وخيرا».

(٤). هو عمرو بن معدي كرب الزّبيدي ، ديوانه ٣٥ ، والكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ١٧ ، والخزانة ١ : ١٦٤ ، وفيها منسوب أيضا إلى أعشى طرود إياس بن عامر ، أو العباس بن مرداس ، أو زرعة بن السائب ، أو خفاف بن ندبة ، وفي الكامل ١ : ٣٢ ، منسوبا إلى أعشى طرود إياس بن عامر.

(٥). هو زياد بن معاوية ، وقد سبقت ترجمته.

(٦). البيت في ديوانه ٩٧ ، والمقاصد النحوية ٢ : ٤٣٩.

١٥٣

يَرْهَبُونَ) (١٥٤) كما قال (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (٤٣) [يوسف] بوصل الفعل باللام.

وقال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الآية ١٥٦] أي : وسعت كلّ من يدخل فيها ، لا تعجز عمّن دخل فيها ؛ أو يكون يعني الرحمة التي قسّمها بين الخلائق ، يعطف بها بعضهم على بعض ، حتى عطف البهيمة على ولدها.

وقال (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) [الآية ١٦٩] إذا قلت «خلف سوء» و «خلف صدق» فهما سواء. و «الخلف» إنّما يريد به الذي بعد ما مضى خلفا كان منه ، أو لم يكن خلفا إنّما يكون يعني به القرن الذي يكون بعد القرن ، و «الخلف» الذي هو بدل ممّا كان قبله ، قد قام مقامه وأغنى غناه. تقول «أصبت منك خلفا» (١).

وقال تعالى : (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) [الآية ١٦٩] بإضافة «العرض» الى «هذا» ؛ وفسر «هذا» ب «الأدنى» وكل شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير فإنها عين. وأما «العرض» فهو كلّ شيء عرض لك تقول : «قد عرض له بعدي عرض» أي : «أصابته بليّة وشرّ» وتقول : «هذا عرضة للشرّ» و «عرضة للخير» كلّ هذا تقوله العرب. وقال تعالى (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) [البقرة : ٢٢٤] وتقول : «أعرض لك الخير» و «عرض لك الخير» وقال الشاعر (٢) [من الكامل وهو الشاهد السابع عشر بعد المائتين] :

لا أعرفنّك معرضا لرماحنا

في جفّ تغلب وارد الأمرار (٣)

و «العارض» من السحاب : ما استقبلك وهو ما ورد في قول الله عزوجل (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً) [الأحقاف : ٢٤]

__________________

(١). جاء في الصحاح : «الخلف والخلف : ما جاء من بعد. يقال : «هو خلف سوء من أبيه وخلف صدق من أبيه» بالتحريك إذا قام مقامه. قال الأخفش : هما سواء منهم من يحرّك ومنهم من يسكّن فيهما جميعا إذا أضاف. ومنهم من يقول «خلف صدق» بالتحريك ويسكّن الاخر. ويريد بذلك الفرق بينهما قال الراجز :

إنّا وجدنا خلفا بئس الخلف

عبدا إذا ما ناء بالحمل خفف

«الصحاح» «خلف».

(٢). هو النابغة الذبياني زياد بن معاوية ، «ديوانه ١٢٨». اللسان «جفف» و «مرر» والصحاح كذلك.

(٣). في الصحاح واللسان كما مر ، «عارضا» بدل «معرضا» ، و «وارد» بدل «واردي» كما هو في الأصل.

١٥٤

وأما «الحبيّ» : فما كان من كل ناحية وتقول : «خذوه من عرض الناس» أي : ممّا وليك منهم ، وكذلك «اضرب به عرض الحائط» أي ، ما وليك منه. وأما «العرض» و «الطول» فإنه ساكن. وأما قوله (١) [من الطويل وهو الشاهد الثامن عشر بعد المائتين] :

لهنّ عليهم عادة قد عرفنها (٢)

إذا عرضوا الخطّيّ فوق الكواثب (٣)

وأعرضوا ، فهذا لأنّ : عرض عرضا. و : «عرضت عليه المنزل عرضا» و «عرض لي أمر عرضا» هذا مصدره. و «العرض من الخير والشرّ» :

ما أصبت عرضا من الدنيا فانتفعت به تعني به الخير ، و «عرض لك عرض سوء».

وقال تعالى : (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) [الآية ١٦٨] لا أعلم أحدا يقرأها إلّا نصبا.

وقال تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) [الآية ١٧٧] فجعل «القوم» هم «المثل» في اللفظ أي : مثل القوم ، كما في قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ).

وقال تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) [الآية ١٧٩] من : «ذرأ» «يذرأ» «ذرءا».

وقال تعالى : (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [الآية ١٨٠] (٤) وقرأ بعضهم (يلحدون) (٥) جعله من «لحد» «يلحد» وهي لغة (٦). وقال في موضع آخر

__________________

(١). هو النابغة الذبياني ، زياد بن معاوية ، ديوانه ٥٨ ، واللسان «كثب».

