التّفسير الحديث - ج ٦

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٦

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٧

تعليق على أولى الحلقات الواردة في

يهود بني إسرائيل في العهد المدني

هذه الآيات بداية سلسلة طويلة في بني إسرائيل ومواقفهم من الدعوة الإسلامية. ولم نطلع على رواية خاصة بنزول هذه البداية ، وتوجيه الكلام فيها إلى بني إسرائيل بدعوتهم إلى الإيمان بالنبي والقرآن قد يدل على أنها أول ما نزل من قرآن مدني في اليهود كما أن وضعها بعد الآيات السابقة قد يدعم هذه الأولية. بل ويجوز أن تكون قد نزلت بعد الآيات السابقة مباشرة فوضعت بعدها. وتدل كذلك على أن اليهود وقفوا موقف الجحود من الدعوة النبوية منذ بدء العهد المدني. وقد تكون بمثابة استطراد إلى ذكر اليهود ومواقفهم من هذه الدعوة بعد وصفهم في فصل المنافقين بأنهم شياطين المنافقين وقد يصح أن يضاف إلى هذا أن الآيات السابقة قد احتوت بيان حالة ثلاث فئات من الناس من الدعوة الإسلامية في أوائل العهد المدني وهم المؤمنون والكفار المشركون والمنافقون فجاءت هذه الآيات لبيان حالة فئة أخرى وهي الكتابيون. ولما كان اليهود هم الفئة الأكبر عددا والأرسخ قدما والأوسع حيزا ونفوذا في المدينة فقد اقتضت حكمة التنزيل أن يدار الكلام عليهم. وكل هذا يجعل الصلة بين هذه الآيات وسابقاتها قائمة.

ولقد احتوت الآيات :

١ ـ تذكيرا مكررا بأفضال الله على بني إسرائيل.

٢ ـ وإهابة لهم للوفاء بعهده حتى يوفي لهم بعهده مع اتقاء غضبه.

٣ ـ وأمرا بالإيمان برسالة النبي والقرآن مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والركوع مع الراكعين دون انفراد.

٤ ـ ونهيا عن أن يكونوا من أول الكافرين بها ابتغاء أعراض الدنيا التافهة وعن تشويه الحق بالباطل وكتمه مع معرفتهم به حق المعرفة.

٥ ـ وتنديدا بأسلوب السؤال الاستنكاري عما إذا كان يصح مع دعواهم

١٦١

العقل أن يأمروا الناس بالبر والعمل الصالح وينسون أن يفعلوا هم ذلك وهم يعرفون مدى ما في هذا من مناقضة لأنهم يقرأون الكتاب ويعلمون منه الحق والواجب.

٦ ـ ودعوة لهم إلى اتقاء غضب الله في اليوم الآخر يوم لا تجزى فيه نفس عن نفس ولا يقبل في أحد شفاعة والتماس ولا يؤخذ من أحد بدل ولا يجد أحد نصيرا له من دون الله.

وقد تضمنت الآيتان الخامسة والسادسة [٤٤ و ٤٥] وهما تأمرانهم بالاستعانة بالصبر والصلاة تقرير كون الاعتراف بالحق والتزامه وإن كان شاقا على الطبع إلّا أن ذلك ليس على الناس الخاشعين لله المعترفين له الذين يوقنون أنهم ملاقوه وراجعون إليه والمفروض أنهم منهم.

ولقد روى المفسرون (١) عن أهل التأويل بيانات توضيحية لمدى بعض الآيات. من ذلك أن النعمة التي يذكرهم الله بها هي ما كان من تنجيتهم من آل فرعون وما أغدقه الله عليهم من منح. وهذا حق وقد حكته آيات مكية عديدة وحكته آيات في السلسلة من باب التذكير والتنديد. ومن ذلك أن العهد الذي طلب منهم الوفاء فيه هو الميثاق الذي أخذه الله منهم بالاستقامة على توحيد الله والتزام أوامره ونواهيه والإيمان برسله. وهذا حق أيضا وقد حكته آيات مكية عديدة. ومن ذلك أن جملة (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) هي في صدد ما يعلمونه من كون رسالة النبي محمد حق وهذا حق أيضا وقد حكته عنهم وعن أهل الكتاب عامة آيات مكية عديدة. ولقد تعددت أقوال المؤولين في صدد جملة (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) بسبب ما يبدو فيها من إشكال من حيث إن اليهود ليسوا في الواقع أول الكافرين بالقرآن وبالرسالة المحمدية ، فمن ذلك أنها بمعنى لا تكونوا أول كافر به من أهل الكتاب ، ومن ذلك أنها في مقام التنديد بهم لأنهم أولى أن يكونوا أول المؤمنين ولا يصح أن يكونوا من أول الكفار به حينما هاجر النبي إلى المدينة التي كانت مقرّ

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والخازن والبغوي وابن كثير والطبرسي.

١٦٢

كتلتهم الكبرى في الديار الحجازية. وكلا القولين وجيه وإن كان المتبادر أن القول الأول أوجه على ضوء الآيات المكية العديدة التي حكت فرح أهل الكتاب وإيمانهم وتصديقهم واعترافهم بأن رسالة محمد حق والقرآن منزل من الله بما جاء في آيات الأنعام [٢٠ و ١١٤] والأعراف [١٥٧] والرعد [٣٦] والإسراء [١٠٧ و ١٠٨] والقصص [٥٢ ـ ٥٥] والعنكبوت [٤٨] والأحقاف [١٠].

