الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٦

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٠

من التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد. ثم أخذ سبحانه في تهديد أهل الشّرك والنّفاق فقال (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) كعيسى والأرواح السماوية والأحجار والأشجار والأصنام والنجوم قائلين (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) أي قربى (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي من أمر الدّين فيثيب المحقّ ويعاقب المبطل. والضّمير للكفرة وأضدادهم من أهل الدّين. وجملة (إِنَّ اللهَ) ، الآية خبر لقوله (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) أي لا يوفّق للاهتداء إلى الحق من يكذب على الله بنسبة الشّريك والولد إليه تعالى ، ويكفر بما أنعم الله عليه بأعظم نعمائه من إرسال الرّسل وإعطاء العقل الذي هو الرسول الباطن ، وبسائر نعمه الظاهريّة والباطنية التي لا تعدّ ولا تحصى. قال سبحانه : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) فالكاذب والكفّار فاقدو البصيرة بعبادتهم غير الله ونسبة الولد إليه سبحانه ، وهو تعالى يردّ قول الكاذبين والكفرة ودعواهم كدعوى بني مليح والنصارى واليهود بقوله سبحانه :

* * *

(لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥)

١٤١

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧))

٤ ـ (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً ...) أي كما زعموا ونسبوا إليه شركاء من الملائكة كبني مليح الذين قالوا إن الملائكة بنات الله ، وكالنّصارى الذين قالوا إن المسيح ابن الله ، وكاليهود فإنّهم قالوا عزيز ابن الله ، أي فقد كذبوا فيما زعموه لأنه لو شاء (لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي لاختار من خلقه هو سبحانه وفق رأيه ومشيئته لا أنه يخلّي أمر الاصطفاء بيد غيره حتى يختاروا له هم حسب مشيئتهم فيما يختارون (سُبْحانَهُ) أي منزّه عمّا يقول الظّالمون من اتّخاذه الولد والشّريك والصّاحبة (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) فإن الألوهيّة التي تخصّه مستلزمة للوحدة الذاتيّة وهي تنافي المماثلة والمشابهة بما سواه لأنّ كلّ واحد من المثلين مركّب من حقيقة مشتركة بينهما ، والتركيب ينافي الوحدة الذاتيّة كما برهن في محلّة عند أهله. وإذا كانت الوحدة تنافي المماثلة والمشابهة فهي تنافي التوالد والتّناسل بلا شبهة ولا ريب والحاصل ليس له في الأشياء مثل ولا شبيه وهو تعالى (الْقَهَّارُ) غالب على الأشياء بجميع مراتبها ومستغن عن كلّ شيء ،

١٤٢

والأشياء بجميع شؤونها مقهورة له ومحتاجة إليه.

٥ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) وهو يعلم بأن في خلقهما مقدار من آثار القدرة وأطوار الحكمة المندرجة التي تجعل المتفكّرين يتدبّرون فيها ويعرفون منها الصّانع ويعترفون بوحدانيته وكمال قدرته (بِالْحَقِ) أي خلقهما للغرض الحكمي لا أنّ خلقهما كان لا لغرض وبلا حكمة حتى يكون باطلا ولغوا (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) أي يدخله عليه ويغشّيه به كأنّما الليل ستار يطرح على النهار وكذلك العكس (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) بأن أجراهما على وتيرة واحدة لا يتخلّفان عنها (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) هو منتهى دوره أو يوم القيامة (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) أي الغالب على كل شيء ولم يعاجل بالعقوبة ، وفي هذه الكريمة نبّه جلّ وعلا عباده على تمام قدرته وكمال صنعه وعلى وجود صانع عليم حكيم مدبّر قدير خبير وحيد في ذاته فوق الطّبع والطّبيعة. بيان ذلك أنّه سبحانه ذكر في هذه الآية ثلاثة أمور من آياته التكوينيّة : خلق السّماوات والأرض ، وتكوير اللّيل والنّهار ، وتسخير الشمس والقمر. وجميع تلك الآيات من آياته الكبرى. أمّا الأولى فقد أشرنا آنفا إلى أنه سبحانه كم من غرائب الأمور وعجائب الخلقة قد أودعها فيهما ، وقد اقتضت الحكمة في نشر بعضها وانطواء بعض آخر وهما العمادان في نظام عالم التكوين بل والتشريع من حيث استدلّ بخلقهما على كمال قدرته وغاية تدبيره وحكمته وحسن تقديره وأمّا الثّاني فإن النور والظلمة آيتان عجيبتان وأمرهما أعجب حيث إنّهما في كلّ يوم يغلب هذا تارة وذاك أخرى وبقيا هكذا منذ كانا ولا يزالان منذ يوم حدوثهما كذلك إلى يوم الانقضاء وظلّا على وتيرة واحدة بلا اختلاف عن خلقهما الأوّل ، ففي تعاقبهما واختلافهما المتتابع دلالة على أن كلّ واحد منهما مغلوب ومقهور بغالب وقاهر يكونان تحت حكمه وتدبيره الأحسن فتبارك الله أحسن الخالقين والمدبّرين. وأمّا الثالث من الآيات العجيبة

