التّفسير الحديث - ج ٥

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٥

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٨

في سياق سورة مريم (١). وإلى هذا ففي الآيتين [٢٣ و ٢٤] تلقينات مهمة إيمانية وسلوكية للمسلمين وقد أفردنا لهما بفقرة خاصة تأتي فيما بعد.

ولقد تخلل الآيات جريا على الأسلوب القرآني مقاطع متصلة كذلك بالهدف التدعيمي الذي نوهنا به آنفا سواء فيما كان من الثناء على الفتية أم في شمول رحمة الله لهم أم في التنديد بالذين اتخذوا من دون الله آلهة كذبا وافتراء.

والآية الأولى التي جاءت كمقدمة قد تضمنت معنى التنبيه على القصة وما فيها من مشهد قدرة الله وكون ذلك من آيات الله التي تبدو للناس عجيبة. فكأنما أريد أن يقال إن وقوع ما يبدو عجيبا لكفار العرب من شأنه أن يقنعهم بإمكان وقوع ما ينذرون به مما هو مماثل له في صدد قدرة الله تعالى ، وفي هذا ما فيه من معنى التدعيم أيضا.

والآيات الأخيرة من السلسلة يمكن أن يلمح فيها أن الإيحاء بآيات القصة قد استهدفت هذا التدعيم في الدرجة الأولى. فالناس يتناقشون في عدد الفتية فيؤمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بألا يهتم لهذا النقاش كثيرا وألا يماري فيهم إلا مراء ظاهرا ، ويتناقشون في عدد السنين فيؤمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يكل ذلك إلى علم الله الذي يعلم غيب السموات والأرض والمتصف بأكمل صفات السمع والبصر والذي ليس لأحد من دونه ولي حقيقي وليس له في ملكه وحكمه شريك ويؤمر كذلك بعدم التعمق في الأمر وعدم استفتاء الغير فيه.

ولقد نقل الطبري وغيره عن قتادة أحد علماء التابعين أن تعبير (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (٢٥) وهو ما ورد في الآية [٢٥] هو حكاية لقول أهل الكتاب ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرّد عليهم بأن الله تعالى هو الأعلم بما لبثوا ، ونرى هذا وجيها ومتسقا مع أسلوب العبارة القرآنية حيث تكون الآية [٢٥] تتمة للكلام السابق للآية [٢٣] وتكون الآيتان [٢٣ و ٢٤] اللتان ليستا من سياق القصة قد جاءتا لتنبيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ما يجب عليه مما سيكون موضوع تعليق آخر

__________________

(١) انظر المجلدين المذكورين آنفا من تاريخ المطران الدبس.

٦١

يأتي بعد هذه النبذة. ويكون ذلك القول والحالة هذه متوافقا مع مدى القصد المراد من إيراد القصة الذي نوهنا به آنفا.

تعليق على الآية

(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً)

والآية التي بعدها

والآيتان هاتان ليستا من سياق القصة كما قلنا آنفا ، وقد احتوتا استطرادا استدراكيا فيه تنبيه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يجب عليه حينما يقول أنه سيفعل شيئا وحينما ينسى ما يجب عليه. وقد أوردنا في سياق تفسير الآية [٨٥] من سورة الإسراء رواية طويلة عن قتادة ذكرت أن الآيتين نزلتا بسبب وعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإجابة على الأسئلة عن الروح وفتية الكهف وذي القرنين التي سأله عنها المشركون بإيعاز من اليهود غدا دون أن يقول (إن شاء الله) وأن الوحي توقف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ردحا من الوقت حتى صار المشركون يسخرون منه ، وحزن من ذلك حزنا عظيما ، ولقد علقنا على الرواية ونبهنا على ما فيها من مآخذ بالنسبة للسؤال عن الروح الوارد في سورة الإسراء والذي أوردت الرواية في سياقه. غير أن ورود الآيتين خلال آيات قصة أصحاب الكهف والرقيم وقبل أن ينتهي الكلام عنها ـ لأن في الآيات التي بعدها تتمة للتعليق عليها ـ يلهم أن لهما علاقة ما بها وأن في ما ورد في الرواية المذكورة شيئا ما من حقيقة هذه الصلة.

والذي يتبادر لنا أن الآيتين قد نزلتا في صدد هذه القصة وحدها. وأن من المحتمل أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد استمهل السائلين ونسي تعليق الأمر على مشيئة الله تعالى ، فأوحى إليه بهما من قبل الاستطراد والاستدراك في سياق الآيات الموحى بها في القصة.

