التّفسير الحديث - ج ٦

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٦

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٧

قال : فاتخذي ثوبا. قالت : هو أكثر من ذلك ، إنما أثجّ ثجا. قال : سآمرك بأمرين أيّهما فعلت أجزى عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم. إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيّضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى ذكره ، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك. وكذلك فافعلي كلّ شهر كما يحضن النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهنّ فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجّلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتؤخّرين المغرب وتعجّلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي. وتغتسلين مع الفجر فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك قال رسول الله وهذا أعجب الأمرين إليّ» (١).

ويلحظ أن الشطر الثاني من هذا الحديث فيه إيجاب اغتسال لكل صلاة والأول ليس فيه ذلك ، وصيغة الحديث تجعل للمرأة الخيار في ذلك. والحديث الأول الذي رواه الخمسة لا يوجب إلّا الغسل من الحيض وميقاته واكتفى بالأمر بالتوضّؤ للصلاة للمستحاضة وهذا هو الأقل حرجا.

وقد يتبادر لنا أن يكون الأمر بالاغتسال في الشطر الثاني من الحديث الأخير قد قصد الوضوء وفي هذا يكون التوفيق بين الأحاديث وبين الشطر الأول والشطر الثاني من الحديث ، والله تعالى أعلم.

ولقد روى أبو داود حديثين عن عكرمة يفيد أن الاستحاضة لا تمنع الزوج من إتيان زوجته وجاء في أحدهما : «كانت أمّ حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها» (٢). وجاء في ثانيهما : «أن حمنة بنت جحش كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها» (٣). وقد قال الإمام مالك : إن هذا مما هو متفق عليه (٤).

__________________

(١) التاج ج ١ ص ١٠٩ و ١١٠.

(٢) المصدر نفسه ص ١١١.

(٣) انظر المصدر نفسه.

(٤) الموطأ ج ١ ص ٣١.

٤٠١

والأمر الثاني في الاستطراد هو حالة النفاس التي يسيل الدم فيها للمرأة عقب الولادة ويستمر مدة طويلة. وهناك حديثان روى أحدهما الترمذي وأبو داود عن أم سلمة قالت : «كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعين يوما تطلي وجهها بالورس من الكلف» (١). وثانيهما رواه أبو داود عنها أيضا قالت : «كانت المرأة من نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقضاء صلاة النفاس» (٢).

والمشاهد أن الدم لا يستمر مع كل النساء أربعين يوما ، فمنتهى ما يشاع عنهن في أقل من ذلك فيكون الأربعون يوما في الحديث هو الحد الأعلى ويكون الحكم وفاق ذلك على ما هو المتبادر. ولم نطلع على أحاديث في صدد وجوب اغتسال النفساء وصومها ، وقد يصح والحالة هذه قياس حالتها على الحائض بحيث يجب عليها الاغتسال إذا انقطع الدم عنها وطهرت وقضاء ما تفطره من رمضان أثناء ذلك والله أعلم.

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)) [٢٢٤ ـ ٢٢٥]

(١) عرضة : مانعا معترضا لمنع الخير.

(٢) أن تبرّوا : قيل إنها بمعنى أن تفعلوا الخير والبرّ إطلاقا وقيل إنها بمعنى أن تبرّوا أرحامكم. والإطلاق يجعل المعنى الأول أكثر وجاهة.

(٣) اللغو : هو ما لا طائل ولا فائدة منه من القول. واللغو بالأيمان هو ما يرد في عرض الكلام من صيغ لا يقصد بها يمين مثل بلى والله ولا والله ، على ما

__________________

(١) التاج ج ١ ص ١٠٧.

(٢) انظر المصدر نفسه.

٤٠٢

رواه البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) (١).

في الآية الأولى : نهي موجّه للمسلمين عن عدم جعل أيمانهم بالله وسيلة لعدم البرّ والإصلاح بين الناس والانصراف عن عمل ما فيه تقوى الله. فالله سميع لأقوالهم عليم بنواياهم. وفي الثانية : تقرير موجه إليهم أيضا بأن الله تعالى لا يؤاخذهم بما يصدر منهم من الأيمان التي لا يتعمدون فيها شيئا ولا يقترفون بها ذنبا ولا تعقدها قلوبهم بمنع وإيجاب ونفي وإثبات. وإنما يؤاخذهم بما قصدت قلوبهم كسبه وفعله. وهو على كل حال غفور لمن تاب وأصلح ، حليم لا يتسرع بالغضب والعقوبة ليكون في ذلك فرصة لمن حسنت نيته.

تعليق على الآية

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ...)

والآية التالية لها

والآيتان فصل تشريعي جديد ، وقد وضع بعد ما سبقه للمماثلة التشريعية أو لنزوله بعده.

وقد روى بعض المفسرين (٢) أن الآية الأولى نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف أن لا يدخل على ختنه ـ زوج أخته ـ ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين زوجته. كما روى بعضهم (٣) أنها نزلت في أبي بكر حين حلف أن لا يساعد قريبا له اندمج في حديث الإفك في حقّ عائشة (رضي الله عنها).

والروايات لم ترد في كتب الأحاديث المعتبرة ، والمتبادر أن الآية الثانية نزلت مع الأولى كتبرير للنهي الذي احتوته الآية الأولى أو فتوى لليمين التي

__________________

(١) انظر التاج ج ٣ ص ٧٠. وقد روى أبو داود وابن حبّان والبيهقي ذلك عن عائشة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا انظر الصفحة نفسها.

