التّفسير الحديث - ج ٥

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٥

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٨

في الحياة الزوجية وأعبائها وفي القابلية العقلية والاجتماعية. فالله قد خلقهما من نفس واحدة. وجعل كلا منهما زوجا للآخر لا يكمل الواحد منهما إلّا بالآخر ولا يستطيع الواحد منهما أن يقوم بواجباته المتنوعة إلّا بمساعدة الآخر والتعاون معه وتلك هي حكمة إلهام التقاء الزوجين برابطة الزواج. ولا يمكن أن يتمّ هذا إلّا في نطاق تبادل المودّة والرحمة الذي لا يمكن أن يكون إلّا بالتراضي والتفاهم ونتيجة لاعتراف كل منهما بذاتية الآخر وبواجبه وبحقه معا. وهذا يعني التكافؤ والتساوي. وكل ما هناك أن الله قد جعل لكل منهما وظيفة جنسية يكون كل منهما بها متمما للآخر وجعل لكل منهما بسبب ذلك مجالا ينشط فيه لخيرهما ومصلحتهما معا. ولقد ذكرنا في سياق تفسير سورة الليل استنادا إلى الآية (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) أن القرآن قرر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في التكليف وفي نتائج سعي كل منهما حسب السعي وهكذا تتوطد في القرآن المساواة بين الرجل والمرأة في القابليات والمسئوليات الدنيوية والدينية والأخروية. ولقد تكرر تقرير هذا كثيرا بأساليب متنوعة وفي السور المكية والمدنية معا ومرّت أمثلة منه في السور التي مرّ تفسيرها بحيث يصح القول إنه من مبادئ القرآن المحكمة. وما ورد في بعض الآيات المدنية من تفضيل الزوج درجة كما جاء في آية سورة البقرة [٢٢٨] : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) ومن جعل شهادة المرأتين معادلة لشهادة رجل واحد كما جاء في آية سورة البقرة [٢٨٢] : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ومن قوامة الرجال على النساء كما جاء في آية سورة النساء [٣٤] (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) ومن كون نصيب المرأة في الإرث نصف نصيب الرجل كما جاء في آيات المواريث في سورة النساء فليس من شأنه نقض هذا المبدأ على ما سوف نشرحه في مناسباته. والمؤولون والمفسرون والفقهاء متفقون على أن كل تكليف كلّف به المؤمنون وكل واجب أوجب عليهم وكل وعد ووعيد وجّه

٤٤١

إليهم ، وكل فضيلة نوّه فيها بهم وكل نهي نهوا عنه في قرآن وحديث دون تخصيص جنسي هو موجّه للمؤمنات أيضا دون تفاوت ما. والخطاب العام الموجّه إلى المؤمنين والذي يشمل المؤمنات في كل ذلك في القرآن والحديث هو الأعمّ الأغلب. ولا يمكن أن يصحّ في العقل إلّا مع فرض الأهلية التامة للمرأة عقليا وجبلة وأخلاقا وروحيا.

ويورد حديث رواه الطبراني عن الأسقع بن واثلة جاء فيه : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس لامرأة أن تنتهك من مالها شيئا إلّا بإذن زوجها إذا ملك عصمتها» (١). وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة وقد قال الطبراني إن بين رواته من لا يعرفهم مما يوجب التوقف فيه ولا سيما إنه يتعارض مع النصوص القرآنية التي تأمر بإعطاء المرأة حقها وعدم أخذ شيء منها بدون إذنها وتقرر حقها المطلق في الوصية والدين والاكتساب وقبض الإرث والهبة والتملك إلخ ...

وهناك حديث أقوى سندا واعتبارا من هذا الحديث رواه أصحاب السنن وجاء فيه : «قيل يا رسول الله أيّ النساء خير قال الذي تسرّه إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره». ولسنا نرى في هذا الحديث ما ينتقص ما تقدم أيضا. وكل ما فيه أن على المرأة ألّا تفعل في مالها ما يكرهه زوجها. وليس فيه ما يسمح له بمنعها من التصرف بمالها مبدئيا. وبإناطة ذلك بإذنه. وبالنسبة لطاعته في ما يأمر فلا شك في أن الطاعة يجب أن تكون منوطة بما ليس فيه معصية ولا ضرر عليها وعلى مالها وحقوقها على ضوء بعض الآيات والأحاديث. ففي سورة الممتحنة أنه شرطت عدم عصيان المؤمنات للنبي فيما يأمرهن ، من معروف أي ما فيه خير ومصلحة وليس فيه ضرر وهدر حقّ شرعي كما ترى فيها : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَ

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٤.

٤٤٢

وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ ...) [الممتحنة : ١٢] وقد أثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يأخذ من الرجال بيعة بهذا النصّ مع استعمال الضمير المذكر. وهناك حديث رواه الخمسة عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «السمع والطاعة على المرء فيما أحبّ أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (١).

وتورد أحاديث أخرى بسبيل التدليل على سفاهة المرأة ونقص عقلها ودينها وعوج طبيعتها. منها حديث أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن النساء سفهاء إلّا التي أطاعت زوجها» (٢). وحديث عزاه ابن كثير إلى مسلم عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله : يا معشر النساء تصدّقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهنّ جزلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال : تكثرن اللعن وتكفرن العشير. ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبّ منكن. قالت : يا رسول الله ما نقصان العقل والدين؟ قال : أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل. هذا نقصان العقل ، وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين» (٣). وحديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره. واستوصوا بالنساء خيرا فإنهنّ خلقن من ضلع أعوج وإنّ أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا. وفي رواية إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها» (٤).

