حاشية فرائد الأصول - ج ٣

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-091-8
الصفحات: ٥٥٦
الجزء ٢ الجزء ٣

قام الإجماع على حرمته ثمّ يحكم بترتّب حكم الحرمة شرعا عليه لكي يورد عليه أنّ هذا المصداق الآن لا يعلم أنّه من مصاديق الموضوع الذي قام الإجماع على حرمته هذا ، والذي يهوّن الخطب أنّ المصنّف صرّح في التنبيهات بصحّة استصحاب الموضوع ووجّهه بما يقرب ممّا بيناه أو عينه (١).

بقي الكلام فيما ذكره في المتن من عدم جواز استصحاب حكم العقل مستندا إلى تغيّر الموضوع فنقول : إنّه يكفي بقاء الموضوع عرفا كما في استصحاب حكم الشرع بعينه فيقال إنّ ردّ الوديعة الفلانية كان حسنا في السابق والأصل بقاؤه على حسنه ، فيترتّب عليه حكم الشرع بالوجوب ، ففي الحقيقة يرجع استصحاب حكم العقل إلى استصحاب موضوع حكم الشرع.

وأمّا المعنى الرابع وهو استصحاب حكم الشرع المستند إلى حكم العقل فيظهر من المتن أيضا عدم جوازه ، نظرا إلى أنّه تابع لحكم العقل ، وانتفاء المتبوع يستلزم انتفاء التابع ، وتوجيهه : أنّه نظير ما قدّمنا من أنّه إذا كان الحكم الشرعي تابعا لحكم غير الشرع من مثل أمر المولى أو الوالدين لا يمكن جريان الاستصحاب فيه عند الشكّ في تحقّق المتبوع.

وفيه : أنّه ليس هذا من ذاك فإنّه لو لم يحرز أمر المولى هناك لا يكاد يتحقّق عنوان الاطاعة الذي تعلّق به أمر الشارع ، وهذا بخلاف ما نحن فيه لأنّه قد ثبت الوجوب الشرعي لردّ الوديعة في الزمان الأوّل وإن كان بواسطة حكم العقل ، فإذا

__________________

(١) أقول : بل كلامه هنا أيضا ليس ظاهرا في عدم جواز استصحاب الموضوع ، لأنّ كلامه هنا من أوّله إلى آخره بصدد بيان عدم جواز استصحاب حكم العقل وكذا حكم الشرع المترتّب عليه ، نعم قد أقحم مثال الشبهة الموضوعية في خلال بيان المراد وقد أشرنا سابقا أنّه خلط ولعلّه من سهو القلم.

٦١

شكّ في الزمان الثاني في بقاء ذلك الوجوب فلا مانع من استصحابه هذا ، وسيأتي بعض الكلام في هذا البحث عند تعرّض المصنّف له في التنبيهات.

قوله : بل عنوان المضرّ والحكم له مقطوع البقاء ، وهذا بخلاف الأحكام الشرعية (١).

لا يخفى ما فيه من سوء التأدية ، إذ لا فرق بين أن يكون موضوع حكم العقل عنوان المضرّ وبين أن يكون موضوع حكم الشرع هذا العنوان ، فلو لم ينفع هذا الحكم الكلّي على الموضوع الكلّي في استصحابه عند الشك في بقاء قبح الصدق الخاص بالنسبة إلى حكم العقل لم ينفع في استصحاب حكم الشرع أيضا في المثال المفروض وإلّا فما الفرق ، والتحقيق صحّة الاستصحاب في المقامين ، وشبهة عدم بقاء الموضوع قد عرفت جوابها ، فإذا كان الصدق الخاصّ قبيحا في السابق أو حراما من حيث كونه مصداقا لعنوان المضرّ فلا مانع من استصحاب قبحه أو حرمته.

قوله : قلت هذا مسلّم لكنّه مانع عن الفرق بين الحكم العقلي والشرعي من حيث الظنّ بالبقاء (٢).

يعني لو بني على اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ فما ذكر في السؤال من عدم الفرق بين الحكم العقلي والشرعي مسلّم ، أي يلزم من عدم الفرق المذكور عدم جريان الاستصحاب فيهما كما أراده السائل.

قيل إنّه أراد أنّه لا فرق بينهما ويصحّ جريان الاستصحاب فيهما ، وهو فاسد لا يحتمله العبارة بوجه ، والعجب أنّه لم يذكر سوى هذا الاحتمال السخيف مع

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٨.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٩.

٦٢

ظهور الاحتمال الأوّل بل تعيّنه كما لا يخفى. وتوجيهه أنّه إن قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ انحصر طريق إثبات المستصحب في العقل بالنسبة إلى وجوده الواقعي كما قرّره في السؤال ، وكذا بالنسبة إلى وجوده الظاهري بالاستصحاب فإنّ المفروض أنّ طريقه الظنّ العقلي والعقل لا يحكم إلّا على الموضوع الواقعي المتحقّق فيه المناط الحقيقي لحكم العقل ، وهذا بخلاف ما لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب التعبّد بالأخبار فإنّ قوله (عليه‌السلام) : «لا تنقض اليقين» أي المتيقّن محمول على ما يقال في العرف إنّه نفس المتيقّن السابق كما يحمل سائر الألفاظ الواردة في بيان الأحكام الواقعية أو الظاهرية على مفاهيمها العرفية.

