الكافي - ج ١

أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي

الكافي - ج ١

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي


المحقق: مركز بحوث دار الحديث
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-493-385-1
ISBN الدورة:
978-964-493-340-0

الصفحات: ٧٢٢

وُهَيْبِ (١) بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ لِلّهِ عِلْمَيْنِ : عِلْمٌ مَكْنُونٌ مَخْزُونٌ لَايَعْلَمُهُ إِلاَّ هُوَ ، مِنْ ذلِكَ يَكُونُ الْبَدَاءُ ؛ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ ، فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ ». (٢)

٣٧٧ / ١٠. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، قَالَ : « مَا بَدَا لِلّهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلاَّ كَانَ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ ». (٣)

٣٧٨ / ١١. عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْجُهَنِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْدُ (٤) لَهُ مِنْ جَهْلٍ ». (٥)

٣٧٩ / ١٢. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ :

__________________

يؤيّد ذلك ما ورد في رجال الكشّي ، ص ٨ ، الرقم ١٨ من رواية ابن أبي عمير ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير.

(١) في « ألف ، بس » وحاشية « بر » : « وهب ». وهو سهو ؛ فقد أكثر وهيب [ بن حفص ] من الرواية عن أبي بصير. راجع : معجم رجال الحديث ، ج ١٩ ، ص ٢١٤ ـ ٢١٩. ووهيب بن حفص هو المذكور في رجال النجاشي ، ص ٤٣١ ، الرقم ١١٥٩ ؛ والفهرست للطوسي ، ص ٤٨٩ ، الرقم ٧٨٠ ؛ ورجال الطوسي ، ص ٣١٧ ، الرقم ٤٧٣٢. وما ورد في بعض الأسناد ورجال البرقي ، ص ٤١ ، من وهب بن حفص ، فهو محرّف ، كما يأتي بعض موارده.

(٢) بصائر الدرجات ، ص ١٠٩ ، ح ٢ ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير أو عمّن رواه ، عن ابن أبي عمير. وفيه ، ص ١١٠ ، ح ٧ و ٨ ؛ وص ١١١ ، ح ١٠ و ١٣ ؛ وص ١١٢ ، ح ١٤ ، ١٦ و ١٧ ؛ والأمالي للطوسي ، ص ٢١٥ ، المجلس ٨ ، ح ٣٧٥ ؛ بسند آخر مع اختلاف. وفي الكافي ، كتاب الحجّة ، باب أنّ الأئمّة عليهم‌السلام يعلمون جميع العلوم ... ، ح ٦٦٤ ؛ وبصائر الدرجات ، ص ١١٠ ، ح ٥ و ٦ ؛ وص ١١٢ ، ح ١٥ ، بسند آخر عن أبي جعفر عليه‌السلام مع اختلاف الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٣ ، ح ٤١٤.

(٣) تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ٢١٨ ، ح ٧١ ، عن ابن سنان ، مع اختلاف يسير وزيادة الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٤ ، ح ٤١٦.

(٤) في تفسير العيّاشي : « لايبدو ».

(٥) تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ٢١٨ ، ذيل ح ٧١ ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٤ ، ح ٤١٧.

٣٦١

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام : هَلْ يَكُونُ الْيَوْمَ شَيْ‌ءٌ لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ اللهِ بِالْأَمْسِ؟ قَالَ : « لَا ، مَنْ قَالَ هذَا فَأَخْزَاهُ (١) اللهُ » (٢). قُلْتُ : أَرَأَيْتَ ، مَا كَانَ وَ (٣) مَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَلَيْسَ فِي عِلْمِ اللهِ؟ قَالَ (٤) : « بَلى (٥) ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ ». (٦)

٣٨٠ / ١٣. عَلِيٌّ ، عَنْ مُحَمَّدٍ (٧) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام يَقُولُ : « لَوْ عَلِمَ (٨) النَّاسُ مَا فِي الْقَوْلِ بِالْبَدَاءِ (٩) مِنَ الْأَجْرِ ، مَا فَتَرُوا عَنِ الْكَلَامِ فِيهِ (١٠) ». (١١)

٣٨١ / ١٤. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو (١٢) الْكُوفِيِّ أَخِي يَحْيى ، عَنْ مُرَازِمِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام يَقُولُ (١٣) : « مَا تَنَبَّأَ (١٤) نَبِيٌّ قَطُّ حَتّى يُقِرَّ لِلّهِ (١٥) بِخَمْسِ (١٦) خِصَالٍ (١٧) : بِالْبَدَاءِ ، وَالْمَشِيئَةِ ، وَالسُّجُودِ ، وَالْعُبُودِيَّةِ ، وَالطَّاعَةِ ». (١٨)

__________________

(١) « فأخزاه » أي فأذلّه وأهانه وأوقعه في بليّة وعذاب. انظر : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٣٢٦ ( خزي ).

(٢) في « ف » : + « قال ».

(٣) في الوافي : « أرأيت » بدل « و ».

(٤) في حاشية « ف » : « فقال ».

(٥) في « ف » : + « كان ».

(٦) التوحيد ، ص ٣٣٤ ، ح ٨ ، بسنده عن الكليني الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٤ ، ح ٤١٨.

(٧) في « ض » : + « بن عيسى ».

(٨) في التوحيد : « لو يعلم ».

(٩) في « بر » : « في البداء ».

(١٠) في شرح صدر المتألّهين : « به ».

(١١) التوحيد ، ص ٣٣٤ ، ح ٧ ، بسنده عن الكليني الوافي ، ج ١ ، ص ٥١١ ، ح ٤١٠.

(١٢) في حاشية « ض » : « عمر ».

(١٣) في « ف » : « قال ».

(١٤) « تنبّأ » مطاوع نبأ ، أي قَبِل النبوّة فصار نبيّاً. تعورف استعماله فيمن يدّعي النبوّة كذباً ، ولكن من حقّه أن يصحّ استعماله في النبيّ المحقّ كما هاهنا. انظر : المفردات للراغب ، ص ٧٨٩ ( نبأ ).

(١٥) وفي المحاسن : ـ « لله ».

(١٦) في المحاسن : « بخمسة ».

(١٧) في « ب ، ج ، ض ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين والوافي والمحاسن والتوحيد : ـ « خصال ».

(١٨) المحاسن ، ص ٢٣٤ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ١٩٠. وفي التوحيد ، ص ٣٣٣ ، ح ٥ ، بسنده عن مرازم بن حكيم الوافي ، ج ١ ، ص ٥١١ ، ح ٤٠٨.

٣٦٢

٣٨٢ / ١٥. وَبِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ (١) يُونُسَ ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمَةَ (٢) ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَخْبَرَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بِمَا كَانَ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا ، وَبِمَا يَكُونُ إِلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا ، وَأَخْبَرَهُ بِالْمَحْتُومِ مِنْ (٣) ذلِكَ ، وَاسْتَثْنى عَلَيْهِ فِيمَا سِوَاهُ (٤) ». (٥)

٣٨٣ / ١٦. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ (٦) ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ ، قَالَ :

__________________

(١) كذا في النسخ والمطبوع. والظاهر أنّ الصواب : « بن » بدل « عن ». نبّه على ذلك العلاّمة الخبير السيّد موسى ‌الشبيري دام ظلّه. وبما أنّ المقام لايسع التفصيل ، نشير إلى بعض الامور اختصاراً :

الأوّل : أنّ جعفر بن محمّد في مشايخ أحمد بن محمّد ـ وهو ابن خالد كما هو واضح ـ ينصرف إلى جعفر بن محمّد الأشعري ، وهو لايروي في أسناد أحمد إلاّعن القدّاح عبدالله بن ميمون ، راجع : معجم رجال الحديث ، ج ٤ ، ص ٤٢٥ ـ ٤٢٧.

الثاني : أنّ ما ورد في بعض الأسناد من رواية جعفر بن محمّد عن يونس ـ كما في الكافي ، ح ٣٤٣٢ وبصائر الدرجات ، ص ٢٥٦ ، ح ٩ ـ مصحّف وقد ورد في بعض النسخ المعتبرة من الكتابين : « جعفر بن محمّد بن يونس » على الصواب.

