حاشية فرائد الأصول

الشيخ آقا رضا الهمداني

حاشية فرائد الأصول

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: محمّد رضا الأنصاري القمّي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

من غير ملاحظة الترجيح ، كما أنّ الشأن كذلك في اخبار الآحاد لو أوجبنا التعبّد بصدور كلّ منها في محلّ المعارضة ، تحكيما لأدلّة أصالة الصدور على أصالة الظهور ، لكنّك ستعرف إن شاء الله في محلّه ضعفه.

وإن لم نقل بجواز الاستدلال بكلّ منها في محلّ التعارض ، بأن خصّصنا أدلّة اعتبارها بغير هذا الفرض ، وجب الرجوع إلى المرجّحات ، بناء على ثبوت الترجيح في سائر الأدلّة الظنّية عند المعارضة ، لا في خصوص الاخبار تعبّدا ، ثمّ التوقّف في محلّ التعارض أو التخيير ، كما في الخبرين المتعارضين ، على احتمال ضعيف كما ستعرفه في باب التعادل والتراجيح ، ولو أراد من جواز الاستدلال بكلّ قراءة جوازه من حيث هي ـ كما قد ينسبق إلى الذهن في بادئ الرأي ـ لا يستقيم شيء ممّا ذكره ، كما لا يخفى على المتأمّل.

قوله قدس‌سره : لعدم جريان أصالة عدم الغفلة في حقّهم مطلقا (١).

أقول : وجهه واضح إذ لا شكّ في غفلتهم حين صدور الكلام عن أصل الخطاب ، فضلا عمّا اكتنف به من القرائن الحالية أو المقالية.

نعم ، ربّما يجري في حقّهم أيضا إذا نقل إليهم الخطاب بواسطة أو وسائط ، فعرضهم الشّك في غفلة الوسائط ، أو غفلتهم عمّا نقل إليهم الواسطة من القرائن ، لكن لا يتمشّى هذا في مثل القرآن المعلوم انحصاره فيما بين الدّفتين ، كما أنّه قد يشكّ في غفلتهم عن الخصوصيات المحفوفة بالكلام ممّا يؤثّر في اختلاف المفاد ، كتقديم ما يستحقّ التأخير ونحوه ، ولكن هذا أجنبيّ عمّا تعلّق به غرض المفصّل ، فانّه إن جرى أصالة عدم الغفلة بالنسبة إلى مثل هذه الامور ، ممّا له دخل بفهم مدلول الكلام من

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٤٣ سطر ٧ ، ١ / ١٦٦.

١٠١

حيث هو ، فلا يتفاوت الحال في ذلك بين كونه مقصودا بالافهام وعدمه ، كما هو واضح.

هذا ، ولكن توجيه كلام المفصّل بالتفصيل بين أصالة عدم الغفلة وبين مطلق أصالة عدم القرينة لا يخلو من نظر ، إذ الظاهر أنّ هذا المفصّل ملتزم باعتبار اصالة عدم القرينة في حقّ من قصد إفهامه ، سواء كان شكّه ناشئا عن احتمال غفلته عن خصوصيّات الكلام ، أو ما كشف بها من القرائن أم لا ، كما لو علم المخاطب بأنّه لم يكن حين التخاطب ملتفتا إلى بعض الجهات ـ ككون المتكلّم مشيرا بيده إلى شيء ، أو كون شخص حاضرا في مجلسه ، أو متقدّما ذكره بحيث يعيّن إرادته من الإطلاق ، أو كون حاله مقتضيا لإرادة معنى مجازي من اللفظ ، أو نحو ذلك من الامور التي يحتمل تحقّقه حال الخطاب ، ويعلم بأنّه على تقدير التحقيق لم يكن ملتفتا إليه ـ فلا يجري في حقّه أصالة عدم الغفلة ، مع أنّه لا يظنّ بالمفصّل إنكار اعتبار اصالة عدم القرينة في مثل هذه الفروض التي لا يكون الشّك فيها مسبّبا عن احتمال الغفلة ، فالظاهر أنّ المفصّل استند في هذا التفصيل إلى ما يقتضيه دليل الحكمة ، من قبح الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه ، حيث أنّ هذا لا يقتضي القبح إلّا إذا كان ترك القرينة مخلّا بما قصد من التفهيم ، فإن كان مقصوده بالخطاب أعمّ من الحاضرين والغائبين والموجودين والمعدومين ، ويجب أن يكون الكلام الموجّه إليهم على وجه يفهمون جميعا مراد المتكلّم ، بأن لا يعتمد المتكلّم في إبراز مقصوده على قرينة حالية أو مقالية ، أو غيرها من الأشياء التي يختصّ بمعرفتها بعض دون بعض ، بل عليه أن يلقي كلامه على وجه يفهمه كلّ أحد كتصنيف المصنّفين ، وهذا بخلاف ما لو لم يقصد بالافهام إلّا الحاضرين ، فانّه يجوز حينئذ اعتماده على القرائن الحالية والمقالية ، بل يجوز أمرهم بتكليف على سبيل التخيير ، مع كونه في الواقع واجبا مشروطا ، إذا كانوا واجدين للشرط ، وهذا بخلاف ما لو كان الخطاب عامّا لسائر الناس كما هو واضح ،

١٠٢

فعلى هذا ليس لغير من قصد افهامه التعويل على الظاهر ، ولو مع القطع بعدم القرينة ، فضلا عمّا لو احرز ذلك بأصل العدم.

