حاشية فرائد الأصول - ج ٣

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-091-8
الصفحات: ٥٥٦
الجزء ٢ الجزء ٣

أثر غيره بالفرض حتّى يصحّ الاستصحاب بملاحظته فكيف سلم هذا الوجه من الايراد على ما في المتن.

ثمّ إنّ بعض المحقّقين من المعاصرين حمل كلام المصنّف في وجه دفع الدعوى على أنّ الصحّة وعدم الاعادة من آثار الطهارة الواقعية بواقعيتها اللازم منه عدم قيام الاصول والأمارات مقامها ، فلا يمكن ترتّبهما على الطهارة الظاهرية الثابتة بالاستصحاب ، وقد أطال الكلام عليه في النقض والإبرام ليس في نقله والكلام عليه كثير فائدة ، ولا يخفى أنّ هذا المعنى مضافا إلى بطلانه في نفسه ، أجنبي عن عبارة المتن فليتأمّل.

قوله : مع أنّه يوجب الفرق بين وقوع تمام الصلاة مع النجاسة الخ (١).

هذا إيراد آخر على حمل مورد الاستدلال على الوجه الأوّل ومحصّله : أنّه لو حكم بصحّة الصلاة الواقعة في الثوب النجس جهلا بتمامها فالحكم بصحّة بعض الصلاة في الثوب النجس بعد العلم به أولى ، مع أنّه في الرواية صرّح بالبطلان في الثاني والصحّة في الأوّل ، فيكشف ذلك عن بطلان هذا المعنى لمورد الاستدلال.

وفيه : أنّه لا يجوز القدح في أدلّة الأحكام الشرعية التعبّدية بمثل هذا الاستحسان والاستبعاد العقلي فإنّ مبناها على جمع المختلفات وتفريق المتّفقات ، مضافا إلى أنّ هذا الفرق مستفاد من جملة من الأخبار الأخر مفتى به عند جمع من المحقّقين.

قوله : وهذا الوجه سالم عمّا يرد على الأوّل (٢).

يعني به الايرادين اللذين أوردهما على المعنى الأوّل. وقد يقال أو قيل إنّ

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٦١.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٦١.

٨١

هذا الوجه وإن سلم عن الايرادين إلّا أنّه يرد عليه أنّه يندرج في الاصول المثبتة من وجهين : أحدهما ما مرّ في المتن من أنّ الصحّة وعدم الاعادة من الآثار العقلية غير المجعولة. الثاني : أنّ استصحاب طهارة الثوب إلى ما بعد الصلاة لا يثبت وقوع الصلاة مقرونة بالطهارة إلّا بالملازمة العقلية ، وقد عرفت الجواب عن الوجه الأوّل وأنّ الصحّة الشرعية من الآثار الشرعية.

وأمّا الوجه الثاني ففيه أوّلا : أنّ الصلاة مشروطة بالطهارة لا باقترانها بالطهارة حتّى يقال إنّ وصف الاقتران من اللوازم العقلية للطهارة المستصحبة لا يخفى الفرق بينهما بعد التأمّل ، فإذا أحرزنا الشرط بالاستصحاب وأصل الصلاة بالوجدان نحكم بصحّتها لأنّها واجدة للشرط بحكم الاستصحاب ، ولا نحتاج إلى إثبات وصف الاقتران ومعيّة الصلاة للطهارة ، ونظير ما نحن فيه إشكالا وجوابا ما قيل في مسألة اعتبار إدراك المأموم للإمام في صحّة الجماعة من أنّه لو شك المأموم بعد ركوعه في إدراكه ركوع الإمام يشكل إثباته باستصحاب ركوع الإمام إلى زمان ركوع المأموم ، لأنّ وصف إدراك المأموم في ركوعه لركوع الإمام من اللوازم العقلية للركوع المستصحب من الإمام ، وجوابه أنّ شرط صحّة صلاة المأموم جماعة كون الإمام راكعا وهو حاصل بالاستصحاب لا وصف إدراك المأموم له راكعا ومقارنة ركوعه لركوعه حتّى يقال إنّ هذا الوصف لا يثبت باستصحاب ركوع الإمام لكونه لازما عقليا له.

وثانيا : سلّمنا أنّه من الأصل المثبت إلّا أنّه مدلول عليه بالنصّ الصحيح فقد حكم الإمام بصحّة الصلاة وعدم الاعادة في المورد معلّلا بعدم نقض اليقين بالشكّ ، فكيف يمكن ردّه بذلك ، ويستشعر هذا المعنى ممّا ذكره المصنّف سابقا في أواخر البراءة عند التكلّم في حكم ترك الجزء سهوا من قوله : نعم لو صرّح الشارع بأنّ حكم نسيان الجزء الفلاني مرفوع ، أو أنّ نسيانه كعدم نسيانه ، أو أنّه لا

٨٢

حكم لنسيان السورة مثلا وجب حمله تصحيحا للكلام على رفع الاعادة وإن لم يكن أثرا شرعيا انتهى ، والرفع والوضع من باب واحد كما صرّح به قبيل هذا الكلام ، فلو صحّ أن تكون الاعادة مرفوعا أو موضوعا في حكم الشارع تصحيحا لكلامه مع كونها من الآثار العقلية كيف لا يمكن الحكم برفع الاعادة أو إثباتها مع النصّ عليه.

قوله : إلّا أنّه خلاف ظاهر السؤال (١).