ولقد انطوى في الاستدراك شيء من العتاب الرباني للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما كان منه خلاف الأولى الذي هو في علم الله مما تكررت صور منه ومرّ بعض أمثلته. وفي تسجيله وتسجيل ما أوجب الله على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سياقه من واجب تعليق تنفيذ

٦٢

ما يعد بفعله على مشيئة الله وذكر الله إذا نسي أمرا واللجوء إليه بطلب الهداية إلى ما هو الأرشد والأسد صورة من صور العصمة النبوية في تبليغ كل ما يوحي به قرآنا مهما كان خاصا. مما تكررت صوره ومرّ منه بعض الأمثلة أيضا. وواجب التأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي أمر به المسلمون يجعل الآيتين موجهتين إليهم أيضا في كل ظرف بحيث يكون من واجب كل مسلم أيضا أن يذكر دائما أنه لا يملك من أمر المستقبل شيئا فعليه أن لا يربط نفسه بملزمات قد يعجز عنها أو قد يخلّ بها أو قد يكون فيها خطر وضرر غابا عنه ، وأن تعليق عزائمه بمشيئة الله تعالى عدا أنه واجب ديني عليه ، مستتبع لإيمانه بالله عالم الغيب والشهادة الذي بيده كل شيء وإليه مرجع كل شيء فإنه يخليه من مسؤولية أي عمل مكروه أو خطر أو ضار يلزم نفسه به ويبرر له الرجوع عنه. وفي الاستمداد بالله وذكره ـ في حالة تقصيره ونسيانه وطلب الهداية منه إلى ما يكون الأرشد والأسد من العزمات ـ علاج روحي يمدّه بالقوة والرغبة بالهدى والرشاد والسداد.

ولقد روى أصحاب السنن عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى ، وفي رواية للنسائي وأبي داود من حلف فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك غير حنث» (١). حيث ينطوي في الحديث تعليم نبوي للمسلمين متصل بالتعليم القرآني من ناحية ما كما هو المتبادر.

(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧)) [٢٧]

(١) ملتحدا : ملجأ أو موئلا والإلحاد والالتحاد هو الميل للشيء.

في الآية :

١ ـ أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتلاوة ما يوحى إليه من ربّه على الناس.

__________________

(١) التاج ج ٣ ص ٧١.

٦٣

٢ ـ وتوكيد بأن كل ما فيه حق وصدق لا يأتيه تبديل ولا تناقض.

٣ ـ وتقرير بأن النبي لن يجد من دونه من هو جدير باللجوء إليه قدير على حمايته.

وقد ابتدأت الآية بحرف العطف مما يمكن أن يكون قرينة على أنها جاءت معقبة على الآيات السابقة وداعمة لما فيها من مواضع العظة والعبرة كما يمكن أن يكون قرينة على أن الآيات السابقة إنما أوردت لتدعم الرسالة النبوية.

(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨)) [٢٨]

(١) لا تعد عيناك عنهم : لا تنصرف عنهم ولا تهملهم.

(٢) تريد زينة الحياة الدنيا : تفضل عليهم أصحاب المال والجاه.

(٣) فرطا : باطلا أو ضلالا وخسرانا وسرفا.

في الآية أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوجوب التضامن التام مع الذين آمنوا برسالته ودأبوا على الاتجاه إلى الله وعبادته في جميع أوقاتهم لا يبتغون إلّا رضاه. وجعل كل اهتمامه لهم وعدم تحويل نظره واهتمامه إلى غيرهم رغبة في زينة الحياة الدنيا ومظاهرها الخلاقة المتمثلة في أصحاب المال والجاه ، وعدم إطاعة من غفل عن ذكر الله تعالى واتبع هواه وكان ضالا خاسرا أو الإصغاء إليه.

تعليق على الآية

(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) ... إلخ

وما فيها من تلقين رائع

ولقد روى المفسرون روايات عديدة متفقة في مداها كسبب لنزول الآية.

٦٤

منها أن بعض القوم قالوا للنبي إنا نستحي أن نجالس فلانا وفلانا وفلانا فجانبهم يا محمد وجالس أشراف قومك. ومنها أن عيينة الفزاري قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان وعليه شملة قد عرق فيها وبيده خوصة يشقها ثم ينسجها : «أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس ولا يمنعنا من اتباعك إلّا هؤلاء فنحّهم حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا» فأنزل الله الآية. ومنها أن المشركين قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عزوجل : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) الأنعام : [٥٢] وكان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينما قالوا له ذلك ابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان آخران.

ولقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن هذه الآية مدنية وهذه الرواية تتوافق مع الرواية التي ذكر فيها كلام عيينة الفزاري الذي كان من أهل العهد المدني. والرواية الأولى يرويها الطبري عن مشركي مكة ، والرواية الثالثة يرويها ابن كثير عن مشركي مكة كذلك ويعزوها إلى مسلم كحديث صحيح. وإيراد آية مدنية في سياق مكي متصل بكفار مكة لا حكمة ظاهرة له. والآية إلى ذلك معطوفة على ما قبلها متساوقة معه في النظم حيث يسوّغ كل هذا الشك في رواية مدنية الآية ورواية عيينة الفزاري وترجيح مكية الآية وكونها في صدد موقف الزعماء المشركين من فقراء المسلمين وموقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك.