__________________

(١) التاج ج ٣ ص ٤٠.

(٢) تفسير الآية الخامسة من سورة النساء في ابن كثير.

(٣) انظر تفسير الآية [٢٨٢] من سورة البقرة في تفسير ابن كثير. وهذا الحديث ورد في التاج أيضا برواية الخمسة وفي آخر الحديث من رواية البخاري هذه الجملة بدلا من الجملة الأخيرة (أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم قلن بلى قال فذلك من نقصان دينها) انظر التاج ج ١ ص ٢٥.

(٤) التاج ج ٢ ص ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

٤٤٣

وتعليقا على ذلك نقول إن القرآن قرر أهلية المرأة بكل تكليف إيماني واجتماعي وتعبدي ومالي وجهادي وأخلاقي كالرجل بدون أي تمييز. ورتّب عليها كل ما رتّبه على الرجل تتجه لكل عمل تقوم به من ذلك ثوابا وعقابا وحدودا في الدنيا والآخرة بدون أي تمييز. وعيّن لها نصيبا في الإرث وأمر بأدائه لها وأوجب لها أداء مهرها وقرر لها الحق المطلق في التصرف في كل ما يدخل في يدها من مال مهما كان عظيما دون أي تدخل أو إشراف أو إذن من الرجل مهما كانت صلته بها فتبيع وتشتري وتملك العقار والأرقاء والأرضين وتزرع وتحصد وتستدين وتدين وتهب وتوصي وتعتق وتكاتب وتؤجر وتستأجر. وجعل أمر نفسها بيدها إلّا إذا كانت قاصرة فتزوج نفسها بدءا ومراجعة. وتفتدي نفسها من زوجها وتصالحه وتجادل عن نفسها رسول الله ومن دونه. وأوجب عليها كل ما أوجبه على الرجل من التفكير في آلاء الله والتدبر في كتاب الله والتعلّم والتعليم. وقرر أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وبعضهم من بعض ونوّه بالمؤمنات الصابرات الصادقات القانتات الخاشعات الصائمات المتصدقات الحافظات لحدود الله والذاكرات الله كثيرا على قدم المساواة مع أمثالهن من الرجال. واعترف بشخصيتهن في نطاق الدولة مستقلة عن الرجل وأمر النبي بأخذ البيعة منهن إلخ إلخ (١) ... ولا يصح هذا إلّا مع فرض الأهلية التامة للمرأة عقلا وأخلاقا وقابلية ومواهب وجبلة. والحديث الذي يذكر أنهن من السفهاء ليس من الصحاح ويتحمل التوقف إزاء ما قرره القرآن من كل ذلك. وحتى لو صحّ فإنه يستثنى من يطعن أزواجهن وهنّ عادة الأكثرية الساحقة من النساء. وقد يكون من الحكمة فيه إذا صحّ حثّ النساء على الطاعة وبيان كون نشوزهن هو من قبيل السفه وقصور

__________________

(١) الآيات التي تقرر ذلك مدنيّة وهي كثيرة فنكتفي بالإشارة إلى أرقامها وسنشرحها في مناسباتها : البقرة [٢١٩ ـ ٢٤٧] وآل عمران [١٩١ ـ ١٩٥] والنساء [٤ و ٧ و ١٢ و ١٩ و ٢١ و ٢٤ و ١٢٤] والمائدة [٣٨] والتوبة [٦٧ و ٦٨ و ٧١ و ٧٢] والنور [٢ و ٢٧ ـ ٣٢ و ٦١] والأحزاب [٣٥ و ٧٣] والفتح [٥ و ٦] والمجادلة [١ و ٢] والممتحنة [١٠ و ١٢] والطلاق [١ ـ ٥].

