التّفسير الحديث - ج ٦

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٦

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٧

المغيرة قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال» (١). وحديث رواه الشيخان والترمذي جاء فيه : «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» (٢). وحديث روي عن أنس بن مالك قال : «نهينا أن نسأل رسول الله عن شيء ، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع».

ونرى محلا للتعليق على الأحاديث والآية التي تساق الأحاديث في سياقها ، فالذي يتبادر لنا من الآية أن المنكر من السؤال هو ما فيه تمحّل وتكلف وتشكيك وتعجيز وتنطع. وليس له ضرورة من حاجة ومصلحة وعلم ودين. ويلمح هذا من الأحاديث الثلاثة الأولى. وحديث أنس إن صح وابن كثير لا يذكر سندا ومسندا له فيكون زيادة في الورع وخشية من الوقوع في نطاق ما أنكره الله على المسلمين. وبناء على ما تقدم فإن السؤال عن ما في كتاب الله وسنة رسوله من أحكام وعلم في مختلف الأمور ولا يكون فيه تمحل وتكلف وتعجيز وابتغاء فتنة ويكون فيه مصلحة عامة وخاصة مباحة لا يمكن أن يدخل في ما نهى الله ورسوله عنه. وهناك آيات كثيرة أنزلها الله وأحاديث كثيرة صدرت عن رسول الله بناء على أسئلة واستفتاءات دون أن يرافقها لوم وتثريب وإنكار مما فيه تأييد لهذه النقطة التي تبدو من تحصيل الحاصل وفي السور التي سبق تفسيرها أمثلة كثيرة ، وفي السور الآتية أمثلة كثيرة أيضا. وفي كتب الحديث أمثلة كثيرة. وقد أوردنا كثيرا من ذلك في السور السابقة وسنورد كثيرا منها في السور الآتية.

(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى

__________________

(١) هذا الحديث لم يورده مؤلف التاج.

(٢) أورد مؤلف التاج هذا الحديث ج ٢ ص ١٠٠.

٢٢١

شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)) [١١١ ـ ١١٣]

(١) أمانيهم : تمنياتهم أو ظنونهم وأوهامهم.

تعليق على آية

(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ... إلخ

وما بعدها إلى الآية [١١٣] وهي الحلقة الحادية عشرة من السلسلة

في الآيات :

(١) حكاية لقول كل من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلّا أبناء ملتهم.

(٢) وأمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتحديهم وطلب البرهان على صدق قولهم بأسلوب يقرر عجزهم عن ذلك.

(٣) وتقرير بأن هذا القول من قبيل الظن والتمني وهوى النفس.

(٤) ووضع للأمر في نصابه الصحيح : فالذين يحوزون رضاء الله ويستحقون الأجر والثواب عنده ولا يكون عليهم خوف ولا حزن هم الذين يسلمون أنفسهم إليه فيؤمنون به وحده ويخضعون لأوامره ويتقونه ويحسنون فيما يفعلون.

(٥) وحكاية لما كان يقوله كل من اليهود والنصارى في حق بعضهم حيث كان اليهود يعتبرون أنفسهم هم المهتدون وينكرون أن يكون النصارى على شيء من الحق ، وحيث كان هؤلاء يقفون من اليهود نفس الموقف ، وتنديد بالفريقين معا فأقوالهم كأقوال الجاهلين الذين يتخبطون في الظلام وليس عندهم شيء من العلم في حين أن بين أيديهم كتاب الله يتلونه ، وأن المفروض أنهم يعرفون حقائق الأمور وليس من اللائق أن يصدر ذلك الكلام عنهم.

(٦) وتعقيب على ذلك يتضمن تقرير كون الله سوف يحكم يوم القيامة فيما يختلف فيه الفريقان فيؤيد الحق وأصحابه ويخذل الباطل وأصحابه.

٢٢٢

وقد روى المفسرون (١) أن الآية الثالثة نزلت في مناسبة قدوم وفد نصارى نجران إلى المدينة للقاء النبي ومناظرته ، وأن فريقا من أحبار اليهود شهدوا مجلس المناظرة وقال الفريقان فيه في حقّ بعضهم ما ذكرته الآية. وهذه الرواية لم ترد في الصحاح.

ولم يذكر المفسرون شيئا عن مناسبة الآية الأولى. وقد تقتضي الرواية أن يكون ما حكته هذه الآية من جملة ما قاله كل من الفريقين في المجلس أيضا ، لأنه من باب واحد وإن اختلفت الصيغة.

وننبه إلى أن سلسلة طويلة من سورة آل عمران حكت مجلس مناظرة بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والنصارى ، وروى المفسرون أنهم وفد نصارى نجران. وقد جاء فيها بعض آيات يمكن أن تفيد أن مجلسا ما شهده بعض اليهود مع وفد نجران على ما سوف يأتي شرحه في سياق تفسير آيات آل عمران فلم يعد والحالة هذه محل لذكر مشاهد مناظرة نصارى نجران أو بعضها في هذه السورة ولا سيما أن قدوم هذا الوفد كان في أواسط العهد المدني. وكان اليهود قد أجلوا جميعهم تقريبا عن المدينة قبل ذلك. يضاف إلى هذا أن الآيات في مكانها وسياقها ومضمونها تبدو كأنها جزء من السلسلة الطويلة الواردة في السورة في حق اليهود في أوائل العهد المدني ، واستمرار في حملة التنديد بدسائس اليهود ومواقفهم وأقوالهم.