ويرد على هذا التوجيه أيضا : أنّه بناء على كون الاستصحاب من باب الظنّ أيضا يكفي بقاء الموضوع في العرف ، لأنّ الظنّ المذكور على تقدير تسليمه ناش من الاستقراء أو الغلبة ، ولا ريب أنّ الموارد المستقرأ بها فيها والمتحقّقة بها الغلبة ممّا يكون موضوعاتها باقية بالعرف لا بالدقّة الفلسفية ، نعم لو أجاب عن السؤال بدل الجواب المسطور بالفرق بين ما كان المستصحب من أصله ثابتا بدليل العقل فيعتبر بقاء موضوعه بالدقّة كما كان في أصل اعتباره بالدقّة ، وبين ما كان المستصحب ثابتا بالدليل الشرعي فيكفي بقاء موضوعه عرفا لأنّه الموضوع حقيقة في لسان الدليل أي اللفظ الدالّ عليه من الكتاب والسنّة كان له وجه ، وإن كان فيه تأمّل أيضا فتأمّل فإنّ مناط صدق الموضوع وبقائه هو العرف مطلقا وسيأتي لهذا المطلب مزيد بيان في محلّه إن شاء الله تعالى.

٦٣

قوله : أحدها من جهة أنّ الشكّ قد ينشأ من اشتباه الأمر الخارجي الخ (١).

لا كرامة في هذا التقسيم باعتبار الشكّ مع أنّه راجع إلى ثاني التقسيمات باعتبار المستصحب والمخالف فيه هو المخالف هناك كما ذكره في المتن ، ومجرّد اختلاف الاعتبار لا يصلح أن يكون منشأ لزيادة التقسيم ولا اعتبار بالاعتبار الذي لا طائل تحته ، ولعلّك تتفطّن ممّا ذكرنا أنّ ثالث التقسيمات باعتبار الشكّ أيضا راجع إلى ثالث التقسيمات باعتبار الدليل ، ولا وجه لاعادته باعتبار آخر ولا كرامة ، اللهمّ إلّا أن يدّعي الفرق بينهما بأنّ التقسيم السابق بملاحظة كون الدالّ على الاستمرار نفس الدليل الدالّ على الحكم وعدمه ، وأنّ التقسيم هاهنا بملاحظة كون مقتضى المقتضي بذاته ممّا يدوم ويبقى إلى أن يتحقّق ما يزيله ويرفعه وعدمه. وفيه أنّه لا يتفاوت ذلك فيما هو مناط الخلاف والحجّية وعدمها كما لا يخفى ، وظنّي أنّ المصنّف قد أعجبه كون التقسيم بكلّ من الاعتبارات الثلاثة ثلاثة ، وغفل عمّا يرد عليه من رجوع بعضها إلى بعض ، نعم تفصيل شارح الدروس بين الشك في وجود الغاية وغيره الذي أدرجه في التقسيم الثالث باعتبار الدليل لا يرجع إلى التفصيل بين الشكّ في المقتضي والرافع ، لأنّ الشكّ في وجود الغاية شكّ في المقتضي فهو مفصّل بين بعض أفراد الشكّ في المقتضي وغيره فتدبّر.

قوله : فإن كان من باب الظنّ الشخصي الخ (٢).

كما أنّه لا يعقل ظنّ البقاء في صورة الظنّ بالخلاف كذلك لا يعقل ظنّ البقاء

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٤٣.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٤٦.

٦٤

في صورة الشكّ بمعنى تساوي الطرفين ، فينحصر محلّ الخلاف على مذاق البهائي (رحمه‌الله) في صورة الظنّ الفعلي بالبقاء ، ولا يخفى أنّ ظاهر المتن أنّ محلّ الخلاف على مذاق البهائي (رحمه‌الله) يشمل صورة الشكّ وهو كما ترى.

قوله : الأوّل ظهور كلمات جماعة في الاتّفاق عليه (١).

إن أراد دعوى الإجماع المحصّل بملاحظة الإجماعات المنقولة التي ذكرها نصّا أو ظاهرا فأنت خبير بما فيه ، وكيف ذلك مع هذا الاختلاف الشديد والأقوال المتشتّة التي أنهاها إلى أحد عشر وبعضهم أنهاها إلى نيف وخمسين ، وإن أراد الاستدلال بالإجماع المنقول فبعيد عن مذاقه جدّا كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما استظهره من صاحب المعالم من دعواه الإجماع على حجّية الاستصحاب محلّ نظر ، إذ لعلّ نظر صاحب المعالم إلى أنّ الموارد التي جعل المحقّق (رحمه‌الله) الاستصحاب فيها حجّة ليست من الاستصحاب بل من باب التمسّك بالعموم أو إطلاق الدليل كما وجّه بذلك في المتن كلام المحقّق على ما سيأتي.

قوله : الثاني أنّا تتبّعنا موارد الشكّ الخ (٢).

لا يخفى أنّ الموارد المستقرأ فيها على تقدير التسليم كلّها أو جلّها إنّما هي في الشبهات الموضوعية أو الأحكام الجزئية لا الأحكام الكلّية في مثل ناقضية المذي أو الخارج من غير السبيلين ، أو طهارة الماء المتغيّر الذي زال تغيّره من قبل نفسه أو غير ذلك ، فلا ينفع هذا الاستقراء في حجّية الاستصحاب في الأحكام الكلّية.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٥٣.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٥٤.

٦٥

وقد يورد على الاستدلال بهذا الاستقراء بأنّه لم يعلم من الموارد المستقرأة أنّ الحكم بالبقاء فيها من باب الاستصحاب والاعتماد على وجود الشيء في الحال السابق ، ولعلّه من باب قاعدة الاقتضاء المعروفة.