(٢) انظر تفسيرها في مجمع البيان للطبرسي.

(٣) انظر تفسير الطبري والخازن.

٤٠٣

يحلفها المسلم فيعتذر بها عن فعل الخير والإصلاح وما تقتضيه تقوى الله.

وفحوى الآيتين قد يتسق مع إحدى الروايتين المرويتين ، غير أن يمين أبي بكر المروية قد وقعت في أواسط العهد المدني وأشير إليها في آية سورة النور هذه : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)) وهي من سلسلة الآيات الواردة في هذه السورة عن حديث الإفك على ما سوف نشرحه في مناسبتها.

وفي الآية التالية لهاتين الآيتين إشارة إلى الذين يؤلون من نسائهم أي يحلفون بعدم القرب من نسائهم حيث يتبادر أن هناك صلة موضوعية بين هاتين الآيتين والآيات التالية لهما والله تعالى أعلم.

ولقد احتوت الآيتان على كل حال تعليمات قرآنية بشأن الأيمان إطلاقا ، وفيهما تلقينات رائعة جليلة في عدم جواز حلف الأيمان للامتناع عن فعل الخير والإصلاح وما تقتضيه تقوى الله من أعمال سلبية وإيجابية وفي عدم جواز احتجاج المرء بيمين صدر منه للامتناع عن ذلك أو لفعل ما فيه إثم وضرر للغير ؛ ثم في تقرير كون الله عزوجل إنما يحاسب الناس على ما يصدر منهم أو يتعمدون فعله من إثم في سياق الأيمان وكون ما ليس فيه ذلك يعده الله لغوا لا يؤاخذهم عليه. وينطوي في التلقين الأول تقرير عدم جواز التقيد بالأيمان للامتناع عن الخير أو فعل الإثم. وفي سورة المائدة آية احتوت بيان الكفارة على اليمين التي يحلفها المسلم ثم توجب عليه الظروف أو واجب فعل الخير والامتناع عن الأذى للنفس أو الغير الرجوع عنها وهي هذه : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)) وهي متممة للتعليم القرآني الوارد في هاتين الآيتين كما هو المتبادر. وقد نزلت في صدد جماعة من المؤمنين

٤٠٤

حلفوا أن يتخلوا عن طيبات الحياة تورعا وتقربا إلى الله فنهتهم الآية السابقة لها عن تحريم ما أحلّه الله لهم وأمرتهم بالرجوع عن يمينهم والتكفير عنها.

ولقد رويت أحاديث عديدة في صدد اليمين والرجوع عنه وكفارته واليمين الكاذبة رأينا من المفيد إثباتها في هذه المناسبة. من ذلك حديث رواه الثلاثة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الحلف منفّقة للسلعة ممحقة للبركة» (١). وفي رواية مسلم : «إياكم والحلف في البيع فإنه ينفّق ثم يمحق» (٢). وحديث رواه الخمسة عن أبي موسى قال : «أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان فاستحملناه فحلف ألا يحملنا ثم قال : والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحلّلتها» (٣). وحديث رواه مسلم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأتها وليكفّر عن يمينه» (٤). وحديث رواه أصحاب السنن عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حلف على يمين فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك غير حنث» (٥). وحديث رواه الخمسة عن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال رجل مسلم أو مال أخيه لقي الله وهو عليه غضبان» (٦) وحديث رواه أبو داود عن عمران عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ مقعده من النار» (٧). وحديث رواه أبو داود والنسائي عن سعيد بن المسيب قال : «إنّ أخوين كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال إن عدت سألتني عن القسمة فكلّ مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر : إن الكعبة غنية عن مالك.

__________________

(١) التاج ج ٢ ص ١٧٩.

(٢) التاج ج ٢ ص ١٧٩.

(٣) التاج ج ٣ ص ٦٨ ـ ٧١. ومعنى استثنى : قال إن شاء الله.

(٤) التاج ج ٣ ص ٦٨ ـ ٧١. ومعنى استثنى : قال إن شاء الله.

(٥) التاج ج ٣ ص ٦٨ ـ ٧١. ومعنى استثنى : قال إن شاء الله.

(٦) التاج ج ٣ ص ٦٨ ـ ٧١. ومعنى استثنى : قال إن شاء الله.

(٧) المصدر نفسه ص ٦٩ ، واليمين المصبورة تعني أن يحلف المرء على أمر أنه وقع وهو كاذب. وعرف هذا باليمين الغموس الذي يعد من الكبائر على ما ورد في حديث رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس». التاج ج ٣ ص ٦٨.

٤٠٥

كفّر عن يمينك وكلّم أخاك ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يمين عليك ولا نذر في معصية الربّ ولا في قطيعة الرحم إلا فيما لا تملك» (١). وللنسائي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «النذر نذران فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء وما كان في معصية الله فذلك للشيطان ولا وفاء فيه ويكفّره ما يكفّر اليمين» (٢). ويصح أن يقاس اليمين على هذا كما هو المتبادر.

وهناك أحاديث أخرى في حظر اليمين بغير الله يحسن أن تساق في هذا المقام أيضا ، منها حديث رواه الخمسة عن ابن عمر قال : «إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أدرك عمر في ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله ألا إنّ الله عزوجل ينهاكم أن تحلفوا بأبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» (٣). وحديث رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر : سمع رجلا يحلف بالكعبة فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من حلف بغير الله فقد أشرك» (٤).