وأمّا ما ورد في الكافي ، ح ١١٨٥٧ ، من رواية أحمد بن محمّد بن خالد عن جعفر بن محمّد بن حكيم ، عن يونس ، فهو مأخوذ من المحاسن ، ج ٢ ، ص ٤٨١ ، ح ٥٢١ ، وفيه : « جعفر بن محمّد عن يونس بن مرازم » ، مضافاً إلى أنّ سند المحاسن نفسه ، مختلّ.

الثالث : أنّه لم يثبت رواية من يسمّى بجعفر بن محمّد عن يونس ـ وهو ابن عبدالرحمن بمقتضى الطبقة ـ إلاّفي بعض الأسناد المحرّفة ، أو المشكوك صحّتها. راجع : ما يأتي في ذيل ح ٣٨٠٤.

الرابع : أنّ أحمد بن محمّد بن خالد روى نوادر جعفر بن محمّد بن يونس الأحول كما في رجال النجاشي ، ص ١٢٠ ، الرقم ٣٠٧ ، وروى عنه بعنوان جعفر بن محمّد الأحول في المحاسن ، ص ٥١٤ ، ح ٧٠٠.

(٢) في « ب ، ف ، بح » والوافي : « جهم بن أبي جهم ». والظاهر أنّ الرجل هو جهيم بن أبي جهم ، ويقال : ابن أبي جهمة ، راجع : رجال النجاشي ، ص ١٣١ ، الرقم ٣٣٨.

(٣) في « بح » : « بالمختوم عن ».

(٤) في حاشية « بح ، بر ، بف » وحاشية شرح صدر المتألّهين : « سوى ذلك ».

(٥) الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٥ ، ح ٤١٩.

(٦) الخبر رواه الصدوق في التوحيد ، ص ٣٣٣ ، ح ٦ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن الريّان بن الصّلت.

٣٦٣

سَمِعْتُ الرِّضَا عليه‌السلام يَقُولُ : « مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً قَطُّ (١) إِلاَّ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، وَأَنْ يُقِرَّ لِلّهِ بِالْبَدَاءِ (٢) ». (٣)

٣٨٤ / ١٧. الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ :

سُئِلَ الْعَالِمُ عليه‌السلام : كَيْفَ عِلْمُ (٤) اللهِ؟ قَالَ : « عَلِمَ وَشَاءَ ، وَأَرَادَ وَقَدَّرَ ، وَقَضى وَأَمْضى (٥) ؛ فَأَمْضى مَا قَضى ، وَقَضى مَا قَدَّرَ ، وَقَدَّرَ مَا أَرَادَ ؛ فَبِعِلْمِهِ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ ، وَبِمَشِيئَتِهِ كَانَتِ الْإِرَادَةُ ، وَبِإِرَادَتِهِ كَانَ التَّقْدِيرُ ، وَبِتَقْدِيرِهِ كَانَ الْقَضَاءُ ، وَبِقَضَائِهِ كَانَ الْإِمْضَاءُ ، وَالْعِلْمُ (٦) مُتَقَدِّمٌ (٧) عَلَى (٨) الْمَشِيئَةِ ، وَالْمَشِيئَةُ ثَانِيَةٌ ، وَالْإِرَادَةُ ثَالِثَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ وَاقِعٌ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْإِمْضَاءِ ؛ فَلِلّهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ الْبَدَاءُ فِيمَا عَلِمَ مَتى شَاءَ ، وَفِيمَا أَرَادَ لِتَقْدِيرِ الْأَشْيَاءِ ، فَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْإِمْضَاءِ ، فَلَا بَدَاءَ ، فَالْعِلْمُ بِالْمَعْلُومِ (٩) قَبْلَ كَوْنِهِ ، وَالْمَشِيئَةُ فِي الْمُنْشَا (١٠)

__________________

وورد مضمون الخبر مع زيادة في التهذيب ، ج ٩ ، ص ١٠٢ ، ح ٤٤٦ ؛ والغيبة للطوسي ، ص ٤٣٠ ؛ وعيون الأخبار ، ج ٢ ، ص ١٥ ، ح ٣٣ ، عن عليّ بن إبراهيم [ بن هاشم ] ، عن الريّان بن الصلت بلا واسطة ، إلاّ أنّ في بعض نسخ التهذيب زيادة « عن أبيه » بينهما. وقد روى عليّ بن إبراهيم عن أبيه كتاب الريّان بن الصلت ، كما في الفهرست للطوسي ، ص ١٩٥ ، الرقم ٢٩٥.

(١) في الوسائل والتهذيب وتفسير القمّي والعيون والغيبة : ـ « قطّ ».

(٢) في الوسائل والتهذيب وتفسير القمّي والعيون والغيبة : + « أن يفعل الله مايشاء ، وأن يكون في تراثه الكندر ».

(٣) التهذيب ، ج ٩ ، ص ١٠٢ ، ح ١٨١ بسنده عن الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن الريّان بن الصلت. وفي التوحيد ، ص ٣٣٣ ، ح ٦ ؛ وعيون الأخبار ، ج ٢ ، ص ١٥ ، ح ٣٣ ؛ والغيبة للطوسي ، ص ٤٣٠ ، ح ٤١٩ ، بسندهما عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن الريّان بن الصلت. تفسير القمّي ، ج ١ ، ص ١٩٤ ، مرسلاً عن ياسر عن الرضا عليه‌السلام الوافي ، ج ١ ، ص ٥١١ ، ح ٤٠٩ ؛ الوسائل ، ج ٢٥ ، ص ٣٠٠ ، ح ٣١٩٥٧.

(٤) في « ب ، ج ، ض ، بح » : « عَلِمَ » بصيغة الماضي.

(٥) في التوحيد : « وأبدى ».

(٦) في « بح » والتوحيد : « فالعلم ».

(٧) في حاشية « بف » والوافي : « يتقدّم ».

(٨) في « ب ، ج ، ض ، بر ، بس ، بف » والوافي : ـ « على ».

(٩) هكذا في « ب ، ض ، ف ، بح » وحاشية « بر » وشرح المازندراني والوافي والتوحيد. وفي المطبوع وباقي‌النسخ : « في المعلوم ».

(١٠) في حاشية « بح » : « المشاء » ، والأنسب : « المَشِي‌ء ». وفي مرآة العقول : « وفي المُشاء المشيئة قبل عينه ووجوده العيني. وفي أكثر النسخ : المنشأ ، ولعلّ المراد الإنشاء ».

٣٦٤

قَبْلَ عَيْنِهِ ، وَالْإِرَادَةُ فِي الْمُرَادِ قَبْلَ قِيَامِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ لِهذِهِ الْمَعْلُومَاتِ قَبْلَ تَفْصِيلِهَا وَتَوْصِيلِهَا عِيَاناً وَوَقْتاً (١) ، وَالْقَضَاءُ بِالْإِمْضَاءِ هُوَ الْمُبْرَمُ مِنَ (٢) الْمَفْعُولاتِ ذَوَاتِ (٣) الْأَجْسَامِ الْمُدْرَكَاتِ بِالْحَوَاسِّ مِنْ ذَوِي (٤) لَوْنٍ وَرِيحٍ وَوَزْنٍ وَكَيْلٍ ، وَمَا دَبَّ وَدَرَجَ (٥) مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَطَيْرٍ وَسِبَاعٍ ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، فَلِلّهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ فِيهِ الْبَدَاءُ مِمَّا لَا عَيْنَ لَهُ (٦) ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَيْنُ الْمَفْهُومُ الْمُدْرَكُ ، فَلَا بَدَاءَ ، وَاللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٧) ؛ فَبِالْعِلْمِ عَلِمَ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا ؛ وَبِالْمَشِيئَةِ عَرَّفَ (٨) صِفَاتِهَا وَحُدُودَهَا ، وَأَنْشَأَهَا (٩) قَبْلَ إِظْهَارِهَا ؛ وَبِالْإِرَادَةِ مَيَّزَ أَنْفُسَهَا فِي (١٠) أَلْوَانِهَا وَصِفَاتِهَا (١١) ؛ وَبِالتَّقْدِيرِ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا (١٢) وَعَرَّفَ أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا ؛ وَبِالْقَضَاءِ أَبَانَ (١٣) لِلنَّاسِ أَمَاكِنَهَا ، وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا ؛ وَبِالْإِمْضَاءِ شَرَحَ عِلَلَهَا ، وَأَبَانَ أَمْرَهَا ، وَذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٤) ». (١٥)

__________________

(١) في التوحيد : « وقياماً ».