يمكن منع كونه خلاف الظاهر بل هو الظاهر ، نظرا إلى أنّه لمّا نظر إلى ثوبه بعد الظنّ بالاصابة وما وجد شيئا ثمّ رأى القذر بعد الصلاة يحتمل قويا حدوثه بعد الصلاة وإلّا لوجده قبل الصلاة بالنظر إليه فتأمّل.

قوله : فافهم (٢).

لعلّه إشارة إلى أنّ العموم يفهم من التعليل بقوله «لأنّك لا تدري» وقد أشرنا إلى تقريب الاستدلال بالتعليل سابقا ، أو يكون عموم التعليل قرينة على حمل لام اليقين على الجنس ، ويمكن أن يستفاد العموم بقرينة الأخبار الأخر وتوجيهه : أنّ تعليل الأحكام المختلفة في الأخبار المتفرّقة بعدم نقض اليقين بالشكّ شاهد على عموم القاعدة ، إذ يبعد اختصاص موارد الأخبار مع اختلافها بحجّية الاستصحاب فيها دون غيرها.

وهنا إشكال آخر على الاستدلال بالرواية لم يتعرّض لدفعه المصنّف : وهو أنّ المشهور أنّ الطهارة الخبثية في ثوب المصلّي وبدنه من الشرائط العلمية أو نجاستهما من الموانع العلمية على الخلاف ، فعند الشكّ في النجاسة لا يحتاج إلى

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٦١.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٦٢.

٨٣

استصحاب الطهارة وإحراز الشرط ظاهرا ، بل الشرط حاصل واقعا وهو عدم العلم بالنجاسة أو المانع مرتفع واقعا وهو العلم بالنجاسة ، فما معنى التعليل بالاعتماد على اليقين بالطهارة السابق على الشكّ وتفريع عدم نقض اليقين بالشكّ ، بل كان المناسب أن يعلّل الحكم بأنّ الشرط وهو الجهل بالنجاسة متحقّق لا شكّ فيه ، وحاصل الإيراد أنّ الرواية مجملة غير مفهومة المراد.

والجواب عنه من وجوه أحدها : ما قيل من أنّ المراد بالتعليل بيان حصول الشرط الواقعي وهو الجهل بالنجاسة فقال : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت» يعني ما تيقّنت بالنجاسة حتّى يتحقّق به المانع بل مجرّد الشك وقد حصل به الشرط. ولا يخفى أنّ هذا الجواب لو تمّ لا يصحّح الاستدلال بل يفيد صحّة التعليل مع كون الطهارة شرطا علميا.

وفيه أنّه خلاف الظاهر للغاية من لفظ التعليل ، مضافا إلى أنّ قوله بعد ذلك «وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين» غير مرتبط على هذا بالمقام بوجه بل لا معنى له.

الثاني : ما قيل أيضا من أنّ الطهارة وإن كانت من الشرائط العلمية إلّا أنّه لا بدّ من إحرازها أوّلا بوجه عند الالتفات من علم أو أمارة أو أصل ، غاية الأمر أنّه يصحّ الصلاة مع النجاسة حال الغفلة ، وكذا في صورة مخالفة الطريق أو الأصل للواقع ، ونظيره في الجملة شرطية عدالة الإمام لصحّة صلاة المأموم فإنّه شرط علمي ولا ينافي ذلك لزوم إحرازه أوّلا بوجه ، وتخلّفه غير مضرّ.

فإن قلت : إذا لم تكن نفس الطهارة شرطا فما وجه وجوب إحرازها.

قلت : يمكن أن يكون إحراز الطهارة شرطا لانفسها ، ووجه لزوم الاحراز أنّه نفس الشرط لا كاشف عنه ، ومرجع محصّل الشرط على هذا أنّ الشرط هو الجهل بالنجاسة في صورة الغفلة ، وإحراز عدم النجاسة في صورة الالتفات وإن

٨٤

كان جهلا مركّبا ، ففي صورة الشكّ نحتاج إلى الاستصحاب لتحصيل الشرط وهو إحراز الطهارة ويصحّ التعليل بذلك.

ولا يخفى أنّ هذا الوجه مبني على أن يكون معنى الاستصحاب إبقاء المكلّف ما كان ، وعلى أن يكون المستفاد من الخبر أنّك كنت على يقين من الطهارة ثمّ استصحبتها وصلّيت وهو كما ترى ، وأيضا لا يجري هذا الاستصحاب على مذاق المصنّف من أنّه يلزم أن يكون لنفس المستصحب أثر شرعي يحكم ببقائه بالاستصحاب ولا أثر هاهنا للطهارة المستصحبة لعدم كونها شرطا ، بل الشرط إحراز الطهارة واستصحابها.

ثمّ إنّه يلزم على هذا الوجه أنّه لو صلّى في صورة الالتفات بدون إحراز الطهارة كانت صلاته باطلة ولو مع الطهارة الواقعية واجتماع سائر الشرائط من القربة وغيرها ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ الشرط في صورة الالتفات أحد الأمرين من الطهارة الواقعية أو إحراز الطهارة.

الثالث : أن يقال إنّه يكفي للغافل جهله بالنجاسة في صحّة صلاته وللملتفت يكون صحّة صلاته مشروطة بالطهارة الواقعية كما في مورد الرواية ، وهذا هو المراد بالشرط العلمي.

فإن قلت : لازم هذا الوجه أن يحكم ببطلان الصلاة لو صلّى باستصحاب الطهارة ثمّ انكشف الخلاف بعد الصلاة وهو مناف لكون الشرط علميا ومخالف للنصوص والفتاوى.