ويمكن دفعه : بأنّ هذا لا يقدح في المقصود من إثبات الحكم بالبقاء عند الشكّ في الرافع مطلقا إن شئت سمّه استصحابا وإن شئت سمّه قاعدة الاقتضاء ، ولا يتفاوت الحال بعد تساويهما موردا وتصادقهما محلا.

قوله : منها صحيحة زرارة ولا يضرّها الإضمار (١).

لأنّ الاضمار من زرارة والمعلوم من حاله أنّه لا يسأل عمّن عدا الإمام (عليه‌السلام) ولا يعتمد على غيره (عليه‌السلام) ، ولا بأس بأن نشير إلى بعض ما يتعلّق بفقه الخبر وإن لم يكن له مدخلية بجهة الاستدلال فنقول : قوله «الرجل ينام» (٢) ليس على حقيقته ظاهرا ، إذ لا يخفى على زرارة أنّ النوم موجب للوضوء ولم يقصد السؤال عن ناقضية النوم المعلوم التحقّق ، فيحتمل أن يكون معناه أنّ الرجل يريد النوم كما في قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا)(٣) فيسأل عن بعض الحالات التي تعرض عقيب إرادة النوم من مثل الخفقة وعدم الشعور بحركة ما في جنبه أنّه ناقض أم لا ، أو يكون المعنى أنّ الرجل يشرف على النوم ، أو المعنى أنّه يضطجع ويتمدّد أو يغلب عليه النوم ، وكيف كان هذا الكلام تمهيد للسؤال عن بعض الحالات المتأخّرة عن هذه الحالة ، ويحتمل بعيدا حمله على حقيقته ويكون المراد أنّ الرجل ينام حقيقة إلّا أنّ للنوم مراتب بعضها أضعف

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٥٥.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٣) المائدة ٥ : ٦.

٦٦

من بعض ، وعلم الراوي أنّ أقوى المراتب ناقض ويسأل عن بعض مراتبه الضعيفة كالخفقة والخفقتين ونحوهما بناء على أنّ الخفقة من أفراد النوم حقيقة.

قوله : «أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء» يحتمل فيه وجوه : أحدها ما مرّ من أنّ هذا الفرد من النوم وهو أضعف أفراده هل يوجب الوضوء أم لا. الثاني : أن يقال إنّ السائل قد علم أنّ الخفقة والخفقتين ليستا من أفراد النوم فيسأل عن أنّهما أيضا كالنوم في إيجاب الوضوء أم لا ، ووجه السؤال أنّهما ممّا يشبه النوم نظير الاغماء ، وهذا نظير السؤال عن ناقضية المذي الذي شبيه بالبول أو المني الناقضين. الثالث : أن يقال إنّ السؤال عن حكم الشكّ في النوم ، يقول قد حصل بعض أمارات النوم وهي الخفقة فحصل الشكّ في وجود النوم فهل يحكم بالنقض بمجرّد ذلك أم لا.

فعلى الاحتمالين الأوّلين يكون السؤال عن حكم الله الواقعي وكذا الجواب ، ولا ربط له بمسألة الاستصحاب في شيء.

وعلى الثالث يكون السؤال عن حكم حال الشكّ ، ويشعر أو يدلّ الجواب على الاستصحاب إلى أن يعلم النوم الغالب على العين والاذن والقلب ، ولا يبعد أن يكون الاحتمال الثالث أقرب ولو بملاحظة كون هذا السؤال في سياق السؤال الذي بعده وبعده وجوابيهما (١).

__________________

(١) أقول : الأظهر أنّ السؤال عن أنّ الخفقة هل هي من أفراد النوم أم لا ، فإن قيل إنّ تشخيص الموضوعات العرفية في الشبهات المصداقية ليس من وظيفة الإمام (عليه‌السلام) فلا ينبغي أن يسأل عنه ، قلنا نعم ومع ذلك قد يسأل الإمام (عليه‌السلام) عن بعض الموضوعات الخفية ويرشد الإمام (عليه‌السلام) إلى بعض الموازين التي يتميّز بها صدق

٦٧

قوله (عليه‌السلام) : «فإذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء» لم يذكر القلب في مناط تحقّق النوم الموجب للوضوء مع أنّه (عليه‌السلام) ذكره فيما سبقه تمهيدا لبيان المناط حيث قال : «يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن» ولعلّه للملازمة بين نوم القلب والاذن ، وأنّ تعطّل الاذن عن السماع يستلزم تعطّل القلب عن الإدراك ، ونحن نجد من أنفسنا ذلك.

قوله : «فإن حرّك إلى جنبه شيء وهو لا يعلم» الخ ، ظاهر بل صريح في السؤال عن حكم الشكّ بقرينة جواب الإمام (عليه‌السلام) بحكم الاستصحاب بقوله (عليه‌السلام) : «لا ، حتّى يستيقن أنّه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن» ولم يشر في المتن إلى الاستدلال بهذه الفقرة مع كونها واضحة الدلالة على المطلوب ، لعدم استفادة العموم منها ، وإنّما تفيد الاستصحاب في خصوص باب الوضوء بالنسبة إلى الشكّ في خصوص النوم ، وهل مورد السؤال في هذه الفقرة من قبيل الشكّ في عروض القادح بأنّه يسأل عن أنّه لا يدري أنّه نام وهل يكون عدم شعوره بتحريك ما في جنبه كاشفا عن النوم أم لا ، أو من قبيل الشكّ في قدح العارض بأنّه يقول إنّه قد حصل له حالة من كسل الحواس والغفلة بحيث إذا حرّك في جنبه شيء لا يعلم به فيسأل عن أنّ هذه الحالة الموجودة هل هي نوم ناقض أو ليس بنوم؟ وجهان :

وقد ادّعى صاحب الفصول (١) صراحتها في المعنى الثاني حيث ذكر في

__________________

مفهوم الموضوع على المشكوك فيه كما سئل عن المني واجيب بأوصافه الغالبية ومثله كثير كما سئل عن الحيوان المتولّد بين الشاة والكلب أنّه شاة أو كلب واجيب بتميّزه بخواصّ الشاة أو الكلب وغير ذلك.