(٢) الظاهر أنّ « من » متعلّق بالمبرم صلةً له أو بياناً. و « ذوات الأجسام » ابتداء الكلام ، أو بيان للمفعولات ، أو بدل منه. ويحتمل كون « من المفعولات » من الكلام المستأنف وتعلّقه بما بعده ، وجعلها بياناً للمعلومات بعيد. انظر : شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٤٥ ؛ مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٤٤.

(٣) في « ب » وحاشية « ض » : « وذوات ».

(٤) في « ب ، بر ، بف » والوافي والتوحيد : « ذي ».

(٥) في شرح المازندراني : « الدبيب والدُروج : المشي على الأرض. والمراد هنا مطلق الحركة وإن كان في الهواء ». وانظر : الصحاح ، ج ١ ، ص ١٢٤ و ٣١٣ ( دبب ) و ( درج ).

(٦) في شرح المازندراني : « ممّا لا عين له ... حال عن الضمير المجرور في قوله : فيه ».

(٧) في شرح المازندراني : « والله يفعل مايشاء ، الظاهر أنّه تأكيد لثبوت البداء له تعالى ، ويحتمل أن يكون بياناً وتعليلاً لعدم ثبوت البداء له في المفعولات العينيّة المدركة بالحواسّ ».

(٨) في شرح المازندراني : « الظاهر أنّ « عرف » من المعرفة لا من التعريف ». وقال في مرآة العقول : « فقوله : « بالمشيّة عرّف » على صيغة التفعيل ». والنسخ أيضاً مختلفة.

(٩) في « ج ، بر » وشرح صدر المتألّهين : « وإنشاؤها ».

(١٠) في « ب » وحاشية « ض » : « من ».

(١١) في التوحيد : + « وحدودها ».

(١٢) في‌حاشية « بس ، بف » والتوحيد : « أوقاتها ».

(١٣) في « بس » : « بان ».

(١٤) في « ج ، بر » : + « جلّ وعلا وتقدّس ».

(١٥) التوحيد ، ص ٣٣٤ ، ح ٩ ، بسنده عن الكليني الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٧ ، ح ٤٢٠.

٣٦٥

٢٥ ـ بَابٌ فِي أنَّهُ لَايَكُونُ شَيْ‌ءٌ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ‌(١)

٣٨٥ / ١. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ؛

وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ جَمِيعاً ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ (٢) ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْكَانَ جَمِيعاً :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، أَنَّهُ قَالَ : « لَا يَكُونُ شَيْ‌ءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٣) إِلاَّ بِهذِهِ الْخِصَالِ السَّبْعِ : بِمَشِيئَةٍ ، وَإِرَادَةٍ ، وَقَدَرٍ ، وَقَضَاءٍ ، وَإِذْنٍ ، وَكِتَابٍ ، وَأَجَلٍ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلى نَقْضِ وَاحِدَةٍ (٤) ، فَقَدْ كَفَرَ ». (٥)

وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَابْنِ مُسْكَانَ مِثْلَهُ (٦).

٣٨٦ / ٢. وَرَوَاهُ أَيْضاً عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عِمْرَانَ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما‌السلام ، قَالَ : « لَا يَكُونُ شَيْ‌ءٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ (٧) إِلاَّ بِسَبْعٍ : بِقَضَاءٍ ، وَقَدَرٍ ، وَإِرَادَةٍ ، وَمَشِيئَةٍ ، وَكِتَابٍ ، وَأَجَلٍ ، وَإِذْنٍ ، فَمَنْ زَعَمَ غَيْرَ هذَا ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللهِ ، أَوْ رَدَّ (٨)

__________________

(١) في « ف » : « ولا في الأرض ».

(٢) في « بر » : « عمار ». والرجل مجهول لم نعرفه.

(٣) في « ف » : « في السماء ولا في الأرض ».

(٤) في المحاسن : « على نقص واحدة منهنّ ».

(٥) المحاسن ، ص ٢٤٤ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٢٣٦ عن أبيه ، عن فضالة بن أيّوب ، عن محمّد بن عمارة ، عن حريز بن عبدالله وعبدالله بن مسكان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٩ ، ح ٤٢١.

(٦) الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٩ ، ح ٤٢١.

(٧) في « ب » : « في الأرض ولا في السماوات ». وفي « ج » : « السماء » بدل « السماوات ».

(٨) الترديد والشكّ من الراوي ، لا من الإمام عليه‌السلام. انظر : شرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩١ ؛ شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٥٥ ؛ مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٥١.

٣٦٦

عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ». (١)

٢٦ ـ بَابُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ‌

٣٨٧ / ١. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما‌السلام يَقُولُ : « لَا يَكُونُ شَيْ‌ءٌ إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى (٢) ».

قُلْتُ : مَا مَعْنى « شَاءَ »؟ قَالَ : « ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ (٣) ».

قُلْتُ : مَا مَعْنى « قَدَّرَ »؟ قَالَ : « تَقْدِيرُ الشَّيْ‌ءِ مِنْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ (٤) ».

قُلْتُ : مَا مَعْنى « قَضى »؟ قَالَ : « إِذَا قَضى (٥) أَمْضَاهُ ، فَذلِكَ الَّذِي لَامَرَدَّ لَهُ (٦) ». (٧)

__________________

(١) الخصال ، ص ٣٥٩ ، باب السبعة ، ح ٤٦ ، بسنده عن إبراهيم بن هاشم ، عن أبي عبدالله البرقي الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٩ ، ح ٤٢٢.

(٢) في « ف » : « وقضى وقدّر ». وفي « ف » والمحاسن : + « قال ».

(٣) في الوافي والمحاسن+ / : « قلت : فما ( الوافي : ما ) معنى أراد؟ قال : الثبوت عليه ».

(٤) في « ف » : + « قال ». وفي حاشية « ف » : + « ثمّ ».

(٥) في حاشية ميرزا رفيعا والمحاسن : « قضاه ».

(٦) قال العلاّمة الطباطبائي قدس‌سره : « لاريب أنّ لنا في أفعالنا الاختياريّة مشيئة وإرادة وتقديراً وقضاء وهو الحكم البتّي ، وحيث عدّ الله سبحانه الموجودات أفعالاً لنفسه ، صادرة عن علمه وقدرته ، لم يكن بدّ من أن نذعن في فعله بالجهات التي لايخلو عنها فعل اختياريّ من المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء ؛ فالمشيئة والإرادة هما المعنى الذي لابدّ في الفعل الاختياري من تحقّقه في نفس الفاعل منّا بعد العلم وقبل الفعل ، وهذا المعنى من حيث ارتباطه بالفاعل يسمّى مشيئة ، ومن حيث ارتباطه بالفعل يسمّى إرادة ، والتقدير تعيين مقدار الفعل من حيث تعلّق المشيئة به. والقضاء هو الحكم الأخير الذي لاواسطة بينه وبين الفعل ؛ مثلاً إذا قرّبنا ناراً من قطن ، والنار مقتضية للاحتراق ، ينتزع من المورد مشيئة الإحراق ، ثمّ بزيادة قربها إرادة الإحراق ، ثمّ من كيفيّة قربها وشكل القطن ووضعه منها وسائر ما يقارن المورد تقدير الإحراق ، فإن كان القطن مثلاً مرطوباً لايؤثّر فيه

٣٦٧

٣٨٨ / ٢. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام : شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى؟ قَالَ : « نَعَمْ ». قُلْتُ : وَأَحَبَّ؟ قَالَ : « لَا ».قُلْتُ : وَكَيْفَ (١) شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى وَلَمْ يُحِبَّ؟!

قَالَ : « هكَذَا خَرَجَ إِلَيْنَا (٢) ». (٣)

٣٨٩ / ٣. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : « أَمَرَ اللهُ وَلَمْ يَشَأْ ، وَشَاءَ وَلَمْ يَأْمُرْ (٤) ؛ أَمَرَ إِبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدَ لِآدَمَ ، وَشَاءَ أَنْ لَايَسْجُدَ ، وَلَوْ شَاءَ (٥) لَسَجَدَ ، وَنَهى آدَمَ عَنْ أَكْلِ‌

__________________

النار ، كان ذلك بداء لظهور ما كان خفيّاً من الفعل ، وإن كان يابساً لا مانع معه من الاحتراق ، كان ذلك قضاء وإمضاء وهو الاحتراق والإحراق ؛ وبذلك يتحقّق في كلّ حادث حدث عن أسبابه من حيث تهيّؤ سببه مشيئة وتمام التهيّؤ وتحقّق محلّ الفعل ، وتحقّق آخر جزء من سببه مشيئة وإرادة وقدر ، وقضاء هو الإمضاء والإجراء ».