٤٤٤

العقل. والحديث الذي يذكر أن المرأة خلقت من ضلع أعوج قد صدر بسبيل توصية الرجال بالنساء خيرا ورعايتهن والإغضاء عمّا قد يقع منهن من هنات ، والأسلوب الذي جاء به متسق مع ما كان في الأذهان من مركز المرأة. وليس فيه على كل حال نقض لما احتوته النصوص والتلقينات القرآنية من تقرير أهلية المرأة لجميع الواجبات والتكاليف والحقوق المتنوعة أسوة بالرجل سواء بسواء. أما الحديث الذي يذكر نقص عقل المرأة ودينها فإن إيماننا بحكمة الله ورسوله يأبى التسليم بناء على تلك النصوص والتلقينات بصدوره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقصد وصف جميع النساء على اختلاف أوضاعهن بنقص الدين والعقل وبقصد تقرير كونهن أكثر أهل النار. وهنّ بالإضافة إلى تلك النصوص والتلقينات التي احتوت ما احتوته النصف الثاني الذي لا تتمّ الإنسانية إلّا به وأمّهات النصف الأول ومنشئاته وراعياته ومربياته. وهنّ نصف أمّة محمد التي وعدها الله بالجنة وقرّة العين. ويأتي التسليم بأن رسول الله قد قصد تقرير كونهن أهل أكثر النار واقعا لأنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير وهو يعلم من دون ريب أن هذا لا يكون عادة إلّا من أغلبية النساء وأن أكثريتهن مؤمنات لهن الجنة حتما وقد وعدن بذلك مثل الرجال وبنصوص خاصة (١) بالإضافة إلى النصوص العامة. ويأبى التسليم بأن الله ورسوله يعتبران فطر الحائض وعدم صلاتها دليلا على نقص دين النساء مع أن ذلك بترخيص منهما. وقد رخصا للمؤمن بكلمة الكفر عند الإكراه [آية النحل : ١٠٦] ورخصا بأكل المحرمات حين الاضطرار [آية النحل : ١١٥] ورخصا للمريض والمسافر بالإفطار وبالتيمم إذا لم يجدا ماء [آية النساء : ٤٣] ويأبى التسليم بأن يتجاوز الله ورسوله التحليل الوارد في آية الدين في سورة البقرة لجعل شهادة المرأتين معادلة لشهادة رجل واحد : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢] والذي مردّه مشاغل المرأة البيتية دليلا على نقص عقل النساء وفي حين يعلم الله ورسوله أن النسيان من حيث المبدأ عارض بشري يعرض

__________________

(١) اقرأ مثلا آيات آل عمران [١٩٥] والتوبة [٧١ ـ ٧٢] والنحل [٩٧] والأحزاب [٣٥] وغافر [٤٠].

٤٤٥

للرجال والنساء معا. وكل ما يمكن التسليم به إذا صحّ الحديث أن يكون قصد به الوعظ والتحذير. والله أعلم.

(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩)) [٢٨ ـ ٢٩]

في الآية الأولى تمثيل وتشبيه في معرض الإفحام والتقريب موجّه للسامعين ومتضمن السؤال عمّا إذا كانوا يرضون أن يكون مماليكهم شركاء لهم في أموالهم يحسبون حسابهم في تصرفاتهم ويخافون من محاسبتهم لهم أو مقاسمتهم أو مناظرتهم. وتعليق على هذا التمثيل بأن الله يفصّل ويبيّن آياته بالأمثال ليقرب إلى أذهان الناس حتى يتدبرها من تعقّل ورغب في معرفة الحقّ.

وفي الآية الثانية استدراك في معرض بيان حقيقة أمر الكافرين فهم في عقائدهم وتقاليدهم يتبعون أهواء النفس ولا يستندون إلى عقل وعلم ومنطق. ولذلك لا يجدي فيهم البرهان والإقناع والأمثال. ولن ينالوا عند الله فوزا ولا نجاحا. ومن كان هذا شأنه عند الله فلن يجد له من بعده نصيرا ولا حاميا.

والآيات غير منقطعة من حيث الجوهر عن الآيات السابقة. والمقصد من المثل هو إفحام المشركين. فهم لا يرضون أن يكون مماليكهم شركاء وأندادا لهم مع أنهم مثلهم في الطبيعة والخلقة فكيف يصحّ في عقولهم أن يجعلوا لله شركاء وأندادا من خلقه وأن يظنوا أن الله يرضى بهذا.

والتأويل الذي أوّلناه لجملة (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) مستمد من روح الآيات. فالكفار قد انحرفوا عن طريق الحقّ واتبعوا الأهواء بغير علم فأضلّهم الله أي حرمهم من التوفيق والسداد. وهذا من قبيل (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ)

٤٤٦

[البقرة : ٢٦](وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم : ٢٧] على ما نبهنا عليه في المناسبات الكثيرة المماثلة. ومع ذلك فهي تقرير لواقع أمر الكفار حينما نزلت الآيات وليست تقريرا حتميا لمستقبلهم بدليل أن غالبيتهم الذين سمعوا القرآن قد اهتدوا وآمنوا ونالوا رضاء الله ورحمته.

ولقد أورد ابن كثير في سياق هاتين الآيتين حديثا رواه الطبراني عن ابن عباس قال : «كان يلبي أهل الشرك : لبّيك اللهم لبّيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك. وتملكه وما ملك» فأنزل الله الآية. وليس في الرواية ما يدلّ على أن ذلك مناسبة لنزول الآية وإنما هي بمثابة توضيح تفسيري مستمد من عادات المشركين.

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)) [٣٠ ـ ٣٢]

(١) فطرة الله : أمر الله الذي أوجبه على الناس أو فطرهم وخلقهم وصنعهم عليه ، أو طريقته التي أوجب عليهم السير عليها (١).

(٢) لخلق الله : لدين الله على ما رواه المفسرون (٢) عن عدد من علماء التابعين ومفسريهم وهو وجيه متسق مع روح الآية.

في الآية الأولى أمر للنبي بالثبات على دين الله الذي هدى إليه بإخلاص تامّ دون ما اعوجاج ولا تردّد. فهذا الدين هو الذي فطر الله الناس عليه ، وطريقته وأمره اللذان أوجب عليهم السير عليهما. والتي لا يصح أن يقع عليه تبديل ولا تعديل ولو لم يدرك ذلك أكثر الناس.

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير.

(٢) انظر المصادر المذكورة أيضا.

