حاشية فرائد الأصول - ج ٣

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-091-8
الصفحات: ٥٥٦
الجزء ٢ الجزء ٣

لا يثبت عنوان الزيادة على المأتي به ثانيا على القول بعدم حجية الأصل المثبت كما مر ذلك في نظير المقام.

لأنّا نقول : لا نريد بالزيادة تكرار الجزء بالخصوص ، بل يكون الاتيان بكل فعل لم يؤمر به في العمل بقصد الجزئية زيادة في ذلك العمل.

وهل يجوز الاتيان بالمشكوك فيه بعنوان الاحتياط أم لا ، الأظهر الأول إذا تحقق موضوع الاحتياط كما إذا كان المشكوك فيه قرآنا أو ذكرا فإنّ واقع الأمر لا يخلو من أنه تركه أوّلا فيكون المأتي به حينئذ هو الجزء المأمور به ، أو أنه لم يتركه فيكون المأتي به شيئا لا تضرّ زيادته في الصلاة ولو عمدا في غير هذه الصورة أيضا ، وأمّا إذا كان المشكوك فيه من أفعال الصلاة كالركوع والسجود والتشهّد فبالإتيان بها لا يتحقق موضوع الاحتياط ، لأنه على تقدير عدم الاخلال بالمشكوك واقعا يكون إتيانه ثانيا زيادة مبطلة في الواقع ، وبالجملة معنى الاحتياط إحراز الواقع الصحيح على كل تقدير وهو غير صادق هنا ، هذا كله بناء على المختار من العزيمة.

وأمّا بناء على الرخصة فعلى الاحتمال الأول منها يجوز الاتيان بالمشكوك بعنوان الجزئية وهو واضح ، وعلى الاحتمالين الأخيرين لا يجوز كالقول بالعزيمة بعينه ، لأنّ القاعدة وإن لم يستفد منها أزيد من جواز المضي إلّا أنه سقط بهذا الجواز وجوب التدارك الذي كان مقتضى أصالة عدم الاتيان ، فيكون الاتيان به إتيانا بما لم يؤمر به وتصدق عليه الزيادة العمدية ، وكذا الاتيان به بعنوان الاحتياط لا يجوز بالنسبة إلى الأفعال ويجوز بالنسبة إلى الأقوال والأذكار بالتقريب الذي عرفت على القول بالعزيمة.

ومنها : أنه لو انقلب موضوع التجاوز إلى موضوع عدم تجاوز المحل فهل تجري القاعدة أم لا ، مثاله ما إذا شك حال القيام في سجدة الركعة التي قام عنها

٣٨١

مع فرض علمه بنسيان التشهّد في تلك الركعة ، فباعتبار دخوله في القيام يصدق التجاوز عن محل السجدة ، وباعتبار كون هذا القيام بمنزلة العدم في حكم الشارع وأنه يجب العود لمكان نسيان التشهّد ينقلب إلى موضوع عدم التجاوز لأنه بحكم الشارع في موضع التشهّد وقبل التشهّد؟ في المسألة وجوه ثلاثة ، الأول : الحكم بالمضي لصدق التجاوز عن المحل عرفا فتشمله القاعدة ، ولا ينافيه وجوب العود لتدارك التشهّد المنسي لأنّ الواقع لا ينقلب كيف ما وقع. الثاني : الحكم بعدم المضي ولزوم التدارك ، لأنّ القيام الذي يتحقق به عنوان التجاوز قد ألغاه الشارع في الفرض فهو بعد في المحل شرعا. الثالث : التفصيل بين ما لو طرأ الشك أوّلا قبل العلم بنسيان التشهّد فيحكم بالمضي لسبق موضوع قاعدة التجاوز ، وبين ما لو حصل

العلم بالنسيان أوّلا قبل الشك فيجب التدارك لسبق حكم العود الذي يتحقق به موضوع كونه في المحل ، وأوجه الوجوه أوّلها في بادئ النظر والمسألة محل إشكال.

ومنها : أنه لو انقلب باجراء قاعدة التجاوز موضوع إلى موضوع آخر مختلفي الحكم ، فهل يكفي في إثبات الموضوع الثاني جريان القاعدة أم لا ، كما إذا شك مثلا في الصلاة بين الاثنتين والأربع حين هو مشغول بالتشهّد مع كونه شاكا في أنه أتى بالسجدتين وتشهد أم لا ، فبحكم أصالة عدم إتيانه للسجدتين يكون شكه الأول قبل إكمال السجدتين وحكمه البطلان ، وبحكم قاعدة التجاوز القاضية باتيانهما ينقلب إلى موضوع الشك بعد السجدتين وحكمه الصحة والعمل بوظيفة الشاك الكذائي ، وفي المسألة وجوه ، وجه بالبطلان بملاحظة كون شكه واقعا قبل إحراز الاوليين ، ووجه بالصحة نظرا إلى أنّ إحراز الاوليين أعم من الاحراز الواقعي والشرعي ، وباجراء قاعدة التجاوز يصدق أنك أحرزت السجدتين فأحرزت الاوليين فيدخل في عنوان من شك بين الاثنتين والأربع من

٣٨٢

بعد إحراز الاوليين باكمال السجدتين ، ووجه بالتفصيل بين ما لو كان الشك في السجدتين مقدّما على الشك في الركعات فيحكم بالصحة لطريان الشك الثاني بعد جريان القاعدة القاضية باحراز السجدتين شرعا ، وبين ما كان مؤخرا أو مقارنا له فيحكم بالبطلان لعدم صدق إحراز الاوليين حين حدوث الشك في الركعات ، وأوسط الوجوه أوسطها (١).