١٤٣

الكبرى ، فإن الشمس كوكب نهاريّ حاكم على كلّ كوكب نهاري وعلى جميع النّجوم والكواكب التي في فلكها ومدارها ، وكلّها تحت شعاعها ومندكّة فيها. والقمر سلطان اللّيل والحاكم فيه على الكواكب الليليّة. وأكثر مصالح هذا العالم مربوطة بهما ولهما آثار وخواصّ في موجوداته كنمّو الأجسام من الحيوانيّة والنباتيّة بل الجمادية على ما ينقل عن علماء علم معرفة الأشياء أو المتخصصين في علم الأرض من أنّ للجبال تنمية وتغذية ، أو بالنسبة إلى حركتها الجوهريّة ونضج الأثمار وإيجاد الخواص والآثار فيها وحلوها وحموضتها ومرّها وغير ذلك من الكيفيات المربوطة والمتعلقة بموجودات عالم التكوين. وقد قدّر سبحانه حركتهما وسيرهما من مطلع كل واحد منهما إلى مغربه بطور مخصوص إلى أجل مسمّى أي إلى منتهى دورهما أو يوم القيامة الكبرى كما شرحنا الأجل المسمّى قبيل ذلك ، فهما مسخّران بحيث لا يتخطّيان ما قدّر لهما من الزّمان في مدارهما وكيفيّة حركتهما من السرعة والبطء. فهذا التنظيم والتسخير يدلّان على أنّهما مغلوبان ومقهوران بغالب ومنظّم ومسخّران كائنان تحت حكمه وتنظيمه وتدبيره ، وهو من وراء العالم الطبيعيّ والكونيّ سبحانه وتعالى عن وصف الواصفين ومدح المادحين.

٦ ـ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ...) ثم إنّه سبحانه بعد أن استدلّ على إثبات وجوده وكمال قدرته بخلق الآفاق وآياته التكوينيّة ، استدلّ في هذه المباركة بخلق الأنفس وبآياته الأنفسيّة ، أي خلقة آدم وذرّيته ، وذلك لإظهار كمال قدرته بحسن خلقته حيث بيّن في هذه الآية أنّ جميع البشر من شخص واحد وهو آدم لأنّ حوّاء منه كما صرّح به سبحانه بقوله (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي من فضل طينته أو من ضلع من أضلاعه ، وهو آية ثانية. وكلمة (ثُمَ) تقتضي التّراخي بين الآيتين في الموجود لتفاوت ما بينهما من الفضل من جهات عديدة. الأوّل أن لآدم فضل الذّكورة ،

١٤٤

والثاني فضل النبوّة ، والثالث فضل الأصالة لأنّ حواء خلق منه ، فهي من فروعه ، والرابع أن الله تعالى أضاف خلقة آدم إلى نفسه المقدّسة مباشرة وخصّه بتلك الفضيلة من بين جميع الموجودات من الذّرة إلى الدّرة.

وقيل إن الإتيان بكلمة (ثُمَ) التي تفيد الإمهال والتأخّر للإشارة إلى التأخّر في الإيجاد لا في الوجود فقط فإنه تعالى بعد خلق آدم خلق ذرّيته في ظهره ، وبعد ذلك خلق حواء منه عليهما‌السلام. ولا يخفى أن الفرق بين القولين اعتباريّ كما أنّ الفرق بين الإيجاد والوجود اعتباريّ محض ، وإلّا فكلّ واحد ملازم للآخر ولا فرق بينهما إلّا بالاضافة. نعم هناك فرق هو أن الأوّل يقول بتأخّرها عنه بمرتبة واحدة ، والثاني يقول بأنّ الإمهال بمرتبتين ، ولعلّ مرادهما هو هذا ، فالفرق ليس محض اعتبار ولمّا كان إبداع الأبدان وإفاضة الرّوح فيها من أعظم النّعم ، قدّمه على غيره ، وبعده أخذ في ذكر النعم الأخر فقال جلّ وعلا : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) أي من الإبل والبقر والضّأن والمعز ، من كلّ واحد من الأصناف الأربعة ذكرا وأنثى فتمّت الثمانية. وإيثار الإنزال على الإبداع والخلق تنبيه على أنّ نشوء الأنعام بالنّبات وتنمية النّبات وأثمارها بالمطر الذي هو سبب له ، فالتسمية من باب تسمية المسبّب باسم سببه. ونظيره قوله سبحانه (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) فإن إنزال المطر سبب لحصول القطن الذي هو مأخوذ للباس نوع البشر ولا سيما في عصر نزول القرآن. واللباس المأخوذ من غير القطن من الصّوف وغيره مأخوذه أيضا يؤول إلى ما يحتاج إلى ماء المطر كالحيوان الذي أشرنا آنفا باحتياجه إليه. وبعضهم يقول إن وجه الإيثار هو إن الله سبحانه أرسل الأصناف الثمانية من الجنّة إلى الأرض ، فالإنزال كان بمعناه الحقيقي. ثم أخذ تعالى في تفصيل خلق الإنسان وسائر الحيوان كالأنعام وأشباهه فقال : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) أي بدء تكوّنكم فيها (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) أي نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم

١٤٥

كسوتها لحما ثم حيوانا سويّا (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ظلمة البطن ، والرّحم ، والمشيمة. هكذا فسّر الإمام الباقر عليه‌السلام الظلمات الثلاث. وعن الصادق عليه‌السلام مثله وزاد : حيث لا حيلة له في طلب غذاء ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرّة ، فإنّه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات ، فلا يزال ذلك غذاؤه حتّى إذا أكمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه على مباشرة الهواء ، وبصره على ملاقاة الضّياء هاج الطّلق (أي وجع الولادة) بأمّه فأزعجه أشدّ إزعاج فأعنفه حتّى يولد (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي الفاعل لهذه الأمور العجيبة والأطوار البديعة الغريبة هو الله الذي هو مالككم وسيّدكم ومصلح أموركم (لَهُ الْمُلْكُ) يعني أنه هو المالك للأشياء طرّا على الحقيقة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي فكيف تعدلون وتنصرفون عن توحيده إلى الإشراك به. ويتراءى في أول النظر من قوله جلّ وعزّ (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أنه تعالى يشتاق ويحتاج إلى عبادة الأنام اشتياق الفقير إلى ما عند الغنيّ ، فيدفع هذا التوهّم بقوله :

٧ ـ (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ...) الخطاب إلى أهل مكة ، وقد أظهر سبحانه كمال اقتداره وغناه عن عبادتهم وتوحيدهم أو شكرهم لنعمه ، فإن آمنوا فلا ينفعه سبحانه إيمانهم ، وإن كفروا فلا يضرّه كفرهم ، بل نفع الإيمان وضرّ الكفر يرجعان إليهم لأنه تعالى غنيّ عن العالمين. نعم هو سبحانه (لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) رحمة بهم وشفقة عليهم ، لأنه عالم بضرره لهم ، فهو كالوالد الشفيق على الولد الجاهل العاصي لأوامر والده الذي لا ينتهي لنواهيه ، ومع ذلك فإنه لو حدث له حادث يسوؤه ، نرى أن الوالد يتأذّى بأذاه ويتألّم بألمه رحمة به. فالله سبحانه كذلك بالنسبة إلى عباده الجهلة الغفلة لا يرضى بضررهم (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) لكنّه إذا شكروه على نعمة الإيمان وسائر نعمه فهو

١٤٦

يرضى شكرهم لهم لا له ، لأنه سبب لمزيد نعمهم الدنيويّة وموجب لزيادة الدرجة الأخرويّة ، فمآل شكرهم يرجع إليهم لا إليه سبحانه لأنه غنيّ على الإطلاق. وطلبه الطاعة منهم وكراهته العصيان منهم لصلاحهم بالطاعة وضررهم بالعصيان فلا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضرّه معصية العاصين. ثم إنّه تعالى يذكر عدله يوم الجزاء بقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى. وحاصله : لا يؤاخذ بالذنب إلّا من ارتكبه وفعله. فهذا الكلام تنبيه وتخويف للعباد حتى تدري كلّ نفس تكليفها وما عملت ، وتتوجّه إلى ما ترتكبه ، وكذا جملة ما بعده : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالمحاسبة والمجازاة (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) لا يخفى عليه سرّ ولا علانية ولا الكثير ولا مثقال الذرّة.

* * *

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩))

١٤٧

٨ ـ (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ ...) أي ما يعتريه من مرض وشدّة وقحط وغيرها من أنواع الضرّ ، يدعو الله تعالى لكشفه (مُنِيباً إِلَيْهِ) أي راجعا إليه سبحانه وحده لا يرجو سواه ، فيكون الإنسان في حال الشّدة موحّدا. (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً) أي أعطاه مطلوبه وكشف ضرّه (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) أي ينسى ضرّه وابتلاءه الذي كاد أن ينتحر فيه ويختنق به قبيل نيل هذه النعمة التي وجدها بالفعل فنسيه ونسي ربه الذي كان منيبا إليه صباحا ومساء لدفع الضّر ورفعه ، ورجع إلى معاصيه وعبادته الأصنام عاكفا على شركه ناسيا لتوحيده (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) أي شركاء (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ، قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) هذا أمر في معنى الخبر ، معناه أن مدة تمتّعك قليلة وعمّا قريب زائلة (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) وهذه الجملة تهديد وتوعيد بالنار بعد قليل في الآخرة.