هذا ، مع إمكان منع اعتبار اصالة عدم القرينة في حقّ غير من قصد افهامه ، بدعوى أن اعتبارها من باب الظّن النوعي ، وهي إنّما تفيد نوع الظّن بالعدم ، فيما إذا صدر الشّك في القرينة ممّن قصد إفهامه ، حيث أنّ الغالب أنّ القرائن التي يعوّل عليها المتكلّم في إفهامه لا يختفي عليه ، وهذا بخلاف الأجنبيّ فانّه غالبا لا يعلم بقرائن الأحوال ونظائرها.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التفصيل.

ويضعّفه ما نبّه عليه المصنّف قدس‌سره من مخالفته لسيرة العقلاء والعلماء في فهم مداليل الألفاظ ، وسنشير في مبحث الاستصحاب عند البحث عن اعتياده من باب بناء العقلاء ، إلى ما هو السرّ في عدم الاعتناء باحتمال القرينة ونحوها من الامور المقتضية لإرادة خلاف الظاهر ، وعدم ابتنائه على إفادته الظّن ، من غير فرق في ذلك بين المخاطب وغيره.

* * *

١٠٣

[في حجّية الإجماع المنقول]

قوله قدس‌سره : نظير العلم الحاصل من الحوّاس الظّاهرة ... الخ (١).

[أقول] : أي بأن يكون حصول الحدس من تلك المبادئ ، كحصول العلم بالمحسوسات بواسطة الاحساس.

قوله قدس‌سره : فظهر من ذلك أنّ نسبة السيّد قدس‌سره ... الخ (٢).

أقول : وظهر من ذلك أنّ المفيد أيضا أضافه إلى المذهب اعتمادا على كونه مرويّا عن الأئمّة عليهم‌السلام ، ولا يحلّ في مذهبنا ردّ رواياتهم بعد ثبوتها.

* * *

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٥٣ سطر ١٨ ، ١ / ١٩٩.

(٢) فرائد الأصول : ص ٥٦ سطر ١ ، ١ / ٢٠٥.

١٠٤

[في حجّية الخبر الواحد]

قوله قدس‌سره : بل لا يبعد كونه ضروريّ المذهب (١).

أقول : قد قرّرنا في محلّه أنّ مثل هذه المسائل التي نشأت معروفيّتها لدى المتشرّعة ، ومغروسيّتها في أذهانهم ، من اتّفاق الأصحاب قولا وفعلا ، ليست من الضروريّات التي يوجب إنكارها الكفر أو الخروج عن المذهب.

نعم ، صدور كثير من هذه الأخبار عن الأئمّة عليهم‌السلام ، من الامور القطعيّة التي لا يرتاب فيه أحد ، ووجوب العمل بما صدر عنهم ضروريّ المذهب ، لكن بشرط العلم به تفصيلا ، وامّا إجمالا ـ كما في الفرض ـ فلا ، كيف وقد عرفت فيما سبق أنّ كون العلم الإجمالي كالتفصيلي منجرّا للتكليف من المسائل الخلافية.

قوله قدس‌سره : فعن الرواية الاولى ... الخ (٢).

أقول : لا يخفى أنّ ما ذكره قدس‌سره إنّما هو جواب اسكاتي ، والحقّ في الجواب ـ بناء

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٦٧ سطر ٩ ، ١ / ٢٣٩.

(٢) فرائد الأصول : ص ٦٩ سطر ٥ ، ١ / ٢٤٦.

١٠٥

على المختار من حجّية خبر الثقة ـ أنّ أدلّة نصب الطرق حاكمة على مثل هذه الرواية ، كما أنّها حاكمة على مثل قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه» ، وقوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله» كما لا يخفى.

قوله قدس‌سره : فالأخبار المخصّصة لها كلّها ... الخ (١).

أقول : مراده بالأخبار المخصّصة بحسب الظاهر ، هي السّنة القطعيّة التي اقتصر في تخصيص العمومات عليها بزعم المعترض ، فمراده بهذا التفريع أنّ هذه الأخبار المخصّصة كلّها ، وكذا كثير من عمومات السّنة القطعيّة المقتضية بعمومها لإثبات أحكام منافية لعمومات الكتاب ، كأدلة نفي الضّرر ، وسلطنة الناس على أموالهم ونحوها ، بأسرها مخالفة للكتاب ، ولكن يجب العمل بها مع مخالفتها للكتاب ، بارتكاب التخصيص في عموماته بالأخبار المخصّصة ، والجمع بينها وبين عمومات السّنة المخالفة لها بما يقتضيه المرجّحات الخارجية أو الداخلية ، لكونها قطعيّة ، فيمتنع أن يعمّها الأخبار الآمرة بطرح الأخبار المخالفة للكتاب ، فلو كانت ظنية لعمّتها تلك الأخبار.

قوله قدس‌سره : والثاني أنّه تعالى أمر بالتثبّت ... الخ (٢).

