التّفسير الحديث - ج ٥

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٥

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٨

ويشيدون بتلك الصلة وهذه البنوة قبل البعثة النبوية. وفي سورة البقرة آية تذكر أن في الحرم المكي مقاما كان معروفا باسم مقام إبراهيم وهذا دليل حاسم بدون ريب على تلك المعرفة والتداول ، وهي هذه : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١٢٥).

وقد جاء بعد هذه الآية آيات تحكي خبر دعاء إبراهيم لأجل أمن البيت وأهله وخبر رفعه مع إسماعيل لقواعده ودعائهما لذريتهما بأسلوب يلهم أن ما احتوته مما كان متداولا بين السامعين. وهي هذه : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٢٩).

وقد ذكر مقام إبراهيم مرة أخرى في آيات في سورة آل عمران مع زيادة هامة وهي أنه كان معروفا بعلامات واضحة ومع الإشادة بالبيت على أنه أول بيت وضع لعبادة الله مباركا وهدى للعالمين وهي هذه : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٩٧).

وبناء على ما تلهمه الآيات من أن ما احتوته كان متداولا مسلما به من السامعين العرب فالمتبادر أنه جاء للتذكير والتدعيم بعد آيات التنديد بمواقف العرب وجحودهم واتخاذهم الأنداد والشركاء مع الله : فإبراهيم الذي يعترفون بأبوته لهم كان يدعو الله أن يجنبه هو وبنيه عبادة الأصنام ويقرر أنها أضلت الناس ويدعو الله أن يجعله هو وذريته من القائمين بحق عبادة الله ويعلن إسلامه نفسه

٢٤١

وأمره إلى الله. وما يتمتع به أهل مكة من أمن بلدهم الحرام وتيسير الرزق واتجاه أفئدة الناس إليهم إنما كان من دعائه. وهو إنما أسكن بعض ذريته في وادي مكة الذي قدر الله أن يكون فيه بيته المحرم ليخلصوا له في العبادة. فأحرى بأبنائه العرب أن يسيروا على هداه وأن يحققوا أمنيته ودعاءه وأن يتجنبوا عبادة الأصنام التي تجنبها ودعا الله أن يجنبها ذريته.

وبهذا الشرح تبدو الصلة قائمة بين هذا الفصل وبين الآيات السابقة وبه تفسر مناسبته وحكمته.

ولقد كثر الخوض في حقيقة أبوة إبراهيم وإسماعيل للعرب أو بعضهم أي العدنانيين الذين منهم القرشيون وفي حقيقة سكنى إسماعيل وأمّه وادي مكة. وهو ما عنته الآيات حسب ما عليه جمهور المفسرين وما تلهمه روحها ومضمونها. ولقد ورد في سفر التكوين المتداول اليوم بعض نصوص عن افتراق إسماعيل عن أبيه في السكن فحاول بعض المسلمين أن يستخرجوا من هذه النصوص دعائم لهاتين الحقيقتين. والذي ذكره سفر التكوين المتداول اليوم في إصحاحه (٢١) أن سارة زوجة إبراهيم الحرّة طلبت من زوجها طرد الأمة هاجر التي بنى إبراهيم عليها وأولدها إسماعيل مع ابنها من بيته فساءه ذلك ولكن الله أمره بإجابتها وقال له إني سوف أجعل ابن الأمة أمة من نسلك أيضا. وأنه أخذ خبزا وقربة ماء وجعلهما على منكبي هاجر وأعطاها الصبي وصرفها فمضت وتاهت في برية بئر السبع ثم استقرّ المقام بهما في برية فاران التي تفيد عبارة الإصحاح أنها جزء من برية بئر السبع أو سيناء أو في جهات خليج العقبة. وقد ذكر الإصحاح أن إسماعيل تزوج بامرأة من أرض مصر حيث يكون في هذا تأييد لذلك.

وواضح أن هذا النصّ لا يسوغ تفسير فاران بمكة وواديها وجبالها.

غير أن النص القرآني صريح في صدد خبر إسكان إبراهيم عليه‌السلام بعض ذريته عند بيت الله المحرم. ونقول من باب المساجلة إن هذا النص لا يمكن أن يكون جزافا. وهو يتلى علنا ويسمعه اليهود والعرب ولا بدّ من أن يكون هو