٤٤٧

وفي الآيتين التاليتين أمر للنبي والمسلمين معا بأن يجعلوا إنابتهم إلى الله وحده وأن يتقوه بصالح الأعمال ويواظبوا على إقامة الصلاة له ولا يكونوا من المشركين الذين انقسموا شيعا وأهواء في أمر الدين وكل منهم فرح بما هو عليه.

والآيات متصلة بسابقاتها اتصالا تعقيبيا يتضمن إيضاح ما يجب على النبي والمؤمنين تجاه ما عليه الكفار والمشركون من باطل وضلال وأهواء منحرفة عن الحق.

والآية الثانية تفيد كما هو المتبادر أن الأمر الموجه إلى النبي في الآية الأولى هو شامل للمسلمين أيضا.

تعليق على آية

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)

وكلمة حنيف بمعنى مستقيم. وأكثر ما جاءت في القرآن في معنى التوحيد وعدم الشرك على ما شرحناه في سورة يونس وأوردنا شواهده. فالأمر والحالة هذه في صدد التنبيه على التزام توحيد الله وعلى أن ذلك هو دين الله الذي لا يصحّ عليه تعديل ولا تبديل وإن ذلك هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها. وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث جاء فيه (١) : «ما من مولود إلّا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسّون فيها من جدعاء. ثم تلا الآية : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)». وقد روى المفسرون عن ابن عباس وغيره عن مفسري

__________________

(١) انظر تفسير الآية في تفسير الطبري وابن كثير مثلا. وهذا الحديث ورد في صحيح البخاري في فصل التفسير وفي سياق تفسير الآية رواية عن أبي هريرة. انظر التاج ج ٤ ص ١٨٠.

٤٤٨

التابعين (١) أن المراد بالفطرة هو الإسلام. وقد يعني هذا التدين أي الشعور بفكرة الدين أو بقوة خالقة عاقلة وراء هذا الكون ، ووحدانية هذه القوة وعبادتها وإسلام النفس لها غريزة من غرائز الناس التي فطروا عليها في كل ظرف ومكان ، والمتوقع أن يمارسوها إذا لم يتأثروا بالأهواء والتقاليد المنحرفة المحيطة بهم أو التي ينشأون في جوها والتي قد يكون نشوءها نتيجة جهل أو مأرب لأن عقل الناس في حالة صفائه ومهما كان بدائيا لا يمكن إلّا أن يدرك ذلك. وهذا ما عبرت عنه بأسلوب آخر آية سورة يونس هذه : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) [١٩] على ما شرحناه في سياق تفسير هذه السورة.

ومن هنا كانت حكمة الله عزوجل في إرسال الرسل مبشرين ومنذرين للتنبيه على الانحراف وردّ الناس عنه كما ذكر ذلك في آية سورة البقرة هذه (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢١٣) والمقصود بالذين آمنوا هم أتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومن هنا تبدو وجاهة تفسير ابن عباس بأن الدين الإسلامي هو دين الفطرة الإنسانية الصافية التي فطر الله الناس عليها.

ولقد احتوت التقريرات القرآنية التي مرّ كثير منها في السور السابقة الدلائل التي لا ينكرها إلّا مكابر على وجود الله ووحدانيته واتصافه بجميع صفات الكمال وتنزّهه عن الشوائب واستحقاقه وحده للخضوع والاتجاه. وعلقنا عليها بما رأينا فيه الكفاية حيث يتمّ بذلك تقرير صورة العقيدة الإسلامية للدين القيّم وهي فطرة التدين وفكرة الله ووحدانيته وإسلام النفس إليه. وهذه العقيدة من شأنها أن تقي صاحبها من الأهواء والنزوات والفراغ والانهيار واليأس وتمده بمدد فيّاض من القوّة والحيويّة والطمأنينة والسكون يحرم منه من لم يدن بها.

__________________

(١) انظر تفسيرها في البغوي.

٤٤٩

ومن الجدير بالذكر أن هذه الصورة التي تمثل الغريزة الإنسانية السامية قد قرر وجودها وممارستها عدد عظيم من العلماء والفلاسفة والباحثين في مختلف العصور إلى عصرنا الحاضر نتيجة لدراساتهم التاريخية والاجتماعية والفلكية والرياضية والطبيعية بحيث يصحّ القول إنه لا يجادل فيها إلّا مكابر متعنّت لا يستطيع أن يثبت عكسها في الوقت ذاته (١).

تعليق على آية

(مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً ...)

والآية الأخيرة وإن كانت في صدد النهي عن السير في طريق المشركين الذين كانوا موضوع الكلام والتنديد من الانقسام في الدين شيعا حيث كان منهم المعترف بالله مع إشراك غيره به من ملائكة وغير ملائكة ، ومنهم الوثني ، ومنهم عابد الكواكب ، ومنهم عابد النار إلخ فإن فيها تلقينا جليلا مستمر المدى ولكل ملّة ونحلة ومذهب بتقبيح التشيع والانقسام في أمور الدين نتيجة لأهواء النفوس ومآربها وتمسك كل فرقة برأيها تمسك التعصب الأعمى والنهي عنه.

