حاشية فرائد الأصول - ج ٣

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-091-8
الصفحات: ٥٥٦
الجزء ٢ الجزء ٣

الموضوعات ، مثلا لو علم بقيام زيد في زمان وشك في بقاء القيام فيما بعده فالموضوع عقلا زيد المقيد بجميع الامور التي لها دخل في تحقق القيام في الخارج وثبوته لزيد لعين التقرير الذي يقرر في موضوع الحكم الشرعي حرفا بحرف.

وبالجملة ، لو جعلنا جميع ما يتوقف عليه ثبوت الحكم قيدا للموضوع في موضوع الأحكام الشرعية يلزمنا أن نجعل جميع ما يتوقف عليه ثبوت العارض قيدا للموضوع في موضوع العوارض الخارجية وإلّا فالموضوع بمعنى معروض المستصحب لم يدخل فيه شيء من القيود في المقامين ، فافهم وتبصّر وانظر بدقيق النظر والاعتبار.

قوله : ثم إنّ بعض المتأخرين (١).

هو المحقق القمي يظهر منه هذا التفصيل في القوانين (٢).

قوله : إلّا أنّ دقيق النظر يقتضي خلافه (٣).

يظهر منه أنه لو كانت النجاسة في المتنجّسات محمولة على الجسم كان الحق تفصيل صاحب القوانين ، وفيه نظر ، لأنّا لو سلّمنا أنّ النجاسة محمولة على الجسم في المتنجّسات لا وجه للتفصيل أيضا ، إذ لا شك أنّ المتنجس كالخشب لو لاقى النجاسة ثم استحال رمادا لم يصدق أنّ الرماد لاقى النجاسة ، بل يصح أن يقال إنّ الرماد لم يلاق النجاسة ، والسرّ أنّ هذا الجسم الثاني غير ذاك الجسم الأول عقلا وعرفا وإن اتّحدت مادّتهما ، إلّا أنّ الجسم يتعدد بتبدّل صورته التي

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٩٧.

(٢) القوانين ٢ : ٧٤.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٢٩٧.

٣٤١

تكون جسمية الجسم بها بالفعل على ما حقق في محله ، فالموضوع غير باق في الحالة الثانية فلا وجه لشمول دليل الحكم لها ولا للاستصحاب أيضا.

قوله : ومما ذكرنا يظهر أنّ معنى قولهم الأحكام تدور مدار الأسماء (١).

الأولى أنّ قولهم الأحكام تدور مدار الأسماء محمول على ظاهره من دورانها مدار صدق عناوين موضوعاتها المأخوذة في أدلتها ، وتخلّف القاعدة في مثل العنب إذا صار زبيبا ودبسا والحنطة إذا صار دقيقا أو عجينا أو خبزا من جهة أنّا نعلم من الخارج أنّ حكم فروع العنب والحنطة حكم أصلهما ، لا أنّ موضوع الحكم في الدليل أعم من الاسم الأول ففي الحقيقة لم تتخلّف القاعدة.

قوله : ودعوى أنّ اليقين بكل من الاعتبارين فرد من اليقين الخ (٢).

هذه الدعوى عين التحقيق ، ولا تندفع بما دفعه في المتن من أنّ التعدد الاعتباري في اليقين بأخذ الزمان قيدا له في لحاظ وإلغاء الزمان عنه في لحاظ آخر لا يوجب تعدد أفراد اليقين ، لأنّ هذا التعدد ليس بمجرد الاعتبار بل بحسب الخارج ، مثلا نفرض أنّ عدالة زيد يوم الجمعة صارت متيقنة لعمرو ولبكر ثم حصل الشك لعمرو في ثبوت أصل تلك العدالة في يوم الجمعة ولبكر في بقاء تلك العدالة إلى يوم السبت ، فهناك فردان لليقين في الخارج متعلقان بعدالة زيد أحدهما حاصل لعمرو والآخر لبكر وشكان متعلقان بالعدالة المتيقنة لعمرو وبكر أيضا ، إلّا أنّ أحدهما تعلق بالعدالة المتيقنة من حيث الحدوث والآخر من حيث البقاء ، وذلك لا يقتضي أن يكون اليقين بالعدالة فردا واحدا من اليقين ، بل

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٠١.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٠٨.

٣٤٢

المتحقق في الخارج فردان من اليقين بالضرورة ، فلو ورد من الشارع لا ينبغي نقض كل فرد من أفراد اليقين بالشك المتعلق بذلك الفرد شملهما قطعا شمول العام لأفراده الواقعية الخارجية.

