التّفسير الحديث - ج ٤

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٤

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٧٥

منزل بالحق من الله تعالى. وتحذير من الشك والمماراة في ذلك. وتقرير آخر بأن كلمات الله تعالى وأحكامه قد كملت وبلغت الغاية في الإحكام والصدق والعدل بحيث لا يستطيع أحد أن يجرحها ويبدل أو يغير فيها ، وهو السميع لكل شيء العليم بكل شيء فلا تصدر أحكامه إلّا عن علم شامل لكل مقتض. وتنبيه إلى أن أكثر الناس إنما يسيرون في عقائدهم وأفكارهم بالظن والتخمين والتوهم ، وأن السير على طريقتهم وطاعتهم أو مجاراتهم فيما يقولون يؤدي إلى الضلال والانحراف عن سبيل الله. وتقرير فيه معنى التحدي بأن الله تعالى هو الأعلم بحقائق الناس ومن هو المهتدي ومن هو الضال منهم.

والفقرة الأولى من الآية الأولى تقرير بلسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكن الكلام انتقل في بقية الآية إلى التقرير الرباني مما لا يدع مجالا للتوهم بأن الكلام الأول هو كلام النبي المباشر. ولقد تكرر هذا ومن ذلك ما جاء في سور سبق تفسيرها. وقد علقنا عليه في سياق تفسير الآيات الأولى من سورة هود في هذا الجزء بما يغني عن التكرار.

تعليق على الآية

(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً)

والآيات الثلاث التالية لها

ضمير المفرد المخاطب في الآيات قد يسوغ القول إن العبارات التي ورد فيها موجهة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذات. وقد يكون في الآيتين [١١٦ و ١١٧] قرينة قوية على ذلك. وفي هذه الحالة تكون العبارات بسبيل تثبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتدعيمه في موقفه إزاء الأكثرية التي كانت تناوئه وتجادله. وليست بسبيل مفهوم العبارة الحرفي فيقين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العميق بصدق ما أنزل الله عليه واستحالة جنوحه إلى طاعة الجاحدين والضالين لا يمكن أن تسوغا أخذ العبارة بمفهومها الحرفي الظاهري. وقد تكرر هذا الأسلوب الذي ينطوي فيه هذا المعنى على ما شرحنا في الآيات المماثلة التي سبق تفسيرها.

١٤١

والآيات قوية نافذة في ما احتوته من تقرير وتثبيت وتحذير وتحدّ. وبنوع خاص الآية [١١٥] التي انطوت على بشرى وتطمين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن كلام الله الذي أنزل عليه صادق كل الصدق عادل كل العدل متحقق بحذافيره ولن يستطيع أحد أن يحدث فيه تبديلا.

والمصحف الذي اعتمدناه ذكر أن الآية [١١٤] مدينة ولم نطلع على ما يؤيد ذلك في كتب أخرى. والآية منسجمة مع الآيات التي تأتي بعدها كل الانسجام وليس هناك قرينة في السياق يمكن أن يؤيد ذلك. وروح الآية وفحواها يفيدان أنها جاءت كردّ على الكفار موضوع الكلام السابق. والمفسرون يعزون كل آية فيها إيمان أهل الكتاب وتصديقهم إلى يهود المدينة ولعل الرواية جاءت من هذه الناحية غير أن هذا غير مسلم به على إطلاقه ، وهناك آيات لا خلاف في مكيتها تذكر ذلك مثل آيات الإسراء [١٠٧ و ١٠٨] وهناك روايات تكاد تكون يقينية أن أهل الكتاب في مكة أو فريق منهم على الأقل كانوا آمنوا وصدقوا في مكة ومنهم صهيب الرومي الصحابي الجليل.

وصلة الآيات بالسياق السابق واللاحق ملموحة بقوة بحيث يمكن أن تكون من جهة قد جاءت بعد الآيات السابقة للتدعيم والتعقيب. ومن جهة جاءت لتكون مقدمة للآيات اللاحقة في الوقت نفسه ، والله تعالى أعلم.

وفحوى الآية [١١٤] قوي في تثبيته وتدعيمه والمتبادر منه أن ما ذكر فيها ليس تقريرا لواقع معلوم وحسب بل هو مستند إلى موقف إيماني وتصديقي من أهل الكتاب حيث ينطوي في ذلك شهادة عيانية جديدة لأعلام النبوة المحمدية. وصدق القرآن وصلته بالله تعالى من الفريق الذي تغلب الحق فيه على الباطل والرغبة في الإذعان للحق على المكابرة والهوى تضاف إلى شهادات عديدة أخرى مرّت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها مثل الأعراف والقصص والإسراء.

(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا

١٤٢

مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)) [١١٨ ـ ١٢١]

(١) فسق : عصيان الله.