لذلك نحن غير مطمئنين لما روي من صلة وفد نجران بهذا الموقف. ونرجح أن الآيات هي في الدرجة الأولى في صدد مواقف اليهود وأقوالهم وأن ذكر النصارى فيها إما أن يكون بسبب قول مماثل صدر عن النصارى في موقف ما فاقتضت حكمة التنزيل ذكرهم استطرادا ، وإما أن يكون حكاية حال صادقة وهذا ما نرجحه لأن الذين تمسكوا بنصرانيتهم لا بد من أنهم كانوا يظنون أنفسهم أنهم الناجون أصحاب الجنة وأن اليهود منحرفون عن شرائعهم وليسوا على شيء من

__________________

(١) انظر تفسير الخازن وابن كثير.

٢٢٣

الحق ، وسياق الآيات الخاص باليهود ومواقفهم يرجح ما نقول فيما نرى ونرجو أن يكون هو الصواب.

والآية الثانية أي الآية [١١١] تحتوي تقرير المعنى الذي قررته الآية [٦٢] كما شرحناها بشمول أوسع. فالدعوة النبوية القرآنية قائمة على الدعوة إلى الله وإسلام النفس إليه وحده والعمل الصالح الحسن. فاليهود والنصارى وغيرهم مدعوون إليها. فمن اعتنقها نال رضاء الله ونال أجره وأمن من الخوف والحزن ، ويدخل في ذلك المؤمنون برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعقيدة اليهود في النصارى ، والنصارى في اليهود المحكية في الآية [١١٠] كانت وما تزال واقعة ومشاهدة. وفيها تدعيم لقوة الرسالة المحمدية فكل منهما يسفّه الآخر ويراه على باطل وضلال. والناجي منهما هو الذي يسلم وجهه لله ويعمل الصالحات. وهذا حال الذين يستجيبون إلى تلك الرسالة وينضوون إليها لأنها تدعو إلى الحق وتبين الحق من الباطل والهدى من الضلال. وتضع كل شيء في نصابه الحق وتحل الإشكالات التي يرتكس فيها كل من النصارى واليهود سواء أفي نظرة كل من الفريقين إلى عيسى (عليه‌السلام) ـ وفي إحداهما إفراط كبير وفي أخراهما بغي كبير ـ أم في مناقضة شرائع الله وكتبه وتحريفها والانحراف عنها وتغدو هي المنار الهادي والملاذ الواقي والطريق القويم الوسط الذي لا عوج فيه ولا تعقيد ولا انحراف ولا غلو ولا إفراط ولا بغي مصداقا لهذه الآية من هذه السورة : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة : [١٤٣] ولآية المائدة هذه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ...) [٤٨].

والتدعيم بهذا الشرح يبدو قويا رائعا كما هو واضح ، وتزداد قوته وروعته حينما يذكر أن التوراة والإنجيل المنزلين من الله تعالى على موسى وعيسى (عليهما‌السلام) واللذين لم يصلا إلى عهدنا قد ذكرا صفة الرسول الأمين وأمرا أهلهما باتباعه كما جاء في آية سورة الأعراف [١٥٧] ، وأن عيسى (عليه‌السلام) بشّر بنبي

٢٢٤

من بعده اسمه أحمد كما جاء في سورة الصف ، مما يتضمن أمرا باتباعه بطبيعة الحال. ولقد جاء الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي قال فيه : «والذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهوديّ ولا نصرانيّ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» حاسما في هذا الباب.

ولقد تعددت الأقوال المروية في المقصودين في جملة : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) حيث روى الطبري عن عطاء أنهم الأمم السابقة لليهود والنصارى والتوراة والإنجيل. وعن السدي أنهم مشركو العرب الذين كانوا يقولون إن محمدا ليس على شيء ، وهذه الأقوال لم ترد في الصحاح وإن كانت مما تتحمله الجملة ونحن نرجح القول الثاني لأن روح الجملة قد تلهم أنها في صدد واقع حاضر.

وهذا لا ينقض بطبيعة الحال ما قلناه في الشرح من أن المراد بالجملة تقوية التنديد باليهود والنصارى بتشبيههم بالجاهلين الذين يلقون الكلام جزافا بدون علم.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)) [١١٤ ـ ١١٥]

(١) سعى في خرابها : سعى في تعطيل الشعائر الدينية فيها.

الآية الأولى تضمنت تنديدا شديدا بمن يمنع الناس من ذكر الله في مساجده ويسعى في تعطيل إقامة شعائر الله فيها ، مع أن أمثال هؤلاء ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين. وإنذارا لهم بما يستحقون من الخزي والهوان في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.

٢٢٥

والآية الثانية تضمنت تقرير كون المشرق والمغرب لله ، وأن عابد الله والمتجه إليه يجده أينما ولّى وجهه ، فالله سبحانه غير محصور في جهة دون أخرى وهو واسع الملك والحكم عليم بحقائق الأمور ومقتضياتها.