(١) الفصول الغروية : ٣٧٢.

٦٨

جملة ما أورده على المحقّق السبزواري (رحمه‌الله) القائل بعدم حجّية الاستصحاب في الشكّ في قادحية العارض وانحصار الحجّة منه في عروض القادح ، أنّ قول أبي جعفر (عليه‌السلام) : «لا ، حتّى يستيقن أنّه قد نام» إلى آخره بعد قول زرارة «فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم به» صريح في حجية الاستصحاب في الصورة المذكورة فكيف منع دلالة الأخبار على حجية الاستصحاب في غير القسم الأول انتهى. يعني بالقسم الأوّل صورة الشكّ في عروض القادح ، ولا يخفى أنّ المعنى الثاني ظاهر العبارة إن لم يكن صريحا ، وعليه أيضا يتمّ ما أورده على قول السبزواري (رحمه‌الله).

فإن قلت : لا يرد ذلك على السبزواري بعد ما عرفت من عدم دلالة هذه الفقرة على اعتبار الاستصحاب إلّا بالنسبة إلى مورد خاصّ ولعلّ السبزواري لا ينكره ، وإنّما ينكر حجّية الاستصحاب كلّية في الشكّ في قدح العارض.

قلت : ليس الايراد بملاحظة نفس هذه الفقرة بمجرّدها بل بملاحظة دخول موردها أعني عروض حالة يشكّ في كونها نوما في عموم قوله (عليه‌السلام) : «ولا ينقض اليقين بالشكّ أبدا».

قوله : وجعلها نفس الجزاء يحتاج إلى تكلّف (١).

وجه عدم صحّة جعله نفس الجزاء أنّه لا بدّ من كون الشرط علّة للجزاء في القضية الشرطية ولو اعتبارا وهذا المعنى مفقود فيما نحن فيه ، وأيّ علّية بين قوله وإلّا أي وإن لم يستيقن أنّه قد نام وبين قوله فإنّه على يقين من وضوئه ، اللهمّ إلّا أن يحمل قوله «فإنّه على يقين من وضوئه» على الانشاء ويكون معناه وإن لم يستيقن أنّه قد نام فليكن على يقين من وضوئه ، ولعلّه وجه التكلّف الذي أشار إليه

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٥٦.

٦٩

المصنّف (رحمه‌الله) ، وكيف كان فالظاهر كما في المتن أنّ جواب الشرط محذوف قام مقامه العلّة.

ويمكن الاستدلال على الاستصحاب بنفس العلّة المذكورة مع قطع النظر عن عموم قوله «ولا ينقض اليقين بالشك أبدا» بناء على التحقيق من حجّية العلّة المنصوصة ، فمحصّل معنى الكلام أنّه إن لم يتيقّن النوم فلا نقض ، لأنّ الحكم حين الشك في بقاء شيء يكون على طبق اليقين السابق ، وعموم هذا التعليل كاف في المطلوب ، لكن هذا مبنيّ على إلغاء قيد الوضوء في التعليل وإلّا يكون مفاد التعليل أنّ الحكم عند الشك في بقاء الوضوء على طبق اليقين السابق فيكون قاعدة في خصوص باب الوضوء ، ووجه إلغاء قيد الوضوء في التعليل أنّ ذكره بملاحظة تطبيق عموم التعليل على مورد السؤال فهو نظير ما إذا قيل لا تأكل هذا الرمّان لأنّه رمّان حامض ، ويكون العلّة نفس الحموضة وذكر الرمّان في التعليل للاشارة إلى انطباق العلّة على المورد ، فكأنّه قال لأنّ وضوءه يقيني بدل قوله «لأنّه على يقين من وضوئه».

وممّا ذكر يندفع ما قيل من أنّه يكفي في وجه العموم الذي يستفاد من التعليل تعدّي الحكم عن المورد إلى سائر أفراد الشكّ في بقاء الوضوء لاحتمال حدوث سائر الأحداث من غير النوم ، توضيح الاندفاع : أنّ الظاهر من القضية كون اليقين السابق علّة لا خصوص اليقين بالوضوء ، وليس هنا نصّ أو دليل يدلّ على وجوب التعدّي عن المورد حتّى يقال إنّ المتيقّن منه هو التعدّي إلى سائر أفراد الشك في بقاء الوضوء لا مطلق بقاء ما كان (١).

__________________

(١) أقول : الإنصاف أنّ الحقّ مع المورد مع قطع النظر عن قوله «ولا ينقض اليقين بالشكّ» ودعوى ظهور القضية في عموم إبقاء اليقين السابق ممنوعة.

٧٠

واورد أيضا بأنّه لو اريد من التعليل عموم إبقاء ما كان كما هو المدّعى كان قوله «ولا ينقض اليقين بالشكّ» تكرارا وتأكيدا ، بخلاف ما لو اريد منه عموم إبقاء يقين الوضوء فإنّ القضية الثانية على هذا تفيد التعدّي إلى غير مورد الوضوء.