في الآيات أمر رباني موجه للمسلمين بأن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ، وتحذير لهم بعدم التردد في ذلك لأن الله تعالى قد بين لهم ما حرم عليهم في غير ظروف الاضطرار ، وإشارة إلى أن كثيرا من الناس يفعلون ما يفعلون بسائق الهوى فينحرفون عن سبيل الله وتقرير بأن الله تعالى يعلم الذين يتجاوزون الحدود التي رسمها ويعتدون في تصرفاتهم. وأمر آخر للمسلمين بالابتعاد عن الإثم ظاهره وباطنه وعلنه وسرّه ، وإنذار للذين يقترفون الإثم بأنهم سينالهم القصاص الحق العادل ونهي للمسلمين عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لأن ذلك يجعله فسقا وإثما وخروجا على أوامر الله وحدوده. وتنبيه إلى أن الشياطين يوسوسون إلى أوليائهم ليجادلوا المسلمين في هذه المواضيع وتحذير للمسلمين من مجاراتهم ومطاوعتهم لأنهم بذلك يغدون مشركين مثلهم.

تعليق على آية

(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)

والآيات الثلاث التالية لها

وجمهور المفسرين على أن الذي أمر المسلمون بأكله إذا ذكر اسم الله عليه في الآيات ونهوا عن أكله إذا لم يذكر اسم الله عليه هو المواشي والذبائح. وهذا مؤيد بآيات قرآنية أخرى جاء فيها ذكر ذلك صراحة وهي آية سورة المائدة :

١٤٣

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣)).

والآيات وإن كانت تبدو فصلا جديدا فإن مما يمكن أن يستلهم من مضمونها ومضمون سابقاتها أنها غير منقطعة الصلة بالآيات السابقة لها وأنها متصلة بما كان يقوم بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين من جهة ، والكفار من جهة ثانية من مواقف جدلية متنوعة مما حكته فصول السورة.

ولقد أورد المفسرون (١) في سياقها روايات متنوعة ، ذكر فيها أن المشركين أو اليهود كانوا يجادلون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تحريمه لأكل الميتة التي قتلها الله وتحليل الذبيحة التي قتلها الإنسان وأن مجوس فارس كانوا يكتبون لكفار قريش ليجادلوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه النقطة. وهناك رواية تذكر أن أناسا من المسلمين قالوا يا رسول الله كيف نأكل ما نقتله ولا نأكل ما يقتله الله فنزلت الآية [١١٤].

ورواية المجوس تبدو غريبة جدا ، وأكل الميتة عند اليهود محرم فلا يعقل أن يكون من المنتقدين لعدم أكل الميتة أو المجادلة فيه. وأوثق الروايات هو الرواية الأخيرة فقد رواها الترمذي عن ابن عباس (٢) والروايات الأخرى لم ترد في كتب الصحاح.

ويلحظ من جهة أن الآيات ليست في صدد أكل الميتة وإنما هي في صدد الحث على الأكل مما ذكر اسم الله عليه والنهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، وأن الآية [١١٤] من جهة أخرى من سلسلة متكاملة فضلا عن الاتصال الملموح بين هذه السلسلة وبين الآيات السابقة.

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والطبرسي وابن كثير والبغوي والخازن.

(٢) روى هذا الترمذي ، انظر التاج ج ٤ ص ١٠١.

١٤٤

ومهما يكن من أمر فالآيات تلهم أنه كان يقع بين المسلمين والمشركين جدل ومناظرات في صدد الذبائح ، فالمشركون كانوا يأكلون ما يموت حتف أنفه ولم يكونوا يذكرون كذلك اسم الله تعالى على ما يذبحونه.

وتلهم أن بعض النبهاء من الزعماء كانوا يلقنون الذين يتصلون بالمسلمين من الكفار ما يجادلونهم به من حجج ، وأن بعض المسلمين كانوا يترددون في هذه الأمور لسابق عهدهم بالتقاليد التي كانوا يجرون عليها قبل إسلامهم. فنزلت الآيات للقضاء على هذا التردد ، ولبيان الأمر بصورة حاسمة على الوجه الذي جاءت به ، وللتنبيه إلى أن التقاليد الجاهلية ليست قائمة على علم وحق وإنما هي بنت الأوهام والأهواء والظنون وأن السير على هذه التقاليد ومطاوعة المشركين فيها هو شرك.

وهكذا تكون الآيات من الفصول الحاسمة التي جاءت لهدم تقليد من تقاليد الشرك والجاهلية.

ولقد أشكل على المفسرين محتوى الآية الثانية التي تذكر أن الله قد فصل للمسلمين ما حرم عليهم لأن ذلك لم يرد في السور السابقة في النزول سورة الأنعام. وبعضهم قال إن تفصيل ذلك ورد في آية سورة المائدة التي أوردنا نصها قبل قليل. وبعضهم أنكر ذلك لأن سورة المائدة مدنية وردّ التفصيل إلى ما احتوته آيات تأتي قريبا في سورة الأنعام (١) وهو وجيه مع فرض أن الآيات المذكورة قد نزلت مع هذه الآيات دفعة واحدة وهو فرض في محله.

ولم نر المفسرين فيما اطلعنا عليه يتعرضون لتعليل تردد المسلمين في أكل ما كان يذكر اسم الله عليه حتى اقتضت حكمة التنزيل إباحته والحث عليه بالأسلوب القوي الذي جاءت عليه الآيتان الأولى والثانية. ولقد روى المفسرون في سياق آية سورة الحج هذه (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨))

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والبغوي والطبرسي.