(٧) المحاسن ، ص ٢٤٤ ، كتاب مصابيح الظلم ح ٢٣٧ ، بهذا السند ، وبسند آخر : عن أبيه ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٩ ، ح ٤٢٣.

(١) في حاشية « ف » : « فكيف ».

(٢) لايبعد أن يكون إمساكه عليه‌السلام عن الجواب والكلام في حبّ الله تعالى لأجل ما يتوهّم فيه من الحدوث والتغيّر مع دقّة الجواب وقصور فهم الأكثرين. انظر : شرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩٢ ؛ الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٠ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥٦.

وقال العلاّمة الطباطبائي ١ : « الحبّ حبّان : حبّ تكوينيّ يتعلّق بوجود الشي‌ء من حيث هو وجوده ، وحبّ تشريعيّ يتعلّق بالشي‌ء من حيث هو حسن جميل ، ولا يتعلّق بالقبيح أبداً ؛ وكأنّ عدم استعداد ذهن السائل عن إدراك الفرق بينهما استدعى إضرابه عليه‌السلام عن جواب سؤاله ».

(٣) المحاسن ، ص ٢٤٥ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٢٣٩ ، بسند آخر مع اختلاف يسير وزيادة الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٠ ، ح ٤٢٤.

(٤) في « ف » : « ولم يأمر وشاء و ».

(٥) في « ف » : + « أن يسجد ».

٣٦٨

الشَّجَرَةِ ، وَشَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ، وَلَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْكُلْ (١) ». (٢)

٣٩٠ / ٤. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيِّ (٣) ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ جَمِيعاً ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ لِلّهِ اِرَادَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ : إِرَادَةَ حَتْمٍ ، وَإِرَادَةَ عَزْمٍ ، يَنْهى وَهُوَ يَشَاءُ ، وَيَأْمُرُ وَهُوَ لَايَشَاءُ ؛ أَوَمَا رَأَيْتَ أَنَّهُ نَهى آدَمَ وَزَوْجَتَهُ أَنْ يَأْكُلَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَشَاءَ ذلِكَ؟ وَلَوْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْكُلَا ، لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَتُهُمَا (٤) مَشِيئَةَ اللهِ تَعَالى ، وَأَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ إِسْحَاقَ (٥) وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَذْبَحَهُ ، وَلَوْ شَاءَ (٦) ، لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَةُ إِبْرَاهِيمَ مَشِيئَةَ اللهِ (٧) تَعَالى (٨) ». (٩)

__________________

(١) ظاهر الخبر يدلّ على الجبر ، وهو معلوم البطلان من مذهبنا الإماميّة ، فوجب التأويل إن أمكن ، وإلاّ يردّ الخبر أو يحمل على التقيّة. وكذلك الأخبار الآتية. انظر : شرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩٢ ؛ شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٥٩ ؛ الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٢ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥٧.

(٢) الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢١ ، ح ٤٢٥.

(٣) في « ألف ، و ، بس » : « الهمذاني ».

(٤) في « ض ، بح ، بس » وشرح صدر المتألّهين : « شهوتهما ».

(٥) في حاشية « ض » والتوحيد : « إسماعيل ». وكون الذبيح إسحاق عليه‌السلام خلاف المشهور بأنّه إسماعيل عليه‌السلام ، ودلّت‌عليه الأخبار المستفيضة ، فيحمل الخبر على التقيّة ، أو يأوّل بأنّ المأمور به أوّلاً ذبح إسحاق عليه‌السلام ثمّ نسخ وامر بذبح إسماعيل عليه‌السلام. انظر : مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٦٢.

(٦) في « ض » وحاشية « ج » والوافي : + « أن يذبحه ».

(٧) محبّته الطبيعيّة للولد وشوق بقائه لاينافي التسليم والرضا لأمر الله تعالى ، فحاشا الخليل عليه‌السلام أن يشاء ما لا يشاء الله تعالى. انظر شرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩٣ ؛ الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٣.

(٨) قال العلاّمة الطباطبائي قدس‌سره : « للمشيئة والإرادة انقسام إلى الإرادة التكوينيّة الحقيقيّة ، والإرادة التشريعيّة الاعتباريّة ، فإنّ إرادة الإنسان التي تتعلّق بفعل نفسه نسبة حقيقيّة تكوينيّة تؤثّر في الأعضاء الانبعات إلى الفعل ، ويستحيل معها تخلّفها عن المطاوعة إلاّلمانع ؛ وأمّا الإرادة التي تتعلّق منّا بفعل الغير ، كما إذا أمرنا بشي‌ء ، أو نهينا عن شي‌ء ، فإنّها إرادة بحسب الوضع والاعتبار ، لا تتعلّق بفعل الغير تكوينيّاً ؛ فإنّ إرادة كلّ شخص إنّما تتعلّق بفعل نفسه من طريق الأعضاء والعضلات ، ومن هنا كانت إرادة الفعل أو الترك من الغير لا تؤثّر في

٣٦٩

٣٩١ / ٥. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام يَقُولُ : « شَاءَ وَأَرَادَ ، وَلَمْ يُحِبَّ وَلَمْ يَرْضَ ؛ شَاءَ أَنْ لَايَكُونَ (١) شَيْ‌ءٌ إِلاَّ بِعِلْمِهِ ، وَأَرَادَ مِثْلَ ذلِكَ ، وَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يُقَالَ (٢) : ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ، وَلَمْ يَرْضَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ». (٣)

٣٩٢ / ٦. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي‌نَصْرٍ (٤) ،

__________________

الفعل بالإيجاد والإعدام ، بل تتوقّف على الإرادة التكوينيّة من الغير بفعل نفسه حتّى يوجد أو يترك عن اختيار فاعله ، لا عن اختيار آمره وناهيه. إذا عرفت ذلك علمت أنّ الإرادتين يمكن أن تختلفا من غير ملازمة ، كما أنّ المعتاد بفعل قبيح ربّما ينهى نفسه عن الفعل بالتلقين ، وهو يفعل من جهة إلزام ملكته الرذيلة الراسخة ، فهو يشاء الفعل بإرادة تكوينيّة ، ولا يشاؤه بإرادة تشريعيّة ، ولا يقع إلاّما تعلّقت به الإرادة التكوينيّة ، والإرادة التكوينيّة هي التي يسمّيها عليه‌السلام بإرادة حتم ، والتشريعيّة هي التي يسمّيها بإرادة عزم.

وإرادته تعالى التكوينيّة تتعلّق بالشي‌ء من حيث هو موجود ، ولا موجود إلاّوله نسبة الإيجاد إليه تعالى بوجوده ، بنحو يليق بساحة قدسه تعالى ؛ وإرادته التشريعيّة تتعلّق بالفعل من حيث أنّه حسن وصالح غير القبيح الفاسد ، فإذا تحقّق فعل موجود قبيح ، كان منسوباً إليه تعالى من حيث الإرادة التكوينيّة بوجه ، ولو لم يرده لم يوجد ؛ ولم يكن منسوباً إليه تعالى من حيث الإرادة التشريعيّة ؛ فإنّ الله لا يأمر بالفحشاء.

فقوله عليه‌السلام : إنّ الله نهى آدم عليه‌السلام عن الأكل ، وشاء ذلك ، وأمر إبراهيم عليه‌السلام بالذبح ، ولم يشأه ، أراد بالأمر والنهي التشريعيّين منهما ، وبالمشيئة وعدمها التكوينيّين منهما.

واعلم أنّ الرواية مشتملة على كون المأمور بالذبح إسحاق ، دون إسماعيل ، وهو خلاف ما تظافرت عليه أخبار الشيعة ».

