التّفسير الحديث - ج ٥

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٥

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٨

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨)) [٥ ـ ٨]

(١) أيام الله : بمعنى عذاب الله في الأمم السابقة. وتعبير الأيام عند العرب يعني الحروب ووقائعها والشدائد والمصائب.

(٢) تأذّن : قطع على نفسه عهدا.

في الآيات تذكير برسالة موسى لقومه : فقد أرسله الله بآياته ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويذكرهم بأيام الله مع غيرهم. وقد قام بالمهمة فذكّر قومه بنعم الله عليهم حيث نجاهم من عذاب فرعون الذي كان من جملته تذبيح ذكورهم واستحياء نسائهم واستعبادهن. وقال لهم فيما قال إن الله قد أخذ عهدا على نفسه بأن يزيدهم من نعمه إذا هم أدوا حقه من الشكر كما أنه أعدّ لهم عذابه الشديد إذا كفروا ، وقرر لهم أن شكرهم وكفرهم إنما يعود نفعهما وضررهما عليهم وحدهم وأنهم لو كفروا هم ومن في الأرض جميعا لما أزعجوا الله الذي هو غني عن كلّ أحد والذي هو المحمود بذاته سواء شكره الناس أم لم يشكروه.

والمتبادر أن الآيات جاءت بمثابة تعقيب على موقف الكفار العرب والحملة عليهم مما هو متسق مع أسلوب سياق القصص القرآنية. فكفار العرب انحرفوا عن الطريق الحق فأرسل الله رسولا منهم يخاطبهم بلغتهم ليهديهم ـ على ما جرت عليه سنّته ـ ومن ذلك رسالة موسى إلى قومه. ويلفت النظر إلى التشابه في الخطاب حيث احتوى مطلع السورة أن الله أنزل الكتاب على النبي ليخرجهم من الظلمات إلى النور وأن هذا كان شأن موسى أيضا. ولقد كان العرب يعرفون رسالة موسى وقصصه في قومه وفي فرعون فجاء التذكير محكما ملزما. وقد تكون حكمة التنزيل

٢٢١

استهدفت في حكاية الخطاب الذي وجهه موسى عليه‌السلام لقومه تنبيه السامعين من قوم النبي وجعلهم يأخذون منها عظة وعبرة. فإن شكروا زادهم الله نعمة وإن كفروا فإن الله غني عنهم وعن غيرهم. وإن صحّ استلهامنا هذا ففيه ما يدعم ما قررناه قبل من انطواء الآية السابقة على تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتطمينه.

تعليق على جملة

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)

وهذه الجملة جديرة بالتنويه لذاتها ولو أنها حكاية قول موسى عليه‌السلام لقومه. وورودها في القرآن مؤيد لنسبتها إلى الله. وقد تضمنت عهدا من الله بمقابلة الشاكرين لنعمه بالزيادة والرعاية. وفي ذلك ما فيه من بشرى ورحمة وحثّ على الشكر الذي يستوجب دوام نعم الله والمزيد منها ويستوجب إلى ذلك ذكر الله وتقواه وابتغاء رضائه. وفي ذلك تلقين جليل مستمر المدى يضاف إلى ما في الشكر مطلقا من تلقين وعلاج روحي على ما شرحناه في سياق سورة لقمان.

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا

٢٢٢

لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧)) [٩ ـ ١٧].

(١) فردّوا أيديهم في أفواههم : كناية عن منع الرسل من الكلام على ما يفعله المرء حينما يسمع شيئا غريبا أو حينما يستهزىء بشيء أو يكذبه. وقيل إنها بمعنى أن الكفار عضّوا على أصابعهم تعجبا.

(٢) سلطان : هنا وفي كثير من آيات القرآن بمعنى الدليل والبرهان.

(٣) استفتحوا : استنصروا وطلبوا الفتح والنصر على الأعداء. ويحتمل أن يكون ضمير الجمع راجعا إلى الكفار كما يحتمل أن يكون راجعا للرسل ويحتمل أن يكون راجعا للفريقين أي أن كلا منهما طلب النصر على خصمه فنصر الله رسله وخيّب كل جبّار عنيد.

(٤) ماء صديد : ماء نتن. والصديد هو السائل النتن الذي يخرج من البثور والجروح والدمامل.