ومنها : أنه لا إشكال في جريان القاعدة مع العلم بالتجاوز ، وأمّا مع الشك في تحقق التجاوز فلا تجري ، ومن فروعه أنه لو شك في الركعة الثانية من الصلاة وهو جالس في فعل السجدة مع علمه إجمالا بأنه ترك التشهد أو السجدة فيكون كلا من السجدة والتشهد مشكوكا فيه لكن لم يتجاوز عن محل التشهد قطعا ، ويكون التجاوز عن محل السجدة مشكوكا فيه لأنه لا يخلو واقع الأمر من أنه أتى بالتشهد فتجاوز عن محل السجدة أو لم يأت به فهو بعد في المحل ، وحكم المسألة أن يأتي بالسجدة والتشهد جميعا لعدم إحراز التجاوز بالنسبة إلى كل منهما. فإن قلت الاتيان بهما مستلزم للزيادة العمدية المبطلة للعلم باتيان أحدهما أوّلا. قلت : إتيانهما وإن كان مستلزما للعلم بالزيادة لكن لا يعلم به الزيادة المبطلة ،

__________________

(١) أقول : وأقوى الوجوه أوّلها ، لما مرّ غير مرّة من أنّ قاعدة التجاوز لا تفيد أزيد من المضي والبناء على الاتيان بالمشكوك فيه من حيث فساد العمل بالاخلال به لا من جميع الحيثيات ، ولذا قلنا إنه لو شك في أثناء العصر في فعل الظهر يبني على أنه أتى بالظهر من حيث كونه شرطا لصحة العصر فقط ، فلا يسقط وجوب الاتيان بالظهر المشكوك فيه ، ففيما نحن فيه لا يستفاد من قاعدة التجاوز ما سوى صحة الصلاة من قبل السجدتين كما لو قطع بفعلهما ، لا ترتيب جميع آثار إتيانهما حتى الحكم بوجود موضوع الشك بين الاثنتين والأربع بعد السجدتين ، اللهم إلّا أن يقال باعتبار القاعدة من باب الأمارة فليتأمّل.

٣٨٣

لاحتمال كون المتروك واقعا هو السجدة وحكم تداركها أن يأتي بها وبالتشهّد بعدها وإلغاء التشهد الأول ، ومثل هذه الزيادة واجب لا مبطل ، ونظير الفرع المذكور بعينه ما إذا شك في الركعة الثانية أو الرابعة وهو جالس في أنه سجد أم لا ، وشك أيضا معه في أنه تشهد أم لا ، فبالنسبة إلى التشهد فهو بعد في المحل وبالنسبة إلى السجدة يشك في التجاوز وعدمه.

ومنها : أنّ المناط في صدق التجاوز وعدمه إنما هو حال حدوث الشك ، فلو شك في جزء من الصلاة وهو بعد في المحل ثم نسي أن يأتي بالمشكوك فيه حتى تجاوز عن المحل فتذكّر فيجب أن يرجع ويأتي بالمشكوك فيه وإن حصل التجاوز حينما تذكر ، وإن شئت فقل إنه من باب نسيان الجزء أعني الجزء المأمور به بالأمر الظاهري فيجب التدارك ، نعم إلّا أن يكون قد دخل في الركن فلا يجب العود ، وحينئذ إن كان المشكوك فيه غير الركن فالصلاة صحيحة لقوله (عليه‌السلام) «لا تعاد الصلاة» الخ (١) على ما بيّن في محله ، وإن كان ركنا فالصلاة باطلة لأصالة عدم الاتيان به ، مع أنّ مجرد الشك كاف في الحكم بالبطلان ولا يحتاج إلى إجراء الأصل ، لوجوب إحراز جميع أجزاء الصلاة إمّا وجدانا أو بحكم الشارع بأمارة أو أصل ، ولم يحصل هنا.

ومنها : أنّه قد يشك في شكوك الصلاة في أنه من موارد قاعدة التجاوز أو من موارد قاعدة البناء على الأكثر المجعولة في الشك في ركعات الصلاة ، توضيح ذلك : أنه إذا شك في إتيان جزء أو جزءين مثلا من أجزاء الصلاة فهو مورد قاعدة التجاوز دون قاعدة البناء على الأكثر بلا كلام ، وإن كان ذلك الجزء مثل السجدتين أو الركوع الذي ربما يطلق الركعة عليه ، وإذا شك حال التشهد الثاني

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٤.

٣٨٤

مثلا في إتيان الركعة الرابعة أو الركعتين الأخيرتين فهو من موارد قاعدة البناء على الأكثر بلا كلام ، فيعمل عمل الشاك بين الثلاث والأربع أو عمل الشاك بين الاثنتين والأربع ، وإن كان يصدق أنه شك في شيء وهو الركعة أو الركعتين وتجاوز عن محله ، فالظاهر أنّ تقديم قاعدة البناء على الأكثر على قاعدة التجاوز في مثله إجماعي ، وإذا شك حال التشهد مثلا في إتيان ما عدا القيام من الركعة السابقة بأجمعه أو ما عدا السجدة الأخيرة منها بأجمعه فهو موضع التردد في أنه داخل في أيّ القاعدتين ، ووجه التردّد هو الشك في شمول لسان دليل قاعدة البناء على الأكثر لهذا أم لا ، ولعل قوله (عليه‌السلام) «إذا شككت بين الثلاث والأربع» (١) يشمله ، والمسألة محتاجة إلى التأمل وتمام البحث في الفروع.

قوله : منها قوله تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) بناء على تفسيره بما في الكافي (٢).