والمتبادر أن هذا لا يعني أن لا يختلف الناس في الاجتهاد فيما لا صراحة فيه من نصّ قرآني أو حديث نبويّ ثابت. فهذا أمر طبيعي وواجب كل إنسان مؤهل له على شرط أن لا يكون فيه انحراف عن الأسس والمبادئ المحكمة في كتاب الله وسنّة رسوله ، ولا يكون ناشئا عن هوى ، أو هادفا إلى تأييده.

(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ

__________________

(١) انظر روح الإسلام لطبارة طبعة رابعة ص ٨٤ ـ ٩٠.

٤٥٠

سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧)) [٣٣ ـ ٣٧]

في الآيات :

١ ـ إشارة تنديدية إلى ما يبدو من الناس من تناقض فإذا أصابهم ضرر وبلاء لجأوا إلى الله وحده يدعونه لكشف ما نزل بهم ، ثم إذا كشف النازلة عنهم ونالوا خيرا ورحمة جنح فريق منهم إلى الشرك بالله واعتقاد تأثير الغير فيما نالوه.

٢ ـ وإنذار للمشركين : فإن إشراكهم غير الله دليل على كفرهم بنعمته ورجوعهم عن الإخلاص له. فليكفروا ما شاء لهم كفرهم وليتمتعوا بما نالوه ردحا من الزمن فلسوف يرون ويعلمون نتيجة هذا الكفر وشؤمه عليهم.

٣ ـ وتساؤل استنكاري عمّا إذا كانوا يستندون في شركهم إلى برهان ووحي رباني.

٤ ـ وإشارة تنديدية أخرى إلى ما يبدو من الناس أيضا من فرح وبطر في حالة اليسر والنعمة وقنوط وحزن في حالة الشدّة والضرّاء.

٥ ـ وتساؤل فيه معنى التعقيب والتقرير بأن الحالتين هما من الله فهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء أحيانا ويضيّقه على من يشاء أحيانا ، وهو ما ينبغي أن يكون مفهوما لأنه مألوف مشاهد ، ولأن فيه آيات وحكمة ربانيّة يفهمها ويسلم بها الذين يؤمنون بالله وحده.

والآيات وإن كانت مطلقة التوجيه للناس أو السامعين فإنها تضمنت التنديد بالمشركين صراحة ، وتضمنت حكاية مواقف نسبتها إليهم آيات أخرى في سور أخرى مرّ تفسيرها حيث كانوا يدعون الله وحده مخلصين له الدين في الشدّة ويعودون إلى شركهم بعد الخلاص منها. فهي من هذه الناحية متصلة اتصالا استطراديا بالسياق السابق الذي انتهى بالتنديد بالمشركين كما هو المتبادر.

٤٥١

ولا يبعد أن يكون وقع على المشركين بلاء أخافهم وجعلهم يدعون الله وحده فلما انكشف عنهم عادوا إلى شركهم في ظروف نزول السورة فكانت مناسبة محكمة لهذه الآيات الاستطرادية. وبعد قليل من هذه الآيات تجيء آيات عن المطر وأثره وأثر انحباسه في الناس وخوفهم وبأسهم واستبشارهم فلعل البلاء هو انحباس المطر فدعوا الله ثم عادوا إلى شركهم أو قدموا القرابين إلى أوثانهم عند هطوله.

والراجح أن المعنى بالشرك هنا هم الملائكة. وروح الآية التالية تلهم ذلك. فالعرب كانوا يرون بإشراك الملائكة مبررا من حيث اتصالهم بالله ومن حيث كونهم إنما يتخذونهم شفعاء لديه فطالبتهم الآية بالبرهان على ما يذهبون إليه من عقيدة باطلة.

وفي الآية الأخيرة تلقين جليل. فالإيمان يحدث في نفس صاحبه سكينة وطمأنينة ورضاء في حالتي السرّاء والضرّاء فلا تبطره النعمة ولا تؤيسه النقمة. وفي ذلك من القوّة الروحية ما فيه.

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات حديثا وصفه بالصحيح (١) جاء فيه : «عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلّا كان خيرا له. إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له. وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له». حيث ينطوي على تلقين نبويّ متساوق مع التلقين القرآني كما هو الشأن في مختلف الشؤون.

(فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)) [٣٨ ـ ٣٩]

(١) ليربو : ليزداد ويتكاثر.

(٢) المضعفون : الذين يضاعفون ثوابهم بالزكاة.

__________________

(١) هذا الحديث من مرويات الإمام مسلم.

٤٥٢

في الآية الأولى أمر موجه للسامع بوجوب إيتاء ذي القربى والمساكين وأبناء السبيل حقوقهم وتنويه بما في ذلك من خير وقربى عند الله لمن يريد رضاءه. وتقرير بأن الذين يعملون ذلك هم المفلحون الفائزون برضائه.

وفي الآية الثانية تنبيه تعقيبي على أن الربح الحقيقي ليس فيما يعطيه المرء لغيره من مال بقصد استغلاله وتكثيره فليس لهذا عند الله أجر. وإنما الربح الحقيقي هو في الزكاة التي تعطى للمحتاجين لوجه الله بدون مقابل ولا قصد استغلال وتكثّر في الدنيا. فالذين يفعلون ذلك هم الذين يربحون أضعافا مضاعفة بما يكون لهم عند الله من الأجر العظيم.

