التّفسير الحديث - ج ٤

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٤

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٧٥

ورغدها فاغتروا وانحرفوا عن جادة الحق فأرسل إليهم رسوله بالحق فظلوا في انحرافهم.

٢ ـ وقابلوا الدعوة بالجحود ووصفوها بالسحر وكفروا بها.

٣ ـ ثم قالوا إن القرآن لو كان حقا من عند الله لأنزل على عظيم من عظماء مكة أو الطائف.

٤ ـ وقد ردت الآية الأخيرة على هذا القول منددة منكرة في صيغة التساؤل عما إذا كانوا يتحكمون في قسمة رحمة الله وتوزيعها وتعيين من هو الأحق بعطف الله واصطفائه لقرآنه ، ثم دعمت الردّ بتقرير كون الله هو الذي قسم بينهم معيشتهم ، وكون ما هو قائم بينهم من الفروق وارتفاع بعضهم فوق بعض إنما هو مظهر من مظاهر الحياة الدنيا وطبيعتها ليتمكن الناس من استخدام بعضهم لبعض وانتفاع بعضهم من بعض في المصالح والحاجات ، وكون رحمة الله وعطفه هما خير مما يجمعه الناس ويتمتعون به من مال وجاه وبسطة عيش ، فلا يحظى بهما إلّا الذين يصطفيهم الله ويراهم أهلا لهما.

والآيات متصلة بالسياق من حيث احتواؤها صورة لمواقف زعماء الكفار وعقائدهم وأقوالهم التي ما فتئت فصول السورة تذكرها.

تعليق على آية

(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١))

والآية التالية لها

والمتبادر من الآيات أن زعماء الكفار كانوا يرون أنفسهم أحقّ بالنبوة ومهمة الدعوة لأنهم أصحاب الحول والمكانة في بيئتهم. أو أن بعضهم كان يرى نفسه أحقّ بذلك لأنهم كانوا على شيء من العلم بالأديان والمعارف السابقة بالإضافة إلى حوله ومكانته في بيئته. ولقد روى الطبري عن بعض التابعين بعض الأسماء التي كان المشركون يقصدونها من عظماء مكة والطائف مثل الوليد بن المغيرة أو

٥٠١

عتبة بن ربيعة من مكة وحبيب بن عمرو بن عمير أو عروة بن مسعود أو ابن عبد ياليل من الطائف. ولقد روى أن النضر بن الحرث بن كلدة أحد زعماء الكفار كان يعرف كثيرا من تاريخ الفرس وغيرهم وكان واقفا على شؤون الأديان السابقة فكان يقول على سبيل الصدّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن حديثه ليس أطلى من حديثي ، وإنه إنما يحدثكم بأساطير الأولين فتعالوا إليّ وأنا أحدثكم عن رستم وإسفنديار بحديث أطلى مما يحدثكم (١). وقد احتوت الآيات ردا عليهم ثم تنويها بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتقريرا لأهليته لاصطفاء الله له لمهمة الرسالة العظمى.

ومع ما في الآيات من خصوصية زمنية وجدلية وموضوعية فإنها تحتوي تلقينا جليلا عاما بأفضلية الصلاح الروحي والخلقي ، على البهرج المادي وكثرة الثروة واتساع الجاه في الدنيا. وإلى هذا فإن الآيات تدل على أن الوجاهة والزعامة كانتا تلعبان دورا كبيرا في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصره. وعلى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن زعيما ذا شأن نافذ ، وتنطوي على سبب من أسباب امتناع زعماء الكفار من الاستجابة إلى دعوته ومناوأتها ، وهو الاعتداد والاستكبار والأنفة والغيظ من اختصاصه بالنبوة والقرآن دونهم. وهو ما انطوى في آيات سورة فاطر هذه : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣)) ، وآية سورة ص هذه : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨)).

تعليق على جملة

(وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا)

ولقد قلنا في شرح الآيات : إن جملة (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) هي بسبيل التنبيه على أن ذلك مظهر من مظاهر الحياة

__________________

(١) انظر تفسير آية الأنفال [٢١] في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي وغيرهم.

٥٠٢

وطبيعتها ونزيد على هذا أن العبارة لا تفيد أن في ذلك اختصاصا ربانيا وعناية ربانية للطبقة المرتفعة أو حطا ربانيا من شأن الطبقة المنخفضة ولا ثباتا مستمرا لارتفاع أفراد الطبقة المرتفعة وانخفاض أفراد الطبقة المنخفضة. وأن الذي تفيده كما هو المتبادر من روحها وفحواها ومقام ورودها أن حكمة الله اقتضت أن يتفاوت الناس من حين إلى حين ومن جيل إلى جيل ومن بيئة إلى بيئة في الفهم والقدرة والقابلية والنشاط والثروة والمركز الاجتماعي. فيضمن هذا التفاوت تبادل قضاء المصالح والحاجات بين الناس على اختلاف درجات فهمهم وقدرتهم وقابليتهم ونشاطهم وثروتهم ومركزهم الاجتماعي. وفي بقية الآية التي جاءت فيها الجملة دليل على أن الارتفاع ليس اختصاصا ولا عناية ربانية وأن الانخفاض ليس انتقاصا ولا خفضا ربانيا.