١٤٥

أن العرب كانوا لا يأكلون مما يقربونه لآلهتهم أو ينذرون تقريبه لهم. فلما أسلم من أسلم منهم وصاروا يذكرون اسم الله على القرابين التي يقربونها لله في موسم الحج وغيره أو ينذرون تقريبها لله ظلوا على عادتهم في الامتناع عن الأكل منها. والمتبادر أن ما ورد في الآية متصل بذلك.

وللفقهاء أقوال متنوعة في صدد هذا الموضوع على ما ورد في كتب التفسير فبعضهم أوجب ذكر اسم الله جهرا عند ذبح الذبيحة وبعضهم قال تكفي النية. وبعضهم قال بحل الذبيحة التي يذبحها المسلم ولو نسي ذكر الله عليها أو حتى لو تعمد عدم ذكره. وبعضهم قال بحل ما نسي دون العمد. وبعضهم توقف في الذبيحة التي لا يعرف بجزم أنها ذكر اسم الله عليها. وبعضهم أباح ذلك إذا كان يعرف يقينا أن الذابح مسلم. وهناك أحاديث نبوية صدرت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العهد المدني على الأرجح في هذا الصدد لم نر بأسا في إيراد ما فيه التوضيح في مناسبة التشريع الذي احتوته الآيات التي نحن في صددها. منها ما ورد في الصحاح ومنها ما لم يرد.

ومن الأول حديث رواه البخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة «قالوا يا رسول الله إن قوما حديثو عهد بجاهلية يأتوننا بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لا ، أنأكل منها فقال سمّوا الله وكلوا» (١). ومن الثاني أحاديث أوردها ابن كثير واحد بتخريج الحافظ بن عدي عن أبي هريرة قال : «جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمّي فقال النبيّ اسم الله على كلّ مسلم». وواحد بتخريج البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «المسلم يكفيه اسمه إن نسي أن يسمّي حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكل». وواحد بتخريج أبي داود عن الصلت السدوسي قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر ، إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله».

وتعليقا على ذلك نقول إنه يتبادر لنا أن المقصود بحل أكل ما يذكر اسم الله

__________________

(١) التاج ج ٣ ص ٩٥.

١٤٦

عليه من الذبائح وتحريم ما لم يذكر اسم الله عليه هو تثبيت فكرة الله وحده في نفوس المسلمين ومخالفة المشركين الذين كانوا يغفلون عن ذلك أو يذبحون لشركائهم أو يشركون شركاءهم مع الله عند الذبح. وأن المحرم هو ما ذبحه المشركون الذين يعرف يقينا أنهم لا يذكرون اسم الله وحده. وإن القول بجواز ذكر الله سرّا أو نية من قبل المسلم أو حل ذبيحة المسلم لو نسي ذكر الله صواب حتى لو لم تصح الأحاديث التي أوردها ابن كثير. أما القول بحل ذبيحة المسلم إذا تعمد عدم ذكر الله ففيه نظر فيما يتبادر لنا لأنه مخالف لنص الآية بدون عذر لنسيان. وصفة المسلم لا تكفي هنا إزاء النص فضلا عن إثم هذا المسلم لتعمده إساءة الأدب مع الله بعدم ذكره اسمه مع إيجاب القرآن ذلك.

وللفقهاء كلام في صدد ذبيحة الكتابي على ما جاء في كتب التفسير فمنهم من أحلها إطلاقا لنص آية المائدة هذه : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) [٥] ومنهم من أحلها إذا تيقن المسلم أنهم لم يذكروا اسم المسيح أو مريم عليها وحرمها إذا تيقن لأن القرآن حرم أكل ما يهل به لغير الله على ما جاء في آية سورة المائدة الثالثة وغيرها وأجازها إذا لم يتيقن من ذلك. ويتبادر لنا أن هذا هو الأوجه والله تعالى أعلم.

وهناك أحاديث وأقوال أخرى في صدد المحرمات من الحيوانات وكيفيات الذبح سنوردها في مناسبات آتية أكثر ملاءمة.

تعليق على جملة

(إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)

لقد احتوت هذه الجملة مبدأ من المبادئ القرآنية الجليلة وهو رفع الحظر عن المنهيات حين الاضطرار.

ومع أنه جاء هنا وتكرر أكثر من مرة في صدد الذبائح والأطعمة المحرمة مما سيأتي مثال له في آيات قريبة من هذه السورة فإن هناك آيات أخرى تلهم أنه من

١٤٧

المبادئ القرآنية العامة ، ومنها آية سورة النحل هذه : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)).

وواضح أن القرآن في إقراره هذا المبدأ قد تمشى مع ظروف الحياة وطبائع الأمور ، من حيث إن الأوامر والنواهي إنما يمكن تنفيذها ضمن نطاق الإمكان والوسع وانتفاء الخطر والضرر والاضطرار. وهذا المبدأ شبيه لمبدأ عدم تكليف الله نفسا إلّا وسعها الذي شرعناه في سياق الآية [٤٢] من سورة الأعراف وأوردنا في مناسبته أحاديث عديدة متساوقة مع التلقين القرآني ، والأحاديث واردة بالنسبة لهذا المبدأ كما هي بالنسبة لذاك ويحسن بالقارىء أن يرجع إليها لتكون الصورة ماثلة له وهو يقرأ هذه الكلمة.