ومضمون الآيات وأسلوبها يلهمان أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجه الدعوة إلى اليهود على أثر هجرته إلى المدينة فلم يقابلوا الدعوة مقابلة حسنة وحاولوا تشكيك الناس فيها وصرفهم عنها والمكابرة فيها مع يقينهم بصحتها وصدقها وتطابقها بالأسس مع ما عندهم ثم تحالفوا مع المنافقين ضدها واستغلوا حركة النفاق استغلالا كبيرا فاستحقوا التنديد والإنذار والزجر الذي احتوته الآيات.

تلقينات الآيات الواردة في

حق اليهود [٤٠ ـ ٤٨]

ومع أن الآيات هي بسبيل بيان موقف اليهود والتنديد به فإنها احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى لكل مسلم في كل وقت. سواء في التنبيه على ما في كتم الحق وتشويهه بالباطل والمكابرة فيه عن تعمد وعلم ونبذ آيات الله لقاء منافع دنيوية من إثم ديني وأخلاقي ، أم ما في أمر المرء غيره بالخير والمكرمات ومناقضته لذلك في خاصة نفسه ، أم ما في نسيان فضل الله وجحوده من مثل ذلك ، وفي وجوب اجتناب ذلك أيضا.

وفي الآيتين الخامسة والسادسة ينطوي تلقين جليل فيه معالجة روحية رائعة وهي التنبيه على ما في الصلاة من التوجه إلى الله وذكره والخشوع له والخوف منه والتحلي بالصبر في سبيل مرضاته من أسباب طمأنينة النفس وإلانة الطبع وجعل الإنسان يعترف بالحق ولا يماري فيه مهما كان ذلك شاقا. وقد تكرر هذا في مواضع عديدة من السور المكية ونبهنا على ما فيه من مثل هذه المعالجة الروحية.

١٦٣

حيث يتسق القرآن المدني مع القرآن المكي في هذا كما يتسقان في كل شأن آخر وإن اختلف الأسلوب اختلافا اقتضته طبيعة كل من العهد المكي والعهد المدني على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة أيضا.

وهناك أحاديث نبوية أوردها ابن كثير في سياق الآيات فيها تلقينات متسقة مع التلقينات التي انطوت في الآيات ، منها حديث رواه الطبراني عن عبد الله قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مثل العالم الذي يعلّم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه». وحديث رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء؟ قال : خطباء أمّتك من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب» (١). وحديث رواه الإمام أحمد أيضا عن أسامة قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتاب فيدور بها في النار كما يدور الحمار بالرّحى فيطيف به أهل النار فيقولون يا فلان ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه» (٢). وحديث رواه الطبراني عن ابن عمر قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في سخط الله حتى يكفّ أو يعمل ما قال أو دعا إليه». وحديث رواه البخاري عن سمرة بن جندب جاء فيه : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى في منامه رجلا يشدخ رأس رجل وكلّما التأم جرحه عاد فشدخه فسأل عنه فقيل له إنه رجل علّمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به في النهار» (٣) وحديث رواه الترمذي وابن ماجه عن كعب بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار» (٤). وحديث رواه الترمذي وابن

__________________

(١) أورد ابن كثير هذا الحديث من طرق عديدة أخرى عزوا إلى ابن مردويه وابن حبان وابن أبي حاتم.

(٢) روى هذا الحديث البخاري ومسلم وأبو داود أيضا ، انظر التاج ج ٥ ص ٢٠٣.

(٣) التاج ج ٤ ص ٢٧٥ ـ ٢٧٧ والحديث طويل.

(٤) التاج ج ١ ص ٦٥ والمتبادر أن المقصد من الحديث الأخير هو استغلال العلم في ما لا

١٦٤

ماجه أيضا عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من تعلّم علما لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار» (١).

جنسية يهود الحجاز

الذين وجه إليهم الخطاب في الآيات

هذا ، وفي توجيه الخطاب القرآني إلى بني إسرائيل دلالة حاسمة على أن اليهود الذين كانوا في المدينة وحولها إسرائيليون أصلا وطارئون على الحجاز. وفي القرآن دلالات كثيرة على ذلك أيضا منها هذه الآية في سورة الأنعام : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦)) والآية تخاطب العرب وتذكر ما كانوا يقولونه حيث كانوا يقولون إن الكتب السماوية الأولى هي بلغة غير لغتهم وأن الذين يقرأونها إنما يقرأونها بلغتها الأصلية ؛ وحيث ينطوي في هذا أن اليهود كانوا لا يزالون يعرفون لغة آبائهم الأصلية ويقرأون كتبهم بها. ومنها ربط أخلاق يهود الحجاز هؤلاء بأخلاق آبائهم ومواقفهم القديمة ومخاطبتهم كسلسلة متصلة بعضها ببعض مما احتوته الآيات التي تلي هذه الآيات من السلسلة الطويلة. والأسماء المأثورة من أسمائهم عبرانية. ولقد تسمى بعضهم بأسماء عربية غير أن أسماء آبائهم التي تذكر معهم على ما هو المعتاد عند العرب من ذكر الأب والجد مع اسم الشخص عبرانية (٢). ولقد ذكر ابن

__________________

يرضي الله تعالى أو في معصيته أما من يتعلم العلم وينتفع به في شأن من شؤون الدنيا المباحة ولا يكون في ذلك معصية ولا إهمال لجانب الله وتقواه فالمتبادر أنه لا يدخل في شمول الإنذار النبوي والله أعلم.