ولقد ورد آيات فيها شيء مما ورد في هذه الآية في سورة الأنعام التي مرّ تفسيرها وهي الآيات [٥١ ـ ٥٤] وروي في صددها بعض ما روي هنا على ما ذكرناه في سياق تفسيرها حيث ينطوي في هذا أيضا تأييد لمكية الصورة. ولقد علقنا على ما انطوى في آيات سورة الأنعام من صور وتلقين وهو وارد بطبيعة الحال بالنسبة لهذه الآية فلا محل لإعادته. ويظهر من تكرر الإشارة إلى هذا الموقف أنه كان يتكرر فكانت حكمة التنزيل تقتضي تكرار التعليم تثبيتا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي كان شديد الحرص على جلب الزعماء إليه ، والذي كان حرصه يجعله يفكر على ما تلهمه الآيات ، ورواية ابن كثير التي يرويها عن مسلم بحديث صحيح في

٦٥

مسايرة الزعماء في بعض ما يقترحونه. ثم تنويها بالمؤمنين وتقريرا لرفعة شأنهم عند الله ولكون فضيلة الإيمان والعمل الصالح هي أعظم الفضائل وأن الذين يتحلون بها هم عند الله أفضل وأولى بالرعاية ، ويجب أن يكونوا كذلك عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي المجتمع الإسلامي. ولقد اجتهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في موقفه اجتهادا يمتّ إلى هذا الأمر خلافا للأولى قبل أن ينزل وحي به فعوتب على ذلك على ما شرحناه في سورة عبس حيث يبدو في كل هذا تلقين جليل مستمر المدى ومبدأ من مبادئ القرآن المحكمة يلمح فيهما في الوقت نفسه عدم إقرار الفروق الاجتماعية كظاهرة واجبة الرعاية في المجتمع الإسلامي. وإذا لحظنا أنه كان لهذه الظاهرة اعتبار عظيم في حياة الأمم وتقاليدها على اختلافها في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدت روعة الهدف القرآني والمبدأ المحكم والتلقين الجليل اللذين ينطويان فيه ، وبدا في هذا دليل لمن يعوزه الدليل على أن القرآن وحي من الله ينزل بما فيه الحقّ والحكمة ليصحح موقفا من المحتمل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يجنح إليه خلافا للأولى بدافع حرصه المذكور آنفا. وتبدو هذه الروعة أيضا في حكمة تكرار التنزيل القرآني حيث كانت هذه هي المرة الثالثة التي يوحى فيها بآيات تقرر وتؤكد ذلك الهدى والمبدأ المحكم والتلقين الجليل اللذين ينطويان فيه.

(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)) [٢٩ ـ ٣١]

(١) سرادقها : السرادق كل ما له جهات أربع محيطة ، والقصد هنا هو وصف شدة النار واشتغالها من كل ناحية.

٦٦

(٢) وأن يستغيثوا : وأن يطلبوا الغيث والماء.

(٣) المهل : مرّ تفسيره في سورة الدخان.

(٤) مرتفقا : منزلا أو منتفعا.

(٥) يحلّون : من الحلية.

(٦) سندس وإستبرق : نوعان من نسيج الحرير واللفظان معرّبان.

(٧) الأرائك : جمع أريكة وهي السرير.

الآيات معطوفة على سابقاتها ، واستمرار لها وتعقيب عليها كما هو المتبادر وعبارتها واضحة ، وكأنما جاءت لتؤكد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحصر رعايته واهتمامه للذين آمنوا به مهما كان مركزهم الاجتماعي وحالتهم المادية ولتكون جوابا على الزعماء الذين روي موقفهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفقراء المؤمنين في سياق الآيات السابقة لتقول لهم إن ما طلبوه لن يكون ، ولتهتف بهم بعد ذلك بأن ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الحق من الله ربّه وربّهم فمن شاء فليؤمن فينفع نفسه ومن شاء فليكفر فلا يضرّ إلّا نفسه ، لأن الله قد أعدّ لكل من الفريقين ما يتناسب مع اختياره من شديد العذاب وهائله ومن عظيم النعيم ووسائله. وليس الأمر أمر مساومة ومسايرة ولا يتحملهما. ومثل هذا الجواب والهتاف قد تكرر في مواقف مماثلة حكتها آيات عديدة مرّ بعضها ، حيث كانت المواقف تتكرر فتقتضي حكمة التنزيل تكرار الجواب والهتاف.

وقد تضمنت الآيات تثبيتا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتطمينا وبشرى للمؤمنين وإنذارا رهيبا للكفار. وأكدت المبدأ المحكم الذي احتوته آيات كثيرة بأن الناس يؤمنون ويكفرون وفق اختيارهم فيستحقون ما يستحقون من ثواب وعقاب حقا وعدلا.