وبمثل هذا المبدأ وذاك صلحت الشريعة الإسلامية للخلود والتطبيق في كل ظرف ومكان. والمتبادر أن القاعدة الشرعية القائلة «الضرورات تبيح المحظورات» قد استندت إلى هذا المبدأ. وهناك آيات قررت بصراحة أن حالة الاضطرار التي تبيح المحظور يجب أن تكون بقدر الضرورة وعدم تجاوز هذا الحد ، منها الآية [١٤٥] من سورة الأنعام الآتية قريبا ، وهذا مما يقف دون القول إن هذا المبدأ قد يفتح باب التساهل على مصراعيه فينشأ عنه تجاوزات دينية وغير دينية لأن الذين لا يتقيدون بالضرورة عند الاضطرار يعتبرون خارجين عن نطاق الكلام في صدد التقيد بالمبادىء القرآنية والانتفاع بها بطبيعة الحال.

تعليق على جملة

(وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)

هذه الجملة وإن كانت متصلة بالموضوع الخامس الذي دار عليه الكلام في الآيات فإن إطلاقها يجعل تنديدها وإنذارها عامين. ولقد قرئت الياء في (ليضلّون)

١٤٨

بالفتح من الضلال وبالضمّ من الإضلال. ومقامها يحتمل القراءتين وإن كنا نرجح الفتح. وعلى كل حال فإن فيها تنديدا بكل من يرتكس في الضلال متأثرا بهواه وهوى الآخرين بدون علم وبرهان. وبكل من يضل الناس بهواه بدون علم وبرهان كذلك معتديا ومتجاوزا لحدود الحق والصدق إلى الباطل والحلال إلى الحرام واليقين إلى الشبهات. مما يمكن أن يشمل كل شأن من شؤون الدين والدنيا. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى بوجوب عدم تنطع أحد من المسلمين للكلام والدعوة والوعظ والإيعاز والفتيا مندفعا بالهوى متجاوزا حدود الحق والصدق غير مستند إلى علم وبرهان ، وبوجوب تثبت المسلم في كل قول يسمعه ورأي يلقى إليه أو عمل يوعز به إليه أو مذهب يزين له. فلا يأخذ من ذلك إلّا ما برىء من الهوى وقام على صحته وسلامته وحقه وصدقه علم وبرهان.

وفي القرآن آيات كثيرة مكية ومدنية فيها تنديد بمن يتبع الهوى ويأمر به ويتخذه إلهه دون الحق والصدق ويفتري على الله ورسوله فيقول هذا حلال وهذا حرام. وهذا يجوز وهذا لا يجوز وهذا حق وصواب وهذا باطل بدون علم وبرهان. مما مرّ منه أمثلة عديدة حيث يدل هذا على ما أعارته حكمة التنزيل لهذا الأمر من اهتمام وعناية.

ولقد روى مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» (١). وحديث رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه» (٢) ، وحديث رواه الشيخان والترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٦٣ و ٦٤ و ٦٥.

(٢) المصدر نفسه.

١٤٩

بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» (١).

تعليق على الآية

(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ)

هذه الآية قد تكون متصلة بالموضوع الذي جاء في الآيات التي هي جزء من سلسلتها. وبسبيل التنبيه إلى وجوب الوقوف في استباحة المحظور في حالة الاضطرار في نطاق الضرورة. وبمعنى آخر بسبيل الاستدراك لما يمكن أن ينشأ عن إباحة المحظورات عند الاضطرار من سوء تأويل وتوسع فعلى المسلم أن يبتعد عن الإثم في سره وعلنه وظاهره وباطنه دون تأول وتوسع ومحاولة تبرير غير صادقة. وهذا تلقين جليل كما هو ظاهر ومستمر المدى ، كما أنه يزيل ما توهمه الآية من غرابتها على الموضوع والسياق. على أن إطلاق الأمر الرباني في الآية يجعلها جملة قائمة بذاتها أيضا. ولقد تعددت الأقوال التي يرويها الطبري وغيره في مدى (ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) عن أهل التأويل في صدر الإسلام. منها أن (الظاهر هو ما حرم الله من الأنكحة والباطن الزنا السري) ومنها (الظاهر هو كل ما عصي به الله وانتهكت به محارمه علنا ، والباطن كل ما كان من ذلك سرا). ونرى القول الثاني هو الأوجه المتساوق مع إطلاق العبارة. وعلى كل حال فالجملة تنطوي من ناحية الإطلاق على تلقين من أروع التلقينات وأجلها. فيه إيقاظ لضمير المسلم وتنبيه له إلى وجوب تجنب الإثم والبغي مطلقا وليس في حالة العلن التي قد يترتب عليها ضرر للشخص من الناس والسلطان فيجعله يمتنع من ذلك بل وفي حالة السر أيضا التي قد لا يترتب عليها مثل هذا الضرر المانع. ثم ليس بسبيل الانطباق على ظواهر الأمور وتأويل النصوص وحسب بل بسبيل حقائق الأمور ونيات القلوب أيضا. فإن كثيرا من الناس يحاولون إيجاد المخارج للتحلل من الحرام والآثام ويؤولون النصوص تأويلا متسقا مع أهوائهم أو تأويلا أوسع مما تتحمله النصوص. وقد

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥.

١٥٠

يكونون ممن يعرفون الأمر على حقيقته في قرارة نفوسهم.