٢٤٢

المعروف المتداول في أوساط اليهود والعرب. ويمكن أن يكون قد ورد صريحا أو ضمنا في أسفار أو قراطيس كانت في يد اليهود ولم تصل إلينا على ما ذكرناه في مسائل مماثلة ومناسبات سابقة. وفي الإصحاح (٣٣) من سفر التثنية هذه العبارة : (أقبل الربّ من سيناء وأشرق لهم من سعير وتجلى من جبل فاران وأتى من ربى القدس وعن يمينه قبس شريعة لهم). وهذه مهابط الوحي على موسى وعيسى ومحمد عليهم‌السلام. ويلحظ أنه استعمل هنا (جبل فاران) في حين أنّ الإصحاح (٢١) من سفر التكوين ذكر (برية فاران) ، وهذه نقطة هامة في هذا الصدد. وفي تفسير البغوي في سياق تفسير الآية [٨] من سورة النمل عبارة مهمة في هذا الصدد كذلك وهي : (روي أنه مكتوب في التوراة جاء الله من سيناء وأشرف من ساعير واستعلى من جبل فاران. فمجيئه من سيناء بعثه موسى منها ومن ساعير بعثه المسيح منها. ومن جبل فاران بعثه المصطفى منها وفاران مكة). والعبارة هي عبارة سفر التثنية بصيغة أخرى من المحتمل أن تكون هي الواردة في ترجمة هذا السفر إذ ذاك لأن الترجمة التي في يدنا هي ترجمة حديثة. وهذا يعني أن مفسري الأسفار كانوا يفسرون الأماكن كما فسرها البغوي.

ولقد روى الطبري وغيره من المفسرين في سياق هذه الآيات وغيرها روايات معزوة إلى ابن عباس وغيره في إسكان إبراهيم إسماعيل عليهما‌السلام في وادي مكة وفي ما جرى له وفي بنائه هو وإياه الكعبة (١). وهناك حديث طويل رواه البخاري عن ابن عباس في ذلك أورده مؤلف التاج في سياق تفسير الآية [١٢٧] من سورة البقرة هذا نصّه : (أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل اتخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتّى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء. ثم

__________________

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي وغيرهم لتفسير هذه الآيات وآيات سورة البقرة [١٢٤ ـ ١٢٩] وآل عمران [٩٧] والحج [٢٦ ـ ٢٩].

٢٤٣

قفّى إبراهيم منطلقا فتبعته أمّ إسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا وهو لا يلتفت إليها فقالت : الله الذي أمرك بهذا؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيّعنا. ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنيّة لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) حتى بلغ (يَشْكُرُونَ) ، وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوّى فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الواد تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتّى إذا بلغت الواد رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الواد ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذلك سعي الناس بينهما. فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمّعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث. فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوّضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا. فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإنّ هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله. فكانت كذلك حتى مرّت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إنّ هذا الطائر ليدور على ماء وعهدنا بهذا الواد ما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريّين فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا وأمّ إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت : نعم ، ولكن لا حقّ لكم في الماء ، قالوا نعم. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحبّ الأنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى

٢٤٤

إذا كان بها أهل أبيات منهم وشبّ الغلام وتعلّم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ فلما أدرك زوّجوه امرأت منهم. وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشرّ نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه‌السلام وقولي له يغيّر عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل كأنه انس شيئا فقال هل جاءكم أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك غيّر عتبة بابك. قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك فطلّقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا. قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء. قال اللهمّ بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي ولم يكن لهم يومئذ حبّ ، ولو كان لهم لدعا لهم فيه قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلّا لم يوافقاه. قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه‌السلام ومريه يثبّت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء؟ قالت : نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك. قال : ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ثم لبث إبراهيم عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال : يا إسماعيل إنّ الله أمرني بأمر ، قال : فاصنع ما أمرك ربّك ، قال : وتعينني؟ قال : وأعينك. قال : فإنّ الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يا بني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يا بني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربّنا

٢٤٥

تقبل منا إنك أنت السميع العليم» (١).

وهذا الحجر هو الذي كان في المكان الذي عرف بمقام إبراهيم في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبيئته قبل البعثة والمذكور في آيات البقرة وآل عمران التي أوردناهما قبل قليل.

ولقد أورد المفسرون بيانات كثيرة أخرى في صدد ما جاء في الحديث وفي صدد ما كان من إنشاء إبراهيم لتقاليد الحج في سياق آيات أخرى في سور الحج والبقرة وآل عمران عزوا إلى ابن عباس وغيره سنلمّ بها في مناسباتها الآتية حيث يؤيد كل هذا ما قلناه من أن أخبار إسكان إبراهيم لإسماعيل في واد مكة وزواج إسماعيل من قبيلة جرهم وانتساب ذريته من الأم العربية الجرهمية إليه وإلى إبراهيم بالتبعية وبناء إبراهيم وإسماعيل الكعبة وإنشاء إبراهيم تقاليد الحج مما كان يتداوله العرب في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصره جيلا بعد جيل. وفي أسفار العهد القديم ذكر للإسماعيليين أكثر من مرة في مقام الإشارة إلى القبائل العربية من ذرية إسماعيل حيث قد يكون في هذا تأييدا ما لذلك.

