التّفسير الحديث - ج ٥

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٥

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٨

المتكرر في سور عديدة بمسؤولية الناس عن أعمالهم واستحقاقهم جزاءها من الله عزوجل وقتها حقا وعدلا ويكون الذي ضلّ وانحرف منهم هو الذي ظلم بنفسه بذلك.

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤)) [٤١ ـ ٤٤]

في الآيات :

١ ـ تمثيل للذين يتخذون من دون الله شركاء وأولياء بالعنكبوت وبيتها ، فكما أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت وأوهاها فدين أولئك وعقيدتهم هي أوهى العقائد وأوهنها أيضا لو عقلوا وتفكّروا.

٢ ـ وتوكيد بأن الله يعلم حقائق ما يدعونه من دونه وأنه هو العزيز القادر على كل شيء الحكيم في كل شيء.

٣ ـ وتنبيه على أن الله إنما يضرب الأمثال للناس ليتبينوا الحقّ ويعقلوه وأن أصحاب الفهم والإدراك والعلم هم الجديرون بأن يعقلوها ويفهموا مرماها.

٤ ـ وتوكيد آخر بأن الله إنما خلق السموات والأرض بالحقّ ولحكمة جليلة ولم يخلقهما عبثا. وإن في ذلك آية يدركها المؤمنون الصادقون في رغباتهم ونياتهم.

وصلة الآيات بسابقاتها قائمة كما هو واضح. وقد جاءت بمثابة تعقيب عليها. والخطاب فيها قوي نافذ. واحتوت تنديدا بالشرك والمشركين وعقولهم وتنويها بالمؤمنين والذين يقنعون بالبرهان حينما يقوم لهم ويفهمون الأمثال حينما تضرب لهم. والآية الثالثة توكيد سقوط أي أهلية وعدم احتمال أي نفع في من

٤٨١

يدعوهم المشركون من دون الله. وكان عليهم أن يدركوا ذلك لو كانوا عقلاء.

تعليق على آية

(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ)

وهذه الآية جديرة بالتعليق من حيث احتواؤها تنويها بالعلماء الذين يؤهلهم علمهم لفهم الأمور والأمثال والاتعاظ بها. وقد تكرر هذا المعنى في آيات كثيرة في سور سابقة حيث ينطوي في ذلك توكيد التنويه من جهة ، وحثّ الناس على توسيع حدود معارفهم من جهة ، وتبيين مسؤولية العلماء وواجبهم في تدبّر مختلف الشؤون وتبيينها للناس من جهة ، والوقوف منها عند حدود ما يقتضيه الحقّ والعلم من غير تجاوز ولا تغافل من جهة.

وإطلاق الفصل يدل على أن كل ذلك شامل لمتنوع مراتب وصفات العلم والعلماء بحيث يشمل شؤون الدين والدنيا معا كما هو المتبادر.

ولقد جاء في سورة فاطر تنويه بالعلماء ، وعلقنا عليه تعليقا وافيا فنكتفي هنا بما تقدم.

ولقد روى البغوي في سياق هذه الآية بطرقه حديثا عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلا هذه الآية فقال : «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه». وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولا نرى فيه إذا صحّ ما ينتقض مع ما قلناه من شمول الكلمة من حيث إن العالم الحق مهما كان العلم الذي يشتغل فيه لا بد من أن يدرك من آيات الله تعالى المتنوعة في كونه ومن آيات القرآن وجوب وجود الله والإيمان به وبرسالة خاتم رسله وبوجوب طاعته واجتناب ما يسخطه.

(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥)) [٤٥]

٤٨٢

احتوت الآية :

١ ـ أمرا للنبي عليه‌السلام بالاستمرار في تلاوة ما أوحاه الله إليه من كتاب وفي إقامة الصلاة له وذكره.

٢ ـ وتثبيتا له بأن الله يعلم ما يصنع الناس وعليه حسابهم.

٣ ـ واستطرادا تنبيهيا بما للصلاة من أثر في تجنيب الذين يقيمونها للفحشاء والمنكر وبكون ذكر الله عزوجل هو الأكبر.

والآية تحتوي على ما يتبادر لنا تعقيبا على الآيات السابقة حيث تضمنت تثبيتا للنبي وتلقينا بأن لا يبالي بالمشركين وما يدعون من دون الله وبأن يستمر في تلاوة كتاب الله على الناس والصلاة له ففيها الوسيلة الكبرى لاجتناب الفحشاء والمنكر ما هو من الكبائر التي نهى عنهما القرآن. ومن تحصيل الحاصل أن يكون ما احتوته من أمر وتلقين واستطراد موجهة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المسلمين في كل زمن ومكان.