قلت : يمكن الالتزام باللازم كما هو مذهب جمع أيضا ، أو يقال بكون الأمر الظاهري مفيدا للإجزاء في خصوص المقام وإن لم نقل به في سائر الموارد.

الرابع : وهو أقوى الوجوه ، أن نمنع كون الطهارة شرطا علميا بل هي كسائر الشروط من الشرائط الواقعية ، ووجه عدم إعادة الصلاة الواقعة مع النجاسة

٨٥

بعد انكشاف الحال أمّا في صورة الغفلة فيتصوّر بما سبق في وجه معذورية الجاهل بالقصر والاتمام والجهر والاخفات من أنّ الصلاة الناقصة المأتي بها مشتملة على معظم مصالح المأمور به فاكتفى الشارع بها بدلا عن المأمور به لعدم إمكان إدراك المصلحة التامّة بعد ذلك ، وأمّا في صورة الالتفات واستصحاب الطهارة فلاقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ، ولذا لا يحكم بالصحّة وعدم الاعادة لو كان مستصحب النجاسة ، ولو كان الشرط علميا اقتضى الصحّة فيه أيضا لعدم العلم بالنجاسة.

وقد يورد على الموضع الأوّل من محلّ الاستدلال بالرواية : بأنّه منطبق على قاعدة اليقين والشكّ الساري ، بدعوى أنّ المراد من اليقين في قوله : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك» هو اليقين بالطهارة حال الصلاة بحمل قوله «فنظرت فيه فلم أر شيئا» على اليقين بعدم الاصابة ، ثمّ لمّا رآه بعد الصلاة شك في وجوده حال الصلاة ، أو علم بوجوده على المعنيين اللذين احتملهما في المتن ، فيستفاد من التعليل وكلّية الكبرى أنّ من تيقّن بشيء يجب عليه ترتيب أثر المتيقّن بعد زوال اليقين به وحصول الشك.

وفيه : أنّ الظاهر إرادة اليقين السابق على الظنّ بالاصابة ، إذ لا شاهد في الرواية على ما ذكر من أنّه لمّا نظر فلم ير شيئا تيقّن بالطهارة وعدم الاصابة بل هو مجرّد احتمال.

تذنيب : قيل إنّه يستفاد من هذه الرواية قواعد كثيرة ولنذكر عدّة منها ، منها حجّية الاستصحاب. ومنها : صحّة عبادة الجاهل بالموضوع. ومنها : قاعدة الإجزاء للأوامر الظاهرية. ومنها : عدم وجوب الفحص في الموضوعات يستفاد من قوله «هل عليّ أن انظر فيه؟ قال لا» ومنها : حكومة الاستصحاب على قاعدة الطهارة مع التوافق لأنّه علّل عدم الاعادة باستصحاب الطهارة دون قاعدتها.

٨٦

ومنها : حكومة الاستصحاب على قاعدة الاشتغال. ومنها : أصالة تأخّر الحادث تستفاد من قوله (عليه‌السلام) «لعلّه شيء اوقع عليك» إلى غير ذلك.

وفيما عدا الاولى منها نظر ، لأنّ ما عدا الأخير منها وإن كان مستفادا من الرواية لكن في خصوص مورد السؤال منها ، ولا يستفاد منها عموم يتعدّى به ليكون قاعدة كلّية. وأمّا الأخير فلأنّ محلّ النزاع من هذا الأصل هو ما إذا كان الحكم محمولا على وصف التأخّر والبعدية ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّ صحّة الصلاة في فرض الرواية مترتّبة على عدم إصابة القذر حال الصلاة لا على حدوث النجاسة فيما بعده وهو واضح.

قوله : فالمراد باليقين ـ إلى قوله ـ هو اليقين بالبراءة (١).

كان الأولى أن يقول هو اليقين بالاشتغال فيصير المعنى لا ينقض اليقين بالاشتغال بالشكّ في البراءة ، بل لا بدّ من اليقين بالبراءة كما يستفاد من قوله (عليه‌السلام) «ولكنّه ينقض الشكّ باليقين».

قوله : وأمّا احتمال كون المراد من عدم نقض اليقين (٢).

الظاهر أنّه أشار بهذا إلى ما ذكره في الفصول (٣) في دفع الإشكال وتطبيق الرواية على الاستصحاب ، لكنّه حمل قوله «ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر» على معنى أنّه لا يعتدّ بالركعة المشكوكة ولا يحسبها في عداد الثلاثة المتيقّنة بل يبني على عدمها ويأتي بها بعده ، لا على أنّ الركعة التي يأتي بها فيما بعد لا يضمّها إلى الصلاة بل يأتي بها مفصولة كما حمل عليه في

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٦٣.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٦٥.

(٣) الفصول الغروية : ٣٧١.

٨٧

المتن ، والإنصاف أنّ كلا من الاحتمالين غير بعيد من اللفظ ، فقول المصنّف إنّ هذا الاحتمال مخالف لظاهر الفقرات الستّ أو السبع محلّ منع.