هذا ، ولقد كتبنا تعليقا على ما أعاره القرآن من اهتمام للإصلاح بين الناس في تفسير سورة الشورى فنكتفي بهذا التنبيه في مناسبة ما ورد من ذلك في هذه الآية.

ولقد قيل (٥) في تأويل كلمة (عرضة) قول آخر وهو أن الجملة بسبيل النهي عن التعريض باسم الله في مواقف الحنث واللغو والإكثار من اليمين باسمه لتغرير الناس والكذب عليهم والإكثار من اليمين ولو كانت بارّة صادقة. ومع ما في هذا القول من وجاهة وتلقين بليغ فإن النفس تطمئن بالمعنى الأول كما أن روح الآية تلهمه أكثر وهو ما عليه الجمهور.

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ

__________________

(١) التاج ج ٣ ص ٧٦.

(٢) المصدر نفسه ص ٧٧.

(٣) المصدر نفسه ص ٦٧ ـ ٦٨ وهناك أحاديث أخرى في هذا الباب.

(٤) انظر المصدر نفسه.

(٥) انظر تفسير الخازن.

٤٠٦

رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧)) [٢٢٦ ـ ٢٢٧]

(١) يؤلون : من الإيلاء بمعنى القسم (آلى على نفسه وآليت على نفسي) وقد صار له معنى اصطلاحي وهو القسم على عدم مجامعة الزوجة.

(٢) تربص : انتظار.

(٣) فاءوا : رجعوا عن القسم.

(٤) الطلاق : معناه اللغوي المفارقة ، وقد صار له معنى اصطلاحي وهو فراق الزوجين عن بعضهما.

في الآيتين تعليمات أو تقريرات تشريعية في شأن الإيلاء : فالذين يحلفون بأن لا يجامعوا زوجاتهم لا يصح أن يستمروا على ما أقسموا عليه إلّا أربعة أشهر ، فإما أن يرجعوا عن يمينهم ويعودوا إلى نسائهم والله غفور رحيم يقبل التوبة ويعامل بالرحمة ، وإما أن يعزموا الطلاق والله سميع لأقوالهم عليم بنواياهم.

تعليق على الآية

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) ... إلخ

والآية التالية لها

والآيتان فصل تشريعي جديد ، وهو بدء فصل طويل في الطلاق. وقد يكون وضعه في ترتيبه للمماثلة أو لنزوله بعد ما سبقه.

ولم نطلع على رواية في نزوله ، والمتبادر أنه حدث حادث إيلاء فرفع أمره إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الحكم فيه. وقد قلنا إن الآيتين السابقتين متصلتان بما بعدهما لأن في اليمين على عدم قرب الزوج لزوجته شيئا مما يخالف الإصلاح وتقوى الله فإذا صح هذا فيكون بدء الفصل التشريعي الآيتين السابقتين وهو فصل طويل على ما سوف يأتي.

وإيلاء الزوج على زوجته عادة من عادات العرب قبل الإسلام ، فقد كان

٤٠٧

الأزواج إما بسائق الغضب وإما بسائق الكراهية وإما لمآرب أخرى مثل ابتزاز أموالها ومنعها من التزوج من غيره والتصرف بنفسها أو لكثرة ولادتها البنات أو إبقائها في بيته لتكون خادمة ومربية لأولادها إلخ ... يحلفون بعدم الاتصال الجنسي بأزواجهم فتصبح محرّمة عليه لا هي زوجة ولا هي مطلقة. وقد وضعت الآيتان الأمر في نصابه الحق فليس للزوج أن يتحكم بزوجته تحكما كيفيا ليشفي به غلّ نفسه أو يضمن النفع على حساب ضررها. ولا يصح للمؤلي أن يحتج باليمين الصادرة منه للإضرار والحيف : فإما أن تكون يمينا صدرت عن فورة آنية وبغير قصد وتعمد وحينئذ لا يجوز أن يمتد أثرها لأكثر من أربعة أشهر في حال كحد أقصى ، وإما أن تكون صدرت عن نية إضرار وأذى وحينئذ يجب أن ترد إلى الزوجة حريتها وأن تحمى من الأذى والضرر بالطلاق إذا لم يرعو الزوج ويعود إلى الحق والواجب وهذا الشرح المستلهم من روح الآيتين والآيتين السابقتين لهما معا يؤيد ما قلناه من الصلة والانسجام بينهما ويبرز المبدأ الجليل الذي تكرر تقريره في القرآن بأساليب متنوعة بحماية الزوجة ومنع الإضرار بها وظلمها واستغلالها.

ولقد روى المفسرون أحاديث عديدة منها ما ورد في الكتب الخمسة في تأويل الآيات ومدى تطبيق حكم الإيلاء. منها حديث رواه الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس قال : «آلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نسائه فأقام في مشربة له تسعا وعشرين ليلة ثم نزل ، قالوا : يا رسول الله آليت شهرا فقال الشهر تسع وعشرون» (١). وحديث رواه البخاري جاء فيه : «كان ابن عمر يقول في الإيلاء لا يحلّ لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق» (١). وحديث رواه الشيخان عن ابن عباس قال : «إذا حرّم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفّرها ، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» (١). وحديث رواه الترمذي عن عائشة قالت : «آلى رسول الله من نسائه وحرّم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين كفّارة» (١).