(٩) التوحيد ، ص ٦٤ ، ضمن الحديث الطويل ح ١٨ ، بسنده عن الفتح بن يزيد الجرجاني مع اختلاف يسير. وراجع : فقه الرضا عليه‌السلام ، ص ٤١٠ الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٢ ، ح ٤٢٦.

(١) في التوحيد ، ص ٣٤٣ : + « في ملكه ».

(٢) في التوحيد والمعاني : + « له ».

(٣) التوحيد ، ص ٣٣٩ ، ح ٩ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ؛ وفيه ، ص ٣٤٣ ، ح ١٢ ، بسنده عن إبراهيم بن هاشم ، مع زيادة في أوّله. معاني الأخبار ، ص ١٧٠ ، ح ١ ، بسند آخر. وراجع : تصحيح الاعتقاد ، ص ٤٨ الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٣ ، ح ٤٢٧.

(٤) هكذا في « ألف ، ب ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » وحاشية « جر ». وفي « ج » : « محمّد بن يحيى ، عن

٣٧٠

قَالَ :

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه‌السلام : « قَالَ اللهُ : ابْنَ (١) آدَمَ ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ لِنَفْسِكَ مَا تَشَاءُ ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ فَرَائِضِي ، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلى مَعْصِيَتِي ، جَعَلْتُكَ سَمِيعاً بَصِيراً قَوِيّاً ( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (٢) وَذَاكَ (٣) أَنِّي أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ، وَذَاكَ (٤) أَنَّنِي (٥) لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٦) ». (٧)

٢٧ ـ بَابُ الِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ‌

٣٩٣ / ١. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ :

__________________

أحمد بن محمّد بن أبي نصر » وفي « جر » والمطبوع : « محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر ». وما ورد في « ج » سهو واضح ؛ لعدم ثبوت رواية محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

(١) هكذا في النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والوافي. وفي المطبوع : « [ يا ] ابن ».

(٢) النساء (٤) : ٧٩.

(٣) في « ب ، بف » والوافي وقرب الإسناد وفقه الرضا : « وذلك ».

(٤) في « ب ، بف » وقرب الإسناد وفقه الرضا : « ذلك ».

(٥) في « ج ، بر » وحاشية « بف » ومرآة العقول والوافي وقرب الإسناد : « أنّي ».

(٦) في الوافي : + « صدق الله ». وهي إشارة إلى الآية ٢٣ من سورة الأنبياء (٢١) : ( لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ).

(٧) قرب الإسناد ، ص ٣٥٤ ، ح ١٢٦٧ ، عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر. الكافي ، كتاب التوحيد ، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح ٤١٢ ، بسند آخر ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الرضا ، عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ؛ وفي التوحيد ، ص ٣٨٨ ، ح ٦ ؛ وعيون الأخبار ، ج ١ ، ص ١٤٤ ، ح ٤٩ ، بسنده فيهما عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر. وفي المحاسن ، ص ٢٤٤ ، كتاب مصابيح الظلم ، ذيل ح ٢٣٨ ، بسند آخر. تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ٢٥٨ ، ح ٢٠٠ ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه‌السلام. فقه الرضا عليه‌السلام ، ص ٣٤٩ ، وفي كلّها مع زيادة يسيرة في أوّله وآخره الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٤ ، ح ٤٣٠.

٣٧١

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، قَالَ : « مَا مِنْ قَبْضٍ وَلَا بَسْطٍ (١) إِلاَّ وَلِلّهِ فِيهِ مَشِيئَةٌ وَقَضَاءٌ وَابْتِلَاءٌ (٢) ». (٣)

٣٩٤ / ٢. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‌ءٌ فِيهِ قَبْضٌ أَوْ بَسْطٌ (٤) ـ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَوْ نَهى عَنْهُ ـ إِلاَّ وَفِيهِ لِلّهِ (٥) ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ابْتِلَاءٌ وَقَضَاءٌ (٦) ». (٧)

٢٨ ـ بَابُ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ‌

٣٩٥ / ١. مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ خَلَقَ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاءَ (٨) قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ ،

__________________

(١) في « ج » : « وبسط ».

(٢) في « ض » : « وابتلاء وقضاء ».

(٣) التوحيد ، ص ٣٥٤ ، ح ٢ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم. المحاسن ، ص ٢٧٩ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٠٣ ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٤ ، ح ٤٢٨.

(٤) في حاشية « بر » : « ولا بسط ».

(٥) في حاشية « بف » : « إلاّ ولله فيه ». وفي المحاسن والتوحيد : « إلاّ فيه من الله ».

(٦) قال العلاّمة الطباطبائي قدس‌سره : « لمّا تحقّق أنّ كلّ تكليف متعلّق بقبض أو بسط ، ففيه إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة ، والتشريع إنّما يتحقّق بالمصلحة في الفعل أو الترك الاختياري ، فلا يخلو التشريع عن ابتلاء وامتحان ؛ ليظهر بذلك ما في كمون العبد من الصلاح والفساد بالإطاعة والمعصية ، والإرادة التكوينيّة لاتخلو من قضاء ؛ فما من تكليف إلاّوفيه ابتلاء وقضاء ».

(٧) المحاسن ، ص ٢٧٨ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٠١ ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن أبان الأحمر ، عن حمزة بن طيّار. التوحيد ، ص ٣٥٤ ، ح ٣ ، بسنده عن أحمد بن محمّد بن خالد الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٤ ، ح ٤٢٩.

(٨) في « ب ، ج ، ف ، بر ، بس » وشرح صدر المتألّهين والتوحيد : « والشقاوة ».

٣٧٢

فَمَنْ خَلَقَهُ (١) اللهُ سَعِيداً (٢) ، لَمْ يُبْغِضْهُ أَبَداً ، وَإِنْ عَمِلَ شَرّاً ، أَبْغَضَ عَمَلَهُ وَلَمْ يُبْغِضْهُ ، وَإِنْ كَانَ شَقِيّاً ، لَمْ يُحِبَّهُ أَبَداً ، وَإِنْ عَمِلَ صَالِحاً ، أَحَبَّ عَمَلَهُ وَأَبْغَضَهُ ؛ لِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَحَبَّ اللهُ شَيْئاً ، لَمْ يُبْغِضْهُ أَبَداً ، وَإِذَا أَبْغَضَ (٣) شَيْئاً ، لَمْ يُحِبَّهُ أَبَداً (٤) ». (٥)

__________________

(١) في المحاسن والتوحيد : « علمه ».

(٢) « فمن خلقه سعيداً » أي خلقه عالماً بأنّه سيكون سعيداً ، يعني أنّه سبحانه يعلم في الأزل قبل إيجاد الخلائق حال ما يؤول إليه أحوالهم من السعادة والشقاوة. انظر : شرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩٨ ؛ شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٧٦ ؛ مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٦٦.

(٣) في « بح » : + « الله ».

(٤) قال العلاّمة الطباطبائي قدس‌سره : « ممّا لا شكّ فيه ولا ريب أنّ التربية مؤثّرة في الإنسان في الجملة ، وعلى ذلك بناء عمل النوع الإنساني في جميع أدوار حياته ، وأنّه يقرب بالتربية الجميلة إلى السعادة وبغيرها إلى غيرها بحسب ما يظنّ من معنى السعادة والشقاء ، وإنّ ذلك بواسطة الأفعال التي يرى الإنسان تمكّنه من فعلها وتركها ( الأفعال الاختياريّة ) ؛ فنسبة هذه الأفعال إلى الإنسان بالإمكان ( ممكن أن يفعل وأن لا يفعل ) ، وكذلك نسبة السعادة والشقاء ( وهما نتيجتا تراكم الأوصاف النفسانيّة الحاصلة من هذه الأفعال ) إليه بالإمكان ، هذا والإنسان أحد أجزاء علّة الفعل الصادر عنه كالأكل مثلاً ، فإنّ إرادة الإنسان أحد أجزاء العلّة التي يمكن صدور منه ، وإذا فرض مع إرادته وجود المادّة وقربها منه ، وصلاحية التناول ، وكذلك جميع ما يتوقّف عليه وجوده من الشرائط وارتفاع الموانع من غير استثناء أصلاً ، كان الفعل واجب الصدور ضروريّ الوجود ( لايمكن أن لايقع ) ؛ إذا عرفت هذا ظهر لك أنّ السعادة والشقاء اللذين يلحقان الإنسان بواسطة أفعاله الاختياريّة إذا نسبا إلى الإنسان فقط كانت النسبة فيها الإمكان والاختيار ، وإذا نسبا إلى مجموع العلّة التامّة التي أحد أجزائها الإنسان كانت النسبة الضرورة والحتم ، وأنت تعلم أنّ القضاء هو علم الله تعالى وحكمه من جهة العلل التامّة ، فمن هنا تعلم أنّ كلّ إنسان مقضيّ في حقّه السعادة أو الشقاء قضاء لايردّ ولا يبدّل ، ولا ينافي ذلك إمكان اختياره السعادة والشقاء ، فقوله عليه‌السلام : « إنّ الله خلق السعادة والشقاء قبل أن يخلق خلقه » إلخ ، معناه : أنّه تعالى علم أنّ العلل التامّة ماذا يوجب في حقّ الإنسان من سعادة وشقاء ، وحكم بذلك ، ولا ينافي ذلك كون الأفعال اختياريّة للإنسان ، وكذا السعادة والشقاء اللاحقان له من جهة أفعاله ، والله تعالى يحبّ الجميل ، ويبغض القبيح الشرير ؛ فمن كان سعيداً أحبّ الله ذاته وإن كان ربّما يصدر عنه الفعل القبيح المبغوض ، ومن كان شقيّاً أبغض ذاته وإن كانت ربّما يصدر عنه الفعل الحسن المحبوب.

