التّفسير الحديث - ج ٦

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٦

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٧

ومجوس ومشركين. وكونه هو الذي سيفصل بينهم يوم القيامة حيث يؤيّد الحقّ وأصحابه ويزهق الباطل وأصحابه.

والمتبادر أن الصلة غير منقطة بين هذه الآيات وما قبلها وبخاصة الآية السابقة لها مباشرة. وأنها بسبيل توكيد قوّة الدعوة النبوية وصحتها وتطمين المؤمنين بها وتثبيتهم.

والمتبادر أن تعبير (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) قد شملهم. ولا سيّما إن القرآن قد ذكر أن هؤلاء كانوا يعترفون بالله العظيم حيث تكون عبادتهم للأوثان والكواكب إشراكا.

تعليق على تسميات اليهود والنصارى

والمجوس والصابئين

هذه التسميات تأتي لأول مرة هنا وبهذه المناسبة نقول :

أولا : إن تعبير (وَالَّذِينَ هادُوا) هو عربي صرف في صيغته وجذره. ويعني اليهود على ما هو متفق عليه ، وقد تكرر وروده في السور المدنية ، وهو من جذر هاد بمعنى مال وتاب. ومن ذلك جملة (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) في الآية [١٥٦] من سورة الأعراف حكاية عن لسان موسى عليه‌السلام. وما دام أن التعبير يعني اليهود فصار من المناسب الاستطراد إلى هذا الاسم. ولقد تكرر ورود هذا الاسم كثيرا في السور المدنية. وجاء في بعضها مختزلا بصيغة (هود) وجاء في بعضها منسوبا (يهوديا) وورد في بعض الأحاديث بدون حرف تعريف وغير مصروف كأنه اسم أعجمي حيث روى الترمذي بسند صحيح عن زيد بن ثابت قال : «أمرني رسول الله أن أتعلّم له كتاب يهود قال والله إني ما آمن يهود على كتاب. قال فما مرّ بي شهر حتى تعلمته له. فلمّا تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم» (١). ومن المفسرين من يرجع تسمية (اليهود) و (يهود) و (هود)

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٢٣٠.

٢١

إلى ذلك الجذر العربي. غير أن الأكثر على أنها تعريب يهوذا اسم أكبر أبناء يعقوب. وأبو السبط الذي منه داود وسليمان وعيسى عليهم‌السلام. ولقد سميت المملكة التي قامت في بيت المقدس بعد سليمان باسم مملكة يهوذا ؛ لأن سبط يهوذا كان يقيم في منطقة بيت المقدس وكان أكبر وأشهر أسباط بني إسرائيل. ونحن نرجّح ما عليه الأكثر وعدم صرفه في الحديث قد يكون داعما لهذا الترجيح. ونرجّح أن تسمية (اليهود) و (يهود) و (هود) للذين كانوا يدينون بالدين الموسوي سابقة للبعثة. وأصبحت بذلك جزءا من اللغة العربية. لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين. وقد غدت كذلك بعد البعثة وصار منها اشتقاق فصار يقال تهوّد لمن صار يهوديا ، ومن ذلك الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من مولود إلّا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» (١).

وثانيا : إن كلمة (النصارى) وردت في السور المدنية كثيرا وبصيغ متعددة مثل (نصارى) و (نصرانيا) ، فأكثر الأقوال على أن كلمة نصارى هي جمع نصران مثل نشاوى جمع نشوان وسكارى جمع سكران. وروى الطبري بيتين من الشعر الجاهلي ورد فيهما المفرد مذكرا ومؤنثا :

١ ـ تراه إذا زار العشي محنفا

ويضحى لديه وهو نصران ثامن

٢ ـ فكلتاهما خرت وأسجد رأسها

كما سجدت نصرانة لم تحنف

والبيت الثاني صريح الدلالة على أن الكلمة تسمية لامرأة نصرانية.

وهناك بيت جاهلي ثالث يرويه الطبري فيه كلمة أنصار جمعا للنصارى وهو :

لما رأيت نبطا أنصارا

شمرت عن ركبتي الإزارا

كنت لهم من النصارى جارا

ويقول الطبري إن هذه الأبيات تدلّ على أنهم سمّوا نصارى لنصرة بعضهم بعضا وتناصرهم بينهم. وهذا يعني أن الكلمة عربية صريحة من جذر نصر. وقد

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ١٨٠.

٢٢

قال الطبري : إن هناك من يقول إن التسمية مقتبسة من جملة قرآنية حيث جاء في آية سورة آل عمران [٥٢] هذه : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) وهذا القول يتسق مع القول إن الكلمة من جذر عربي صريح. غير أن الجملة المذكورة هي جملة قرآنية. ونعتقد أن كلمة النصارى للدلالة على معتنقي الديانة المسيحية كانت مستعملة قبل نزول القرآن. وهذا قد يجعل القول بأنها منبثقة من الجملة القرآنية محل نظر ، إلّا أن يقال إن العرب الصرحاء من النصارى الذين كانوا كتلا كبيرة في الشام والعراق ومشارف الشام واليمن قد تسموا بهذا الاسم على اعتبار عيسى عليه‌السلام ، وأنهم كانوا يتداولون فيما بينهم معنى الحوار الذي أخبر القرآن به بين عيسى والحواريين. وهناك من قال إن الكلمة مشتقة من اسم الناصرة. وهذا اسم مدينة في فلسطين ذكرت الأناجيل المتداولة أن عيسى عليه‌السلام كان يعيش فيها أو من أهلها. وقد نسب إليها في الأناجيل فجاء في بعض الإصحاحات تعبير (يسوع الناصري) غير أن كلمة (الناصرة) عربية الصيغة والمعنى. واسم هذه المدينة لم يكن بهذه الصيغة قبل الإسلام ، ولم نطلع على خبر وثيق يجعلنا على يقين بأن هذه الصيغة تعريب سابق للبعثة لاسم المدينة القديم ؛ لأننا كما قلنا نعتقد أن تسمية النصارى سابقة للبعثة. وورودها في القرآن بصيغ مختلفة من الدلائل على ذلك. وقد غدت كلمة عربية وصار يشتقّ منها فيقال تنصر وينصرانه ومن ذلك الحديث الذي أوردناه آنفا.