(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)) [٣٣ ـ ٣٥]

(١) معارج : سلالم ودرجات للصعود عليها.

(٢) زخرفا : بعض المفسرين واللغويين يقولون إن هذه الكلمة كانت تعني (الذهب).

(٣) لمّا : هنا بمعنى إلّا.

في الآيات :

١ ـ تنبيه على أن الله قادر على منح الكافرين به جميعا بيوتا مسقوفة بالفضة مجهزة بسلالم من الفضة وبسرر وأبواب من الفضة ومزخرفة بأنواع الزخارف الذهبية أو يغدق عليهم الذهب فيتمتعون بذلك لو لا أن حكمته اقتضت أن لا يكون

٥٠٣

الناس أمة واحدة وصنفا واحدا أو على طريقة واحدة.

٢ ـ وتقرير بأن كل ما يمكن أن يتمتع به الكفار من بهارج الدنيا وزخارفها وذهبها وفضتها ليس إلّا متاعا قصير الأمد قاصرا على الدنيا وأن المتعة الحقيقية إنما هي متعة الآخرة للمتقين عند الله لأنها المتعة الخالدة.

وظاهر أن الآيات جاءت معقبة على سابقاتها وبخاصة الأخيرة منها ومتصلة بموضوعها ، والفقرة الأخيرة من الآية الأخيرة احتوت تطمينا للمؤمنين المتقين وتنويها بمقامهم عند الله بالمقابلة.

وقد قال بعض المفسرين (١) في صدد الفقرة الاستدراكية الواردة في أول الآية الأولى إنها في معنى (لو لا أن يغري الناس بالكفر فيكونوا جميعهم كافرين لمنح الله للكافرين تلك البهارج الدنيوية). ولا يخلو هذا من وجاهة وإن كان المعنى الذي أولناها به هو الذي يتبادر لنا أن الآية تلهمه أكثر والله أعلم.

ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآيات حديثا عن سهل بن سعد قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها قطرة ماء». وحديثا عن المستورد بن شداد قال : «كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على السخلة الميتة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها. قالوا : من هوانها ألقوها ، قال : فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها».

ولم يرو البغوي علاقة ظرفية بين الحديثين والآيات غير أن هذه العلاقة ملموحة بشكل ما ، فالحديثان بسبيل بيان تفاهة وهوان شأن الدنيا ومتاعها وبهرجها مما يجعل الكفار والمشركين يظنون أنهم في إحرازهم لها يكونون أصحاب الحق في الحظوة عند الله أو أن ذلك مظهر من مظاهر عناية الله بهم. وبسبيل التنبيه على أن العواقب الحسنة الطيبة هي من نصيب المؤمنين المتقين وعلى ضوء هذا الشرح

__________________

(١) انظر تفسيرها في تفسير الخازن وابن كثير والبغوي.

٥٠٤

المتبادر من روح الآيات والأحاديث ونصها لا يكون في الحديثين ولا في الآيات دعوة للمسلمين إلى نفض يدهم من الدنيا إذا كانوا قائمين بواجباتهم نحو الله والناس.

(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)) [٣٦ ـ ٣٩]

(١) يعش : يعمى أو لا يرى ، والعبارة كناية عن الانصراف عن ذكر الله ودعوته وتجاهلهما.

(٢) نقيّض : نرتب ونهيىء ونجعل.

(٣) قرين : ملازم.

(٤) بعد المشرقين : جمهور المفسرين على أن الجملة بمعنى بعد ما بين المشرق والمغرب.

في الآيات :

١ ـ تنبيه على أن الذي يتعامى عن ذكر الله وآياته وبيناته يسمح الله سبحانه بأن يلازمه شيطان ويتسلط عليه فيزين له ما هو فيه ويجعله يحسب أنه على هدى ويصده عن سبيل الله الحق.

٢ ـ وتقرير بأن الحقيقة سوف تنكشف لهذا وأمثاله حينما يقف أمام الله حيث يعرف أنه إنما كان يتبع وسوسة الشيطان وإغراءه فيشعر بالندم ويصرخ في وجه شيطانه قائلا له : يا ليت بيني وبينك بعد ما بين المشرق والمغرب لأنك بئس القرين السوء الذي أضلّني وأعماني.

٥٠٥

٣ ـ وحينئذ يخاطب الله الكافرين فيقول لهم : إنكم وقد ظلمتم أنفسكم بالشرك والإعراض عن دعوة الله والاستماع إلى وسوسة الشيطان لن ينفعكم ندمكم وعتابكم لشياطينكم الذين هم شركاؤكم في العذاب ولن يخفف عن أحد منكم عذابه كون قرينه مشتركا معه فيه.