ثمّ إنّ ظاهر المتن أنّه لو حملنا الخبر على التقية في البناء على الأقل وضمّ ركعة موصولة كما هو ظاهره تعيّن حمل قوله «لا ينقض اليقين» على الاستصحاب ، وإن حملناه على مذهب الخاصّة في وجوب الاتيان بالركعة مفصولة على خلاف الظاهر يتعيّن حمل القضية على قاعدة الاشتغال ، لكنّا نقول ليس كذلك بل الحمل على كلّ من المذهبين يحتمل الوجهين ، لأنّ الاتيان بالركعة الاخرى مشترك بينهما موصولة أو مفصولة ، فيمكن أن يكون ذلك اعتمادا على اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة لينطبق على الاستصحاب ، وأن يكون من باب اليقين بالاشتغال ، وكذا يصلح قوله «لا ينقض اليقين بالشكّ» للحمل على كلا المعنيين كما لا يخفى ، نعم يبقى الكلام في أنّ أيّهما أظهر في المقام ، ولا يبعد دعوى أظهرية المعنى الثاني كما في المتن بقرينة الأخبار الأخر الواردة في خصوص المسألة في حكم الشك الظاهرة في أنّ بناء المسألة على الاحتياط وأنّه المناط في وجوب الاتيان بالركعة الاخرى ، بل سائر الأخبار الواردة في أحكام سائر الشكوك المعبّرة بالاحتياط شاهدة على ذلك أيضا (١).

ثمّ بعد تسليم أنّ الظاهر إرادة البناء على اليقين السابق يمكن الإيراد بعدم استفادة عموم من الخبر يتعدّى به إلى غير مورد شكوك الصلاة ، وإلى ما يكون

__________________

(١) أقول : لا يبعد دعوى أظهرية المعنى الأوّل ، نظرا إلى أنّ قوله «لا ينقض اليقين بالشكّ» هي القضية المعروفة التي استشهد بها الإمام (عليه‌السلام) في موارد كثيرة في الأخبار المتفرّقة مريدا بها قاعدة الاستصحاب ، والظاهر أنّ هذه القضية يراد بها معنى واحد في الجميع فليتأمّل.

٨٨

مخالفا لليقين بالاشتغال لأنّه يرجع ضمير الفاعل في قوله «لا ينقض» و «لا يدخل ولا يخلط» إلى آخر الفقرات إلى الرجل الشاكّ بين الثلاث والأربع ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ قوله في آخر الحديث «ولا يعتدّ بالشك في حال من الحالات» ظاهر في العموم إن لم نقل أنّه أراد عموم أحوال الصلاة وأفراد الشك.

قوله : وسيظهر اندفاعها بما سيجيء في الأخبار الآتية (١).

ملخّص ما يمكن أن يقال في تضعيف هذا الاحتمال : أنّه لو اريد من الخبر كلا الأمرين أي لزوم تحصيل اليقين بالبراءة وعدم الاكتفاء بالشك فيها ولزوم البناء على اليقين السابق إلى حصول اليقين بالخلاف حتّى يكون الخبر متكفّلا لكلتا القاعدتين الاشتغال والاستصحاب يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، وإن اريد معنى جامع للمعنيين كما لو اريد من قوله «لا ينقض اليقين بالشك» أنّه لا يعتدّ بالشك في قبال اليقين ففي مورد الاستصحاب يؤخذ باليقين السابق وفي مورد الاشتغال يلتمس اليقين اللاحق بالبراءة فإنّ ذلك في غاية البعد كما لا يخفى ، نعم لو حمل الخبر على إرادة قاعدة الاستصحاب فقط ويكون الاستشهاد به على مورد الشك بين الثلاث والأربع لأجل استصحاب الاشتغال السابق يتلاءم الكلام في نفسه ويلائم سائر الأخبار الدالّة على لزوم الاحتياط والحزم في شكوك الصلاة ، فليتأمّل.

قوله : بموثّقة عمّار (٢).

الظاهر أنّه سقط لفظ ابن قبل عمّار فإنّه رواها في الوسائل (٣) عن إسحاق ابن عمّار.

__________________

(١ ، ٢) فرائد الاصول ٣ : ٦٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٨ ح ٢.

٨٩

قوله : فافهم (١).

لعلّه إشارة إلى أنّ حمل الرواية على قاعدة الاحتياط والاشتغال يلزمه التخصيص الأكثر أو الحمل على الاستحباب كما في سائر الأخبار الآمرة بالاحتياط بقول مطلق.

قوله : ومنها ما عن الخصال (٢).

ليس في سنده من يتأمّل فيه سوى قاسم بن يحيى فإنّ ابن الغضائري (٣) ضعّفه وتبعه العلّامة في الخلاصة (٤) إلّا أنّه قال الوحيد البهبهاني في التعليقة (٥) على ما حكي عنه إنّ تضعيف ابن الغضائري ضعيف وتضعيف العلّامة مأخوذ من ابن الغضائري فلا يعبأ به ، ويؤيّد فساد كلام ابن الغضائري في المقام عدم تضعيف أحد من المشايخ العظام الماهرين بأحوال الرجال إيّاه مع أنّه يروي عنه جمع من الثقات.

والإنصاف أنّ الخبر لا يخرج عن الضعف بمجرّد سكوت المشايخ عن ابن يحيى ورواية الثقات عنه ، مضافا إلى أنّ ضعف تضعيف ابن الغضائري إنّما يسلم فيما إذا عارضه توثيق غيره وإلّا فلا ، ولو سلّم فيدخل ابن يحيى في المجاهيل ولم يعلم أنّ تضعيف العلّامة مأخوذ من الغضائري فلعلّه علم ذلك من غير طريقه ، نعم اعتماد المحدّث المجلسي (رحمه‌الله) لعلّه كاف في الاعتماد وسيشير إلى ذلك كلّه في المتن اجمالا.

__________________

(١ ، ٢) فرائد الاصول ٣ : ٦٨.

(٣) مجمع الرجال ٥ : ٥٣.

(٤) الخلاصة : ٢٤٨ / ٦.

(٥) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢٦٤.