وثالثا : إن كلمة المجوس تأتي للمرة الأولى والوحيدة في هذه الآية. وفي القرآن كلمة (جاسوا) وكلمة (تجسسوا) ولكن كتب اللغة لا تذكر صلة بين هذا الجذر وبين تلك الكلمة التي يتفق المفسرون واللغويون على أنها للدلالة على معتنقي عبادة النار. والمشهور أن هذه الديانة هي ديانة أهل فارس قبل الإسلام. وقد ذكرت كتب التاريخ القديمة أنه كان للفرس معابد تسمّى بيوت النار وكان لها سدنة يهتمون لإدامة اتقادها وأن ذلك استمرّ إلى ما بعد الفتح الإسلامي في عهد الخلفاء الراشدين. ونحن نرجّح أن الكلمة بدلالتها غير عربية الأصل وأنها كانت

٢٣

مستعملة في اللسان العربي للدلالة على أهل تلك الديانة. وإن لم نستطع العثور على أصلها التي عرّبت عنه.

ولقد كان من العرب من اعتنق اليهودية والنصرانية فتسمّى العرب المتهوّدون والمتنصّرون باسم يهود ونصارى. فجاء اسمهم في القرآن كذلك. وذكر كلمة المجوس في القرآن قد يفيد أن من العرب من كان يعتنق تلك الديانة ويتسمّى بهذه الكلمة. وهناك روايات يمكن الاستئناس بها على ذلك. فقد روى ابن سعد في الجزء الثاني من كتاب الطبقات (١) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل كتابا ورسولا إلى ملك البحرين يدعوه وقومه إلى الإسلام فاستجاب ، وأرسل إلى النبي يخبره أن عنده جماعة يدينون بالمجوسية واليهودية ، وسأله أمره فيهم فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدعوهم ، فإن بقوا على دينهم أن يأخذ منهم الجزية وقد يكون المجوس من هؤلاء عربا. ولقد روى الآلوسي في كتابه «بلوغ الأرب» أن أشتاتا من العرب ومن بطون تميم ، الذين كانوا في أنحاء العراق وجزيرة الفرات قبل الإسلام يعبدون النار ومن جملتهم زعماؤهم زراره بن عدس وابنه حاجب والأقرع بن حابس والأسود بن وكيع. ولقد بسط الفرس سلطانهم على اليمن في أواخر القرن السادس بعد الميلاد ، أي في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا بدّ من أن يكونوا مارسوا ديانتهم في اليمن. وليس من المستبعد أن يكون بعض العرب من أهل اليمن اقتبسوها منهم (٢). ولقد غدت كلمة المجوس بورودها في القرآن عربية على كل حال ، وصار ينحت منها اشتقاق تمجّس ويمجّسانه على ما ورد في الحديث الذي أوردناه قبل.

ولقد روى الإمام أبو يوسف في كتاب «الخراج» حديثا عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء فيه : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» وأنه أخذ الجزية منهم

__________________

(١) الطبقات الكبرى ص ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) انظر طبقات الأمم لابن صاعد والخراج لأبي يوسف ص ٧٣ ـ ٧٥ والأموال لأبي عبيد ٣٢ ـ ٣٤ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٢٨ وتاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي ج ٥ ص ٣٦٢ وما بعدها ، والجزء الثالث من تاريخ الطبري وفتوح البلدان للبلاذري والجزء الثاني من بلوغ الأرب في أحوال العرب.

٢٤

على هذا الاعتبار ، كما روي عن علي بن أبي طالب رواية تفيد أنهم كانوا أصحاب كتاب سماوي انحرفوا عنه (١) ، والله تعالى أعلم.

ورابعا : إن كلمة الصابئين وردت مرتين أخريين في سورتي البقرة والمائدة مع المؤمنين واليهود والنصارى فقط كما ترى فيما يلي :

١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ٦٢].

٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [المائدة : ٦٩].

ولقد تعددت أقوال المفسرين في الصابئين ، فمنهم من قال إنهم فريق من النصارى ؛ ومنهم من قال إنهم فريق من المجوس ؛ ومنهم من قال إنهم عبدة الكواكب ومنهم من قال إن دينهم مزيج من اليهودية والنصرانية يقرّون بالله ويقرأون الزبور ويعبدون الملائكة ويصلّون إلى الكعبة قد أخذوا من كل دين شيئا. ومنهم من قال إن أصل دينهم هو دين نوح بل ومنهم من قال إنهم الذين لا دين لهم (٢). وهذه الأقوال لا تستند إلى سند وثيق وقد لا تخرج عن حدّ التخمين ؛ كما يؤيد ذلك تعددها وتموّجها. ولقد غاب عن الذين قالوا إنهم مجوس ورود اسم المجوس في آية الحجّ التي نحن في صددها مع اسم الصابئين. كما غاب عن الذين قالوا إنهم عبدة الملائكة أن هذا يعني أنهم مشركون مع أن اسم المشركين قد ورد أيضا مع اسمهم. وورود اسمهم في آيتي البقرة والمائدة مع المؤمنين واليهود والنصارى ، أي مع الموحّدين توحيدا صريحا أو مؤوّلا ، يسوّغ القول إنهم هم الآخرون موحّدون بشكل من الأشكال.