والآيات معقبة أيضا على سابقاتها ومتصلة بالسياق والموضوع كما هو المتبادر ، وأسلوبها قوي ولاذع ، والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته التنديد بالكفار وإثارة خوفهم وحملهم على الارعواء.

تعليق على جملة

(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً)

وقد أوّلنا تعبير (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) بما أوّلناه لأنه المتسق مع روح الآيات وروح التقريرات القرآنية عامة. فالضلال والتعامي كان من المتعامي عن ذكر الله أصلا كنتيجة لسوء نيته وخبث طويته فكان للشيطان سبيل عليه.

ولقد كان هذا التعبير مما دار حوله جدل بين أصحاب المذاهب الكلامية في معرض كون الله هو الذي يضل أو لا يضل الكافرين (١). ولسنا نرى المقام يتحمل ذلك. ولا سيما أن الآيات تنطوي على إنذار الكافرين والتنديد بهم وتقرير استحقاقهم للعذاب بسبب تعاميهم واستماعهم للشيطان الذي صدهم عن سبيل الله واستهدفت إثارة ندم الكفار والأولى أن تبقى في هذا النطاق ، وفي الآيات التالية ما فيه دعم وتأييد لذلك.

(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)

__________________

(١) انظر تفسيرها في الكشاف المذيل بحواشي ابن المنير ج ٣ ص ٤١٩ ـ ٤٢٠.

٥٠٦

وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)) [٤٠ ـ ٤٥]

(١) وإنه لذكر لك ولقومك : إن فيه لشرفا لك ولقومك ، أو إن فيه لتذكيرا لك ولقومك والأكثر على القول الأول.

وجّه الخطاب في الآيات للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتقول له :

١ ـ إنه ليس من شأنه ولا واجبه أن يسمع الأصم أو يجعل الأعمى يرى أو يقنع من كان مرتكسا في الضلال عن عمد ومكابرة وعناد.

٢ ـ وإن هؤلاء لن يعجزوا الله في أي حال ، فهو قادر عليهم منتقم منهم سواء أعاش حتى يرى تحقيق وعيد الله فيهم بعينيه أم جاءه قضاء الله قبل ذلك وذهب به.

٣ ـ وإن المطلوب منه هو الاستمساك بما أوحى الله إليه به فهو على طريق الله المستقيم ، وفيه ذكر وشرف خالدان له ولقومه وهم مسؤولون عن تبعته وحقه أمام الله.

٤ ـ وإن الله لا يمكن أن يكون قد أذن للناس أن يعبدوا إلها غيره ، وهذا مؤيد بشهادة الرسل الذين أرسلهم الله قبله فليسألهم ليتأكد من ذلك.

والآيات متصلة بموضوع الآيات السابقة التي نددت بالكفار المشركين ووصفت شدة عنادهم ومكابرتهم. وفيها تثبيت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في موقفه ودعوته ، وتسرية عنه لما يلقاه من عناد الكفار ومكابرتهم. وفيها تدعيم للتأويل الذي أولنا به الآيات السابقة وبخاصة تعبير (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦)).

والآية الأخيرة هي على ما يتبادر للرد على المشركين في زعمهم أن ما هم عليه هو من هدى الله وأن لو شاء لما عبدوا الملائكة وأشركوهم معه. وأسلوبها

٥٠٧

أسلوب تحدّ ونفي معا. والمفسرون (١) يروون عن ابن عباس قولين في المقصود من جملة : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) أحدهما أن الله عزوجل جمع المرسلين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الإسراء وأمره أن يسألهم ولكنه لم يشك ولم يسأل ، وثانيهما أن الجملة عنت أهل الكتاب أو مؤمني أهل الكتاب ، ومعظم المفسرين أخذوا بهذا القول وهو الأوجه. وفي القرآن آيات عديدة فيها أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باستشهاد أهل الكتاب مما يدعم هذا القول. ومن ذلك آية سورة يونس هذه : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤)) وفي سورة الأنبياء آية في نفس الصدد الذي جاءت فيه الآية وهي : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)) وجملة (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) بمعنى كتب الأنبياء من قبلي أو أخبارهم.

تعليق على آية

(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤))

وجملة (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)) تحتمل أن يكون معناها : إنه لشرف لك ولقومك ، أو : إنه لتذكير لك ولقومك وسوف تسألون عن موقفكم منه وجهدكم في سبيله ، وأكثر الأقوال والروايات في جانب القول الأول ، وهو ما يؤيده إشراك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخطاب.

وهي على هذا تتضمن معنى جليلا في صدد ما ناله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقومه من كرامة وشرف بسبب الرسالة المحمدية سواء أكان تعبير (وَلِقَوْمِكَ) كناية عن العرب كما قال بعض المفسرين أم عن قبيلة قريش كما قال بعض آخر ، وتعبير (وَسَوْفَ

__________________

(١) انظر تفسير الآية في كتب تفسير الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي والبغوي والزمخشري.