ومن المؤولين من أوّل جملة (وَجْهُ اللهِ) برضائه وتوجيهه ومنهم من أوّلها بذاته ومنهم من أوّلها بوجوده وكل من هذه التأويلات وارد ومن الواجب الوقوف عند ذلك دون تزيد على ما نبهنا عليه في مناسبة الآية [٨٩] من سورة القصص التي ورد فيها كلمة (وَجْهُ) بمعنى وجه الله تعالى.

تعليق على آية

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)

والآية التي بعدها وهما الحلقة الثانية عشرة

من سلسلة بني إسرائيل

لقد تعددت الروايات والأقوال التي يرويها ويذكرها المفسرون في صدد كل من الآيتين ، فمن ذلك في صدد أولاهما أنها للتنديد ببختنصر البابلي الذي هدم معبد بيت المقدس وبالنصارى والروم الذين ساعدوه على ذلك لحقدهم على اليهود الذين قتلوا يحيى بن زكريا (عليهما‌السلام) ، ومن ذلك أنها للتنديد بالنصارى الذين كانوا يطرحون الأذى في ذلك المعبد ويمنعون الناس عن الصلاة فيه ، ومن ذلك أنها للتنديد بالروم الذين خربوا ذلك المعبد ، ومن ذلك أنها للتنديد بالمشركين الذين صدوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين عن المسجد الحرام يوم الحديبية (١). وفي بعض هذه الأقوال تهافت وغرابة وبعد مناسبة مثل مساعدة النصارى لبختنصر مع أن بختنصر سابق لميلاد المسيح وليحيى بن زكريا بستة قرون. ومثل طرح النصارى الأذى على المعبد ومنعهم من الصلاة فيه مع أن المعبد هدم وصار أطلالا في زمن الروم قبل أن يستطيع النصارى فعل شيء بل كانوا هم أيضا مضطهدين.

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي والبغوي.

٢٢٦

ورواية كونها في صدد منع قريش للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين بعيدة أيضا لأن هذا كان في السنة السادسة وبعد التنكيل باليهود وإجلائهم عن المدينة. وهذه الآيات وما قبلها وما بعدها نزلت فقط فيما كان اليهود لا يزالون موجودين في المدينة وعلى شيء من القوة والحيوية.

ومما أوردوه في صدد الآية الثانية أنها ردّ على اليهود الذين استنكروا تحويل القبلة عن المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وقالوا إن محمدا قد ضيّع على المسلمين صلاتهم. ومن ذلك أنها نزلت في النجاشي حين توفي قبل أن يصلي إلى القبلة. ومنها أنها نزلت لتخيير المسلمين بتوجيه وجوههم في الصلاة أنى يريدون وأن ذلك كان قبل فرض التوجه نحو البيت الحرام. ومنها أنها نزلت في مناسبة صلاة بعض المسلمين في ليلة مظلمة دون تيقنهم من القبلة ومراجعتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك. ومعظم الروايات لم ترد في الصحاح. وهناك حديث رواه الترمذي عن عامر بن ربيعة قد يؤيد الرواية الأخيرة جاء فيه : «كنّا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلّى كلّ رجل منّا على حياله. فلمّا أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (١). والحديث يقتضي أن تكون الآية نزلت منفردة مع أنها منسجمة مع سابقاتها ومع السلسلة. ويتبادر لنا من سياق السلسلة أن رواية كونها للردّ على اليهود الذين استنكروا تحويل القبلة عن المسجد الأقصى قوية الاحتمال والصحة. وأن ذلك يشمل الآية الأولى أيضا. وأن الآية الأولى هي بمثابة تمهيد تنديدي وإنذاري للرد الذي احتوته الآية الثانية على اليهود وأن لهذا الرد صلة بالآية [١٠٦] من الحلقة التاسعة التي رجحنا أنها في صدد نسخ القبلة وتحويل سمتها عن المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.

ومما يدعم توجيهنا إن شاء الله كون الآيتين غير منفصلتين عن السلسلة الطويلة التي ما فتئت تذكر دسائس اليهود وتعطيلهم وجحودهم وتندد بهم. ثم الآيات [١٢٤ ـ ١٢٩] الآتية بعد قليل والتي فيها تنويه بالكعبة وبنائها من قبل

__________________

(١) التاج ج ١ ص ١٣٧.

٢٢٧

إبراهيم وإسماعيل بأمر الله لتكون مثابة للناس وأمنا ومكانا للطائفين والعاكفين والركع السجود مما ينطوي فيه تبرير لتحويل سمت القبلة إليها. ثم الآيات [١٤١ ـ ١٥٠] التي تذكر إنكار اليهود لتحويل القبلة وتشكيكهم المسلمين في صلواتهم وفي نبيهم. وقد قالوا لهم فيما قالوه إنه يأمرهم بشيء ثم يعدل عنه وهذا ليس من شأن الأنبياء وأن استقبال المسجد الأقصى إذا كان خطأ فيكون قد أضاع صلواتهم وإن كان صوابا فيكون في عدوله عنه إضاعة لصلواتهم أيضا (١) فجاءت الآيتان لتنددا باليهود لأنهم يمنعون الناس عن ذكر الله في مساجد الله ويسعون في خرابها والمسجد الحرام منها على اعتبار أن إهماله من المسلمين بالمرة بمثابة خرابه. ولتطمئنا المسلمين بأن الله تعالى موجود في كل مكان وليس منحصرا في اتجاه بيت المقدس. وبأن الأمر في جوهره هو عبادة الله الموجود في كل مكان. والمتبادر إذا صح هذا كما نرجو أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلا هذه الآية حينما أخبره عامر بما كان من أمرهم في الليل فالتبس الأمر عليه أو على الرواة وظنوا أنها نزلت جوابا على السؤال.