__________________

(١) انظر المصدر السابق نفسه.

(٢) اقرأ تفسير آية البقرة [٦٢] في كتب تفسير الطبري والنسفي والرازي وأبي السعود والخازن والبيضاوي والطبرسي والبغوي وابن كثير.

٢٥

ولقد استقرّ في الأذهان أن هذه التسمية هي للنحلة الموجودة في العراق الآن ، والتي يطلق عليها اسم الصبّة الذي يظنّ أنه تحريف (الصبا) أو (الصبئة) ، بل إن بعض المفسرين قالوا هذا فيما قالوه. ومعروف أن بين رجال الأدب العربي القديم أفراد مشهورون من هذه النحلة احتفظوا بنسبتهم إليها منهم أبو إسحاق الصابي. ولقد أورد بعض المفسرين (١) قصة حول هذه النحلة ، وهي أن المأمون مرّ بقرية فيها طائفة تعبد الكواكب فأراد أن يعتبرها من المشركين وأن لا يقبل منهم الجزية ، فقيل له : إنهم (الصابئون) المذكورون في القرآن مع اليهود والنصارى وينسحب عليهم ما ينسحب على هؤلاء ، فأبقاهم على الذمة وأخذ منهم الجزية. ونعتقد أن الربط بين صبّة العراق والصابئين في عهد المأمون وبعده وبين التسمية القرآنية وهم وتجوّز ، أو بالأحرى تلفيق مرتجل بعد الإسلام.

إلى جانب هذا نذكر أن الكلمة اشتقاق عربي أصيل من صبا أو صبأ بمعنى مال وانحرف (٢) ، وقد ورد اشتقاق منها في آية سورة يوسف هذه : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣)) بمعنى الميل أو الانحراف ونذكر كذلك أن العرب في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا يقولون للذي يفارق دين آبائه ويدخل في دين جديد (صابىء) وأنهم سموا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا الاسم وسموا به المسلمين الأولين لأول عهد الإسلام. وكانوا ينعتونهم بالصبأة والصابئين. ولقد روى ابن هشام (٣) أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان يقول عن النبي إنه صابىء وإنه لما أسلم وجاء لأول مرة بعد إسلامه إلى فناء الكعبة قال المجتمعون : إن ابن الخطاب قد أقبل عليهم بوجه صابىء. وفي صحيح البخاري أن امرأة بدوية عبّرت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقولها : (ذلك الذي يقولون عنه الصابىء). وفي «أسد الغابة» حديث عن الحارث الغامدي أنه رأى جماعة من

__________________

(١) المصدر السابق نفسه.

(٢) انظر لسان العرب.

(٣) ابن هشام ج ١ ص ٣١١.

٢٦

قريش تجمعوا على رجل من مكة فقال لأبيه : ما هذه الجماعة؟ فقال له : هؤلاء قوم اجتمعوا على صابىء لهم. فأشرفنا فإذا رسول الله يدعو الناس إلى عبادة الله وحده.

فإطلاق التسمية على النبي والذين آمنوا به في أول عهد الإسلام ، ثم سلك الصابئين في آيتي البقرة والمائدة في سلك الموحدين يزيد في قوة الاستدلال على أن الكلمة القرآنية عنت الموحدين بشكل ما والمنحرفين عن دين الآباء وتقاليدهم الشركية. وورودها في القرآن دليل على أنها من تعابير ما قبل البعثة وأنها كانت تطلق على جماعة ما في بيئة النبي متصفين بهذه الصفة ، وأن منهم من ظلّ على ما كان عليه ولم يتّبع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولقد ورد في كتب السيرة والتفسير ذكر أفراد من عرب الحجاز كانوا ألمّوا بالكتب السماوية ، واستنارت عقولهم فأنفوا أن يظلوا يعبدون ما يعبد آباؤهم ويشركون مع الله آلهة أخرى ففارقوا ذلك واستقروا على عقيدة التوحيد ؛ ومنهم من اعتزم التطويف في الأرض للبحث عن ملّة إبراهيم ؛ ومنهم من أخذ يتعبّد على ملّة إبراهيم أو ما ظنّه كذلك ؛ ومنهم من تنصّر ؛ ومنهم من كان في مكة ومنهم من كان في يثرب. وممن ذكرتهم الروايات زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث وعبد الله بن جحش وأمية بن الصلت وأبو قيس البخاري اليثربي وأبو الهيثم بن التيهان اليثربي وأبو عامر الأوسي وسلمان الفارسي وأبو ذرّ الغفاري (١). ومنهم من آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل سلمان وأبو ذرّ وعبد الله بن جحش. ومنهم من مات قبل بعثته مثل زيد بن عمرو وعثمان بن الحويرث ؛ ومنهم من مات في أوائل بعثته مثل ورقة بن نوفل ، الذي أدرك أوائل البعثة وقال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن أدركني أمرك لأنصرنك نصرا مؤزرا (٢). ومنهم من كفر بنبوة النبي وناوأه مناوأة شديدة حسدا وعنادا مثل أمية بن الصلت وأبي عامر الأوسي المعروف بالراهب.