قال الطبري : إن الآيات استمرار لحكاية خطاب موسى لقومه. وتابعه مفسرون آخرون وتوقف ابن كثير في ذلك ورجح أنه كلام مستأنف وليس من كلام موسى. وقال إن في كلام ابن جرير نظر فإنه قيل إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة فلو كان هذا من كلام موسى لقومه وقصصه عليهم لاقتضى أن تكون هاتان القصتان في التوراة ثم فوّض الأمر إلى علم الله. والعبارة القرآنية في حد ذاتها تحتمل القولين. وفي سورة غافر آية تحكي عن لسان مؤمن آل فرعون خطابا موجها إلى قومه فيه تذكير لهم بما وقع على قوم نوح وعاد وثمود بسبب كفرهم بالله ورسالاته. حيث يسقط بذلك ما حاول ابن كثير أن يتفاداه بسبب عدم ورود

٢٢٣

قصة عاد وثمود في التوراة. ولقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة غافر بما يغني عن التكرار.

وعبارة الآيات واضحة. وقد احتوت حكاية ما كان بين الرسل وأقوامهم من أخذ ورد وحجاج ولجاج وتحدّ وتهديد ووعيد وانتهت بتقرير خيبة كل جبار عنيد وخزيه في الدنيا وشدّة ما ينتظره في الآخرة من عذاب وأهوال. واستهدفت كما هو المتبادر تذكير السامعين الكفار بعاقبة الكفار العنيدين الأولين في الدنيا وما سوف تكون عاقبتهم في الآخرة وإثارة الخوف والارعواء فيهم ، وفيها كما في سابقتها معنى التعقيب على آيات السورة الأولى التي حكت موقف كفار العرب كما هو المتبادر أيضا.

ويلفت النظر إلى التماثل بين ما تحكيه الآيات من موقف كفار الأمم السابقة وأقوالهم وما حكته آيات عديدة مرّت أمثلة منها من موقف كفار العرب وأقوالهم ومجادلتهم وتهديدهم للنبي والمؤمنين بالإخراج وأذيتهم لمن يقدرون على أذيته منهم. وكذلك التماثل بين ما تحكيه من أقوال الأنبياء وردودهم وبين ما حكته آيات عديدة مرت أمثلة منها من موقف النبي وردوده على الكفار بلسان القرآن.

وواضح أن هذا التماثل يزيد في قوة تأثير الآيات في السامعين من جهة وفي تطمين النبي والمؤمنين وتسليتهم من جهة أخرى ، وهو ما استهدفته الآيات كما هو المتبادر.

وجملة (أَفِي اللهِ شَكٌ) جديرة بالتنويه. فكفار الأمم السابقة يقولون لأنبيائهم إننا في شك مما تدعوننا إليه ويطلبون برهانا على صحة دعوتهم فيحكي القرآن ردّ الأنبياء بأن دعوتهم إلى الله ولا يصح أن يكون في الله شكّ وهو فاطر السموات والأرض حتى يطلبوا برهانا على صحة الدعوة إليه.

وهذا مماثل لموقف القرآن من كفار العرب فكما طلبوا الآيات والخوارق كدليل على صحة رسالة النبي أجيبوا بما يفيد أن الدعوة إلى الله وأنها لا تحتاج إلى

٢٢٤

آيات وخوارق لأن آيات الله الماثلة أمامهم والتي يرونها ويحسونها في مشاهد الكون العظيم ونواميسه وفي أنفسهم كافية شافية لمن كان حسن النية صادق الرغبة في الإيمان بالله وحده. والمتبادر أن هذا قد حكي على لسان الأنبياء السابقين ليكون فيه لكفار العرب الإلزام والإفحام.

والآيات الأخيرة بخاصة تضمنت تطمينا قويا للنبي والمؤمنين وبشرى تحققت معجزتها بعد الهجرة إلى المدينة حيث أهلك الله رؤساء الكفار وجبابرتهم العنيدين ومكّن للنبي والمؤمنين في الأرض وشملهم بعطفه ورحمته.

ولقد أورد الطبري في سياق الآية [١٧] حديثا نبويا بطرقه عن أبي أمامة جاء فيه : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في قوله (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) (١٦) فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله عزوجل (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) [محمد : ١٥] ويقول : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ) [الكهف : ٢٩]» حيث ينطوي في الحديث توضيح نبوي استهدف الإنذار والترهيب فيما استهدفه كما هو شأن الآية.

(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)) [١٨]

في الآية تشبيه لأعمال الكفار بالرماد الذي يتعرض لريح شديدة. فكما أن الريح تذري ذرات الرماد فلا يبقى منها شيء فإن كفر الكفار يحبط كل عمل يصدر منهم ويذهب به فلا يكون لهم منه أي نفع وخير. وهذا خسران ليس بعده خسران وضلال ليس بعده ضلال.