٥٠٨

تُسْئَلُونَ (٤٤)) يتضمن تقرير كون قوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حملوا من قبل الله تعالى واجبا عظيما مقابل ما نالوه من شرف وكرامة إزاء الدعوة ومبادئها وتعاليمها سواء في الاستجابة إليها والعمل بموجبها أم في القيام بعبء نشرها وبثّها والدفاع عنها. وفي هذا ما فيه كذلك من معنى جليل وواجب خطير ، وتلقين مستمر المدى وتقرير لشأن العرب عامة أو قريش خاصة ومسؤوليتهم بين سائر الأمم الإسلامية ، وحفز لهممهم وجهدهم وجهادهم ، وسنزيد هذا الموضوع شرحا في تفسير الآية الأخيرة من سورة الحج إن شاء الله.

وفي سورتي البقرة والحج آيات تؤيد هذا التلقين والتقرير وهي هذه :

١ ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ...) [البقرة / ١٤٣].

٢ ـ (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ...) [الحج / ٧٨].

وتأييد آية سورة الحج بنوع خاص أقوى وأوكد لأن قصد العرب أو قريش فيها أصرح من حيث إنها ذكرتهم بأبوة إبراهيم لهم التي يعرفونها ويعترفون بها على ما تقدم ذكره قبل قليل.

وكلمة (وَسَطاً) تعني الخيار بين الناس لأن خير الأمور أوسطها ، وكلمة (شُهَداءَ) تعني مراقبين وعدولا نتيجة لكونهم وسطاء.

ولقد أوّل بعض المفسرين (١) كلمة (وَلِقَوْمِكَ) بأمتك وجعلوها شاملة لجميع المسلمين ، ونحن ما زلنا نرجح المفهوم السابق لأن العرب وقريشا بخاصة

__________________

(١) انظر تفسيرها في تفسير النسفي.

٥٠٩

كانوا هم موضوع الكلام والخطاب والدعوة حين نزول الآية ، ولأن تأييد آية سورة الحج بخاصة قوي بل حاسم.

وتبعا لهذا أو نتيجة له يصح أن يقال إنه صار للعرب رسالة إنسانية وعالمية خالدة لما في القرآن والحكمة النبوية من معجزات باهرة وتشريعات ومبادئ خالدة تستجيب لكل حاجة من حاجات البشر وتحلّ كلّ مشكلة من مشاكلهم في كلّ ظرف من ظروفهم. وسواء في ذلك المسائل والمشاكل والشؤون الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والأسرية والإنسانية أم المسائل والمشاكل الروحية والإيمانية والعقيدية مع سعة غير محدودة في الأفق ، ومرونة كبرى في التطبيق وسمو لا يدانى في الأسس والأهداف يكفل تقدم معتنقيها قدما إلى أسمى ذرى الكمال الإيماني والروحي والعلمي والتشريعي والاجتماعي والأخلاقي والسياسي والاقتصادي والأسري والإنساني بكل قوة وسرعة ودون ما أي عائق وجمود وتعقيد. وإمدادهم بأسباب الصيانة الروحية والأخلاقية ، وإمدادهم بذخر من الفيض الروحي الذي يحول بين فراغ النفس واليأس والانهيار في الأزمات ويدفع عنهم نوازع الشر والأنانية والهدم إذا هم فهموها وساروا على نهجها بإيمان وصدق خلافا لما يتوهم الذين لم يدرسوها دراسة واعية (١) بحيث

__________________

(١) ناقشنا هذا الموضوع بالذات في مقدمة كتابنا «الدستور القرآني في شؤون الحياة» مناقشة وافية ، وفي هذا الكتاب فصول وشروح في مبادئ وتعاليم وأهداف وأحكام وتلقينات القرآن ما يلجم كل مكابر ممار. ومثل هذا بارز واضح فيما مرّ وفيما يأتي من أجزاء هذا التفسير وفي خلال آلاف الأحاديث النبوية التي أوردناها في سياق تفسير السور وما لم نوردها مما هو مبثوت في كتب الأحاديث الصحيحة يبدو نور النبوة الوهاج الذي يتساوق مع القرآن في مثل تلك المبادئ والتعاليم والأهداف والأحكام والتلقينات. وهناك شهادات لا تحصى لعلماء الغرب الاجتماعيين بما كان من أثر ذلك فيما قام من حضارة عربية إسلامية باذخة في القرون الإسلامية الأولى في مشارق الأرض ومغاربها. وهذه واحدة نوردها نشرت في ظرف كتابة هذا التعليق في العدد الثالث من السنة الخامسة من مجلة «حضارة الإسلام» التي تصدر في دمشق (جمادى الأولى ١٣٨٤) ، مقتبسة من كتاب «قانون التاريخ