ولقد جاء في آية في سورة الأعراف شيء مماثل لما جاء في هذه الآية : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) [٣٣]. غير أن للآية التي نحن في صددها معنى أوسع كما هو ملموح حيث يراد بها الذنوب والمعاصي والانحرافات التي لا توصف أو لا تعرف بالفواحش. ومن الفروق بين هذه الآية وآية الأعراف أن حكمة التنزيل اقتضت أن تكون آية الأعراف بأسلوب التحريم في جهة أن آية الأنعام جاءت بأسلوب الأمر والحض على ترك الإثم. ومن ذلك أن ما أمر بتركه في آية الأنعام ليس هو ما كان فاحشا لا يسع أحدا اقترافه بدون ترتيب واندفاع بالذنب بل ما يمكن أن يتأوله الناس ويجرأوا عليه في السر والعلن من أمور تكون في حقيقتها معصية غير خافية على مقترفها. وهكذا يمكن أن تكون الآية هنا تتمة للتعليم والتأديب والتشريع ليكون الأمر شاملا للفواحش والآثام الكبيرة وغير الكبيرة ما ظهر منها وما بطن ، والله تعالى أعلم.

(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)) [١٢٢]

تتساءل الآية على سبيل التمثيل عما إذا كان يصح في العقل أن يكون من أحياه الله بعد جهله وضلاله بالهدى وجعل له منه نورا يمشي به في الطريق القويم الواضح مثل الذي يتسكع في الظلمات لا يستطيع أن يخرج منها أو أن يرى الطريق القويم الواضح. ثم تقرر تقريرا فيه معنى التنديد والتقريع بأن الكافرين الذين هم الفريق الثاني إنما صاروا كذلك لأنهم زين لهم عملهم المنحرف فرأوه حسنا واستمروا فيه.

وقد روى المفسرون أن الآية نزلت في صدد المقايسة بين رجل من المسلمين وآخر من المشركين اختلفت الروايات في اسميهما ، منها ما ذكر أنهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو جهل ، ومنها ما ذكر أنهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو

١٥١

جهل ، ومنها ما ذكر أنهما عمار بن ياسر أو حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما وأبو جهل (١). ومع أن الآيات التي تلي هذه الآية قد تساعد على القول إن هذه الآية في صدد التنديد ببعض أكابر مشركي قريش وبالتالي تساعد على القول بوجاهة إحدى تلك الروايات إجمالا فإن هذا لا يمنع أن تكون جاءت تعقيبا على الآيات السابقة بسبيل التنديد بالذين يسيرون على وهم وجهل ومكابرة ، وبسبيل التنبيه إلى ما بينهم وبين الذين يسيرون على علم وهدى من فرق عظيم ، بصورة عامة وهو ما رجحه ابن كثير وأن تكون الآيات التالية لها قد جاءت استطرادا لذكر مواقف مكابرة أكابر المجرمين وعنادهم وهذا ما نرجحه.

والآية في حدّ ذاتها من روائع الآيات في أسلوبها وتنويهها وتنديدها ، وفيها تلقين جليل مستمر المدى ينطبق على كل ظرف ومكان في سبيل المقايسة بين الضالين والمهتدين ، والمستقيمين والمنحرفين. ويمكن تأويل جملة (زين لهم) بأن فساد أخلاقهم وارتكاسهم في تقليد الجاهلية وعنادهم هو الذي زين لهم عملهم وبذلك يزول أي وهم وإشكال قد يردان على بال إنسان ما. والله تعالى أعلم.

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤)) [١٢٣ ـ ١٢٤]

(١) صغار : هوان وذلة.

في الآيات تقرير لمظهر من مظاهر النظام الذي أقام الله عليه الاجتماع البشري وهو وجود زعماء ماكرين مجرمين في كل بيئة دأبهم الكيد والمكر

__________________

(١) انظر تفسيرها في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي.

١٥٢

والوقوف من رسل الله ودعاة الخير موقف التعطيل والعناد. فإذا جاءتهم آية كابروا وقالوا لا نصدق حتى نرى وندرك ما يراه رسل الله ويدركونه. وردّ عليهم بأن كيدهم لن يضرّ غيرهم ومكرهم لن يحيق إلّا بهم دون أن يشعروا. وتقرير بأن الله تعالى يعلم أين يضع رسالته ، وكيف يصطفي ويختار رسله من بين الناس وإنذار قاصم بأن الماكرين المجرمين سيصيبهم هوان وذلة عند الله ، وسينالهم العذاب الشديد جزاء مكرهم وكيدهم.

والتنديد الشديد بالمجرمين من القرائن على صواب تأويلنا للجملة الأولى الذي أولنا به جملة مماثلة في الآية [١١٢] من هذه السورة والآية [٣١] من سورة الفرقان ، وبه يزول ما يمكن أن يوهمه ظاهر الجملة من أن الله تعالى هو الذي يسوق الأكابر إلى الإجرام والصد أو يجعل أكابر المجرمين يسودون.