وفي سورة البقرة آيات تنطوي على إشارات أو قرائن على أن اليهود كانوا يعرفون قدم الكعبة وفضلها وصلتها بإبراهيم وكون اتخاذها قبلة هو الأولى والأحق. وقد جاءت هذه الآيات في سياق التنديد باليهود ومكابرتهم في الحق وهي : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٤٤) و (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٤٦) ، وقد سبق هذه الآيات سلسلة فيها خبر مقام إبراهيم ورفعه قواعد البيت مع ابنه إسماعيل التي أوردنا آياتها

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٣٨ ـ ٤٣ ، اكتفينا بهذا الحديث عن الروايات الأخرى التي يرويها المفسرون في صدد ما جاء فيه.

٢٤٦

قبل قليل. ولقد جاءت آيات آل عمران [٩٦ ـ ٩٧] التي أوردناها قبل والتي فيها ذكر مقام إبراهيم عقب آيات فيها تنديد ببني إسرائيل وتحدّ لهم بالإتيان بالتوراة بحيث يمكن القول إن صلة إبراهيم وإسماعيل بالكعبة وسكنى إسماعيل في وادي مكة وكونهما جدي العرب الأقدمين مما كان يتداوله اليهود ويذكرونه في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصره ، وفي هذا تأييد وتدعيم. والله أعلم.

ومهما يكن من أمر فالذي نراه هو الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيراده في هذه الآيات وغيرها مما له صلة بإبراهيم وملّته والكعبة وتقاليد الحج وأبوة إبراهيم وإسماعيل للعرب مع ملاحظة هامة هي أن الآيات هنا وفي غير مكان قد استهدفت التذكير والتدعيم للدعوة النبوية. فالسامعون للقرآن كانوا يعرفون ويتداولون نسبتهم إلى إبراهيم وإسماعيل وكون دينهما هو التوحيد وخبر سكنى إسماعيل في مكة وصلة إبراهيم وإسماعيل بالكعبة وما يتمتعون به من أمن في حرمها. فالتذكير بذلك في معرض الدعوة النبوية والتنديد بالكفار السامعين لانحرافهم عن طريق أبويهم الأقدمين يكون ملزما ومحكما.

هذا ، ولقد وقف المفسرون عند تعبير (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) فقالوا إن الكعبة كانت مبنية قبل الطوفان فهدمها الطوفان أو رفعها الله وإن إبراهيم إنما جدد بناءها ولذلك جاءت الجملة على اعتبار ما كان. كما قالوا إن الجملة هي على اعتبار ما سيكون بعد قيام البيت الذي عرف إبراهيم مكانه وأمر ببنائه بالوحي. والتعليل الأول ذكر أيضا في سياق آيات البقرة والحج وآل عمران المذكورة آنفا. ومثل هذا لا يصح أن يؤخذ به إلّا بأثر نبوي وثيق وليس هناك مثل هذا الأثر ، والتعليل الثاني هو الأوجه كما هو المتبادر.

ولقد تعددت الأقوال في مدى كلمة (المحرّم) ، فقيل إنها بمعنى الذي يحرّم عنده ما لا يحرم عند غيره. أو إنها بمعنى الذي يحرّم التعرض له والتهاون به أو إنها بمعنى العظيم الحرمة. أو إنها بمعنى الذي يمكن الناس من العبادة عنده والإقامة في كنفه آمنين محرم ظلمهم ودمهم والعدوان عليهم. وكل هذه الأقوال

٢٤٧

واردة ووجيهة مع القول إننا نرجح أن هذه الصفة مما كانت توصف بها الكعبة قبل البعثة النبوية.

(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)) [٤٢ ـ ٥٢]

(١) مهطعين : مسرعين وقيل ذليلين.

(٢) مقنعي رؤوسهم : رافعي رؤوسهم محدقين بأبصارهم إلى مقام القضاء.

(٣) لا يرتدّ إليهم طرفهم : لا تطرف عيونهم من شدة الخوف والهلع والتحديق.

(٤) أفئدتهم هواء : هواء بمعنى خواء ، أي فارغة ، وقيل إنها كثيرة الحركة والاضطراب من شدة الخوف.

(٥) مقرنين في الأصفاد : مشدودين بعضهم إلى بعض بالأغلال والأصفاد.

(٦) سرابيلهم من قطران : ثيابهم أو كسوتهم التي فوق أبدانهم هي القطران ولقد كان العرب يطلون إبلهم الجرباء بالقطران فكانت تبدو كريهة المنظر فضلا عن

٢٤٨

نتانة الرائحة. والعبارة بسبيل وصف منظر المجرمين بأخبث وأقبح منظر لونا وريحا.