ولقد روى الترمذي عن أبي سعيد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لسرادق النار أربعة جدر كثف كلّ جدار مثل مسيرة أربعين سنة» (١). والترهيب والإنذار من الحكمة الملموحة في الحديث كما هو المتبادر.

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٣٨٧.

٦٧

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤)) [٣٢ ـ ٤٤]

(١) حففناهما : لففناهما وطوقناهما من جميع الجوانب.

(٢) ولم تظلم منه شيئا : لم ينقص شيء من ثمره حيث كان وافرا من الجميع.

(٣) وكان له ثمر : الثمر هنا بمعنى كثرة المال الذي أثمر على صاحبه.

(٤) أعز نفرا : أقوى جماعة أو أنصارا أو أولادا.

(٥) تبيد : تهلك وتزول.

(٦) حسبانا : بلاء أو صاعقة.

(٧) صعيدا زلقا : أرضا يابسة تنزلق عنها القدم كناية عن شدة اليبوسة والجفاف.

(٨) غورا : غائرا في أعماق الأرض.

(٩) أحيط بثمره : كناية عن طروء البلاء على الجنات وثمرها.

٦٨

(١٠) الولاية : قرئت واوها بالفتح من الموالاة ، وتكون بمعنى في ذلك الوقت يكون النصر لله ، وبالكسر ويكون بمعنى الحكم والسلطان لله.

(١١) خير عقبا : خير عاقبة.

عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت أمرا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يضرب للكفار مثلا برجلين أحدهما كافر وثانيهما مؤمن. وكان للأول بستانان على أحسن حال من الزرع والغرس والماء والنمو. وكان له بسبب ذلك المال الوافر والقوة والأولاد والأنصار. فداخله الزهو وأخذ يتبجح أمام صاحبه المؤمن ويقول له إن ما هو فيه لن يزول وأنكر قيام الساعة ونيل ما هو خير مما عنده من عند الله. فرد عليه صاحبه مؤنبا على زهوه وخيلائه وكفره بالله وإنكاره قدرته مع أن الأولى به أن يحمده على نعمته عليه حتى يضمن دوامها وأعلنه تمسكه بإيمانه واعتماده على الله في تبديل حالته إلى خير من ثروته وجناته ، وأنذره بما يستطيع الله أن يفعله به من تسليط البلاء على جنته وتغوير مائها وجعلها أرضا يابسة. ثم لم يلبث أن حل بلاء الله في الجنة ورأى الكافر مصداق إنذار المؤمن فأظهر الحسرة على ماله الذي ذهب هباء والندم على ما بدا منه في جانب الله وإشراكه معه الشركاء. ولكن ذلك لم يغنه فلم يستطع أحد أن ينصره في موقفه من الله تعالى حيث يكون الحكم والسلطان والنصر لله تعالى وحده.

وجاءت الآية الأخيرة لتنبه على أن في مثل هذه المواقف يظهر البرهان الساطع على أن النصر الحقّ هو نصر الله وأن ما عنده هو الأفضل ثوابا وعاقبة.

تعليق على مثل الرجلين

اللذين كان لأحدهما جنتان

ولقد روي (١) أن هذا المثل قصة أخوين من قريش من بني مخزوم أحدهما مؤمن فقير وهو أبو سلمه عبد الله ، وثانيهما كافر غني وهو الأسود. كما روي أنه

__________________

(١) انظر الروايات والأقوال في تفسير الطبري والطبرسي والزمخشري والخازن.

٦٩

قصة أخوين من بني إسرائيل أحدهما مؤمن اسمه يهوذا وثانيهما كافر غني اسمه قطروس أو يمليخا. وقال بعض المفسرين باحتمال أن يكون هذا المثل تصويريا وتقديريا لمؤمن وكافر.

والذي نستلهمه من روح الآيات ومضمونها أن المثل في صدد حادث واقع أولا وأنه وقع في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثانيا. وعلى الأخص أنه ليس قصة إسرائيلية قديمة ولا تصويرية تقديرية وحسب. لأن الصورة التي تضمنها المثل صورة حجازية عربية سواء في الجنة ونخلها وأعنابها أم فيما ورد من حوار حولها أم في أشخاصها.

والصلة قائمة بين هذه الآيات والآيات السابقة ، والراجح أن ضمير (وَاضْرِبْ لَهُمْ) راجع إلى الكفار موضوع الكلام السابق وهو قول جمهور المفسرين أيضا. ولقد نددت الآيات السابقة بطبقة الزعماء والوجهاء التي كانت تتبجح بمركزها ومالها وقوتها وتحتقر فقراء المسلمين فجاءت هذه الآيات تسرد حادثا واقعا معروفا لهم لتدعم به ما جاء في الآيات السابقة من تقرير كون الفضل وأحسن العاقبة للإيمان والعمل الصالح وأن اعتداد الكفار بمالهم وقوتهم لن يغني عنهم من الله شيئا ثم تبثّ الطمأنينة والأمل في قلوب فقراء المؤمنين. وواضح أن المثل وتلقينه وما فيه من معالجة روحية مستمر المدى بالنسبة لكل موقف مماثل بين كافر ومؤمن.