تعليق على آية

(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما

أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)

وقد روى المفسرون (١) أن الآيات نزلت بمناسبة قول الوليد بن المغيرة من زعماء قريش لو كانت النبوة حقا لكنت أولى منك بها لأني أكبر منك سنا وأكثر مالا ، أو بمناسبة قول أبي جهل : «زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إنا صرنا كفرسي رهان فقالوا منا نبي يوحى إليه ، والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه». والرواية متسقة مع مضمون الآيات. وفي سورة ص آية تحكي تساؤل زعماء الكفار بأسلوب الاستكبار والإنكار عن اختصاص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنزول القرآن عليه من دونهم وهي : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) [٨] ، وفي سورة الزخرف آية تحكي قول زعماء الكفار بأنه كان يجب أن ينزل القرآن على أحد عظماء مكة أو الطائف وهي : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي والطبرسي.

١٥٣

عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)) حيث يفيد هذا أن مثل هذا القول الذي حكته الآيات قد صدر من زعماء المشركين أكثر من مرة وبأساليب مختلفة. غير أننا نلحظ أن الآيات هنا جاءت بأسلوب مطلق وتقريري ومعطوفة على ما قبلها حيث يلهم هذا أنها استمرار في السياق وفي صدد الإشارة إلى زعماء المشركين وكبار مجرمي مكة الذين تولوا كبر المعارضة والتعطيل للرسالة النبوية بصورة عامة ، وفي صدد وصف شدة مكابرتهم وعنادهم. وإن كان هذا لا يمنع أن كان بعضهم حينما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخبر بوحي الله إليه وبصلته به وبما يراه من تجليات ربانية ويتلو آيات القرآن يتخذ ذلك وسيلة إلى العناد والمكابرة والتعجيز حسدا ومنافسة ويعلن أنه لن يصدق ما لم يدرك هذا بنفسه وتقوم عليه الدلائل في ذاته. وعلى كل حال ففي الآيات صورة جديدة من صور الحجاج واللجاج والتحدي بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزعماء المشركين.

وفي أسلوبها المطلق تلقينات مستمرة المدى ، ففيها تنديد بذوي الزعامة والوجاهة الذين يقفون من الدعوة إلى الخير والإصلاح وأصحابها موقف اللجاج والتعطيل والصد والتعجيز استكبارا وحسدا وغيظا ، وفيها تثبيت لأصحاب مثل هذه الدعوة وتشجيع لهم بتقرير كون مكر الماكرين الصادين المعطلين حائقا بهم وحدهم. وفيها تنبيه إلى مسؤولية الزعماء وما ترتكس فيه أممهم من الآثام والانحراف بسبب مكرهم وإجرامهم وعنادهم ومكابرتهم لأنهم القدوة والأسوة. ولعله مما ينطوي فيها التحريض على التمرد على مثل هؤلاء الذين يحاولون إبقاء أممهم في نطاق مصالحهم ومآربهم ، فهم مجرمون ماكرون ولا ينبغي الرضوخ لهم والسير في فلكهم.

وفي جملة (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ردّ مفحم حاسم من جهة ، وتنويه بالغ بقدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخصائصه من جهة أخرى. فمرتبة النبوة من أعظم المراتب التي لا يوصل إليها إلّا بأعظم الخصائص الروحية والعقلية. والذين يختارهم الله تعالى لرسالته وتجلياته تكون هذه الخصائص قد بلغت فيهم إلى

١٥٤

الدرجة العالية من الكمال. وينطوي في هذا وصف تقريري عظيم لما بلغته خصائص النبي العربي العظيم محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخلقية والعقلية والإنسانية من مرتبة عالية حتى صار بها مظهرا لاصطفاء الله تعالى وتجلياته. وكفى به وصفا يزري بكل ما يصفه به الناس ، وقد كانت آية سورة القلم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)) تعبيرا قرآنيا جليلا عن هذه الخصائص التي تحققت فيه قبل بعثته وتأهيل بها للاصطفاء الرباني على ما شرحناه في مناسبته.

ولقد احتوى القرآن إشارات عديدة إلى ما ظهر وظلّ يظهر من عظمة أخلاق وكمال صفات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبره وإشفاقه وعمق إيمانه وصميمته ما بلغ الذروة التي تفسر أسباب اصطفاء الله تعالى له للرسالة العظمى ، مما نبهنا عليه في سور سبق تفسيرها ومما سوف ننبه عليه في ما يأتي من السور.

وفي كتب الأحاديث أحاديث كثيرة جدا فيها ما كان عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كمال الأخلاق والصفات مما بلغ الذروة كذلك وفيها مصداق ذلك أيضا (١).

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧)) [١٢٥ ـ ١٢٧]

(١) كأنما يصعد في السماء : يتصعد ، ومعنى الجملة كأنما يتكلف مشقة ارتقاء مرتفع عال حيث يضيق صدره ونفسه بذلك.

__________________

(١) انظر ما ورد في كتب الأحاديث الصحيحة الخمسة في التاج مثلا ج ٣ ص ٢٠٤ ـ ٢٢٠. وهذه الأحاديث هي في صدد أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصفاته وحسبه. وهناك أحاديث كثيرة جدا في هذه الكتب فيها من أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونواهيه ومواعظه وحكمه ومعالجاته لمختلف ما كان يعرض عليه من شؤون نفسية واجتماعية وأخلاقية وسلوكية وقضائية ما يصح أن يكون مظهرا بالغ الذروة من مظاهر صفاته وأخلاقه أيضا.