والمتبادر أن الآية جاءت معقبة على سابقاتها وأن المقصود منها هو إيذان بحبوط أي عمل مهما كان فيه خير ومكرمة ، أو أريد به ذلك ما دام صاحبه كافرا. وقد تضمنت كما هو واضح تلقينا جليلا متصلا بالدعوة الإسلامية وهو أن كل عمل لا يكون صاحبه مؤمنا بالله متجها إليه وحده لا فائدة منه عند الله لأنه لا يكون

٢٢٥

صادرا عن قلب طاهر سليم. وقد تكرر هذا المعنى في آيات كثيرة مرّت أمثلة عديدة منها.

ومن مفارقات غلاة مفسري الشيعة العجيبة قولهم في صدد هذه الآية إنها مثل مضروب لمن لم يقرّ بولاية علي فإنه يكفر ويبطل كل عمل له (١) ... ومؤدى الرواية أن عليّا هو ربّ الناس.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)) [١٩ ـ ٢٠]

(١) عزيز : هنا بمعنى ممتنع أو متعذر.

المتبادر أن الآيتين جاءتا معقبتين على الآية السابقة. والخطاب فيهما موجه إلى السامعين وإن كان جاء في أول الآية الأولى بصيغة المفرد وفي آخرها بصيغة الجمع بل ولعلّه موجه إلى الكفار منهم. والسؤال الذي بدأت به الآية الأولى في معنى تقرير أمر يعرفه أو يعترف به السامعون. وهكذا تكون الآية الأولى قد تضمنت تقريرا بكون السامعين يعترفون أن الله هو الذي خلق السموات والأرض وبكون ذلك يستتبع أن يكون قد خلقهما بالحق وأن يكون قادرا على إفناء السامعين والناس والإتيان بخلق جديد ، وأكدت الآية الثانية قدرة الله على ذلك وعدم عجزه عنه وامتناعه منه.

والمتبادر أن المقصود من كلمة الحق في مقامها تقرير كون الله عزوجل لم يخلق السموات والأرض عبثا وإنما خلقهما لحكمة سامية ، وهو ما قررته آيات كثيرة مرّت أمثلة منها. وعلى ضوء الآية السابقة للآيتين وعلى ضوء تلك الآيات التي منها آيات سورة الذاريات هذه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما

__________________

(١) التفسير والمفسرون للذهبي ، ج ٢ ص ٧٠.

٢٢٦

أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (٥٧) يمكن أن يقال إن هذا تضمن تقرير كون من حكمة الله أن يؤمن الناس بالله ويتجهوا إليه وحده فإذا لم يفعلوا ذهبت أعمالهم هباء عنده واستحقوا غضبه.

ولما كان كفار العرب يعترفون بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض ، على ما حكته عنهم آيات عديدة مرت أمثلة منها فتكون الحجة في الآيتين دامغة مفحمة لهم.

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢)) [٢١ ـ ٢٢]

(١) الضعفاء : هنا بمعنى العوام التابعين لتوجيه الزعماء والرؤساء ، وهم الذين عنتهم جملة (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا).

(٢) مغنون عنا : نافعون لنا أو دافعون عنا.

(٣) ما لنا من محيص : ما لنا من مفرّ وخلاص سواء أجزعنا أم صبرنا.

(٤) ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ : بمعنى ما أنا بناصركم وما أنتم بناصريّ والتعبير من تعابير العرب القديمة ويعني الاستجابة إلى دعوة النصر وتلبية الصارخين في طلب المساعدة.

احتوت الآيات صورتين عما سوف يكون من مصير الكفار يوم القيامة :

٢٢٧

١ ـ فحينما يعرضون على الله ويقفون للقضاء والجزاء سيشعرون بالندم ويدركون هول ما هم مقبلون عليه فيبادر العوام الذين استجابوا لتوجيه الزعماء والكبار إلى زعمائهم قائلين لهم في معرض العتب والتثريب : إنا كنا لكم في الدنيا تبعا واستجبنا لتوجيهكم فكذبنا رسل الله وتصاممنا عن دعوتهم فهل أنتم دافعون عنا شيئا من عذابه؟ فيجيبهم هؤلاء يائسين : إنّا لو هدانا الله لهديناكم! فنحن وإياكم في الموقف سواء وليس لنا ولا لكم مفرّ منه سواء أجزعنا أم صبرنا.