ولقد تعددت تأويلات المفسرين (٢) في جملة : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) فمن ذلك أن الذين يعطلون مساجد الله هم الأحرى ألا يدخلوها إلا خائفين من بطش المسلمين. ومن ذلك أن الأحرى بهم أن يدخلوها خائفين من هيبة الله فكيف يكونون مفسدين ومخربين لها وهذا هو ما اختاره السيد رشيد رضا ، ونحن نراه الأوجه.

ومع خصوصية الآيات ففيها تلقينات سامية مستمرة المدى سواء في تقريرها حرية العبادة لله وأماكنها ، وتنديدها بمن يحول دونها ويعتدي عليها بالتخريب والتعطيل أم في تقريرها سعة أفق الدين الإسلامي واهتمامه للجوهر دون العرض.

ولقد روى الطبري عن بعض أهل التأويل أن الآية الثانية نسخت بالآية :

__________________

(١) انظر تفسير آيات سورة البقرة [١٤٢ ـ ١٥٠] في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.

(٢) انظر المصدر نفسه.

٢٢٨

(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [١٤٤] التي تأتي بعد قليل. وقد يكون هذا في محله من حيث الموضوعية. غير أن الآية قد جاءت في معرض الرد على دس اليهود وشغبهم ويظل مداها محتملا لسعة أفق الإسلام على ما ذكرناه آنفا فيما هو المتبادر والله أعلم.

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» (١). وروى عن ابن عمر حديثا فيه توضيح وإن لم يرد في الصحاح جاء فيه : «إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة» والحكمة الملموحة في الحديث الأول التوسيع على المسلمين وعدم المشقة عليهم في التحري والتدقيق. وتقرير كون الواجب عليهم هو الاتجاه نحو سمت الكعبة.

وهناك حديث رواه الخمسة عن جابر قال : «كان النبيّ يصلّي على راحلته حيث توجّهت فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة وفي رواية كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسبّح على الراحلة قبل أيّ وجه توجّه ويوتر عليها غير أنه لا يصلّي عليها المكتوبة» (٢). وحديث رواه الترمذي عن ابن عمر قال : «كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي على راحلته تطوّعا أينما توجّهت به وهو جاء من مكة إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وقال أنزلت في هذا» (٣). وحديث رواه أصحاب السنن عن جابر قال : «بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حاجة فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع» (٤). وفي الأحاديث توسيع على المسلمين في صلواتهم التطوعية التي يصلونها على ظهور رواحلهم مستمد من سعة الأفق المنطوي في الآية. ويصح أن يقاس عليه الصلوات التطوعية في البواخر والقطارات والطيارات كما هو المتبادر والله تعالى أعلم.

__________________

(١) التاج ج ١ ص ١٣٦ وممن رووا الحديث مع الترمذي الحاكم والدار قطني.

(٢) المصدر نفسه ص ١٣٧.

(٣) التاج ج ٤ ص ٣٧.

(٤) المصدر السابق نفسه.

٢٢٩

(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧) وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩)) [١١٦ ـ ١١٩].

تعليق على الحلقة الثالثة عشرة

من سلسلة الآيات الواردة

في اليهود

في الآيتين الأوليين : حكاية بأسلوب تنديدي لقول الذين يقولون إن الله اتخذ ولدا وتنزيه له عن ذلك. فهو الذي أبدع السموات والأرض وخلقهما من العدم على هذا النظام البديع وهو الذي يخضع له كل ما فيهما. وهو الذي يقول للشيء إذا أراده كن فيكون ومثل هذا الإله منزه ومستغن عن الولد والشريك والندّ.

وفي الآيتين الأخريين :

١ ـ حكاية لاقتراح بعض الجاهلين أن يكلمهم الله أو تأتيهم منه آية بأسلوب فيه تحدّ وتعجيز.

٢ ـ وردّ تنديدي عليهم فهم في اقتراحهم وتعجيزهم كالذين من قبلهم وهذا مظهر من مظاهر تشابه القلوب والأخلاق.

٣ ـ وتنبيه إلى أن الله تعالى إنما أنزل آياته بينات لمن يريد أن يؤمن به ويرغب في الاهتداء إليه. وأن الله إنما أرسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم داعيا إلى الحقّ وبشيرا ونذيرا وحسب.

٤ ـ وتسلية للنبي فهو غير مسؤول عن إيمان الذين خبثت سرائرهم وقست قلوبهم واستحقوا النار بوقوفهم موقف التعجيز والمكابرة.