لا يخفى أنه لو أغمضنا عن الرواية المفسّرة تكون الآية ظاهرة في حسن المعاشرة مع الناس بالتكلّم بالأقوال اللينة والمجانبة عن الخشونة في الكلام ، وبالجملة أنّها من باب تعليم محاسن الآداب ومحامد الأخلاق لا بيان حكم شرعي ظاهري إلّا أنه بملاحظة الرواية المفسّرة يجب حملها على بيان الحكم ، وذلك لأنّ قوله (عليه‌السلام) في ذيل الرواية «حتى تعلموا ما هو» (٣) قرينة على أنّ المراد حمل أفعالهم على الحسن ، وإلّا فحسن المعاشرة والقول الليّن لا يختص بمن لم يعلم واقع أفعال الناس وأقوالهم ، بل هو مرغوب إليه مطلقا كما يستفاد من

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٤٥.

(٣) الكافي ٢ : ١٦٤ / ٩.

٣٨٥

الأخبار الكثيرة الأخر.

قوله : ولعله مبني على إرادة الظن والاعتقاد (١).

الظاهر أنّه إشارة إلى تقريب الاستدلال بالآية ، بيانه أنّ الظن والاعتقاد ليسا من الامور الاختيارية التي يصح تعلق التكليف بها ، بل من الامور القهرية ، فلا بدّ أن يراد من التكليف بهما ترتيب آثارهما كما في قوله (عليه‌السلام) لا تنقض اليقين وكن على يقين من طهارتك ، ونحو ذلك ، لكن لا قرينة ظاهرة على أنّ المراد من القول هو الاعتقاد. ويمكن أن يقال لا احتياج إلى ذلك ، لأنّ ظاهر القول هو الاخبار عن اعتقاد دون مجرد النطق باللسان وذلك يفيد المطلوب ، هذا.

ولكن الإنصاف عدم دلالة الآية مع ذلك كله على ما هو المقصود من وجوب حمل الأفعال على الصحة بمعنى ترتيب جميع آثار الصحة ، بل غاية ما تدل عليه عدم الحكم بفسق الفاعل بمجرد فعله لما يظن فساده بقرينة قوله (عليه‌السلام) في ذيل الرواية «حتى تعلموا ما هو» يعني لا تتهموا الناس بالظنون والأوهام واسكتوا عنهم ما لم تعلموا علما يقينيا بفساد ما فعلوا ، هذا.

مضافا إلى أنّ الأمر بالاعتقاد بالحسن على ظاهره أيضا صحيح على ما بيّناه مفصّلا في مباحث الظن وحاصله : أنه يصح الأمر بعقد القلب على غير ما يعتقده تعبّدا كما هو كذلك في جملة من العقائد المأمور بها التي لم يستقل بها العقل ، والنهي عن التشريع أيضا من هذا القبيل. ومما ذكرنا يظهر وجه تقريب الاستدلال بقوله تعالى (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ)(٢) مع جوابه.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٤٥.

(٢) يونس ١٠ : ٣٦.

٣٨٦

قوله : لكن لا يخفى ما فيه من الضعف (١).

وجه الضعف فساد المبنى من أنّ الخارج من عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٢) هو ما علم فساده بل الخارج منه هو الفاسد الواقعي ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.

قوله : بل فرضنا الأمرين في حقه مباحا كبيع الراهن بعد رجوع المرتهن (٣).

إن كان المراد كما هو الظاهر بيع الراهن مع الجهل برجوع المرتهن وزمانه واحتمل وقوع البيع اتفاقا قبل الرجوع أو بعده فهو كما ذكره لا يلزم من الحمل على الفساد إسناد قبيح إليه ، إلّا أنه لا نقول بالحمل على الصحيح في مثله ، وإن كان المراد بيعه مع علمه بالرجوع وزمانه واحتمل إيقاعه قبل الرجوع على ما هو الوظيفة الشرعية أو بعد الرجوع على غير الوظيفة الشرعية فنحمله على الصحيح وهو الذي نحن بصدده وإلّا لزم إسناد القبيح إلى البائع ولا يجوز بمقتضى الأخبار ، والتمسك بأصالة الفساد مناف له (٤).

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٤٦.

(٢) المائدة ٥ : ١.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٣٤٧.

(٤) أقول : لا ريب أنّ مراده الاحتمال الأول ، وغرضه تصوير انفكاك الصحة عند الفاعل عن الصحة الواقعية وهو حاصل ولا إيراد عليه ، نعم لمانع أن يمنع ظهور الأخبار في الحمل على الصحيح عند الفاعل بمعنى عدم الحرج في فعله غير الملازم للصحة بمعنى ترتيب الآثار ، بل يمكن دعوى ظهورها في الصحة بمعنى ترتيب الآثار فتأمّل.

٣٨٧

قوله : ثم لو فرضنا أنه يلزم من الحسن ترتيب الآثار الخ (١).

ربما يتوهم التدافع والتنافي بين هذا الشرط وجوابه ، وليس كذلك بل مراده أنه لو فرضنا أنه يلزم من الحسن ترتيب الآثار وأغمضنا عما ذكرنا من أنّ المراد بالحسن مجرد رفع الحرج غير مستلزم لترتيب الأثر ، نقول إنّا تعبّدنا بمقتضى الخبر على الحكم بصفة الحسن لا على ترتيب لوازمه غير الشرعية ، ويستفاد من كلامه هذا عدم إثبات هذا الأصل كسائر الاصول اللازم العقلي والعادي ، وقد مرّ نظيره في قاعدة التجاوز أيضا.

