التّفسير الحديث - ج ٤

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٤

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٧٥

١ ـ مخارج الحروف كالترقيق والتفخيم والميل إلى المخارج المجاورة.

٢ ـ والأداء كالمدّ والقصر والوقف والوصل والتسكين والإمالة والإشمام.

٣ ـ والرسم كالتشديد والتخفيف والإدغام والإظهار والهمز.

٤ ـ والتنقيط والحركات النحوية. وهذا كما هو واضح متصل بأمر التيسير والتسهيل في القراءة وبالتالي متسق مع وجهة النظر التي رجحناها.

وهناك مسألة هامة متفرعة عن هذه المسألة وهي كتابة القرآن ، فإن من العلماء وقراء القرآن من أوجب الاحتفاظ في كتابة القرآن برسم المصحف العثماني ، ومنهم من كره كتابته برسم آخر ، ومنهم من حرّمها. ولم نطلع على أقوال وأحاديث موثوقة متصلة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أصحابه في هذا الشأن ، حيث يسوغ أن يقال إنها أقوال اجتهادية. ولما كان من المتواتر السائغ عند جميع المسلمين كتابة القرآن بخط غير خط مصحف عثمان الذي هو قريب من الرقعة حيث كتب المسلمون مصاحفهم بالخط الكوفي والخط الفارسي والخط الهمايوني والخط المغربي والخط المعلق والخط الثلث إلخ ... بدون حرج ولا إنكار فيكون التشدد هو في صدد طريقة الكتابة أي إملائها وليس في صدد الخط ذاته.

ويبدو أن التشديد متصل بروايات القراءات السبع أو العشر وبالقول إن هذه القراءات صحيحة كلها لأنها تقع في نطاق وحدة الرسم (١) من ناحية ، ومتصلة بالسماع المتسلسل الواصل إلى قراء الصحابة الذين تلقوا القرآن عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ناحية أخرى ، بحيث يراد القول إن من شأن كتابة القرآن بغير الرسم العثماني. وبالخطوط الدارجة في الأزمنة التالية أن تحول دون قراءة الكلمات القرآنية بقراءات مختلفة يحتملها الرسم العثماني ومتصلة بقراء الصحابة فيكون في ذلك تحكم في تصويب قراءة دون قراءة وإبطال قراءة دون قراءة أو مؤد إليهما. وإن هذا هو ما

__________________

الكوفة فتبلغ القراءات بذلك عشرا.

(١) مثلا : يفعلون وتفعلون ، ويغشى ويغشّى ، وتبينوا وتثبتوا ، وفتحت وفتّحت ، وملك ومالك ، وكتب وكتاب ، ومسجد ومساجد ...

٣٢١

تحرز العلماء والقراء في مختلف العصور تورعا وتدينا وزيادة في التحري في تلاوة القرآن تلاوة قويمة صحيحة متصلة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذين سمعوا منه وتلقوا عنه.

ومهما يبدو من وجاهة القول ونتائجه وبخاصة فوائده التي من أهمها احتفاظ المصاحف خلال ثلاثة عشر قرنا برسم واحد قد كتب وفاقا لما يكتب في عهد النبي وبإملائه وحفظ القرآن بذلك من التحريف والتشويه ، ومن الخلافات التي لا بد من أن تنشأ بسبب تطور الخطوط من وقت لآخر وتبدلها في زمن لم يكن فيه مطابع ولا تصوير شمسي. والحيلولة دون تكرر المأساة التي أفزعت الخليفة عثمان بن عفان حينما علم أن المسلمين يقرأون القرآن قراءات مختلفة من مصاحف مختلفة في الإملاء والهجاء ، وكلّ يدعي أن قراءته هي الصحيحة فحمله ذلك على توحيد هجاء القرآن وكتابته ، فإننا نعتقد أنه ليس من شأن ذلك أن يمنع جواز كتابة المصحف بالخط الدارج على شرط مراعاة قراءة من القراءات المشهورة والنص على ذلك في مقدمة المصحف. لأنه لا يوجد نص صريح ثابت متصل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه يمنع ذلك فيما اطلعنا عليه ، ولأننا نعتقد أن في ذلك تيسيرا واجبا لتعليم القرآن وتعلمه وحسن ضبطه وإلقائه. والرسم العثماني ليس توقيفيا كما قد يظن البعض ، فليس هناك نص وثيق بل وغير وثيق متصل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أصحابه في ذلك وإنما هو في حقيقة الأمر الطريقة الدارجة للكتابة في ذلك العصر ولم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ ويكتب وإنما كان يملي ما يوحى إليه به على كتّابه فيكتبونه وفق ما يعرفونه من طريقة الكتابة. وبين الرسم العثماني والخط الدارج فروق غير يسيرة ، ومن العسير أن يتعلم القارئ الرسم العثماني بالإضافة إلى الرسم الدارج الذي ألفه في كتابته وقراءاته الأخرى. وما دامت طريقة الكتابة قد تطورت فإن تسويغ كتابة المصحف وفق الطريقة الدارجة طبيعي أيضا وخاصة بعد أن صار الاحتفاظ بالرسم العثماني ليكون المرجع والإمام مطبوعا ومصورا كما قلنا ممكنا إلى ما شاء الله. ويجب أن يلاحظ أن هناك مسلمين وغير مسلمين لا يتيسر لهم تلقي القرآن من قراء مجازين أو قراء تلقوا أو قرأوا أو سمعوا من قراء مجازين مما يصعب معه إتقان تلاوة القرآن برسمه العثماني بدونه. والمصاحف في متناول جميع الناس على