٢ ـ وحينما ينتهي القضاء الرباني فيهم ينبري لهم الشيطان فيخاطبهم قائلا في معرض التنديد والتبكيت أيضا : إن الله قد وعدكم وعد الحقّ وحقق ما وعد ووعدتكم فلم أحقق لكم شيئا. ولم يكن لي عليكم سلطان قاهر وقصارى ما فعلت أني دعوتكم إلى الانحراف والاعوجاج عن طريق الهدى والحق فسارعتم إلى الاستجابة فلا تلوموني ولوموا أنفسكم على ما صرتم إليه. وليس من أحد منا قادرا على إنقاذ الآخر ونصره ، وإني أعلن براءتي من شرككم لي وأجحده.

وحينئذ يهتف الحق : ألا إن الظالمين الذين بغوا وأجرموا وجحدوا قد استحقوا عذاب الله الأليم.

والمتبادر أن الآيات متصلة بسابقاتها التي احتوت حكاية مواقف الكفار. وقد تضمنت كنتيجة لهذه المواقف بيان مصيرهم الأخروي. وأسلوبها قوي في اللذع والتصوير ومن شأنه إثارة الخوف والرهبة في الكافرين وحملهم على التذكر والتدبر والارعواء قبل مواجهة المصير الرهيب ، وهذا مما استهدفته كما هو المتبادر مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي المغيب.

ولقد تكررت حكاية عتاب الضعفاء للزعماء والكبار والمحاورة بينهما بين يدي القضاء الرباني الأخروي مما يدل على ما كان لهؤلاء على أولئك من تأثير. والمتبادر أنها تستهدف حمل الضعفاء على ليّ وجوههم عن الزعماء وجعلهم يدركون أنهم لن يغنوا عنهم من الله شيئا.

أما حكاية خطاب الشيطان للكفار فالمتبادر أن من المقصود بها دمغ الكفار

٢٢٨

بدمغة اتباع الشيطان الذي له في أذهانهم صورة بغيضة ، وتقرير كون الشيطان نفسه سوف يتبرأ منهم يوم القيامة ، وفي هذا غاية التقريع والتبكيت.

والمتبادر أن مما استهدف من ذلك حمل الكفار على الارعواء عما هم فيه من ضلال ، زعماؤهم وعوامهم على السواء.

وفي الآيات توكيد ضمني لمعنى متكرر في القرآن وهو حرية الناس في الاختيار واستحقاقهم لمصائرهم وفقا لهذا الاختيار.

ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا رواه ابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا جمع الله الأولين والآخرين فقضى بينهم ففرغ من القضاء قال المؤمنون : قد قضى بيننا ربّنا فمن يشفع لنا؟ فيقولون : انطلقوا بنا إلى آدم فلم ير أن يتقدم للشفاعة ثم إلى الأنبياء الآخرين وحينما يصلون إلى عيسى يقول لهم هل أدلّكم على النبي الأمّي فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم فيثور من مجلسي من أطيب ريح شمّها أحد قط حتى آتي ربي فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظهر قدمي. ثم يقول الكافرون هذا قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ما هو إلّا إبليس هو الذي أضلّنا فيأتون إبليس فيقولون : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا فيقوم فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمّها أحد ثم يقول لهم ما حكته عنه الآية [٢٢]». والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة (١). فإذا صحّ فيكون من حكمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه ما استهدفته الآيات من إنذار وتبكيت للكفار وتطمين للمؤمنين. على أن خبر شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم القيامة وارد في أحاديث صحيحة ، أوردنا بعضها وعلقنا عليها في سياق سورة الإسراء.

(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ

__________________

(١) أشار إلى هذا الحديث الطبري والبغوي أيضا ولكن نصه الكامل ورد في تفسير ابن كثير فقط فقلناه عنه.

٢٢٩

فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)) [٢٣]

احتوت الآية بيان مصير المؤمنين الصالحين في الآخرة مقابلة لمصير الكافرين الظالمين. وجاءت بصيغة الماضي للسياق السابق. ولا شك في أنها استهدفت فيما استهدفته بثّ الطمأنينة في نفوس المؤمنين وإثارة الرغبة في غيرهم وقد تكرر ذلك أسلوبا وصيغة كثيرا في حكاية المواقف المماثلة ومرّ منه أمثلة عديدة.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧)) [٢٤ ـ ٢٧]

(١) أصلها : كناية عن جذورها.