قوله : وممّا يؤيّد ما ذكرنا جمع الإمام (عليه‌السلام) الخ (٢).

وجه التأييد أنّ مساق هذه الرواية مساق الأخبار المذكورة ، ولمّا لم يمكن في هذه الرواية الجمع بين تصديق المؤمن وتصديق القسامة إلّا بحمل أحد التصديقين أو كليهما على الحكم بالصدق عند القائل لا على الصدق الواقعي فكذلك فيما نحن فيه يحمل الحسن على الحسن عند الفاعل لا على الحسن الواقعي ، ولقائل أن يقول في جوابه إنّا نمنع كون مساق هذه الرواية مساق أخبار الباب.

ثم لا يخفى أنّ المصنف جعل وجه الجمع هنا حمل تصديق المؤمن على التصديق الواقعي وتصديق القسامة على التصديق في اعتقادهم ، مع أنه عكس عند تعرضه لهذا الخبر في رسالة الظن عند الاستدلال على حجية خبر الواحد بقوله تعالى (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) الآية (٣) فجعل وجه الجمع حمل تصديق القسامة على الواقعي وتصديق المؤمن على الاعتقادي ، ولا ضير لأنّ كلا منهما وجه

__________________

(١ ، ٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٤٨.

(٣) التوبة ٩ : ٦١.

٣٨٨

للجمع ولا ترجيح ، كما أنه يمكن الجمع بحمل كلا التصديقين على الاعتقادي ، هذا.

وربما يورد على الخبر إشكال وهو أنه لا وجه لتصديق المؤمن لا واقعا ولا صورة في مقابل القسامة التي هي بيّنة شرعية ، بل يجب حدّ من شهد عليه البيّنة بالقذف أو بكلمة الكفر مثلا وإن أنكره المشهود عليه. ويمكن دفعه بالحمل على قول لا يترتّب عليه الحد ونحوه كالغيبة ونحوها.

قوله : بقرينة ذكر الأخ وقوله (عليه‌السلام) «لا تظنن» (١).

لأنّ ذكرهما شاهد على أنه بصدد بيان حقوق الأخ المؤمن الأخلاقية كما ورد مثله في الأخبار الكثيرة.

قوله : وممّا يؤيد ما ذكرنا أيضا ما ورد في غير واحد من الروايات (٢).

الظاهر أنّ هذه الروايات في مقام الارشاد إلى الأخذ بالحزم والاحتياط فيما يتعلق بالامور الدنيوية مثل المعاملات والديون لا فيما يتعلّق بالأحكام الشرعية فلا تعارض أخبار الباب فتبصّر.

قوله : وينبغي التنبيه على امور ، الأول (٣).

اعلم أنّ هنا مقامين من الكلام ، أحدهما : ما تعرّض له في صدر عنوان هذا الأمر من أنّ المحمول عليه فعل المسلم هل الصحة باعتقاد الفاعل أو الصحة الواقعية. ثانيهما : ما ذكره في ذيل الكلام من أنّ محل الحمل على الصحة هل هو ما إذا كان الفاعل عالما بجهة الصحة والفساد ، أو يكون أعم منه وممّا إذا كان جاهلا ، ويختلف حكم القسمين باعتبار علم الشاك بحال الفاعل وجهله على ما

__________________

(١ ، ٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٤٨.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٣٥٣.

٣٨٩

هو مذكور في المتن ، وقد اختلط المقامان في كلام المصنف في المتن وكان الأولى إفراد كل منهما بالبحث على حدة. ثم لا يخفى أنّ كلام صاحب المدارك ناظر إلى المقام الثاني ، وقد جعله في المتن مقابلا لقول المشهور في المقام الأول.

قوله : إنما يتم إذا كان المدّعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك (١).

لا يخفى أنّ هذا الكلام ناظر إلى حمل فعل مدّعي الفساد على الصحة وإلّا ففعل كل من مدّعي الصحة والفساد مشكوك الصحة ، ويمكن كون كل منهما عالما بالصحة أو الفساد أو جاهلا ، وسيجيء ما يفيدك فيه هذه الدقيقة.

قوله : فإنه لا يشمل صورة اعتقاد الصحة (٢).

هكذا وجدنا النسخ ، والمناسب أن تكون العبارة هكذا : فإنه لا يشمل إلّا صورة اعتقاد الصحة كما لا يخفى. وقد يوجّه ما في المتن إلى ما يساوق ما ذكرنا بوجه بعيد فليتأمّل. وحكي وجود لفظ إلّا في بعض النسخ.

قوله : والاختلال يندفع بالحمل على الصحة في غير المورد المذكور (٣).

الإنصاف أنّ الاختلال لا يندفع بذلك ، والتحقيق أنه إن قلنا بأنّ الأحكام الظاهرية لكل شخص تكون بمنزلة الواقعيات في حق غيره تترتب عليها أحكام الواقع ، فلا ريب أنّ الاختلال يندفع بالحمل على الصحة عند الفاعل كما يندفع بالحمل على الصحة الواقعية أيضا ، وعليه لا يتفاوت الحال بين المعنيين ، وإن لم

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٥٤.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٥٥.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٣٥٥.

٣٩٠

نقل بذلك فلا بدّ من الحمل على الصحة الواقعية في جميع الصور وإلّا لا يندفع الاختلال في غير مورد العلم باعتقاد الفاعل للصحة.

قوله : أنّ الظاهر من المحقق الثاني (١).

