التّفسير الحديث - ج ٤

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٤

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٧٥

ولقد ورد في سورة (المؤمنون) هذه الآيات : (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧)) وفي سورة النحل هذه الآية : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢)) فروى المفسر البغوي في صدد آيات سورة المؤمنون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم القحط فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : أنشدك الرحم ، ألست تزعم أن الله بعثك رحمة للعالمين؟ فقال : بلى. فقال : قد قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فادع الله أن يكشف عنّا هذا القحط. فدعا فكشف. وروى في صدد آية سورة النحل أنها نزلت في ظرف ابتلى الله قريشا فيه بالقحط والجوع وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتّى جهدوا وأكلوا العظام والجيف والكلاب وحتى كان أحدهم ينظر إلى السماء فيرى شبه دخان من الجوع فكلّم رؤساء مكة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا له : هبك عاديت الرجال فما بال النساء والصبيان؟ فأذن للناس بحمل الطعام إليهم. والرواية الأولى هي نفس الرواية المروية عن ابن مسعود في صدد آيات سورة الدخان التي نحن في صددها. والرواية الثانية تفيد أن الحادث وقع بعد الهجرة مع أنه لم يرو أحد مدنية آية النحل فضلا عن التشابه في جوهر الروايات المروية في صدد آيات السور الثلاث.

وإلى هذا فهناك أقوال مروية عن بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتابعيهم تفيد أن البطشة الكبرى تعني عذاب الله الأكبر يوم القيامة وليس نصر بدر كما ورد في رواية ابن مسعود (١).

وننبه على أن جمهور المفسرين وفي مقدمتهم شيخهم الطبري في جانب

__________________

(١) انظر تفسير البغوي وابن كثير.

٥٤١

ترجيح ما روي عن ابن مسعود في صدد تفسير الآيات المروي في كتب البخاري ومسلم والترمذي. أما نحن فإننا في حيرة وتردد تجاه الرواية. لأننا نلاحظ أن نص الآية [١٠] لا يفيد حدوث الدخان وإنما يأمر بارتقاب حدوثه والآيات التي بعدها هي نتائج لما سوف يأتي. والآية [١٢] تحكي قول الكفار (إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢)) حينما يحلّ عليهم عذاب الدخان مع أن رواية ابن مسعود لا تذكر أنهم أعلنوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إيمانهم حينما جاءوا إليه يطلبون منه الاستسقاء وكشف العذاب. وفحوى الآية [١٢] يفيد أن طلب كشف العذاب كان موجها منهم إلى الله والرواية تذكر أنهم جاءوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطلبون منه الدعاء بكشفه. والفرق جوهري ومهم ، ونصر بدر على خطورته ليس أكبر بطشات الله في قريش لأنهم ظلوا بعده أقوياء وغزوا المسلمين في عقر دار هجرتهم مرتين ونالوا ثأرهم منهم عن بدر في إحداهما وهي واقعة أحد ، وزلزلوهم وأوقعوا الرعب الشديد في قلوبهم في ثانيتهما. هذا عدا أن أسلوب الآية [٢٥] يلهم أن التهديد والإنذار أبعد مدى وأجسم أثرا ويلهم بالتالي أنه إنذار بانتقام قاصم ولم يقع عليهم بطشة ربانية ساحقة في الدنيا فيكون احتمال القصد فيها لعذاب الآخرة أقوى.

ومهما يكن من أمر فالآيات كما قلنا جاءت معقبة على ما سبقها لبيان موقف الكفار من القرآن والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعوته وللتنديد بهم وإنذارهم إنذارا قاصما.

على أن في الآيات كما شرحناها ما يفيد إنذارا بعذاب دنيوي بالدخان سوف يقع عليهم واستشعارهم حينئذ بالندم ومسارعتهم إلى إعلان إيمانهم وطلبهم من الله كشفه وبيانا بأن الله قد يكشفه عنهم ولكنهم سوف يعودون إلى غيهم فيستحقون بطشة الله الكبرى.