__________________

(١) التاج ج ٢ ص ٣١٦ و ٣١٧ والمقصود بالحديث الأخير أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرّم على نفسه ما هو حلال له من نسائه ثم رجع عن هذا التحريم فاستمتع بما أحله الله له وكفّر عن يمينه. وقد أشير إلى ذلك في الآيات الأولى من سورة التحريم على ما سوف نشرحه في مناسبتها.

٤٠٨

وبالإضافة إلى الأحاديث التي اكتفينا منها بما تقدم ففي كتب التفسير روايات عن أهل التأويل في صدد تطبيق الآيات وحكمها نوجزها ونعلق عليها كما يلي :

١ ـ هناك من قال إنه إذا مرت الأشهر الأربعة دون مراجعة صارت الزوجة مطلقة سواء نطق الزوج بالطلاق أم لم ينطق. وهناك من قال إنه لا بد من أن ينطق بالطلاق لأن فحوى الآية يجعله بين أمرين إما الرجوع قبل انتهاء المدة وإما الطلاق. وهناك من قال إن الزوج إذا لم يطلق أو يرجع خلال المدة طلق عليه الحاكم عند انتهائها وإن للزوجة مراجعة الحاكم لتخييره بين الرجوع والطلاق قبل انتهاء المدة فإن لم يرجع وانتهت المدة طلق الحاكم عليه. والمتبادر أن القول الأخير هو الأوجه لأن هدف الآية منع وقوف الحيف على الزوجة وعدم بقائها معلقة تحت رحمة الزوج.

٢ ـ هناك من قال إن الرجوع عن الإيلاء في المدة لا يكون صحيحا إلا بالوقاع. وهناك من قال إنه يصح بالإشهاد على الرجوع فقط. وهناك من توسط وفصل. فقال إذا كان هناك مانع للوقاع من مرض أو حيض أو سفر أو سجن فيكون الإشهاد مجزيا. وقد يكون هذا هو الأوجه على شرط أن يواقع إذا زال العذر. ويكفّر عن يمينه كدلالة عملية على الرجوع عنها. أما إذا لم يكفر ولم يواقع إذا زال العذر فيظل الإشهاد كلاما بدون دليل ويكون ضرر الإيلاء قد تحقق.

٣ ـ هناك من قال إن مرور الأشهر الأربعة بدون رجوع يكون بمثابة تطليقة بائنة. تملك بها الزوجة نفسها فإذا أراد زوجها أن يعود إليها كان ذلك رهنا برضائها وبعقد ومهر جديدين دون ما حاجة إلى أن تنكح زوجا غيره قبل ذلك إذا كانت هي المرة الأولى أو الثانية ولها الحق أن لا تقبل عودته إليها وأن تتزوج غيره بعد أن تنتهي عدتها وتكون هذه العدة حيضة واحدة (١). وهناك من قال إنها تطليقة عادية رجعية يحق للزوج المراجعة بدون عقد ومهر جديدين استنادا إلى حكم

__________________

(١) لأنها لأجل استبراء الرحم فقط ، ولأن تحديد حيضات ثلاث للمطلقات هو بقصد إفساح المجال للمراجعة.

٤٠٩

الطلاق المبين في الآيات التالية على ما سوف يأتي شرحه. وهذه الآيات تذكر حكم المطلقات إذا طلقهن أزواجهن مرة أو مرتين حيث يكون لهم مراجعتهن قبل انقضاء العدة مع شرط أن يكون قصدهم الإصلاح وليس الضرر. وورود الآيات بعد آية الإيلاء وبعد جملة (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) قد يجعل القول الثاني هو الأوجه والله أعلم.

٤ ـ هناك من قال إن الزوج لو حلف أن لا يضرب امرأته أربعة أشهر ولم يواقعها بعد انتهاء المدة لا يكون موليا ، لأن حكم الآية هو في الذين يولون بدون تحديد للمدة حيث حددت لهم أربعة أشهر يفيئون خلالها أو يطلقون أو يطلق عليهم. وهناك من قال إنه يكون موليا إذا تجاوز الأشهر الأربعة بدون وقاع ، ونرى القول الثاني هو الأكثر وجاهة واتساقا مع روح الآية وهدفها.

٥ ـ هناك من قال : إن مدة الإيلاء وأحكامه واحدة في حقّ الحرّ والعبد. لأن الأمر متصل بالطبيعة الجنسية. وهناك من قاس الأمر على حدّ الزنا على الإماء وهو نصف حد الحرائر كما جاء في آية سورة النساء : (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)) ولم نطلع على حديث نبوي خاص. وهناك حديث في صدد عدد تطليقات الأمة المتزوجة وعدتها حيث روى أبو داود والترمذي عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان». في حين أن طلاق الحرة هو ثلاث وعدتها ثلاث حيضات كما جاء في آيات سورة البقرة التالية لهذه الآيات. وقد يكون ذلك القياس استئناسا بذلك في محله فيكون مدة تربص الأمة التي يولي زوجها منها شهرين وليس أربعة والله أعلم.

٦ ـ والجمهور على أن الإيلاء يمين ، وإنه إذا حلف الزوج لمدة غير محدودة وفاء قبل أربعة أشهر يكفّر عن يمينه حيث يكون قد حلف على شيء ورأى خيرا منه فرجع عن يمينه كما جاء في الأحاديث النبوية. أما إذا حلف لمدة أربعة أشهر أو أقل وفاء قبل انقضائها فلا يدخل الأمر في شمول الآية لأنه لا يكون قد رجع عن

٤١٠

اليمين وحقت عليه الكفارة. وهناك من أوجب الكفارة عليه لأن الزوج يعتبر راجعا عن يمينه وقد يكون القول الأول أوجه والله أعلم.