يظهر ممّا حكاه في المتن أقوال ثلاثة ، ويحكى في المسألة قولان آخران فالمجموع خمسة أقوال : الأول جريان أصالة الصحة مطلقا ، سواء كان الشك من جهة أحد الأركان الأربعة أي المتعاقدين والعوضين أو من غيرها ، ومستنده إطلاق الأدلة. الثاني جريانها بعد استكمال الأركان الأربعة كما يظهر من جامع المقاصد (٢) ولعلّه يدّعي توقف صدق العقد على استكمالها. الثالث : جريانها فيما استكمل الركنين الأوّلين وهو الظاهر من كلام العلّامة (٣). الرابع : جريانها فيما إذا مضى برهة من الزمان وكان بناء المتعاقدين فيها على الصحة ثم اختلفا دون ما لو اختلفا بعد العقد بلا فاصلة ، وهو محكي عن بعض ، ولعل مستنده أنّ ظاهر الحال في الأول مع الصحة دون الثاني. الخامس جريانها في كل معاملة تكون فعلا لاثنين كالبيع والاجارة دون ما كان فعلا لواحد كالرجوع عن الطلاق ، اختاره صاحب الجواهر (٤) ذكره في كتاب الطلاق في شرح ما يتعلق بالرجوع. السادس : جريانها فيما إذا كان جهة الشك من طرف مدّعي الفساد كما لو ادّعى أنّي اشتريت وأنا صبي فقال البائع بعتك وأنت بالغ ، دون ما إذا كان جهة الشك من طرف مدّعي الصحة كما لو ادّعى أنّي اشتريت وأنا بالغ فقال بعتك وأنت صبي ،

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٥٧.

(٢) جامع المقاصد ٥ : ٣١٥ و ٧ : ٣٠٧.

(٣) قواعد الاحكام ٢ : ١٥٦.

(٤) جواهر الكلام ٣٢ : ١٩٨ ـ ١٩٩.

٣٩١

ووجه الفرق أنه في الصورة الاولى يحكم بصحة فعل مدّعي الفساد ويجعل ذلك حجة على نفسه ، وفي الصورة الثانية لو أجرى أصالة الصحة لزم أن يحكم بصحة فعل مدّعي الصحة ويجعل ذلك حجة على غيره ، وأدلة أصالة الصحة قاصرة الشمول لمثله وإلّا لزم الحمل على الصحة في مثل ما إذا تصرف زيد في مال عمرو بغير إذنه ، ويقال يحتمل كون المال لزيد واقعا وهو يعلم ذلك فالأصل معه والبيّنة يتوجّه على عمرو ، وكذا لو قتل زيد عمرا واحتملنا أن يكون عمرو مستحقا للقتل لأجل قصاص أو حدّ ، لزم أن يحمل فعله على الصحة ويجعل البيّنة على ولي المقتول وهكذا (١).

قوله : وممّا يتفرّع على ذلك أيضا أنه لو اختلف المرتهن الخ (٢).

ما ذكره من أنّ معنى صحة الاذن أنه لو وقع البيع بعده ومقرونا به كان صحيحا حق لا معدل عنه ، وأمّا ما ذكره من أنّ صحة الرجوع لا يقتضي وقوع البيع بعده فممنوع ، إذ من الواضح أنّ الرجوع بعد وقوع البيع لغو لا محل له ، فصحته ملازم لوقوع البيع بعده فيكون البيع باطلا ، نعم إثبات بطلان البيع به مبني على حجية الاصول المثبتة بناء على كون أصالة الصحة من الاصول لا الأمارات ، وكذا ما ذكره من أنّ الحكم بصحة البيع لا يقتضي سوى أنه لو صادف إذن المرتهن أثّر أثره ممنوع ، بل معنى صحة البيع الصادر عن البالغ العاقل بقصد ترتيب الأثر الحكم بكونه جامعا لجميع الشرائط خاليا عن جميع الموانع ومنه اقترانه برضا

__________________

(١) أقول : الإنصاف أنّ دعوى قصور أدلة أصالة الصحة لمثل ما ذكر في غير المحل ، إلّا أنّ جريان الأصل المذكور في موارد النزاع والمخاصمة كلية محل إشكال وكلماتهم مختلفة غاية الاختلاف والمسألة في غاية الإشكال تحتاج إلى مزيد تتبّع وتأمّل.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٦٤.

٣٩٢

المالك كما هو كذلك بالنسبة إلى جميع الشرائط المشكوكة فيحكم بصحته بمعنى كونه واجدا للشرط المشكوك ، نعم يتم ما ذكره في بيع الفضولي عن المالك فإن حمله على الصحة معناه أنه لو تعقبته الاجازة لتم وأثّر أثره.

إذا عرفت ذلك فنقول : إن قلنا بأنّ حمل الرجوع على الصحة لا يثبت بطلان البيع لكونه من الأصل المثبت يبقى أصالة الصحة في البيع سليمة عن المعارض ، وإن قلنا باثباته بطلان البيع إمّا لأجل كونه من الأمارات أو بناء على حجية الأصل المثبت فيقع التعارض بين أصالتي الصحة صحة البيع وصحة الرجوع المقتضية لبطلان البيع ، ولا حكومة بينهما لأنّ منشأ الشك في أحدهما ليس مسببا عن الآخر ، بل كلاهما مسبّب عن أمر ثالث وهو الشك في التقدّم والتأخّر ، فيحكم بتساقط الأصلين من الجانبين ، وليس المرجع حينئذ أصالة فساد البيع كما يظهر من المتن ، بل المرجع أصالة بقاء الاذن إلى حين وقوع البيع فيحكم بأنه وقع صحيحا ، ولا يعارض بأصالة عدم تحقق البيع إلى ما بعد الرجوع إذ لا يترتب عليها فساد البيع ، إلّا بأن يثبت بها وقوع البيع بعد الرجوع ، ولا يمكن إثبات ذلك إلّا على القول بالأصل المثبت ، وهذا نظير ما تقدم سابقا في متطهّر صلّى وأحدث وشك في تقدم الصلاة على الحدث أو تأخرها عنه ، وقد مر أنه تجري أصالة بقاء الطهارة إلى حين الصلاة وتترتّب عليها صحتها ، ولا تجري أصالة عدم تحقق الصلاة إلى حين الحدث ليترتّب عليها بطلان الصلاة لأنّه يحتاج إلى إثبات وقوع الصلاة بعد الحدث والأصل لا يثبت التأخر.