٥١٠

كان ذلك حكمة الله العظمى في ترشيحها لتكون دين البشرية عامة ، ووعد الله تعالى بتمكينها في الأرض كما جاء في آية سورة الفتح هذه : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨)) وآيات سورة التوبة هذه : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)) وآية سورة النور هذه : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) [٥٥]. وإنه صار كذلك من واجب العرب وحقهم الاعتزاز بها وبذل الجهد في إصلاح أنفسهم على أضوائها ليكونوا لائقين لها قادرين على القيام بواجبهم نحوها. بل إن هذا الاعتزاز بهذه الرسالة الإنسانية العالمية الخالدة هو من حق العرب غير المسلمين ونعني المسيحيين ـ لأنه ليس هناك عرب غير مسلمين غيرهم ـ وواجبهم إذا كانوا صادقين ومخلصين حقا في شعورهم القومي. لأن العروبة إذا ما

__________________

لجوفيه كستلو» قال : «كان التقدم العربي بعد وفاة الرسول عظيما ، جرى على أسرع ما يكون وكان الزمان مستعدا لانتشار الإسلام فنشأت المدنية الإسلامية نشأة باهرة قامت في كل مكان مع الفتوحات بذكاء غريب ظهر أثره في الفنون والآداب والشعر والعلوم وقبض العرب بأيديهم خلال عدة قرون على مشعل النور العقلي وتمثلوا جميع المعارف البشرية التي لها مساس بالفلسفة والفلك والكيمياء والطب والعلوم الروحية فأصبحوا سادة الفكر مبدعين ومخترعين لا بالمعنى المعروف بل بما أحرزوا من أساليب العلم التي استخدموها بقريحة وقّادة للغاية. وكانت المدنية العربية قصيرة العمر إلّا أنها باهرة الأثر وليس لنا إلّا إبداء الأسف على اضمحلالها». ومصداق هذا وتفصيله مبثوث في الكتب العربية التي وصل إلينا بعضها وضاع كثير منها وخبوء نور المدنية العربية الإسلامية إنما كان بسبب ما قام بين العرب من فتن واندسّ من دسائس وتغلب عليهم نتيجة لذلك من متغلبين جهلاء. وقد نوّهنا بشهادات علماء العرب لأن كثيرا من الذين يتسمون بالقومية العربية ويحاولون فصل الإسلام عن العروبة أو أكثرهم قد نشأوا نشأة غربية وكانوا وظلوا غرباء عن النشأة العربية الإسلامية.

٥١١

تجردت عن هذه الرسالة فقدت ميزة عظمى تتميز بها بين الأمم. وليس من شأن هذا أن يتناقض مع المسيحية التي انتقلت إليهم من أسلافهم آليا لأسباب وظروف مختلفة ، ولا سيما إن الرسالة الإسلامية شقيقة متممة للرسالة المسيحية وإن المسيح ومحمد صلى الله عليهما وسلم يمتان إلى الجنس العربي. وكل ما في الأمر أن الأول يمتّ إلى جيل سابق لدور العروبة الصريح ، وقد أوجب كتاب الله وسنة رسوله على المسلمين احترامه وتكريمه وتقديسه والاعتراف بنبوته وصلة الله به ومعجزة ولادته.

وكل هذا يجعل الذين يحاولون فصل الإسلام عن العروبة من العرب سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين مستحقين لنعت المجرم القومي أو الدعي القومي. من حيث إن ميزة الإسلام هي ميزة العروبة الكبرى من شأنها أن تمد العرب والإنسانية بأرقى ما يمكن أن يتصور من مثل عليا وقيم أخلاقية وحوافز قوية نحو الخير والتقدم والرقي والتكامل في كل مجال من مجالات الحياة المادية والمدنية ويكون العرب بها وحسب أصحاب رسالة عالمية خالدة ومن حيث إن فقد العرب لهذه الميزة خسارة بل كارثة قومية وإنسانية. كما يجعل المسلمين الذين يحاولون فصل العروبة عن الإسلام سواء أكانوا عربا أم غير عرب منحرفين عن ما قرره القرآن من شأنية العرب العظمى في الرسالة الإسلامية المتمثلة في حكمة الله عزوجل بجعل نبيها عربيا وكتابها عربيا وبجعل العرب أمة وسطا شهداء على الناس وتقرير مسؤوليتهم عنها.

وإذا كنا نقول إن من حق العرب وواجبهم أن يعتزوا بالرسالة الإسلامية وأن يبذلوا جهدهم لإصلاح أنفسهم حتى يكونوا لائقين بها وقادرين على القيام بواجبهم نحوها فإن غير العرب من المسلمين لا يفقدون هذا الحق ولا يرتفع عنهم هذا الواجب. لأن كل ما اتصفت به الرسالة الإسلامية وهدفت إليه قد صار وصفا وهدفا للمسلمين جميعهم.

٥١٢

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦)) [٤٦ ـ ٥٦]

(١) مهين : حقير.

(٢) لا يكاد يبين : إشارة إلى ما كان من ثقل لسان موسى مما ذكر في آيات سورة الشعراء وطه والقصص بصراحة أكثر.

(٣) فلما آسفونا : فلما أغضبونا.