٣٢٢

اختلاف الملل والأجناس. وفي كتابته بالرسم الدارج منع لمغبة الغلط في قراءة كتاب الله وتشويهه وسوء فهمه وتفسيره ، وتيسير واجب لنشر القرآن الذي هو من أهم واجبات المسلمين أيضا. ولا سيما أن الرسم العثماني محفوظ لن يبيد بما يوجد منه من ملايين النسخ المطبوعة وغير المطبوعة وبالتصوير الشمسي الذي فيه ضمانة لبقائه المرجع الإمام أبد الدهر. وقد رأينا للإمام ابن كثير في كتابه «فضائل القرآن» قولا يبيح كتابة المصحف على غير الرسم العثماني ، وفي هذا توكيد وتوثيق لوجهة نظرنا.

(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)) [٣٠ ـ ٣١]

(١) تختصمون : تقفون موقف الخصومة والتقاضي.

وجه الخطاب في الآية الأولى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقررة أنه سوف يموت وأنهم سوف يموتون والراجح أن ضمير (إنهم) عائد إلى المشركين.

ووجه الخطاب في الآية الثانية للجميع بأسلوب الجمع المخاطب أي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمشركين معا على ما هو المتبادر ، مقررة أنهم سيقفون يوم القيامة أمام الله موقف الخصومة والتقاضي.

ولم نطلع على رواية في سبب نزول الآيات. ويتبادر لنا أنها ليست منقطعة عن السياق السابق وأنها حلقة في سلسلة الجدل والمناظرة بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمشركين.

ولقد ورد في سورة الطور هذه الآيات : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١)) التي تفيد أن المشركين الكفار كانوا يقولون إن محمدا لن يلبث أن يموت فتنتهي حركته. ولقد

٣٢٣

ورد في سورة الأنبياء هذه الآية : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤)) التي تفيد ذلك أيضا. حيث ينطوي في هذا صورة من صور السيرة النبوية والتشاد الناشب بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمشركين.

والظاهر أنهم قالوا هذا أيضا في ظروف نزول السورة فاحتوت الآية الأولى ترديدا لقولهم واحتوت الثانية استدراكا وإنذارا بأن أمر الفريقين لن ينتهي بالموت حيث يرجعان إلى الله جميعا فيقضي بينهما بالحق.

تعليق على أحاديث مروية

في سياق جملة

(ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١))

ولقد روى البغوي وابن كثير وغيرهما في سياق هذه الآية حديثا جاء فيه : «أنه لمّا نزلت هذه الآية قال الزبير : يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواصّ الذنوب؟ قال : نعم ليكررن عليكم حتّى يؤدى إلى كلّ ذي حقّ حقّه. قال الزبير : والله إنّ الأمر لشديد» (١). حيث ينطوي في هذا الحديث صورة من صور تعليق أصحاب رسول الله على الآيات وتوضيح نبوي ينطوي فيه العظة والتنبيه. وإلى هذا الحديث روى المفسران المشار إليهما بضعة أحاديث أخرى منها حديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال : عشنا برهة من الدهر وكنّا نرى هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين قلنا كيف نختصم وديننا واحد وكتابنا واحد حتّى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسّيف فعرفت أنها فينا نزلت. ورووا مثل ذلك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنّا نقول ربّنا واحد وديننا واحد ونبيّنا واحد فما هذه الخصومة فلمّا كان يوم صفين وشدّ بعضنا على بعض بالسّيوف قلنا نعم هو هذا. ورووا أيضا حديثا ثالثا عن إبراهيم قال : لمّا نزلت هذه الآية قالوا

__________________

(١) ورد هذا الحديث في مسند الترمذي بنص آخر وهذا نصه : «قال يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا قال : نعم ، فقال : إن الأمر إذن لشديد» التاج ج ٤ ص ١٩٨ ـ ١٩٩.

٣٢٤

كيف نختصم ونحن إخوان؟ فلمّا قتل عثمان قالوا : هذه خصومتنا. وهذه الأحاديث لم ترد في مساند الصّحاح. والمتبادر أنها مما أخذ يروى أو يساق على هامش الآيات القرآنية نتيجة للخلاف والنزاع الذي وقع في آخر عهد عثمان وبعده واندمج فيه بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. لأن نصّ الآية وما قبلها وما بعدها يدل دلالة قاطعة على أنها في حقّ فريقي الكفار المشركين والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين ولا يتحمل أن يصرف إلى المسلمين فقط في حال.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥)) [٣٢ ـ ٣٥]

(١) مثوى : مقام أو منزل.