وجملة (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قد تلهم أن الله تعالى لا يستحسن الإيلاء على كل حال مهما كانت المدة ، ويعده هفوة قد يغفرها إذا تاب الزوج عنها وراجع زوجته في المدة أو قبلها. ويدعم هذا عتاب الله لرسوله حينما آلى من زوجاته على ما حكته آيات سورة التحريم : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢)) والأحاديث التي أوردناها في مطلع النبذة عند إيلاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تفيد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفر عن يمينه ، وقد يفيد هذا آيات التحريم هذه أيضا. ولعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم آلى بدون مدة ثم رجع فكفّر عن يمينه ، والله تعالى أعلم.

حالات متصلة بموضوع علاقة

الزوج الجنسية بزوجته

هناك حالات عديدة من ذلك رأينا أن نستطرد إليها في مناسبة موضوع آيات الإيلاء. فقد روى الإمام مالك عن سعيد بن المسيب أحد علماء التابعين قوله : «أيما رجل تزوّج بامرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخيّر فإن شاءت أقرّت وإن شاءت فارقت» وقوله : «من تزوّج امرأة فلم يستطع أن يمسّها فإنه يضرب له أجل سنة فإن مسّها وإلا فرّق بينهما» وروى الإمام مالك : «أن ابن شهاب سئل متى يضرب الأجل فقال من يوم الترافع إلى السلطان» وعقب الإمام مالك على هذه الأقوال فقال : أما الذي قد مسّ امرأته ثم اعترض عنها فلا يضرب له ولا يفرّق بينهما» (١). ولم نطلع على أثر نبوي في ذلك والاجتهادات تفيد أن للزوجة أن ترفع أمرها للسلطان إذا لم ترض بما واجهته من حالات وإن للسلطان أن يضرب أمدا للزوج ثم يفرق بينهما إذا لم يتغير الموقف إيجابيا. وهي اجتهادات سديدة مع توقفنا في

__________________

(١) التاج ج ٢ ص ٣٠٠.

٤١١

اجتهاد مالك الأخير وترجيحنا أن للزوجة إذا شاءت أن ترفع أمرها للسلطان في الحالة المذكورة أيضا إذا لم يكن سبب الامتناع مرضا يمكن الشفاء منه. أي إذا كان الامتناع تعففا أو من مرض لا يمكن الشفاء منه والله أعلم.

ونقطة أخرى نتوقف فيها ، وهي القول إن السلطان يضرب للزوج سنة فحكمة الله قدرت لمن يحلف أن لا يقرب زوجته مدة أربعة أشهر وخيرته بين الرجوع وبين الطلاق. ولذلك نرى الأوجه أن يكون الأجل الذي يضربه السلطان أربعة أشهر من يوم رفع الأمر إليه والله تعالى أعلم.

وحالة أخرى رواها مالك والشافعي عن عمر قال : «أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسّها فلها صداقها كاملا وله الرجوع به على وليّها الذي أنكحه إيّاها». وعقب الإمام مالك على ذلك بما مفاده أن الولي إذا كان يعلم ذلك فالغرم عليه وإن لم يكن يعلم فليس عليه غرم وترد المرأة ما أخذت من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به (١). وهذا يعني أن الزواج يفسخ بين الزوجين. ولم نطلع على أثر نبوي في ذلك ، واجتهاد مالك سديد في ما نرى والله أعلم.

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)) [٢٢٨]

(١) قروء : جمع قرء. وقيل إنه الحيضة كما قيل إنه الطهر من الحيضة.

تعليق على الآية

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ)

لم نطلع على رواية نزول الآية ، ويتبادر لنا أنها استطراد لبيان حكم من

__________________

(١) التاج ج ٢ ص ٢٩٩ ـ ٣٠٠.

٤١٢

يطلقها زوجها تعقيبا على ما سبقها من تخيير المولي من زوجته بين الإفاءة والطلاق على ما شرحناه قبل قليل.

والآية في ذات الوقت مطلع فصل تشريعي في الطلاق ولقد احتوت هي وبقية آيات الفصل كثيرا من المواعظ والتنبيهات في صدد حقوق الزوجة ورعايتها وعدم الجنف عليها وضررها مما فيه دلالة على ما أعارته حكمة التنزيل للحياة الزوجية ولحقوق الزوجة من عناية عظيمة. وما هدفت إليه من تركيز العلاقة الزوجية على أساس الحق والتراضي والوفاق والإصلاح. ولقد روى أبو داود والحاكم وصححه عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أبغض الحلال عند الله الطلاق». وهذا يفسر ما احتوته آيات الفصل من آيات وإلهام بكون إباحة الطلاق على كراهيته هي من قبيل اختيار أهون الشرّين. والشرّ الأكبر هو ما يصيب الحياة الزوجية من شقاء وعناء وبلاء وشقاق وكيد وتفكك في حالة تعذر حسن المعاشرة والوفاق والتقصير في الواجبات والحقوق بين الزوجين سواء أكان ذلك من الطرفين أم من طرف واحد.