(١) انظر المصدر السابق نفسه.

(٢) مثال على ذلك ما أورده ابن هشام من أسماء (عبد الله بن صوريا ـ ثعلبة بن شعيا ، رفاعة بن زيد بن التابوت ـ نعمان بن آصى إلخ اقرأ سيرة ابن هشام ج ٢ ص : ١٤٠ و ١٤٢ و ١٤٩ و ١٥١ و ١٥٢ و ١٥٧ و ١٦٠ و ١٦١ و ١٦٣. وفي سياق الآيات في الطبري أسماء لأشخاص منهم عبرانية مثل يامين وبنيامين وعازر وآزر وأشيع وصوريا إلخ.

١٦٥

سعد في طبقاته (١) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل سرية لقتل أبي رافع بن أبي الحقيق في خيبر ، وقد اختير رئيسا لها عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية أي يعرف العبرانية لغة اليهود. حيث يدل ذلك على أن اليهود كانوا ما يزالون يتكلمون في ما بينهم بلغتهم الأصلية أيضا وبالتالي يدل على أنهم إسرائيليون.

وهناك حديث رواه الترمذي بسند صحيح عن زيد بن ثابت قال : «أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أتعلّم له كتاب يهود ، قال : إني والله لا آمن يهود على كتاب. قال فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلّمته ، فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت لهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم». حيث يفيد هذا أن المكاتبات كانت تجري بين النبي وبينهم باللغة العبرانية.

وهناك حديث آخر رواه البخاري عن أبي هريرة قال : «كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط ...» حيث يفيد هذا بصراحة أن اليهود كانوا يحتفظون بأسفارهم باللغة العبرانية ويقرأونها بها ولا يمكن أن يكون هذا إلّا إذا كانوا عبرانيين أي إسرائيليين.

والمتبادر من وقائع التاريخ القديم أنهم جاءوا من فلسطين في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد على أثر الضربة الشديدة التي أنزلها بهم الرومان سنة ٧٠ ب. م ، والتي شتتت من بقي حيا منهم في آفاق الأرض ، وقد نزلوا في المدينة وأماكن أخرى في طريق يثرب ـ الشام مثل وادي القرى ، وخيبر ، وفدك ، ومقنا ، والحرباء وتيماء. وقد امتلكوا الأرضين فيها واستثمروها وأنشئوا كثيرا من بساتين النخل والعنب بالإضافة إلى الزراعات الموسمية واشتغلوا بالتجارة والصناعة والرّبا. وقد شادوا الحصون والقلاع ليكون لهم بها منعة في الوسط الجديد الذي حلوا فيه والذي كان مباءة تجوال القبائل العربية. وتعلموا اللغة العربية والعادات

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٣٤.

١٦٦

العربية واستطاعوا بما كان لهم من أموال ونشاط زراعي وتجاري وصناعي ومعارف دينية وغير دينية أن يحتلوا في نفوس العرب وبيئتهم مكانة وأن يصبحوا عندهم ذوي نفوذ وتأثير.

وننبه على أننا لا نريد أن ننفي أن يكون بعض عرب الحجاز قد تهودوا بتأثيرهم. غير أن ما يروى من أنه كان في الحجاز قبائل عربية متهودة ، أو أن قبائل اليهود في المدينة بنو قينقاع ، وبنو النضير ، وبنو قريظة ، كانت أو كان بعضها عربا غير صحيح ويؤيد ذلك الوقائع والأحوال التي ذكرناها. وبخاصة توجيه الخطاب ليهود المدينة باسم بني إسرائيل.

على أن من الحقائق التاريخية المؤيدة بالآثار القديمة أن اليهودية قد تسربت من إسرائيليي الحجاز إلى اليمن في القرن الخامس بعد الميلاد واعتنقها بعض ملوك حمير وقبائلها (١) ، غير أنها توارت عن اليمن فيما نعتقد بعد غزو الأحباش النصارى لليمن في أوائل القرن السادس بعد الميلاد واستيلائهم عليها. وكان من أسباب هذه الغزوة اضطهاد ملك حمير وحكومته المتهودون نصارى اليمن ومحاولتهم إجبارهم على اعتناق اليهودية على ما شرحناه في سياق سورتي الفيل والبروج شرحا يغني عن التكرار. ونعتقد أن الأحباش طاردوا اليهودية واليهود وطردوهما عن اليمن أو أبادوهما. ومن الأدلة على ذلك أن الروايات لم تذكر شيئا عن وجود اليهود في اليمن في زمن بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخلفاء الراشدين. ولقد أثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث جاء فيه : «أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب» كآخر وصية له. وروى الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج (٢) أن عمر بن الخطاب أجلى عن اليمن نصارى نجران وعن الحجاز اليهود عملا بهذه الوصية ولم يرد شيء عن إجلاء يهود عن اليمن. وكل هذا يدعم ما قلناه. واليهود الذين كانوا

__________________

(١) انظر تاريخ العرب قبل الإسلام ، لجواد علي ج ٣ ص ١٥٠ ـ ٢٧٣ وكتابنا تاريخ الجنس العربي ج ٥ ص ٨٨ وما بعدها.