ولقد حكيت مواقف مماثلة في آيات أخرى منها آيات سورة يونس هذه : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ

٥٤٢

بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)).

ولعل ما جاء في آيات سورتي (المؤمنون) و (النحل) التي أوردناها آنفا من ذكر لعذاب أو بلاء رباني قد وقع فعلا عليهم هو لتحقيق ما أنذرهم الله من عذاب دنيوي في آيات سورة الدخان. ويلحظ في رواية تفسير آية النحل أنهم كانوا يرون السماء شبه دخان من الجوع مما قد يكون فيه تصديق ذلك. وعلة هذه الرواية أنها تفيد أن عذاب الله وقع عليهم بعد الهجرة وقد يكون ذلك التباسا والله أعلم.

بقي ما ورد في الأحاديث النبوية عن كون الدخان من أشراط الساعة مع آيات أخرى. فإذا صحت فيكون هذا أمرا آخر غير الدخان الذي يوجه الإنذار به إلى الكفار السامعين بسبب مواقفهم الجحودية والذي تذكر الآيات وعد الله بكشفه اختبارا لهم على ما هو المتبادر. ويكون ذكره في سياق هذه الآيات من قبيل ذكر الشيء عند ذكر ما يماثله. ويكون مما شاءت حكمة الله ورسوله الإنذار بحدوثه عند قيام الساعة حينما يأتي الوقت المعين في علم الله تعالى ويوقف عنده مع الإيمان به كما هو الواجب تجاه كل ما أخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن من الأمور الغيبية.

تعليق على توالي الإنذار

بانتقام الله

ويلحظ أن الإنذار بانتقام الله من كفار العرب قد توالى في هذه السورة وما قبلها حيث يلهم هذا أن الكفار قد أخذوا يشتدون في مناوأتهم وأذاهم.

ونستطرد إلى ذكر مسألة من المسائل التي يثيرها بعض الباحثين من غير المسلمين حيث جعل توالي إنذار القرآن بالانتقام في هاتين السورتين وغيرهما ووصف الله بالغضب وبذي الانتقام وبالقوي وبالشديد العقاب وبالبطش وبالجبار والقهار المتكبر المهيمن إلخ ، وبعض الباحثين من غير المسلمين ومن جملتهم

٥٤٣

فيليب حتي (١) يقولون : «إن صفات الحب في الله تتضاءل أمام صفات القوة والجلال في العقيدة الإسلامية». وفي هذا افتئات مؤسف قائم على الهوى ولم يأت عن تحرّ وتدقيق. فالقرآن قد ذكر إلى هذه الصفات صفات الرحمن والرحيم والغفور والعفوّ والودود والكريم والرزاق والتواب والسلام والغفار والمجيب والقريب والشكور والحليم والحميد. بل إن عدد المرات التي وردت فيها هذه الصفات أكثر من المرات التي وردت فيها تلك ، وبينما استعملت تلك في مقامات فيها حكاية مواقف المشركين والكفار من الدعوة النبوية وما كان من عنادهم ومناوأتهم بل وأذاهم للمسلمين استعملت هذه في مقامات تلهم أنها الصفات الشاملة مما ورد في آيات كثيرة كثرة تغني عن التمثيل. وهذا فضلا عن الآيات الكثيرة التي نفت الظلم عن الله وقررت أن الله لو يؤاخذ الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولو يعجّل الله لهم بالشرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم وأنه الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة وأمرت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصفح والسلام والصبر والتسامح والإحسان والإعراض والهجر الجميل والصفح الجميل إلخ. ودعت بأساليب متنوعة إلى التوبة والإنابة إلى الله وعدم القنوط من رحمة الله وفتحت الباب واسعا لكل مذنب مهما عظمت ذنوبه ولكل كافر ولكل منافق مهما أجرموا واجترحوا السيئات لإصلاح أنفسهم وبدء حياة جديدة والاستمتاع بعفو الله ورحمته وغفرانه وتسامحه مما احتوته آيات كثيرة جدا كثرة تغني عن التمثيل كذلك.