(٢) جاء بالصدق : كناية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي جاء برسالة الله وقرآنه وأصحابه الذين صدقوا به.

عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت تقريرا تنديديا بأنه ليس من أحد أشد ظلما وجناية على نفسه ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه وهو القرآن ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وبأنه من الطبيعي أن تكون جهنم مثواه. ثم تقريرا تنويهيا بالمقابلة بمن جاء بالصدق وصدق به الذين هم المتقون والذين من الطبيعي أن يكون لهم عند الله ما يشتهون ويشاؤون لأن هذا هو جزاء المحسنين عنده. ولسوف يكفر الله عنهم أسوأ ما فرط منهم من ذنوب ويغفرها ويجزيهم أجرهم بأحسن ما عملوا جزاء استجابتهم وتصديقهم وتقواهم.

ولقد روى المفسرون أقوالا عديدة عن علماء أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتابعيهم في المقصود بمن (جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) منها أن الأول جبريل

٣٢٥

والثاني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنها أن الأول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والثاني أبو بكر ومنها أن الأول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والثاني علي. وهذه الرواية انفرد فيها الطبرسي الذي عزاها إلى ابن عباس وقال إنها المروية عن أئمة الهدى من آل محمد. ومنها أن الأول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والثاني كل مصدق مؤمن إلى يوم القيامة.

والذي يتبادر لنا أن الآيات جاءت معقبة على الآيتين السابقتين لها لتقرر نتائج الخصومة بين يدي الله استكمالا للاستدراك والإنذار ولتظهر حالة فريقي المؤمنين والمكذبين ، وأنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والارعواء في المشركين وتبشير المؤمنين وتطمينهم. وأنها والحالة هذه عامة بحق الفريقين حاضرين ثم مستمرتا الشمول لكل مكذب كافر ولكل مصدق مؤمن. وأن ذكر أبي بكر وعلي رضي الله عنهما هو من قبيل ما أخذ يروى على هامش الآيات القرآنية من روايات تنافسية نتيجة لما صار يقع من تشاد بين الأحزاب الإسلامية في صدر الإسلام وما كان يساق من روايات وأقوال في المفاضلة بين أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي الآية الأخيرة تلقين جليل مستمر المدى في بثّ الأمل بالغفران الرباني لما يمكن أن يقترفه المؤمن المخلص من ذنوب. وهو ما تضمنته آيات عديدة مرّت أمثلة منها.

(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (٣٧)) [٣٦ ـ ٣٧]

(١) كاف : بمعنى كافل وحافظ.

في الآيات سؤال في معنى التقرير والتوكيد بأن الله حافظ لعبده ورسوله وكافله. وإشارة وجه الخطاب فيها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تخويف المشركين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشركائهم من دون الله وتعقيب على ذلك بأن الذي يضله الله لا يمكن أن يهديه أحد

٣٢٦

والذي يهديه لا يمكن أن يضله أحد. وسؤال آخر في معنى التقرير والتوكيد والإنذار بأن الله قوي منتقم لن يعجز عن جاحديه ولن يفوته الانتقام منهم.

وقد روى المفسرون (١) في سياق الآيات أن المشركين كانوا يخوفون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من انتقام معبوداتهم بسبب ما كان يوجهه إليهم من تسفيه وتنديد كما رووا (٢) أن المشركين خوفوا خالد بن الوليد من بطش العزّي حينما أرسله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليهدم بيتها. والحادث الأخير كان بعد فتح مكة. والخطاب موجه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحيث يجب استبعاد الرواية الثانية والأخذ بالرواية الأولى مع القول إن الآيات لم تنزل لمناسبة جديدة من ذلك وإنما جاءت لتردد أقوال المشركين وترد عليها في سياق سلسلة الجدل والمناظرة التي هي حلقة منها وليست منفصلة عنها. وعلى كل حال ففي الآيات صورة أخرى مما كان يقع بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمشركين.

ولقد نبهنا في مناسبات سابقة إلى وجوب الرجوع إلى الآيات التي تفيد إضلال الله للظالمين والفاسقين وهداية الله للمنيبين إليه المتقين لإزالة الإشكال الذي قد يرد في الآيات التي يرد ذلك فيها مطلقا. ونكرر هذا التنبيه بمناسبة هذه الآيات.

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)) [٣٨]

جاءت الآية معقبة على ما سبقها حيث تقرر أولا تناقض المشركين العجيب في اتخاذهم شركاء مع الله مع أنهم لو سألهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمن خلق السموات والأرض لاعترفوا بأنه الله عزوجل وحيث تأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثانيا بسؤالهم سؤالا يتضمن جواب النفي والتحدي والتهوين عما إذا كان هؤلاء الشركاء قادرين على

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن.

(٢) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن.