ومحصّل الكلام في هذا المقام أنه يمكن أن يراد من قوله «لا تنقض اليقين بالشك» حرمة نقض مطلق اليقين بالشك المتعلق بذلك اليقين حدوثا أو بقاء ، لكن لا بلحاظ الخصوصيتين أعني تقيّده بالزمان وعدمه بل بملاحظة الجامع المعرّى عن لحاظ الخصوصيتين وإن كان أفراده في الخارج لا تنفك عن إحدى الخصوصيتين باعتبار الشك المتعلق بكل فرد منه ، فيشمل مفاد الرواية موارد الاستصحاب وموارد قاعدة اليقين.

لكن لا يخفى أنّ هذا المعنى ليس بالاستصحاب المصطلح ، لأنه اعتبر في الاستصحاب المصطلح ملاحظة البقاء والابقاء بأن يكون الشك متعلقا باليقين السابق مع إلغاء قيد الزمان ، وليس بقاعدة اليقين لأنه اعتبر فيها كون الشك متعلقا باليقين مع ملاحظة تقيده بالزمان ، والمفروض أنه لم يلاحظ في المعنى المذكور إحدى الخصوصيتين بل معرّى عن كلا اللحاظين ، فيكون هذا المعنى قاعدة عامة تفيد فائدة الاستصحاب في موارده وتفيد فائدة قاعدة اليقين في مواردها ، بل نقول تفيد فائدة قاعدة الاشتغال أيضا في مواردها ، فإذا علمنا بوجوب إحدى الصلاتين من الظهر والجمعة في يوم الجمعة نقول إنه يجب الاحتياط بفعلهما بمقتضى حرمة نقض اليقين إلّا باليقين على خلافه ، فإنّ الاشتغال يقيني وبفعل إحدى الصلاتين دون الاخرى يشك في رفع الاشتغال ، فلا يجوز رفع اليد عن اليقين به بل باليقين برفع الشغل المتحقق بالاحتياط بفعلهما معا ، وعلى هذا فليسمّ مفاد هذه الروايات المذكورة في باب الاستصحاب بقاعدة إلغاء الشك أو قاعدة العمل على اليقين ، لكن هذا لو لم نستظهر أنّ مفادها خصوص قاعدة الاستصحاب

٣٤٣

كما ستأتي الاشارة إليه في المتن وتقويته منّا.

قوله : وقد تقدم نظير ذلك في قوله (عليه‌السلام) «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (١).

قد تقدّم منّا جواز إرادة المعنى الجامع بين المعنيين من دون لزوم الاستعمال في أكثر من معنى فنقول فيما نحن فيه أيضا لا يلزم استعمال اللفظ في معنيين لو اريد من قوله «لا تنقض اليقين إلّا باليقين» البناء على اليقين السابق الزائل حال الشك ما دام الشك إلى أن يحصل اليقين بالخلاف.

قوله : ثم لو سلّمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين الخ (٢).

لا نسلّم أنّ حصول التعارض في بعض أفراد القاعدتين مسقط للاستدلال بالروايات على القاعدة الثانية ، بل اللازم سقوطهما في مورد التعارض خاصة لو لم يكن ترجيح ، وليس ذلك إلّا كتعارض الاستصحابين بناء على اختصاص الأخبار بالاستصحاب إذا لم يكن أحدهما حاكما على الآخر ، نعم لو كان التعارض المذكور حاصلا في جميع موارد القاعدة كان مسقطا للاستدلال لها بهذه الأخبار ، وليس كذلك لأنه قد لا يعلم الحالة السابقة على اليقين المبدّل بالشك حتى يجري استصحابها.

قوله : إذ قد عرفت أنه لو سلّم اختصاص الأخبار (٣).

لا يخفى أنه بصدد التماس الدليل على القاعدة بغير أخبار الاستصحاب فلا يناسبه بيان عدم إمكان شمول أخبار الاستصحاب لها ، فتدبّر.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٠٩.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٠٩.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٣١١.

٣٤٤

قوله : لكنه فاسد لأنه على تقدير الدلالة لا يدل على استمرار المشكوك الخ (١).

لو سلّمنا صحة الحكم بأصل الحدوث بقاعدة التجاوز أمكن إثبات بقائه بالاستصحاب بناء على ما مر سابقا من أنّ اليقين المأخوذ في موضوع الاستصحاب أعم من اليقين الوجداني واليقين الشرعي الثابت بمثل البيّنة أو الأصل.

ودعوى منع عمومه للأصل تمسكا بأنّ نفس دليل الاصول كافية في الحكم بالنسبة إلى الزمان الثاني كالأول من غير حاجة إلى الاستصحاب معلّلا بأنّ أدلتها مثل قوله (عليه‌السلام) «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (٢) وقوله (عليه‌السلام) «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (٣) ونحوهما مغياة بالعلم بالخلاف فما لم يحصل يجري حكم الأصل كما هو مذاق المصنف (قدس‌سره).