تعليق على تعبير

(وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤))

وحكاية قول الكفار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنه معلّم يقصد بها الإشارة إلى ما كانوا يقولونه عنه أنه يعينه على نظم القرآن قوم آخرون على ما حكته آية سورة الفرقان

__________________

(١) تاريخ العرب ج ١ ص ١٧٧ طبعة ثانية. انظر أيضا روح الإسلام لطبارة طبعة رابعة ص ٨٢ ـ ٨٣.

٥٤٤

هذه : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤)) وإنه يعلّمه شخص غير عربي على ما حكته آية سورة النحل هذه : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)).

وقد علقنا على ذلك بما فيه الكفاية في سياق تفسير سورة الفرقان. أما كلمة مجنون فقد تكررت حكاية صدورها من الكفار مرارا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومرّ من ذلك أمثلة عديدة في سور القلم والأعراف وسبأ والقمر والصافات والتكوير. وعلقنا عليها بما فيه الكفاية وبخاصة في سورة القمر.

وعلى كل حال ففي التعبيرين دلالة على ما كان يظنه الكفار في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى بواعث جحودهم وتصاممهم عن دعوته ، ولذلك جاءت الآيات بالأسلوب التنديدي والإنذاري الذي جاءت به.

(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣)) [١٧ ـ ٣٣]

(١) فتنّا : ابتلينا وامتحنّا.

٥٤٥

(٢) أدوا إليّ : تعالوا إليّ وأقبلوا على دعوتي.

(٣) فاعتزلوني : ابتعدوا من طريقي أو دعوني وشأني.

(٤) رهوا : ساكنا أو جافا أو على هيئته التي عبر عليها.

(٥) نعمة : حياة منعمة أو ناعمة.

(٦) اخترناهم على علم : اخترناهم عن بصيرة وعلم بأحوالهم ، وقد قال الزمخشري : «واخترناهم على علم بأنهم قد ينحرفون لأجل امتحانهم واختبارهم».

(٧) ما فيه بلاء مبين : ما فيه بلاء واختبار شديدان.

في الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه‌السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم وعبارتها واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت ـ كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها ـ إنذار الكفار وتطمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه ، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زروع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجّى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه‌السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة. وليس فيها جديد إلّا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨)) لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي

٥٤٦

تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.

تعليق على آية

(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢))

وجمهور المفسرين على أن (الْعالَمِينَ (٣٢)) في جملة (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢)) تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن (١). وهذا هو المعقول ، لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [١١٠] من سورة آل عمران : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه‌السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم (٢) وآيات كثيرة

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والزمخشري والخازن والبغوي.

(٢) النصوص كثيرة ومبثوثة في معظم أسفار العهد القديم بحيث يستطيع من يشاء أن يعثر عليها بسهولة وسعة. وسواء منها ما نسب إلى موسى عليه‌السلام وهي أسفار الخروج والعدد والتثنية واللاويين أو الأحبار أم الأسفار التي دونت بعد موسى عليه‌السلام كيوشع والقضاة

٥٤٧

من القرآن الكريم (١) وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [١٣٧] من سورة الأعراف.

تعليق على جملة

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ)

ومع أن المتبادر أن جملة (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم وتهوين شأنهم عند الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك (٢) حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء فيه : «ما من عبد إلّا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم». ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ. ألا لا غربة على مؤمن. ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلّا بكت عليه السماء والأرض ، ثم

__________________

والملوك وأخبار الأيام وأشعيا وأرميا وحزقيال ودانيال وهوشع ويوئيل وعاموس وعوبيديا وميخا وحبقوق وصنفيا وملاخي.