ولم نطلع على رواية في مناسبة خاصة لنزول الآيتين. ويتبادر لنا أنهما تعقيبيتان أو استطراديتان وأن الصلة بينهما وبين الآيات السابقة وبخاصة الأخيرة منها ملموحة من حيث بيان كون الله هو الذي يعطي وهو الذي يمنع ، وأن على المؤمنين الذين يدركون أن المال مال الله أن لا يبطروا وأن لا يستغلوا أموالهم فيما لا خير فيه ولا أجر ، وأن يساعدوا الفئات المحتاجة لوجه الله وابتغاء فضله وأجره. وحرف الفاء الذي بدئت به الآية الأولى قرينة على ذلك.

والآية [٣٨] قد وردت بنفس الصيغة في الآية [٢٦] من سورة الإسراء ونبهنا على ما فيها من تلقين جليل مستمر المدى فلا ضرورة للإعادة. ولقد روى المفسر الطبرسي في سياق جملة (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) من هذه الآية الروايات التي أوردناها في سياق الجملة المماثلة في آية الإسراء والتي تتضمن صرف هذه الجملة إلى أقارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحقهم. وقد علقنا على هذه الروايات والتأويلات التي يبرز عليها الهوى الشيعيّ في سياق تفسير آية الإسراء بما يغني عن التكرار.

تعليق على جملة

(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ)

وذكر الربا هنا بالأسلوب الذي ورد به يمكن أن يكون إرهاصا قرآنيا مكيّا بكراهية الربا التي جاءت بأسلوب تشريعي تحريمي في القرآن المدني وفقا لأسلوبي

٤٥٣

القرآن المكي والمدني حيث يجنح الأسلوب المكي إلى الحظر بالتخويف من عقاب الله الدنيوي والأخروي وببيان مضار المحظور ، في حين يجنح الأسلوب المدني إلى التشريع ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين بعد الهجرة صاروا في نطاق دولة وسلطان يستطيعون فيه التنفيذ في حين لم يكن لهم ذلك في العهد المكي. ولما كان تشريع حظر الربا إنما تمّ وفاقا لنصوص قرآنية ونبويّة في العهد المدني فقد رأينا إرجاء الكلام عليه إلى مناسبته في القرآن المدني.

(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢)) [٤٠ ـ ٤٢]

في الآية الأولى : وجّه الخطاب للمشركين ، فقررت أن الله هو الذي خلقهم بدءا وهو الذي يرزقهم ثم هو الذي يميتهم وهو قادر على إحيائهم بعد موتهم ؛ ثم وجهت إليهم سؤالا فيه تنديد وتحدّ عما إذا كان أحد من شركائهم يستطيع أن يفعل شيئا من ذلك. ثم قررت تنزيه الله وتقديسه عما يشركونه معه من شركاء.

وفي الآية الثانية : إشارة إلى ما ظهر من الفساد في مختلف أنحاء الأرض برّها وبحرها بسبب آثام أهلها ، وإلى أن هذا هو تسليط من الله عليهم ليذوقوا شيئا من وبال ما اقترفوه وليكون لهم فيه عبرة وتذكير لعلّهم يرجعون عن آثامهم.

وفي الآية الثالثة : أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتحدّي المشركين بالتجول في أنحاء الأرض ليروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وما حلّ بهم من بلاء وتدمير. ثم بإخبارهم بأن هؤلاء قد حلّ فيهم ما حلّ لأنهم كانوا مشركين مثلهم.

والآيات الثلاث وحدة متماسكة أولا وفيها التفات إلى المشركين موصل بينها وبين الآيات التي سبقت الآيتين السابقتين مباشرة. والانسجام في السياق والموضوع قائم بينها وبين تلك كما يظهر عند إنعام النظر.

٤٥٤

تعليق على آية

(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ...)

وبعض المفسرين يسوقون في صدد الآية الثانية أقوالا واحتمالات لا تخلو من غرابة وتجعلها منفصلة عن سابقتها ولاحقتها بسبب التعبير بالفساد في البحر والبرّ (١). ومن ذلك قتل قابيل أخاه هابيل. واغتصاب الملك السفن في البحر وهو ما حكته إحدى آيات سورة الكهف. وملوحة مياه البحار بعد أن كانت عذبة. وخلو أصداف اللؤلؤ من اللؤلؤ وعدوان الأسد على البقر والغنم بعد قتل هابيل ولم يكن يفعل ذلك إلخ ، غير أن إنعام النظر في الآيات الثلاث يظهر انسجامها مع بعضها انسجاما تاما. ومن المحتمل أن يكون وقع في ظروف نزول السورة أزمات في الأمن وفي الغذاء والأمطار في الحجاز أو في تخومها فكان ذلك مناسبة لتنبيه الناس إلى أنه من تسليط الله عليهم بسبب آثامهم ولحملهم على الارعواء والرجوع إلى الله والحق. وتعبير (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) يرجح أن يكون تعبيرا أسلوبيا يقصد به شيوع الفساد وشموله. وبعد قليل يأتي فصل عن الأمطار وأنهارها وانحباسها وما كان يثير ذلك من جزع وفرح في الناس. فلعل هذا متصل بذلك. حتى ولو لم يصحّ احتمال وقوع شيء فوق العادة فالوقائع المسيئة دائمة في مختلف أنحاء الأرض وأخبارها تصل إلى الحجاز. فالمناسبة قائمة دائما للتنبيه إلى أن ذلك نتيجة لما يقترفه الناس من آثام ليرعووا ويرجعوا إلى الله والحق. ولقد احتوت آيات عديدة مثل هذا التنبيه منها ما سبق مثل آية سورة الشورى هذه (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣٠).