٢٣٠

وقد تعددت أقوال وروايات المفسرين (١) في من عنته الآيات فقالوا إنهم النصارى ، وقالوا إنهم اليهود ، وقالوا إنهم المشركون. وكل من هؤلاء قد نسب الولد لله سبحانه وتعالى وفي سورة التوبة آية تحكي عقيدة اليهود بأن العزير ابن الله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠)) أما دعوى المشركين والنصارى فقد حكتها آيات كثيرة مكية ومدنية. وقد حكت آيات مكية ومدنية كثيرة تحدي المشركين واليهود النبي بالإتيان بالمعجزات ومنها ما هو من نوع ما ذكرته الآية الثانية (٢).

غير أن عطف الآيات على ما قبلها وكونها من سلسلة طويلة في حق بني إسرائيل وأفعالهم ومواقفهم يجعلنا نرجح أن اليهود هم المقصودون في الآيات. ولعل جملة (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قرينة على أن المقصود هم اليهود في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث كان أجدادهم يطلبون من موسى أن يريهم الله جهرة تارة وأن يكلمهم الله تارة وأن يأتيهم بالآيات تارة على ما ذكرته بعض آيات السلسلة على سبيل التذكير والتنديد. وبهذا الذي نرجو أن يكون صوابا تكون هذه الآيات حلقة من سلسلة الآيات الواردة في يهود بني إسرائيل أيضا.

ولقد ورد أن وصف اليهود بجملة (لا يَعْلَمُونَ) فيه نظر ، لأنهم كانوا يوصفون بأهل العلم وأهل الكتاب ووصفوا بذلك في القرآن. وقد أجاب القاسمي على هذا جوابا سديدا وهو أن الله تعالى نفى عنهم العلم بطلبهم ما طلبوا لأن ذلك لا يطلبه من عنده علم ، وقد يصح أن يزاد على هذا أن النفي من قبل التبكيت والتنديد والله أعلم.

ولقد روى الطبري في صدد الآية الثالثة عن محمد بن كعب القرظي وابن

__________________

(١) انظر تفسيرها في كتب التفسير السابقة الذكر.

(٢) انظر آيات سورة آل عمران [١٨٣] والنساء [١٥٣] والأنعام [١٥٨] والنحل [٣٣] والفرقان [٢١].

٢٣١

جريج أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ذات يوم : «ليت شعري ما فعل أبواي ثلاثا فأنزلها الله». وقد فند الطبري الرواية وأول الجملة بتأويل مماثل لتأويلنا.

وهذه الجملة قد تكررت في مقامات عديدة نصا أو معنى ولا سيما في العهد المكي للهدف نفسه على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة ويظهر أن حكمة التنزيل اقتضت إيحاءها في هذا المقام في صدد ما كان من شدة إنكار اليهود وجحودهم ودسائسهم.

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الأولى حديثا رواه البخاري أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال الله تعالى كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان ، وأمّا شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ ولدا» (١). وفي الحديث تنديد رباني بالمشركين والجاحدين لليوم الآخر بأسلوب آخر غير الأسلوب القرآني الذي تكرر ذلك كثيرا لحكمة يعلمها الله ورسوله.

(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣)) [١٢٠ ـ ١٢٣].

تعليق على الحلقة الرابعة عشرة

من سلسلة الآيات الواردة في اليهود

في هذه السورة

وجّه الخطاب في الآية الأولى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتقرر له فيها بأن اليهود والنصارى

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٣٧ و ٣٨ فصل التفسير.

٢٣٢

لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم ويسير على طريقتهم ، ولتأمره بالرد عليهم بأن هدى الله الذي هداه إليه هو الهدى الصحيح ولتنبهه بأنه لو اتبع أهواءهم بعد ما جاءه من العلم الذي فيه الحق والهدى لتخلّى الله عن نصرته ولما وجد له من دونه وليا ولا نصيرا.

وفي الآية الثانية إشارة تنويهية إلى الذين يتلون كتاب الله حق تلاوته ممن آتاهم الله الكتاب. فهؤلاء هم الذين يعرفون الحق الذي فيه ويسيرون على هداه ولا يمارون فيه ، أما الذين يكفرون بالحق والهدى منهم فإنهم الخاسرون.

وفي الآيتين الثالثة والرابعة خطاب إنذاري وتذكيري موجه إلى بني إسرائيل ليذكروا نعمة الله عليهم وما كان من تفضيله إياهم على الناس وليتقوا هول اليوم الآخر الذي لا تغني فيه نفس عن نفس ، ولا يقبل فيه بدل ولا عدل ، ولا تنفع فيه شفاعة ولا يكون لأحد نصر من أحد.

ولقد ذكر المفسرون في صدد الآية الأولى أن كلا من اليهود والنصارى كانوا يطلبون من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المهادنة ويأملون أن يتبع ملتهم ويراودوه على ذلك ليؤمنوا به. ومما ذكروه كذلك أن كلا منهم كان يطلب منه الثبات على استقبال المسجد الأقصى لأنه قبلتهم حتى يؤمنوا برسالته فنزلت للرد عليهم وتحذير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وساوسهم. ويتبادر لنا أن اليهود هم المقصودون في الدرجة الأولى في الآية وأن ذكر النصارى هو للتعبير عن لسان حال الذين تمسكوا بنصرانيتهم كما رجحنا ذلك بالنسبة للآية : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) وأن اليهود قد اضطربوا وانفعلوا حينما تحول سمت القبلة عن قبلتهم إلى المسجد الحرام فحاولوا خداع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو إغراءه ، والخطاب موجه لبني إسرائيل فقط في الآيتين الأخريين حيث يدعم هذا ترجيحنا كون اليهود هم الموضوع الرئيسي في السلسلة الطويلة وكون ذكر النصارى هو من باب الاستطراد.