ولقد علقنا على الصلاة وأثرها في سياق سورة العلق بما فيه الكفاية ، وأوردنا هناك بعض الأحاديث النبوية الواردة في الصلاة وأثرها في الصادقين وغير الصادقين في صلاتهم. وكون الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر لا يمكن أن تكون صلاة صادقة فنكتفي بالتذكير دون الإعادة. غير أن البغوي روى في سياق تفسير الآية حديثين رأينا أن نوردهما بدورنا لما فيهما من تأييد وتلقين وصور حيث روى عن أنس قال : «كان فتى من الأنصار يصلّي الخمس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم لا يدع شيئا من الفواحش إلّا ركبه فوصف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاله ، فقال : إن صلاته تنهاه يوما. فلم يلبث أن تاب وحسن حاله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألم أقل لكم إن صلاته تنهاه يوما». وحديث روي عن جابر قال : «قال رجل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن رجلا يقرأ القرآن الليل كلّه فإذا أصبح سرق قال ستنهاه قراءته ، وفي رواية قيل يا رسول الله إن فلانا يقرأ بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه». والحديثان لم يردا في كتب الأحاديث الصحيحة. فالمتبادر إذا صحّا ولا مانع من صحتهما فيكون

٤٨٣

الشخص ممن دخل الإسلام حديثا وكانت له عادات منكرة فتوقع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقلع عنها حينما يرسخ الإيمان في قلبه ويتأثر بذكر الله والصلاة. فكان ما توقّعه. والتلقين في الحديثين هو الأمل في تأثير ذكر الله والصلاة على كل حال فيمن تكون له عادات منكرة.

تأويل جملة

(وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ)

وما ورد في ذلك من أحاديث

ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون لجملة (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) منها أنها بمعنى ذكر الله إيّاكم إذا ما ذكرتموه بالصلاة وغيرها أكبر من ذكركم إيّاه. أي من باب مضاعفة الله للحسنات. ومنها أنها بمعنى ذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية. ومنها أنها بمعنى ذكر الله أفضل من كل شيء. وقد نبّه أصحاب هذا القول على أن الصلاة هي من ذكر الله ويكون المعنى بالتالي أن الصلاة التي هي ذكر الله أكبر من كل شيء وأفضل من كل شيء. ومنها أنها بمعنى ذكر الله في الصلاة أكبر من الصلاة ويكون المعنى بالتالي أن الصلاة هي وسيلة إلى ذكر الله الذي هو الهدف الأكبر منها ، وإن نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر بسبب ذكر المرء لله تعالى فيها فيتقيه ويخشاه ويتجنب ما نهي عنه من الكبائر. والأقوال جميعها وجيهة. وقد صوّب الطبري القول الأول. وقد يتبادر أن القول الأخير على ضوء الشرح الذي شرحناه أكثر وجاهة. والله أعلم.

ولقد روى البغوي بطرقه أحاديث نبوية عديدة في سياق هذه الجملة وفي صدد فضل ذكر الله. واحدا عن أبي الدرداء قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله». وثانيا عن أبي سعيد الخدري جاء فيه : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل أيّ العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة قال : الذاكرون الله كثيرا

٤٨٤

والذاكرات. قيل يا رسول الله والغازي في سبيل الله قال لو ضرب بسيفه في الكفّار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما فإن الذاكر لله أفضل منه درجة». وثالثا جاء فيه «أنّ أعرابيا قال يا رسول الله أيّ الأعمال أفضل؟ قال : أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله». ورابعا عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يقعد قوم يذكرون الله إلّا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده».

وهذه الأحاديث لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. والمتبادر إذا صحّت أنها في الحثّ على ذكر الله الذي يؤثر في نفس المسلم فيجعله يقدم على كل ما أمر الله به وينتهي عن كل ما نهى عنه. بحيث يصح أن يقال كما قيل في الصلاة وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأوردناه في التعليق على الصلاة في سورة العلق. إن تحريك اللسان بذكر الله تحريكا آليا بدون وعي وصدق وإيمان وبدون أن يكون له أثر في سلوكه نحو الله والناس لا يمكن أن يكون له الفضل العظيم الذي نوهّت به الأحاديث.

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩)) [٤٦ ـ ٤٩]

في الآيات :

١ ـ أمر بصيغة الجمع المخاطب التي يمكن أن تدلّ على أن الأمر موجّه إلى النبي عليه‌السلام والمسلمين معا باستعمال اللين والمحاسنة في الجدل مع أهل الكتاب باستثناء الذين يبغون ويتجاوزون حدود الحقّ والإنصاف منهم. وبإعلانهم

٤٨٥

أنهم متفقون معهم في المبدأ والجوهر. فهم مؤمنون بما أنزل إليهم كما هم مؤمنون بما أنزل إلى النبيّ محمّد عليه‌السلام وهم يعبدون ويعترفون بنفس الإله الذي يعبدونه ويعترفون به. وهم مسلمون أنفسهم إليه.

٢ ـ وتنبيه موجّه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتضمن التوكيد والتثبيت بأن الله قد أنزل إليه الكتاب كما أنزل الكتب من قبله على الأنبياء السابقين وبأن أهل الكتاب يؤمنون بكتب الله ومنهم من يؤمن بالكتاب الذي أنزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبعا لذلك لما يرون فيه من المطابقة في الأسس والجوهر. ولا يمكن أن يجحد بآيات الله ويكابر فيها إلّا من صمّم على الكفر والعناد والمكابرة.

٣ ـ وتوكيد بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يتلو من قبل القرآن كتابا ، ولم يكن يخطّ بيده كتابا حتى يمكن أن يكون هناك محلّ لريبة المبطلين الجاحدين ومكابرتهم.