أقول : حاصل الاستدلال أنّه تعالى جعل موضوع وجوب التثبّت مجيء فاسق بنبإ ، ومعلوم أنّ الموضوع علّة تامّة للحكم ، فإذا جعله من آثار هذا الموضوع العرضي ومعلولاته ، يكشف ذلك عن عدم صلاحية الذات للعليّة والموضوعية ، وإلّا لكانت الذّات أولى بذلك ، وبما ذكرنا من التقريب ظهر اندفاع ما ربّما يتوهّم من أنّ ما ذكره من التعبير ينافي ما سيظهر منه ، من كونه استدلالا بمفهوم الصّفة ، مع أنّ ما

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٦٩ سطر ١١ ، ١ / ٢٤٧.

(٢) فرائد الأصول : ص ٧١ سطر ٧ ، ١ / ٢٥٤.

١٠٦

ذكره من التقرير استناد إلى مفهوم العلّة.

توضيح الاندفاع : إنّ ما ذكره ليس منافيا ، بل مؤكّد لاستفادة المفهوم من الوصف ، لكونه إشارة إلى نكتة زائدة ، فكأنّه قال في قولك «أكرم زيدا العالم» أنّ تعليق الحكم على العالم يكشف عن أنّ علّة وجوب الإكرام إمّا العلم بخصوصه ، أو له دخل في العلّة ، وإلّا لو كان ذات الموصوف من حيث هي موضوعة للحكم وعلّة لثبوته مع أنّه يوجب عراء ذكر الوصف عن الفائدة ، يلزم استناد الحكم إلى العرضي ، مع صلاحيّة الذّات لذلك ، وهو قبيح ، فليتدبّر.

قوله قدس‌سره : ففيه أنّ مفهوم الشرط ... الخ (١).

أقول : يعني مفهومه شأنا ، وإلّا فليس للشرطية على ما هو المفروض مفهوم.

توضيح المقام : انّ القضية الشرطية يستفاد منها حكمان إيجابيّ وسلبيّ لموضوع مذكور ، فقولك «إن جاءك زيد فاكرمه» يستفاد منه وجوب إكرام زيد عند مجيئه ، وعدمه عند عدم المجيء ، وهذه الاستفادة إنّما تكون في الموضوع الصّالح للاتّصاف بكلا الحكمين ، وامّا لو لم يصلح إلّا للاتّصاف بالحكم الإثباتي فلا يستفاد منه إلّا هذا ، مثلا لو قال «أكرم زيدا إن وجد» لا يفهم منه عرفا حكمه بعدم الوجوب لو لم يوجد زيد ، فعدم صلاحية الموضوع للاتّصاف بالعقد السلبي من القرائن العامّة الدالّة على عدم إرادة التعليق الحقيقي من الشرطية ، وأنّها مسوقة لبيان ثبوت مجرّد الجزاء عند حصول الشرط.

وامّا إذا كان الموضوع صالحا للاتّصاف بكلا الحكمين ، فكثيرا ما أيضا يراد هذا المعنى ، لا التعليق الحقيقي ـ كقولك «إن رأيت زيدا في السوق ، أو أتاك اليوم ، أو

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٧٢ سطر ٦ ، ١ / ٢٥٧.

١٠٧

واجهك في الطريق ، اعطه حقّه» إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تحصى ـ إلّا أنّ حمل اللفظ على هذا المعنى في مثل هذه الموارد يحتاج إلى القرينة الخارجية ، وهذا بخلاف القسم الأوّل.

قوله قدس‌سره : أنّا ندّعي التعارض ... إلخ (١).

أقول : إشارة إلى انّ المفاهيم من الأدلّة اللبّية ، فلا تتطرّق إليها التصرّف ، إلّا تبعا لمناطيقها ، لأنّ منشأها الاستلزامات المحقّقة بين المناطيق والمفاهيم ، فلا يعقل إبقاء المنطوق بظاهره وارتكاب التصرّف في مفهومه ، لاستلزامه تفكيك الملزوم عن لازمه ، فليتأمّل.

قوله قدس‌سره : غير محتاج إليه ... الخ (٢).

أقول : بل غير صحيح ، لأنّ خبر العادل بعد فرض حصول الاطمئنان منه ، يخرج عن موضوع الحكم بوجوب التبيّن كالخبر العلمي ، كما سيتّضح لك وجهه ، فينحصر الإشكال في خبر العادل الذي لا يفيد الاطمئنان ، فانّ مقتضى عموم التعليل وجوب التبيّن فيه ، ومقتضى المفهوم عدمه ، وكون خبر العادل مفيدا للاطمئنان غالبا يصلح نكتة لتخصيص الفاسق بالذكر ، لا لدفع الإشكال بعد تسليم أصل المفهوم ، كما لا يخفى.

قوله قدس‌سره : وبالجهالة الشّك (٣).

أقول : تفسير الجهالة بذلك بعيد ، بل الظاهر أنّ المراد بها إمّا عدم العلم أو أنّ

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٧٢ سطر ٢٣ ، ١ / ٢٥٩.

(٢) فرائد الأصول : ص ٧٣ سطر ١٣ ، ١ / ٢٦١.