(٢) ص ٢٩ و ٤٠ و ٤٢ وانظر أيضا فتوح البلدان للبلاذري ص ٢٩ ـ ٤١ و ٧٠ ـ ٧٥ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ١١٩ ـ ١٢١ وابن هشام ج ٤ ص ٣٤٥.

١٦٧

إلى عهد قريب في اليمن هم على الأرجح من مهاجري اليهود في العهود الإسلامية. والغالب أنهم ممن أجلي عن الأندلس بعد استيلاء الأسبان عليها حيث انتشروا في بلاد العرب من شمال افريقية إلى جنوب آسيا.

ونكتفي الآن بما تقدم عن اليهود على أن نزيد أحوالهم وأخلاقهم ومواقفهم شرحا في المناسبات الآتية.

(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ

.

١٦٨

وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)) [٤٩ ـ ٦١]

(١) بلاء : هنا بمعنى اختبار وامتحان.

(٢) الفرقان : تعبير يراد به ما في كتاب الله من بيان وتفريق بين الحقّ والباطل والهدى والضلال.

(٣) ظللنا عليكم الغمام : جعلنا السحاب ظلا عليكم يمنعكم من حرّ الشمس.

(٤) وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون : تقديرها وما آذونا أو ما أضرونا بكفرهم وعنادهم وتعجيزهم وإنما آذوا وأضروا أنفسهم.

(٥) رجزا : عذابا.

(٦) لا تعثوا : لا تتمادوا ولا تسعوا.

(٧) البقل : هو الخضرة مطلقا.

(٨) فومها : قيل بمعنى الحنطة وقيل بمعنى الثوم.

(٩) مصرا : تعددت الأقوال في تخريج ورود هذه الكلمة منونة مصروفة مع أنها جاءت في سور مكية غير منونة وغير مصروفة. وأوجه الأقوال أنها في السور المكية عنت القطر المعروف وأنها هنا عنت ما تعنيه الكلمة لغة وهو المدينة مطلقا أو المكان المعمور مطلقا.

تعليقات على الحلقة الثانية

من الآيات الموجهة إلى بني إسرائيل

في المدينة [٤٧ ـ ٥٧]

هذه حلقة ثانية من السلسلة الطويلة النازلة في بني إسرائيل ولم نطلع على رواية خاصة بنزولها. والمتبادر أنها جاءت معقبة على الآيات السابقة لتربط كما هو

١٦٩

المتبادر بين ما بدا من يهود المدينة من كفر ودسائس وتعطيل للدعوة المحمدية بما كان من بني إسرائيل أجدادهم الأولين من مواقف وأخلاق ولتهيب بهم بأن لا يكرروا تاريخهم ويعرضوا أنفسهم لنكال الله وانتقامه. ومن المحتمل أن تكون نزلت مع الآيات السابقة في سلسلة واحدة أو عقبها بعد فترة ما والله أعلم.

وعبارتها واضحة ، وقد تضمنت بعض وقائع بني إسرائيل في زمن موسى عليه‌السلام وبعده وتذكير اليهود السامعين بما كان من أفضال الله على آبائهم وبما كان من هؤلاء الآباء إزاء هذه الأفضال من تمرد وجحود وكفر وعبادة عجل وحجاج ولجاج وقتل أنبياء ظلما وعدوانا ، وبما كان من نكال الله لهم وضربه الذلة والمسكنة عليهم وتعرضهم لغضب الله وسخطه.

واستعمال ضمير المخاطب في توجيه الكلام حتى ليكاد يكون للسامعين مع أنه في صدد اليهود القدماء مما يقوي معنى التعقيب والربط والإهابة الذي استهدفته الآيات كما هو واضح. وينطوي فيه قصد بيان وتوكيد شدة اللحمة في الأخلاق والجبلة والمواقف بين القديمين والحاضرين. وهو أسلوب من أساليب الخطاب المألوفة في المواقف المماثلة وبخاصة في صدد التنديد بأفعال الأبناء المكروهة إذا كانت على وتيرة أفعال الآباء. وينطوي في ذلك توكيد بأن اليهود السامعين هم أنسال بني إسرائيل القدماء كما هو المتبادر.

وفحوى الآيات وصيغتها تدلان على أن اليهود السامعين كانوا يخاطبون بأمور ووقائع معروفة عندهم ومتداولة فيما بينهم ، وهذا مما يجعل الإنذار والتنديد أشد إلزاما وتأثيرا بطبيعة الحال ، ولقد وردت الأحداث المذكورة فيها في أسفار العهد القديم المتداولة اليوم وإن كان فيما ورد في هذه الأسفار مباينة في الأسلوب والجزئيات لما جاء في الآيات. ونحن نعتقد أن ما جاء في الآيات مما كان متداولا عند اليهود السامعين أو واردا في قراطيس أخرى عندهم ولم تصل إلينا ، لأن هذا هو المتسق مع حكمة التنزيل التي استهدفت التنديد والزجر والتذكير بأحداث وأمور معروفة.