٩ ـ (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ...) أي هذا الّذي ذكرناه خير أم من هو دائم على الطاعة. ففي الكلام حذف وتقدير. حذف لدلالة المقام عليه أي ليس من هو قانت كغيره من المتكبّرين عن العبادة والقنوت معلوم ، وقيل إنه يدل على قراءة القرآن وقيام اللّيل (آناءَ اللَّيْلِ) أي ساعاته (ساجِداً وَقائِماً) يسجد تارة ويقوم أخرى (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) أي جعل الآخرة في جميع حالاته نصب عينيه خوفا ولا يتوقع في أفعاله إلّا رحمة ربّه الرحيم فهو متقلّب بين الخوف والرّجاء (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) أن الصّانع العالم موجود وأن محمدا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) بذلك (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي بالمواعظ والتفكر في الآيات التكوينيّة والأنفسيّة. فليعلم أنّ ما ذكر في تفسير الكريمة (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ) الآية هذا بعض تأويلها : فعن الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) قال : يعني صلاة

١٤٨

اللّيل ، وعنه (ع): نحن الذين يعلمون ، وعدوّنا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولو الألباب. وعن الصّادق قريب من هذا الذي ذكرناه.

* * *

(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦))

١٠ ـ (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ...) بطاعته ، أو بعبارة أخرى بتحصيل مراضيه واجتناب معاصيه. وأوّل مرتبة التقوى هو الإتيان بالواجبات واجتناب المحرّمات. وأمّا الإتيان بالمستحبات وترك المكروهات فموجبان لمزيد الدرجات (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) قوله (فِي هذِهِ الدُّنْيا) يمكن أن يقال إنه متعلق (أَحْسَنُوا) كما هو الظاهر أو

١٤٩

(حَسَنَةٌ) فعلى الأول الحسنة أعمّ من حسنة الدنيا والآخرة. وعلى الثاني اختصاصها ظاهرا بالدنيويّة. والحسنة الدنيويّة كالصحة والعافية والذكر الجميل ، والأخرويّة كالخلود في الجنة والنعم التي لا زوال لها ولا نقصان. وتنكير الحسنة للتكبّر أو للتّعظيم (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) أي فمن تعسّر عليه العمل بوظائفه المقرّرة في دينه من تحصيل التقوى أو الإحسان الدنيويّ والأخرويّ وغيرهما من التكاليف فليهاجر من وطنه سواء كان مكة أو غيرها إلى البلاد التي يكون فيها سعة للعمل بالوظيفة والفرار ممّا لا يطاق من سنن الأنبياء (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي الذين يفارقون أوطانهم وأرحامهم وعشيرتهم وأصدقاءهم ويصبرون على مشاق الأمور التي يواجهونها في بلاد الغربة وكل ذلك للمحافظة على دينهم ، فإن الله تعالى يعطيهم أجرا كثيرا في الآخرة. لا يحصيه أحد ولا يعدّه العادّون ، أي أجرا لا يهتدي إليه حساب الحاسبين. وفي العيّاشي عن الصّادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا نشرت الدّواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ، ولم ينشر لهم ديوان ، ثم تلا هذه الآية. وفي الكافي عنه عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنّة فيضربونه ، فيقال لهم : من أنتم فيقولون نحن أهل الصّبر ، فيقال لهم على ما صبرتم؟ فيقولون كنّا نصبر على طاعة الله ، ونصبر عن معاصي الله فيقول الله عزوجل : صدقوا أدخلوهم الجنّة ، وهو قول الله عزوجل : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) ، الآية وفي الأثر : إنه يوم القيامة يؤمر الغزاة بدخول الجنّة ، فإذا وصلوا إلى باب الجنّة يرون جماعة جالسين في أعلى غرف الجنّة فينادون : ربّنا نحن أيتمنا أولادنا ، وأرملنا نساءنا ؛ وفدينا أنفسنا في سبيل دينك وطاعة نبيّك وأوصيائه عليهم‌السلام ، لم أدخلت هؤلاء قبلنا جنّتك وأعطيتهم أعلى درجاتها. فيجيبهم بأن هؤلاء قراء أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومبتلوها الذين صبروا في البأساء والضّراء والبلايا والحوادث التي توجّهت إليهم في