١٥٥

(٢) الرجس : هنا بمعنى الخزي.

ينطوي في الآيات تقرير بأن الإيمان والاهتداء إليه والضلال والانحراف عنه مسألة قلب ورغبة ؛ وبأن الناس صنفان منهم من طهر قلبه وحسنت نيته وصدقت رغبته في الاهتداء إلى الإيمان ، ومنهم من خبثت سريرته وانعدمت فيه الرغبة. فالله سبحانه يشرح صدر الأولين للإسلام حينما توجه الدعوة إليهم ، أما الآخرون فيكونون كمن يتكلف ارتقاء مرتفع عال حيث تضيق صدورهم وتتلاحق أنفاسهم ويعتريهم الاضطراب ولا يستجيبون للدعوة ولا يؤمنون فيحق عليهم الخزي والخذلان والعذاب. وإعلان بأن صراط الله قد بان واضحا مستقيما وأن الله تعالى قد فصّل الآيات للناس حتى ينتفع بها الذين يحبون أن يتدبروا ويتذكروا ويهتدوا فيستحقوا بذلك رضاء الله وينزلون عنده في دار السلام والطمأنينة ويكون وليهم وناصرهم بما قدموا وعملوا.

تعليق على جملة

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ

يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً)

والآيات متصلة بسابقاتها ومعقبة عليها كما هو المتبادر ، وروحها ومضمونها يلهمان أن التأويل الذي أوّلناه بها هو الأوجه المتسق مع روح الآيات القرآنية عامة. وأنها ليست بسبيل تقرير أن الهدى والضلال حتم من الله على أناس بأعيانهم كما قد توهمه العبارة لأول وهلة ، والتنديد بغير المؤمنين وتقرير الرجس عليهم وإنذارهم والتنويه بالمؤمنين وتبشيرهم فيها ووصفهم بالمتذكرين قرائن حاسمة على ذلك. ولقد قررت آيات عديدة أن الله تعالى إنما يضل الفاسقين والظالمين ويهدي المنيبين إليه ، على ما أوردناه وشرحناه في مناسبات سابقة حيث يكون فيها قرائن حاسمة أخرى ومقيدة للإطلاق ويزول بها التوهم أيضا ويجب أن يذكر آية الزمر (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [٧] ففيها أيضا ضابط حاسم.

ومما يتبادر أن الآيات بالإضافة إلى ما شرحناه من تقريراتها قد استهدفت

١٥٦

تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إزاء تصامم وعناد زعماء قومه والتنويه بالمؤمنين الذين استجابوا إلى دعوته.

ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن عبارة (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) تعني الإسلام. وروى ابن كثير عن بعض أهل التأويل أنها تعني (القرآن) وكلا التأويلين وجيه وهما في الحقيقة شيء واحد. ولقد أول المفسرون عبارة (دار السلام) بالجنة. وهو تأويل وارد وقد مرّ مثل هذه العبارة في سورة يونس مع التنبيه على أننا نلمح في العبارة مدى أقوى في صدد تطمين المؤمنين بما يكون لهم عند الله من أمن وسلام ، والله تعالى أعلم.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)) [١٢٨ ـ ١٣٢]

(١) قد استكثرتم من الإنس : قد أضللتم وأغويتم كثيرين من الإنس.

(٢) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا : يكون الظالمون بعضهم أولياء بعض.

(٣) أهلها غافلون : هنا بمعنى في غفلة وعماء أو غير منبهين إلى الحق والهدى.

في الآية الأولى والآية الثالثة حكاية لبعض ما يكون يوم القيامة حيث يوجه الله تعالى الخطاب إلى الجن منددا بهم لكثرة ما أضلوا من الإنس. وحيث يجيب الضالون من هؤلاء على سبيل الاعتذار بأن كلا من الطرفين قد انخدع بالآخر

١٥٧

واستمتع به غافلا عن المصير ، فلم يلبثوا أن اصطدموا جميعا بالحقيقة ورأوا حقيقة الموعد الذي وعدهم الله به ، والأجل الذي عينه لهم وحيث يجابون حينئذ أن مثواهم النار بسبب ذلك خالدين فيها إلّا ما شاء الله.

وحيث يوجه الخطاب إلى الإنس والجن ثانية بصيغة السؤال الإنكاري والتنديدي عما إذا لم يكن قد جاءهم رسل منهم يتلون عليهم آيات الله وينذرونهم لقاء هذا اليوم فيجيبون بالإيجاب مقررين وشاهدين على أنفسهم بالكفر والاغترار بالحياة الدنيا.

أما الآيات الثانية والرابعة والخامسة ففيها تعقيب على الحوار المحكي تنطوي فيه العبرة والموعظة ، حيث قررت الثانية أن الظالمين إنما يتولى بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا لاتحادهم في الصفات والأفعال. وحيث نبهت الآيتان الرابعة والخامسة إلى أن الله تعالى لم يكن ليهلك القرى ويعذب أهلها ظلما وهم غافلون متروكون في عماء وجهالة وغير منبهين بالدعوة إلى الحق والهدى ، وإنما يستحقون ذلك لكفرهم وإثمهم عن بينة وبعد أن يكونوا قد أنذروا بلسان رسل الله. وإلى أن كل امرئ إنما ينال الدرجة والمنزلة التي يستحقها حسب عمله ، وأن الله تعالى غير غافل عما يفعله الناس. ولم يرو المفسرون رواية ما كمناسبة لنزول الآيات. والصلة بينها وبين سابقاتها ملموحة. ومع واجب الإيمان بما جاء فيها من خبر المشهد الأخروي فالمتبادر أن من حكمته العظة والتنبيه وإثارة الرعب والخوف والندم في نفوس الكفار أيضا.