والجواب : أنّ ذلك من قبيل التصريح بمفهوم الكلام في مثل القضية الشرطية ونحوها فإنّه لا يعدّ تكرارا بل توضيحا وتحقيقا للمقصود كما لا يخفى.

قوله : وبعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء الخ (١).

يعني لو اعتبر تقييد اليقين بالوضوء لاختلّ شرط الانتاج من هذه الصغرى والكبرى المذكورتين في الكلام ، وهو تكرّر حدّ الوسط بعينه ، لأنّ اليقين الذي هو حدّ الوسط مطلق في الكبرى ومقيّد بالوضوء في الصغرى.

وفيه : أنّه لا يضرّ لأنّ مناط صحّة الانتاج اندراج الأصغر في كلّية الكبرى وهذا المعنى موجود فيما نحن فيه ، وهو نظير قولنا زيد فاعل لضرب وكلّ فاعل مرفوع ، ولا يشترط في صحّة الانتاج أن تكون الكبرى وكلّ فاعل ضرب مرفوع ، سلّمنا ولكن لا يتوقّف الاستدلال على حمل الكلام على القياس المنطقي ، بل قوله «ولا ينقض اليقين بالشكّ» دليل على المطلوب مع قطع النظر عمّا سبقه ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ تقييد اليقين بالوضوء في قوله «فإنّه على يقين من وضوئه» قرينة على تقييده به في قوله «ولا ينقض اليقين» أيضا ، لكنّه دعوى ممنوعة إلّا على تقدير حمل اللام في اليقين على العهد وسيأتي الكلام عليه.

قوله : ولكن مبنى الاستدلال على كون اللام في اليقين للجنس (٢).

ظاهر هذا الكلام بانضمام ما سبقه أنّ الاستدلال مبني على أمرين : أحدهما

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٥٦.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٥٦.

٧١

إهمال تقييد اليقين بالوضوء في قوله «فإنّه على يقين من وضوئه» الثاني : كون اللام للجنس في قوله «ولا ينقض اليقين» لا العهد ، والأظهر أنّ الأمر الثاني كاف في الاستدلال لو ثبت ولا يحتاج إلى ضمّ الأمر الأوّل ، وقد عرفت وجهه في الحاشية السابقة ، وأمّا الأمر الأوّل فهل يكفي بمجرّده في الاستدلال ولو كان اللام في اليقين للعهد أم لا؟ فنقول : إن صحّ ما قلنا من فهم علّية مطلق اليقين السابق لبقاء الحكم فكفايته واضحة من هذه الجهة بمعنى أنّ عموم التعليل دليل على المطلوب بالتقريب السابق ، ولو أغمضنا عن ذلك فقد يقال يكفي ذلك أيضا ولو على تقدير العهد ، إذ بعد إلغاء التقييد بالوضوء يكون المعهود هو الجنس مطلقا ويكون اللام إشارة إليه ، فيكون مثل ما لو حمل اللام على الجنس من الأوّل ، وقد يجاب بمنع كون المعهود على ذلك التقدير الجنس بل النكرة المراد منها فرد ما ، فلا يستفاد من قوله «ولا ينقض اليقين» عموم يستدلّ به على المطلوب ، بل هي قضية مهملة ، ويندفع بأنّ اليقين المعهود لمّا كان مذكورا في قضية التعليل كان عامّا (١).

قوله : واللام وإن كان ظاهرا في الجنس إلّا أنّ سبق يقين الوضوء ربما يوهن الظهور المذكور (٢).

أمّا ظهور اللام في الجنس فمسلّم بناء على ما هو التحقيق من كون اللام

__________________

(١) أقول : كون القضية في مقام التعليل واستفادة العموم منها لا يستلزم استعمال لفظ اليقين في القضية في العموم كما في قوله الخمر حرام لأنّه مسكر ، فإنّ استفادة عموم الحرمة لكلّ مسكر من قضية التعليل لا يستلزم استعمال لفظ المسكر في القضية في العموم كما لا يخفى.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٥٧.

٧٢

موضوعا للاشارة إلى مدلول مدخوله ، والمفروض أنّ مدلول لفظ اليقين هو الجنس وحمله على العهد خلاف الظاهر كحمله على الاستغراق ، والظاهر أنّه أراد من قوله : إلّا أنّ سبق يقين الوضوء الخ ، أنّ سبق يقين الوضوء يصلح أن يكون قرينة على صرف هذا الظاهر وبه يوهن الظاهر المذكور ، وفيه أنّ مجرّد وجود ما يصلح أن يكون قرينة لا يوجب صرف الظاهر عن ظاهره وإنّما يناسب هذا الكلام فيما لو كان الحمل على العموم بجريان مقدّمات الحكمة فإنّهم ذكروا أنّ وجود ما يصلح أن يكون بيانا مخلّ بجريانها ، وبيانه في محلّه.

ثمّ لا يخفى أنّ ظاهر كلمات البيانيين والاصوليين بل صريحهم كلا أو جلّا أن سبق الذكر قرينة على العهد مطلقا إذا كان بلفظ النكرة كما صرّحوا به ، فيصرف اللام عن ظاهره ، وعليه يسقط الاستدلال بالرواية على عموم حجّية الاستصحاب في غير باب الوضوء أيضا ، لكن لنا أن نمنع ذلك ، وقول أهل العربية والاصول بل اتّفاقهم كما قيل لا يكون حجّة علينا لو لم يساعد عليه دليل آخر فنقول في مثالهم المعروف (أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً* فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(١) لم لا يجوز أن يكون المراد إفادة عصيان فرعون جنس الرسول وطغيانه وتمرّده عن طاعة الله وإن كان الجنس منطبقا في الواقع على خصوص موسى وهكذا في باقي الموارد (٢).