(٢) فرعها : كناية عن ارتفاعها في الجو.

(٣) اجتثّت : اقتلعت. والجملة التي فيها الكلمة لبيان عدم إمكان استقرار الشجرة في الأرض حينما تكون رديئة الجنس والصنف وبيان سهولة اقتلاعها.

ولقد روى الطبري وغيره من المفسرين روايات متنوعة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعض أصحابه وتابعيهم عن مدى بعض العبارات الواردة في الآيات. من ذلك حديث نبوي عن أنس رواه الترمذي أيضا بصيغة جامعة فنقلناها عنه. وقد جاء فيها : «أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقناع عليه رطب فقال مثل كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها قال هي النخلة. ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار قال هي

٢٣٠

الحنظل» (١). ومن ذلك في مدى كلمتي (الطيبة والخبيثة) حيث قيل إن الأولى هي كلمة التوحيد أو الإيمان أو المؤمن أو العمل الصالح مطلقا. وإن الثانية هي الشرك أو الجحود أو البغي والظلم ، وكل هذه الأقوال وجيهة.

وعلى ضوء ذلك وضوء فحوى الآيات وروحها نقول إن الآيات الثلاث الأولى نبهت السامع إلى التشابه بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة وبين الكلمة الخبيثة والشجرة الخبيثة كمثل مضروب للتذكير والعظة. فكما أن الشجرة الطيبة الجنس هي التي ترسخ في الأرض وتعلو في الجو وتنمو على أحسن وجه وتؤتي ثمرا طيبا في كل موسم بدون إخلال كذلك الكلمة الطيبة هي التي تكون ذات أثر مفيد صالح ومستمر في كلّ وقت ومجال. وكما أن الشجرة إذا خبث جنسها لا ترسخ في الأرض ولا تعلو في السماء ولا تؤتي إلّا أردأ الثمر وتقتلع بسهولة ، كذلك الكلمة الخبيثة فإنّها لا قرار ولا ثبات لها ولا نفع فيها.

أما الآية الرابعة فهي في مثابة التوجيه والتعقيب : فالذين آمنوا بالله يثبتهم الله بالقول الثابت الصالح النافع في الدنيا والآخرة. وأما الظالمون أي الذين فسدت قلوبهم ودرجوا على البغي والإجرام والانحراف فهم محرومون من هذه العناية الربانية بسبب ظلمهم. والذي يريده الله هو الذي يكون على النحو الذي يشاؤه.

وورود الآيات بعد بيان مصير كل من المؤمنين والكافرين في الآخرة يجعل الصلة بينها وبين ما قبلها قائمة كما هو المتبادر.

ويلفت النظر إلى أسلوب ومضمون الآية الأخيرة. فقد انطويا على إزالة ما يمكن أن يقوم من وهم تحتيم الله سبحانه بضلال ضالين وإيمان مؤمنين بأعيانهم ، وعلى تقرير كون عناية الله وتثبيته قد كانا للمؤمن بعد إيمانه لأنه أثبت بذلك حسن نيته وصدق رغبته ، وكون سخط الله وإضلاله قد كانا للظالم الكافر المنحرف لأنه اتصف بهذه الصفات أو درج عليها.

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ١٣٦.

٢٣١

تعليق على آية

(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ)

وعلى ما ورد من أحاديث عن سؤال القبر

والآية في حدّ ذاتها جديرة بالتنويه بصورة خاصة. فهي تلهم أنها بسبيل تقرير أن من شأن الإيمان أن يشع في نفس صاحبه فيجعله يدرك الخير ويسير في طريقه فيسعد ويطمئن ويحظى برضاء الله وعنايته وتثبيته في كلّ موقف في الدنيا والآخرة بعكس الكفر الذي يغلق قلب صاحبه ويجعله مظلما قاتما فلا يتورّع عن اقتراف الآثام والشرور دون رادع ولا وازع فيكون شؤما على نفسه وغيره مستحقّا لسخط الله وغضبه وحرمانه من التسديد والتوفيق.

وننبه بنوع خاص إلى جملة (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) حيث ينطوي فيها تقرير كون إضلال الله وعدم إسعاده وتوفيقه للظالمين ، إنما كان لتحقق الظلم منهم. وحيث تكون من نوع الضوابط التي ما فتئنا ننبه عليها في مناسباتها لإزالة إشكال العبارات القرآنية المطلقة في هداية الله الناس وإضلالهم.