تعليق على الآية

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ)

والآيات الأربع التالية لها

لقد أوّل المؤولون والمفسرون على ما جاء في كتب التفسير (استمتاع الإنس والجن بعضهم بعضا) الذي حكى عن لسان الإنس في الآية الأولى بأن استمتاع الإنس بالجن هو ما كان العرب يعتقدونه من آثار الجن في نوابغ الشعراء والكهان

١٥٨

السحرة وباستجابة الجن لهم حينما كانوا يستعيذون بهم في الوديان أثناء الليل. وبأن استمتاع الجن بالإنس هو ما كان من تعظيم العرب لشأن الجن والعياذ بهم والتعبد لهم. وهذا التأويل وجيه متسق مع ما أشارت إليه بعض الآيات القرآنية صراحة وضمنا مثل آيات الشعراء [٢٢١ ـ ٢٢٣] وآية الجن [٦] وآية الأنعام [١٠٠] وقد مرّ تفسير ذلك بحيث يصح أن يقال إن في هذه الإشارة توكيدا جديدا للصور التي كانت في أذهان العرب عن الجن والتي شرحناها في سياق تفسير سورتي الناس والجن.

ومن المؤولين والمفسرين على ما جاء في كتبهم من قال إن في الآية [١٣٠] دليلا على أن الله يرسل رسلا إلى الجن كما يرسل إلى الإنس. ودعم قائلو ذلك ببعض الآيات العامة مثل آية فاطر [٢٤] التي مر تفسيرها : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤)) ومثل آية النحل هذه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) [٣٦] ومنهم من قال إن جميع رسل الله وأنبيائه من الإنس وأن الله أرسلهم للإنس والجن معا ، وإن كلمة (منكم) في الآية يصح أن تكون للإنس وحدهم وإنه ليس في آيات القرآن صراحة بأن الله أرسل من الجن رسلا. ودعم هؤلاء قولهم بآيات سورة الجن [١ و ٢ و ١٣ و ١٤] وآيات سورة الأحقاف [٢٩ ـ ٣١] التي يخبر الله فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن طوائف من الجن استمعوا للقرآن وآمنوا وأنذروا قومهم ودعوهم إلى الإيمان بالنبي والقرآن. حيث ينطوي في الآيات أن الجن اعتبروا أن رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن موجهان إليهم. ويتبادر لنا أن هذه النصوص لا تحتوي صراحة قطعية تثبت أو تنفي الرسل إلى الجن من الجن ولم نطلع على حديث نبوي صحيح في ذلك. وأن الأولى الوقوف في هذه المسألة عند ما اقتضته حكمة التنزيل الإيحاء به وتفويض حقيقة الأمر وتأويله إلى الله تعالى. مع ملاحظة أن هدف الآيات الجوهري المتبادر منها هو التنديد بالكفار وإلزامهم وإنذارهم وحملهم على الارعواء والندم والله تعالى أعلم.

١٥٩

وفي الآية [١٢٩] تلقين مستمر المدى حيث ينطوي فيها تقرير كون الظالمين لا يتولاهم ولا يتعاون معهم إلا الظالمون أمثالهم. وتحذير للمؤمنين الصالحين من مسايرتهم بأي شكل. ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا مرفوعا أخرجه ابن عساكر عن ابن مسعود جاء فيه : «من أعان ظالما سلطه الله عليه» وقد احتوى الحديث تلقينا متسقا مع التلقين التحذيري المنطوي في الآية.

وهناك أحاديث وردت في كتب الصحاح فيها تنديد بالظلم والظالمين وحثّ على الوقوف في وجوههم بدون تردد وخوف أوردناها في تعليقنا على موضوع الظلم في سورة الفرقان فنكتفي بهذا التنبيه.

هذا ، وفي هذه الآيات قرينة على ما قلناه في صدد أسلوب الآيات التي سبقتها ونفي لإرادة الله سبحانه الهدى لأناس والضلال لآخرين دون أن يكون لأخلاقهم واختيارهم تأثير في ذلك.

وتعليقا على جملة (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) في صدد خلود الكافرين في النار نقول إن مثل هذه الجملة قد ورد في آيات في سورة هود ، وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار فنكتفي بهذه الإشارة.

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥)) [١٣٣ ـ ١٣٥]

وجه الخطاب في الآيتين الأولى والثانية إلى الكفار حيث قرر فيهما أن الله تعالى هو غني عن الناس وهو متصف بالرحمة أيضا وأنه يستطيع إذا شاء أن يهلكهم ويستخلف من بعدهم ما يشاء ، كما استطاع أن ينشئهم من ذرية قوم قبلهم. وأنه إذا لم يفعل ذلك فورا فلأن رحمته قد وسعت الجميع وحكمته قد

١٦٠