٣٢٧

دفع ضرّ يريده الله به أو منع رحمة يناله بها ، وحيث تأمر النبي ثالثا بأن يعلن أن الله هو حسبه وكافيه وهو وحده الجدير بأن يتوكل عليه المتوكلون. والآية كما هو ظاهر قوية نافذة في سؤالها وتحديها وأمرها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يعلن أن حسبه الله الذي يتوكل عليه المتوكلون.

والآية وإن كانت موجهة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتثبيته إزاء مواقف المشركين فإن تلقيها مستمر المدى لكل مسلم في كل وقت. يستمد منها القوة والطمأنينة وعدم الخوف من غير الله وعدم الاعتماد والتوكل على غير الله ، والوقوف في وجه المشركين به المنحرفين عن صراطه موقف القوة والتحدي والنضال. ولقد علقنا في مناسبة سابقة على التوكل عليه وما يهدف القرآن من الأمر بذلك من معالجة وتثبيت للمؤمنين المتوكلين على الله فنكتفي بهذا التنبيه.

(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠)) [٣٩ ـ ٤٠]

(١) مكانتكم : هنا بمعنى على حالتكم.

والآيتان معقبتان أيضا على ما سبقهما ، وقد احتوتا أمرا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يقول للمشركين استمروا إذا شئتم على حالتكم وضلالكم وأنا مستمر على ما أنا عليه. ولسوف تعلمون وترون أيّا منا يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم دائم.

وفي ما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقوله للمشركين تثبيت له من ناحية وإشعار بأنه في موقف المستعلي عليهم المتحدي لهم الواثق بأن عذاب الله وخزيه إنما سوف يحلان فيهم ، وقد تكرر هذا في المناسبات العديدة المماثلة.

(إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما

٣٢٨

يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١)) [٤١]

والآية أيضا استمرار في التعقيب والتثبيت. وقد وجه الخطاب فيها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فالله قد أنزل عليه الكتاب لإنذار الناس ودعوتهم إلى الحق ثم هم وشأنهم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه وينفع نفسه وينقذ نفسه ومن ضل فإنما يضر نفسه ويهلك نفسه وليس هو وكيلا عليهم ولا مسؤولا عنهم.

ولعل الآية قد جاءت إنهاء لموقف الجدل والمناظرة التي ما فتئت الآيات السابقة تذكر صوره ، مما تكرر في المواقف المماثلة ومرت منه أمثلة عديدة.

وجملة (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) من التعبيرات الحاسمة والمحكمة المقررة لقابلية الناس للاختيار بين الهدى والضلال وتحمل مسؤولية اختيارهم والتي تكررت كثيرا ومرت أمثلة عديدة منها في السور السابقة. وتصح أن تكون ضابطا من الضوابط القرآنية في مداها ، ومرجعا لإزالة ما قد يبدو في بعض الآيات من إشكالات ظاهرة.

(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢)) [٤٢]

تعددت الأقوال والتأويلات التي أوردها المفسرون (١) للشطر الأول من الآية. من ذلك أنه يعني أن الله يقبض أرواح الناس إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتلتقي وتتعارف ما شاء الله ثم يمسك التي تكون ماتت ويرسل الأخرى لتعود إلى أجسام أصحابها إلى أن ينتهي الأجل المعين لها. ومن ذلك أنه يعني أن لكل إنسان نفسين نفس الحياة وهي التي تفارقه عند الموت فيكون الموت ونفس التمييز وهي التي تفارقه عند النوم وإن الله تعالى يتوفاهما كلتيهما فيمسك التي قضى على

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.

٣٢٩

أصحابها الموت ويرسل التي لم يكن قضاه على أصحابها. ومنها أن للروح شعاعا مخيما تخرج الروح من الجسم بالنوم يبقى شعاعها الذي فيه مظاهر حياته فإذا ما قضى الله على صاحبها الموت يخرج الشعاع أيضا. وإذا لم يكن قضى عليه الموت تعود إليه الروح فتكون اليقظة. وليس شيء من هذه التعريفات معزوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو واردا في مساند الصحاح.

والذي يتبادر لنا أولا أن الآية غير منقطعة عن السياق الذي قررت بعض آياته أن الله هو وحده النافع الضار ، خالق الأكوان والمتصرف فيها وأن المعبودات التي يشركها المشركون قد لا تملك جلب نفع ولا دفع ضرّ فجاءت هذه الآية تقرر شيئا آخر مماثلا في صدد الموت والحياة وكونهما في يد الله وحده كذلك. وأن أسلوبها تمثيلي وتقريبي بسبيل التدليل على شمول حكم الله وتصرفه في كونه ومخلوقاته تصرفا مطلقا في كل حال وأن ما جاء فيها هو مستمد مما كان السامعون يشاهدونه ويعتقدونه في حالات النوم واليقظة والموت. وفي الشطر الثاني من الآية دليل على هذا القصد حيث يهتف بالسامعين بأن في ذلك آيات دالة على قدرة الله ومطلق تصرفه لمن يريد أن يتدبر ويتفكر في آياته. ولسنا نرى والحالة هذه طائلا في التخمين أو التوفيق بين ما جاء في الآية وما عرف من نواميس الحياة ونرى الأولى الوقوف في الأمر حيث وقف القرآن واستهدفه من العبرة والتدليل في نطاق ما شرحناه ونرجو أن يكون فيه الصواب إن شاء الله.