ومع أن مضمون الآية وروحها شاملان لمواقف الدنيا والآخرة فقد أورد البخاري في فصل التفسير من صحيحه حديثا رواه البراء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوهم أنه تفسير لهذه الآية وأنها في صدد السؤال الذي يوجه للموتى في قبورهم بعد دفنهم وجوابهم عليه حيث جاء فيه : «المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)» (١).

ولقد أورد المفسرون في سياق تفسير هذه الآية أحاديث أخرى بعضها يبدو أنها تفسير أو تطبيق للآية وبعضها في سؤال القبر ونعيمه وعذابه كما روى أصحاب

__________________

(١) انظر التاج ج ٤ ص ١٣٦.

٢٣٢

كتب الأحاديث الصحيحة أحاديث عديدة في هذا الباب ، من ذلك حديث رواه أبو هريرة قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ذلك إذا قيل له في القبر : من ربّك وما دينك ومن نبيّك؟ فيقول : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد جاءنا بالبيّنات من عند الله فآمنت به وصدّقت ، فيقال له : صدقت ، على هذا عشت وعليه متّ وعليه تبعث» (١). ومن ذلك حديث عن البراء قال : «خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحد ، فجلس رسول الله وجلسنا حوله كأنّ على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت به الأرض فرفع رأسه فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر ؛ مرّتين أو ثلاثا ثم قال : إنّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال إلى الآخرة نزلت إليه الملائكة من السماء بيض الوجوه كأنّ وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنّة وحنوط من حنوط الجنّة حتى يجلسوا منه مدّ البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيّتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرّون بها على ملأ من الملائكة إلّا قالوا ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون : فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمّونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فيقول الله : اكتبوا كتاب عبدي في علّيّين وأعيدوه إلى الأرض فإنّي منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى. فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربّك؟ فيقول : ربّي الله ، فيقولان : ما دينك؟ فيقول : الإسلام ، فيقولان ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان : وما علمك؟ فيقول :

__________________

(١) انظر تفسير الآية في ابن كثير.

٢٣٣

قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة. فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مدّ بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيّب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي توعد ، فيقول له : من أنت فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير؟ فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : ربّ أقم الساعة ربّ أقم الساعة. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء سود الوجه معهم المسوح فجلسوا منه مدّ البصر ثم يجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول : أيّتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح فيخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرّون على ملأ من الملائكة إلّا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون : فلان ابن فلان ، بأقبح أسمائه التي كان يسمّى بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح. ثم يقرأ رسول الله (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف : ٤٠] فيقول الله : اكتبوا كتابه في سجين الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [الحجّ : ٣١] فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له : من ربّك؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان : ما دينك؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هاه هاه لا أدري. فينادي مناد من السماء أن كذّب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرّها وسمومها ويضيق عليه حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت فوجهك الذي يجيء بالشرّ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث فيقول : ربّ لا تقم

٢٣٤

الساعة» (١). وقد روى أصحاب كتب الصحاح الخمسة : البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي معا حديثا فيه بعض هذا الحديث عن أنس جاء فيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل (أي محمّد)؟ فأمّا المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقال له : انظر إلى مقعدك من النّار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنّة ، فيراهما جميعا. وأمّا الكافر أو المنافق فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس ، فيقال : لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثّقلين» (٢).

ورووا كذلك حديثا عن أسماء قالت : «إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما من شيء لم أكن أريته إلّا رأيته في مقامي هذا حتّى الجنة والنار فأوحي إليّ أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجّال. يقال ما علمك بهذا الرجل فأمّا المؤمن أو الموقن فيقول هو محمّد رسول الله جاءنا بالبيّنات والهدى فأجبناه واتبعناه هو محمد ثلاثا ، فيقال نم صالحا فقد علمنا إن كنت لموقنا به. وأمّا المنافق أو المرتاب فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» (٣). ورووا أيضا حديثا عن ابن عمر قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ إن كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة» (٤). ورووا : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدعو : اللهمّ إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة

__________________

(١) تفسير ابن كثير وقد ذكر المفسر أن هذا الحديث رواه أبو داود من حديث الأعمش والنسائي وابن ماجه من حديث المنهال بن عمرويه.

(٢) انظر التاج ج ١ ص ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

(٣) انظر المصدر نفسه ص ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٤) انظر المصدر نفسه.