ولقد أمرت الآية المطلقات بأن يتربصن بأنفسهن حتى تمضي عليهن ثلاثة قروء. وأن لا يكتمن خبر حملهن إن كن حاملات فهذا مقتضى صدق إيمانهن بالله ورسوله ، وقررت أن أزواجهن أحقّ بردهن أثناء ذلك إن كان قصدهم الإصلاح وأن لزوجاتهم عليهم من الحقوق مثل ما لهم عليهن فيما هو مشروع وغير منكر مع تقرير أن لأزواجهن عليهن درجة. وفيما يلي شرح وتوضيح آخران لمدى الآية وأحكامها :

١ ـ لقد عرّف المؤولون (التربّص) المذكور بالآية باسم (العدة) أيضا وقد سماه القرآن كذلك في إحدى آيات سورة الطلاق. فتكون عدة المطلقة التي يجب عليها أن تتربص بنفسها طيلتها هي ثلاثة قروء. وفي سورة الطلاق تتمة لذلك حيث جعلت العدة في إحدى آياتها لمن لا تحيض بسبب من الأسباب ثلاثة أشهر وهي تقدير لمدة القروء الثلاثة. وحيث جعلت العدة للحامل وضعها لحملها. وفي

٤١٣

النقطة الأخيرة توضيح لمدى جملة : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) الواردة في الآية التي نحن في صددها. فقد يكون الحمل جديدا وحينئذ تمتد عدة المطلقة الحامل أكثر من ثلاثة أشهر. وإذا لم يكن جديدا فالإخبار به أيضا يكون ضروريا حتى لا يتأخر الزوج في ردّ مطلقته وتفوته الفرصة لأنها تكون قد انتهت عدتها بالوضع.

٢ ـ ويطلق الفقهاء على الطلاق الذي يمكن أن يرد المطلق زوجته في عدته المذكورة طلاقا رجعيا. وهم متفقون على أن الرّد يتم بدون عقد ومهر جديدين. فإذا انقضت العدة ولم يرد المطلق مطلقته يسمى الطلاق بائنا ويتوقف ردّ المطلقة على مهر وعقد جديدين. وهذا وذاك في التطليقة الأولى والتطليقة الثانية. فإذا طلقها مرة ثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا آخر على ما جاء في آيات تالية.

٣ ـ وهناك حديث رواه الترمذي وأبو داود عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان». فيكون في الحديث توضيح لحالة الأمة التي سكت عنها القرآن وصار هذا تشريعا نافذا. ونعني بالأمة هي التي تكون متزوجة زواجا شرعيا بغير مالكها وقد أجاز القرآن ذلك في إحدى آيات سورة النساء.

والمتبادر أن حالة الأمة الاجتماعية هي التي لو حظت في هذا التشريع. وقد جعل القرآن حدها على الزنا نصف حدّ الحرة على ما جاء في آية سورة النساء نفسها. وقد يكون هذا التشريع القرآني سند التشريع النبوي في تنزيل مدة الحيضات وعدد التطليقات بالنسبة للأمة. وإذا لوحظ أن التشريع القرآني والنبوي هدفا إلى إنهاء حالة الرقّ على ما شرحناه في سياق سورة البلد بدا أن التشريع القرآني والنبوي في حالتي الأمة المذكورتين آنفا هو معالجة لأمر اجتماعي قائم لم تر حكمة التشريع بدّا من اعتباره. وينتهي حينما يتحقق ذلك الهدف.

٤ ـ من أهل التأويل من قال إن القرء هو الطهر ومنهم من قال إنه الحيض.

٤١٤

والفرق بين القولين كما هو المستفاد من شروح المفسرين هو أن الزوج يستطيع أن يراجع زوجته قبل تطهرها من الحيضة الثالثة في حالة الأخذ بالقول الأول. أما في حال الأخذ بالقول الثاني فإن طروء حيضتها الثالثة قبل المراجعة يجعل مراجعتها ممتنعة بدون عقد ومهر جديدين لأن الفرصة تكون قد ذهبت والطلاق صار بائنا. ويروي الطبري أن عمر بن الخطاب طلق امرأته فلما تهيأت للاغتسال من حيضتها الثالثة هتف بأنه راجعها فصحّت مراجعته. حيث يكون قد أخذ بالقول الثاني. ويروي الطبري أن رجلا استفتى زيد بن ثابت فأفتاه بأن امرأته إذا دخلت في حيضتها الثالثة بانت منه حيث يكون قد أخذ بالقول الأول. وليس هناك حديث نبوي وثيق صريح في ذلك. ولذلك ظل المذهبان ممارسين.

٥ ـ لقد جعلت الآية الزوج أحقّ بردّ زوجته أثناء العدة. ولكن شاءت رحمة الله أن يكون حقّه مشروطا بقصد الإصلاح (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) بحيث يلهم النص القرآني حقّ الزوجة المطلقة بالاطمئنان لحسن نية مطلقها ورغبته في الإصلاح وحقها بالامتناع عن الموافقة على الرجوع إذا لم يحصل عندها ذلك الاطمئنان. ولقد نهت آية أخرى تأتي بعد قليل عن إمساك الزوج مطلقته في أثناء عدتها أي عن ردها إليه بقصد الضرر والعدوان. وعدت ذلك ظلما وهزؤا بآيات الله. وهذا مما يدعم الاستلهام السابق. ولقد ذكر القاسمي في تفسيره أن المراجعة تكون محرمة إذا لم تكن بنية الإصلاح استدلالا من النص القرآني. ولعل في جملة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ما يؤيد ذلك أيضا. فكما أن للرجل الحق والحرية في عدم المراجعة حتى يصل الأمر إلى البينونة بعد انقضاء العدة فإن للزوجة مثل هذا الحق إذا تيقنت أن زوجها لا يريد بمراجعتها وفاقا ولا إصلاحا.