(١) الآيات القرآنية كثيرة ومبثوثة في سور عديدة وبخاصة في السور الطويلة فنكتفي بالإشارة إلى سورها وأرقامها : سورة البقرة [٥١ ـ ٦٩ و ٧٥ ـ ٩٦ و ١٠٠ ـ ١٠٥] وسورة آل عمران : [٦٩ ـ ٧٨ و ٩٨ ـ ١٠٠ و ١١٠ ـ ١١٢] وسورة النساء : [٤٣ ـ ٥٤ و ١٥٢ ـ ١٦١] وسورة المائدة : [١١ ـ ١٣ و ٣٢ ـ ٣٣ و ٤١ ـ ٤٥ و ٥٦ ـ ٦٤ و ٧٨ ـ ٨٢].

(٢) هذه الأحاديث منقولة عن كتاب تفسير ابن كثير في سياق تفسير الآية ، انظر أيضا تفسير الطبري والبغوي والخازن والطبرسي.

٥٤٨

قرأ : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) ثمّ قال إنهما لا تبكيان على الكافر». ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل عليّ بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال : «إنه ليس من عبد إلا له مصلّى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩))». ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال : «نعم ، إنه ليس أحد من الخلائق إلّا وله باب في السماء ينزل منه رزقه فإن فقده بكى عليه وإذا فقده مصلّاه من الأرض التي كان يصلّي فيها ويذكر الله عزوجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عزوجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض». وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه : «أتعجب ، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود ، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دويّ كدويّ النحل». وحديث عن مجاهد جاء فيه : «ما مات مؤمن إلّا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا». ومن ذلك حديث عن إبراهيم : «ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلّا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا» ، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن؟ فقال : «ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء؟ قال : لا ، قال : تحمرّ وتصير وردة كالدّهان». ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال : «لما قتل الحسين بن علي احمرّت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها». وذكروا أيضا ـ وهذه عبارة ابن كثير ـ في مقتل الحسين : «إنّه ما قلب حجر يومئذ إلّا وجد تحته دم عبيط وإن الشمس كسفت والأفق احمرّ وسقطت حجارة».

ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلّا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من مؤمن إلّا وله بابان

٥٤٩

باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩)) (١).

ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم ، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال : «وفي كل ذلك نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات لم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلّى بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخطبهم وبيّن لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته. وهذا حقّ. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم ، والله أعلم.

(إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩)) [٣٤ ـ ٣٩]

(١) منشرين : من النشور وهو البعث بعد الموت.

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٢٠٦.

٥٥٠

في الآيات حكاية لما كان يقوله الكفار في إنكار البعث حيث كانوا يقولون إننا سنموت موتة أبدية لن نقوم بعدها. ثم يتحدون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي ينذرهم بالبعث طالبين منه الإتيان بآبائهم أي إحياءهم إن كان صادقا في إنذاره ، وردّ عليهم بصيغة التساؤل الإنكاري عما إذا كانوا هم خيرا وأقوى من قوم تبّع ومن قبلهم من الأمم التي أهلكها الله تعالى لأنها وقفت موقف الكفر والإنكار. وتنبيه على أن الله سبحانه لم يخلق السموات والأرض وما بينهما عبثا ولعبا وإنما توخّى بذلك الحقّ والحكمة ولو لم يفهم هذه الحقيقة أكثر السامعين.

وواضح أن في الآيات عودة على بدء في حكاية أقوال ومواقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم ، كما أن فيها صورة من صور الجدل واللجاج التي كانت تقع بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والكفار ، فهي والحالة هذه استمرار للسياق.

وقد يلوح أن اختصاص قوم تبع بالذكر هنا متصل بما كان معلوما عند السامعين من ملك تبابعة اليمن وقوتهم وعظمة شأنهم. ولقد أورد المفسرون (١) في سياق هذه الآيات بيانات غير يسيرة من ذلك معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول فيها المعقول وغير المعقول وفيها الدلالة على كل حال على ما كان مستقرا في أذهان السامعين من ذلك. ولقد سبق تعريف بتبع وقومه في سياق سورة (ق) فلا نرى ضرورة للتكرار. ولقد أورد المفسرون في صدد هذه الآيات بعض الأحاديث عن إسلام تبع فلم نر بأسا في إيرادها إتماما للصورة مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. منها حديث رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس وسهل بن سعد الساعدي بطرق مختلفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تسبّوا تبّعا فإنّه قد أسلم» وحديث رواه أبو حاتم الرقاشي أن عائشة كانت تقول : «لا تسبّوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا».