٢٣٥

المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدّجال» (١). وروى الترمذي عن عثمان بن عفان قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما رأيت منظرا قطّ إلّا القبر أفظع منه» (٢).

وهناك أحاديث كثيرة أخرى غير ما أوردناه فاكتفينا بما أوردناه (٣). ونقول تعليقا على ما ورد منه كتفسير أو تطبيق للآية : إنه ما دام مضمون الآية وروحها يلهمان أنها أوسع شمولا وأنها تتناول كل موقف في الحياة الدنيا وفي الآخرة فالمتبادر أن ما جاء في الأحاديث هو من باب التمثيل لتثبيت الله للمؤمن واضطراب الكافر في موقف من المواقف.

ونقول في موضوع سؤال القبر ونعيمه وعذابه ما دام قد ورد فيه أحاديث صحيحة لا يصحّ المماراة فيها إن من واجب المسلم أن يؤمن بأخبار الغيب التي تثبت عن رسول الله ولو لم يدركها العقل العادي ويقف عند ذلك كما هو الشأن فيما جاء من ذلك في القرآن مع الإيمان بأن ذلك في نطاق قدرة الله وبأنه لا بد لذكر ذلك من حكمة. والمتبادر أن من الحكمة هنا تطمين المؤمن وتشويقه وتثبيته والحث على الإيمان وتخويف الكافر وتقبيح الكفر. وهذا ما يمكن أن يستلهم من نصوص الأحاديث وبخاصة حديث البراء الطويل ، والله أعلم.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا

__________________

(١) انظر التاج أيضا ج ١ ص ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٢) انظر المصدر نفسه.

(٣) انظر المصدر نفسه وانظر تفسير الآية في كتب تفسير ابن كثير والطبري والبغوي والخازن.

٢٣٦

وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١)) [٢٨ ـ ٣١]

(١) البوار : الهلاك.

(٢) خلال : جمع خلّة (بالضم) وهي الصداقة.

في الآيات الثلاث الأولى تنديد بزعماء المشركين وإنذار لهم بصيغة سؤال تقريري موجه إلى السامع أو إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقد قابلوا نعم الله عليهم بالكفر والجحود ووقفوا من دعوته التي يدعوهم إليها رسوله وهي من أجلّ نعم الله أيضا نفس الموقف فورطوا قومهم وعرّضوهم للمصير المهلك الذي ينتظر الكافرين وهو جهنم وبئست هي من مصير وقرار. وقد جعلوا لله شركاء وأندادا مماثلين له فضلوا عن سبيل الله وأضلوا غيرهم. فعلى النبي أن ينذرهم فلا يغتروا بمتاع الدنيا فهو قصير الأمد ثم يصيرون إلى النار إن هم ظلوا على موقفهم.

وفي الآية الرابعة أمر التفاتي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحثّ عباده المؤمنين على إقامة الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله سرّا وعلنا وهم في فرصة من الحياة الدنيا وهي الفرصة الوحيدة الصالحة للعمل قبل أن تنتهي ويأتي اليوم الذي لا مجال فيه للعمل ولا فائدة فيه للصداقة.

ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أن الآيتين [٢٨ و ٢٩] مدنيتان. ويلحظ أن الانسجام بينهما وبين ما بعدهما قوي أولا وأن مضمونهما ينصرف أكثر إلى زعماء مكة وبالتبعية إلى صور العهد المكي مما يسوغ الشك في رواية مدنيتهما. ولم نطلع في كتب التفسير على تأييد لذلك ولقد روى المفسرون (١) أقوالا مختلفة عن المقصودين بالآية الأولى منها عن عمر بن الخطاب أنهم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية. وعن ابن عباس أنه قال لعمر إنهم أخوالي وأعمامك. وعن علي أنهم الأفجران من بني أسد وبني مخزوم. ومنها عن ابن عباس وعلي أيضا

__________________

(١) انظر الطبري الذي استوعب جميع الأقوال.

٢٣٧

أنهم مشركو قريش أو منافقوهم أو أهل مكة. ومنها رواية غريبة رواها الطبري عن ابن عباس أنهم جبلة بن الأيهم الذي ارتدّ عن الإسلام والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم (١).

والمتبادر أن الأقوال هي من قبيل الاجتهاد والتطبيق في العهد المدني وأن الآية تعني زعماء مشركي قريش. وأنها هي والآيات التي بعدها استمرار للآيات السابقة سياقا وموضوعا. وفيها بيان لما كان من شدة مناوأة هؤلاء الزعماء للدعوة النبوية وتمكنهم من صرف الناس عنها.