ولقد روى المفسرون أربعة أقوال في من عنتهم الآية الثانية ، منها قولان عن ابن عباس واحد يذكر أنهم جماعة من الأحباش آمنوا وقدموا المدينة مع جعفر بن

٢٣٣

أبي طالب حين رجع من الهجرة الأولى ، وواحد يذكر أنهم جماعة من الروم فيهم بحيرا الراهب ، وقول عن الضحاك أنهم الذين آمنوا من اليهود مثل عبد الله بن سلام. وقول عن عكرمة أنهم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وليس شيء من الروايات واردا في الصحاح. ورواية الحبشة بعيدة لأن جعفر رجع بعد صلح الحديبية وإجلاء اليهود عن المدينة والآيات تفيد أنهم كانوا ما يزالون فيها. وجماعة النصارى ورد فيها آيات في سورة المائدة ، ونعت الجماعة بالذين آتيناهم الكتاب يجعل صرفها إلى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير سائغ. والسياق في اليهود بحيث يسوغ الترجيح بكونهم من اليهود الذين آمنوا. وفي سورة النساء آية صريحة بأن بعض الراسخين في العلم من اليهود آمنوا برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهي الآية [١٦٢].

ولقد اختلف المفسرون في عائدية ضمير الغائب في (بِهِ) في الآية الثانية. فمنهم من قال إنه عائد إلى القرآن ومنهم من قال إنه عائد إلى كتب أهل الكتاب. والمقام يتحمل هذا وذاك ونحن نرجح القول الأول الذي عبر عنه بكلمة (الْعِلْمِ) في الآية الأولى. فتكون الآية الثانية بذلك مع ظرفية نزولها قد انطوت على تقرير عام مستمر المدى بأن كل من يتلو كتب الله حق تلاوتها وتفهمها حق الفهم من أهل الكتاب لا بد من أن يؤمن برسالة محمد وبما أنزله الله عليه. وهذا تقرير صادق دامغ ، ولقد أخبرنا الله في آيات عديدة مثل الأنعام [١٩ و ١٠٠] والأعراف [١٥٧] والصف [٦] أن اليهود والنصارى يجدون صفات محمّد في التوراة والإنجيل وأن عيسى بشّر به ، وأن أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وأن القرآن منزل من الله. ولقد كانت هذه الآيات تتلى علنا ويسمعها أهل الكتاب وقد علموا ما فيها من حق وصدق فآمن منهم من استطاع أن يتغلب على أنانيته ومنافعه وإذا كان أهل الكتاب اليوم يقولون إن ذلك ليس في التوراة والإنجيل فإن التوراة والإنجيل ليسا في أيديهم وقد فقدا ، وإن ما في أيديهم مكتوب بأقلام متأخرة وقد طرأ عليها تحريف وتبديل وشيبت بالتناقض على ما شرحناه في سياق شرحنا للتوراة والإنجيل في تفسير سورة الأعراف.

٢٣٤

هذا وننبه على أنه ليس من محل للتوهم من سبك جملة : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مال إلى اتباع ملة اليهود أو النصارى فالجملة أسلوبية ورد مثلها في مقامات عديدة بهدف تثبيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبثّ الثقة والحذر في نفسه وحسب.

ولعل من مقاصد التحذير من اتباع أهواء اليهود والنصارى التنبه على ما كانوا عليه حين نزول الآيات من خلاف ونزاع وانقسام إلى شيع وأحزاب في الدين وانحرافات وشذوذ عن الأصل الذي تتطابق معه الدعوة الإسلامية. ثم الاستدراك لما عسى أن يوجه إلى القرآن والنبي من نقد بسبب الحملة عليهم وتقرير ضلالهم بعد تقريرهما هذا التطابق ، وتقرير كون التطابق هو مع الأصل الصافي الذي حرفوه وانحرفوا عنه.

وإلى هذا ففي هذا التحذير تلقين جليل مستمر المدى في وجوب الثبات على الأصل الصافي للرسالة المحمدية التي يمثلها القرآن والسنة وعدم الانحراف عنهما واتباع الهوى وتأويلهما كما فعل الكتابيون ذلك.

ومع أن جملة (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) هي في صدد أهل الكتاب وكتبهم فإن أهل التأويل والمفسرين وقفوا عندها لاستنباط حكم عام منها على المسلمين بالنسبة للقرآن وقالوا إنها توجب عليهم أن يتدبروا أحكامه ويتمعنوا في محتواه ويتبعوا أوامره ونواهيه حق الاتباع. وأوردوا قولا لابن مسعود جاء فيه : «والذي نفسي بيده إن حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرّف الكلام عن مواضعه ولا يتناول شيئا على غير تأويله». وذكر القاسمي الذي نقلنا عنه هذا أن قولا مثله مروي عن ابن عباس أيضا وهذا حق في ذاته بل هو تحصيل حاصل بدون ضرورة إلى استنباطه من الجملة التي لا شك في أنها في صدد أهل الكتاب وكتبهم.