__________________

(١) انظر ابن هشام ج ١ ص ٢١٥ ـ ٢٢٣ وج ٢ ص ١٠٣ و ١٧٧ ـ ١٧٨ وطبقات ابن سعد ج ١ ص ٢٠٢ وتفسير الرازي ج ٣ ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

(٢) انظر التاج ج ٣ ص ٢٢٦.

٢٧

ومما روي (١) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم التقى بزيد بن عمرو وقال عنه : إنه يبعث أمة وحده ، وإنه كان يناجي ربه فيقول : (لبيك حقا حقا تعبّدا ورقّا. عذت بما عاذ به إبراهيم. إنني لك عان راغم. مهما تجشمني فإني جاشم) ، وهو أبو سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة ، الذي كان من السابقين الأولين إلى الإسلام وأسلمت معه زوجته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر رضي الله عنهم.

هذا ، ويلحظ أن الآية لم تذكر صنفين ذكرا في آيات أخرى وهما عبّاد الشمس والقمر أو الكواكب وعبّاد الأوثان. وقد ذكر الأولون في الآية [٣٧] من سورة فصلت ، وذكر الآخرون في آيات سورة الأعراف [١٩١ ـ ١٩٨] ، وآيات سورة النجم [١٩ ـ ٢٤] وآيات سورة الأنبياء [٥٢] وإبراهيم [٣٥] والعنكبوت [١٧].

والمتبادر أن جملة (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) قد شملتهم لأنهم كانوا يعبدون الكواكب والأوثان من قبيل إشراكهم مع الله واتخاذهم شفعاء لديه ، على ما شرحناه في سياق بعض الآيات.

وقد يكون هناك ملل تعبد مظاهر الطبيعة الأخرى ، وهذه أيضا لا تخرج عن الشرك وصفة المشركين.

وقد يكون هناك ملل كتابية أخرى على ما شرحناه في سياق تفسير الآية [٧٧] من سورة غافر ، والآية [١٥] من سورة الشورى. والآية التي نحن في صددها لا تنفي ذلك. والمتبادر أن اقتصارها على ذكر اليهود والنصارى من الملل الكتابية آت من كونهم هم الذين يعرفهم العرب ويتصلون بهم. والله تعالى أعلم.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨)) [١٨]

__________________

(١) أسد الغابة ج ٢ ص ١٧٨.

٢٨

تتضمن الآية :

١ ـ سؤالا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو للسامع في معنى التقرير والتوكيد بخضوع كلّ من في السموات والأرض ، بما في ذلك الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ، لله وبإخلاص كثير من الناس له أيضا في العبادة والخضوع.

٢ ـ وإشارة إلى أن كثيرا من الناس قد استحقّوا عذاب الله بسبب جحودهم وتمرّدهم.

٣ ـ وإنذارا لهذا الفريق بأن الله إذا قضى على أحد بالخزي والهوان بسبب كفره وتمرّده فلن يكون له من يبدّل هوانه بكرامة وهو الفعّال لما يشاء.

والصلة كذلك غير منقطعة بين هذه الآية وما قبلها وبخاصة الآية السابقة لها مباشرة كما هو المتبادر. وهي بسبيل التدليل على عظمة الله وشمول حكمه ، وخضوع من في الكون له ، وتوكيد كون الدعوة النبوية هي المتسقة مع واجب الإنسان بالاعتراف بالله وحده والاتجاه إليه وحده. وهي كذلك بسبيل تطمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين وتثبيتهم ، والتنديد بالمنحرفين عن الطريق القويم وإنذارهم بالخزي وسوء العاقبة. وأسلوبها قوي نافذ. وما احتوته من تقرير كون جميع ما في كون الله خاضع له تعالى قد مرّ في سور سابقة في مناسبات مماثلة وبأساليب متنوعة. ولقد كتبنا تعليقا على آية سورة الإسراء هذه (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤)) ويمكن أن ينسحب هذا التعليق على هذه الآية ، وبخاصة بالنسبة لسجود من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب.

(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ

٢٩

الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤)) [١٩ ـ ٢٤].

(١) يصهر : يذاب.

(٢) مقامع : سياط مدببة الرؤوس.

في الآيات إنذار وبشرى لكل من المؤمنين والكفار بالمصير الذي يصيرون إليه يوم القيامة ووصف له. وقد تضمنت التقريرات التالية :

١ ـ إن الناس يوم القيامة فريقان قد اختلفا في موقفهم من الله ربهم ؛ فمنهم من كفر به ومنهم من آمن وعمل الصالحات.

٢ ـ إن مصير الجاحدين رهيب جدا حيث يهيأ لهم ثياب من نار ويصبّ فوق رؤوسهم الماء الشديد الحرارة الذي يذيب ما في البطون والجلود. وحيث يعدّ لهم مقامع الحديد التي تلهب أجسامهم وتحطّم أطرافهم. وكلّما ظنوا أن عذابهم وهمهم انتهيا أو كلما أرادوا أن يخلصوا منهما ، عادا فتجددا قويين شديدين وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق.

٣ ـ أما المؤمنون الذين يعملون الصالحات فإن الله يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ويتزينون بالأساور الذهبية وباللؤلؤ ويلبسون الثياب الحريرية جزاء لما كان من اهتدائهم إلى أحسن الأقوال ، وسيرهم في أحمد الطرق وأضمنها للنجاة.