لا يقال : إنّ أصالة بقاء الاذن إلى حين البيع لا يثبت وقوع البيع مقارنا للاذن ، وكذا أصالة بقاء الطهارة لا يثبت وقوع الصلاة حال الطهارة. لأنّا نقول : لا معنى لاستصحاب الاذن أو الطهارة إلّا الحكم بصحة البيع الواقع بعده والصلاة الواقعة بعدها لأنّها الأثر الشرعي الثابت للمستصحب ، وهذا بخلاف أصالة عدم

٣٩٣

البيع إلى حين الرجوع وأصالة عدم تحقق الصلاة إلى حين الحدث ، إذ ليس أثرها بطلان البيع والصلاة ، فلا بدّ من إثبات وصف التأخر ليترتّب عليه البطلان كما لا يخفى.

قوله : وقد يشكل الفرق بين ما ذكر ـ إلى قوله ـ إلّا أن يكون عادلا (١).

قد تعرّض لهذا الإشكال صاحب العناوين (٢) ببيان أوضح وأتم لكن بتقرير آخر ، فإنه بعد ما ذكر أنّ ظاهر الأصحاب اشتراط العدالة في كل مقام يكون فعل شخص أو قوله مسقطا عن الغير أو حجة على الغير أو يكون مؤتمنا على مال الغير أو حقّه ، وذكر أمثلة هذه الكلية قال : بقي هنا كلام وهو أنّ الوكيل فيما يجوز فيه الوكالة كالعقود والايقاعات وتطهير الثوب ونحو ذلك مع أنّ فعله أو قوله منبئ عن الصحة مسقط عن الموكل ، بمعنى أنّ كل ما فعله فهو بمنزلة ما فعله الموكل ، فينبغي اشتراط عدالته أيضا ، إلى أن قال : وأي فرق بين هذه الامور وبين العبادات كالحج ونحوه حيث يشترط فيه العدالة ، ثم أخذ في دفع الإشكال بما قيل أو يمكن أن يقال وهو امور :

الأول : أنّ النائب في العبادة لا يسمع إخباره بأنه فعل فعلا صحيحا فلا يعلم براءة ذمة المنوب عنه ، واطّلاع المنوب عنه على فعل النائب غير ممكن ، لأنّ من شرائط العبادة قصد القربة ولا يطّلع عليه أحد.

وفيه : أنّ هذا الوجه يجري في معاملات الوكيل أيضا ، لأنّ صحتها متوقّفة على القصد ولا يطّلع عليه أحد.

الثاني : أنّ مقتضى القاعدة كان اشتراط العدالة مطلقا حتى في الوكيل ،

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٦٧.

(٢) العناوين ٢ : ٧٢٦ ـ ٧٣٠.

٣٩٤

خرج الوكيل بالإجماع وإطلاق أدلّة الوكالة وبقي الباقي.

وفيه : أنّ الكلام في وجه اشتراط العدالة مع إطلاق أدلة النيابة أيضا.

الثالث : أنّ الوجه في اعتبار العدالة في النائب في العبادات أنّ ذمة المنوب عنه مشغولة بها فلا بدّ من اليقين بالفراغ والمتيقن هو نيابة العدل ، وهذا بخلاف المعاملات فإنه ليس هناك اشتغال فلا مانع من قبول قول الوكيل.

وفيه : ما لا يخفى ، فإنه لو لم يحمل قول الوكيل أو فعله على الصحة لا ينفع في ترتيب الموكل أثر الفعل الصحيح عليها ، ولو أجرينا أصالة الصحة لم يكن فرق بينه وبين النائب في العبادات.

الرابع : أنّ سماع قول الوكيل فيما وكل فيه من باب سماع قول ذي اليد ولو كان فاسقا ، ولا يجري هذا في العبادات.

وفيه : أنّ هذا الوجه لا يطّرد فيما لا يدخل تحت اليد كالوكيل في عقد النكاح أو الطلاق أو اجراء صيغة البيع والاجارة إلى غير ذلك من الأمثلة.

الخامس : ما ذكره في المتن من أنّ لفعل النائب في العبادة جهتين إحداهما كونه فعلا للنائب نفسه يكفي فيه إجراء أصالة الصحة. وثانيتهما : كونه فعلا للمنوب عنه ، ولا يحرز صحته من هذه الجهة باجراء أصالة الصحة باعتبار الجهة الاولى ، فلا بدّ من إحراز الصحة من هذه الجهة إمّا بالعلم أو باختيار العدل وإخباره.