١٧٠

وبعض ما ورد في الآيات ورد في سياق قصص بني إسرائيل في السور المكية مثل الأعراف ويونس وطه والقصص مع اختلاف في الأسلوب حيث ورد في السور المكية في معرض التمثيل والتذكير للعرب ، في حين ورد هنا في معرض التذكير لليهود والتنديد بهم. وهناك فارق آخر وهو أن الأسلوب هنا ليس قصصيا كما هو في السور المكية وإنما هو تقريعي وهذا منسجم مع الموقف الذي نزلت فيه وهو فارق يلحظ في ما نزل في شأن بني إسرائيل عامة ، وبه يتميز الأسلوب المكي عن الأسلوب المدني.

والجديد في هذه الآيات الذي لم يرد في السور المكية ما جاء في الآيات [٥٥ و ٥٦ و ٦١] والمتبادر أن المقصود بالطعام الواحد الذي أعلن بنو إسرائيل أنهم لا يصبرون عليه هو المنّ والسلوى ، وشيء مما ورد في هذا وارد في سفر العدد من أسفار العهد القديم.

ولقد أورد المفسرون روايات معزوة إلى بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتابعيهم فيها تفصيل لما جاء في الآيات منها ما هو متطابق مع ما جاء في الأسفار ومنها ما لا يتطابق. ومنها ما فيه إغراب ومبالغة حتى لقد شغل ذلك في تفسير الطبري أربعين صفحة كبيرة. ولم نر طائلا لإيرادها مسهبة أو ملخصة لأنها غير متصلة بأهداف الآيات وإن كانت تدل على أن ما جاء فيها كان متداولا في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن القرية والسجود وقول (حطة) والتبديل الذي بدل بنو إسرائيل من القول مما جاء في الآيتين [٥٨ و ٥٩] وأوردوا بعض الأحاديث في ذلك. ولقد جاءت كل هذه النقاط في آيتي سورة الأعراف [١٦١ و ١٦٢] فعلقنا عليها وأوردنا ما ورد في صددها من أقوال وأحاديث فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار.

وننبه بمناسبة هذا الفصل التنديدي وما بعده من فصول وربطها بين حاضر اليهود وغابرهم على أن أسفار العهد القديم قد احتوت فصولا كثيرة عما كان من

١٧١

انحرافات اليهود وآثامهم المتنوعة. وفيها صور بشعة جدا من ذلك. كما احتوت تنديدات شديدة وإنذارات قارعة وحملات عنيفة عليهم بسببها ، منها ما هو مبلغ عن الله بواسطة موسى (عليه‌السلام) ومنها ما هو مبلغ عن الله بواسطة أنبيائهم بعد موسى ، ومنها ما سجل عليهم من الأنبياء أنفسهم ومنها ما سجل به عليهم قتلهم الأنبياء وتكذيبهم لهم وعبادتهم العجل والأصنام والمعبودات الأخرى بصورة مستمرة وارتكابهم مختلف المنكرات والموبقات مما هو متسق في جوهره مع هذه الفصول (١).

والمتبادر من أسلوب الآية [٦١] أن جملة (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) ليست استمرارا لحكاية قول موسى لهم وإنما هي تقرير رباني مباشر بأن الله كتب ذلك على مختلف أجيال بني إسرائيل من لدن موسى وما بعده نتيجة للمواقف اللجاجية والانحرافات الدينية والأخلاقية التي كانوا وظلوا يرتكبونها بما في ذلك تكذيب الأنبياء وقتلهم ، وعصيان أوامر الله وعدوانهم حيث يكون في ذلك عقاب رباني ملازم لهم على مدى الدهر يشاهده بنو الإنسان جيلا بعد جيل منذ آلاف السنين. وفي كل زمن ومكان رغم ما قد يبدو من ظروف يتاح فيها لبعضهم أن يبرزوا في المجتمعات حيث لا يلبث المرء أن يكتشف أن ذلك مظهر سطحي وحسب فضلا عن أنه ليس إلا بالنسبة لأفراد وظروف وأن الكثرة الكاثرة منهم مسربلة دوما بذلك العقاب الذي كتبه الله عليهم. ولقد جاء هذا في آية سورة الأعراف هذه قويا حاسما وشاملا : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ ...) [١٦٧].

هذا ، ومع أن الآيات بسبيل التنديد باليهود ومواقفهم فمما لا ريب فيه أن فيها تلقينات عامة مستمرة المدى في تقبيح ما بدا من اليهود سابقا ولا حقا من انحرافات وآثام ومكابرة وتعجيز وجحود وكفر ، وفي تعليل ما حل باليهود بسببه

__________________

(١) هذه التقريعات والإنذارات والتسجيلات مبثوثة في معظم الأسفار التي هي في متناول الجميع ، اقرأ إذا شئت كتابنا تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم.

١٧٢

من عذاب وذلة ومسكنة وفي الإهابة بالمسلمين بتجنب ذلك ، واعتبار ما كان من أمر اليهود دروسا يتعظون بها.