(٣) فرائد الأصول : ص ٧٣ سطر ٢٢ ، ١ / ٢٦٢.

١٠٨

المراد منها العمل الصادر من غير رويّة وتفكّر الذي لا ينبغي صدوره من العاقل ، وهذا المعنى هو الذي أراد من فسّرها بالسّفاهة ، ولعلّ هذا هو المتبادر إلى الذهن من الآية.

وامّا الإيراد عليه بما ذكره المصنّف قدس‌سره ، فيدفعه ما سيذكره فيما بعد ، وإن فسّرت بعدم العلم ، لا يبعد دعوى عدم شموله عند العرف لما يفيد الاطمئنان ، لأنّ قوّة الاحتمال الموجب لسكون النفس منشأ لعدم اعتنائهم بالاحتمال المخالف ، فينصرف عنه الإطلاق ، وهذا هو السرّ في إطلاق العلم عليه عرفا ، فليتأمّل.

قوله قدس‌سره : ومنه يظهر الجواب ... الخ (١).

أقول : كما يظهر منه الجواب عمّا ربّما يقال ، كذلك يظهر منه الجواب عمّا أورده على من فسّر الجهالة بالسّفاهة كما لا يخفى.

قوله قدس‌سره : وفيه إنّ المراد بالنباء ... الخ (٢).

أقول : لأنّ هذا هو الذي يصلح أن يجب فيه التبيّن ، لا ما علم صدقه أو كذبه ، لأنّ إيجاب التبيّن فيه طلب لتحصيل الحاصل فلا يجوز ، ومن المعلوم أنّ اختصاص الصّلاحية ببعض مصاديق العامّ قرينة على إرادة هذا البعض.

قوله قدس‌سره : ودعوى أنّه لا يعمّ نفسه (٣).

أقول : لأنّه دالّ فلا يعقل أن يكون من أقران المدلول!

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٧٣ سطر ٢٥ ، ١ / ٢٦٢.

(٢) فرائد الأصول : ص ٧٤ سطر ٣ ، ١ / ٢٦٣.

(٣) فرائد الأصول : ص ٧٤ سطر ١٨ ، ١ / ٢٦٤.

١٠٩

وإن شئت قلت : قول القائل «خبر العادل ليس بحجّة» إنّما يصير خبرا بعد فراغه منه ، فلا يعقل أن يكون هذا الخبر موضوعا للحكم المذكور فيه ، الذي يتوقّف خبريّته عليه.

قوله قدس‌سره : فتأمّل (١).

أقول : فكأنّه إشارة إلى أنّ الإجماع في مثل المقام ـ أعني فيما كان ثبوت الحكم المجمع عليه لموضوعه عند بعض الأمّة ـ لاندراجه تحت عنوان لم يكن له هذا الحكم عند آخرين ، بل ثبوت الحكم له عندهم لأجل دخوله تحت عنوان آخر ليس كاشفا عن قول المعصوم ، كما يشير إليه المصنّف في غير موضع.

قوله قدس‌سره : بل لأنّ المقصود من الكلام ... الخ (٢).

أقول : لا يمكن أن يكون المراد من الأمر بتصديق العادل في الآية ، تصديق السيّد في اختياره بعدم الحجّية ، لا لمجرّد ما ذكره المصنّف قدس‌سره من الاستهجان ، بل لعدم معقولية الخطاب إلى الموجودين في زمان صدور الآية ، وأمرهم بتصديق السيّد في أخباره ، مع تأخّره عنهم ، خصوصا على القول باختصاص الخطابات القرآنية بالمشافهين ، فليتأمّل.

قوله قدس‌سره : وقد أجاب ... الخ (٣).

أقول : ولعلّه رحمه‌الله أشار بهذا التعبير إلى أنّ جوابه ـ مع ما فيه من الايراد

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٧٤ سطر ٢١ ، ١ / ٢٦٥.

(٢) فرائد الأصول : ص ٧٤ سطر ٢٢ ، ١ / ٢٦٥.

(٣) فرائد الأصول : ص ٧٤ سطر ٢٥ ، ١ / ٢٦٥.

١١٠

المزبور ـ إنّما صدر إلزاما على القائلين بدلالة الآية على وجوب تصديق العادل ، فلا وقع لهذا الجواب من أصله أنّه لا محصّل له ، لأنّه إن ثبت حجّية ما هو مظنون الاعتبار بدليل قطعيّ ، فيكون كظاهر الكتاب من الظنون المعتبرة ، وإلّا فلا يجوز الأخذ به ، سواء عارضه ظاهر الكتاب أم لا.

قوله قدس‌سره : وقد يشكل الأمر بأنّ ما يحكيه الشيخ عن المفيد قدس‌سره ... الخ (١).

أقول : محصّل الإشكال انّه إذا قال الشيخ «قال المفيد هذا المائع خمر» مثلا ، يكون مجموع هذا الكلام مقولا للشيخ ، فهو مصداق خاص خارجي للحكم بوجوب التصديق ، فإذا عمّه هذا الحكم ثبت به مضمونه ، وهو صدور قول «هذا خمر» من المفيد ، فيمتنع أن يندرج ما ثبت بهذا الحكم في موضوعه ، فانّ ما هو من لواحق هذا الحكم يمتنع أن يصير معروضا له.