وبهذا البيان يظهر معنى الروايتين التاليتين أيضاً ، فحُكمُ الله تعالى وقضاؤه يتبع العلّة التامّة للشي‌ء ، التي لا يتخلّف عنها ، وأمّا حكم الناس وقضاؤهم فيتبع علمهم الناقص ببعض جهات الشي‌ء ، وشطراً من أجزاء علّته الموجودة ، ولذلك ربّما يتخلّف ، فيختم لبعض من هو سعيد عندهم بالشقاء ، ولبعض من هو شقيّ عندهم بالسعادة ».

(٥) المحاسن ، ص ٢٧٩ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٠٥ ؛ والتوحيد ، ص ٣٥٧ ، ح ٥ ، بسندهما عن صفوان بن

٣٧٣

٣٩٦ / ٢. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ ، عَنْ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام جَالِساً وَقَدْ سَأَلَهُ سَائِلٌ ، فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ، مِنْ أَيْنَ لَحِقَ الشَّقَاءُ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ حَتّى حَكَمَ اللهُ (١) لَهُمْ فِي عِلْمِهِ بِالْعَذَابِ عَلى عَمَلِهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام : « أَيُّهَا السَّائِلُ ، حُكْمُ (٢) اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَايَقُومُ (٣) لَهُ (٤) أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَقِّهِ ، فَلَمَّا حَكَمَ (٥) بِذلِكَ ، وَهَبَ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ الْقُوَّةَ عَلى مَعْرِفَتِهِ ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ ثِقَلَ (٦) الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ مَا هُمْ أَهْلُهُ ، وَوَهَبَ لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ الْقُوَّةَ عَلى مَعْصِيَتِهِمْ (٧) ؛ لِسَبْقِ عِلْمِهِ فِيهِمْ ، وَمَنَعَهُمْ (٨) إِطَاقَةَ الْقَبُولِ مِنْهُ (٩) ، فَوَاقَعُوا (١٠) مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا حَالاً تُنْجِيهِمْ (١١) مِنْ عَذَابِهِ ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ (١٢)

__________________

يحيى الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٧ ، ح ٤٣٢.

(١) في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » والوافي والتوحيد : ـ « الله ».

(٢) في التوحيد : « علم ».

(٣) في « ف » والوافي والتوحيد : « ألاّ يقوم ». وعلى هذه النسخة « حكم » فعل ماض.

(٤) في التوحيد : ـ « له ».

(٥) في التوحيد : « علم ».

(٦) « الثقل » ـ بسكون القاف ـ : الوزن ، وبفتحها بمعنى ضدّ الخفّة ، وهو المراد هنا.

(٧) في « بر » والوافي : « معصيته ».

(٨) قوله : « منعهم » ، هو مصدر مضاف إلى الفاعل عطفاً على ضمير « فيهم » ، أو عطفاً على « السبق » واللام للعاقبة ، أو مضاف إلى المفعول والفاعل هو الله تعالى. والمراد سلب التوفيق والإعانة عنهم بسبب إبطالهم الاستعداد الفطري لإطاقة القبول منه. أو هو فعل ماض. والمراد ترك الألطاف الخاصّة. انظر : شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٨٣ ؛ مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٦٩.

(٩) في التوحيد : « ولم يمنعهم إطاقة القبول منه ؛ لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق » بدل « منعهم إطاقة القبول منه ».

(١٠) هكذا في النسخ التي قوبلت وحاشية ميرزا رفيعا وشرح المازندراني والوافي. وفي المطبوع والتوحيد : « فوافقوا ».

(١١) في « ب » : « تنجّينّهم ». وفي شرح صدر المتألّهين : « ينجيهم ».

(١٢) في التوحيد : « وإن قدروا أن يأتوا خلالاً تنجيهم عن معصيته » بدل « ولم يقدروا ـ إلى ـ بحقيقة التصديق ».

٣٧٤

وَهُوَ مَعْنى « شَاءَ مَا شَاءَ » وَهُوَ سِرُّهُ (١) ». (٢)

٣٩٧ / ٣. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ مُعَلّى أَبِي عُثْمَانَ (٣) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، أَنَّهُ قَالَ : « يُسْلَكُ بِالسَّعِيدِ فِي طَرِيقِ الْأَشْقِيَاءِ حَتّى يَقُولَ النَّاسُ (٤) : مَا أَشْبَهَهُ بِهِمْ ، بَلْ هُوَ مِنْهُمْ! ثُمَّ يَتَدَارَكُهُ (٥) السَّعَادَةُ. وَقَدْ يُسْلَكُ بِالشَّقِيِّ طَرِيقَ السُّعَدَاءِ حَتّى يَقُولَ النَّاسُ : مَا أَشْبَهَهُ بِهِمْ ، بَلْ هُوَ مِنْهُمْ! ثُمَّ يَتَدَارَكُهُ الشَّقَاءُ ؛ إِنَّ مَنْ كَتَبَهُ اللهُ سَعِيداً ـ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ فُوَاقُ (٦) نَاقَةٍ ـ خَتَمَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ ». (٧)

٢٩ ـ بَابُ (٨) الْخَيْرِ وَالشَّرِّ‌

٣٩٨ / ١. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ ، قَالَ :

__________________

(١) في التوحيد : « سرّ ».

(٢) التوحيد ، ص ٣٥٤ ، ح ١ ، بسنده عن الكليني الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٩ ، ح ٤٣٣.

(٣) هكذا في « ألف ، ب ، ج ، بس ، بف ، جر » ، وحاشية « ض ، ف » والوافي والمحاسن والتوحيد. وفي « ض ، ف ، بر » والمطبوع : « معلّى بن عثمان ». وفي « و ، بح » وحاشية « ج » : « معلّى بن أبي عثمان ».

هذا ، ومعلّى هذا ، هو معلّى بن عثمان أبوعثمان الأحول. راجع : رجال النجاشي ، ص ٤١٧ ، الرقم ١١١٥ ؛ الفهرست للطوسي ، ص ٤٦٠ ، الرقم ٧٣٣.

(٤) في المحاسن : + « كأنّه منهم ».

(٥) في « ض ، بس » : « تتداركه ». وفي المحاسن : « تداركه ».

(٦) فُواق الناقة وفَواقها ، هو ما بين الحَلْبتين من الوقت ؛ لأنّ الناقة تُحلب ثمّ تترك وقتاً يرضعها الفَصيل لتُدرَّ ، ثمّ تحلب ، أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع. ويجوز هاهنا فيه النصب والرفع. انظر : القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٢١٩ ( فوق ) ؛ التعليقة للداماد ، ص ٣٧٤.

(٧) المحاسن ، ص ٢٨٠ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٠٩ ، عن النضر بن سويد ، مع زيادة في أوّله. التوحيد ، ص ٣٥٧ ، ح ٤ ، بسنده عن أحمد بن محمّد بن خالد الوافي ، ج ١ ، ص ٥٣١ ، ح ٤٣٤.