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤)) [٤٣ ـ ٤٤]

في الآيات تساؤل ينطوي على التقريع والتسفيه عن حقيقة الشفعاء الذين اتخذهم المشركون من دون الله وأشركوهم معه في العبادة والدعاء ، وأمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسألهم سؤالا ينطوي على التحدي والتنديد عما إذا كان يجوز في عقل ومنطق

٣٣٠

أن يشركوهم مع الله ولو لم يكن لهم من أمر الكون شيء ولو لم يعقلوا شيئا مما يوجه إليهم من دعاء وعبادة. وأمر آخر له بأن يقرر أن الشفاعة جميعا هي لله وحده الذي له ملك السموات والأرض وإليه مرجع الجميع في النهاية.

في الآيات عود على بدء في صدد محاججة الكفار وحكاية عقائدهم وتسفيههم عليها. وهي من هذه الناحية ليست منقطعة الصلة بالآيات السابقة سياقا وموضوعا ، ولعلها من ناحية ما استمرار لما احتوته تلك الآيات من حجج مفحمة بسبيل توكيد عجز شفعائهم وشركائهم عجزا تاما في جميع الحالات.

وتعبير (لِلَّهِ الشَّفاعَةُ) هنا تعبير أسلوبي على ما يتبادر لمقابلة تعبير (شُفَعاءَ) وما يرتجى منهم من الشفاعة. والمقصد منه تقرير كون دفع الضرر وجلب الخير اللذين يتوسل بالشفعاء لدى الله لنيلهما هما في يد الله وحده وأنه هو وحده المرجّى.

وتعبير (وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣)) في الآية الأولى يلهم أن المقصود من الشفعاء هنا هو الأصنام لا الملائكة. هذا في حين أن آيات عديدة أخرى ومنها ما ورد في هذه السورة تقرر أن المشركين كانوا يتخذون الملائكة شفعاء لهم عند الله. ولقد ذكرنا في سياق تفسير سورة النجم أن المشركين كانوا يعبدون أصنام اللاة والعزى ومناة على اعتبار أنها رموز للملائكة أو هياكل لها في الأرض ، استلهاما من روح الآيات ومضامينها. فيقيمون عندها طقوسهم ويقربون عندها قرابينهم على هذا الاعتبار ، وبهذا يزول الإشكال ويتم التساوق كما هو المتبادر.

على أن من المحتمل أن يكون بعض المشركين كانوا ينسون الرمزية في الأصنام ويتوسلون بها إلى الله مباشرة ، وأن الآية قد قصدت ذلك في تنديدها ووصفها.

(وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ

٣٣١

الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦)) [٤٥ ـ ٤٦]

(١) اشمأزت : نفرت وانقبضت.

(٢) يستبشرون : يظهرون البشر والفرح والسرور.

(٣) عالم الغيب والشهادة : العالم الظاهر والخفي أو الحاضر والمستقبل ، والشهادة تعني الحاضر أو الظاهر.

(٤) تحكم : تقضي.

في الآية الأولى صورة من صور مواقف الكفار. فإذا ذكر الله وحده انقبضت قلوبهم ونفروا في حين أنهم يسرّون ويستبشرون إذا ما ذكر شركاؤه. وفي الآية الثانية أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالاتجاه إلى الله تجاه هذا الموقف الباطل السخيف قائلا اللهم خالق السموات والأرض عالم الخفي والظاهر والحاضر والمستقبل أنت الذي تقضي بين عبادك فيما هم فيه مختلفون فتؤيد الحق وأهله وتزهق الباطل وحزبه وتجزي كلا منهم بما يستحقه.

والآيتان متصلتان بما سبقهما اتصال سياق وموضوع كما هو واضح ، وقد انطوى فيهما تبكيت على سخف المشركين وضلالهم في موقفهم بعد أن لزمتهم الحجة التي كان من مظاهرها إظهار عجز الشركاء عجزا مطلقا في كل شيء. كما انطوى فيهما تثبيت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإشعار بالوثوق والاستعلاء في موقفه من المشركين.

وجملة (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) كوصف للمشركين تنطوي على توكيد كون موقفهم ناشئا عن عدم إيمانهم بالآخرة وبعبارة أخرى عن عدم خوفهم من العواقب بعد الموت. وقد تكرر هذا أكثر من مرة. ومرت أمثلة منه. وينطوي فيه حكمة من حكم الله عزوجل في الحياة الأخروية والإنذار القرآني المستمر بها ، لأن الخوف منها يجعل الإنسان يرعوي عن مواقف الإثم والضلال والانحراف.