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ

__________________

(١) انظر تفسيرها في الطبري والبغوي والخازن.

٤٥٥

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥)) [٤٣ ـ ٤٥]

(١) القيّم : المستقيم.

(٢) يصّدّعون : يتفرقون.

الآيات معقبة على ما سبقها ومتصلة بالسياق من هذه الناحية. وقد احتوت تنبيها للناس وإنذارا للكفار وتنويها للمؤمنين. فالعلاج الوحيد لاتقاء غضب الله وبلائه هو الإخلاص في الاتجاه إليه وحده. فذلك هو الدين المستقيم. والذي يختار الانحراف عن ذلك ويكفر فهو يحمل وزر نفسه ولن يحظى بحب الله ورضائه. أما الذين يؤمنون بالله ويخلصون في الاتجاه إليه وحده ويعملون الأعمال الحسنة فإنما يكونون بذلك قد مهدوا لأنفسهم طريق النجاة ونالوا جزاء الله الحسن وفضله.

وأسلوب الآيات قوي موجه إلى القلب والعقل معا. وفيها توكيد جديد لما تكرر كثيرا من مسؤولية الإنسان عن عمله وترتيب الثواب والعقاب وفاقا له.

(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦)) [٤٦]

في الآية تنبيه على بعض آيات الله وأفضاله على السامعين : فهو الذي يسوق الرياح مبشرة بالأمطار التي فيها لهم الرحمة والبركة. وهو الذي يحركها أيضا لتسيير المراكب في البحر حتى يقوموا عليها بأسفارهم التي يبتغون بها رزق الله وفضله. ففي ذلك آيات دالة على استحقاقه لاتجاههم إليه وحده وشكرهم على أفضاله عليهم.

والمتبادر أن الآية جاءت مرادفة لسابقاتها ومتصلة بسياقها من هذه الناحية. فكما أن اتباع الدين الحق والاتجاه إلى الله وحده منج من الآخرة فإن ما يتمتع به

٤٥٦

الناس في البحر والبرّ وأسباب الرزق والسفر هو من فضل هذا الإله ويوجب عليهم شكره وعبادته.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)) [٤٧]

في الآية تذكير بأن الله تعالى قد أرسل من قبل النبي رسلا إلى أقوامهم بالبينات. فمنهم من استجاب ومنهم من كفر فانتقم الله من المجرمين وأصابهم ببلائه ونصر المؤمنين لأنه يعتبر نصر المؤمنين عليه حقا.

تعليق على جملة

(وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)

وبعض المذاهب الكلامية تتوقف في تقرير حقّ على الله تعالى لخلقه. وقد يكون في هذا وجاهة ولا سيما إذا قيل هذا من إنسان لأنه قد يكون فيه معنى من معاني سوء الأدب نحو الله عزوجل. ولكن العبارة هنا ليست من ذلك. فالله تعالى هو الذي يوجب على نفسه نصر المؤمنين الذين أخلصوا له وحده. وفي هذا ـ فضلا عن التشجيع والتثبيت والتطمين ـ معنى تكريمي عظيم للمؤمنين ورفع لشأنهم وتسجيل لفضلهم ومزيتهم حيث جعلهم مستحقين أن ينصرهم مستوجبين عليه أن يظهرهم ويظفرهم.

ولقد أورد المفسرون (١) على هامش تأويل هذه الآية حديثا نبويا عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول : «ما من امرئ مسلم يردّ عن عرض أخيه إلّا كان حقّا على الله أن يردّ عنه نار جهنّم يوم القيامة. ثم تلا : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).

ومع ما للبشرى التي احتوتها الآية والحقّ الذي أوجبه الله على نفسه بنصر

__________________

(١) انظر تفسير الآية في تفسير ابن كثير مثلا.

٤٥٧

المؤمنين من خصوصية زمنية فإن إطلاقها يجعلها شاملة لكل زمن ومكان وحال أيضا. فالمؤمنون المستقيمون يجب أن يظلوا دائما مطمئنين إلى أن الله قد وعدهم بالنصر والتأييد وجعل ذلك حقا عليه. وأنه لن يخلف وعده ولو اشتدت عليهم الخطوب وتعاظمت الكروب أحيانا. وفي هذا ما فيه من التلقين القرآني الجليل.

وليست هذه الآية الأولى من نوعها. فقد ورد في سور سابقة آيات مماثلة أو مقاربة فيها وعد الله تعالى بنصر رسله كما جاء في آيات سورة الصافات [١٧١ ـ ١٧٣] وبنصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا والآخرة معا كما جاء في آية سورة غافر [٥١] بالإضافة إلى سور أخرى جاء الوعد بأساليب أخرى حيث يمكن أن يرد إلى البال أنه فضلا عما في إيمان المؤمنين وإخلاصهم واتجاههم إلى الله وحده من مبرر لهذا الوعد الرباني وتحقيقه في كل ظرف فإن حكمة التنزيل اقتضت هذا التكرار بسبب ما كان يحدق بالمؤمنين في مكة من ظروف صعبة للتثبيت والتشجيع والتطمين.