٤ ـ وتوكيد آخر بأن آيات الله التي يتلوها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم متسقة في جوهرها وروحها وروحانيتها مع آيات الكتب الربانية التي يعرفها الذين أوتوا العلم والتي قد تشبّعت بها نفوسهم وصدورهم.

تعليق على آية

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)

والآيات التي بعدها

ولم نطلع على رواية ما تذكر سببا لنزول هذا الفصل الذي قد يبدو فصلا جديدا لا صلة له بالآيات السابقة ، ومع ذلك فإن المتبادر من آياته أنها نزلت في مناسبة موقف من مواقف الجدل في موضوع القرآن ووحيه الإلهي اشترك فيه فريق من أهل الكتاب وفريق من المؤمنين مع النبي ، وربما فريق من الكفار أيضا. ولعل هذا الجدل نشب على أثر الفصل القصصي والآيات المعقبة عليه. فوضعت آيات الفصل بعدها. وإذا صحّ الاحتمال الأخير فيكون شيء من الصلة بين هذا الفصل وما سبقه.

٤٨٦

والآية [٤٧] بخاصة تلهم أنه كان من نقاط الجدل القائم مما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الكتب السماوية المتداولة بين أيدي أهل الكتاب. وأن المجادلين كانوا يتخذون ذلك وسيلة إلى الطعن بالقرآن ولدعوى اقتباس النبي من هذه الكتب. فردّت الآية بعدها على هذه النقطة ردا قويا على النحو الذي شرحناه.

والنفي المذكور في الآية [٤٨] يحتمل أن يكون أريد به نفي تلاوة النبي كتابا ما من الكتب السماوية أو الاطلاع عليه قبل القرآن أو كتابته أو نفي القراءة والكتابة بالمرة عنه تدعيما لحجة كونه لم يقرأ الكتب السماوية ولم يكتبها لأنه لم يكن يحسن ذلك ، وبالتالي دحضا لدعوى اقتباسه من الكتب السماوية. والإطلاق في النفي أو تنكير المنفي مما يمكن أن يكون قرينة على أن المراد هو الاحتمال الثاني.

وإطلاق النفي في الآية وأسلوبها ينطويان على التحدي والتنديد والتذكير. فكأنما أريد أن يقال إن المجادلين المدّعين يعرفون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يقرأ ويكتب ، وبالتالي لم يتسن له قراءة الكتب السماوية وكتابتها. وإذا لا حظنا أن هذا النفي يتلى علنا ويسمعه الناس من كتابيّين وغير كتابيّين أدركنا ما فيه من قوّة الردّ على دعوى المدّعين وتحدّيها وتزييفها.

ويتبادر لنا أن النفي منصبّ على القراءة والكتابة الشخصيتين. وهذا لا ينفي أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمع من بعض الكتابيين شيئا من أسفار العهد القديم والعهد الجديد التي كانوا يتداولونها وينسبونها إلى أنبيائهم ، مما ذكرت شيئا منه بعض الروايات وذكرناه في سياق تفسير سورتي النحل والفرقان.

ولقد قلنا إن الآية [٤٧] تلهم أن من نقاط الجدل القائم ما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الأسفار المذكورة آنفا. ولسنا نرى في هذا إشكالا مؤيدا لدعوى المدعين. فكل ما كان يتلوه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من آيات القرآن المحكمة والمتشابهة من وحي الله الذي كان ينزل على قلبه اقتضته حكمة التنزيل ولو كان فيه تطابق مع الأسفار وقد سيق في القرآن للعبرة والموعظة لا للتاريخ.

٤٨٧

وأسلوب الآيات قوي رصين ، يلهم أن النبي عليه‌السلام كان في موقف المستعلي المنتصر فيما يبديه من حجج ويبدو منه من قوة وإفحام وإلزام للمكابرين المعاندين من العرب والكتابيين معا.

ومع أنه لا خلاف في مكية الآيات فإن بعض المفسرين (١) ذكروا في سياق تفسيرها عزوا إلى أهل التأويل أو تأويلا من عندهم أنها في صدد الحجاج مع يهود المدينة ، وذكروا اسم عبد الله بن سلام وغيره من مسلمي اليهود وقالوا (٢) إنهم الذين عنتهم الآية [٤٧] بتعبير (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) كما ذكروا أن الذين عنتهم جملة (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) هم الذين نبذوا الذمة ومنعوا الجزية عامة ، وكعب بن الأشرف وزملاءه من اليهود خاصة. وهذا نموذج لكثير من الأقوال التي خلط فيها بين مدى ومدلول ومناسبة الآيات المكيّة والمدنيّة وظروف العهد المكيّ والمدنيّ. وبعض المفسرين قال إن كلمة (هؤُلاءِ) تعني قريشا (٣) وبعضهم (٤) قال إنها تعني المسلمين بالإضافة إلى ما قاله بعضهم إنها تعني الكتابيين. وبعضهم أرجع ضمير (بِهِ) إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعضهم أرجعه إلى القرآن (٥). ونرجو أن يكون ما أوردناه في شرح الآيات هو الصواب إن شاء الله.