ولقد عقب الطبري والبغوي على جملة (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) بأنها تعني للاختبار في الدنيا للثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. ومع أن معنى

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.

٥٥١

التعقيب قد ورد نصا في بعض الآيات مثل آية سورة المؤمنون هذه : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥)) وآية سورة الملك هذه : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢)). فإن الجملة وهي في صدد السماء والأرض وفيهما الإنسان وغير الإنسان من مخلوقات الله الحية وغير الحية وفيهما نواميس كونية عظمى تتضمن فيما يتبادر لنا تقريرا أشمل من كون ذلك لاختبار الإنسان وحسب. وفي سورة الجاثية آية جاء فيها : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢)) حيث ينطوي فيها تقرير كون ذلك من جملة الحقّ الذي توخاه الله تعالى من خلق السموات والأرض وليس كله والله أعلم.

تعليق على آية

(فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦)) [٣٦]

وهذه أول مرة يأتي تحدي الكفار فيها بما حكي عنهم في هذه الآية ، فقد حكت آيات عديدة في السور السابقة إنكارهم للبعث بعد موتهم هم وآباؤهم بعد أن يصبحوا رفاتا وعظاما ورميما ويمزقون كل ممزق ، فكان القرآن يردّ عليهم مبرهنا بقدرة الله تعالى على إحيائهم ثانية بما هو ماثل أمام أعينهم من مشاهد قدرة الله وعظمته وملكوته ، وينبههم إلى أن الذي خلقهم بدءا قادر على خلقهم إعادة ، ويضرب لهم الأمثال بالأرض الميتة الخامدة التي يحييها بالمطر. فجاءوا الآن يتحدون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطلب البرهنة على ذلك بإحياء آبائهم في الدنيا حتى يروهم ويكلموهم. وقد اقتضت حكمة التنزيل بالردّ عليهم بما كان من إهلاك المجرمين أمثالهم من قوم تبّع ومن قبلهم ممن يعرفون قصصهم وهم أقوى منهم. وأن الذي أنزل في المجرمين السابقين التدمير والعذاب قادر عليهم ، وبأن الله سبحانه لا يعقل أن يكون قد خلق السموات والأرض عبثا ولعبا ولا بدّ من أن يكون لذلك حكمة منها بعث الناس ومحاسبتهم على أعمالهم وتوفيتهم الجزاء عليها.

ويتبادر لنا أن الرد الرباني جاء بالأسلوب الذي جاء به ليتسق مع مشيئة الله

٥٥٢

بعدم إجابتهم إلى التحدي الذي كان الكفار يتحدون به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإتيان بالمعجزات للبرهنة على صحة رسالته وصلتها وصلة القرآن بالله عزوجل على ما شرحناه في سياق تفسير سورة المدثر ؛ لأن طلبهم الإتيان بآبائهم هو معجزة يطلبونها بأسلوب التحدي فلم تقتض مشيئة الله إجابتهم عليها مع دخولها في نطاق قدرته كما كان الشأن في مواقف تحديهم المتكررة.

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢)) [٤٠ ـ ٤٢]

(١) مولى : بمعنى ولي وحليف ونصير.

الآيات متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وتدعيم ، فيوم الفصل والقضاء الأخروي هو موعد الناس جميعا الأولين منهم والآخرين. ولن ينفع فيه ولي وليا وحليف حليفا. ولن ينجو من هوله وشره إلّا من رحمه‌الله القوي وحده ، الناصر وحده ، الرحيم وحده ، في أي ظرف يستدعي القوة والنصر والرحمة.