وقد يناسب هذا إشارة إلى ما عليه جمهور المسلمين من تلاوة للقرآن تلاوة آلية للتعبد وحسب ، ومع أن تلاوة القرآن لذاتها وسيلة قربى إلى الله فإنهم على

٢٣٥

الأعم الأغلب يتلونه بدون تدبر ولا تذكر ويخالفون أحكامه وأوامره ونواهيه ومواعظه وعبره قولا وفعلا. وليس هذا من تلاوة القرآن حق تلاوته في شيء ، والله أنزله ليتدبر الناس آياته وليخرجهم من الظلمات إلى النور قولا وفعلا وسلوكا وإيمانا ، ولقد روى مسلم وأبو داود عن أبي ذرّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ بعدي من أمتي أو سيكون من بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه. هم شرّ الخلق والخليقة» (١). ورواية أبي داود هي : «سيكون من أمّتي اختلاف وفرقة ، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، يدعون إلى كتاب وليسوا منه في شيء» (٢).

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)) [١٢٤ ـ ١٢٩]

(١) ابتلى : امتحن.

(٢) مثابة : مرجعا ومحجا.

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٢٨٥ و ٢٨٦ وقد يصح الاستدراك أن هذا الوصف هو بنوع خاص للمتعمدين والله أعلم.

(٢) التاج ج ٥ ص ٢٨٥ و ٢٨٦ وقد يصح الاستدراك أن هذا الوصف هو بنوع خاص للمتعمدين والله أعلم.

٢٣٦

(٣) مقام إبراهيم : مكان أو حجر كان في فناء الكعبة معروف بهذا الاسم.

(٤) مصلى : محل صلاة.

(٥) العاكفين : العكوف بمعنى الإقامة. ثم صار منها اصطلاح وهو التعكف بمعنى الإقامة في الحرم أو المسجد بقصد العبادة.

(٦) القواعد : الأسس. والتعبير يشمل الأسس وما عليها.

(٧) الحكمة : ما فيه الصواب والسداد.

(٨) يزكيهم : يطهر نفوسهم.

تعليقات على الآية

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ...) إلخ

وما بعدها إلى آخر الآية [١٢٩]

وهي الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة

الآيات الواردة في اليهود

في هذه الآيات :

١ ـ إشارة تذكيرية إلى أن الله تعالى كان أمر إبراهيم عليه‌السلام بفعل بعض الأمور على سبيل الاختبار ففعل ذلك كما ينبغي فاستحق رضاءه ، وقال له إني جاعلك للناس إماما وقدوة فسأل ربّه أن يكون هذا الفضل شاملا لذريته أيضا فأجابه إن الظالمين أي المنحرفين الباغين منهم لا يصحّ أن ينالوه.

٢ ـ وتقرير بأن الله قد جعل البيت أي الكعبة مثابة ومحجا للناس جميعهم وبأنه أمر باتخاذ مقام إبراهيم مكان صلاة.

٣ ـ وإشارة إلى ما كان من أمر هذا البيت في البدء ، حيث اختص الله مكانه ليكون معبدا ومنطقة أمن وسلام ، وأمر إبراهيم وإسماعيل أن يطهرا هذا المكان ويهيئاه ويبنياه ليكون مكان طواف وعكوف وركوع وسجود للناس جميعا ، وحيث صدعا بالأمر ورفعا قواعد البيت ودعوا الله أن يتقبل منهما خدمتهما وأن يهديهما

٢٣٧

إلى معرفة ما يجب عليهما من المناسك ويساعدهما على أدائها وأن يجعلهما مسلمين له وحده وأن يجعل ذريتهما أيضا أمة مسلمة منقادة له وحده. وأن يبعث فيها رسولا منها يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب وكل ما فيه الصواب والسداد ويطهر نفوسهم وينقذهم من الضلال ويرشدهم إلى الحق والخير والهدى. وأن يجعل البلد الذي فيه البيت آمنا لا يقع فيه بغي ولا ظلم ولا سفك دم ، وأن يرزق من يكون مؤمنا من أهله بالله واليوم الآخر من الثمرات وييسر لهم الرزق الرغد.

ولم نطلع على رواية خاصة بنزول هذه الآيات التي قد تبدو الآيات فصلا مستقلا لا علاقة له باليهود والسياق الطويل السابق. غير أن الحلقة التي جاءت بعدها عادت إلى ذكر اليهود ومواقفهم وأقوالهم والتنديد بهم ثم جاءت بعدها حلقة أخرى احتوت موضوع تبديل القبلة إلى اتجاه الكعبة ونددت باليهود لموقفهم من هذا التبديل موقف النقد والتشكيك مما يجعل هذه الآيات غير منقطعة عن السياق السابق واللاحق ؛ ومما يسوغ القول إن فيها تبريرا وتدعيما للتبديل المذكور وردا على موقف اليهود منه في بيان صلة الكعبة بالله تعالى وإبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) وفضلها وكونها جعلت بأمر الله منذ القديم مثابة للناس ومحجا ومكان عبادة وطواف وسجود وركوع له.

وهذا فضلا عن شمول جملة (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) لليهود من بني إسرائيل المنحرفين عن الحق والهدى بل فضلا عن احتمال كون المقصود بها هم هؤلاء وبخاصة المعاصرين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم موضوع الكلام في الدرجة الأولى.