(٨) في « ب » وحاشية بدرالدين : + « خلق ».

٣٧٥

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام يَقُولُ : « إِنَّ مِمَّا أَوْحَى اللهُ إِلى مُوسى (١) عليه‌السلام ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي التَّوْرَاةِ : أَنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وَخَلَقْتُ الْخَيْرَ ، وَأَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْ مَنْ أُحِبُّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْهِ ، وَأَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وَخَلَقْتُ الشَّرَّ ، وَأَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْ مَنْ أُرِيدُهُ ، فَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْهِ (٢) ». (٣)

٣٩٩ / ٢. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه‌السلام يَقُولُ : « إِنَّ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ (٤) كُتُبِهِ : أَنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَيْرَ ، وَخَلَقْتُ الشَّرَّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ : كَيْفَ ذَا؟ وَكَيْفَ ذَا؟ (٥) ». (٦)

٤٠٠ / ٣. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ كَرْدَمٍ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ، قَالَ : « قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنَا ، خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ : كَيْفَ ذَا؟ وَكَيْفَ هذَا (٧)؟ ». (٨)

__________________

(١) في « ف » : + « بن عمران ».

(٢) قال العلاّمة الطباطبائي قدس‌سره : « يظهر معني الرواية من الرجوع إلى معنى الرواية الاولى من الباب السابق ، فسعادة أهل السعادة مقضيّة وهم محبوبون لله ، والخير جارٍ على أيديهم بإجراء الله ، وشقاء أهل الشقاء مقضىّ منه وهم غير محبوبين ؛ والشرّ جارٍ على أيديهم بإرادة من الله ، وإن اتّفق فعل شرّ من السعداء أو فعل خير من الأشقياء ، لم يكن حبّ ذلك الفعل أو بغضه منافياً لبغض الذات أو حبّه ».

(٣) المحاسن ، ص ٢٨٣ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤١٤ الوافي ، ج ١ ، ص ٥٣٣ ، ح ٤٣٥.

(٤) في « بح » وحاشية « ج » : « في ».

(٥) في « بس » : « كيف هذا » بدل « كيف ذا وكيف ذا ».

(٦) المحاسن ، ص ٢٨٣ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤١٥ ، عن أبيه ، عن أبي عمير الوافي ، ج ١ ، ص ٥٣٣ ، ح ٤٣٦.

(٧) في « بر ، بف » والوافي : « كيف هذا » بدل « كيف ذا وكيف هذا ».

(٨) المحاسن ، ص ٢٨٣ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤١٦ ، بسند آخر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، مع اختلاف الوافي ،

٣٧٦

قَالَ يُونُسُ (١) : يَعْنِي مَنْ يُنْكِرُ هذَا الْأَمْرَ بِتَفَقُّهٍ فِيهِ (٢).

٣٠ ـ بَابُ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ وَالْأَمْرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ‌

(٣) ٤٠١ / ١. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا رَفَعُوهُ ، قَالَ :

« كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه‌السلام جَالِساً بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ (٤) مِنْ صِفِّينَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ فَجَثَا (٥) بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إِلى أَهْلِ الشَّامِ ، أَبِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ وَقَدَرٍ؟ فَقَالَ لَهُ (٦) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه‌السلام : أَجَلْ يَا شَيْخُ ، مَا عَلَوْتُمْ‌

__________________

ج ١ ، ص ٥٣٣ ، ح ٤٣٧.

(١) في مرآة العقول : « قوله : قال يونس ، كلام محمّد بن عيسى ، وهو تفسير لقوله عليه‌السلام : من يقول : كيف ذا وكيف ذا ».

(٢) في حاشية بدرالدين والوافي : « يتفقّه فيه ». وقوله : « بتفقّه فيه » أو « يتفقّه فيه » إمّا حال عن فاعل ينكر ، والمعنى : يترتّب الويل لمنكر هذا الأمر مدّعياً التفقّه في الإنكار والعلمَ بخلاف ذلك الأمر ، أي لمن يجتهد بعقله ويقول برأيه. وإمّا « يتفقّه فيه » جواب « من » والمعنى : أنّ من كان في نفسه إنكار هذا الأمر يجب عليه أن يتفقّه فيه حتّى يعلم أنّه الحقّ وإلاّ استحقّ الويل والعذاب. انظر شروح الكافي.

(٣) اختلف في انتساب أفعال العباد على أقوال :

الأوّل : هي منتسبة إلى الله تعالى ، بمعنى جبر الله تعالى إيّاهم على الأفعال من غير أن يكون لهم مدخل فيها. هذا هو الجبر ، وهو مذهب الأشاعرة.

الثاني : هي منتسبة إليهم على وجه الاستقلال من غير تصرّف له تعالى أصلاً. وهذا هو القَدَر والتفويض ، وهو مذهب طائفة من المعتزلة.

الثالث : لا هذا ولا ذاك ، بل طريق متوسّط بينهما ، وهو أنّ أفعالهم بقدرتهم واختيارهم مع تعلّق قضاء الله وقدره وإرادته بها. وهذا هو الأمر بين الأمرين ، وهو مذهب الإماميّة تبعاً لأهل البيت :. انظر : شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٢ ـ ٤.

(٤) في شرح صدر المتألّهين ، ص ٤٠٣ : « المُنْصَرَف ، قد يجي‌ء بمعنى المكان ، وقد يجي‌ء بمعنى المصدر. والثاني هو المراد هاهنا. وهكذا لفظ المسير والمنقلب والمقام. والمراد بكلّ منهما هو المعنى المصدري ». والأظهر عند المازندراني في شرحه كونها أسماء الزمان أو المكان فقط ؛ للصون عن التكرار.

(٥) جثا يجثو ، أي جلس على رُكبتيه ، أو قام على أطراف أصابعه. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٦٦ ( جثو ).

(٦) هكذا في « ب ، ج ، ض ، بر ، بس ، بف » والوافي. وفي سائر النسخ والمطبوع : ـ « له ».

٣٧٧

تَلْعَةً (١) وَلَا هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلاَّ بِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ وَقَدَرٍ.

فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : عِنْدَ اللهِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي (٢) يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ : مَهْ يَا شَيْخُ ، فَوَ اللهِ ، لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ لَكُمُ (٣) الْأَجْرَ فِي مَسِيرِكُمْ وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ ، وَفِي مُقَامِكُمْ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ ، وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ ، وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْ‌ءٍ مِنْ حَالَاتِكُمْ مُكْرَهِينَ ، وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ.

فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : وَكَيْفَ لَمْ نَكُنْ فِي شَيْ‌ءٍ مِنْ حَالَاتِنَا مُكْرَهِينَ ، وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ ، وَكَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَسِيرُنَا وَمُنْقَلَبُنَا وَمُنْصَرَفُنَا؟!

فَقَالَ لَهُ : وَتَظُنُّ (٤) أَنَّهُ كَانَ قَضَاءً حَتْماً ، وَقَدَراً لَازِماً ؛ إِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذلِكَ ، لَبَطَلَ (٥) الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالزَّجْرُ مِنَ اللهِ (٦) ، وَسَقَطَ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، فَلَمْ تَكُنْ (٧) لَائِمَةٌ لِلْمُذْنِبِ ، وَلَا مَحْمَدَةٌ لِلْمُحْسِنِ ، وَلَكَانَ المُذْنِبُ أَوْلى بِالْإِحْسَانِ مِنَ الْمُحْسِنِ ، وَلَكَانَ (٨) الْمُحْسِنُ أَوْلى بِالْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ ، تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، وَخُصَمَاءِ الرَّحْمنِ ،

__________________

(١) « التَلْعَة » : ما ارتفع من الأرض. وقيل : هو من الأضداد ، فيطلق على ما انهبط منها أيضاً. انظر : الصحاح ، ج ٣ ، ص ١١٩٢ ( تلع ).

(٢) « العناء » : التعب والمشقّة. وهذا الكلام يحتمل الاستفهام والإخبار. والمعنى : هل أو كيف عند الله أحتسب‌عنائي ومشقّتي وأنا مضطرّ؟ أو المعنى : فلا نستحقّ شيئاً ولعلّ الله يعطينا بفضله. انظر شروح الكافي والصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٤٤٠ ( عنو ).