وفي كتب التفسير تفصيلات طويلة في صدد القصة وجزئياتها معزوة إلى بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتابعيهم (١) قد تدل على أن القصة كانت متداولة في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع حواش وشروح. وليس لهذا مصدر غير اليهود ولم نر طائلا في إيراد تلك التفصيلات أو تلخيصها لأن القصة كما هو واضح من أسلوبها لم تورد لذاتها وإنما وردت لبيان ما كان اليهود القدماء يجنحون إليه من لجاج.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)) [٦٢]

تعليق على آية

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ)

عبارة الآية واضحة ، وفيها تقرير لرضاء الله عن من آمن بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا وعمل الصالحات من أهل الملل المذكورة فيها وتبشير لهم.

ولقد روى الطبري أن الآية نزلت جوابا على سؤال من سلمان الفارسي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد إسلامه عن مصير قوم من النصارى أخبروه ببعثته وكان من الممكن أن يؤمنوا لو التقوا به.

والمشكل في الأمر وضع الآية في سلسلة يعود ما قبلها وما بعدها إلى أحوال اليهود المعاصرين ومواقف الموجودين منهم في الحجاز من الرسالة الإسلامية وسيرة بني إسرائيل القديمة أولا ، وكون اليهود بعد عيسى يعتبرون على ما تفيده نصوص قرآنية عديدة مثل آيات سورة آل عمران [٥٢ ـ ٥٧] وآية سورة النساء [١٥٠] وآية سورة الصف [١٤] لأنهم كذبوا عيسى وكفروا به واستحقوا العذاب

__________________

(١) انظر تفسير الطبري الذي استغرقت هذه التفصيلات فيه اثنتين وعشرين صفحة.

١٧٣

ولم يعودوا يستحقون كيهود المصير المذكور في الآية إلّا إذا لم يكونوا مرتكبين المنكرات المعزوة إلى بني إسرائيل قديما وحديثا وماتوا كذلك قبل عيسى ثانيا وكون النصارى بعد بعثة النبي محمد يعتبرون كفارا إذ ظلوا يجحدون رسالته ولا يستحقون ذلك المصير كنصارى حتى لو لم يكونوا ممن سجل القرآن عليهم الكفر بقولهم إن الله هو المسيح ابن مريم أو إن الله ثالث ثلاثة أو إن المسيح هو ابن الله على ما تفيده آيات عديدة منها آيات سورة النساء هذه : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢)). ويقال هذا بالنسبة لليهود الذين بقوا على يهوديتهم بعد عيسى ثم بقوا عليها بعد بعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطبيعة الحال. ومثل هذا كله يقال بالنسبة للصابئين الذين لم يؤمنوا برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو كانوا متصفين بما وصفوا به في الآية.

ولقد قال السيد رشيد رضا : إن الآية بمنزلة الاستثناء من حكم الآية السابقة لها لكل من اتصف بما جاء فيها. وقال ابن كثير : إن الله تعالى لما بيّن حال من خالف أوامره وارتكب زواجره نبّه على أن من أحسن من الأمم السابقة وأطاع فإن له الجزاء الحسن. وكلا القولين وجيه ووارد ويفيد أن من جهة أن الآية جاءت بمثابة استطراد واستثناء وهذا مألوف في النظم القرآني وقد يكون سؤال ما ورد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سلمان الفارسي بعد نزول الآية فتلاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كجواب على السؤال الذي فيه سؤال عن حالة أناس صالحين من النصارى لم يدركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فالتبس الأمر على الرواة وظنوا أنها نزلت لحدتها جوابا على السؤال. وهذا يجعلنا نرجح أن الآية في صدد بيان حالة اليهود الصالحين قبل بعثة عيسى وحالة النصارى الصالحين قبل بعثة محمد وحالة الصابئين قبل بعثة محمد كذلك والقرآن يتمم بعضه بعضا. ولما كان قد دعا جميع الناس بما فيهم اليهود والنصارى والصابئين

١٧٤

إلى الإيمان برسالة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالقرآن والانتهاء عن ما هم عليه من انحراف عن الدين الحق والطريق القويم بآيات عديدة منها ما مرّ في سورة البقرة وفي السور السابقة ومنها ما سوف يأتي بعد. ولما كان طوائف مختلفة فيها يهود ونصارى وصابئون قد فهموا ذلك وآمنوا برسالة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن على ما حكته آيات عديدة في سور مكية ومدنية مرّ بعضها وسيأتي بعضها بعد فلا يصح أن يوقف عند هذه الآية لحدتها وتؤخذ على ظاهرها ويتوهم متوهم أنها تنطوي على تقرير نجاة اليهود والنصارى والصابئين عند الله مع بقائهم على مللهم بعد البعثة النبوية إذا لم يؤمنوا بالنبي محمد والقرآن ويصبحوا من معتنقي الرسالة الإسلامية التي يمثلانها.

وهناك حديث رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهوديّ ولا نصرانيّ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» (١).

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)) [٦٣ ـ ٦٦].

تعليق على الحلقة الثالثة

من سلسلة الآيات الواردة في بني إسرائيل

وهذه حلقة ثالثة من سلسلة الآيات الواردة في بني إسرائيل في هذه السورة. وفيها وصل ما انقطع بالآية [٦٢] التي جاءت استطرادية. وفيها استمرار للخطاب الموجه لبني إسرائيل السامعين في صدد ما كان من آبائهم من مواقف منحرفة بضمير الجمع المخاطب توكيدا للّحمة الوثيقة بين السامعين والآباء الغابرين بقصد

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٣٠.