٣٣٢

ولقد روى البغوي في سياق الآية الثانية أن عائشة قالت : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يفتتح صلاة الليل بقوله اللهمّ ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم». وأورد ابن كثير في سياقها حديثا رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من قال اللهمّ فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إنّي أعهد إليك في هذه الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمّدا عبدك ورسولك فإنّك إن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشرّ وتباعدني من الخير وإنّي لا أثق إلّا برحمتك فاجعل لي عندك عهدا توفّينيه يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد إلّا قال الله عزوجل لملائكته يوم القيامة : إنّ عبدي قد عهد إليّ عهدا فأوفوه إيّاه فيدخله الله الجنة». وحديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي راشد الحبراني قال : «أتيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقلت له حدّثنا ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فألقى بين يديّ صحيفة فقال : هذا ما كتب لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنظرت فيها فإذا فيها أنّ أبا بكر الصديق قال : يا رسول الله علّمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال له : قل اللهمّ فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت ربّ كلّ شيء ومليكه أعوذ بك من شرّ نفسي وشرّ الشيطان وشركه أن أقترف على نفسي سوءا أو أجرّه إلى مسلم» حيث ينطوي في الأحاديث صورة من صور استلهام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية في مناجاة ربّه في الليل وتعليمه مثل ذلك لأصحابه.

(وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨)) [٤٧ ـ ٤٨]

(١) ما لم يكونوا يحتسبون : ما لم يكن قد خطر ببالهم من هول وعذاب.

٣٣٣

(٢) سيئات ما كسبوا : سوء نتائج آثامهم التي ارتكبوها بظلمهم وشركهم.

في الآيتين إشارة إلى هول ما سوف يلقاه المشركون الظالمون لأنفسهم يوم القيامة ، حيث يعرضون لعذاب يكون من الشدة ما يهون عليهم معه أن يفتدوا منه بملك الدنيا وما فيها ومثله معه لو كانوا يملكونه ، وحيث يرون من نكال الله وغضبه ما لم يكن يخطر لهم ببال وحساب ، وحيث يعاينون سوء آثامهم التي ارتكبوها وحيث يحيق بهم ما كانوا يستخفون به ويستهزئون منه.

والآيتان متصلتان بما سبقهما اتصال سياق وموضوع أيضا ، وقد استهدفتا فيما استهدفتاه على ما هو المتبادر إثارة الرعب في قلوب المشركين وحملهم على الارتداع والارعواء ، وينطوي فيهما صورة لما كان عليه المشركون من شدة عناد ومكابرة وما كان يبدو منهم من استخفاف واستهتار وهزء بالدعوة النبوية والنذر الأخروية.

(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)) [٤٩ ـ ٥٢]

(١) فتنة : اختبار وامتحان.

(٢) فما أغنى عنهم : فما نفعهم.

(٣) والذين ظلموا : هنا بمعنى والذين أجرموا وأثموا وانحرفوا عن الحق.

الآية الأولى تشير إلى خلق في الناس ، فإذا ما نزل في إنسان ضرّ وضيق وعسر دعا الله لكشفه فإذا استجاب له وأزاله عنه وبدله نعمة ويسرا جحد الله وزعم أن ما ناله إنما ناله بسعيه وعلمه وبراعته. وقد احتوت الآية ردا على هذا الجحود

٣٣٤

حيث قررت أن ما يمنحه الناس من نعم وما يصابون به من مصائب هو من قبيل الامتحان الرباني ولكن أكثر الناس يغفلون عن هذه الحقيقة.

والآيتان الثانية والثالثة تقرران أن مثل هذا الجحود وتلك الدعوى قد كان من الأمم السابقة فلم ينفعهم ما نالوه وكسبوه ولم يلبثوا أن وقعوا في شرّ جحودهم وأصابهم ما استحقوا من عقاب الله عليه. وأن الظالمين من السامعين للقرآن هم أيضا سيقعون في شرّ آثامهم ويصيبهم ما يستحقون من عقاب الله بدورهم ، وليس الله عاجزا عنهم ولن يستطيعوا الإفلات منه.

أما الآية الرابعة فقد احتوت سؤالا استنكاريا موجها لهؤلاء السامعين الظالمين عما إذا كانوا لا يعلمون أن بسط الرزق وقبضه هما في يد الله يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء وفقا لمقتضيات حكمته. ثم انتهت بتقرير كون هذا ينطوي على آيات ربانية لينتفع بتدبرها المؤمنون ، وصيغة السؤال وروح الآية معا تلهمان أن السامعين يعلمون ما قررته الآية ، ولهذا فإن التنديد جاء قويا محكما. وقد سجلت آيات عديدة عليهم ذلك من جملتها الآية [٣٩] من هذه السورة ، والآية [٣١] من سورة يونس هذه : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١)).

وهذه الآيات أيضا متصلة بالسياق أو استمرار له في صدد تقريع الكفار المشركين على مواقف عنادهم وجحودهم على مختلف صورها ، و (فاء) التعقيب التي بدأت بها قرينة على ذلك بالإضافة إلى ما فيها من تساوق في صدد مواقف الكفار التي ما فتئت الآيات السابقة تحكيها.