وملخّص دفعه : إنّ المفيد هو في حدّ ذاته رجل عادل يجب تصديق خبره بحكم الآية ، سواء أخبر به الشيخ أم لا ، ولكن لا يتنجّز التكليف به إلّا بعد ثبوته بأيّ طريق يكون ، فإذا كان الشيخ عادلا يكون خبره طريقا لإثبات خبر المفيد الذي حكمه وجوب التصديق ، فلا يتوقّف خبرية خبر المفيد ـ الذي حكمه وجوب التصديق ـ على إخبار الشيخ به ، بل على صدوره من المفيد ، كسائر الأخبار الصادرة منه الثابتة بغير هذا الطريق ، كما أنّ قول الشيخ أخبرني المفيد بهذا ، ليس إلّا كسائر الأقوال الصادرة منه ، التي هي مصاديق لهذا الحكم ، فقول الشيخ أخبرني المفيد بكذا مصداق من مصاديق الخبر الذي يجب تصديقه ، وما ثبت به ـ وهو قول المفيد ـ مصداق آخر وقع هذا الكلام حكاية عنه ، ولا محذور فيه.

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٧٥ سطر ١٠ ، ١ / ٢٦٧.

١١١

إن قلت : إنّ خبر المفيد الذي يجب تصديقه بحكم الآية ، هي الأقوال الصادرة منه في الواقع ، وكون هذا الخبر من جملتها غير معلوم ، وإنّما نلتزم به تعبّدا تصديقا للشيخ ، فهو مصداق لخبر المفيد تعبّدا ، بتصديق الشيخ بحكم الآية ، فيمتنع أن يعرضه حكمها ثانيا.

قلت : لا معنى لتصديق الشيخ والتعبّد بقوله ، إلّا لو ترتّب أثر ذلك الشيء الذي أخبر به عليه ، والمعاملة معه معاملة العلم بذلك الشيء ، وإلّا لسرى الإشكال إلى سائر الموضوعات الخارجية الثابتة بأدلّة شرعية ، فيقال إنّ نجاسة البول أو حرمة الخمر مثلا ثبتت لمصاديقها الواقعيّة ، فلا تعمّ مصاديقها التعبّدية الثابتة بخبر العادل مثلا ، وهو كما ترى.

ثمّ ، لو سلّم توقّف خبريّة خبر المفيد ـ الثابت بقول الشيخ ـ على تصديق الشيخ ، وقصور ما دلّ على وجوب تصديق العادل ، عن شمول الخبر الذي يتوقّف حصول موضوعه على ثبوت هذا الحكم ، فنقول :

قصوره إنّما هو من حيث اللفظ ، وإلّا فالمناط منقح نظير ما عرفته في دعوى السيّد الإجماع على عدم حجّية خبر الواحد ، بل لا قصور في العبارة أيضا ، لكون ما دلّ على حجّية خبر العادل قضية طبيعية غير ملحوظ فيها خصوصيات المصاديق ، فهو نظير قول القائل «إذا تكلّمت بكلام يوجع رأسي أو صدري» ، أو قال «في أثناء الصّلاة الكلام مبطل للصلاة» إلى غير ذلك من القضايا الطبيعية التي تتحقّق بنفسها مصداق للطبيعة التي تضمّنت حكمها ، فلا ينبغي الاستشكال في شمول الآية ، على تقدير دلالتها على المفهوم لقول المفيد ، الثابت بقول الشيخ ، ولكن قد يستشكل في شمولها لقول الشيخ في مثل الفرض ، نظرا إلى أنّه لا معنى للأمر بتصديق العادل إلّا التعبّد بمضمونه ، أي الالتزام بالآثار الشرعيّة المترتّبة على صدقه ، فلا يعقل ذلك إلّا فيما إذا كان للمخبر به في حدّ ذاته أثر شرعي ، وليس لقول المفيد الذي أخبر به

١١٢

الشيخ في حدّ ذاته أثر شرعي غير وجوب التصديق الذي نشأ من هذا الطلب ، فلا يعمّه هذا الخطاب وإلّا يدور.