عبارة الآيات واضحة ، وقد احتوت تذكيرا برسالة موسى عليه‌السلام إلى فرعون وقومه وموقفهم منها ، وكيف كان عذاب الله لهم بالآيات أولا وبالإغراق ثانيا مما جاء مفصلا أكثر في سور عديدة سبق تفسيرها. وقد انتهت بالتنبيه على أن الله تعالى قد جعل فرعون وقومه مثلا لمن يأتي بعدهم ليتعظوا به ، وهذا من أهداف القصة بل هو هدفها كما هو المتبادر.

وقد جاءت الآيات عقب الآيات التي ذكر فيها عناد الكفار ولجاجهم جريا على الأسلوب القرآني ، ويلفت النظر إلى ما بين هذه الآيات والآيات السابقة من تماثل في صدد مواقف الكفار وتحديهم واستخفافهم واعتدادهم. وواضح أنه أريد بهذا تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جهة وإنذار الكفار من جهة أخرى.

٥١٣

وما ذكر هنا مقتضبا من رسالة موسى عليه‌السلام إلى فرعون وموقف فرعون منها جاء مسهبا بعض الشيء في سور سابقة وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار. والجديد هنا هو ما جاء في الآيات [٥١ ـ ٥٣] من خطاب فرعون لقومه. وهذا ليس واردا في الأسفار المتداولة ، ولكن ليس ما يمنع أن يكون ورد في قراطيس كانت في يد اليهود وأن العرب السامعين كانوا يعرفون ذلك من طريقهم.

ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [٥٤] مدنية. وظاهر أنها منسجمة انسجاما تاما نظما وموضوعا في الآيات مما يسوغ القول بعدم صحة الرواية.

(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩)) [٥٧ ـ ٥٩]

(١) يصدون : قيل إنها بمعنى يضجون فرحا وجلبة وصخبا. من التصدية وهي في أصلها بمعنى التصفيق. وقيل إنها بمعنى الإعراض والتعطيل من الصدّ والمقام يتحمل كلا المعنيين وإن كان حمله على المعنى الأول أولى وأقوى.

(٢) خصمون : عنيدون في الجدل والخصومة.

حكت الآيات موقف المشركين العرب حينما كان يذكر عيسى ابن مريم عليه‌السلام حيث كانوا كلما ذكر في معرض الرد والتمثيل والعظة يزدادون إعراضا وجدلا أو يشتدون في الصخب والضجة ويتساءلون عما إذا كان هو خيرا أم آلهتهم. وقد ردّت عليهم بأن تساؤلهم وموقفهم وصخبهم ليس إلّا من قبيل الجدل والمكابرة التي برعوا فيها ثم استطردت إلى ذكر حقيقة عيسى فقررت أنه ليس إلّا عبدا من عبيد الله أنعم الله عليه بالاصطفاء وجعله موضع عنايته وآية معجزة لبني إسرائيل لإثبات قدرته ومثلا من أمثاله وآياته لهم.

٥١٤

تعليق على آية

(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧))

وما بعدها

والآيات ليست منقطعة الصلة بالآيات السابقة ، وبخاصة بالآيات التي سبقت قصة موسى وفرعون. وقد احتوت صورة من صور اللجاج والخصومة القوية التي كان عليها نبهاء العرب وفصلا من فصول الجدل التي كانت تقع بينهم وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والمتبادر أن المشركين قالوا ردا على استشهاد القرآن برسل الله وكتبه على كونه لم يأذن بعبادة آلهة غيره على ما جاء في الآية [٤٥] إن هذا مناقض للواقع من حيث إن النصارى وهم مؤمنون برسل الله وعندهم كتاب سماوي قد اتخذوا عيسى إلها وعبدوه. ثم استمروا في ردهم الذي ظنوه مفحما وملزما فتساءلوا عن الأفضل والصواب آلملائكة الذين يعبدونهم أم عيسى؟ ويبدو أن تساؤلهم هذا قائم على ما كانوا يرونه من اتساق المنطق في صلة الله الأبوية بالملائكة التي كانوا يقولون بها ـ وهي كون الملائكة بنات الله ـ أكثر من صلة الله الأبوية بعيسى التي كان يقول النصارى بها ـ وهي وكون عيسى ابن الله ـ من حيث كون أوصاف الملائكة وحقيقتهم أكثر انسجاما أو تماثلا مع أوصاف الله من وصف عيسى وحقيقته لأن هذا ولد وعاش ومات كما يولد ويعيش ويموت سائر البشر كما يقرره النصارى أنفسهم. في حين أن الملائكة نورانيون غير ماديين وغير مرئيين لا يموتون ولا يتزاوجون ولا يتوالدون وكل هذا من صفات الله! وقد نسفت الآيات بردها هذا الأساس الذي أقاموا عليه حجتهم فأوضحت أن عيسى ليس إلّا عبدا من عباد الله وأن خلقه ليس إلّا آية ومعجزة ومثلا من آيات الله ومعجزاته وأمثاله.