واجيب عن ذلك : بأنّ الجهة الثانية ليست في عرض الجهة الاولى ليمكن القول بانفكاك حيث الصحة فيها عن حيث الصحة في الجهة الثانية بل في طولها ، وصحة الفعل من الجهة الثانية مترتبة على الصحة من الجهة الاولى ، إذ لا معنى لصحة الفعل من المنوب عنه إلّا إتيان نائبه العمل الصحيح ، فإذا صح العمل من النائب ولو بأصالة الصحة صح عن المنوب عنه أيضا ، فلا وجه للتفكيك ، وانتصر السيد الاستاذ (دام ظلّه) للمصنف ووجّه مراده بأنّ إجراء أصالة الصحة في فعل

٣٩٥

النائب لا ينفع في صحة الاستنابة ، توضيحه : أنّ المنوب عنه مكلّف بالعبادة ولا تبرأ ذمته إلّا بالاستنابة الصحيحة الواقعية ، والمتيقن من هذا استنابة العادل. فإن قلت : إنّ قوله (عليه‌السلام) العاجز عن الحج يستنيب مطلق يشمل استنابة العادل والفاسق. قلت : ليس معنى الاستنابة مجرد أخذ النائب وإيكال الأمر إليه ، بل المراد أنه يجب عليه فعل الحج بنائبه تسبيبا ، فلا بدّ من إحراز الفعل الخارجي الصحيح بمباشرة نائبه إمّا بالعلم أو باختيار العدل واخباره ، ولا ينفع إجراء أصالة الصحة في فعل النائب في احراز هذا المعنى (١).

قوله : لكن يبقى الإشكال في استيجار الولي (٢).

ظاهر كلامه هذا اجداء أصالة الصحة في فعل النائب في إثبات صحة الفعل من حيث كونه عمل الميت ، وهو مناف لما ذكره في سابقه من أنه لا يجدي إلّا من حيث إثبات الصحة من حيث كونه عملا للنائب ، ثم إنّ الاستشكال من حيث كون العمل للولي ممّا لا وجه له بعد تسليم فراغ ذمة الميت بأصالة الصحة فإنه فرعه ،

__________________

(١) أقول : إنّا لا نعقل من فعل المكلّف ما أمر به من العمل بنائبه إلّا فعل النائب ذلك العمل بعنوان النيابة عنه صحيحا بعد استنابته إيّاه ، ويتوقّف ذلك على تحقق الاستنابة الصحيحة وفعل النائب ، وأن يكون الفعل بداعي النيابة ، وأن يكون صحيحا ، أمّا الاستنابة فمتحقّق بالوجدان وصحتها بالنسبة إلى النائب الفاسق ثابتة باطلاق دليل الاستنابة ، وكذا فعل النائب محرز إمّا بالوجدان أو باخباره إن اعتبرناه ، وكذا قصده النيابة يثبت إمّا بالعلم به أو باخباره ؛ ولا يبقى إلّا وصف صحة العمل الذي هو الفعل المنسوب إلى المستنيب بالتسبيب ، فأيّ مانع لاثبات الصحة باجراء أصالة الصحة في فعل النائب الذي هو فعل المنوب بعينه ، ودعوى لزوم إحراز وصف الصحة بالعلم هنا من حيث كون العمل فعلا للمنوب عنه لا بالأصل خال عن الشاهد.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٧٠.

٣٩٦

وهذا من قبيل مسألة تعاقب الأيادي فإنه إذا أدّى الضامن الأخير حق المالك بوجه شرعي فرغ ذمة الجميع من غير إشكال.

قوله : فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته (١).

وفيه نظر ، لأنّ معنى صحة المعاملة ليس إلّا انتقال العوضين ، فلو لم يحكم بانتقال أحد العوضين مع انتقال الآخر لم يحكم بصحة المعاملة من أصله ، بل يكون هذا من قبيل البيع بلا ثمن ، فالأولى التمثيل بما إذا شك في أنّ الجهة التي صلّى إليها قبلة أم لا ، أو الثوب الذي صلّى فيه حرير أو جلد ميتة أم لا ، فيحكم بصحة تلك الصلاة ولا يثبت بها جهة القبلة ، أو كون الثوب غير حرير ولا ميتة.

قوله : والأقوى التقديم فيما لم يتضمّن دعوى (٢).

هذا هو محل الاستشهاد بناء على أن يريد العلّامة من هذه العبارة أنه إذا تضمّن التقديم دعوى لا يثبت تلك الدعوى ، وأمّا لو أراد أنه لا يحكم بالتقديم في صورة تضمّن الدعوى ولا يحكم بالصحة أصلا فلا شهادة فيه للمصنف ، لكنه خلاف ظاهر العبارة فتدبّر.

قوله : السادس في بيان ورود هذا الأصل على الاستصحاب (٣).

لا ينبغي الإشكال في تقديم أصالة الصحة على جميع الاستصحابات الجارية في موردها ، سواء كان استصحاب الفساد أو سائر الاصول الموضوعية ، لأنّها مجعولة في مورد تلك الاصول ، فلو لم تتقدم على أصالة الفساد بقيت بلا مورد ، وكذا لو لم تتقدم على سائر الاصول الموضوعية انحصر مجراها في مورد

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٧١.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٧٢.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٣٧٣.

٣٩٧

نادر ، إذ قلّ ما يحصل الشك في الفساد إلّا من جهة الشك في فقدان شرط أو جزء مستصحب العدم أو مانع مستصحب البقاء ، نعم قد يفرض نادرا حصول الشك في الصحة في غير مورد جريان أصل موضوعي كما إذا شك في وقوع عقد النكاح حال الإحرام أو حال الإحلال مثلا فلا أصل هنا ما عدا أصالة الفساد ، ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون اعتبار أصالة الصحة من باب الأمارة أو من باب الأصل كما قد مرّ نظير ذلك في وجه تقديم قاعدة الفراغ على الاصول.