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)) [٤٥ ـ ٤٦]

(١) اختلط به نبات الأرض : ارتوى به وكان سبب تكاثفه ونموه.

(٢) فأصبح : ثم أصبح.

٧٠

(٣) هشيما : جافا مكسرا ملقى على الأرض تحركه الرياح.

في الآية الأولى : أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يضرب مثلا آخر عن الحياة الدنيا فهي كالزرع الذي ينميه مطر السماء ثم لا يلبث أن يجف بعد قليل ويتكسر وتدفعه الرياح وتذروه ، وبأن ينذرهم بأن الله مقتدر على كل شيء.

وفي الآية الثانية : تقرير بأن المال والبنين هما زينة الحياة الدنيا التي مثلت في المثل والتي لن تلبث أن تزول ، وأن الأعمال الصالحة هي وحدها الباقية التي تحوز رضاء الله وتكون مناط الأمل وحسن الثواب عنده.

وقد جاءت الآية الثانية تعقيبية على الأولى وكنتيجة لها ، والآيتان متصلتان بما سبقهما كذلك وموجهتان للكفار ومستهدفتان نفس هدف المثل الأول وتلقينهما مستمر المدى مثله.

تعليق على آية

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) إلخ ...

وننبه على أنه ليس في هذه الآيات ولا في التي قبلها قصد تنفير المؤمنين من الحياة وزينتها وطيباتها ولا قصد ازدراء شأنها إطلاقا. فقد جاءت في صدد التنديد بزهو الكفار وتبجحهم وازدرائهم بفقراء المؤمنين وتقرير أفضلية الإيمان والعمل الصالح والحثّ عليهما. وإذا كانت قد تضمنت التذكير بأن الحياة الدنيا والمال والثروة والقوة أعراض زائلة وقصيرة الأمد فإن هذا بسبيل ذلك التنديد والحثّ والتقرير. وهو إلى هذا تقرير لواقع الأمر حقا بالنسبة للحياة الدنيا وعمر الإنسان فيها. والضابط المحكم في هذا الأمر آية سورة الأعراف : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣٢) وإذا كان من استدراك فهو ما تلهمه الآية التي قبل هذه الآية بخاصة والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة التي نبهنا عليها في مناسبات عديدة سابقة بعامة وهو الإيمان بالله والعمل الصالح والاعتدال وعدم الإسراف وعدم الاستغراق.

٧١

والجملة الثانية من الآية الثانية قد ورد ما يماثلها في سورة مريم وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.

(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)) [٤٧ ـ ٤٩]

(١) بارزة : مكشوفة.

(٢) فلم نغادر منهم أحدا : لم نترك أحدا لم نحشره أو نهمله.

(٣) مشفقين : خائفين.

(٤) ولا يظلم ربك أحدا : أحصى أعمالهم تماما بدون زيادة ولا نقص وعاملهم في ذلك بمنتهى العدل والحق.

في الآيات : وصف ليوم القيامة وفزع الكفار فيه لما تحقق به وعد الله الذي كانوا يشكون فيه. وعبارتها واضحة ، والوصف مخيف مفزع حقا ، وقد استهدف به كما هو المتبادر فيما استهدف إنذار السامعين وبخاصة الكافرين المجرمين وإثارة الرعب والفزع فيهم وحملهم على الارعواء.

والمتبادر أنها جاءت تعقيبية على ما قبلها حيث قررت الآيات السابقة أن العمل الصالح هو الباقي النافع وأن المال والبنين ليسوا إلّا زينة لمدة قصيرة ، ثم تزول فجاءت هذه الآيات منذرة بالقيامة وهو لها وكيف يجاء بهم مجردين مما كانوا يتفاخرون به وكيف يعرضون على النار ويواجهون بكتب أعمالهم التي أحصت كل شيء عليهم.

٧٢

ولقد روى البغوي بطرقه في سياق جملة (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) حديثا عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إنّكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١٠٤) وأول من يكنى يوم القيامة إبراهيم وإنّ ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول إنهم لما يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم» (١). وحديثا آخر عن عائشة قالت : «قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة؟ قال : عراة حفاة. قالت : قلت والنساء؟ قال : والنساء. قالت : قلت يا رسول الله أنستحي؟ قال : يا عائشة الأمر أشدّ من ذلك أن يهمّهم أن ينظر بعضهم إلى بعض» (٢).