(٢). الصدر من الديوان واللسان.

(٣). في الديوان واللسان «عرض» والديوان «عرّض».

(٤). في الطبري ٩ : ١٣٤ ، أنّها قراءة عامة قراء أهل المدينة ، وبعض البصريّين والكوفيّين ، وفي السبعة ٢٩٨ إلى ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وأبي عمرو والكسائي ، وفي البحر ٤ : ٤٣٠ إلى السبعة ، إلّا من أخذ بالأخرى ، وفي الكشف ١ : ٤٨٤ ، والتيسير ١١٤ ، إلى غير حمزة.

(٥). في الطبري ٩ : ١٣٤ الى عامة قراء أهل الكوفة ، وفي السبعة ٢٩٨ ، والتيسير ١١٤ ، والكشف ١ : ٤٨٤ ، إلى حمزة ، وفي البحر ٤ : ٤٣٠ ، إلى حمزة وابن وثاب والأعمش وطلحة وعيسى.

(٦). لغة المجرّد هي للحجاز ، وبعض قرى العالية ، وقريش ، ولغة المزيد هي لتميم وقيس ومنطقة نجد ودبير وعقيل ، اللهجات العربية ٤٩٢ ـ ٤٩٨.

١٥٥

(لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ) [النحل : ١٠٣] (١) وقرأ بعضهم (يلحدون) (٢) وهما لغتان ؛ و (يُلْحِدُونَ) أكثر ، وبها نقرأ ؛ ويقوّيها (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) [الحج : ٢٥] (٣).

وقال تعالى : (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) [الآية ١٧٦] ولا نعلم أحدا يقول (خلد). وقوله (أخلد) أي : لجأ إليها.

وقال تعالى (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) [الآية ١٨٩] لأنّ «الحمل» ما كان في الجوف و «الحمل» ما كان على الظهر. وقال (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) [الحج : ٢] وأمّا قوله تعالى (أَثْقَلَتْ) [الآية ١٨٩] أي : «صارت ذات ثقل» كما تقول «أتمرنا» (٤) أي : «صرنا ذوي تمر» (٥) و «ألبنّا» أي : صرنا ذوي لبن» و «أعشبت الأرض» و «أكمأت» وقرأ بعضهم : (فلمّا أثقلت) (٦).

وقال تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) [الآية ١٩٠] وقرأ بعضهم (شركا) (٧) لأنّ «الشرك» إنّما هو «الشركة» ؛ وكان ينبغي في قول من قال هذا ، أن يقول «فجعلا لغيره شركا فيما آتاهما» (٨).

وقال تعالى (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) [الآية ٢٠١] و «الطّيف» أكثر

__________________

(١). في الطبري ١٤ : ١٧٩ هي قراءة عامة قراء المدينة والبصرة ، وفي السبعة ٣٧٥ إلى ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وأبي عمرو ، وفي المحتسب ٢ : ١٢ إلى الحسن ، وفي البحر ٥ : ٢٣٦ إلى غير من أخذ بالأخرى ، وفي السبعة وفي التيسير ١٣٨ إلى غير حمزة والكسائي ، وفي الكشف ١ : ٤٨٤ اقتصر على حمزة.

(٢). في الطبري ١٤ : ١٨٠ أنّها قراءة أهل الكوفة ، وفي الكشف ١ : ٤٨٤ ، والجامع ١٠ : ١٧٨ ، إلى حمزة ، وزاد في السبعة ٢٩٨ و ٣٧٥ ، والتيسير ١٣٨ ، الكسائي ، وفي البحر ٥ : ٥٣٦ زاد عبد الله بن طلحة والسلمي والأعمش ومجاهدا.

(٣). نقل هذا في زاد المسير ٣ : ٢٩٣.

(٤). نقله بعبارة أخرى في إعراب القرآن ١ : ٣٩١.

(٥). نقله في الصحاح «نقل» وزاد المسير ٣ : ٣٠١.

(٦). في الشواذ ٤٨ ، نسبت إلى اليماني ، وفي البحر ٤ : ٤٤٠ بلا نسبة.

(٧). في الطبري ٩ : ١٤٨ و ١٤٩ إلى عامة قراء أهل المدينة ، وبعض المكيين والكوفيين ، وفي السبعة ٢٩٩ إلى نافع وإلى عاصم في رواية ، وفي الكشف ١ : ٤٨٥ والتيسير ١١٥ أبدل أبا بكر بعاصم ، وفي البحر ٤ : ٤٤٠ زاد ابن عباس وأبا جعفر وشيبة وعكرمة ومجاهدا وأبان بن ثعلب.

(٨). نقل هذا في إعراب القرآن ١ : ٣٩١ ، والجامع ٧ : ١٩٠.