قوله : لكن التحقيق أنّ أصالة عدم البلوغ يوجب الفساد الخ (١).

ليت شعري هل فرق بين شرط البلوغ وسائر الشرائط المجعولة للمشروطات بها ، ولا معنى لاستصحاب عدم الشرط سوى عدم تحقق المشروط بهذا الشرط وفساده ، ألا ترى أنّ استصحاب عدم الطهارة وبقاء الحدث يثبت فساد الصلاة الواقعة بعده لأنها فاقدة الشرط بحكم الأصل ، فكما أنّ أصالة الصحة مقتضية لصحة العقد فكذلك أصالة عدم البلوغ مقتضية لفساده فيتعارضان ، فلو لا ما ذكرنا في وجه التقديم بقي التعارض ولا حكومة في البين.

قوله : في بيان تعارض الاستصحاب مع القرعة (٢).

لا إشكال كما أنّه لا خلاف في مشروعية القرعة في الجملة ، ويدل عليه بعد الإجماع الكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فقال تعالى في حكاية يونس (على نبيّنا وآله وعليه‌السلام) (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)(٣) واستشهد الإمام (عليه‌السلام) على

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٧٥ (انظر الهامش).

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٨٥.

(٣) الصافات ٣٧ : ١٤١.

٣٩٨

شرعية القرعة بهذه الآية في عدّة أخبار (١) فلا وجه للمناقشة فيها ، وأيضا قال تعالى (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)(٢) وأمّا السنّة فقد ورد ثبوت القرعة في أخبار كثيرة قد أنهاها النراقي في عوائده (٣) إلى خمس وأربعين رواية من الخاصة ، مضافا إلى الخبر العامي المشهور من أنّ القرعة لكل أمر مشكل أو مشتبه (٤).

منها : ما يدل على عموم مشروعيتها في كل مشتبه كالنبوي العامي المذكور وكرواية محمد بن حكيم على ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب «قال سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن شيء فقال (عليه‌السلام) كل مجهول ففيه القرعة ، قلت له (عليه‌السلام) إنّ القرعة تخطئ وتصيب ، فقال : كلّ ما حكم الله به فليس بمخطئ» (٥).

ومنها : ما يدلّ على وجوب إعمالها في خصوص واقعة وقع الإشكال فيها كباقي أخبار الباب (٦).

ثم إنّ الظاهر أنّ اعتبار القرعة من باب الأصل دون الأمارة ، بل لا يمكن أن يكون اعتبارها من باب الدليل والأمارة على مذاق المصنف ، لما تقدّم منه في ميزان الفرق بين الأصل والدليل من أنّ ما كان بنفسه ناظرا إلى الواقع وكان

__________________

(١) راجع : التهذيب ٩ : ٣٥٧ / ٩ ، ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥٢ / ١٧٥.

(٢) آل عمران ٣ : ٤٤.

(٣) عوائد الأيام : ٦٤٠ ـ ٦٥١.

(٤) الوسائل ٢٧ : ٢٥٩ / أبواب كيفية الحكم ب ١٣ ح ١١.

(٥) عوالي اللآلي ٢ : ٢٨٥ (مع اختلاف يسير).

(٦) الوسائل ٢٧ : ٢٥٧ / أبواب كيفية الحكم ب ١٣.

٣٩٩

اعتباره أيضا بملاحظة كشفه عن الواقع فهو الدليل ، وما لم يكن ناظرا إلى الواقع أو كان ناظرا إلى الواقع ولكن لم يكن اعتباره من حيث كشفه فهو أصل ، ومن الواضح أنّ القرعة ليس فيها جهة كشف عن الواقع في حدّ نفسها ، بل نقول لا يعقل فيها جهة الكشف عن الواقع في جملة من مواردها ، وهي ما إذا لم يكن هناك واقع مجهول كما في مسألة طلاق إحدى الزوجات وعتق أحد العبيد وموارد القسمة إلى غير ذلك من الأمثلة ، اللهم إلّا أن يقال إنّ القرعة في هذه الموارد كاشفة عمّا هو الأصلح عند الله فتأمل ، وذلك كلّه بناء على ما هو المشهور من عدم اختصاص مورد القرعة بما كان معيّنا عند الله غير معيّن عندنا كما يقول به الشهيد الثاني (رحمه‌الله) ، لكنّك قد عرفت منّا سابقا من عدم لزوم كون الدليل بنفسه كاشفا عن الواقع ، بل كل ما كان اعتباره بجعله طريقا تعبّديا إلى الواقع فهو في عداد الأدلة ، وكلّ ما كان اعتباره من حيث كونه مبنى عمل الشاك فهو من الأصل ، وعلى هذا يمكن أن تكون القرعة معتبرة من حيث الطريقية وتكون من الأدلة ، بل يمكن أن يقال إنه كذلك على ما يستفاد من ظاهر قوله (عليه‌السلام) في مرسلة الفقيه «ما تقارع قوم فوّضوا أمرهم إلى الله إلّا ما خرج سهم المحق» الخبر (١).

قوله : ومجمل القول فيها أنّ ظاهر أخبارها أعم من جميع أدلة الاصول الخ (٢).

يعني الاستصحاب وأصل البراءة وأصل الاحتياط. لا يقال إنّ النسبة بين أدلة القرعة وأدلة كل واحد من الاصول الثلاثة عموم من وجه لأعمية كل واحد منها عن موارد الشبهة الحكمية والموضوعية واختصاص القرعة بالشبهة

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٦١ / أبواب كيفية الحكم ب ١٣ ح ١٣.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٨٥ (مع اختلاف).

٤٠٠