والإيمان بما صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المشاهد الأخروية واجب مع الإيمان. فإنه لا بدّ من أن لذلك من حكمة. والترهيب والإنذار من الحكمة الملموحة في الحديثين مما فيه تساوق مع الهدف لذلك من حكمة. وقد يكون الإنذار والترهيب المنطويان في الحديثين من هذه الحكمة وفي ذلك تساوق مع الهدف القرآني أيضا. وقد يصح أن يقال إلى هذا استلهاما من روح الآيات ومقامها وسياقها أنه قد يكون انطوى فيها قصد تقرير كون الناس يحشرون مجردين من كل ما كانوا يعتزون به في الدنيا من مال وبنين وأنصار ليتحملوا بأنفسهم مسؤولية أعمالهم الإجرامية. بل ولعل هذا هو المقصود الجوهري من العبارة القرآنية في مقامها وسياقها وليس بين هذا وبين الحديثين تعارض كما هو واضح.

وكتب أعمال الناس ذكرت مرارا في السور السابقة وشرحنا موضوعها وعلقنا عليه في سياق سورة (ق) بخاصة بما يغني عن التكرار ، والعبارة هنا بسبيل تصوير

__________________

(١) آيات سورة المائدة [١١٧ ـ ١١٨] روى هذا الحديث الشيخان والترمذي أيضا انظر التاج ج ٥ ص ٣٣١.

(٢) وهذا الحديث أيضا رواه الشيخان والترمذي انظر المصدر نفسه.

٧٣

ما سوف يكون من قرع الكفار حينما يجدون كل ما عملوه محصى عليهم لا فرق بين صغيرة وكبيرة.

ولقد روى البغوي بطرقه عن سهل بن سعد في سياق جملة : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) حديثا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء فيه : «إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب مثل قوم نزلوا بطن واد فجاء هذا بعود وجاء هذا بعود وجاء هذا بعود فأنضجوا خبزتهم وإن محقرات الذنوب لموبقات». والحديث لم يرد بنصه في كتب الأحاديث الصحيحة. وقد أورد ابن كثير حديثا في معناه في نفس السياق عن سهل بن سعد من إخراج الطبراني وصحته محتملة. وفيه إن صحّ وصحته محتملة تحذير من التهاون من الذنوب الصغيرة.

ولقد احتوت آية سورة النجم [٣٢] ما يفيد أن الله تعالى يغفر الهفوات الصغيرة إذا اجتنب المسلم كبائر الإثم والفواحش ، ولسنا نرى في الحديث نقضا فإن المتبادر أن المقصود منه هو الاستمرار على الصغائر وليس الهفوات الصغيرة غير المقصودة وغير المستمر عليها.

والإشارة إلى تسيير الجبال يقصد به على ما تلهمه روح الآيات تصوير هول الآخرة ومشاهدها بالإضافة إلى ما في الخبر القرآني من حقيقة غيبية يجب الإيمان بها. ولقد تنوع ذكر مصير الجبال في الآخرة مما يمكن أن يكون قرينة على هذا القصد. والجبال تشغل من أذهان السامعين حيزا بسبب ضخامتها وعلوها مما يفسر حكمة التنزيل في تكرار ذكر مصائرها في الآخرة وهوانها على الله وقدرته.

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠)) [٥٠]

(١) فسق : عصى وتمرد.

٧٤

في الآية إشارة خاطفة إلى قصة إبليس وعصيانه لأمر الله بالسجود لآدم ، وسؤال استنكاري وتنديدي موجه للكفار لاتخاذهم إياه وذريته أولياء من دون الله وهم أعداؤهم الألداء.

وانتهت الآية بفقرة تنديدية قارعة ، فلبئس ما فعل الظالمون باستبدالهم ولاية إبليس وذريته بولاية الله تعالى.

والآية متصلة بالسياق اتصالا وثيقا من حيث كون سابقاتها خوفت الكفار وأنذرتهم فجاءت هذه لتقرعهم وتنبههم إلى أنهم في كفرهم إنما يتولون ويطيعون عدوهم إبليس.

والإشارة هي أقصر إشارة إلى قصة إبليس في القرآن ، والمتبادر أن الآية هي في صدد ما احتواه الشق الثاني من التقريع أكثر منها في صدد القصة ، والحجة فيها قوية ملزمة والتقريع لاذع محكم.

والمتبادر أن تعبير (اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دون الله) قد قصد به إطاعتهم فيما يزينون من انحرافات وآثام على اعتبار أن ما يرتكس الناس فيه من ذلك إنما هو من وساوس إبليس وتزييناته. وهو ما فتئت الآيات تكرره وتقرره وهذا المفهوم لم يكن مجهولا في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة (ص).

تعليق على وصف إبليس أنه من الجنّ

وما أورده المفسرون في صدده

ويلحظ أن الآية هنا تقرر بصراحة أن إبليس من الجن في حين أن آيات قصة إبليس وآدم الأخرى احتوت فقط حكاية قول إبليس إنه خلق من نار وإنه أفضل من آدم الذي خلق من طين وتراب.

ولقد أورد المفسرون (١) في سياق الآية روايات وأقوالا متنوعة ليس شيء

__________________

(١) انظر تفسير الآية في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.