٩٠

قوله : وحيث إنّ صريح الرواية اختلاف زمان الوصفين وظاهرها اتّحاد زمان متعلّقهما الخ (١).

اختلاف زمان وصفي اليقين والشكّ لا يعيّن حمل الرواية على القاعدة ، بل حملها على الاستصحاب أيضا لا ينافيه وإن لم يكن منوطا به ، لكنّه مناسب بملاحظة أنّه في أغلب موارد الاستصحاب كذلك ، وأمّا اتّحاد زمان متعلّق الوصفين يعيّن حملها على القاعدة ، ضرورة لزوم اختلاف زمان المتعلّق في الاستصحاب ، لكن الشأن في صحّة دعوى ظهور الرواية في اتّحاد زمان المتعلّق ، ولعلّه من جهة دعوى أنّ قوله «من كان على يقين فشك» ظاهر في أنّ من كان على يقين من شيء فشك في ذلك الشيء بعينه فكذا ، ولا يكون ذلك إلّا باتّحاد زمان المتيقّن والمشكوك ، وفيه أنّ الكلام لا يدلّ على زمان المتعلّق أصلا فضلا عن اتّحاده وتعدّده ، وإنّما المعلوم أنّ اليقين والشكّ لا بدّ لهما من متعلّق كيف ما كان زمانهما ، ويشهد بذلك أنّه يصحّ أن يقال من كان على يقين من عدم جواز اجتماع الأمر والنهي فشك من غير منافرة في اللفظ ، فإنّه إن كان اللفظ ظاهرا في اتّحاد متعلّق الوصفين لوجد منافرة لعدم كون جواز الاجتماع وعدمه من الامور الزمانية ليصحّ حمل الكلام على اتّحاد زمان المتعلّق ، وبالجملة لا سند لدعوى الظهور المذكور لينتج تعيّن حمل الرواية على القاعدة دون الاستصحاب.

قوله : ويؤيّده أنّ النقض حينئذ محمول على حقيقته (٢).

يرد عليه أنّ النقض محمول على حقيقته على كلا تقديري الحمل على الاستصحاب أو على القاعدة ، غاية الأمر أنّه على تقدير الحمل على الاستصحاب

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٦٩.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٦٩.

٩١

يكون ذلك بعد التجريد الذي لا بدّ منه على هذا التقدير.

فإن قلت : نعم ولكن التجريد عن الزمان خلاف الظاهر ، وهذا هو المقصود في تقريب الحمل على القاعدة وبعد الحمل على الاستصحاب.

قلت : ارتكاب هذا التجريد لازم عند ارتكاب خلاف الظاهر الأوّل في قوله «من كان على يقين فشك» الظاهر في اتّحاد المتعلّق ، فلو حملته على الاستصحاب اللازم منه اختلاف المتعلّق بحسب الزمان التزمت بذلك التجريد تصحيحا للكلام وإلّا فاليقين بشيء والشكّ في شيء آخر وإجراء حكم المتيقّن على المشكوك قياس لا استصحاب ، فإذن لم يلزم على الحمل على الاستصحاب خلاف ظاهر آخر في لفظ النقض ، لأنّ التجريد الذي يصحّ معه حمل النقض على حقيقته قد التزمناه في صدر الرواية حيث حملنا على الاستصحاب.

فإن قلت : بعد فرض التجريد المذكور أيضا لا يمكن حمل النقض على حقيقته في مورد الاستصحاب ، لأنّ معنى النقض حلّ الأمر المبرم وتخريب البنيان الثابت ، ولا يصدق إلّا في مورد القاعدة فإنّك لو تيقّنت بعدالة زيد يوم الجمعة ورتّبت آثارها من الاقتداء به وإيقاع الطلاق عنده ونحوها فلو حكمت بعد ذلك بفساد الاقتداء والطلاق فقد نقضت أمرا ثابتا البتة ، وأمّا إذا حكمت بعدم جواز الاقتداء والطلاق بعد الشكّ في يوم السبت كما هو مقتضى الاستصحاب فليس هذا نقضا للأمر الثابت بل دفع للمحتمل.

قلت : إنّ ما ذكر إنّما يصحّ إذا اريد من نقض اليقين نقض آثار المتيقّن ، وأمّا إذا اريد نقض نفس المتيقّن كالعدالة فلا ريب في أنّه يصدق نقض العدالة بعدم ترتيب آثارها في الزمان المستقبل ، هذا بناء على مختار المتن في معنى قوله «لا ينقض اليقين» وأمّا على التحقيق المختار كما سيأتي في محلّه من أنّ المناط صدق نقض اليقين نفسه لا المتيقّن فالأمر أوضح ، لأنّ عدم ترتيب آثار العدالة

٩٢

المتيقّنة نقض لليقين الثابت بلا شكّ وريب ، هذا كلّه مع الاغماض عمّا ذكرنا من عدم ظهور الرواية في اتّحاد زمان متعلّق الوصفين كي نحتاج إلى تجريده عن الزمان لينطبق على الاستصحاب.

قوله : اللهمّ إلّا أن يقال (١).