١٥٠

سبيل دينهم وحفظ إيمانهم. أنتم في مدّة حياتكم شربتم شربة الشهادة مرة واحدة ، لكنّهم كانوا يقتلون بسهام البلايا وسيوف الحوادث والمحن في سبيل ربّهم كلّ يوم مرات عديدة ويصبرون ولا يشتكون. فأنتم لستم في درجاتهم ورتبهم العالية ... فهنيئا لهم ثم هنيئا. ونقل أن كفّار مكة قالوا للنبيّ : لم جئت بدين غير ديننا ، فاقتد بأشراف قومك وآبائنا الأوّلين وكن على طريقتهم وخلّ البدعة ودينك الجديد حتّى تستريح من تلك الغصص والشّدائد والآلام فنزلت الآية الكريمة التالية :

١١ و ١٢ ـ (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ ...) قل يا محمد لهؤلاء الجهلة والمشركين من أهل مكة : إنّ الذي جئت به من الدّين ليس من عند نفسي بل هو دين الله وأنا مأمور منه بتبليغه إلى الناس جميعا وأنا أوّل العابدين والمطيعين له تعالى (مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي أعبده ولا أعبد معه سواه ، عبادة خالصة لا يشوبها شيء موحّدا له الدّين الحق. (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) أي أقدمهم في الدنيا والآخرة. أو المراد من الشريفة أن الله تعالى أمرني لأن أسلم أوّلا فيما أدعو الناس إليه حتى أكون في جميع الأفعال والأقوال مقتدى بي. ويؤيد هذا المعنى قوله (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله خوطبت من عنده تعالى بقوله عزّ من قائل :

١٣ ـ (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ...) أي بترك الأوامر والإخلاص في العبادة وأخشى عذاب يوم عظيم. ثم أمره تعالى بأن يخبر المشركين بانقياده لأوامره ربّه واشتغاله بالإخلاص الكامل في عبادة الله تعالى ، كي يقطع رجاء المشركين وطمع المعاندين عن رغبة النبيّ (ص) في دينهم ويتيقّنوا إعراضه عن مذاهبهم الباطلة فقال سبحانه :

١٤ و ١٥ ـ (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي ...) أي أخضع لربّي في حال أنني أنزّه ديني وأطهّره عن شوب الشّرك ولوث الرّياء ، ولا أعبد سواه. ثم

١٥١

بعد ذلك هدّد المشركين وخوّفهم من تركهم الإخلاص وبقائهم على شركهم ونبّههم على حرمانهم وخزيهم بقوله عزوجل (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) هذا القول صريح في التخويف والخذلان والغنى عنهم والسّلطة عليهم. ثم أكّد هذا المعنى بقوله سبحانه : (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) أي العائدين بالخسران في الحقيقة هم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بإدخالها النار والعذاب (وَ) الخاسرين (أَهْلِيهِمْ) لعدم انتفاعهم بهم سواء كانوا معهم أو في الجنّة ... وقيل إنّ أهلهم هم الحور العين التي كانت معدّة لهم في الجنة لو آمنوا ودخلوها (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يوم الجزاء والمكافاة (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) بيان لتفظيع لحالهم وتقطيع لرجائهم.

١٦ ـ (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ...) جمع ظلّة ، وهي هاهنا الغطاء والسّتار ، ولعله كناية عن النّيران التي أحاطت بهم كالسرادقات والخيام والتشبيه بلحاظ الإحاطة من تمام الجهات والظلمة الحاصلة ، حيث إنّ نار الجحيم ليست كنار الدنيا لأنها في ذاتها مظلمة نعوذ بالله منها (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أي أطباق. قيل وهي ظلل لآخرين ممن تحتهم. وقيل إن المراد (ظُلَلٌ) الثانية هو الفرش والمهد منها (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) أي ذلك العذاب لتخويف الله سبحانه العباد ليجتنبوا ما يوجبه (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) أي لا تتعرّضوا لما يوجب سخطي فقد أنذرتكم وألزمتكم الحجة. ونقل أنه في عصر الجاهلية لما أسلم زيد بن عمر بن النفيل وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وقالوا لا إله إلّا الله واشتهر إيمانهم بالله وبوحدانيّته نزل فيهم قوله الآتي :

* * *

(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى

١٥٢

اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١))