وجّه الخطاب في الآيات إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفيها :

١ ـ تطمين له : فلا يظنن أن الله غافل عن الظالمين الباغين فهو مراقبهم ومحص عليهم أعمالهم. وكل ما في الأمر أنه يؤخر حسابهم إلى يوم القيامة الذي سوف تضطرب فيه قلوبهم ويتولاهم الذل والذهول من شدّة الهول الذي يلقونه فيه.

٢ ـ وتثبيت له : فليس عليه إلّا الاستمرار في الدعوة وإنذار الناس بذلك اليوم الذي سوف يستشعر الظالمون فيه بأشد الندم فيطلبون من الله إمهالهم مدة أخرى يتلافون فيها أمرهم ويجيبون دعوة رسله فيرد عليهم مؤنبا مقرعا مذكرا بما كان منهم من زهو وغرور واستكبار ومكر ضد دعوة رسوله تكاد تزول منه الجبال وبعدم تأثرهم بما كان يلقى إليهم من ضروب الأمثال والمواعظ وبما كانوا يرونه من آثار عذاب الله فيمن قبلهم وبعدم اتعاظهم بأخبارهم وبما كانوا يحلفونه من أيمان على سبيل التبجح بأن ما بهم من نعمة وعافية وقوة لن يزول.

٣ ـ وتطمين آخر له : فلا يظنن أن الله مخلف وعده له فيهم فهو ذو القوة المنتقم من أمثالهم وحينما يأتي الوقت المعين في علم الله فتبدل الأرض غير الأرض ويقف الناس أمام الله ليقضي بينهم ويجزي كل نفس ما كسبت يقف المجرمون مشدود بعضهم إلى بعض بالقيود والأغلال وقد طليت أجسادهم بالقطران وغشيت وجوههم بالنار.

وانتهت الآيات بالهتاف بالسامعين : ففي هذا بلاغ للناس ونذير كاف. فعليهم أن يعلموا أن إلههم واحد لا شريك له ، وعلى ذوي العقول السليمة أن يتدبروا ويتذكروا ويتعظوا.

والآيات قد استهدفت كما هو واضح تطمين النبي وتثبيته وتبشيره بتحقيق

٢٤٩

وعد الله له بالنصر وإنذار الكفار والتنديد بهم وتوكيد وعيد الله لهم. وأسلوبها قوي نافذ ومؤثر حقا.

وهي متصلة سياقا وموضوعا بالآيات التي سبقت مناجاة إبراهيم مما يسوغ القول إن آيات فصل إبراهيم قد جاءت استطرادية للتذكير والتدعيم كما قلنا وإنها غير منقطعة بدورها عن السياق السابق واللاحق لها.

وقد جاءت الآيات في ذات الوقت خاتمة قوية للسورة وطابع الختام المألوف في كثير من السور واضح عليها وبخاصة على الآية الأخيرة.

والآية الرابعة وإن كانت منسجمة في السياق مطلقة الخطاب للظالمين جميعا فإنها مما تلهم أن السامعين كانوا يعرفون أخبار الأمم السابقة ومصائرها ونكال الله وتدميره إياهم في الدنيا وأن منهم من وصل إلى بلادهم ورأى آثار ذلك فيها وهو ما تكررت الإشارة إليه في آيات أخرى مرّت أمثلة منها.

والصيحة الداوية في الآيات ضد الظالمين وتنبيهها إلى أن الله غير غافل عنهم تظل تقرع الآذان كل ما تلا القرآن تال لتثير في النفوس النقمة على الظالمين البغاة المستكبرين ولتبعث الأمل واليقين فيها بأن نقمة الله وسخطه لا بد أنهما حالّان فيهم مهما طال بهم الزمن.

ولقد أورد الطبري في سياق جملة (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) القصة التي أوردها المفسر في سياق جملة (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الرعد : ٤٢] في سورة النحل وأوردناها في مناسبتها بصيغة قريبة معزوة هذه المرة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وليس من سند وثيق لهذه الرواية. ولسنا نرى أي تناسب كذلك بين هذه الرواية وبين الجملة القرآنية في مقامها التي يتبادر أنها بسبيل وصف شدّة مكر المناوئين للدعوة النبوية.