__________________

(١) المزمل ٧٣ : ١٥ ـ ١٦.

(٢) أقول : الإنصاف أنّ المنع المذكور في غير محلّه ، وتخطئة جمهور أهل العربية والاصول مع أنّهم من أهل العرف أيضا كما ترى ، مع أنّا نجد الظهور العرفي في العهد في مثل قوله رأيت رجلا وأكرمت الرجل ، وحينئذ تقريب الاستدلال متوقّف على صحّة ما ذكره في

٧٣

قوله : بل يكون الجزاء مستفادا من قوله «ولا ينقض» (١).

ولا يمكن أن يكون «ولا ينقض» جزاء لمكان الواو. ثمّ إنّ حمل قوله «فإنّه على يقين من وضوئه» على أنّه توطئة للجزاء لا ينافي فهم العلّية منه.

قوله : لا في حيّزه كما في «لم آخذ كلّ الدراهم» (٢).

قد مرّ في قاعدة الميسور في ذيل التكلّم في الخبر العلوي «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» منع ظهور لم آخذ كلّ الدراهم في سلب العموم ، والنقض والإبرام في ذلك بتفصيل فصيل فراجع.

قوله : وقد اورد على الاستدلال بالصحيحة بما لا يخفى جوابه (٣).

قد أنهاها صاحب الضوابط (٤) إلى ثمانية وغيره إلى أزيد من ذلك على ما حكي ، أغلبها سخيفة لا يليق أن يذكر ، نعم قد يورد على الاستدلال بما يصعب الجواب عنه وهو أن يقال إنّه يشترط في مجرى الاستصحاب أن يكون متعلّق اليقين والشكّ متّحدا بمعنى كون المشكوك نفس ما هو المتيقّن في السابق ، ومعنى الاستصحاب إلغاء الشكّ في الشيء وأخذ حكم اليقين في ذلك الشيء ، ولا يدلّ قوله «لا تنقض اليقين بالشكّ» في هذه الرواية على هذا المعنى ، بل ينطبق مدلولها على قاعدة الاقتضاء ، لأنّ متعلّق اليقين والشكّ فيها مختلف ، لأنّ موردها السؤال عن اليقين بالوضوء والشكّ في النوم من قبل الخفقة أو عدم شعوره

__________________

المتن من أنّ قوله «ولا ينقض اليقين» بمنزلة الكبرى ، ووقوعه في مقام الكبرى قرينة على عدم إرادة العهد ، إذ شأن الكبرى أن يراد منها حكم كلّي عامّ لمورد الصغرى وغيره.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٥٨.

(٤) ضوابط الأصول : ٣٦١ ـ ٣٦٢.

٧٤

بتحريك ما إلى جنبه ، فأجاب (عليه‌السلام) بأنّ الناقض اليقين بالنوم لا الشكّ فيه ، فيكون قوله «ولا ينقض اليقين بالشكّ» الذي هو بمنزلة الكبرى لمورد السؤال من هذا القبيل ، ومعناه أنّ اليقين بشيء لا ينقض بالشك في وجود ما ينافيه ويمنعه من موانع الحدوث أو موانع البقاء بعد إحراز المقتضي ، فيشمل ما إذا كان الشخص شاكّا حال الوضوء في وجود مانع عن حصول الطهارة ، فيقال إنّ اليقين بعلّة الطهارة لا ينقض بسبب الشك في المانع أي لا يعتنى بالشك في المانع ويترتّب أثر المقتضي ، وهذا المعنى وإن كان يفيد فائدة الاستصحاب إلّا أنّه منطبق على قاعدة الاقتضاء ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ المورد قرينة على إرادة الاستصحاب وأنّ العموم المستفاد من كلّية الكبرى قضية عموم الاستصحاب ، ويؤيّده مفاد الأخبار الأخر المتقاربة بحسب اللفظ مع هذه الصحيحة (١).

وممّا اورد على الاستدلال بهذه الصحيحة : أنّ مفادها أخصّ من المدّعى للشك في شمولها للشبهة الحكمية بيان ذلك : أنّ الإجماع واقع على عدم جواز العمل بالأصل قبل الفحص في الشبهات الحكمية ، فيدور الأمر بين أحد التخصيصين ، إمّا إخراج الشبهات الحكمية وتخصيص عموم الخبر بالشبهات الموضوعية ، وإمّا إخراج ما قبل الفحص منها بالنسبة إلى الشبهات الحكمية ، وأحدهما ليس بأولى من الآخر ، فيكون مجملا ويسقط الاستدلال بها في الشبهات الحكمية.

وفيه : أنّ المورد من قبيل دوران الأمر بين التقييد والتخصيص ، فإنّ اختصاص إجراء الاستصحاب بما بعد الفحص إنّما يستلزم تقييد إطلاق الشك به

__________________

(١) أقول : ويدلّ على أنّ المراد منها خصوص الاستصحاب أيضا أنّ النقض لا يصدق عرفا إلّا إذا احرز وجود الشيء ثمّ ارتفع وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

٧٥

والتقييد أولى ، ولو سلّم دوران الأمر بين التخصيصين فلا ريب أنّ الثاني منهما أعني إخراج موارد ما قبل الفحص في الشبهة الحكمية أولى ، لأنّه أقلّ أفرادا من التخصيص الأوّل.