١٧ و ١٨ ـ (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ ...) أي الأوثان والشياطين (أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) أي رجعوا إليه سبحانه وأقبلوا بكامل وجودهم إليه وأعرضوا عمّا سواه (لَهُمُ الْبُشْرى) أي السّرور والبشارة بالثواب إمّا حين الحياة بواسطة السّفراء المقرّبين والرّسل المكرّمين وإمّا وقت الوفاة بقول الملائكة ، أو بعد الممات بالخطاب الإلهي بدخول الجنان ومغفرة الآثام. وعن الصّادق عليه‌السلام ، قال : أنتم هم ، ومن أطاع جبّارا فقد عبده (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) الظاهر أنّ المراد بالموصول هم الذين اجتنبوا وأنابوا وأمثالهم ، أي هم الذين ضمّوا هذه الخصلة إلى تلك لا أن يراد بهم الأعم ، فان وضع الظاهر مقام الضمير يقتضي الخصوصيّة ، ولا سيّما إذا أضيف الظاهر إلى ضمير يدلّ على الاختصاص كما فيما نحن فيه ، حيث إن إضافة العباد إلى ياء المتكلم يدلنا على أن المراد بهم عباد مخصوصون ، وليسوا في المقام إلّا الذين اجتنبوا الطاغوت وأنابوا إلى ربّهم.

١٥٣

وحذف الياء لدلالة الكسرة عليها في هذه الآية وما قبلها. ونتيجة الكلام إن قوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أريد به الخاص لا العام بقرائن متعدّدة منها ما ذكر ومنها الآيات التالية كما لا تخفى دلالتها والمراد (بالقول) هو الذي يكون أقرب إلى الحق والصّواب ، لا المطلق ، بقرينة قوله (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) فلا بد أن يكون المراد هو القول الحق الذي يتصوّر فيه الحسن والأحسن. وأما في غيره ممّا لا يكون فيه حسن فكيف يتصوّر فيه الأحسن؟ اللهمّ إلّا أن نقول بانسلاخ الأحسن عن معناه المصطلح ونقول إن معناه الحسن ، وحينئذ يمكن حمل القول على الأعم وهو خلاف الظاهر والذهاب إليه بلا قرينة خلاف ، ولا سيّما إذا كانت القرينة على ما هو الظاهر. والحاصل أن المعنى هو اتّباع الأحسن كما أن القصاص حسن لأنه حق ولكنّ العفو أفضل كما قال سبحانه (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) و (إن الصدقة فيها فضل لكن المخفي منها أفضل من علانيتها) قال تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وبذوي الأرحام أحسن ، والإحسان حسن ، وبالوالدين أحسن. وهكذا فالخالص من العباد هم الذين أحسن الأقوال ، وأشار سبحانه إليهم بقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) إلى طريق الصواب التي توجب وصولهم الى حسن المآب (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) أصحاب العقول السّليمة من شوائب الأوهام الفاسدة والتخيّلات الباطلة. ثم أنه تعالى على سبيل التّهديد يقول :

١٩ ـ (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ ...) أي هل الذي وجب عليه كلمة العذاب وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) الآية (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) هذا إنكار واستبعاد لانقاذه وهذا جواب الشرط وكررت الهمزة لتكرير الإنكار لانقاذ من حقّ عليه العذاب ، وحقّ من ثبت ولزم عليه العذاب بالسّعي في دعائه إلى الإيمان. وفيها دلالة على أنّ من حكم عليه بالعذاب

١٥٤

فهذا كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه.

٢٠ ـ (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ...) أي عملوا بالواجبات وتجنّبوا المحرّمات وتركوها قربة إلى ربّهم ولأجله تعالى (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) أي أرفع من الأولى ، والتّنكير للتعظيم (مَبْنِيَّةٌ) أي بكيفيّة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) لأن النظر من الغرف والقصور إلى الخضرة والجنان والمياه موجب لالتذاذ النفس وأشهى للقلب ، وقد بنيت هكذا. (وَعْدَ اللهِ) أي وعدوا وعد الله ، يعني من قبله (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) بل يفي بوعده وبما وعده مما ذكر من الغرف المزبورة في كتابه بكيفيّتها المذكورة. ثم أنه تعالى لمّا قدم الدعوة إلى التوحيد في الآيات السّابقة عقّبها بذكر الدّلائل على الخالق وقدرته فقال تعالى :

٢١ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ...) الخطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لكن المراد هو جميع المكلّفين. والاستفهام للتقرير ، يعني ترون بلا شكّ ولا ريب أنه هو تعالى الذي أنزل المطر من السّحاب (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) أي فأدخله عيونا وقنوات ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) والمراد هل هو ألوان نفس الزرع من خضرة وحمرة وصفرة وبياض ، أو ألوان ثمره بما ذكر؟ والظاهر الأول هو المراد. ويحتمل أن المراد بالألوان هو الأصناف لأن اللون يطلق على الصّنف ، والأصناف مختلفات في اللّون كما نشاهدها في الحبوب والثمرات من الفواكه وغيرها ، وربّما في نوع واحد في أرض واحدة (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) والشمس واحدة والقمر كذلك وجميع المؤثّرات والأسباب في ذلك النوع الواحد سواء ، ومع هذا يشاهد أفراد هذا النوع على اختلاف في اللّون ، فكيف بأصنافه وأجناسه. سبحان القادر الخبير الحكيم يخلق الأشياء بقدرته طبق حكمته. ويكشف إنزاله الماء من السّحاب الذي يرى كالدّخان أو الهواء المبلّل من كمال قدرته إذا فكّر