قيل إنّ ظاهر هذا الكلام من دعوى ظهور تجريد متعلّق اليقين عن الزمان ينافي ما رامه من توجيه انطباق الرواية على الاستصحاب ، لأنّه قد اخذ في أركان الاستصحاب أن يكون المستصحب متيقّنا في الزمان السابق مشكوكا فيه في الزمان اللاحق ، فلا بدّ من كون الزمان ملحوظا فيه وإلّا انطبق على قاعدة اليقين لا الاستصحاب ، ثمّ أجاب بأنّ مراده التجريد من الزمان لفظا لا بحسب المراد وإلّا فالزمان مستفاد من إطلاق متعلّق اليقين ، والغرض من هذا التجريد بحسب اللفظ أن لا يصير الزمان قيدا للمتعلّق فإنّه لو صار قيدا له فإن اريد من عدم نقضه ترتيب آثار المتيقّن بالنسبة إلى عين ذلك الزمان فينطبق على القاعدة دون الاستصحاب ، وإن اريد ترتيب الآثار بالنسبة إلى ما بعد ذلك الزمان فيكون ذلك قياسا لا استصحابا لأنّه يرجع إلى إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر ، هذا محصّل كلامه على ما حكي عنه.

وفيه : أنّا لا نعقل الفرق بين أن يكون زمان المتعلّق مدلولا عليه في لفظ الخبر أو يكون مستفادا من إطلاق المتعلّق في كونه قيدا له ، وأيضا حمل عبارة المتن على هذا التكلّف كما ترى ، لوضوح أنّ مراده هو التجريد من الزمان مرادا لا لفظا فقط ، ومنشأ هذا التوهّم والتكلّف أنّه زعم أنّ المصنّف أراد توجيه انطباق الرواية على الاستصحاب بمجرّد دعوى التجريد المذكور ، وليس كذلك بل هي

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٧٠.

٩٣

مقدّمة للتوجيه ، ومحطّ نظره في هذا التوجيه إلى ما ذكره أخيرا من ظهور الرواية في كون اليقين بالعدالة موجودا في زمان الشك وليس ذلك إلّا في مورد الاستصحاب.

قوله : وإن كان ظرفه في الواقع ظرفا لليقين (١).

يعني وإن اتّفق أن يكون ظرفه ظرفا لليقين ، وإلّا فإن أراد الكلّية فهو واضح المنع ، فقد يكون ظرف العدالة ظرفا لليقين بها وقد يكون سابقا عليه وقد يكون لاحقا.

قوله : فافهم (٢).

يمكن أن يكون إشارة إلى منع الظهور المدّعى من تحقّق أصل العدالة في زمن الشك فإنّها دعوى بلا سند فافهم.

قوله : لكن الإنصاف (٣).

بل الإنصاف أنّ مفاد هذا الخبر بل سائر الأخبار المتقدّمة أعمّ من موارد الاستصحاب وقاعدة اليقين ويفيد فائدتهما ، ويراد منه الجامع بينهما بدعوى أنّ قوله «من كان على يقين فشك» يصدق على الشك في البقاء وعلى الشك في أصل الوجود الأوّل ، وقوله «فليمض على يقينه» يراد منه البناء على ذلك اليقين وإلغاء الشك كيف ما كان الشك ، ولا ينقض اليقين بالشك يعني لا يرفع اليد عن اليقين بشيء بالشك المتعلّق بذلك الشيء حدوثا أو بقاء ، وبعبارة اخرى يعني يجب أن يحكم بأنّ اليقين السابق باق في زمان الشك تنزيلا بملاحظة آثاره الشرعية ، أي يجب أن يعمل الشاك ما يعمله المتيقّن بذلك الشيء ، وهذا المعنى غير محتاج إلى تأويل نقض اليقين بنقض المتيقّن لأنّه يصدق عند رفع اليد عن

__________________

(١ ، ٢ ، ٣) فرائد الاصول ٣ : ٧٠.

(١ ، ٢ ، ٣) فرائد الاصول ٣ : ٧٠.

(١ ، ٢ ، ٣) فرائد الاصول ٣ : ٧٠.

٩٤

آثار ما كان متيقّنا في السابق وحصل الشك في بقائه أو أصل وجوده السابق نقض ذلك اليقين ودفعه ، وما ذكرنا ليس من استعمال اللفظ في معنيين لأنّه لم يرد خصوصية الشك الساري والشك الطارئ من اللفظ حتّى يقال إنّهما معنيان متباينان لا جامع بين الخصوصيتين ، بل الجامع المعرّى عن الخصوصيتين ، غاية الأمر أن يقال إنّ هذا المعنى لا يمكن أن يسمّى بالاستصحاب المصطلح ولا بقاعدة اليقين المصطلح فليسمّ بقاعدة إلغاء الشك لكنّه يفيد فائدة القاعدتين كما عرفت ، أو يسمّ بقاعدة اليقين بناء على تفسيرها بما يعمّ موارد الاستصحاب ويكون أعمّ مطلقا من الاستصحاب (١).

قوله : والإنصاف أنّ هذه الرواية أظهر ما في الباب (٢).

يمكن أن يورد عليه بعدم دلالة الرواية على المدّعى بوجه ، بأن يقال إنّها في سياق سائر الأخبار الواردة في أنّ مناط الصوم والافطار هي الرؤية لا الشكّ

__________________

(١) أقول : ويمكن أن يورد عليه : بأنّ الظاهر من اليقين المأخوذ في موضوع هذه الأخبار هو اليقين الطريقي سيّما بملاحظة مورد الصحيحتين الأوليين ، فإنّ اليقين بالوضوء في الصحيحة الاولى واليقين بالطهارة في الصحيحة الثانية لم يلاحظا من حيث وصف اليقين لأنّه في مقام إحراز شرط الصلاة ، ومن المعلوم أنّ الشرط نفس الوضوء والطهارة لا اليقين بهما ، فيكون محصّل مضمون الروايات كلّما ثبت شيء باليقين لا يحكم بارتفاعه بطريان الشكّ فيه ، ولا يصدق هذا المعنى إلّا أن يكون الشكّ باعتبار البقاء فينطبق على الاستصحاب ليس إلّا ، ولقد أوردت هذا على السيّد الاستاذ (زيد بركاته) فأجاب بأنّ كون اليقين طريقا في مثل قوله «لأنّك كنت على يقين من طهارتك» لا ينافي جعله موضوعا في مقام بيان الحكم الظاهري بابقاء الطهارة كما هو ظاهر قوله «ولا ينقض اليقين بالشك» وإلّا كان المناسب أن يقول ولا ينقض الطهارة بالشك.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٧١.