ثمّ لا يخفى أنّه لو بني على إخراج الشبهات الحكمية عن عموم الخبر بالنسبة إلى ما قبل الفحص لا يمكن أن يشملها العموم بالنسبة إلى ما بعد الفحص عند المصنّف على ما حقّقه في التنبيه العاشر من تنبيهات الاستصحاب ، وفي ذيل التكلّم في خيار الغبن من كتاب المتاجر من أنّه لو خرج عن العموم فرد باعتبار بعض الأزمنة لا يمكن شمول العموم له بالنسبة إلى ما بعد ذلك الزمان إلّا أن يكون الزمان قيدا للفرد بحيث يكون هذا الفرد باعتبار تقيّده بالأزمنة المتعدّدة أفرادا للعام ويكون خروج هذا الفرد عن العام باعتبار كلّ فرد من الزمان تخصيصا مستقلا ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك وعليه في محلّه إن شاء الله تعالى.

قوله : ومنها صحيحة اخرى لزرارة مضمرة أيضا (١).

يعني ولا يضرّها الإضمار كما مرّ في الصحيحة الاولى ، بل يقال قد رواها في العلل (٢) مسندة إلى الباقر (عليه‌السلام) لكنّها بهذا السند ليست صحيحة بل حسنة بابن هاشم كالصحيحة فافهم.

قوله : «قلت فإن لم أكن رأيت موضعه ـ إلى قوله ـ تغسله وتعيد» يحتمل أن يراد منه أنّه بعد ما علم إجمالا بنجاسة موضع من ثوبه نسي ذلك وصلّى ، ولا يرجع هذا إلى تكرار السؤال الأوّل كما يتوهّم ، والفرق أنّ السؤال الأوّل عن نسيان النجاسة المعلومة بالتفصيل والثاني عن نسيان النجاسة المعلومة بالإجمال.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٥٨.

(٢) علل الشرائع : ٣٦١ / الباب ٨٠.

٧٦

ويحتمل أن يراد منه السؤال عن حكم النجاسة المعلومة بالإجمال في الثوب حال الصلاة ، واستبعاد جهل زرارة هذا الحكم في غير محلّه ، إذ لعلّه احتمل أنّ العلم الاجمالي ليس كالعلم التفصيلي منجّزا كما هو مذهب جمع.

ويحتمل أن يراد منه أنّه لمّا طلبه وما قدر عليه يعني لم يجده شك في أنّه أصابه الدم أم لا ، بأن كان علمه جهلا مركّبا وصلى على هذا الحال ثمّ تبيّن بعد الصلاة أنّه أصابه وصلى في النجس جاهلا به ، ولا يشكل ذلك بأنّ الجاهل بنجاسة ثوبه لا يعيد صلاته مع أنّه (عليه‌السلام) أجاب بوجوب الاعادة ، لامكان الفرق بين مثل هذا الجاهل الذي تقدّم منه العلم ثمّ شك وبين غيره ، فيختص حكم وجوب الاعادة بالأوّل ويخصّص بهذه الرواية عموم أدلّة صحّة صلاة من صلى في النجس جاهلا بالنجاسة ، وكيف كان هذه الفقرة من الرواية خارجة عن محلّ الاستدلال ، بل محلّ الاستدلال منها موضعان الفقرة الثالثة والسادسة كما لا يخفى.

لكن ذكر في القوانين (١) أنّ في هذه الصحيحة مواضع للدلالة يمكن أن يريد بالموضع الثالث للدلالة قوله «لأنّك كنت على يقين من طهارتك» بملاحظة عموم العلّة على التقريب السابق في الصحيحة الاولى ، ويمكن أن يريد به قوله «لأنّك لا تدري لعلّه شيء اوقع عليك» بدعوى أنّه يفهم منه أنّ المناط في صحّة الصلاة هو اليقين بالطهارة السابقة ، ويمكن أن يريد به قوله «حتّى تكون على يقين من طهارتك» بتقريب أنّ الأمر بغسل جميع الناحية التي يرى أنّه أصابها وعدم الاكتفاء بغسل بعضها بملاحظة استصحاب النجاسة المتيقّنة في الثوب ، وما يقال من أنّ ذلك من باب قاعدة الاشتغال ومنطبق عليها ، مدفوع بأنّ قاعدة

__________________

(١) القوانين ٢ : ٦٢.

٧٧

الاشتغال راجعة إلى استصحاب الاشتغال على مذاق المحقّق القمي (رحمه‌الله).

نعم يرد عليه أنّ هذه الفقرة لا تدلّ على حجّية الاستصحاب كلّية بل في خصوص صور الشكّ في طهارة لباس المصلّي ، ويمكن أن يكون المحقّق المذكور ناظرا إلى جميع ما ذكر فترتقي مواضع الدلالة إلى خمسة فتدبّر.

قوله : وإرادة الجنس من اليقين لعلّه أظهر هنا (١).

لعلّ وجه الأظهرية أنّ الصحيحة الاولى قد احتمل فيها أن يكون قوله «فإنّه على يقين من وضوئه» توطئة لجواب الشرط ولا يكون علّة ، وهذا الاحتمال منتف في هذه الصحيحة لعدم تضمّنها للشرط ، وحكي عن شارح الوافية دعوى الأظهرية في الصحيحة الاولى ، ولعلّه بملاحظة لفظ الفاء في قوله «فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ» الظاهر في اختصاص الحكم بالمورد لكونه متفرّعا بالفاء على مورد السؤال ، والموجود في المتن وإن كان «وليس ينبغي» الخ بالواو إلّا أنّه في كتاب الوسائل بالفاء على النسخة التي عندنا وكذا في نسخة من التهذيب عليها آثار الصحّة.