١٥٥

الإنسان في تكون هذا الماء في السّحاب وفي حمل السّحاب الماء مع أنه جسم ثقيل والهواء جسم خفيف ، وكيف ينزل الماء من السّحاب مرّة بشدّة وأخرى بلين وخفّة بحيث لا يدرك إلّا بالنظر الحادّ ، ومن أين جاء هذا السّحاب وما هي حقيقته ، وكيف وجد الماء في السّحاب ، ومن الموجد للماء فيه فهل يتصور هذا إلّا بقدرة قادر حكيم كان وراء عالم الطبع والطّبيعة؟ ... فسبحان من هو الإله الواحد الأحد الذي لم يكن له كفوا أحد (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) أي ييبس لأنه بعد خضرته ونضارته وإثماره وانتهاء كمال رشده بنضج ثمره جاز أن ينفصل عن منابته ، وإن لم تتفرّق اجزاؤه فحينئذ يصير مصفرّا وأجزاؤه وإن لم تتفرق كأنّها تتهيّأ لأن تتفرّق ، ثم يصير حطاما أي مكسّرا فتاتا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) أي لتذكير بآياته لأنّ من شاهد هذه الأحوال في النباتات علم أنّ أحوال الإنسان وسائر الحيوانات كذلك ، وأنّه وإن طال عمره فلا بدّ له من الانتهاء إلى أن يصير منحطم الأجزاء ، ومشاهدة تلك الأحوال لا بد أن تجرّ تأثرا وتحسّرا شديدا فتوجب النّفرة من الدنيا الفانية والرغبة بالدار الآخرة الباقية ، فهذا بلا شكّ من نعم الله سبحانه على عباده وأكثرهم غافلون كأنّهم لا يرون ولا يتذكّرون لأنه لا يتذكر (لِأُولِي الْأَلْبابِ) ولا تكون تلك الآيات ذكرى إلّا لأرباب العقول الصّحيحة السّليمة.

* * *

(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ

١٥٦

مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦))

٢٢ ـ (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ...) أي الذي له الأهليّة والاستعداد لإفاضة الألطاف إليه واستفاضته من المفيض المطلق على وجه ينشرح صدره لقبول الإسلام والإيمان ، هل هذا كمن ليس له القابليّة لأن يفاض عليه من المواهب التي تنوّر القلوب وتنشرح الصّدور لقبول الإيمان ، وفي النتيجة يقع في مضيق الكفر وفي وادي الجحد ويكون مصيره إلى جهنّم وبئس المصير. أمّا انشراح الصّدر فيتصوّر أن يكون بأمور ثلاثة : الأول : بقوة الأدلّة التي نصبها الله تعالى ، وهذا يختصّ به العلماء. والثاني : بالالطاف التي تتجدّد له حالا بعد حال كما قال سبحانه (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) والثالث بتوكيد الأدلّة وحلّ الشّبهة وإلقاء الخواطر. وقد قال القمي : نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام. وقال العامة نزلت في عليّ والحمزة (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) أي على يقين وهداية والخبر محذوف أي كمن طبع على قلبه ، وما بعدها في أبي لهب وولده (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) أي من ترك ذكره سبحانه أو من أجل ذكره تعالى ، وهي كلمة التوحيد. أي كلّما ذكرت عندهم هذه الكلمة ضاقت قلوبهم

١٥٧

وزادت القساوة فيها كقوله تعالى (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) فلم يتّعظوا بالترغيبات ولم ينزجروا بالترهيبات (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) على وجه لا يستر ولا يخفى ضلالهم وعدولهم عن الحق على أحد. وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : اطلبوا حوائجكم ممّن رقّ ولان قلبه من أمّتي لأن الله تعالى وضع الرحمة في قلوبهم ، ولا تطلبوها من ذوي القلوب القاسية لأنه جلّ وعلا جعل الغضب والخشونة في قلوبهم.