ولقد روى المفسرون قراءات متعددة لكلمة (لِتَزُولَ) منها أنها بفتح اللام الأولى ورفع اللام الثانية ومنها أنها بكسر الأولى وفتح الثانية ومنها أنها في صيغة

٢٥٠

(لا تزول) وهناك تخريجات متعددة للكلمة حسب ذلك. منها أنها بمعنى أن الجبال تكاد تزول من شدة مكرهم. ومنها أنها بمعنى أنهم مكروا لأجل أن تزول الجبال. ومنها أنها بمعنى أنهم مما اشتدّ مكرهم لا يمكنهم أن يزيلوا الجبال وبالتالي لا يمكنهم أن يزيلوا الدعوة النبوية الراسخة القوية كالجبال. والأكثر على التخريج الأول الذي قالوا إنه من باب آيات سورة مريم هذه : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٩٢) وهو الأوجه فيما هو المتبادر.

ولقد أورد الطبري وغيره روايات عديدة في صدد جملة (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) استوعب الطبري معظمها أو كلها. منها حديث عن زيد قال : «أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليهود فقال : هل تدرون لم أرسلت إليهم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإني أرسلت إليهم أسألهم عن قول الله يوم تبدل الأرض غير الأرض إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة وكلما جاؤوا سألهم فقالوا تكون بيضاء مثل النقي» وحديث عن سهل بن سعد قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي». وحديث عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يبدل الله الأرض غير الأرض والسموات فيبسطها ويسطحها ويمدّها مدّ الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة مثل مواضعهم في الأولى ما كان في بطنها ففي بطنها وما كان على ظهرها كان على ظهرها وذلك حين يطوي السموات كطي السجلّ للكتاب ثم يدحو بها ثم تبدل الأرض غير الأرض والسموات».

وحديث عن عائشة بطرق عديدة وصيغ متقاربة جاء في إحداها : «قلت : يا رسول الله إذا بدل الأرض غير الأرض وبرزوا لله الواحد القهار أين الناس يومئذ؟ قال : على الصراط» (١). وفي إحداها : «قال لها لقد سألت عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي قبلك قال هم يومئذ على جسر جهنّم». وعن ابن أيوب قال : «أتى

__________________

(١) هذا الحديث رواه مسلم والترمذي أيضا انظر التاج ج ٤ ص ١٣٧.

٢٥١

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حبر من اليهود وقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات فأين الخلق عندئذ؟ قال : أضياف الله فلن يعجزهم ما لديه». وإلى هذه الأحاديث فهناك أقوال معزوة إلى بعض أصحاب رسول الله وتابعيهم منها أن الأرض تبدل بأرض لم يسل فيها دم ولم يعمل فيها خطيئة ومنها أن نار يوم القيامة تكون محل الأرض وجناتها محل السموات.

ولقد علق الطبري على هذه الأحاديث بقوله إنه لا قول يصحّ إلّا ما دلّ عليه ظاهر التنزيل وهو أن الأرض والسموات تتبدل على هيئة غير هيأتها وجائز أن تكون ما ذكر حيث يبدو أنه لم يثبت عنده شيء من الأحاديث وهذا الترجيح هو سنّة السلف الإسلامي الأول فيما ليس فيه نصّ قرآني صريح وليس فيه نصّ نبوي ثابت في الشؤون الغيبية التي منها الشؤون الأخروية على ما نبهنا عليه ووجهناه في مناسبات عديدة سابقة. مع القول إنه لا بدّ من أن يكون حكمة في الصيغة التي جاءت عليها الآيات بالإضافة إلى حقيقة المشاهد الأخروية الإيمانية وإن الآيات بجملتها قد استهدفت إنذار الكفار الظالمين وإثارة الرعب في قلوبهم وحملهم على الارعواء ولعل ذلك من تلك الحكمة.

هذا ، وبمناسبة حديث عائشة الذي رواه الترمذي ومسلم ويعد من الأحاديث الصحيحة عن الصراط نقول إننا علّقنا على هذا الموضوع في سياق سورة مريم بما يغني عن التكرار.

٢٥٢

سورة الأنبياء

في السورة حملات شديدة على الكفار وزعمائهم بسبب عنادهم واستخفافهم بالنبي ودعوته وحكاية لأقوالهم وتحدياتهم ومؤامراتهم ، وردود قوية في البرهنة على وحدة الله وتنزهه عن الولد والشريك وطبيعة إرسال الرسل من البشر ، وثناء على الملائكة وتقرير عبوديتهم لله ولفت نظر إلى مشاهد قدرة الله في السموات والأرض للتدليل على وحدة الله واستحقاقه وحده للعبادة وقدرته على تحقيق وعده الحق. وفيها سلسلة تتضمن ذكر بعض الأنبياء ورسالاتهم وثناء على إخلاصهم وعناية الله بهم في معرض التذكير والتثبيت والتطمين والبشرى ، وبيان مصائر الكفار والصالحين في الآخرة وتقرير لمهمة الرسالة وأهدافها.

وفصول السورة مترابطة مما يسوغ القول إنها نزلت متتابعة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)) [١ ـ ٥]

(١) اقترب : صيغة الماضي تنطوي على التوكيد بالوقوع.