قوله : وربما يتخيّل حسن التعليل لعدم الاعادة الخ (٢).

قيل المتخيّل شريف العلماء المازندراني (٣) وكلامه هذا يحتمل وجهين : أحدهما أن يقال إنّ وجوب الاعادة إنّما يترتّب على أحد أمرين على سبيل منع الخلو ، إمّا عدم الأمر بالصلاة المأتيّ بها ، وإمّا عدم كون الأمر الظاهري مقتضيا للاجزاء ، وعلى هذا فعدم وجوب الاعادة مترتّب على ثبوت الأمر وكونه مقتضيا

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٥٩.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٦٠.

(٣) راجع ضوابط الأصول : ٣٥٤.

٧٨

للإجزاء ، وحينئذ نقول لو فرضنا العلم بكون الأمر مقتضيا للإجزاء ينحصر وجه احتمال وجوب الاعادة في عدم الأمر ، فيصحّ أن يعلّل عدم وجوب الاعادة ببقاء الأمر ، وأنّ الحكم بعدم الأمر بعد اليقين بوجوده قبل زمان الشك نقض لليقين بالشك ، ولمّا صحّ هذا يحمل لفظ الرواية عليه ، فيصحّ التعليل ويكون كاشفا عن قاعدة الإجزاء أيضا.

الثاني : أن يقال إنّ علّة عدم وجوب الاعادة مركّبة من أمرين : بقاء الأمر وكونه مقتضيا للإجزاء ، فالتعليل ببقاء الأمر لعدم جواز نقض اليقين بالشك تعليل بجزء العلّة وتمامية العلّة بملاحظة قاعدة الإجزاء ، فيكشف ذلك عن ثبوت القاعدة أيضا وإلّا لم يتمّ التعليل ، والفرق بين الوجهين أنّ فرض ثبوت قاعدة الإجزاء على الأوّل محقّق لصدق معنى نقض اليقين بالشكّ لا باليقين ، وعلى الثاني متمّم للتعليل فليتأمّل فإنّه لا يخلو عن دقّة.

وكيف كان ، أجاب المصنّف في المتن عن هذا التوجيه بكونه خلاف ظاهر الرواية ، فعلى الوجه الأوّل يقال إنّ الظاهر منها أنّ وجوب الاعادة نقض لحكم الطهارة بمجرّدها من دون توسيط قاعدة الإجزاء ، وعلى الوجه الثاني يقال إنّ الظاهر منها كون العلّة عدم جواز نقض اليقين بالشكّ فقط لا أنّه بضميمة قاعدة الإجزاء علّة ، هذا غاية التوجيه لكلام المحقّق الشريف ولما أورد عليه المصنّف.

والتحقيق ما ذكره المحقّق المذكور ، وما أورد عليه المصنّف من كونه خلاف الظاهر محلّ تأمّل بل منع فتأمّل فيه.

قوله : مدفوعة بأنّ الصحّة الواقعية وعدم الاعادة الخ (١).

محصّل الدفع أنّ صحّة الدعوى مبنيّة على حجّية الاصول المثبتة ولا نقول

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٦١.

٧٩

بها.

وفيه أوّلا : أنّ ظاهره صحّة الدعوى على القول بحجّية الأصل المثبت ، فيصحّ عليه تعليل عدم وجوب الاعادة بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ ، مع أنّها لا تصحّ أيضا لأنّه لو حكم بالاعادة كان نقض اليقين بالطهارة باليقين بالنجاسة لا بالشك كما قرّره المصنّف في أصل الإشكال.

وثانيا : أنّ جعل الصحّة الواقعية من الآثار العقلية غير المجعولة محل منع ، بل الصحّة التي يحكم بها من جهة وجود الشرائط الشرعية وعدم الموانع الشرعية شرعية البتة ، والصحّة التي هي من حكم العقل مطابقة الفعل المأتي به الخارجي للمأمور به ولا كلام فيه ، وقد سبق بيان هذا المطلب مفصّلا في بعض الامور المتقدّمة.

وثالثا : أنّه لو صحّ ما ذكره من كون الصحّة من الآثار العقلية لزم عدم صحّة استصحاب الطهارة بوجه من الوجوه ولو عند عدم انكشاف الحال ، فمن كان متيقّنا بالطهارة الحدثية أو الخبثية فشك يلزم أن لا يجوز له استصحاب الطهارة والصلاة على ما ذكرت ، لعدم ثبوت أثر شرعي لها حتّى يصحّ الاستصحاب بملاحظته ، اللهمّ إلّا جواز الدخول في الصلاة وهذا لا يفيد شيئا ، لأنّه إن اريد به الجواز التكليفي فلا يترتّب عليه الصحّة والإجزاء بل معناه مجرّد نفي الحرج في فعله ، وإن اريد به الجواز الوضعي فهو عبارة اخرى عن الصحّة التي جعلتها من الآثار العقلية.

ورابعا : أنّه بناء على كون الصحّة من الآثار العقلية يلزم عدم صحّة الاستدلال بالرواية بناء على المعنى الثاني الذي سيأتي في المتن أنّه خال عن الإيراد ما عدا كونه خلاف الظاهر ، وذلك لأنّه بعد فرض حدوث الشك بعد العمل لا يمكن أن يكون الأثر الشرعي للطهارة جواز الدخول في الصلاة الماضية ، ولا

٨٠