ولقد روى الطبري والبغوي وغيرهما روايات وتأويلات عديدة في المقصود من الآية الأولى ، من ذلك أن أبا ذرّ أقسم بالله أنها نزلت في ستة من قريش حمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبيدة بن الحرث (رضي الله عنهم) ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، يوم تبارزوا في بدر. حيث دعا الثلاثة الآخرون أكفاءهم من بني عمومتهم إلى المبارزة قائلين نحن وإياهم أحقّ

٣٠

بالخصومة ، فبرز إليهم الثلاثة الأولون. ومن ذلك عن ابن عباس أن الخصمين هما أهل الكتاب والمسلمون ، حيث قال الأولون للآخرين : نحن أولى بالله وأقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم ؛ وقال الآخرون للأولين : نحن أحقّ بالله آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب فأنتم تعرفون نبيّنا وكتابنا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا. ومن ذلك عن مجاهد أن الخصمين هما المشركون والمسلمون اختصموا أيّهم على حقّ. ومن ذلك عن مجاهد أن الخصمين الجنة والنار حيث قالت الأولى خلقني الله لرحمته وقالت الثانية خلقني لعقوبته. والرواية الأولى من مرويات الشيخين ونصّهما هو : «كان أبو ذرّ يقسم أن هذه الآية نزلت في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر» (١). وقد روى الشيخان كذلك عن علي قوله : «أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال قيس وفيهم نزلت (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة» (٢). وقد صوّب الطبري من هذه الروايات رواية كون الآية في صدد الكفار عامّة والمؤمنين عامة. حيث يفيد أن ما رواه الشيخان لم يثبت عنده ، والروايات الأخرى تفيد هذا أيضا. وتقتضي رواية الشيخين أن تكون الآية مدنية ، ولم يرو أحد ذلك بصراحة والأسلوب والطابع المكيان بارزان عليها ، والنفس مطمئنة بتصويب الطبري ، مع القول أنها بسبيل توكيد ما انطوت عليه الآيات السابقة من صدق الدعوة النبوية وما فيها من حقّ وهدى ، والتنويه بالذين استجابوا لها وبشرى لهم ، وبسبيل توكيد خطأ الكافرين بها وضلالهم وإنذارهم. وأسلوبها التقريري العام مما يؤيد ذلك حيث تضمّن تقرير كون الناس من الدعوة النبوية فريقين جاحد ضالّ ومؤمن مخلص ولكل مصيره الذي يستحقه.

ووصف مصير كل فريق نافذ يثير الرغبة والشوق والغبطة من جهة ، والفزع والرعب من جهة أخرى. وهذا وذاك مما استهدفته الآيات كأمثالها العديدة.

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) المصدر نفسه.

٣١

ولقد حمل الشيعة القول المروي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بأنه أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة ، على كون الخصومة التي يجثو لها هي مع الذين ناوأوه في حقّه من الإمامة. وهذا من غرائب تخريجاتهم ، فعلي رضي الله عنه بايع برضائه وتعاون مع أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) مثل سائر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وما كان ليفعل ذلك لو كان يعتقد أن الله ورسوله قد قررا حقّ التقدم له في خلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس هو أضعف منهم عصبية وشخصية وما كان يمكن أن يقبل ذلك غالبية أصحاب رسول الله بل كلهم. ونحب أن ننزهه عن القول المروي عنه. ونرجّح أن الهوى الحزبي قد لعب دوره فيه. فبالإضافة إلى الغرابة التي تبدو في التخريج ، فإن القول بحدّ ذاته يبدو غريبا وغير مفهوم المدى.

ولقد روى الطبري والبغوي ، كل بطريقه ، عن أبي هريرة في سياق جملة (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) حديثا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن الحميم ليصبّ على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه ، فيسلق ما في جوفه حتى يبلغ قدميه ، وهو الصهر ثم يعاد إلى ما كان». وأورد ابن كثير في سياق جملة (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) حديثا رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو أنّ قمعا من حديد وضع في الأرض فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض». وحديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد أيضا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتّت ثم عاد كما كان ، ولو أن دلوا من غسّاق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا». والحديث الأول رواه الترمذي أيضا (١) كما روى الترمذي الشطر الثاني من الحديث الثاني أيضا (٢).

ووصف هول العذاب الأخروي والتخويف منه مما يلمح من الحكمة في الحديثين. وهو ما يلمح من الحكمة في الآيات بالإضافة إلى وجوب الإيمان بما جاء

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٣٩٠ و ٣٩١.

(٢) المصدر نفسه.

٣٢

في القرآن وصحّ في الحديث من المشاهد الأخروية وكونها في نطاق قدرة الله تعالى.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)) [٢٥ ـ ٢٩]

(١) العاكف : هنا بمعنى المقيم ، وقد تطلق على الذي يقيم في المسجد للتعبّد.

(٢) البادي : هنا بمعنى الطارئ الآتي من البادية أو الخارج.

(٣) بإلحاد بظلم : الباء زائدة. والإلحاد بمعنى الميل. ومعنى الجملة (ومن يرد فيه الانحراف والميل نحو الظلم والبغي).

(٤) أذّن في الناس بالحجّ : نادهم واهتف بهم ليأتوا ويحجّوا البيت. وكلمة الحجّ في اللغة بمعنى القصد والاتجاه إلى الشيء والمكان ، ثم صار علما على زيارة الكعبة كطقس ديني قبل الإسلام واستمرّ بعده كذلك.