وهذا الحق للزوجة لا ينتقض فيما نراه بجملة : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) الواردة في الآية بعد الجملة السابقة. حيث يتبادر لنا من روح الجملة أنها في صدد تقرير عام في الحياة الزوجية وأن هذه الدرجة هي قوامة الزوج على زوجته وحقه في طاعتها له في هذه الحياة وأن المهر الذي دفعه أولا والنفقة التي يضطلع بها ثانيا

٤١٥

من مبررات هذه الدرجة على ما تلهم آية سورة النساء هذه : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤)) ويعزى هذا القول إلى ابن عباس أيضا. ولعل كون الرجل هو الذي يملك حق الطلاق ويملك حق التزوج بأكثر من زوجة من مظاهر هذه الدرجة. ومما قاله رشيد رضا في سياق تفسيره للآية : «إن الحياة الزوجية حياة اجتماعية ولا بدّ لكل اجتماع من رئيس لأن المجتمعين لا بد من أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يرجع إليه في الخلاف لئلا يعمل كل فرد ضد الأمر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل نظامهم ، والرجل أحق بالرئاسة لأنه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوته وماله فجعل الله له هذه الدرجة». وفي هذا السداد وفيه توضيح لمعنى جملة : (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) في آية النساء [٣٤].

ولقد كان النساء وما زلن ولسوف يظللن يشعرن في قرارة أنفسهن على الأقل في صلاحية الرجل لهذه الدرجة في هذا المعنى مهما بلغن من درجات في العقل والعلم والمال والقوة حيث يبدو في ذلك إعجاز التقرير القرآني. هذا مع التنبيه على أنه ليس في أسلوب الآية فضلا عن فحواها ما يمكن أن يفيد أن هذه الدرجة التي جعلت للرجل على المرأة يصح أن تكون استعلاء وتحكما وقهرا.

٦ ـ ونستطرد فنقول : إن المتبادر أن جملة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أوسع شمولا من حق الزوجة في عدم الموافقة على المراجعة إذا اعتقدت أن مطلقها لا يريد بذلك إصلاحا. وأنه مما ينطوي فيها تقرير حقها في أن يكون لها على الرجل كل ما عليها له من طاعة وأمانة وعفة وإخلاص وحسن معاملة ومودة واحترام وثقة وتكريم وبرّ وترفيه ومراعاة مزاج ورعاية مصلحة وقضاء ما لا يستطيع قضاءه من مصالح وحاجات. واعتباره إياها شريكة حياته في مختلف نواحيها

٤١٦

ومعاملتها على هذا الاعتبار. وكل هذا حقّ الرجل على زوجته. وكلمة (بِالْمَعْرُوفِ) في مقامها بليغة المدى لأن هذه الكلمة تعني كل حقّ متعارف عليه وليس فيه منكر ، وبالمقدار المتعارف عليه وهذا لا يقاس بزمن بعينه بل يظل يتبدل ويتطور حسب تبدل ظروف الحياة الاجتماعية وتطورها والضابط العام فيه هو أن لا يحرّم حلالا ولا يحلّ حراما.

ولقد قال المفسر الخازن في هذا الصدد : «وذلك أن حقّ الزوجية لا يتم إلا إذا كان كل من الزوجين يراعي حق الآخر فيما له وما عليه. وأن على الزوج أن يقوم بجميع حق زوجته ومصالحها». وقال الطبري : «وهذه الجملة من الكلمات العجيبة الجامعة للفوائد الجمة». وقال رشيد رضا بالإضافة إلى ما نقلناه عنه : «إن هذه الجملة تعطي الرجل ميزانا يزن معاملته به لزوجته في جميع الشؤون والأحوال وتقرر أن الحقوق بينهما متبادلة وأنهما أكفاء وأن ما من عمل تعمله المرأة للرجل إلّا وعلى الرجل عمل يقابلها به إن لم يكن مثله في شخصه فهو مثله في جنسه. فهما متماثلان في الحقوق والأعمال كما أنهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل أي إن كلا منهما بشر تام له عقل يفكر في مصالحه وقلب يحب ما يلائمه ويسرّ به ويكره ما لا يلائمه وينفر منه. وليس من العدل أن يتحكم أحد الزوجين في الآخر ولا تكون الحياة الزوجية سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين للآخر والقيام بحقوقه».

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)) [٢٢٩ ـ ٢٣٠].

٤١٧

تعليق على الآية

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ ...) إلخ

والآية التالية لها

في الآيتين تنبيه على أن الطلاق الذي يصح الرجعة فيه يجب أن لا يكون أكثر من مرتين. وإن من واجب الزوج إذا طلق أن يمسك زوجته بإحسان أو يسرّحها بإحسان. وإنها لا تحلّ له إذا طلقها مرة ثالثة إلا بعد أن تنكح زوجا غيره ويطلقها الزوج الجديد ويظن الزوجان القديمان أنهما سيقيمان حدود الله. وأنه لا يجوز لزوج أن يأخذ شيئا مما أعطاه لزوجته إلّا إذا هي أرادت أن تفدي منه نفسها.