وكل هذا جعلنا نسلكها في عداد الحلقات الواردة في هذه السورة فيهم.

ولقد أورد المفسرون (١) أقوالا عديدة في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم معزوة إلى بعض علماء التابعين وتابعيهم. منها أنها قصّ الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس في الجبهة وتقليم الأظفار وحلق العانة والختان

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي والخازن وابن كثير.

٢٣٨

ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول. ومنها أنها حلق العانة والختان ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقصّ الشارب والاغتسال يوم الجمعة والطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة. ومنها أنها عبادة الكوكب ثم القمر ثم الشمس التي أداها ثم ارتدّ عنها لأفولها ثم النار التي ألقي فيها ثم الهجرة ثم الختان. وقد قال الطبري إنه لم يصح من ذلك شيء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيجوز أن تكون هذه أو غيرها وبعضها أو جميعها وهو كلام صائب. ويبدو أن ما قيل في صدد ذلك من باب التخمين وليس من وراء اكتشاف الكلمات بالتخمين من طائل. والأولى أن يكتفى بالقول إنها أوامر ونواه ربانية أمر الله بها خليله عليه‌السلام فأداها على النحو الذي أمره بها. وإن كان من شيء يمكن أن يقال بالإضافة إلى هذا فهو أن الروايات تذكر أن العادات الجسدية المذكورة في أول الأقوال مما كان ممارسا في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإضافة إلى الطواف والسعي. وظلت تمارس في الإسلام منها ما كان بأمر قرآني وهو الطواف والسعي ومنها ما كان بتعليم نبوي قولي وفعلي. فمن الجائز أن يكون التخمين بالنسبة لهذه العادات مستمدا من ذلك وأن يكون أهل بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا وظلوا ينسبونها إلى إبراهيم (عليه‌السلام) والله أعلم.

وكلمة (ذُرِّيَّتِي) الواردة في الآية [١٢٤] تشمل كما هو المتبادر جميع المنتسبين إلى إبراهيم بالنبوة وأبناء إبراهيم الذين خلفوا ذريته هم اسحق وإسماعيل وزمران ويقشان ومدان ومدين ويشاق وشوما إذا صح ما ورد في سفر التكوين بالنسبة للستة الآخرين. أما إسحق وإسماعيل فقد نسبهما القرآن لإبراهيم فيجب الإيمان بذلك ، والمشهور المتداول أن بني إسرائيل من ذرية إسحق وأن العرب العدنانيين الذين منهم القرشيون من ذرية إسماعيل على ما ذكرناه في مناسبات سابقة.

ولقد أول المؤولون على ما رواه الطبري جملة (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) بأنها بمعنى لا يكون من الظالمين من ذرية إبراهيم من يرضى الله أن يكون إماما للناس أو أنها بمعنى استثناء الظالمين مطلقا من ذريته من مدى عهد الله له. ويتبادر لنا أن حكمة الله في هذا الاستثناء هدفت إلى إحباط تبجح المنتسبين بالبنوة إلى إبراهيم

٢٣٩

إذا كانوا منحرفين عن ملته وطريقته وجادة الحق التي كان يسير عليها والانقياد إلى الله وإسلام النفس له وحده. ومن المحتمل أن يكون أريد بهذا في المقام والسياق اللذين وردت فيهما الآية بنو إسرائيل الذين وقفوا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم موقف البغي والظلم والجحود. والذين كانوا يتبجحون بأنهم على هدى وأنهم أئمة وقدوة للناس حيث أريد تكذيبهم في دعاويهم هذه برغم انتسابهم إلى إبراهيم (عليه‌السلام) ، وهو احتمال قوي في ما يتبادر لنا والله أعلم.

أما كلمة (ذُرِّيَّتِنا) الواردة في الآية [١٢٨] فقد قال الطبري وغيره إنها عنت العرب ، وروح الآية التي وردت فيها الكلمة تلهم صواب ذلك. ومما يؤيده أيضا اشتراك إسماعيل في الدعوة لأن إسماعيل هو الذي ينتسب إليه العدنانيون ثم القرشيون من العرب على ما ذكرناه قبل.

ولقد أورد الطبري حديثا في سياق الجملة جاء فيه : «إنّ نفرا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال : نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى عليهما‌السلام». والحديث لم يرد في الصحاح وإن كان القرآن يؤيد فحواه في الجملة التي نحن في صددها وفي آية سورة الصف [٦] على أننا نقول مع ذلك إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلم من دون ريب أن رسالته من مقتضيات حكمة الله الأزلية قبل إبراهيم ودعوته. وإنه يتبادر لنا من حكاية دعاء إبراهيم وإسماعيل في هذه الآية وفي الحديث إذا صح أن القصد من ذلك بالإضافة إلى واجب الإيمان بما أخبر به القرآن من كلام إبراهيم في صدد ذريته توكيد الصلة بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأرومات التي انحدر منها وبين إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام). وهناك حديث نبوي صحيح رواه مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم» (١).

ومثل ما تقدم يقال بالنسبة لحكاية دعاء إبراهيم في الآية [١٢٦] بأن يجعل

__________________

(١) التاج ج ٣ ص ٢٠٥.

٢٤٠