تعليق على جملة

(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ)

وما بعدها وما فيها من تلقين

ومع ما يتبادر من خصوصية هذه الآيات الزمنية فإنها تصح أن تكون موعظة

٣٣٥

من مواعظ القرآن وتلقيناته الشاملة المستمرة في صدد تنبيه الناس أولا : إلى ما في جحود نعم الله وما في ذكره في الشدة ونسيانه في الرخاء من تناقض وإثم. وثانيا : إلى كون ما يمنحه الناس من نعمة ويسر بدءا أو بعد شدة وضر هو اختبار رباني وليس حظوة منه واختصاصا. وثالثا : إلى ما يجب على أمثال هؤلاء الناس من ذكر الله وشكره والقيام بواجباتهم نحوه ونحو الناس وعدم الاستشعار بالبطر والزهو والاعتداد بالنفس في حالة اليسر والصبر في حالة العسر.

وقد انطوى في الفقرة الأخيرة من الآية الأخيرة تلقين جليل خاص وهو تقرير أثر الإيمان في رضاء النفس وطمأنينتها حيث يساعد صاحبه على لمس يد الله وقدرته في جميع الأمور فيشكره في حالة اليسر ويتحمل صابرا راضي النفس مطمئن القلب في حالة الشدة والعسر.

ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [٥٢] مدنية ، ويلحظ أنها منسجمة انسجاما تاما مع الآيات سبكا وموضوعا وأن فيها تتمة لما قبلها ، وكل هذا مما يسوغ الشك في رواية مدنيتها.

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩)) [٥٣ ـ ٥٩]

في الآيات :

٣٣٦

١ ـ أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يهتف بعباد الله أن لا يقنطوا من رحمته مهما أسرفوا على أنفسهم وأن لا يظنوا أن باب الإنابة قد سد في وجههم بسبب ذلك ، فالله يغفر كل ذنب مهما عظم وهو المتصف بالغفران والرحمة إذا تاب صاحبه منه وأناب إليه. وبأن يحثهم على سرعة الإنابة والرجوع إلى الله وإسلام النفس له وهم في متسع من الوقت وقبل أن يأتيهم عذاب الله فلا يكون لهم منه مخلص ولا محيص ولا نصير. وبأن يدعوهم إلى اتباع أحسن ما أنزل الله إليهم من دعوة الهدى والحق والخير من قبل أن يحل فيهم عذابه بغتة دون أن يشعروا بمقدماته.

٢ ـ وتحذير للمذنبين من إضاعة الفرصة المواتية للتوبة والإنابة إلى الله حتى لا يندموا على ما فرط منهم من آثام ومواقف ساخرة مستهترة. ولا يتنصلوا من مسؤولية آثامهم قائلين إن الله لو هداهم لكانوا من المتقين. ولا يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ثانية فيكونوا من المحسنين ، وهتاف بهم بأن ذلك سوف يكون عبثا حيث يقال لهم : لقد جاءتكم آيات الله ودعوته فكذبتم بها واستكبرتم وكنتم من الكافرين.

والآيات قد تبدو فصلا مستأنفا لا صلة لها بسابقاتها. غير أن العودة إلى مخاطبة الكفار في الآية الأخيرة تجعل الاستمرار في السياق قائما ، ولعل مما يصح أن يقال إنها جاءت استطرادية لتهتف بما هتفت به وتنذر بما أنذرت به وتحذر مما حذرت منه ، وهذا أسلوب مألوف في النظم القرآني ، وقد مرّ منه أمثلة عديدة.

تعليق على آية

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ)

وما بعدها

وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيتين ٥٣ و ٥٤ مدنيتان.

وروى المفسرون بعض الروايات (١) في سبب نزول الآية [٥٣] منها ما ذكر

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والزمخشري والبغوي. وانظر أيضا

٣٣٧

عزوا إلى ابن عباس أنها نزلت في حق وحشي الحبشي قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وقعة أحد حيث استعظم ذنبه فأنزل الله آية الفرقان [٧٠] التي فيها هذه الجملة : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) فقال وحشي : هذا شرط شديد. فأنزل الله آية سورة النساء [٤٨] التي فيها هذه الجملة : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فقال : أراني بعد في شبهة فأنزل الله آية الزمر [٥٣] التي نحن في صددها فقال : هذا نعم ، ثم جاء فأسلم. فسأل المسلمون : هل هذه له خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل للمسلمين عامة (١). ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عمر أن الآيات نزلت في نفر من المسلمين منهم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد كانوا أسلموا ثم عذبوا وفتنوا فافتتنوا فكان المهاجرون يقولون : لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أسلموا ثم تركوا دينهم من العذاب. فأنزل الله الآيات فكتبها عمر بن الخطاب وأرسلها إليهم فأسلموا وهاجروا (١). ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أيضا أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفارة فنزل : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) إلخ الفرقان : [٦٨] ونزل : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) الزمر : [٥٣] ورواية ابن عباس الأخيرة قد رواها البخاري أيضا (١).