ولقد روى المفسرون بعض الأحاديث في صدد نزولهما ، ففي صدد : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) روى الطبري عن ابن عباس أن رجلا قال لامرأته لا آويك ولا أدعك تحلّين. فقالت له : كيف تصنع؟ فقال : أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك فمتى تحلين. فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله الآية» (١). وحيث روى الطبري عن قتادة : «أن الرجل كان يطلق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك فيراجع في العدة فجعل الله حدّ الطلاق ثلاث تطليقات». وفي صدد : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) إلى آخر الآية. روى المفسرون أنها نزلت في شأن جميلة بنت أبيّ كانت عند ثابت بن قيس فنشزت عليه فأرسل إليها رسول الله : يا جميلة ماذا كرهت من ثابت؟ قالت : والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا إلا أني كرهت دمامته. فقال لها : أتردين الحديقة؟ قالت : نعم ، فردت الحديقة وفرق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما» (٢).

__________________

(١) هناك حديث رواه أصحاب السنن عن ابن عباس جاء فيه : «كان الرجل إذا طلّق امرأته فهو أحق بمراجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ بقوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) التاج ج ٢ ص ٣١٠ ويلحظ أنه ليس في هذا الحديث أن الآية نزلت في مناسبة معينة.

(٢) روى البخاري والنسائي هذا الحديث بدون ذكر أن الآية نزلت في هذا الشأن. انظر التاج ج ٢ ص ٣١٥.

٤١٨

ومهما يكن من أمر فالذي يتبادر لنا أن الآيات وما قبلها وما بعدها نزلت معا جملة واحدة أو متتابعة لتوضيح الأحكام المتصلة بالزواج والطلاق. ولم ينزل كل منها لحدتها بناء على حوادث وقعت وإن كان يصح القول إن حكمة الله اقتضت تنزيلها في هذا الفصل بسبب مثل الحوادث المذكورة في الروايات. ويلحظ أن الحديثين الصحيحين اللذين أوردناهما في الذيل لا يذكران أن الآيات نزلت لحدتها بناء على الحوادث والله أعلم.

ولقد روى الطبري حديثا عن ابن زيد جاء فيه : «إن رجلا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت قوله تعالى الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ فقال له : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان». وفي الجواب حكمة بالغة. وفيما يلي شرح وتعليق على مدى الآيات :

١ ـ إن جملة (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ذات مغزى هام في صدد التطليق. ومما أثر من السنة النبوية والصحابة أن الزوج الذي يريد أن يطلق زوجته كان يطلقها للمرة الأولى طلقة رجعية ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها. ثم إذا لم تزل أسباب الطلاق عنه أو عادت ثانية يطلقها للمرة الثانية طلقة رجعية ثم يراجعها قبل انتهاء العدة ، فإذا لم تزل أسباب الطلاق أو عادت طلقها للمرة الثالثة ويكون الطلاق بائنا لا تحل المطلقة لمطلقها إلا بعد أن تنكح زوجا آخر. وينطوي في هذا كما هو واضح حكمة التنزيل الجليلة في إعطاء الفرصة للزوجين للتروي فإذا وقعت التطليقة الثالثة فيكون معنى ذلك تعذر التراضي والوفاق ويصبح الفراق أمرا ضروريا لصالح الزوجين وتكون شريعة الطلاق بهذه الصورة في غاية الحكمة والصواب.

وهناك حديث رواه الشيخان والنسائي وأبو داود عن ابن عمر أنه طلّق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله فسأل عمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك فقال : مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلّق لها النساء». وهذا الحديث مع نصّ الآيات قد يلهم عدم نفاذ الطلاق البات أو الطلاق الثلاث مرة واحدة كما

٤١٩

أن نص الآية قد يلهم أن هذا النوع من الطلاق ليس هو طلاقا قرآنيا. ويدعم هذا القول بقوة آية سورة الطلاق الأولى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١)) والفقرة الأخيرة قوية المغزى في صدد احتمال تراجع الزوجين أثناء العدة وحكمة الأمر بتطليق النساء لعدتهن وإحصاء العدة وعدم خروج النساء من بيوت مطلقيهم وعدم إخراجهم لتسهيل وقوع ذلك الاحتمال. ولقد روى النسائي بسند جيد عن محمود بن لبيد قال : أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم برجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جمعا فقام غضبان ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله ...» ولقد روى مسلم وأبو داود وأحمد حديثا عن ابن عباس جاء فيه : «كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلقة واحدة فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم» (١). وفي الحديثين تدعيم لما قلنا.

على أن هناك حديثا رواه أبو داود والترمذي والشافعي عن ركانة بن عبد يزيد أنه : «أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : إني طلقت امرأتي البتة. فقال : ما أردت بها؟ قال : واحدة. قال : والله قال : والله. قال : فهو ما أردت» (٢). واعتبر النبي تطليقه البات تطليقة رجعية. وهناك حديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي عن فاطمة بنت قيس قالت : «إن زوجها طلّقها ثلاثا ولم يجعل لها نفقة فشكت أمرها إلى رسول الله فقال لها : ليس لك عليه نفقة» (٣).

وهناك حديث يرويه الخمسة عن عائشة قالت : «إنّ امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن رفاعة طلّقني فبتّ طلاقي وإني

__________________

(١) التاج ج ٢ ص ٣٣٢.

(٢) المصدر نفسه ص ٣١٢.

(٣) المصدر نفسه ص ٣٣١.

٤٢٠