(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)) [٤٨ ـ ٥٣]

(١) كسفا : قطعا.

(٢) الودق : ماء المطر.

٤٥٨

في الآيات :

١ ـ إشارة إلى مشهد من مشاهد قدرة الله في الأمطار والرياح وتدليل به على قدرة الله على إحياء الموتى : فالله يرسل الرياح فتحرك السحاب وتسوقه من مكان إلى مكان حتى يكون قطعا متراكمة بعضها على بعض فلا تلبث أن تتساقط من خلالها المياه. وحينما ينزل المطر في مكان يستبشر أهله برحمة الله ويتبدل ما كان من حزنهم وقلقهم ويأسهم قبل نزوله فرحا وأملا بما كان من آثار رحمة الله في إحياء الأرض بعد موتها وجفافها. وفي هذا عبرة تسترعي النظر والتدبر. فالله الذي أحيا الأرض برحمته بعد أن كانت جافة خامدة كالميتة قادر بالبداهة على إحياء الموتى ، فالمشهدان متقاربان وكلاهما بالنسبة لقدرة الله سواء.

٢ ـ وتنديد بالناس لما يظهرونه من جزع وكفر حينما ينحبس المطر : فلقد تقضي حكمة الله أحيانا أن تهبّ الرياح وتتحرك بدون مطر. فإذا ما هبّت على هذا الوجه فاصفرّ الزرع أظهر الذين لا يؤمنون بالله جزعا وقنوطا. فهؤلاء كالموتى والعمي والصمّ لا يحسّون ولا يرون ولا يسمعون. والنبي غير مكلف بتغيير طبائع الأشياء فيجعل الميت يحسّ والأعمى يبصر والأصمّ يسمع وإنما عليه أن يخاطب الحي البصير السميع وهو الذي يؤمن بآيات الله ويرضى بما تقتضيه حكمته بدون بطر ولا يأس ولا فرح ولا حزن ويسلم أمره لله.

وبين مدلول الآيات وأهدافها ومفهومها وبين الآيات [٣٣ ـ ٣٧] تماثل ظاهر يسوغ القول إن الاتصال بينها وبين سابقاتها قائم سياقا وموضوعا.

وروح الآيات وفحواها يلهمان أنه حدث في ظروف البعثة النبوية أن انحبس المطر ثم أرسل ، وأن جزع المشركون ثم فرحوا ، فجعل الحادث مناسبة للتذكير والتنبيه وتدعيم السياق وللتدليل على قدرة الله على بعث الناس بعد الموت وهو ما تكررت الإشارة إليه في هذه السورة بالذات ، وتكررت البرهنة على قدرة الله عليه بأساليب متنوعة.

ولقد أوردنا بعض روايات عن قحط حلّ بالحجاز ومراجعة بعض الزعماء

٤٥٩

للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدعاء الله لكشف البلاء عن الناس في سياق سورة الدخان ، فلعل شيئا من هذا قد حدث في ظروف نزول هذه السورة.

ولعل الشقّ الثاني من الآيات يتضمن تنديدا بالمشركين الذين ينكرون البعث وبرهانا على قدرة الله عليه ، وتنويها بالمؤمنين الذين قد استجابوا لدعوة الله وأسلموا أنفسهم إليه في كل الحالات ، وتطمينا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فكما أنه إذا تأخر المطر أو هبّت الريح بدون مطر لا يدل على عدم قدرة الله وإنما يكون مرده إلى حكمة الله ونواميسه في كونه فإنه إذا تأخر وعد الله بالبعث فلا ينبغي أن يكون دليلا على عدم قدرة الله عليه أيضا وإنما يكون مردّه إلى حكمته. فالمشركون هم بمثابة الموتى والعمي والصمّ لا يدركون ذلك فيجادلون ويكابرون ويضجون ويصخبون. وما على النبي من موقفهم هذا من شيء لأنه غير مكلف بفعل المستحيل. وقصارى ما عليه أن يسمع الراغبين في الهدى والحق والإيمان الذين يكونون على استعداد لإسلام أنفسهم لله تعالى. وجهوده لم تذهب عبثا لأن مثل هذه الطبقة قد قامت فعلا.

تعليق على ما روي من سماع الموتى لخطاب الأحياء

وتعارض ذلك مع جملة (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى)

ولقد وقف المفسر ابن كثير عند جملة (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) وأخذ يورد أحاديث عديدة بعضها وارد في كتب الأحاديث الصحيحة تذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الموتى يسمعون. منها حديث رواه البخاري وأحمد عن أبي طلحة جاء فيه : «إنّ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طويّ (١) من أطواء بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال. فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا ما ينطلق إلّا لبعض حاجته حتى قام على شقة الركيّ (٢) فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسرّكم أنكم أطعتم الله ورسوله

__________________

(١) الطوي والركي بمعنى واحد وهو البئر أو القليب أو الحفرة العميقة.

(٢) الطوي والركي بمعنى واحد وهو البئر أو القليب أو الحفرة العميقة.

٤٦٠