وتعبير (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) صريح قاطع بأن النبي عليه‌السلام لم يكن يكتب ويقرأ. أما تعبير (وَالْأُمِّيِّينَ) [آل عمران : ٢٠] فلا يعني ذلك بهذه الصراحة والقطعية. ولا سيما أن هذه الكلمة استعملت هي وجمعها في القرآن للدلالة على غير الكتابيين أو على العرب الذين ليسوا كتابيين كما ترى في آية آل عمران هذه : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ

__________________

(١) انظر مثلا تفسير الطبري والبغوي والخازن.

(٢) انظر المصدر نفسه.

(٣) انظر الطبري والخازن.

(٤) انظر المصدر نفسه.

(٥) انظر المصدر نفسه.

٤٨٨

وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٢٠) ولقد كان من العرب كثيرون يقرأون ويكتبون كما هو ثابت.

وبالرغم من هذه الصراحة فإن كايتاني (١) وغيره من المستشرقين ظلوا يصرون على دعوى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ ويكتب ومنهم من قال إنه كان يخفي ذلك ويراوغ فيه فلا يثبته ولا ينفيه لأنه يعرف أن منهم من كان يعرفه فيه. ولو تذكروا بأن هذا مما قد يكون وجّه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مباشرة وأن القرآن قد ردّ عليه وزيّفه علنا وبصراحة قطعية ، وأن أصحابه وأخصاءه كانوا يتلون هذا الردّ الصريح القطعي لوفروا على أنفسهم التعب ولما عرّضوها لتهمة الغرض والعناد بل والوقاحة والكذب. فلا يمكن أن يعلن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلسان القرآن وبأسلوب قاطع صريح أنه لا يقرأ ولا يكتب لو كان يقرأ ويكتب ، ولا سيما لو كان أصحابه يعرفون ذلك فيه. لأنه يثير حالة شكّ هؤلاء في ربانية القرآن وصدق النبي وهذا وذاك من الخطورة بمكان عظيم.

إنه قال : «كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» (٢). وقد أوردوا مع هذا الحديث حديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي ثملة الأنصاري قال : «بينما هو جالس عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءه رجل من اليهود فقال يا محمّد هل تتكلّم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله : الله أعلم ، قال اليهودي : أنا أشهد أنها تتكلّم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذّبوهم وإن كان باطلا لم تصدّقوهم».

__________________

(١) انظر الجزء الأول من كتابه تاريخ الإسلام.

(٢) ورد هذا الحديث في التاج برواية البخاري عن أبي هريرة بفرق يسير وهو (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ...) الآية [البقرة : ١٣٦] ج ٤ ص ٤٣.

٤٨٩

ومع واجب المسلم بالتزام التعليم النبوي إزاء ما يحدّثهم به أهل الكتاب فإنه يتبادر لنا أن ذلك إنما هو في ما ليس مغايرا أو ناقضا لما جاء في القرآن من مبادئ وأخبار ، هذا أولا. وثانيا إنه يتبادر لنا من روح الآية ومقامها أن المقصود بما احتوته من نهي واستثناء هو الجدل حول نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصلة القرآن بالله تعالى وليس الموقف الواجب وقوفه إزاء ما يحدثون به إطلاقا كما تلقاه المؤولون والمفسرون على ما هو المستفاد من كلامهم.

وليس في الحديثين ما يفيد ذلك. وقد صدرا عن رسول الله في المدينة في مناسبة أو مناسبات أخرى كما هو مستفاد منهما والله تعالى أعلم.

على أن هذا لا يمنع القول أن الاستثناء هو لا لأمر واقع وإنما لأمر قد يكون رسمت الخطة له إذا وقع. وقد يكون من الدلائل على ذلك أنه ليس هناك رواية ما تذكر أن كتابيين على دينهم في مكة حينما فتحها الله على رسوله في السنة الهجرية الثامنة. والسورة من آخر ما نزل في مكة فلو كان بقي كتابيون لم ينضموا إلى الإسلام في مكة وكانوا يجادلون النبي ويغلظون في الجدال لكانت الروايات ذكرت ما صار عليه شأنهم حين فتح مكة. وليس مما يعقل أن يكونوا كلّهم قد تواروا بالموت أثناء هذه المدة.

ولقد علم الله أن يهود يثرب التي أزمع النبي الهجرة إليها في ظروف نزول هذه الآيات سيقفون منه موقف المجادل الظالم فرسمت له الخطة معهم في هذه الآية والله تعالى أعلم.

والمستشرقون في عنادهم ودعواهم يقيسون الحاضر على الماضي فيؤدي القياس بهم إلى استحالة أن لا يكون النبي قارئا كاتبا مطلعا على الكتب السماوية. وهم مخطئون في قياسهم لأن الفرق عظيم بين الحاضر وذلك الماضي من مختلف النواحي.