ومع صلة الآيات بظروف السيرة النبوية فإنها تحتوي تلقينا مستمر المدى في تقرير مسؤولية الزعماء الفاسدين المنحرفين وما يمكن أن يقترفوه من إثم كبير في توجيه أمتهم إلى الفساد والانحراف اقتداء بهم أولا وفي توجيه المسلم إلى وجهة الخير الدائم في عبادة الله وإنفاق المال في شتى وجوه البرّ وفي السرّ والعلن ابتغاء رضاء الله ثانيا ؛ مما تكرر كثيرا ومرت منه أمثلة عديدة.

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)) [٣٢ ـ ٣٤]

(١) دائبين : مواصلين لعملهما باستمرار.

احتوت الآيات تقريرا فيه تذكير وتنبيه للسامعين بنعم الله تعالى عليهم التي لا

__________________

(١) هذه القصة مذكورة في طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٣٠ وفتوح البلدان للبلاذري ص ١٤٢ ـ ١٤٣.

٢٣٨

يمكن أن يحصوها كثرة وتنوعا ومنها إنزال الماء من السماء وإخراج ثمرات الأرض بها وتسخير الفلك والبحار والأنهار والشمس والقمر والليل والنهار لمصالحهم وفائدتهم ، وانتهت بتنديد لاذع للإنسان الظلوم الكفّار.

والتنديد وإن جاء مطلقا وقد ينطوي فيه التنديد بخلق عام في بني الإنسان وهو خلق الجحود لنعم الله إلّا أن روح الآيات تجعله مصروفا إلى الجاحدين لنعم الله المشركين به المناوئين لرسله الداعين إليه بنوع خاص. ولما كان الكفار المشركون موضوع تنديد في الآيات السابقة فتكون هذه الآيات متصلة بالسياق اتصال تنبيه وتنديد وتعقيب كما هو المتبادر.

وأسلوب الآيات رائع قوي نافذ إلى القلب والعقل وموجه إليهما في الوقت نفسه. ولقد جاء مثلها في سور سابقة. وعلقنا عليها كما علقنا على ما يفيده تعبير تسخير قوى الكون للناس بما يغني عن التكرار.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١)) [٣٥ ـ ٤١]

(١) البلد : هنا كناية عن مكة.

(٢) بيتك المحرم : كناية عن الكعبة.

٢٣٩

(٣) تهوى إليهم : تميل إليهم أو تسرع نحوهم.

في الآيات تذكير بقصة من قصص إبراهيم عليه‌السلام وحكاية لمناجاته ربّه ودعائه له بمناسبة إسكانه بعض ذريته في وادي مكة. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر.

تعليق على آية

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً)

وما بعدها إلى آخر الآية [٤١]

والآيات هي الأولى في القرآن المكي التي تضمنت أولا الإشارة إلى صلة إبراهيم وبعض ذريته بمكة. وثانيا ذكر بنوة إسماعيل لإبراهيم بصراحة وقطعية. أما ما سبق من الآيات فقد كانت في صدد التنويه بملّة إبراهيم وصحفه وذريته بصورة عامة كما يستفاد من السور السابقة. وقد احتوى القرآن وبخاصة المدني منه آيات عديدة أخرى فيها توكيد للأمرين.

ومكية الآيات مجمع عليها ولذلك فإن فيها ردّا على من يقول (١) إن ذكر صلة إبراهيم بمكة والكعبة وبنوة إسماعيل لإبراهيم بصراحة لم يرد إلّا في القرآن المدني إذا كان يراد به أن النبي لم يكن يعرف ذلك إلّا بعد اتصاله باليهود في المدينة بعد هجرته إليها. وهذا فضلا عما هو يقيني من تواتر معرفة العرب قبل الإسلام بذلك ، ولقد علقنا في المناسبات السابقة على هذا الموضوع. والمتبادر أن المقام هو الذي اقتضى ذكر بنوة إسماعيل لإبراهيم بهذه الصراحة في حين أن المقام في المناسبات السابقة لم يكن يقتضي هذا على ما ذكرناه في سياق هذه المناسبات.

وروح الآيات وغيرها من الآيات الكثيرة المكية والمدنية التي ورد فيها ذكر إبراهيم تلهم أن العرب وبخاصة عرب الحجاز أو قريش كانوا يعرفون ويتداولون

__________________

(١) انظر كتاب في الأدب الجاهلي لطه حسين الطبعة الأولى.

٢٤٠