(٣) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني والوافي. وفي‌المطبوع : ـ « لكم ».

(٤) في « بح » : « فتظنّ ». وفي شرح المازندراني : « وتظنّ ، الواو للعطف على مقدّر ، أي أظننت قبل الجواب بأنّ لكم‌الأجر العظيم ، وتظنّ بعده أنّ سيركم وانقلابكم وانصرافكم وغيرها ممّا تعلّق به القضاء والقدر كان قضاء حتماً؟ ».

(٥) في « ب » : « بطل ».

(٦) في مرآة العقول : « زواجر الله : بلاياه النازلة على العصاة بإزاء عصيانهم ، وأحكامه في القصاص والحدود ونحوذلك ».

(٧) في « ف ، بح » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني : « فلم يكن ».

(٨) في « ب ، ف ، بف » : « وكان ».

٣٧٨

وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ ، وَقَدَرِيَّةِ هذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسِهَا ، إِنَّ اللهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ كَلَّفَ تَخْيِيراً (١) ، وَنَهى تَحْذِيراً ، وَأَعْطى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيراً ، وَلَمْ يُعْصَ (٢) مَغْلُوباً ، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً (٣) ، وَلَمْ يُمَلِّكْ (٤) مُفَوِّضاً ، وَلَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ، وَلَمْ يَبْعَثِ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ عَبَثاً ( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ ) (٥) ، فَأَنْشَأَ‌

__________________

(١) في شرح صدر المتألّهين ، ص ٤٠٥ : « تخييراً ، مصدر سدّ مسدّ الخبر ، أي حال كونهم مختارين. وتحذيراً ، مفعول له ».

(٢) في مرآة العقول : « يمكن أن يقرأ الفعلان ـ أي لم يعص ولم يطع ـ على بناء الفاعل ويكون الفاعل المطيع‌والعاصي ، وهما بعيدان ».

(٣) قوله : « مكرهاً » إمّا اسم فاعل ، أو اسم مفعول بمعنى المصدر. انظر : شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ١٤ ؛ مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٨١.

(٤) في مرآة العقول : « لم يملّك ، على بناء التفعيل ، والمفعول القدرة والإرادة والاختيار. أو على بناء الإفعال ؛ بمعنى إعطاء السلطنة ».

(٥) ص (٣٨) : ٢٧. وقال العلاّمة الطباطبائي قدس‌سره : « مسألة القضاء والقدر من أقدم الأبحاث في تاريخ الإسلام ، اشتغل به المسلمون في أوائل انتشار الدعوة الإسلاميّة وتصادفها مع أنظار الباحثين من علماء الملل والأديان ، ولمّا كان تعلّق القضاء الحتم بالحوادث ومن بينها بالأفعال الاختياريّة من الإنسان يوجب بحسب الأنظار العامّية الساذجة ارتفاع تأثير الإرادة في الفعل ، وكون الإنسان مجبوراً في فعله غير مختار ؛ تشعّب جماعة الباحثين ( وهم قليل البضاعة في العلم يومئذٍ ) علي فرقتين :

إحداهما ـ وهم المجبّرة ـ أثبتوا تعلّق الإرادة الحتميّة الإلهيّة بالأفعال كسائر الأشياء ، وهو القدر ، وقالوا بكون الإنسان مجبوراً غير مختار في أفعاله ، والأفعال مخلوقة لله‌تعالى ، وكذا أفعال سائر الأسباب التكوينيّة مخلوقة له.

وثانيتهما ـ وهم المفوّضة ـ أثبتوا اختياريّة الأفعال ، ونفوا تعلّق الإرادة الإلهيّة بالأفعال الإنسانيّة ، فاستنتجوا كونها مخلوقة للإنسان. ثمّ فرّع كلّ من الطائفتين على قولهم فروعاً ، ولم يزالوا على ذلك حتّى تراكمت هناك أقوال وآراء يشمئزّ منها العقل السليم ، كارتفاع العلّيّة بين الأشياء ، وخلق المعاصي ، والإرادة الجزافيّة ، ووجود الواسطة بين النفي والإثبات ، وكون العالم غير محتاج في بقائه إلى الصانع ، إلى غير ذلك من هوساتهم.

والأصل في جميع ذلك عدم تفقّههم في فهم تعلّق الإرادة الإلهيّة بالأفعال وغيرها ، والبحث فيه طويل الذيل لايسعه المقام علي ضيقه ، غير أنّا نوضح المطلب بمَثَل نضربه ، ونشير به إلى خطأ الفرقتين ، والصواب الذي

٣٧٩

__________________

غفلوا عنه ؛ فلنفرض إنساناً اوتي سعة من المال والمنال والضياع والدار والعبيد والإماء ، ثمّ اختار واحداً من عبيده ـ وزوّجه إحدى جواريه ـ وأعطاه من الدار والأثاث ما يرفع حوائجه المنزليّة ، ومن المال والضياع ما يسترزق به في حياته بالكسب والتعمير.

فإن قلنا : إنّ هذا الإعطاء لايؤثّر في تملّك العبد شيئاً والمولى هو المالك وملكه بجميع ما أعطاه قبل الإعطاء وبعده على السواء ، كان ذلك قول المجبّرة.

وإن قلنا : إنّ العبد صار مالكاً وحيداً بعد الإعطاء وبطل به ملك المولى ، وإنّما الأمر إلى العبد يفعل ما يشاء في ملكه ، كان ذلك قول المفوّضة.

وإن قلنا ـ كما هو الحقّ ـ : إنّ العبد يتملّك ما وهبه له المولى في ظرف ملك المولى وفي طوله لا في عرضه ، فالمولى هو المالك الأصلي والذي للعبد ملك في ملك ، كما أنّ الكتابة فعل اختياري منسوب إلى يد الإنسان وإلى نفس الإنسان ، بحيث لايبطل إحدى النسبتين الاخرى ، كان ذلك القول الحقّ الذي يشير عليه‌السلام إليه في هذا الخبر.

فقوله عليه‌السلام : « لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب » إلى قوله : « وأعطى على القليل كثيراً » إشارة إلى نفي مذهب الجبر بمحاذير ذكرها عليه‌السلام ، ومعناها واضح.

وقوله : « ولم يعص مغلوباً » إشارة إلى نفي مذهب التفويض بمحاذيرها اللازمة ؛ فإنّ الإنسان لو كان خالقاً لفعله ، كان مخالفته لما كلّفه الله من الفعل غلبة منه على الله سبحانه.

وقوله : « ولم يطع مكرهاً » نفي للجبر ، ومقابلة للجملة السابقة ؛ فلو كان الفعل مخلوقاً لله ـ وهو الفاعل ـ فقد أكره العبد على الإطاعة.

وقوله : « ولم يملك مفوّضاً » بالبناء للفاعل وصيغة اسم الفاعل ، نفي للتفويض ، أي لم يملك الله ما ملّكه العبد من الفعل بتفويض الأمر إليه وإبطال ملك نفسه.

وقوله عليه‌السلام : « ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيين مبشّرين ومنذرين عبثاً » الجملتان يحتمل أن يشار بهما إلى نفي كلّ من الجبر والتفويض ؛ فإنّ الأفعال إذا كانت مخلوقة لله‌قائمة به سبحانه ، كان المعاد الذي هو غاية الخلقة أمراً باطلاً ؛ لبطلان الثواب والعقاب إلى آخر ما ذكره عليه‌السلام ، وكان بعث الرسل لإقامة الحجّة وتقدمة القيامة عبثاً ، ولا معنى لأن يقيم تعالى حجّة على فعل نفسه ، وإذا كانت مخلوقة للإنسان ولا تأثير لله‌سبحانه فيها ، لزم أن تكون الخلقة لغاية لايملك الله تعالى منه شيئاً وهو الباطل ، وبعث الرسل لغرض الهداية التي لايملكها إلاّ الإنسان ليس لله‌فيها شأن وهو العبث.

واعلم أنّ البحث عن القضاء والقدر كان في أوّل الأمر مسألة واحدة ، ثمّ تحوّلت ثلاث مسائل أصليّة :

الاولى : مسألة القضاء وهو تعلّق الإرادة الإلهيّة الحتميّة بكلّ شي‌ء ، والأخبار تقضي فيها بالإثبات ، كما مرّ في الأبواب السابقة.

٣٨٠