والخطة التي ترسمها الآية الأولى جديرة بالملاحظة أيضا. فكأنما أريد بها القول إنه ليس من محلّ لخلاف ونزاع بين المسلمين والكتابيين من حيث المبدأ

٤٩٠

والجوهر. وإن التخاطب بالحسنى جدير بأن ييسّر التفاهم والتمازج بينهم. أما إذا ظهر منهم شاذون فإنما يصدرون في شذوذهم عن سوء النية والعدوان والظلم. ومن واجب المسلمين أن يقابلوهم بما يستحقون فالخطة عظيمة رائعة لأنها تقوم على أساس الحقّ والعدل من جهة وعلى الرغبة الصادقة من ناحية المسلمين في توطيد التفاهم والتمازج من جهة أخرى.

والاستثناء الذي احتوته الآية وفحوى الآيات عامة يدلان على أن فريقا من أهل الكتاب كان معاندا مكابرا في موقف الجدل والحجاج إلى جانب فريق آخر كان مؤمنا مصدقا. وفي هذا صورة من صور العهد المكي حيث كان من العرب مؤمنون وكافرون وكان إلى جانبهم من الكتابيين مؤمنون وكافرون أيضا. وقد شرحنا ذلك في مناسبات سابقة وبيّنا أسبابه التي هي أسباب شخصية ونفعية دنيوية. وقد آمن بالرسالة المحمدية وصدق صلة القرآن بالله كل من استطاع أن يتفلّت من هذه الأسباب منهم كما ذكرته آيات عديدة مرّت في سور عديدة ، واستمر هذا المظهر في العهد المدني أيضا على ما سوف يرد شرحه بعد.

ولقد رسمت الخطة الآنفة الذكر في الآية [١٢٥] من سورة النحل إزاء كل الناس وبدون استثناء (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ويظن كما قلنا أن بعض الكتابيين الجاحدين كانوا في جدلهم معاندين مكابرين بل بذيئين سيئي الأدب. فاقتضت حكمة التنزيل تنزيل الاستثناء في الآية [٤٦].

هذا ويتبادر والله أعلم أن آية (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) قد هدفت فيما هدفت إليه تقرير كون ما في القرآن وحي رباني ونفي كونه مقتبسا من كتب سابقة كانت متداولة. وهذا ما كان ينسبه إليه المشركون في جدالهم معه على ما تتضمنه الآية الرابعة والخامسة من سورة الفرقان : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً

٤٩١

وَأَصِيلاً) (٥). وصيغة الآية التالية تدلّ على أنهم كانوا يعرفون أنه لا يقرأ ولا يكتب وأنه كان يستكتب ما في الكتب السابقة وتملى عليه ليحفظها. وآية (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) في سورة النحل تفيد وتحكي نفس القول عنهم فهدفت الآية التي نحن في صددها بنفي ذلك مرة أخرى بالأسلوب الذي جاءت فيه والله أعلم. وفي القرآن آيات كثيرة جدا تقرر أن ما في القرآن جميعه وحي منزل من الله وبعلمه ومن ذلك آيات سورة الشعراء [١٩١ ـ ١٩٢ ـ ١٩٣ ـ ١٩٤ ـ ١٩٥ ـ ١٩٦]. ومجموعة آيات سورة النساء [١٦٢ ـ ١٦٣ ـ ١٦٤].

استطراد إلى مسألة مكتسبات

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل النبوّة

وقد يتبادر لبعضهم استلهاما من آية (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يعرف شيئا من أحوال وقصص الأمم السابقة وأنبيائهم قبل نزول الوحي عليه. بل إن هذا قد قاله غير واحد من علماء المسلمين ومفسريهم القدماء وهذا غير سليم بل مستغرب. فالآية إنما هدفت لنفي كون ما في القرآن من ذلك مقتبسا من الكتب المتداولة السابقة وهذا حقّ وصدق على ما شرحناه سابقا. ولكن هذا شيء وكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يعرف من أحوال وقصص الأمم السابقة شيئا قبل الوحي شيء آخر. إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد عاش خمسا وعشرين عاما قبل النبوّة في حالة وعي تام منذ بدء شبابه. وكان من أرجح العقول ذا ذهن متفتح متحرر يبحث عن الحقّ والحقيقة في مسائل الدين وأحوال الأمم السابقة وأديانها. ولقد كان في مكة أفراد من أهل الكتاب على شيء من العلم كان يلتقي بهم خلال هذه الفترة ويسمع منهم ويتحادث معهم وهذا ما أيّدته روايات عديدة وأشارت إليه ضمنا آيات قرآنية هي : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) [الفرقان : ٤]