٢٥٣

(٢) ذكر : بمعنى الآيات القرآنية.

(٣) محدث : جديد.

(٤) أسرّوا النجوى : كناية عن اجتماعاتهم الخفية في صدد التآمر على تكذيب النبي.

(٥) الذين ظلموا : جملة معترضة بسبيل التنديد بالمشركين.

(٦) إن هذا إلّا بشر مثلكم : هذا كلام الزعماء ـ الذين ظلموا ـ للناس عن النبي.

في الآيات :

١ ـ تنديد بالناس وتعجّب من موقفهم ـ والمعنى مصروف إلى الكفار ـ فبينما موعد وقوفهم أمام الله ومحاسبتهم يقترب ووقوعه أمر لا يتحمل الريب يظلون معرضين عن دعوة الله مرتكسين في غفلتهم وكلما تلا عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم آيات جديدة من القرآن استمعوها بقلوب لاهية وبالاستخفاف والسخرية.

٢ ـ وحكاية لما كانوا يفعلونه ويقولونه : حيث كانوا يعقدون الاجتماعات السرية للتآمر على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعوته. ويقول بعضهم لبعض أو زعماؤهم لعوامهم إنه ليس إلّا بشرا مثلكم ومظهره مظهر الساحر والسحر فكيف يصحّ تصديقه والانخداع به والاستماع إليه من ذوي عقل وبصيرة. وكانوا يقولون أيضا إنه يخترع ما يقول وينسبه إلى الله افتراء أو إن ما يقوله من تخاليط الأحلام أو إنه شاعر. وكانوا يحاولون التأثير في السامعين ليتحدوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإحداث المعجزات كما حدثت على أيدي الرسل السابقين إن كان صادقا في دعواه.

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الأخيرة حديثا رواه ابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال : «كنّا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ بعض القرآن فجاء عبد الله بن أبيّ بن سلول ومعه نمرقة وزريبة فوضع واتكأ وكان صبيحا فصيحا جدلا فقال يا أبا بكر قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الأولون. جاء موسى بالألواح وجاء داود بالزبور. وجاء صالح بالناقة. وجاء عيسى بالمائدة

٢٥٤

والإنجيل فبكى أبو بكر فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أبو بكر قوموا بنا إلى رسول الله نستغيث به من هذا المنافق فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنه لا يقام لي إنما يقام لله عزوجل. فقلنا يا رسول الله إنا لقينا من هذا المنافق. فقال إن جبريل قال لي اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك وفضيلته التي فضلت بها فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود وأمرني أن أنذر الجنّ وأتاني كتاب وأنا أمّي وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر. وذكر اسمي في الأذان وأمدني بالملائكة. وأتاني النصر وجعل الرعب أمامي. وأتاني الكوثر. وجعل حوضي من أكثر الحياض يوم القيامة ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعو رؤوسهم. وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس وأدخل في شفاعتي سبعين ألفا من أمتي بغير حساب وأتاني السلطان والملك وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم. فليس فوقي أحد إلّا الملائكة الذين يحملون العرش. وأحلّ لي ولأمتي الغنائم ولم تحلّ لأحد كان قبلنا». وعقب ابن كثير على الحديث فقال إنه غريب جدا. ومعظم ما جاء في الحديث قد ورد في أحاديث صحيحة أخرى كما ورد إلى بعض ما جاء فيه إشارات عديدة في القرآن. وحين يصف علماء الحديث حديثا بالغرابة فإنهم يعنون في الغالب غرابة طرق روايته ورواته.

ومهما يكن من أمر فليس في الحديث ما يفيد أن الآية نزلت لتحكي قول المنافق. فالصورة فيه مدنية ولا خلاف في مكية الآية. وليس هناك روايات أخرى فيما اطلعنا عليه في مناسبة الآيات التي احتوت صورا من المواقف العنيدة التي كان يقفها الكفار وبخاصة زعماؤهم والأقوال التي كانوا يقولونها في معرض مناوأة النبي وتحديه كلما تلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله. وقد احتوت تنديدا وإنذارا والمتبادر أنها جاءت مقدمة للسياق الذي جاء بعدها والذي احتوى حكاية أقوال ومواقف أخرى لهم وتنديدا بهم وإنذارا لهم عليها.

ولقد تكررت حكاية هذه الصور والأقوال مما يدل على أنها كانت تتكرر بتكرر المناسبات والمواقف. حيث كانت هذه تتكرر نتيجة لاستمرار النبي في دعوته ورسالته.

٢٥٥

ولقد أوردنا تعليقات متنوعة عليها في المناسبات السابقة فلا نرى ضرورة للإعادة.