وواضح أن الآيات ردّ على الذين تحدوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإتيان بآبائهم ، وقد استهدفت فيما استهدفته إنذارهم وإثارة اليأس فيهم من أي نصير وحليف يوم القيامة لحملهم على الارعواء وتطمين المؤمنين بأنهم سيكونون مظهر رحمة الله تعالى.

ومن المفسرين من قال في تخريج الاستثناء في جملة : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) إنها تعني نفع وغناء الشفيع الذي يكون قد نال رحمة الله ورضاءه (١). ومنهم من قال إنها تعني أن النفع والغناء إنما هما رحمة الله وحسب (٢). وقد تبادر

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي.

(٢) انظر ابن كثير.

٥٥٣

لنا أنها في معنى أن النجاة هي للذين تداركتهم رحمة الله فاهتدوا وآمنوا وعملوا الصالحات والله أعلم.

(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧)) [٤٣ ـ ٥٧]

(١) شجرة الزقوم : سبق تعريفها.

(٢) المهل : دردي الزيت ورديئه.

(٣) اعتلوه : احملوه بعنف وسوقوه.

(٤) السندس والإستبرق : نوعان من الحرير. والكلمتان معرّبتان عن لغة أعجمية.

جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرار للكلام أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١ ـ فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢ ـ وسيأمر الله عزوجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له هذا مقامك أيها العزيز الكريم أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك

٥٥٤

وغرورك. فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣ ـ وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته ، وهذا هو الفوز العظيم.

ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)) [٥٨ ـ ٥٩]

(١) ارتقب : بمعنى اصبر أو انتظر.

جاءت الآيتان معقبتين على وصف مصيري الكفار والمؤمنين. وخاتمتين للسورة والموقف الجدلي الحجاجي معا ، وقد وجه الخطاب فيهما للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فالله سبحانه إنما جعل القرآن بلسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلّ السامعين يتعظون به لأنه بلغتهم ، وإذا لم يتعظوا فلينتظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولينتظر الكفار معا أمر الله وقضاءه فهو واقع لا ريب فيه.

وفي هذا إنذار للكفار وتطمين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استهدف به بثّ الثقة والقوة والأمل في نفسه كما هو المتبادر.

ولقد روى الطبري عن قتادة أن الآيات [٤٨ ـ ٥٠] نزلت في أبي جهل الذي قال في مجال الافتخار حينما أنذره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بآيات سورة العلق [١٥ ـ ١٦] : أيوعدني محمد والله لأنا أعزّ من مشى بين جبليها. وقد روى ابن كثير عن عكرمة صيغة أخرى من هذه الرواية حين قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له : إنّ الله تعالى أمرني أن أقول لك أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فنزع ثوبه من يده وقال : ما تستطيع أنت ولا

٥٥٥

صاحبك من شيء ، ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء وأنا العزيز الكريم. ومع احتمال أن يكون مثل هذه المحاورة جرت بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي جهل وصدر عن أبي جهل هذا القول فإنّ الآيات كما يبدو وحدة متماسكة متصلة بما قبلها وما بعدها وعلى سبيل الإنذار والتبشير بمصيري الكفار والمؤمنين بحيث يصح القول إنها لم تنزل في هذه المناسبة ، وكل ما يمكن أن يكون أنها احتوت ردّا لاذعا شامتا على اعتداد أبي جهل وأمثاله بأنفسهم وعزتهم.

ولقد روى البغوي بطرقه في سياق ذكر شجرة الزقوم ووصفها حديثا عن ابن عباس قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أيّها الناس اتقوا الله حقّ تقاته ، فلو أن قطرة من الزّقوم قطرت على الأرض لأمرّت على أهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره». حيث ينطوي في الحديث توضيح ترهيبي إنذاري نبوي متسق مع الترهيب الإنذاري الذي احتوته الآيات.