٤٩٢

وكانوا يعرفون أنه لا يقرأ ولا يكتب ؛ فقالوا كما ورد في سورة الفرقان (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٥). وجاء مثل هذه الإشارة في آية سورة النحل (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [١٠٣] على ما شرحناه في سياق السورتين المذكورتين. ولقد كان ابن عم زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها ورقة بن نوفل متنصّرا يقرأ الكتب بالعبرانية على ما ذكرته بعض الأحاديث وهو الذي روى أنه تولّى تزويجه من السيدة خديجة فلا بدّ من أنه تردّد عليه كثيرا وسمع منه أيضا وقد قام برحلات إلى بلاد الشام مع أمه ثم في شبابه وكيلا تجاريا عن السيدة خديجة وربما ذهب إلى ما وراء الشام أيضا أي فلسطين ومصر بعدها. وفي سورة الصافات آية تذكر ما يفيد أن قوافل التجار الحجازيين كانت تمرّ بقرى لوط المدمرة على ضفاف بحر الميت بين عمان والقدس وهي (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الصافات : ١٣٣ ـ ١٣٨] ولا بد من أن يكون التقى في رحلته بكثير من الناس ذوي العلم والمعرفة وتحدث معهم وسمع منهم. كما لا بد من أن يكون قد التقى بآلاف الناس في بيئته على اختلاف فئاتهم ومعارفهم وسمع منهم وتحدّث معهم ، فمن الطبيعي جدا الذي لا يمكن أن يرد إلى العقل غيره هو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد وعى واختزن في ذاكرته كثيرا مما سمع من أحوال وقصص وأخبار أهل الكتاب وقصصهم وأحوال الأمم السابقة وأحوال بيئته الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية وكل ذلك مما أهّله مع ما تحلّى به من عقل راجح وذهن وقّاد متفتح ورغبة في الحقيقة الربانية ووجدان لها للرسالة العظمى التي اصطفاه الله لها. ولا يتعارض هذا كما هو المتبادر مع ما نزل به الوحي في مثل تلك الأمور. فالوحي القرآني نزل بما اقتضته حكمة التنزيل لتحقيق الهدف المستهدف منها. وهذا شيء وكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يعرف منها شيئا قليلا أو كثيرا قبل نبوته شيء آخر والله تعالى أعلم.

٤٩٣

وبعض المفسرين (١) قالوا إن المقصود بجملة (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) هو النهي عن مجادلتهم فيما يخبرون به ، وأوردوا حديثا عن النبي عليه‌السلام رواه أبو هريرة رضي الله عنه جاء فيه «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم إله واحد ونحن له مسلمون».

وبعض المفسرين قالوا (٢) إن هذه الآية منسوخة بآية السيف وإنه لم يعد من خطته مع أهل الكتاب إلّا قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ، استنادا إلى آية التوبة [٢٩] ونصّها (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ). وقال آخرون (٣) بل هي محكمة ولا يصح قتال غير الظالمين المعتدين منهم. وسيرة الرسول عليه‌السلام وتلقينات آية سورة التوبة وغيرها في جانب القول الثاني دون الأول. وقد شرحنا ذلك بما فيه الكفاية في سياق سورة (الكافرون). وسنذكر ظروف آية التوبة ومداها حينما يأتي دور تفسيرها إن شاء الله.

وفي صدد جملة (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) نقول إننا علّقنا على جملة مماثلة في سورة الشورى وما ينبغي أن تكون عليه عقيدة المسلم في كتب الكتابيين المنسوبة إلى الله تعالى أو المحتوية لأقوال أنبيائهم بما فيه الكفاية فلا نرى حاجة للإعادة أو الزيادة ، إلّا القول إن اختلاف الصيغة هنا عنها في سورة الشورى مردّه على ما هو المتبادر إلى صيغة الخطاب الموجّه في كلّ من الآيتين في كل من السورتين. فهو في آية الشورى موجّه للنبي فجاء بصيغة الخطاب المفرد وهو هنا موجّه للمسلمين فجاء بصيغة الخطاب الجمع. وصار الأمر القرآني

__________________

(١) انظر تفسيرها في الطبري والخازن والبغوي وابن كثير.

(٢) انظر الكتب المذكورة أيضا.

(٣) انظر الطبري.

٤٩٤

في هذا الموضوع الخطير بالصيغتين شاملا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين معا. [٥٠ ـ ٥٢]

(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢))

في هذه الآيات :

١ ـ حكاية لتحدّ وجّهه الكفار إلى النبي عليه‌السلام بالإتيان بالمعجزات والخوارق برهانا على صلته بالله.

٢ ـ وأمر للنبي بالردّ عليهم بأن المعجزات والخوارق بيد الله وبأنه ليس إلّا نذيرا مبيّنا للناس بأمر الله الطريق التي يجب أن يسيروا فيها.

٣ ـ وتساؤل في معرض الاستنكار عمّا إذا لم يكن فيما أوحى الله إلى النبي من كتاب الله الذي يتلى عليهم ما يكفيهم ويقنعهم. ففيه رحمة وتذكرة ربانيتان لا ريب فيهما لمن يؤمن أو يرغب في الإيمان حقا.

٤ ـ وأمر آخر للنبي بإعلان المجادلين المتحدّين بأن يجعل الله بينه وبينهم شاهدا وحكما وفي ذلك الكفاية والبلاغ. فهو يعلم بكل ما في السموات والأرض ويعرف المحقّ من المبطل والصادق من الكاذب ؛ مع التوكيد بأن الخاسرين في هذا الاستشهاد والاحتكام هم المكابرون المصممون على الكفر المتمسكون بالباطل.

ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزول الآية الأولى. وكل ما قالوه إنها ردّ على الكفار الذين طلبوا من النبي آية من ربّه تؤيده في دعواه. ولقد روى الطبري في سياق الآية الثانية [٥١] عن جعدة بن يحيى أن ناسا من المسلمين أتوا نبي الله

٤٩٥

بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود فلما نظر فيها ألقاها ثم قال كفى بها حماقة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء غير نبيهم به إلى قوم غيرهم فنزلت الآية.

والرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. وهي مدنية الطابع في حين أنه لا خلاف في مكية الآية. وبالإضافة إلى هذا فإن الآية منسجمة أشدّ الانسجام نظما وموضوعا بما قبلها وما بعدها. والخطاب فيها موجّه إلى الذين تحدّوا النبي باستنزال آية من ربّه. حيث يصحّ القول إن الرواية غير محتملة الصحة كمناسبة لنزول الآية. وكل ما يمكن أن يصحّ إذا صحّت الرواية أن يكون النبي قد ردّ على الذين ظنوا أنهم فعلوا صوابا بنقلهم بعض ما يقوله اليهود وأن الآية تليت في هذه المناسبة. والذي يتبادر لنا أن الآيات استمرار في حكاية موقف الجدل الذي بدئت به الآيات السابقة ومتصلة بالسياق. ومن المحتمل أن يكون التحدي من جاحدي الكتابيين كما يحتمل أن يكون من جاحدي المشركين. وإن كانت الآيات التالية لهذه الآيات ترجّح الاحتمال الثاني.

تعليق على آية

(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ...) وآية

(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ...)

وتحدّي الكفار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإتيان بالمعجزات والآيات كان يتكرر في كل مناسبة جدلية على ما حكته آيات عديدة في سور عديدة سبق تفسيرها. وقد اقتضت حكمة الله أن لا يظهر على يد رسوله معجزة إجابة للتحدي وبرهانا على صدق رسالته لأن هذه الرسالة في غنى عن المعجزة مما انطوى في آيات كثيرة وشرحناه في سياق سورة المدثر وكان جواب القرآن لهم منطويا على ذلك المعنى ، ثم على ما انطوى في هذه الآيات في مواضع عديدة من أن القرآن آية عظمى فيها المقنع لمن حسنت نيته ورغب في الحق والهدى. وقد يرد على البال معجزة انشقاق القمر وقد شرحنا هذا الأمر في سياق تفسير سورة القمر بما يغني عن التكرار.

٤٩٦

والتساؤل الاستنكاري الذي ابتدأت به الآية [٥١] ينطوي على تنديد قوي لمن غلظ قلبه وخبثت نيته وعميت بصيرته فلم ير نور القرآن الهادي السنيّ ولم ينفذ إليه روحه وروحانيته وظلّ يعاند ويتحدّى ، كما أن الآية تجمعت فيها قوة رائعة في تقرير كون القرآن هو أعظم آية مصدقة لنبوّة النبي فيما احتواه من الرحمة والتذكرة البالغة والأسس الكافلة لصلاح الدين والدنيا. والردّ الذي احتوته انطوى في الوقت نفسه على الردّ على ما كان يقوم في أذهان الكفار من لزوم حدوث الخوارق في معرض تأييد نبوة النبي ودعوته. فليس ذلك من الضروري في صدد الدعوة إلى الحقّ والهدى. لأن في طبيعة الدعوة ومبادئها وأهدافها المبينة في القرآن مؤيدات كافية لصدق النبي في دعوته وصلتها بوحي الله. وهي مؤيدات خالدة قائمة للعيان في كل آن في حين أن الخوارق غير متصلة بطبيعة وأهداف الدعوة وغير دائمة. وكانت دائما موضع نقاش وتكذيب ولم تفد في تأييد دعوة الأنبياء السابقين وبخاصة بالنسبة للذين بيتوا الجحود والتكذيب لأسباب شخصية واستكبارا في الأرض ومكر السيّء. وروح الآيات ، كما أن نصوص وروح الآيات الكثيرة انطوت على هذا الردّ أو ما في معناه مما مرّ منه أمثلة كثيرة.

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥)) [٥٣ ـ ٥٥]

في هذه الآيات :

١ ـ حكاية لتحدّي الكفار للنبي بالتعجيل بالعذاب الذي ينذرهم به في معرض الاستخفاف والاستهزاء.

٢ ـ وردّ عليهم بأنه لو لا اقتضاء حكمة الله بتأجيل العذاب إلى أجل معين في علمه لجاءهم فورا كما يطلبون.

٤٩٧

٣ ـ وتوكيد بأن العذاب واقع عليهم حتما وسيفاجئهم مفاجأة دون أن يشعروا بمقدماته ، وبأن جهنّم معدّة لهم في الآخرة دون أن يفلت منهم أحد ، وبأن العذاب سوف يغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقال لهم حينئذ ذوقوا ما كنتم تعملون.