٩٥

والرأي والتظنّي والظنّ والعدد على ما اشير إليها في عدّة أخبار ردّا على من يعمل بهذه الامور من العامّة ، والمعنى حينئذ أنّ اليقين بدخول الشهر برؤية الهلال لا يدخله الشكّ في دخول الشهر بمثل هذه الامور. وأيضا يحتمل أن يراد من الخبر أنّ اليقين بالبراءة في أوّل الشهر واليقين بالاشتغال في آخر الشهر لا يدخلهما الشكّ بالاشتغال في الأوّل وبالبراءة في الثاني ، بل المدار فيهما على اليقين بالخلاف فيهما برؤية الهلال ، فيكون الخبر إشارة إلى قاعدة البراءة في الأوّل وقاعدة الاشتغال في الثاني. أقول لا يخفى بعد المعنيين بالنسبة إلى لفظ الخبر سيّما الثاني فتدبّر.

قوله : مثل رواية عبد الله بن سنان (١).

بل صحيحته كما في القوانين (٢) والفصول (٣) وغيرهما ونقلها المصنّف بالمعنى ، ولفظ الخبر هكذا : قال يعني عبد الله بن سنان «سأل أبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) وأنا حاضر أنّي اعير الذمّي ثوبا وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ فأغسله قبل أن أصلّي فيه ، فقال أبو عبد لله (عليه‌السلام) صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» (٤) إلّا أنّ الرواية معارضة برواية اخرى عن عبد الله بن سنان قال «سأل أبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجرّي ويشرب الخمر فيردّه أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٧٢.

(٢) القوانين ٢ : ٢٩٣.

(٣) الفصول الغروية : ٣٧٣.

(٤) الوسائل ٣ : ٥٢١ / أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ١.

٩٦

قال (عليه‌السلام) لا يصلّي فيه حتّى يغسله» (١) لكن الشيخ (٢) حمله على الاستحباب وتبعه من تأخّر عنه.

وكيف كان يمكن أن يورد على الاستدلال بالصحيحة بأنّها مساوقة لسائر الأخبار الواردة في إعارة الثوب للذمّي أو إعارة ثوب الذمّي وأوانيه الظاهرة في قاعدة الطهارة ، وتعبير الإمام (عليه‌السلام) باليقين بالطهارة قبل الاعارة والتعليل بها بملاحظة أنّه محلّ للشكّ وتوطئة إلى بيان عدم العلم بالنجاسة بمجرّد إعارة الثوب للذمّي مع العلم بأنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير.

أقول الإنصاف أنّه حمل بعيد مخالف للظاهر جدّا ، وعدم الاشارة إلى الحالة السابقة في سائر أخبار الباب لا يوجب منع ظهور هذا الخبر في الاستصحاب ، فليكن هذا الخبر دليلا على جواز الاعتماد على الطهارة السابقة وسائر الأخبار دليلا على كفاية مجرّد الشكّ في البناء على الطهارة ، غاية الأمر تداخل موارد القاعدتين أحيانا أو غالبا ، نعم لا عموم في الخبر بحيث يشمل سائر الأبواب غير باب الطهارة والنجاسة ، ودعوى عدم القول بالفصل كما في المتن ليست في محلّها ، لأنّ عدم قولهم بالفصل ليس قولا بعدم الفصل ، بل زعم صاحب كلّ قول قيام الدليل الفلاني على مختاره فلذلك لم يفصّل هذا التفصيل أحد منهم.

قوله : بناء على أنّه مسوق لبيان استمرار طهارة كلّ شيء الخ (٣).

يظهر من هذا البيان من أوّله إلى آخره أنّ الحمل على الاستصحاب مبني على كون القضية مسوقة لبيان استمرار الطهارة ، والحمل على القاعدة مبني على

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥٢١ / أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٤.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٧٢.

٩٧

كونها مسوقة لبيان ثبوت الطهارة ظاهرا ، لكن التحقيق أنّ مبنى الفرق بينهما هو أن يكون إثبات الطهارة الظاهرية بملاحظة الاعتماد على ثبوت الطهارة في السابق أو عدم ملاحظة ذلك ، وإلّا فمجرّد الاستمرار ملحوظ في القاعدة إلى العلم بالقذارة كما هو ملحوظ في الاستصحاب ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ سوق القضية لبيان الاستمرار يستلزم الثبوت السابق الذي هو مناط الاستصحاب فأشار إلى ملزوم المناط ، وسوقها لبيان أصل الثبوت وإن اريد معه استمرار الثابت أيضا مناط القاعدة فافهم.

قوله : فغاية الحكم غير مذكورة ولا مقصودة (١).