وفي الآية الأولى دليل جديد يضاف إلى الأدلة الكثيرة التي نبهنا عليها على أن لغة القرآن كانت مفهومة عند أهل بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصره من العرب بل كانت لغتهم التي هي لغة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

تعليق على السندس والإستبرق

وما قلناه في صدد وسائل النعيم الأخروية في سياق سورة الزخرف وغيرها ينحسب على الوصف الوارد في هذه الآيات. وإن كان من شيء يصحّ أن يزاد فهو أنه لما كان الإستبرق والسندس كلمتين معرّبتين عن الفارسية أو الرومية على اختلاف الأقوال ، ولما كانت روح الآيات تلهم أن ما يرمزان إليه من نوع النسيج الحريري كان معروفا وممارسا في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصره فإنه يسوغ القول إن في ذلك دلالة على ما كان من صلات تجارية وغير تجارية بين أهل بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصره وفي الأقطار المجاورة لجزيرة العرب ، وعلى اقتباس العرب لكثير من وسائل الحياة التي كان يتمتع بها أهل تلك الأقطار ، وهو ما قامت عليه الأدلة الكثيرة القرآنية وغير القرآنية.

٥٥٦

سورة الجاثية

في السورة صور عن مواقف وأقوال الكفار وعنادهم وتعصبهم الأعمى في صدد الدعوة النبوية والبعث والحساب. وحملة شديدة عليهم وإنذار بالخزي والعذاب الأبدي وتطمين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين وتثبيت لهم ودعوتهم إلى التسامح. وتذكير بحالة بني إسرائيل وتعداد ما لله على الناس من أفضال وما في بعض مشاهد الكون من دلائل على عظمة الله وربوبيته الشاملة.

وفصول السورة مترابطة متساوقة مما يسوّغ القول إنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة. وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآية [١٤] مدنية وانسجامها في سياقها موضوعا وسبكا يحمل على الشك في الرواية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦)) [١ ـ ٦]

(١) الرزق : هنا كناية عن المطر الذي فيه رزق الناس ومعيشتهم.

(٢) تصريف الرياح : هنا بمعنى تسييرها.

ابتدأت السورة بالحاء والميم للتنبيه والاسترعاء على ما نبهنا عليه في أمثالها. وأعقبها تقرير رباني فيه توكيد بأن الكتاب الذي ينزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٥٥٧

هو تنزيل من الله العزيز الحكيم جريا على النظم القرآني الذي مرّ في السور المماثلة.

ثم أخذت الآيات تلفت نظر السامعين إلى مشاهد عظمة الله وقدرته في الكون مما هو ماثل للناس وتحت نظرهم وحسهم.

١ ـ ففي السماء والأرض من المشاهد والمظاهر والنواميس آيات ربانية من شأنها أن تجعل من يريد الحق أن يؤمن بالله من خلالها.

٢ ـ وفي خلق الناس وما هو مبثوث في الأرض من أحياء آيات ربانية من شأنها أن تبعث اليقين بالله في من يريد اليقين.

٣ ـ وفي اختلاف الليل والنهار ونزول المطر وإحياء الأرض بعد موتها وتسيير الرياح آيات ربانية من شأنها أن تقنع كل من يتعقل ويتفكر.

ثم جاءت الآية الأخيرة تخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتقول له إن الله سبحانه ينزل الكتاب عليه لينبه الناس بواسطته إلى هذه الآيات. فإذا لم يتأثروا ويدركوا ويؤمنوا ويوقنوا فما هو الحديث الذي يمكن أن يؤثر فيهم ويحملهم على التعقل والإيمان واليقين بعد حديث الله وآياته.

وأسلوب الآية الأخيرة الاستنكاري ينطوي على تنديد موجه إلى الكفار كما ينطوي على تقرير عناد هؤلاء وإصرارهم على الجحود لنبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعوته ، لا سيما وهم لا ينكرون أن الله هو خالق السموات والأرض وخالقهم ومدبر الكون وما فيه. ويدل على أن مطلع السورة قد جاء بمثابة مقدمة وتمهيد لحكاية موقف الكفار الذي احتوته الآيات التالية مما هو متسق مع نظم السور السابقة.