١٥٦

في كلام العرب. وقال الشاعر (١) [من المتقارب وهو الشاهد التاسع عشر بعد المائتين] :

ألا يا لقوم لطيف الخيال

أرقّ من نازح ذي دلال (٢)

ونقرأها (طائف) لأنّ عامة القراء عليها.

وقال تعالى (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) [الآية ٢٠٥] وتفسيرها «بالغدوات» كما تقول : «آتيك طلوع الشمس» أي : في وقت طلوع الشمس كما قال تعالى (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) [آل عمران : ٤١ وغافر : ٥٥] وهو مثل «آتيك في الصّباح وبالمساء» وأما «الآصال» فواحدها : «أصيل» (٣) مثل : «الأشرار» واحدها : «الشّرير» و «الأيمان» واحدتها : «اليمين».

__________________

(١). هو أميّة بن أبي عائذ الهذلي : ديوان الهذليين ٢ : ١٧٢ ، والكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ٣١٩.

(٢). في ديوان الهذليين والصاحبي ١١٤ ب «يؤرق» بدل «أرّق» وقد نقله في زاد المسير ٣ : ٣٠٩ و ٣١٠.

(٣). نقله في إعراب القرآن ١ : ٣٩٦ ، ونقله في الجامع ٧ : ٣٥٦.

١٥٧
١٥٨

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «الأعراف» (١)

إن قيل : النهي في قوله تعالى : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) [الآية ٢] متوجّه الى الحرج فما وجهه؟

قلنا : هو من باب القول لا أرينّك هنا ، معناه : لا تقم هنا فإنّك إن أقمت رأيتك ، فمعنى الآية ، فكن على يقين منه ولا تشكّ فيه ، لأنّ المراد بالحرج الشكّ.

فإن قيل : لم قال الله تعالى (أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الآية ٤] ، والإهلاك ، إنّما هو بعد مجيء البأس وهو العذاب؟

قلنا : معناه أردنا إهلاكها ، كقوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦] وقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [النحل : ٩٨].

فإن قيل : ميزان القيامة واحد ، فلم قال تعالى : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) [الآية ٨] و (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) [الآية ٩]؟

قلنا : إنما جمع ، لأنّ السّياق أراد بالميزان الموزونات من الأعمال. وقيل إنما جمعه ، لأنه ميزان يقوم مقام موازين ، ويفيد فائدتها ، لأنه يوزن به ذرّات الأعمال ، وما كان منها في عظم الجبال.

فإن قيل : كيف توزن الأعمال وهي أعراض لا ثقل لها ولا جسم ، والوزن من خواص الأجسام؟

قلنا : الموزون صحائف الأعمال. الثاني أنه قد ورد أن الله تعالى يحيلها

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» لمحمد بن أبي بكر الرازي ، الناشر : مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٥٩

في جواهر وأجسام ، فتتصور أعمال المطيعين في صورة حسنة ، وأعمال العاصين في صورة قبيحة ، ثم يزنها ؛ والله على كل شيء قدير.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [الآية ١١] وكلمة ثم للترتيب ، وخطاب الملائكة ، عليهم‌السلام ، بالسجود ، سابق على خلقنا وتصويرنا؟

قلنا : المراد ولقد خلقنا أباكم ، ثم صوّرناه بطريق حذف المضاف. وقيل المراد : ولقد خلقنا أباكم ، ثمّ صوّرناكم في ظهره. والقول الأول أظهر.

فإن قيل : لم قال تعالى لإبليس (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) [الآية ١٣] أي في السماء ، وليس له ولا لغيره أن يتكبر في الأرض أيضا.

قلنا : لما كانت السماء مقرّ الملائكة المطيعين ، الذين لا توجد منهم معصية أصلا ، كان وجود المعصية منهم أقبح ، فلذلك خصّ مقرهم بالذكر.

فإن قيل : لم أجيب إبليس الى الإنظار ، وإنّما طلب الإنظار ليفسد أحوال عباد الله تعالى ، ويغويهم؟

قلنا : لما في ذلك من ابتلاء العباد ، ولما في مخالفته من عظم الثواب ، ونظير ذلك ما خلقه الله تعالى في الدنيا من أصناف الزخارف ، وأنواع الملاذّ والملاهي ، وما ركّبه في الأنفس من الشهوات ، ليمتحن بها عباده.

فإن قيل : لم قال تعالى (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) [الآية ٢٠] ولم يكن غرضه من الوسوسة كشف عورتهما ، بل إخراجهما من الجنة ، ويؤيّده قوله تعالى (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) [الآية ٣٦]؟

قلنا : اللام في (لِيُبْدِيَ) لام العاقبة والصيرورة ، لا لام كي ، كما في قوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] وقول الشاعر :

لدوا للموت وابنوا للخراب

فكلّكم يصير إلى التّراب

فإن قيل : أيّ آية لله تعالى ، في اللباس والكسوة ، حتى قال تعالى في آية اللباس والكسوة (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) [الآية ٢٦]؟

١٦٠