والمتبادر أن الآية الثالثة هي حكاية لما كان يقوله النبي أو يؤمر بقوله حينما كانوا ينسبون إليه الافتراء حيث كان يشهد الله على صدق ما يبلغ وهو السميع العليم الذي يعلم كل ما يقال ويجري في السماء والأرض ، وهذا مما تكرر أيضا في الفصول المماثلة السابقة.

ولقد قرأ بعضهم فعل قال بصيغة الأمر والراجح أن اختلاف القراءة ناتج عن طريقة الإملاء القديمة حيث كانت تحذف ألف المد. على أن في أوائل سورة الفرقان آية مماثلة لهذه الآية. والفعل فيها بصيغة الأمر بمعنى أن الله أمر النبي بأن يقول ما في الآية ردا على الكفار وقد تطمئن النفس أكثر بكون الصيغة هنا صيغة أمر.

وجملة (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) قد جاءت بصيغة قريبة في سورة الشعراء وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.

(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠)) [٦ ـ ١٠]

(١) أهل الذكر : كناية عن أهل الكتب السماوية.

(٢) المسرفين : هنا بمعنى المتجاوزين حدود الله ببغيهم وانحرافهم.

(٣) ذكركم : قيل إنها بمعنى تذكيركم وعظتكم. وقيل إنها بمعنى شرفكم

٢٥٦

ورفعة شأنكم والقول الأول أكثر اتفاقا مع السياق.

صلة الآيات بسابقاتها واضحة وقد احتوت ردودا على أقوال الكفار المحكية في الآيات السابقة وتبكيتا وانطوى فيها تطمين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين كما يلي :

١ ـ إن الذين أهلكهم الله من قبلهم لم يؤمنوا بالآيات التي طلبوها فهل يؤمن هؤلاء وهم مثلهم في الكفر والعناد.

٢ ـ إن الرسل الذين أرسلهم الله قبل النبي هم بشر مثله اختصهم بوحيه. ولم يجعل الله أحدا منهم متصفا بصفة خارقة لصفات البشر فيعيش بدون طعام أو يبقى خالدا لا يموت. وعلى الذين يمارون في ذلك أن يسألوا أهل الكتب السماوية.

٣ ـ ولقد حقق الله وعده لرسله الأولين فأهلك الظالمين المسرفين في العناد والآثام ونجّى رسله ومن وفقه الله فاهتدوا بهديهم.

٤ ـ ولقد أنزل الله إليهم كتابا فيه من المواعظ البالغة والحجج الدامغة والبيان الواضح ما فيه هدايتهم وتذكيرهم وتبصيرهم. فهل فقدوا عقولهم حتى لم يعودوا يفهمون ويتبينون الحق والحقيقة.

وما احتوته الآيات قد جاء في آيات سابقة نزلت في مواقف مماثلة.

ولقد علقنا على الردود في المناسبات السابقة بما يغني عن تعليق جديد إلّا القول إن فيما ظلّ يتكرر حكايته من مواقف الكفار وتحدياتهم يدل على ما كان من شدّة عنادهم. وإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ظلّ يقوم بمهمته ويتلو آيات القرآن ويقذف بما احتواه من ردود قوية عنيفة في وجوههم دون مبالاة بقوتهم ومواقفهم حتى صدق الله وعده له وتمّ انتصار دينه على يده.

وقد يكون في الآية الأولى معنى من معاني عدم احتمال إيمان الكفار. غير أن المتبادر أنها في صدد تسجيل واقع أمرهم وشدة مناوأتهم وعنادهم عند نزول الآية. لأن معظمهم قد آمنوا وحسن إيمانهم كما هو ثابت يقينا ، إلّا إذا كان المقصود منهم الزعماء الذين هلك كثير منهم دون أن يؤمنوا.

٢٥٧

(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥)) [١١ ـ ١٥]

(١) قصمنا : حطمنا وسحقنا.

(٢) تلك دعواهم : تلك أقوالهم يكررونها.

(٣) حصيدا خامدين : مقلوعين هالكين لا نأمة ولا حركة لهم.

في الآيات :

١ ـ تساؤل يتضمن التنبيه إلى كثرة من صبّ الله عليهم عذابه وتدميره من القرى الظالمة وأنشأ بعدهم غيرهم.

٢ ـ وبيان لما كان من أمر الذين صبّ الله عليهم عذابه حيث حاولوا الفرار من قراهم أملا بالنجاة فحيل بينهم وقيل لهم في معرض التبكيت بل ارجعوا إلى مساكنكم وما كنتم فيه من ترف حتى ينالكم عذاب الله فلم يكن منهم إلّا أن أخذوا بالعويل والندب واعترفوا بما كان منهم من ظلم وإثم ثم حاق بهم العذاب حتى خمدت منهم الأنفاس وأصبحوا كالزرع المحصود المطروح.