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً

.

٥٥٨

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١)) [٧ ـ ١١]

(١) أفاك : كذّاب أو مفتر.

(٢) رجز : أشد العذاب.

بعد ذلك المطلع التمهيدي جاءت هذه الآيات تحمل حملة شديدة على الكفار بسبب موقفهم من آيات كتاب الله تعالى وقد تضمنت :

١ ـ تنديدا بالمفتري الكاذب الأثيم الذي تتلى عليه آيات الله ، ويلفت فيها نظره إلى مشاهد عظمة الله وقدرته في الكون ثم يصر مستكبرا على جحوده كأنه لم يسمع شيئا. وإذا بلغه منها شيء قابله بالهزء والسخرية. فلأمثال هذا : الويل والبشرى بالعذاب الشديد الموجع المهين ، وهم لاحقون بجهنم حقا ولن يفلتوا منها. ولن يغني عنهم ما هم فيه في الدنيا من مال وولد وزعامة وقوة ، ولا ما اتخذوه من دون الله من أولياء وشركاء وشفعاء.

٢ ـ وتنبيها إلى أن آيات كتاب الله التي يتلوها رسوله على الناس هي هدى لكل من حسنت نيته وسلم قلبه وأراد الحق ، أما الذين بيتوا العناد والكفر فلهم غضب الله وعذابه.

والآيات تنطوي على حكاية شدة عناد الكفار ، أو بالأحرى زعماؤهم وأصحاب الوجاهة والثروة فيهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعوته وآيات القرآن ، وتصور شدة مكابرتهم في الحقّ ومقابلتهم ما كانوا يسمعون ويعلمون من آيات الله بالاستخفاف والتصامم.

وقد روى بعض المفسرين أن الآيات عنت النضر بن الحارث الذي كان يقابل القرآن بأحاديث الفرس ويقول إن أحاديثه أحسن من أحاديث محمد. وهذه الرواية رويت في مناسبات عديدة ، على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة ومهما يكن من أمر فإن مجيء الآيات بضمائر الجمع يفيد أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك ليشمل

٥٥٩

التنديد والإنذار جميع الكفار أو جميع الزعماء لتماثلهم وتضامنهم في الموقف الموصوف.

ومع خصوصية الآيات الزمنية والموضوعية فإنها على ما هو المتبادر تنطوي على تلقين جليل مستمر المدى في تقبيح المكابرة والعناد أمام الحق والحقيقة ، وعدم تعقل الإنسان ما يسمعه وغفلته عنه أو تهربه منه على العمياء مندفعا في ذلك بالمكابرة والعناد.

(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)) [١٢ ـ ١٣]

في الآيتين عود على بدء في صدد التذكير ببعض نواميس الكون وفوائدها للناس :

١ ـ فالله سبحانه هو الذي سخّر لهم البحر ويسّر لهم سير الفلك فيه لابتغاء فضل الله والحصول على أسباب الرزق مما يوجب عليهم شكره.

٢ ـ وهو الذي سخّر لهم ما في السموات وما في الأرض من نواميس وقوى لينتفعوا بها ويبتغوا بها من فضله كذلك ، وفي هذا من آيات رحمة الله وبرّه ما فيه لمن يتفكر ويتدبر.

والآيات متصلة بما سبقها واستمرار لها كما هو واضح ، وهي في صدد المعنى الذي نبهنا عليه في سورة لقمان لتسخير الله تعالى السموات والأرض لبني الإنسان بأسلوب أقوى وأوضح. وتتضمن في الوقت نفسه دعوة للناس إلى إدامة التفكير في النواميس والقوى الكونية والانتفاع بما أودعه الله فيهم من قوى للاستفادة منها في مختلف المجالات والصور.

(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥)) [١٤ ـ ١٥].

٥٦٠