١٧٥

الإنذار والتحذير من أن يكرروا مواقف وانحرافات أولئك الآباء. ومن الممكن أن تكون نزلت بعد سابقاتها مباشرة أو بعد فترة ما فوضعت بعدها.

وعبارتها واضحة ، وقد تضمنت حكاية ما كان من رفع الله الطور فوق بني إسرائيل وأخذه عليهم الميثاق بأن يتمسكوا بما أنزل الله إليهم من وصايا وتعليمات بقوة ، ويظلوا يحافظون عليه ويذكروه حتى يتقوا غضب الله وما كان من انحرافهم عنه ، وتذكيرا بالذين احتالوا في يوم السبت واعتدوا على حرمته من أولئك الآباء وما كان من غضب الله عليهم ومسخه إياهم قردة ليكون ذلك نكالا للمنحرفين في كل وقت وعبرة وموعظة للمتقين.

وأسلوب الآيات كأسلوب ما سبقها يلهم أن اليهود المخاطبين يسمعون أمورا معروفة متداولة بينهم عن آبائهم مما فيه توثيق لقوة الإنذار والتحذير لهم.

ولقد روى الطبري عن مجاهد أن الله رفع فوقهم الطور بقصد قذفه عليهم لأنهم أبوا أن ينفذوا أمره فيدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة. وعن ابن عباس أن الله أنذرهم بقذف الجبل عليهم إذا لم يلتزموا بميثاقه. وروح العبارة تفيد أن الله رفع فوقهم الجبل فعلا. وهذا وارد في الآية [١٧١] من سورة الأعراف. وعبارة هذه الآية تفيد أن ذلك كان من قبيل إظهار معجزة لهم حينما أمرهم بإطاعته والتزام وصاياه وعلى كل حال فالأسلوب التذكيري الذي وردت به العبارة القرآنية يفيد أن بني إسرائيل كانوا يسمعون أمرا واضح المدى في أذهانهم وواردا في بعض قراطيسهم على ما نبهنا عليه في سياق تفسير آية سورة الأعراف.

وعدوان بني إسرائيل على السبت ومسخ المعتدين قردة مما ورد في سورة الأعراف ، وقد علقنا على ذلك بما يغني عن التكرار.

والمتبادر أن جملة (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) قد عنت ما كان من عفو الله عنهم وتوبته عليهم بعد انحرافهم إلى عبادة العجل في حياة موسى ولجاجهم معه مما ذكر في الآيتين [٥٢ و ٥٤] من آيات الحلقة الثانية وما كان بعد ذلك من صلاح أحوالهم واستقامة أمورهم ردحا من الزمن.

١٧٦

هذا ومع أن ما في الحلقة هو في صدد بني إسرائيل فإن فيما احتوته تلقينا مستمرا للمسلمين أيضا كما هو شأن الحلقات السابقة سواء في وجوب التمسك بتعاليم الله وعدم الانحراف عنها ، أم في عدم الاحتيال عليها.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)) [٦٧ ـ ٧٤]

(١) فارض : هي البقرة المسنة.

(٢) بكر : هي البقرة الفتية.

(٣) عوان بين ذلك : متوسطة أو متناصفة في العمر.

(٤) ذلول : بمعنى متمرنة على العمل مذللة له.

(٥) تثير الأرض : تحرث الأرض.

(٦) ولا تسقي الحرث : أي لا تستخدم في عملية إرواء الأرض.

(٧) مسلّمة لا شية فيها : صافية ليس فيها بقعة ما : أي هي صفراء تمام الصفرة.

١٧٧

(٨) ادارأتم فيها : اختصمتم فيها وأنكرتموها وهي من درأ بمعنى منع وحجب وحال ، وقيل بمعنى اختلفتم فيها.

تعليق على الحلقة الرابعة من سلسلة الآيات

الواردة في السورة عن بني إسرائيل

وهذه رابع حلقة من السلسلة وعبارتها واضحة ، وفيها حكاية قتل ومعجزة ربانية حيث قتل بعضهم شخصا وتنصلوا من قتله أو اختلفوا واختصموا فيه فطلب موسى بأمر الله منهم أن يذبحوا بقرة ويضربوا القتيل ببعضها ففعلوا فأحياه الله. وقد حكت الآيات في سياق حكاية ذلك ما كان من لجاج اليهود وكثرة مراجعاتهم حتى شقوا بذلك على أنفسهم بأسلوب فيه تنديد وتقريع. فقد أمروا بذبح بقرة ما ، وكان يجزيهم أن يذبحوا أية بقرة. وقد انتهت الآيات بذكر ما كان بعد الحادث من قسوة قلوبهم بدلا من أن تلين لمعجزة الله حتى صارت أقسى من الحجارة التي منها ما يلين فيتفجر من خلاله الأنهار ويتشقق فيخرج من خلاله الماء ويهبط من خشية الله ، ثم بتقرير كون الله غير غافل عن أفعالهم بأسلوب ينطوي على التنديد أيضا وأسلوب الآيات التذكيري مثل أسلوب سابقاتها من السلسلة فيجوز أن تكون نزلت معها أو بعدها بفترة ما والله أعلم.