وقال المفسرون فيما قالوه بصدد الآية : إنها موجهة للمؤمنين وفي حقهم عامة وإنها أرجى آية في القرآن وأبعثها أملا وسكينة لقلوب المذنبين منهم (٢). بل

__________________

تفسير سورة الزمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري وتفسير سورة الزمر في فصل التفسير في مجمع الزوائد الجزء ٧.

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج ج ٤ فصل التفسير ص ١٩٩.

(٢) انظر كتب التفسير السابقة الذكر أيضا.

٣٣٨

قال بعضهم إن الإطلاق في الآية يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة خلاف الظاهر (١) واستندوا في قولهم هذا إلى آية النساء [٤٧] المار ذكرها ونصها. وقد أوردوا في مناسبتها أحاديث نبوية منها حديث رواه أبو أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لو لا أنّكم تذنبون لخلق الله عزوجل قوما يذنبون فيغفر لهم». وحديث رواه أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتّى تملأ خطاياكم ما بين السّماء والأرض ثمّ استغفرتم الله تعالى لغفر لكم. والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عزوجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم» (٢).

ومنها حديث عن ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : ما أحبّ أنّ لي الدنيا وما فيها بهذه الآية (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) إلى آخر الآية فقال رجل : يا رسول الله فمن أشرك؟ فسكت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات» (٣). وحديث عن عمرو بن عنبسة قال : «جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيخ كبير يدّعم على عصا له فقال : يا رسول الله إنّ لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي؟ قال : ألست تشهد أن لا إله إلا الله؟ قال : بلى وأشهد أنك رسول الله. فقال : قد غفر لك غدراتك وفجراتك» (٤). وحديث عن علي بن أبي طالب قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الله تعالى يحبّ العبد المفتّن التوّاب» (٥).

ويلحظ أولا : أن روايات وحشي غريبة في مناسبتها وظرفها ثم في تدرجها لأجل إقناعه وجعله يسلم وهي لم ترد في كتب الصحاح. وفضلا عن ذلك إن آية النساء [٤٨] التي تروي هذه الروايات أنها نزلت لإقناعه ليست في صدد تأميل غير المشركين وإنما هي في صدد تعظيم جريمة الشرك بالله كما هو ظاهر بقوة في أسلوبها.

__________________

(١) انظر تفسير الخازن.

(٢) انظر تفسير ابن كثير.

(٣) النصوص من ابن كثير.

(٤) النصوص من ابن كثير.

(٥) النصوص من ابن كثير.

٣٣٩

وثانيا : إنها مروية عن ابن عباس مع أن رواية كون الآية نزلت بمناسبة مراجعة أناس من المشركين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي رواها البخاري قد رواها ابن عباس أيضا.

وثالثا : إن الآية منسجمة انسجاما تاما مع الآيات التالية لها إلى آخر الآية [٥٩] وإن القول إنها أو إنها والآية [٥٤] فقط مدنيتان غير مستقيم. وتبعا لذلك نشك في رواية مدنية الآية أو الآيتين ونشك بالتالي في رواية كونهما نزلتا في شأن وحشي أو في شأن النفر الذين ارتدوا ولم يهاجروا مع المهاجرين. وكل ما يمكن احتماله أن تكون الآية ذكرت لهم أو لهم ولو حشي على سبيل الترغيب والتشجيع والتأميل. والرواية الثانية التي رواها البخاري هي الأكثر احتمالا ولا يضعف هذا الاحتمال جمع الرواية هذه الآية مع آية الفرقان التي نزلت قبلها بمدة طويلة. فمن الممكن أن يفرض أن مراجعات أناس من المشركين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مكة قد تكررت فنزلت أولا آيات الفرقان ثم آيات الزمر التي نحن في صددها فجمع ابن عباس رضي الله عنه المناسبات المتكررة مع بعضها في روايته. وروح الآيات ومضمونها تدعم هذه الرواية أو بعبارة ثانية تدعم كون الآيات موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين والكفار. وقد حكت ما سوف يبدونه من ندم وحسرة لإضاعتهم الفرصة. وفي الآية الأخيرة دليل حاسم. وكل هذا يسوغ القول بجزم أن الآيات سلسلة واحدة متماسكة لا يصح فصل بعضها عن بعض وهي في مجموعها في صدد حث الكفار على الإنابة إلى الله والاستجابة إلى دعوة الإسلام والترغيب في ذلك وهم في سعة من الوقت والتحذير من إضاعة الفرصة بالإهمال والتباطؤ.

وروح الآيات ومضمونها مجتمعة تسوغ استغراب ما قاله بعض المفسرين أو رووه عن بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن الآية الأولى أرجى آية في القرآن أو أن الإطلاق فيها يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة هو خلاف الظاهر. فإذا كانت الآية تقول : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فإن الآية التي تلتها ردفت ذلك بالحث على سرعة الإنابة إلى الله واتباع أحسن ما أنزل وبالتحذير من التباطؤ والإهمال وما

٣٤٠