وفيه : بعد الغضّ عمّا أسلفناه في توجيه قيام الامارات المعتبرة مقام العلم ، المأخوذ جزء للموضوع بعنوان الطريقيّة ، ممّا ينحسم به مادّة هذا الإشكال ، كما لا يخفى على المتدبّر ، إنّ الممتنع إنّما هو توقّف فردية فرد للعام على ثبوت ذلك الحكم لنفس هذا الفرد ، وامّا لو توقّف فرديّته على فرديّة فرد آخر له ممّا لا مانع عن فرديته ، كخبر المفيد فيما نحن فيه ، فلا مانع عنه ، فخبر المفيد في حدّ ذاته صار معروضا للحكم بوجوب التصديق حين صدوره منه ، سواء أخبر به الشيخ أم لا ، فمتى احرز خبره بطريق عقلي أو شرعي ، من بيّنة أو شياع أو تواتر ونحوها ، وجب ترتيب هذا الأثر عليه ، وإذا أخبر به الشيخ ، وكان الشيخ عادلا ، كان اخباره به كاخباره بسائر الأشياء التي لها آثار شرعيّة ، مندرجا في موضوع الحكم بتصديق العادل ، فليس اعتبار كون ما أخبر به الشيخ في حدّ ذاته ذا أثر شرعا ، شرطا في صحّة إلزام الشارع بتصديقه ، مانعا عن أن يعمّه الحكم بتصديق العادل ، بعد أن كان هذا الحكم ثابتا لما أخبر به قبل أن يصدر هذا الكلام من الشيخ ، وليس خبر العادل على إجماله موضوعا شخصيّا محكوما بحكم ، كي يعتبر الأثر الملحوظ لدى الحكم بوجوب تصديقه غير الأثر الذي ينشأ من قبل هذا الحكم ، بل هي قضيّة كلّية ، فكلّ من أفراده المتدرجة في الوجود عند حصوله وصلاحيّته ، لأن يتعلّق به الحكم بوجوب تصديقه ـ بأن لم يكن تنجّز التكليف بتصديقه قبيحا ، لكونه أجنبيّا عمّا يتعلّق به المقاصد الشرعيّة ـ يندرج في موضوعه.

نعم ، لو أخبر شخص عن شخص بشيء له أثر شرعيّ ، فتعلّق أمر خاصّ بتصديقهما معا في تلك القضيّة قد يشكل تعقله ، لما فيما بين موضوعيهما من الترتّب ، وكون تعلّق التكليف بالأوّل شرطا في صحّة التكليف بالثاني.

١١٣

ولكن يندفع هذا الإشكال أيضا : بأنّ المصحّح لتوجيه التكليف بالتّصديق هو كون المخبر به ذا أثر حال تنجّز التكليف ، أي وقت إرادة الامتثال ، لا حين صدور الطلب ، فإيجاب تصديقهما معا أثّر في صيرورة متعلّق كلّ من الخبرين ذا أثر في زمان الخروج عن العهدة ، كما لا يخفى على المتأمّل.

قوله قدس‌سره : والظّن الذي لا يتمسّك به في الاصول هو مطلق الظّن (١).

أقول : الظّن المطلق لا دليل على حجّيته إلّا دليل الانسداد الآتي ، ومقتضاه ـ على تقدير تماميّته ـ عدم الفرق بين اصول الفقه وسائر المسائل الفرعية ، على ما هو مختار المصنّف قدس‌سره كما ستعرف ، وعلى تقدير عدم تماميّته ، لا فرق في عدم جواز التمسّك به بين المسائل الفرعيّة والاصوليّة ، فلم يظهر للتفصيل المذكور وجه وجيه ، فليتأمّل.

قوله قدس‌سره : مضافا إلى قوله تعالى ... إلخ (٢).

أقول : تكفير السيّئات على تقدير تسليم كون الصغائر موجبة للفسق لا يجدي في رفع أثرها الوضعي ، والالتزام بذلك في التوبة ليس بمجرّد ثبوت كونها مكفّرة للذّنوب ، كما لا يخفى على المتأمّل ، فتأمّل.

قوله قدس‌سره : وثالثا إنّه قد فسّر الآية ... إلخ (٣).

أقول : لا يبعد أن يكون المراد من الآية ـ بشهادة الجمع بين ما ورد في تفسيرها ، وبين الأخبار الآتية ـ التعريض على المؤمنين ، وبيان أنّ النفر إلى التفقّه أيضا كالنفر إلى الجهاد من الامور المهمّة ، فكأنّه تعالى قال ما كان لهم أن ينفروا

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٧٧ سطر ٦ ، ١ / ٢٧٣.

(٢) فرائد الأصول : ص ٧٧ سطر ١٤ ، ١ / ٢٧٣.

(٣) فرائد الأصول : ص ٧٩ سطر ٥ ، ١ / ٢٧٨.

١١٤

بأسرهم إلى الجهاد ، فهلّا نفر من كلّ جماعة كثيرة طائفة لتحصيل التفقّه في الدين ، مع أنّه كالجهاد في الوجوب ، وهذا وإن كان مقتضاه وجوب النفر وإنذار النافرين المتخلّفين ، إلّا أنّه يستفاد منه أنّ تكليف أهل المدينة أن يتخلّف بعضهم عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن يتفقهوا ، إذ ليس النفر مطلوبا لذاته ، فيكون المتخلّفون في المدينة بمنزلة النافرين في طلب العلم ، والله العالم.

قوله قدس‌سره : لكن لا تدلّ على وجوب العمل ... إلخ (١).

أقول : توضيح المطلب : إنّ المقصود من الآية ـ بحسب الظاهر ـ وجوب تعلّم الأحكام الواقعيّة ، وبعث المكلّفين على العمل بها ، أي العمل بما عملوه وفهموه من الأحكام ، ومن المعلوم أنّ هذا لا ينفع فيما نحن بصدده ، لأنّ المقصود إثبات حجّية خبره من حيث نقل قول المعصوم عليه‌السلام ، لا وجوب العمل بما فهمه من الأحكام الشرعيّة ، وبينهما فرق بيّن.