٢٣ ـ (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ...) أي القرآن في ابتدائه تعالى باسمه العظيم ، وإسناد الجملة الفعلية إليه تأكيد في استناد القرآن إليه سبحانه ، وتعظيم وتفخيم لشأن القرآن ، واستشهاد على أنّ أسلوب القرآن أحسن الأساليب ، وأنه من حيث البلاغة أحسن البلغاء وفيها تنبيه على أنّ القرآن نزل من عنده لا كما توهّمه البعض. وفيها أيضا إشعار على أنّه وحي إلهيّ ومعجزة باقية لخاتم الأنبياء واشتماله على جميع ما يحتاج إليه البشر في أدوار حياتهم ، وعلى إثبات صانع العالم وأدلّة التوحيد وحججه ، كما أنه جامع لجميع الأحكام الشرعية وغيرها من المواعظ والأخلاقيات والترغيبات والترهيبات ... وهذه المذكورات التي هي رشحة من رشحاته التي لا يحصيها العدّ موجبة لأن يعبّر عنه (بأحسن الحديث) وكم وكم من أسرار موجبة لأحسنيته وكانت مخفيّة علينا ومستورة عنّا (كِتاباً مُتَشابِهاً) أي يشبه بعضه بعضا في الإعجاز وفي جميع ما ذكرناه آنفا في وجه الأحسنيّة أو في بعضها. فالمراد بالتّشابه هو التشابه في هذه الأمور (مَثانِيَ) هذه صفة أخرى للكتاب أي يثنّى فيه القول ويتكرّر والفائدة في التكرار والتثنية لأنّ النفوس تنفر عن النّصح والوعظ ما لم يكرّر عليها عودا بعد بدء ولم يرسّخ فيها ولم تتعوّد ، ألا ترى قوله تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فتكثير الأمثلة وتكرير القصص وتوجيه

١٥٨

الناس إلى التوحيد تكرر لأن في ذلك فوائد كثيرة ومنافع عديدة للعباد منها تنبيه الخلق وتعويدهم إلى ما فيه الخير (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي ترتعد خوفا من وعيده ، وهو مثل في شدّة الخوف. وفي المجمع عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله تتحات عنه ذنوبه كما يتحاتّ عن الشّجر اليابسة ورقها (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي بعد الارتعاش وارتعاد القلوب حين قراءة آيات الوعيد عليهم أو قراءتهم بأنفسهم تلك الآيات ، تطمئنّ قلوبهم إلى ذكر الله إذا استمعوا آيات الرحمة والمغفرة فتلين بعد الخوف الشديد الذي سبب اضطرابها بتلك الأذكار والآيات وكذلك الأبدان ، فإذا اطمأنّ القلب يطمئنّ البدن بعد التزلزل والقشعريرة. وأمّا وجه الاستناد إلى الجلود دون الأبدان مع أن الظاهر أن المراد هو الأبدان ، فلعلّها لما كانت الجلود هي المرئية في بدء النظر فمن هذا الوجه آثرها عليها. (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) أي الكتاب المنزل هاد إلى الله تعالى بما فيه من نصب أدلّة التوحيد والبراهين الواضحة والحجج السّاطعة لإثبات الصّانع للعالم وهدايته. والرّسل وسائر الهداة منوط أمرهم ومنحصر بمشيئة الله وإرادته تعالى أي بمن يشاء من عباده. ويحتمل أن يكون المقصود من كون الكتاب هدى الله أي بواسطة دعاته وهداته كما يقال فلان من دعاة فلان. ولو كانت النتيجة واحدة إلّا أن ظاهر اللفظ يساعد على هذا المعنى الأخير ولا سيّما بقرينة قوله تعالى (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) أي أن الكتاب من وسائل هداية الله لعباده كما أن الأنبياء والرّسل كذلك (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي الذي يخلّى بينه وبين نفسه ويترك أمره إليه وباختياره ويخذله (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يخرجه من ضلالته.

٢٤ ـ (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ ...) أي بأن تغلّ يداه إلى عنقه فلا يتّقي عن نفسه إلّا بوجهه (سُوءَ الْعَذابِ) شدّته (يَوْمَ الْقِيامَةِ)

١٥٩

يوم الحشر الأكبر ، ليس كمن أمن من العذاب (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) من أعمالكم السّيئة وأقوالكم الموجبة للكفر فذوقوا وبالها أو نفسها بناء على تجسّم الأعمال.

٢٥ و ٢٦ ـ (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) أي قبل كفرة مكة ومشركي قريش (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يعني من جهة لا تخطر ببالهم (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ) أي الذّل كالمسخ والقتل والخسف والإجلاء عن أوطانهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) كان هذا جزاؤهم فيها (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) أي أعظم وأدوم (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لو كانوا من أهل النظر والمعرفة والاعتبار حتى يجتنبوا عنه بإسلامهم.

* * *

(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١))

٢٧ ـ (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ...) أي ما يحتاج إليه الناظر في أمر دينه ، بل ذكر فيه ما يحتاج إليه الناظر في أمر دنياه (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) لكي يتذكّروا ويتدبّروا فيعتبروا.

١٦٠