٧٥

منها واردا في كتب الصحاح. منها أن الجنّ جيل من الملائكة ومنها أن كلمة الجنّ يصح إطلاقها لغة على الملائكة لأنها من الاجتنان وهو الاستتار والخفاء. والذين قالوا هذا تفادوا به مما وهموا أنه تناقض في مفهوم القرآن لأن مقتضى جميع القصة في السور الأخرى أن يكون إبليس من الملائكة لأنه استثني منهم حيث جاءت الجملة : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [٥٠] ولا نرى طائلا ولا ضرورة إلى ذلك. فالآية صريحة بأن إبليس شيء والملائكة شيء آخر. والذين قالوا إن الجنّ جيل من الملائكة وإن كلمة الجنّ يصح أن تطلق على الملائكة وإن إبليس من الملائكة قد غفلوا فيما يتبادر لنا عن تقريرات القرآن الصريحة الأخرى بأن الجان قد خلقوا من نار. وعن حكاية قول إبليس أنه خلق من نار مما فيه حسم في قصد تقرير كون إبليس من الجنّ الناري. وكذلك غفلوا عن جمع الجنّ والملائكة في سياق واحد وهو آيات سورة سبأ هذه : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) (٤١) ، مما فيه حسم بأن كلا منهم غير الآخر. ولقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من مارج من نار وخلق آدم ممّا وصف لكم» والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده هو المعتمد فيما فيه توضيح لما أجمله القرآن أو أطلقه أو سكت عنه وهذا الحديث من الأحاديث الصحيحة وقد انطوى على حسم آخر (١).

ولقد قال الزمخشري إن الفاء في كلمة (فَفَسَقَ) سببية لتقرير كون إبليس إنما فسق لأنه من الجن وليس من الملائكة.

ولقد أورد المفسرون (٢) في سياق هذه الآية بيانات كثيرة عن إبليس وذريته وتزاوجه وتناسله وأسماء أبنائه وحفدته وطرائق تصرفاتهم وتقسيمات وظائفهم إلخ دون ما سند ، وليس فيها ما هو وارد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي هو وحده المعتمد في مثل

__________________

(١) انظر التاج ج ٥ ص ٢٦٣.

(٢) انظر كتب التفسير السابقة الذكر.

٧٦

هذه البيانات. وليس في إيرادها طائل ولا ضرورة ، وأكثرها أدخل في نطاق الخيال والخرافة ، والواجب في هذا الأمر هو الوقوف عند ما وقف عنده القرآن دون تزيد ولا تخمين ، لأنه من الحقائق الإيمانية المغيبة ، مع ملاحظة الهدف القرآني الذي نبهنا عليه في المناسبات السابقة وبخاصة في سياق تفسير سورة (ص).

(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)) [٥١ ـ ٥٣]

(١) ما أشهدتهم : ما أحضرتهم. ومعناها هنا ما استشرتهم أو ما استعنت بهم.

(٢) موبقا : مهلكا أو برزخا حاجزا.

(٣) فظنوا : هنا بمعنى تيقنوا.

(٤) مصرفا : مخرجا أو معدلا إلى غيرها.

في الآيات :

١ ـ تقرير تنديدي بأن الله لم يستشر ولم يستعن بإبليس وذريته الذين يتخذهم الكافرون أولياء من دونه لا في خلق السموات والأرض ولا في خلق أنفسهم كما أنه لا يصح في العقل أن يتخذ الله المضلين الذين يزينون للناس الضلال والشرك أعضادا حتى يكون حينئذ مبرر للكافرين باتخاذهم أولياء وشركاء.

٢ ـ وحكاية لما سوف يخاطب الله المشركين به يوم القيامة حيث يتحداهم بدعوة شركائهم لنصرهم فيدعونهم فلم يلب دعوتهم أحد حيث يكون الله قد جعل بينهم برزخا حاجزا.

٣ ـ وإشارة إلى ما يكون من أمرهم حينئذ حيث يعرضون على النار فيتيقنون بأنهم واردوها وليس مناص ولا مصرف لهم عنها.

٧٧

وواضح أن الآيات استمرار للسياق في صدد تقريع الكفار وتسفيههم ، وقد أرجعنا ضمير الجمع الغائب في (أَشْهَدْتُهُمْ) إلى إبليس وذريته وأوّلنا الآية الأولى بما أوّلناها به استلهاما من روح الآيات والسياق وهو ما فعله المفسرون أيضا (١).

ومع أن الطبري أوّل كلمة (مَوْبِقاً) بمعنى هلاكا ومهلكا ، وأن هذا المعنى ورد في آية في سورة الشورى بمعنى الإهلاك أيضا وهي : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) [٣٤] فقد أورد الطبري في سياقها أقوالا معزوة إلى مجاهد وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك وقتادة أن الموبق هو واد في نار يوم القيامة ، أو واد عميق يفرق الله به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة ، أو واد في جهنم من قيح ودم. والتوقف في هذه الأقوال هو الأولى ما دامت لم تثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي هو المصدر الوحيد الوثيق لمثل هذه المشاهد الغيبية الأخروية.