والاتصال قائم بين هذه الآيات وسابقاتها كما هو واضح أيضا. وقد استهدفت إنذار السامعين أو الكفار في بيان أسلوب الله في إهلاك المسرفين الذين أشير إليهم في الآية الأخيرة السابقة.

ولقد ذكر البغوي أن الآيات نزلت في أهل حضرموت قرية باليمن بعث الله إليهم نبيا يدعوهم فكذبوه وقتلوه فسلّط عليهم الله بختنصر حتى قتلهم وسباهم فلما استمر فيهم القتل ندموا وهربوا فقالت لهم الملائكة استهزاء لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم وقد اتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف ونادى مناد في

٢٥٨

جو السماء يا ثارات الأنبياء فلما رأوا ذلك أقروا بذنوبهم حين لم ينفعهم ذلك.

ومن المحتمل أن تكون القصة مما كان العرب يتداولونه قبل البعثة فشاءت حكمة التنزيل الإشارة إليها والتذكير بها في معرض التنديد والإنذار.

(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)) [١٦ ـ ٢٠]

(١) لا يستحسرون : لا يتعبون ولا يملّون.

(٢) لا يفترون : لا ينقطعون.

في الآيات :

١ ـ تقرير بأن الله تعالى لم يخلق السماء والأرض وما بينهما عبثا بدون غاية وحكمة ولو أراد العبث واللهو لكان له من القدرة والوسائل ما يحقق له مراده. وإنما خلق الكون وما فيه لحكمة وغاية سامية ومن ذلك تأييد الحق على الباطل وإحباطه.

٢ ـ وإنذار للكفار : فالويل لهم مما يصفون الله به من صفات ويلصقونه به من أولاد وشركاء مما يتنافى مع ربوبيته الشاملة وصفاته الكاملة ، وهو الذي يخضع من في السموات والأرض من خلقه لحكمه ومشيئته وتصرفه والذين عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يتعبون ولا يملّون وهم يسبّحونه بالليل والنهار دون فتور وانقطاع.

والآيات بمثابة تعقيب على الآيات السابقة. والاتصال بينها وبين سابقاتها قائم ، والمتبادر أن المقصود من جملة (وَمَنْ عِنْدَهُ) هم الملائكة. وقد استهدف

٢٥٩

فيما ذكر من عبادتهم وتسبيحهم الدائم لله تنبيه الكفار وتكبيتهم على ما هو الراجح. فإذا كانوا هم يستكبرون عن عبادة الله وينأون عن دعوته فالملائكة الذين يشركونهم معه في العبادة والدعاء لا يستكبرون عن ذلك وهم دائبون عليه في الليل والنهار. وقد تكرر هذا في آيات عديدة مرّ بعضها ، وفي الآيات التي تأتي بعد قليل قرينة مؤيدة لذلك.

ولقد ذكر بعض المفسرين (١) أن اللهو المذكور في الآية الثانية يعني اتخاذ الزوجة أو الولد وأن فيها ردّا على عقيدة النصارى. ومنهم من قال (٢) عزوا إلى ابن عباس إن اللهو هو المرأة والولد. وروح الآيات ومضمونها وسياقها لا تساعد على تصويب ذلك. وتسوغ القول إن اللهو هنا بمعنى العبث أو ضد الحق والحكمة وإن الآيات بسبيل تقرير كون الله لم يخلق الكون والناس عبثا ولا بد من محاسبتهم على أعمالهم. وذلك بسبيل الإنذار والموعظة والإفحام أيضا. وهذا المعنى بل والتعبير قد ورد في آيات سابقة يبرز فيها المعنى الذي ذكرناه مثل آية سورة [ص : ٢٧] وآيات سورة الدخان [٢٧ ـ ٢٨].

ولقد روى الطبري في سياق الآيتين [١٩ ـ ٢٠] حديثا عن قتادة جاء فيه : «بينما كان النبيّ جالسا مع أصحابه إذ قال لهم تسمعون ما أسمع؟ قالوا : ما نسمع من شيء يا نبيّ الله ، قال : إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط وليس فيها موضع راحة إلّا وفيه ملك ساجد أو قائم». وقد أخرج هذا الحديث ابن أبي حاتم عن حكيم بن حزام على ما ذكره ابن كثير أيضا. فإذا صحّ ففيه إخبار غيبي نبوي متساوق مع صدى الآيتين. وروى ابن كثير في سياقهما أيضا عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام فقلت أرأيت قول الله تعالى عن الملائكة (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢٠) أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل فقال لي يا بني إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس

__________________

(١) البغوي.

(٢) الخازن والزمخشري.

٢٦٠