ولقد روى الطبري وابن كثير والخازن والبغوي أن الآيات نزلت بمناسبة اعتراض الكفار حين نزلت آية سورة الأنبياء هذه : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨)) بقولهم كيف يكون هذا

٥١٥

ومن المعبودين عيسى وهو من أنبياء الله. والرواية لم ترد في كتب الصحاح ونحن نشك فيها أو على الأقل في كونها سبب نزول هذه الآيات لأن المناسبة بينها وبين ما قبلها قائمة ولأن روح الآيات تلهم أن ما فرضناه هو الأكثر وجاهة. ولأن مقتضى الرواية أن تكون آية سورة الأنبياء هي السابقة في النزول مع أن الواقع هو عكس ذلك.

ومع أن الطبرسي الشيعي روى الرواية التي رواها المفسرون المذكورون فإنه يروي رواية أخرى قال : إن سادة أهل البيت يروونها عن علي بن أبي طالب قال : «جئت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما فوجدته في ملأ من قريش فنظر إليّ ثم قال : يا عليّ إنّما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم أحبّه قوم فأفرطوا في حبّه فهلكوا وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا واقتصد فيه قوم فنجوا فعظم ذلك عليهم فضحكوا وقالوا يشبهه بالأنبياء والرسل فنزلت الآية.

والهوى الحزبي بارز على هذه الرواية كما هو ظاهر.

تعليق على جملة

(ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨))

وما ورد في سياقها من نهي النبي عن التجادل في القرآن وضرب بعضه ببعض

وجملة (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨)) تدل على ما كان من قوة وشدة حجاج ولجاج نبهاء المشركين في أثناء جدالهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي حجاجهم الذي شرحناه في صدد عيسى مثل على ذلك فضلا عن أمثلة عديدة من ذلك مرّت في السور السابقة.

ولقد روى المفسرون في سياق هذه الجملة حديثا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صيغ مختلفة ، كلّها عن أبي أمامة رضي الله عنه ، منها حديث رواه الترمذي ومسلم (١) في سياق تفسير الجملة جاء فيه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٢٠٥ كتاب التفسير.

٥١٦

عليه إلّا أوتوا الجدل ثم تلا قول الله تعالى : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨))» ومنها حديث رواه الطبري (١) عن أبي كريب عن أحمد بن عبد الرحمن عن عباد بن عباد عن جعفر بن القاسم عن أبي أمامة جاء فيه : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج عليهم وهم يتنازعون في القرآن فغضب غضبا شديدا حتى كأنما صبّ على وجهه الخلّ ثم قال لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإنه ما ضلّ قوم قط إلّا أوتوا الجدل ثم تلا قول الله : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨))».

والمتبادر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد من الجدل الذي غضب منه ونهى عنه ما يكون مقصودا به اللجاج والحجاج والعناد والتعنت وأراد من تعبير : (لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض) لا تتجادلوا في آيات قد يبدو ظاهرها مناقضا لظاهر آيات أخرى جدالا يؤدي إلى تكذيب آيات الله ببعضها. والحق أن على المسلم واجب الإيمان بأنه ليس في كتاب الله اختلاف ولا تناقض. وأن عليه في حالة قصور فهمه عن إدراك حكمة الله في عبارة قرآنية أو في حالة توهمه مناقضة بين آية وأخرى أن يبحث عن حل وتأويل وتفسير في الآيات الأخرى أو يفوض الأمر إلى علم الله وحكمته ويعترف بقصور الفهم واحتمال التوهم. والعقل الإنساني مهما اتسع يظل قاصرا عن إدراك كلّ كلام الله وآياته وحكمته ونواميسه والمغيبات عنه. ومع ذلك فإن المرء لواجد في القرآن إذا آتاه الله فهما وأناة لكل آية مطلقة أو مشكلة في الظاهر تأويلا وتفسيرا وتوضيحا وحلا في آيات أخرى بحيث يصح القول إن القرآن إذا اعتبر ككل وهو حق وواجب لا يوجد فيه أي تناقض ولا غموض ولا إشكال. وقد حاولنا في السور السابقة أن نجد لكل ما يبدو في الظاهر مطلقا أو مشكلا أو غامضا أو متناقضا تأويلا وحلا وتوضيحا وتوفيقا. ونرجو أن يكون الله قد سددنا

__________________

(١) انظر تفسير الآية في تفسير الطبري. في التاج حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة مقارب في صيغته لهذا الحديث وهذا نصه : «خرج علينا رسول الله ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمرّ وجهه كأنما فقىء في وجنتيه الرّمان فقال : أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنّما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم عزمت عليكم ألّا تتنازعوا فيه» التاج ج ٤ ص ٢٢٣.

٥١٧

في ذلك نحو الصواب وأن يديم توفيقه وتسديده فيما يأتي من كلامه وله الحمد في الأولى والآخرة وهو ولي التوفيق.

تعليق على تأويل الشيعة للآية

(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ ...) إلخ

ومع ما هو صريح قطعي من أن هذه الجملة عائدة إلى فرعون وقومه فإن مفسري الشيعة يوردون لها تأويلا آخر متسقا مع هواهم حيث يروي الكارزاني عن أبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر قوله في تأويلها : «إنّ الله تعالى لا يأسف كأسفنا ولكنّه خلق أولياء لنفسه يأسفون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضى نفسه وسخطهم سخط نفسه لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلّاء عليه ...» (١) وفي هذا من الشطط والتعسف ما هو ظاهر وما نحب أن ننزه أبا عبد الله عنه.

(وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢)) [٦٠ ـ ٦٢]

ضمائر الجمع المخاطب في الآيات عائدة إلى السامعين إطلاقا مؤمنيهم ومشركيهم على ما هو المتبادر ، ولقد تعددت أقوال المفسرين في تأويل الآيتين الأولى والثانية (٢). فمنهم من قال في صدد الآية الأولى إنها تعني تقرير قدرة الله على جعل نسل المخاطبين ملائكة يخلفونهم في الأرض بعدهم. ومنهم من قال إنها تعني قدرة الله على إهلاكهم وجعل الملائكة يخلفونهم في الأرض بدلا منهم. وقد يكون القول الأول أوجه للتدليل به على أن قدرة الله التي تستطيع جعل نسل

__________________

(١) انظر التفسير والمفسرون للذهبي ج ٢ ص ٦٨.

(٢) جمع الطبري مختلف الأقوال والروايات ، انظر فيه تفسير الآيات. وانظره في كتب تفسير الطبرسي والزمخشري والخازن وابن كثير أيضا.

٥١٨

البشر ملائكة تستطيع خلق عيسى على النحو الذي خلقه دون أن يكون ذلك موجبا لتأليهه كما فعل النصارى ، ومنهم من قال في صدد الآية الثانية إن ضمير (إنّه) عائد إلى نزول عيسى وكون ذلك من أشراط الساعة.

ومنهم من قال في صدد الآية الثانية إن ضمير (إنّه) عائد إلى القرآن وإن الآية تعني تقرير أن القرآن يعلم السامعين بقيام الساعة أو يذكرهم بها أو إن علمها فيه أي إنه يقرر حقيقتها وحقيقة وقوعها فليس من محل للمماراة فيها ، وقد يكون هذا القول أوجه.

وعلى كل حال فإن الآيات متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وتدعيم ، وبسبيل تقرير قدرة الله تعالى على ما هو معجز ومستحيل في نظر الناس مثل خلقه عيسى بدون أب وقيام الساعة التي لا يجوز المماراة فيها لأن كتاب الله يخبر بها. وعلى الناس أن يتبعوا دعوة الله فهي الصراط المستقيم الذي فيه نجاتهم وأن يحذروا الشيطان الذي يصدهم عنه ولا يسمعوا لوساوسه فإنه شديد العداوة لهم ولا يفعل إلّا ما فيه ضررهم.

تعليق على خبر نزول

عيسى عليه‌السلام

في آخر الزمان

وعلى احتمال أن تكون جملة (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) تعني نزول عيسى عليه‌السلام قبيل نهاية الدنيا كشرط من أشراط الساعة نقول إن هذا النزول قد ذكر في أحاديث نبوية عديدة ، منها حديث عن أبي هريرة رواه الشيخان والترمذي جاء فيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم عليه‌السلام حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها» ثم قال أبو هريرة : «واقرأوا إن شئتم : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ

٥١٩

يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩))» (١) ، ومنها حديث عن أبي هريرة أيضا رواه الشيخان وأحمد جاء فيه : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم» (٢). ومنها حديث عن عبد الله بن عمرو رواه مسلم جاء فيه : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يخرج الدجّال في أمتي فيمكث أربعين ، لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة» (٣). ومنها حديث رواه أبو داود والحاكم والإمام أحمد عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس بيني وبين عيسى عليه‌السلام نبيّ وإنّه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه. رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصّرتين ، كأنّ رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام فيدقّ الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلّها إلا الإسلام ويهلك المسيح الدجّال ، ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسد مع الإبل والنّمار مع البقر والذئاب مع الغنم وتلعب الصبيان بالحيات فيمكث عيسى في الأرض أربعين سنة ثم يتوفّى فيصلّي عليه المسلمون».

ومن المحتمل جدا أن يكون أمر نزول عيسى عليه‌السلام في آخر الزمان وقتله المسيح الدجال مما كان متداولا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أوساط الكتابيين على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة غافر.

وعلى كل حال فنقول هنا ما قلناه هناك من أن واجب المسلم أن يؤمن ويصدق بما يثبت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أخبار غيبية ويؤمن بأنها في نطاق قدرة الله تعالى وإن لم تدركها عقول الناس العادية وأن يفوض الأمر فيها إلى الله وأن يقف عندها دون تزيد وأن يؤمن كذلك بأن فيما يخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكمة استهدفت عظة أو عبرة أو تنبيها أو إنذارا مما يتصل برسالته ومهمته ، وهذه النقطة بخاصة مهمة جدا في الموضوع.

__________________

(١) انظر التاج ج ٥ ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

(٢) انظر التاج ج ٥ ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

(٣) انظر التاج ج ٥ ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

٥٢٠