ولقد روى المفسرون (١) روايات عديدة عن القصة معزوة إلى ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين متفقة في الجوهر حيث أراد ابن أخ فقير استعجال موت عمّ له غني ليرثه فقتله ووضع جثته على باب دار رجل آخر ليحصل من ذلك على دية عنه أيضا زيادة في الطمع والإثم فكان شغب وكاد يقع قتال فأمر الله موسى أن يطلب منهم ذبح بقرة وضرب القتيل ببعضها ففعلوا بعد اللجاج فأحيا الله القتيل فسألوه عن قاتله فأشار إلى ابن أخيه ثم مات.

وهذه القصة غير واردة في أسفار العهد القديم المتداولة اليوم ، وإن كان في

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والخازن وابن كثير.

١٧٨

سفر التثنية المتداول اليوم والذي فيه تذكير بأحداث رسالة موسى وعهده شيء قد يمتّ إليها حيث احتوى الإصحاح الواحد والعشرون تشريعا في صدد القتيل الذي لا يعرف قاتله جاء فيه فيما جاء أن يكسر عنق بقرة لم يحرث عليها ولم تجر بالنير في واد لم يفلح ولم يزرع ويغسل جميع شيوخ القرية أيديهم على العجلة المكسورة العنق ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم وعيوننا لم تر ويسألون الله الغفران.

على أن أسلوب الآيات وهي توجه الخطاب إلى السامعين من بني إسرائيل ـ كأنما هم الفاعلون وليسوا آباءهم ـ وتندد بهم وتصف لجاجهم وقسوة قلوبهم بسبيل توكيد اللحمة بينهم وبين آبائهم الغابرين أفعالا وأخلاقا ونسبا يدل على أنها تساق إلى قوم يعرفونها وعلى أنها كانت مذكورة في بعض قراطيسهم التي لم تصل إلينا.

وفي كتب التفسير تفصيلات كثيرة في صدد القصة وجزئياتها معزوة إلى بعض أصحاب رسول الله وتابعيهم حتى لقد استغرقت من تفسير الطبري اثنتين وعشرين صفحة كبيرة. وليس منها شيء وارد في كتب الصحاح وقد تدل مع ذلك على أن القصة كانت متداولة في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع حواش وشروح. وليس لهذا مصدر غير اليهود ولم نر طائلا في إيراد تلك التفصيلات ولو تلخيصا لأن القصة كما هو واضح من أسلوبها لم تورد لذاتها وإنما أوردت لبيان ما كان اليهود القدماء يجنحون إليه من لجاج ومشاقة إزاء ما كان يأمرهم الله به بلسان موسى حتى لقد كانوا يشقون على أنفسهم أو يجعلون الله يشق عليهم نتيجة لذلك. ثم لبيان ما كان من عدم اتعاظهم بآيات الله وقسوة قلوبهم بعد هذا الحادث ، تلك القسوة الشديدة التي صورتها الآيات بأروع أسلوب وأقواه. وبمعنى آخر للتنديد بآباء اليهود السامعين والإهابة بالسامعين إلى عدم تكرار تاريخ هؤلاء الآباء وتحذيرهم من قسوة القلب التي كان عليها أولئك الآباء.

وهكذا تتسق أهداف هذه الحلقة مع أهداف الحلقات السابقة.

وكما قلنا في أعقاب الحلقات السابقة نقول هنا إن في القصة تلقينا مستمر

١٧٩

المدى سواء في التحذير من اللجاج والشقاق وتوريط النفس بهما أم في التحذير من قسوة القلب إزاء أوامر الله تعالى وآياته.

ولم يترك مفسرو الشيعة قتيل بني إسرائيل القديم وبقرتهم بدون تخريف في مناسبتهما. فأوردوا أربع روايات (١). في واحدة أن الله أوحى إلى موسى بأمر بني إسرائيل بالتوسل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله عند ضربهم القتيل ببعض البقرة ليحييه لهم ففعلوا فأحياه الله. وفي واحدة أن القتيل توسل بعد أن أحياه الله بمحمد وآله أن يبقيه في الدنيا ويجزي أعداءه ويرزقه رزقا كثيرا طيبا فاستجاب له. وفي واحدة أن الله أوحى إلى موسى حينما يشتبه في قتل قتيل أن يحلف شيوخ المدينة التي وجد القتيل في أرضها بمحمد وآله الطيبين بأنهم لم يقتلوه ولم يعلموا قاتله. وفي رابعة أن البقرة الموصوفة في القرآن كانت عند شاب من بني إسرائيل رأى في منامه محمدا وعليا والحسن والحسين فأحبهما فقالوا له إننا بسبب هذا الحب سنسوق لك جزاءك في الدنيا فلا تبع بقرتك إلّا بملء جلد ثور من الدنانير ، فتمسك ببقرته عملا بالوصية حتى حصل على ما بشر به!. وهم إلى هذا يسوقون الآيتين [٧٢ و ٧٣] للتدليل على صحة عقيدتهم في الرجعة أي رجعة علي والأئمة إلى الحياة على ما شرحناه في سياق آية سورة النمل [٨٢].

(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ

__________________

(١) انظر التفسير والمفسرون للذهبي ج ٢ ص ٢١٥ و ٢١٦.

١٨٠