هذه العبارة مشتبهة المقصود ، فيحتمل أن يريد به أنّ غاية الحكم أعني الطهارة غير مذكورة وإنّما المذكور أعني العلم بالطهارة غاية للاستمرار الذي سيق الكلام لبيانه وغاية الطهارة هي ملاقاة النجاسة وهو غير مذكور ، وهذا بخلاف الحمل على بيان القاعدة فإنّ العلم بالقذارة غاية للطهارة أعني الطهارة الظاهرية التي استفيد من الحديث ، ويحتمل أن يريد به أنّ غاية الحكم أعني محمول القضية القائلة ، فكلّ شيء محكوم ظاهرا باستمرار طهارته إلى حصول العلم بالقذارة كما في المتن وهو قوله محكوم غير مذكورة ولا مقصودة ، لأنّ غايته النسخ ولم تذكر ، وهذا بخلاف الحمل على القاعدة فإنّ محمول القضية حينئذ قوله طاهر ، وغاية الطهارة ليست إلّا العلم بالقذارة وهو مذكور ، وقد أصرّ السيّد الاستاذ على ظهور العبارة في المعنى الثاني حتّى قال إنّها نصّ في ذلك بالنظر إلى ملاحظة مواضع من كلامه في المقام ، ثمّ أورد عليه بأنّ الغاية غاية للمحمول على كلا الوجهين ، فعلى الحمل على الاستصحاب يعبّر هكذا : كلّ شيء طاهر في السابق تستمرّ طهارته

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٧٣.

٩٨

إلى أن يعلم بقذارته ، وعلى الحمل على القاعدة يقال : كلّ شيء مشكوك الطهارة طاهر إلى أن يعلم قذارته ، ولا يحتاج إلى جعل المحمول على الأوّل محكوم باستمرار طهارته ، وإلّا فلنجعل المحمول على الثاني محكوم بثبوت الطهارة ، وكيف كان يظهر من عبارته هنا أنّ العلم بالقذارة غاية للحكم بثبوت الطهارة بناء على الحمل على القاعدة ، ويظهر من كلامه في ردّ بعض معاصريه كما سيأتي عن قريب أنّ غاية الحكم بثبوت الطهارة في القاعدة ليست إلّا نسخ هذا الحكم في الشريعة ، ويظهر من كلامه في آخر بيانه في التكلّم على هذا الخبر ما يوافق هذا المقام فليتأمّل فإنّ العبارة لا تخلو من قلق واضطراب وإشكال وإعضال من أوّلها إلى آخرها ، ولا أشكو إلّا من قلّة فهمي وقصور باعي.

قوله : بل تجري في مسبوق النجاسة على أقوى الوجهين الآتيين (١).

قد اختلف كلام المصنّف في هذه المسألة ونظائرها من موارد اجتماع مجرى الاستصحاب والقاعدة ، فهاهنا أشار إلى تقديم قاعدة الطهارة على استصحابها ، وكذا في أوّل مبحث حجّية الظنّ ذكر أنّ أصالة حرمة العمل بالظنّ يعني القاعدة على ما بيّنها مقدّمة على استصحابها واستشهد عليه بتقديم قاعدة الاشتغال على استصحابه مستدلا بتقدّم موضوع القاعدة وهو مجرّد الشكّ على موضوع الاستصحاب وهو العلم بالحالة السابقة مع الشكّ اللاحق ، واختار في آخر الرسالة عند تعرّض معارضة الاستصحاب مع سائر الاصول تقديم الاستصحاب نظرا إلى أنّ حاله حال الدليل بالنسبة إلى سائر الاصول بملاحظة أنّه جرّ الواقع تنزيلا إلى حال الشكّ ، ولكل وجه وسيأتي تحقيق حال المسألة إن شاء الله تعالى عند التعرّض لكلام المتن هنالك.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٧٣ ـ ٧٤.

٩٩

قوله : أقول ليت شعري ما المشار إليه بقوله هذا الحكم مستمر الخ (١).

لنا أن نختار من جانب صاحب الفصول الشقّ الأوّل ونبيّن مراده بحيث لا يرد عليه الإشكالان وهو أنّ قوله (عليه‌السلام) «كلّ شيء طاهر» مفاده قاعدة الطهارة غير مغيّا بغاية ، بل هي قضية مهملة قد اجمل فيها مقدار زمان ثبوت الطهارة ، وقوله «حتّى تعلم أنّه قذر» مفاده استمرار تلك الطهارة إلى زمان العلم بالقذارة وهو الاستصحاب ، نعم يرد عليه أنّ الظاهر أنّ مجموع الكلام قضية واحدة مسوق لبيان حكم واحد إمّا الاستصحاب أو القاعدة.

قوله : إلّا أنّ الاشتباه في الماء من غير جهة عروض النجاسة للماء غير متحقّق غالبا الخ (٢).

الإنصاف أنّ الأظهر في هذه الرواية أيضا حمله على قاعدة الطهارة كرواية كلّ شيء طاهر لكن في خصوص الماء ، ومجرّد أغلبية أفراد مواردها المسبوقة بالطهارة لا يصير منشأ لصرفها إلى استصحاب الطهارة فإنّها بعمومها شاملة لما كان حاله السابق هي النجاسة أيضا.

تتمّة : وممّا استدلّ به من الأخبار على المطلوب ما حكاه في المتن في أوّل الرسالة (٣) عن الشيخ (رحمه‌الله) في العدّة (٤) انتصارا للقائل بحجّية الاستصحاب ممّا روي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أنّ الشيطان ينفخ بين أليتي الرجل فلا ينصرفنّ أحدكم إلّا بعد أن يسمع صوتا أو يجد ريحا. ومنها ما عن

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٧٥.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٧٧.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ١٤.

(٤) العدّة ٢ : ٧٥٧ ـ ٧٥٨.

١٠٠