(٥) رجالا : مشاة.

(٦) ضامر : من الضمور بمعنى النحافة. والكلمة وصف للخيل التي يخفف من شحمها لتكون أقدر على الركض.

(٧) يأتين : الضمير عائد (لكل ضامر).

(٨) فجّ : طريق أو ناحية.

(٩) عميق : هنا بمعنى بعيد.

٣٣

(١٠) ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام : القصد من الجملة ذكر الله عند ذبح القرابين من الأنعام.

(١١) ليقضوا تفثهم : قيل إنها بمعنى ليزيلوا أوساخهم أو يحلقوا شعرهم ويقلموا أظفارهم ؛ وذلك حينما يتحلّلون من الإحرام وقيل إنها بمعنى ليقضوا ما عليهم من واجبات ومناسك ، أو ليقضوا ما لهم من حاجات.

في هذه الآيات :

١ ـ إشارة تنديدية إلى الكفار. فهم بالإضافة إلى كفرهم يمنعون الناس عن سبيل الله والاستجابة إلى دعوته. ويمنعونهم كذلك عن المسجد الحرام الذي جعله الله لجميع الناس على السواء المقيم منهم في جواره والقادم من الخارج.

٢ ـ وإنذار بالعذاب الرباني الأليم لكل من يقترف الظلم والبغي والعدوان فيه.

٣ ـ واستطراد تعقيبي على ذلك : فالله قد عيّن لإبراهيم مكان بيته وأمره بعدم الإشراك به ثم بتطهير هذا المكان وتهيئته للطائفين حوله والقائمين الراكعين الساجدين عنده لله. وبدعوة الناس إلى الحجّ إليه في أيام معينة من السنة ليأتوا إليه من كلّ ناحية ودرب مهما بعد مشاة وركبانا ، ويشهدوا منافع جمّة لهم في موسمه ويقرّبوا فيه القرابين من الأنعام التي رزقهم الله إياها ، ذاكرين اسمه عليها ، ويأكلوا منها ويطعموا البؤساء والفقراء ، ويؤدّوا شعائرهم التعبدية من وفاء نذور وطواف حول البيت ، ويقضوا حاجاتهم المتنوعة.

تعليقات على الآية

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ ...)

وما بعدها [٢٥ ـ ٢٩] مع بيان حكمة

الإبقاء على تقاليد الحج

فحوى الآيات يحتمل أن تكون مكيّة كما يحتمل أن تكون مدنيّة. وفي حالة صحّة الاحتمال الأول يكون في الآيات دلالة على أن الكفار كانوا يمنعون

٣٤

المسلمين من أداء صلاتهم عند الكعبة والحجّ إليها والطواف حولها. وقد ذكر هذا المفسّر الطبرسي في سياق تفسيرها. ولقد أشارت إحدى آيات سورة العلق إلى محاولة منع أحد الزعماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الصلاة عندها على ما شرحناه في سياق تفسيرها كما أن بعض الروايات ذكرت محاولات الكفار في ذلك منها رواية عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) جاء فيها أن المسلمين ما كانوا يجرأون على الصلاة عند الكعبة والطواف حولها إلّا بعد إسلام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بسبب ضعفهم وصدّ المشركين لهم عن ذلك (١). وفي حالة صحة الاحتمال الثاني الذي انفرد المفسر ابن كثير فيه يكون في الآيات دلالة على أن المسلمين كانوا يأتون من دار هجرتهم إلى مكة بقصد أداء الحج أو العمرة ، فيتصدّى لهم كفار قريش ويمنعونهم ويعتدون عليهم ويظلمونهم ، وفي سورة الأنفال المدنية آية تذكر صدّ الكفار عن المسجد الحرام والادعاء بأنهم أولياؤه وهي هذه : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤)) وفي سورة الفتح المدنية آية أخرى فيها نفس الدلالة وهي هذه : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) [٢٥] إلخ. وفي هذه إشارة إلى حادث تاريخي يقيني وهو رحلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أصحابه إلى مكة بقصد زيارة المسجد الحرام وتصدي المشركين لهم ومنعهم. ونحن نرجّح الاحتمال الأول على ضوء ما شرحناه من تناسب بين الآيات وسابقاتها والله أعلم.

والآيات صريحة التقرير بأن تهيئة الكعبة لعبادة الله وتطهيرها والحجّ إليها وجعلها لجميع الناس من مقيمين وغير مقيمين ، وإنشاء تقاليد الحجّ متصل بإبراهيم (عليه‌السلام) بأمر الله تعالى ، وهذا التقرير تكرر في آيات في سورة البقرة مضافا إليه إن الله قد جعل الكعبة وحرمها مثابة للناس وأمنا وهي هذه : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ

__________________

(١) انظر تاريخ عمر بن الخطاب للإمام ابن الجوزي ، ص ١٤.

٣٥

طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)) ووردت إشارة ما إلى ذلك في آيات سورة إبراهيم [٣٥ ـ ٣٨] التي مرّ تفسيرها.

وورود هذه الصراحة في الآيات التي احتوت التنديد بمشركي قريش وإنذارهم بسبب صدّهم عن المسجد الحرام وظلمهم فيه وخرقهم بذلك حرمته وقدسيته ، يلهم أن هؤلاء كانوا يعرفون ما جاء فيها ويتناقلون ذلك على ما شرحناه في مناسبات سابقة وبخاصة في سياق تفسير سورتي الأعلى وإبراهيم شرحا يغني عن التكرار.