قال البغوي إن الآيات نزلت في النضر بن الحارث حين قال : «فأمطر علينا حجارة من السماء» ولم يعز المفسر هذا إلى أحد ولم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولقد حكت إحدى آيات سورة الأنفال هذا القول بسبيل ذكر ما كان من الكفار من استعجال للعذاب على سبيل الهزء والاستخفاف وهي (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢) غير أن الاستعجال منهم قد تكرر وحكته عنهم آيات عديدة سابقة مع الردّ عليهم بحيث لا نرى مرجحا لتسويغ تخصيص النضر بالذكر في صدد نزول الآية. والذي يتبادر لنا أن الآيات متصلة بحكاية موقف الكفار وحجاجهم وتحدّيهم التي احتوتها الآيات السابقة واستمرار للسياق. وقد احتوت تحدّيا جديدا للكفار فردّت عليهم كما احتوت ذلك الآيات السابقة. ولما كان التحدّي بتعجيل العذاب قد صدر مرارا من مشركي العرب فإننا اعتبرنا ذلك قرينة رجحنا بها أن التحدي بالإتيان بالمعجزات التي حكته الآيات السابقة هو منهم أيضا.

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)) [٥٦ ـ ٦٠]

(١) وكأيّن : بمعنى وكم في مقام الاستكثار.

في الآيات : خطاب موجّه إلى المؤمنين :

٤٩٨

١ ـ يثبتهم في دينهم وإخلاصهم في العبادة لله وحده.

٢ ـ ويطمئنهم بأن أرض الله واسعة يستطيعون أن يجدوا فيها الأمن والعافية والحرية.

٣ ـ ويذكرهم بأن الموت مصير كل حيّ وبأن الله مرجع الناس جميعا.

٤ ـ ويؤكد لهم بأن الله سينزل المؤمنين الصالحين بأعمالهم غرفا في الجنة تجري من تحتها الأنهار. وأنها لنعم الأجر لمن آمن وعمل صالحا وصبر على الحق وجعل اعتماده وتوكّله على الله.

٥ ـ وينبههم إلى أنّ الله تعالى قد تكفّل برزق جميع خلقه من الأحياء. وكما أن كثيرا من الدواب لا تدّخر رزقا ولا تكسب ما يضمن لها الرزق والله يرزقها فإنه كذلك يرزقهم أيضا فلا يقلقوا من هذه الناحية ، وهو السميع لكل ما يقال العليم بجميع الأحوال.

تعليق على آية

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)

وما بعدها

ويبدو هذا الفصل جديدا بالنسبة للسياق السابق أو مستقلا عنه حيث ينتقل الخطاب فيه إلى المؤمنين في أمر مقامهم في مكة بعد حكاية الموقف الجدلي بين النبي والمؤمنين من ناحية ، والكفار من ناحية. وحكاية تحدّي الكفار بالمعجزات وبالتعجيل بالعذاب. ومثل هذا الانتقال من أساليب النظم القرآني مما مرّ منه أمثلة عديدة ولهذا لا نرى انقطاعا تاما بين هذا الفصل وما قبله. والمتبادر أنه نزل بعد الآيات السابقة فوضع في ترتيبه.

ولقد أورد المفسرون أقوالا عديدة في صدد هذه الآيات معظمها بدون سند أو عزو إلى تابعي أو صحابي وواحد منها معزو إلى ابن عمر (١) منها أنها خطاب

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري.

٤٩٩

عام للمؤمنين بعدم إقامتهم في دار ظلم ومعصية وبهروبهم منها إلى أرض الله الواسعة حيث تكون لهم حرية العبادة والعمل في سبيله. ومنها أنها نداء للمؤمنين في مكة أو المستضعفين منهم للهروب والخروج من مكة لتكون لهم تلك الحرية. ومنها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما اشتدّ الأذى على المسلمين في مكة وأمرهم بالخروج إلى المدينة قال بعضهم كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا مال فمن يطعمنا ويسقينا فأنزل الله الآية الأخيرة. ومنها أنها نزلت في جماعة تخلّفوا عن الهجرة من مكة تحسبا من الموت والعوز والضيق في أرض الغربة. ومنها حديث رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر جاء فيه : «أنه دخل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بستانا من بساتين الأنصار فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل فقال : كل يا ابن عمر ، قلت : لا أشتهيه يا رسول الله ، قال : ولكنّي أشتهيه ، وهذه صبح رابعة منذ لم أطعم طعاما ولم أجده ، فقلت : إنّا لله ، الله المستعان. قال : يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ولكني أجوع يوما وأشبع يوما فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين. قال : فو الله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) ... إلخ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الله عزوجل لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتباع الشهوات فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإنّ الحياة بيد الله. ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبئ رزقا لغد» (١). وحديث ابن عمر والقول الذي قبله يقتضيان أن تكون الآيات أو الآية [٥٩] مدنية نزلت لحدّتها مع أنه ليس هناك رواية ما بذلك فيما اطلعنا عليه. وقد قيل مثل القول الذي قبل الحديث في مناسبة الآيات الأولى من السورة وأوردناه وعلقنا عليه. والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. والأقوال الأخرى محتملة الصحة على ما يلهمه فحوى الآيات وروحها أيضا حيث يلهمان أنها نزلت في ظرف اشتدت فيه الأزمة على المسلمين في مكة. وقد تضمنت

__________________

(١) النصّ من تفسير ابن كثير. وقد عقّب المفسر عليه بقوله هذا حديث غريب. وأبو العطوف الجزري ـ وهو أحد رواته ـ ضعيف. ومع ذلك فإن المفسر البغوي روى هذا النصّ بخلاف يسير بطرقه.

٥٠٠