هذا ، ولكن الإنصاف أنّه يستفاد بالدلالة التبعية أنّ العمل بقول الثقة من الامور المغروسة في الأذهان ، بحيث لا يعتني العقلاء باحتمال مخالفتها للواقع ، لأنّ هذه الآية بمنزلة قولك «تعلّموا أحكام الحيض ، وعلّموا نسوانكم كي يعملن على وفق تكاليفهنّ» ، وهذا الكلام ليس مسوقا لبيان حجّية قول الرجال للنسوان ، بل الكلام منزّل على ما هو المتعارف ، وهو أخذ النساء من رجالهنّ مسائلهنّ من دون التفات إلى احتمال كذب الرجال ، وكذا بناء العوام إنّما هو على أخذ المسائل ممّن يعتقدون أنّه يعلم المسائل ، ولا يعتنون باحتمال كذبه أصلا ، أو غفلته وخطأه ، فالآية بحسب الظاهر منزّلة على ذلك ، فيكون المراد بها وجوب تعلّم الأحكام وتعليمها ،

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٨٠ سطر ١٧ ، ١ / ٢٨٤.

١١٥

إلّا أنّ بناء العقلاء عدّ ما يأخذونه من آحاد الأشخاص تعلّما ، بمعنى أنّهم لا يعتنون باحتمال كذبه وغفلته ، فليتأمّل.

قوله قدس‌سره : لأنّ الغالب ... الخ (١).

أقول : لو سلّم غلبة تعدّد من يخرج إلى الحجّ من كلّ ناحية ، إلّا أنّ الغالب عدم اخبار مجموعهم لآحاد أهل بلدهم ، حتّى يكون كلّ خبر لكلّ أحد متواترا ، بل الغالب خلافه ، فتنزيل الآية على المتعارف ـ بعد تسليم المدّعى ـ يستلزم الالتزام بحجّية خبر كلّ واحد منهم.

قوله قدس‌سره : على ما يقتضيه الخطاب في «لكم» (٢).

أقول : وجه الاقتضاء ظهور الآية ، بل صراحتها في الخطاب ، متوجّها إلى الذين يؤذون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله قدس‌سره : فإنّ تعليل التصديق ... الخ (٣).

أقول : ويؤيّده ـ مضافا إلى ما ذكره ـ أنّ هذه العلّة لا تصلح علّة إلّا للايمان الصوري لا للعقد القلبي ، لعدم المناسبة بينهما.

قوله قدس‌سره : تعديته في الأوّل بالباء ... الخ (٤).

أقول : الايمان بالشيء ظاهره الإذعان بتحقّقه ، والأيمان للمؤمنين ظاهره

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٨١ سطر ١٣ ، ١ / ٢٨٦.

(٢) فرائد الأصول : ص ٨٣ سطر ٨ ، ١ / ٢٩٢.

(٣) فرائد الأصول : ص ٨٣ سطر ١٢ ، ١ / ٢٩٣.

(٤) فرائد الأصول : ص ٨٣ سطر ٢٠ ، ١ / ٢٩٤.

١١٦

إظهار الايمان لأجل مراعاتهم ، ومنشأ ظهور الثاني في الأيمان الصوري ما أشرنا إليه ، من عدم المناسبة بين مراعاتهم والعقد القلبي حتّى يصلح للغلبة.

قوله قدس‌سره : بعد تقييد المطلق منها ... الخ (١).

أقول : في العبارة تشويش ، فانّها في النسخ الأصلية بمفهوم آية النبأ ، وفي بعض النسخ المصحّحة بمنطوق آية النبأ ، وعلى تقدير صحّة الأولى فالباء للإلصاق لا السببيّة ، إذ لا تنافي بين حجّية خبر العادل وحجّية مطلق الخبر حتّى يتقيّد به الإطلاق.

فملخّص المراد : إنّ المستفاد من مجموع الآيات حجّية قول ما عدا الفاسق مطلقا ، ولكن إطلاقه ينصرف ـ بمقتضى الغلبة ـ إلى صورة إفادة الخبر الظّن الاطمئناني.

هذا ، ولكن يشكل دعوى سببيّة الغلبة لانصراف المفهوم ، إذ ليس لنا قضيّة لفظيّة ندّعى فيها الانصراف ، وإنّما استفيد حجّية خبر العادل من آية النبأ ـ على تقدير تسليم الدلالة ـ من تعليق ردّ الخبر بصدوره من الفاسق ، وكون الفسق علّة منحصرة للردّ ، فينتفي المعلول عند انتفاء علّته عقلا ، ولا يعقل دعوى الانصراف في الاستلزامات العقلية.

نعم يمكن أن يقال : إنّ موضوع الحكم في المنطوق إنّما هو الخبر الموثوق به ، ولو وثوقا بدويّا ، كما يشهد بذلك اعتماد العقلاء عليه في مورد الآية ، فمفهومه جواز العمل بالخبر الموثوق به إذا كان المخبر عادلا ، ولكنّك خبير بأنّه على هذا التقدير لا يقتضي تقييد سائر الآيات بما إذا كان خبر العادل مقيدا للوثوق ، لما أشرنا إليه من

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٨٤ سطر ٩ ، ١ / ٢٩٦.