ولقد بلغ من اهتمامهم لحفظ تقاليد الحجّ وحرمة المسجد الحرام ومنطقته ومنع كل بغي وقتال وسفك دم فيها أن قدّسوا أشهر الحج وحرّموا القتال فيها ، حتى الصيد داخل منطقة الحرم وخارجها ، وحرّموا القتال في هذه المنطقة في كل وقت. وكانوا يعتبرون خرق ذلك فجارا ، وكانت لهم أيام عرفت بأيام الفجار ، بسبيل منع خرقها. وعقدوا فيما بينهم حلفا سمّي حلف الفضول لمنع أي ظلم في الحرم ونصر أي مظلوم فيه (١).

وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى علماء التابعين والأخبار في الصدر الإسلامي الأول في سياق هذه الآيات. منها ما يتصل بأوّلية الكعبة ، وقد أوردناه وعلّقنا عليه في سياق تفسير سورة قريش بما يغني عن التكرار. ومنها ما يتصل بالعبارات الجديدة في الآيات. ومن ذلك أن الله أمر إبراهيم (عليه‌السلام) بعد أن أتمّ بناء البيت مع إسماعيل ، أن يؤذن في الناس بالحج ، فقال : ربّ وماذا أستطيع أن أبلغ؟ فقال له عليك النداء وعليّ الإسماع ، فهتف قائلا : ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا وأمركم أن تحجّوه ؛ فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء فأجابه من

__________________

(١) انظر طبقات ابن سعد ج ١ ص ١٠٨ ـ ١١١.

٣٦

آمن ممن سبق في علم الله أن يحجّ إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك وفي رواية (ما سمعه يومئذ من إنس وجن وشجر وأكمة وتراب وجبل وماء ، ولا أي شيء آخر من خلق الله إلّا قال : لبيك اللهم لبيك).

وليس شيء من ذلك واردا في كتب الأحاديث المعتبرة. والأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه والإيمان به ، مع القول إن الروايات تؤكد ما قلناه من أن أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا يتداولون ذلك قبل الإسلام ، ومع الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لما جاء في الآيات من ذلك حكمة. لعلّ منها تذكير السامعين بما يعرفون ، وبأن الله الذي يعترفون به ويقدسون بيته قد جعل هذا البيت مثابة للناس جميعا ، ومطهرا من الشرك من لدن إبراهيم الذي ينتسبون إليه بالنبوة ، ثم التنديد بهم لمخالفتهم ذلك وصدّهم المسلمين عنه ، وخرقهم حرمته وشركهم بالله وإقامة أوثانهم عند بيته المطهر ، حيث تستحكم بذلك فيهم الحجة.

ولقد روى الطبري قولين في معنى (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أحدهما إنه القديم جدا حيث ورد في آية في سورة آل عمران أنه أوّل بيت وضع للناس وهي (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧)). وثانيهما أنه بمعنى أعتقه الله من الجبابرة. وقد روى الترمذي في هذا المعنى حديثا عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّما سمّي البيت العتيق لأنّه لم يظهر عليه جبّار» (١). فإذا صحّ الحديث فمن الحكمة الملموحة فيه توكيد قدسيته وعناية الله به وتحريم البغي والظلم فيه وصدّ الناس عنه ، وبهذا يتسق الحديث مع مدى الآيات.

ومع أن الآيات تحكي ما أمر الله به إبراهيم ، فإنها تلهم أنها تحكي كذلك ما توطّد من عادة العرب قبل الإسلام من الحجّ للكعبة في أيام معينة ومجيئهم إليها من كلّ صوب قريب وبعيد ، وتجشّمهم المشاق بسبيل ذلك ومن الطواف حولها

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ١٦١.

٣٧

والنذر لها وتقريب القرابين عندها ، وما كان يتيسر لهم في موسمها من منافع ويقضون من حاجات. وكان من ذلك على ما روته الروايات المتواترة قيام أسواق عديدة في موسم الحج يتبادل العرب فيها سلعهم ويقضون حاجاتهم ويعقدون مجالس قضائية لحلّ المشاكل والخلافات ، ويقيمون ندوات الشعر والمفاخرة إلخ وكان ذلك من أسباب تطور اللغة العربية وتهذيبها وتوحيدها ووصولها إلى ذروة الفصحى التي نزل بها القرآن وغدوّها لغة جميع العرب إجمالا على اختلاف منازلهم. كما كان ذلك من مظاهر اتحاد العرب ، أو اتحادهم في الاتجاه والتقارب بين مختلف قبائل العرب على اختلاف منازلهم أيضا في داخل الجزيرة وخارجها.

ولقد كانت تقاليد الحجّ راسخة شائعة في العرب ، وكان أهل مكة خاصة يخشون الأضرار والأخطار من زوالها نتيجة للدعوة الإسلامية على ما أشير إلى ذلك في آية سورة القصص [٥٧] وما شرحناه في مناسبتها.