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩)) [٥٤ ـ ٥٩]

(١) قبلا : عيانا أمامهم.

(٢) موئلا : ملجأ.

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير وغيرهم.

٧٨

في الآية الأولى تقرير تنديدي بطبيعة الإنسان الجدلية والمرائية. فإن الله قد ضمن القرآن أنواع الأمثال وقلّب فيه وجوه الكلام لتذكير الناس وإنذارهم ، ولكن طبيعة الجدل الغالبة في البشر تتحكم فيهم فتحول دون ارعوائهم وتذكرهم.

وهذه الآية يمكن أن تكون تعقيبية على الآيات السابقة ، كما يمكن أن تكون مقدمة للآيات التي بعدها ، ونحن نرجح هذا لأن الآيات التي جاءت بعدها ذكرت مجادلة الكفار بالباطل لدحض الحق تعنتا ومكابرة ولذلك جعلناها معها.

أما بقية الآيات فقد احتوت :

١ ـ تنديدا بالكفار : فقد جاءهم الهدى فكان الأحرى بهم أن يهتدوا ويؤمنوا ويتوبوا إلى الله ويستغفروه عما فرط منهم. ولكنهم امتنعوا كأنهم ينتظرون ليؤمنوا أن يأتيهم عذاب الله عيانا أو تأتيهم سنة الله في الأمم السابقة من البلاء الصاعق. وفي موقفهم هذا ما فيه من الحمق والتفريط.

٢ ـ وإشارة تقريعية إلى موقف الكفار : فإنهم بدلا من أن يهتدوا وينتفعوا بالهدى يلجأون إلى الجدل الباطل ليبطلوا به الحق ويغطوا عليه ، ويتخذوا آيات الله ونذره هزؤا وسخرية.

٣ ـ وتساؤلا تنديديا عما إذا كان يوجد من هو أشد ظلما وحمقا وانحرافا ممن يذكر بآيات الله ويدعى إلى الحق فيعرض ويتصامم ولا يبالي سوء العاقبة وما يقترفه من آثام.

٤ ـ وتعليلا لهذا الموقف : فإن الذين يقفون مثل هذا الموقف يكونون قد قست قلوبهم فلا تفقه دعوة الحق ، وصمّت آذانهم فلا تسمع كلمة الحق. فإذا دعوا إلى الهدى فلا يهتدون البتة بطبيعة الحال.

٥ ـ وتقريرا لحكمة الله في إمهالهم : فالله متصف بالغفران والرحمة من جهة فيتجاوز عن مثل هذا الطيش والتصامم رجاء أن يثوب أصحابها في النهاية إلى الحق ويرعووا عن موقفهم الباطل. واقتضت حكمته من جهة أخرى إمهالهم إلى

٧٩

موعد معين في علمه لن يجد الذين يصرون على ذلك الموقف من عذاب الله فيه موئلا ومهربا. ولو لا صفات الله تلك وحكمته هذه لعجّل لهم العذاب.

٦ ـ وتدليلا على ذلك بما كان من شأن الأمم السابقة : فقد ظلمت وانحرفت فأهلكها الله في الموعد الذي عينه لها.

وواضح أن الآيات استمرار للسياق أيضا ، وقد وجهت إلى العقول والقلوب معا بأسلوب قوي نافذ. وتعبير (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) هو تعبير أسلوبي سبق أمثاله في سورة (يس) وغيرها بقصد بيان شدة تعامي الكفار وتصاممهم عن الحق ، وأوّلناه بما أوّلناه لأن ذلك مما تلهمه الآيات سواء في تنديدها وتقريعها أم في إنذارها. كما أنه هو المتسق مع التقريرات القرآنية العامة على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة عدا أنه فيما هو المتبادر تسجيل لواقع أمرهم حين نزول الآية بدليل أن قلوب معظمهم تفتحت فيما بعد فاهتدوا وآمنوا. وهذا يقال أيضا بالنسبة للآية : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) (٥٥).

والمتبادر أن جملة (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) هي بسبيل التنديد بخلق المجادلة والمماراة الذي يكون في كثير من الناس وبخاصة الذي لا يكون من أجل الحق وإنما من أجل الباطل. وهو ما ذكر في آية أخرى من الآيات نفسها. وينطوي في ذلك تلقين مستمر المدى بتقبيح ذلك كما هو المتبادر.

ولقد أثرت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث متساوقة مع هذا التلقين أوردنا بعضها في سياق تفسير الآية [٥٨] من سورة الزخرف لأنها متناسبة معها. وهذه بعض أحاديث أخرى مطلقة المدى تتناسب مع الجملة التي نحن في صددها ، من ذلك حديث رواه الشيخان والنسائي عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم» (١). وحديث رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من ترك الكذب

__________________

(١) التاج ج ٣ ص ٦٣.

٨٠