١١٧

عدم التنافي بين المفادين ، بعد فرض سكوت آية النبأ عن حكم خبر غير الثقة.

نعم ، يمكن دعوى الانصراف في نفس تلك الآيات ، فبعد تقييدها بمنطوق آية النبأ ، يكون محصّل مجموعها حجّية خبر الثقة بشرط كون المخبر عادلا ، فليتأمّل.

قوله قدس‌سره : بل هذا أيضا منصرف سائر الآيات (١).

أقول : أي الخبر المفيد للاطمئنان والوثوق ، لا خبر العادل المفيد للوثوق ، وإلّا لم يتحقّق المعارضة بينها وبين منطوق آية النبأ ، كما هو المدّعى.

هذا مع أنّه لا وجه لدعوى الانصراف إلى خبر العادل ، فالمقصود ليس إلّا دعوى الانصراف إلى الخبر المفيد الموثوق لا غير.

قوله قدس‌سره : حتّى لا يعارض المنطوق (٢).

أقول : يعني لو قلنا إنّ مفاد الآيات بمقتضى الانصراف هو حجّية خبر الثقة لا مطلق الخبر ، يتعارض مع المنطوق في خبر الفاسق المفيد للوثوق ، فلا بدّ في مورد المعارضة من الرجوع إلى المرجّحات الخارجيّة لو كانت ، وإلّا فالتوقّف ، وهذا بخلاف ما لو منعنا الانصراف ، فانّ المنطوق حينئذ أخصّ مطلقا يخصّص به العمومات ، فلا معارضة ، فليتأمّل.

قوله قدس‌سره : الثاني من وجوه تقرير الإجماع ... الخ (٣).

أقول : هذا التقرير لا يجدي في إثبات حجّية الخبر بالخصوص ، إذ الظاهر أنّ

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ٨٤ سطر ١٣ ، ١ / ٢٩٦.

(٢) لم ترد هذه العبارة في الطبعة الحجريّة ، ١ / ٢٩٦.

(٣) فرائد الأصول : ص ٩٩ سطر ٨ ، ١ / ٣٤٣.

١١٨

عمل السيّد بالخبر ـ على تقدير الانسداد ـ ليس لأجل خصوصية فيه ، بل لأجل كونه موجبا للظنّ المطلق ، الذي ينوب مناب العلم عند التعذّر بحكم العقل ، وسيجيء فيما بعد أنّ مثل هذا الإجماع لا يجدي في إثبات الحجّية بالخصوص.

قوله قدس‌سره : وربّما يدّعى وجوب العمل بكلّ واحد منها مع عدم المعارض ... الخ (١).

أقول : هذا هو الذي ينتجه المقدّمات السابقة لو تمّت. نعم لو تعذّر العمل بالمجموع ـ لأجل العسر والحرج ـ يجب الاقتصار على الظّن ، لكونه أقرب في مقام الامتثال ، إلّا أنّ من المعلوم أنّ الأخذ بالأحكام المستفادة من الأخبار المدوّنة في الكتب المعتبرة لا جرح فيها.

والحاصل أنّه يجب أوّلا ـ بمقتضى المقدّمات السابقة بحكم العقل ـ العمل بكلّ خبر محتمل الصدور ، حتّى يحصل القطع بتفريغ الذمّة عن التكاليف التي يتضمّنها الاخبار التي علمنا بصدور بعضها إجمالا ، وإن تعذّر ذلك يتعيّن الأخذ بمظنون الصدور ، وقد أشرنا إلى أنّ البناء على صدق مجموع هذه الأخبار والأخذ بمضمونها ، لا يستلزم حرجا ، فتأمّل.

* * *

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ١٠٣ سطر ٢٠ ، ١ / ٣٥٧.

١١٩

[أدلة حجّية مطلق الظّن]

قوله قدس‌سره : ممّا دلّ عليه الكتاب ... الخ (١).

أقول : إثبات الحرمة الشرعية بأغلب هذه الآيات بل جميعها لا يخلو عن تأمّل ، لأنّ ظاهرها كونها إرشاديّات ، إلّا أنّ الاستدلال بها في مقابل من لم يقل بالتحسين والتقبيح حسن ، كما لا يخفى وجهه.

قوله قدس‌سره : بناء على أنّ المراد العذاب والفتنة الدنيويّين (٢).

أقول : ابتناء الاستدلال على إرادة العذاب والفتنة الدنيويّين ، لأنّ استحقاق ترتّبهما على مخالفة الأمر في الآخرة معلوم فلا يكون حينئذ دليلا على المطلوب ، فليتأمّل.

قوله قدس‌سره : لكنّه رجوع عن الاعتراف باستقلال العقل (٣).

أقول : في كونه رجوعا عمّا اعترف به تأمّل ، لأنّ وجوب التحرّز عن العقاب

__________________

(١) فرائد الأصول : ص ١٠٧ سطر ٨ ، ١ / ٣٦٩.

(٢) فرائد الأصول : ص ١٠٧ سطر ١٠ ، ١ / ٣٦٩.

(٣) فرائد الأصول : ص ١٠٩ سطر ٥ ، ١ / ٣٧٤.

١٢٠