فكان كل هذا فيما يتبادر لنا من حكمة الله في الإبقاء على طقوس وتقاليد الحجّ في الإسلام مهما بدا في بعضها من غرابة ومن عدم تبيين الناس حكمة لها الّا بعد تجريدها من آثار الوثنية والشرك ومشاهد القبح ، مثل الطواف بالعري وجعله فرضا على المستطيعين من المسلمين ولو مرة في العمر ليكون لهم في ذلك فرصة سنويّة متجدّدة ، فتأتي فئات منهم في كل سنة من كلّ صوب من أقطار الدنيا إلى مهبط وحي الله وبيته العتيق ليعلنوا خضوعهم له على صعيد واحد ، متساوين في كلّ مظهر وليتقرّبوا إليه بالعبادة والأضاحي والصدقات والنذور ، ولينتفعوا بشتى وجوه الانتفاع الروحي ، والرياضي ، والاجتماعي ، والاقتصادي ، والشخصي ، والسياحي ، والتعارفي ، والسياسي. ولتكون رابطة دينية متجددة تظل تربط المسلمين في كافة أنحاء الدنيا وفي كلّ ظرف ما دامت الدنيا قائمة بمهبط وحي الله ورسالته على خاتم أنبيائه ورسله كمظهر من مظاهر شكر الله واحترام البلد العربي الذي اختصّه الله بذلك.

ويتراءى لنا في الإبقاء على هذا التقليد بعد تجريده من شوائب الشرك

٣٨

ومشاهد القبح كالطواف في حالة العري تلقين جليل آخر ، وهو أن المهم في الدعوة الإسلامية هو التوحيد ، وكل ما فيه كفالة خير الناس ومصالحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة. وليس المهم هو هدم القديم مطلقا ، فما كان متناقضا مع ذلك المهم فيجب هدمه بما هو الأصلح والأفضل والأوجب. وليس من حرج من بقاء قديم لا يتناقض مع ذلك إذا كان في بقائه فوائد ينتفع بها المسلمون أو إذا كان في هدمه إثارة للنفوس.

ولقد قال بعض المفسّرين (١) إن العرب كانوا لا يأكلون من لحوم أضاحيهم التي ينحرونها في موسم الحج ، وإن الآية [٢٨] قد أحلّت ذلك للمسلمين. ومع أن الآيات هي بسبيل الاستطراد كما قلنا فإن في استنباط حلّ أكل صاحب القربان من لحم قربانه وجاهة ظاهرة.

وتعبير (وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) بعد كلمة الطائفين في الآية [٢٦] قد يلهم أن القيام والركوع والسجود على التوالي ـ وهو شكل الصلاة الإسلامية ـ قد كان ممارسا عند الكعبة قبل الإسلام بالإضافة إلى الطواف حولها.

ولقد تعددت أقوال المفسرين (٢) عزوا إلى بعض الأحاديث في مدى تعبير (أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) حيث روي أنها العشر الأولى من ذي الحجة كما روي أنها يوم عرفة ويوم العيد وأيام التشريق بعدهما. وقد تعددت أيضا في تعدادها بين يومين وبين أربعة أيام. والمتبادر أن سامعي القرآن لأول مرة كانوا يعرفون الأيام المعلومات التي تقرّب فيها القرابين. وإذا لحظنا أن المشهور المتعارف عند المسلمين أن يوم العيد وأيام التشريق التي تليه هي التي تنحر فيها القرابين ساغ القول إنها هي المقصودة والله تعالى أعلم.

ولقد أورد ابن كثير في سياق هذا التعبير حديثا رواه البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه. قالوا ولا الجهاد في

__________________

(١) انظر تفسيرها في تفسير ابن كثير.

(٢) انظر تفسيرها في الخازن وابن كثير والطبري والبغوي.

٣٩

سبيل الله. قال ولا الجهاد في سبيل الله إلّا رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء». وحديثا آخر رواه الإمام أحمد عن ابن عمر قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما من أيام أعظم عند الله ولا أحبّ إليه العمل فيهنّ من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهنّ من التهليل والتكبير والتحميد».

فإن صحّت الأحاديث فمن الحكمة الملموحة فيها توكيد فضل هذه الأيام والحثّ على التقرّب إلى الله فيها بالعبادة والذكر.

وهناك أحاديث نبوية وصحابية وتابعية في صدد مناسك الحج المتنوعة رأينا تأجيل إيرادها وشرحها إلى تفسير آيات الطواف والحج في سورة البقرة لأنها أكثر مناسبة.

تعليق على موضوع النذر

وبمناسبة الإشارة إلى وفاء الحجاج بنذورهم في الآية الأخيرة من هذه الآيات نقول : إن النذر عهد يقطعه الإنسان على نفسه بتقديم قربان ما للمعبود ، أو فعل فعل ما يظنّ أنه يرضى به المعبود تقرّبا إليه واسترضاء له ورغبة في قضاء مطلب من دفع شرّ وضرّ وخطر أو جلب خير ونفع ، أو تعبيرا عن الشكر إذا تحقق له مثل هذا الطلب. وقد اعتاد البشر ذلك منذ أقدم الأزمنة وعلى اختلاف بيئاتهم وعقائدهم. والآية التي نحن في صددها تدلّ على أن العرب في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصره لم يخرجوا عن ذلك. وفي الكتب العربية روايات كثيرة تفيد هذا بالنسبة للعرب في غير بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصره كما كان شأن سائر البشر. وليست هذه الآية أولى الآيات التي ذكر فيها النذر ، ففي سورة مريم آية فيها حكاية قول عيسى (عليه‌السلام) لأمه عقب ولادته وحينما خافت من عاقبة هذه الولادة وهي : (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)). وقد رأينا أن التعليق على هذا الموضوع في مناسبة آية سورة الحجّ أكثر ملاءمة ، لأن الآية قد تفيد أنها بسبيل حكاية ما كان يفعله العرب ثم المسلمون بعد البعثة من وفاء نذورهم.

٤٠