مدفوعة بأنّ الحكم المستفاد من قاعدة التجاوز في مورد اليقين السابق غير مغيّا بالعلم بالخلاف ولا يثبت إلّا في الزمان الأول ، فيمكن التمسك في بقائه بالاستصحاب ، نعم لو قلنا بأنّ قاعدة التجاوز لا يثبت الموضوع المشكوك بل إنما تدل على ترتيب أثر الوجود بالنسبة إلى الحال الماضي فقط لم يبق محل للاستصحاب ، فتأمّل.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣١١.

(٢) الوسائل ٢٧ : ١٧٣ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٦٧.

(٣) المستدرك ٣ : ٥٨٣ / أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٤.

٣٤٥

قوله : وربما فصّل بعض الأساطين الخ (١).

قيل إنّ المراد منه كاشف الغطاء (٢) والظاهر أنّ سنده بناء العقلاء فانهم لو لم يذكروا حين الشك مستند قطعهم السابق يبنون على صحة القطع السابق بخلافه حال تذكّره والشك في صحته أو العلم بعدم صحته.

أقول : ويبقى الكلام في حجية بناء العقلاء في هذا المورد فإنّ حجية بنائهم في سائر موارد الحجية كحمل الألفاظ على ظواهرها والحكم بكونها مراد المتكلم وأمثال ذلك من باب تقرير الشارع لما بنوا عليه وإمضائه المكشوف من سكوته وعدم ردعهم عن ذلك مع كونه بمرأى منه ومسمع ، فإن كان ما نحن فيه من ذاك القبيل فلا كلام إلّا أنه محل تأمّل فتأمّل.

قوله : لكن الشأن في أنّ العمل به من باب تخصيص أدلة الاستصحاب أو من باب التخصص (٣).

أمّا التخصيص فبيانه أنّ متعلق الشك في قوله (عليه‌السلام) «لا تنقض اليقين بالشك» هو نفس متعلق اليقين ، فكأنه قال لا تنقض اليقين بالطهارة بالشك في الطهارة يعني في بقائها ، بل تنقضه باليقين بزوال الطهارة ، وعموم هذا الحكم يشمل ما إذا قامت أمارة كالبيّنة مثلا على خلاف اليقين السابق ، كما أنّ عموم دليل حجية البيّنة شامل لما كان مسبوقا باليقين بخلاف ما يشهد به البيّنة والنسبة عموم من وجه يمكن تخصيص كل منهما بالآخر ، لكنّا نخصص عموم حديث لا تنقض بدليل الإجماع على عدم جواز طرح الأمارة في مقابل الأصل ، وهذا

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣١٢.

(٢) كشف الغطاء ١ : ٢٠١.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٣١٤.

٣٤٦

الوجه وإن كان بعيدا إلّا أنه يلتزم به لو لم يظفر بوجه أحسن منه.

وأمّا التخصص فبيانه أنّ متعلق الشك في قوله (عليه‌السلام) «لا تنقض اليقين بالشك» هو دليل الحكم على خلاف اليقين لا نفس متعلق اليقين ، فكأنه قال لا تنقض اليقين بالطهارة بالشك في دليل زوال الطهارة. وبعبارة اخرى لا تنقضه بغير الدليل بل تنقضه باليقين بدليل زوال الطهارة ، ولا ريب أنه لو قامت البيّنة على زوال الطهارة فقد حصلت غاية حكم حرمة النقض ولم يبق محل لجريان الاستصحاب لأنه قد قيّد بغير هذا المورد في لسان دليله ، وحال قيام البيّنة على زوال الطهارة حال اليقين بالزوال وجدانا في حصول الغاية ، ولا يمكن معارضة هذا بأنّ دليل حجية البيّنة مقيّد بعدم وجود الاستصحاب على خلافه حتى يلزم سقوطه في مقابل الاستصحاب ، لأنّ دليل حجيتها مطلق غير مقيد بشيء ، وذلك نظير ما يقال في تقديم العام على المطلق عند المعارضة بناء على كون عموم المطلق من باب دليل الحكمة وأنه معلّق على عدم وصول بيان بالنسبة إلى أفراده من أنّ العام يصلح لأن يكون بيانا لحكم مورد التعارض فلا يجري دليل الاطلاق فلا إطلاق بالنسبة إليه.

وممّا ذكرنا ظهر اندفاع ما اورد في المتن على هذا الوجه من أنه لا يتم إلّا بعد إثبات حكومة الأمارات على الاستصحاب وإلّا فيمكن أن يقال إنّ مؤدّى دليل الاستصحاب العمل على الحالة السابقة مطلقا قامت على خلافه البيّنة أم لا ، ومؤدّى دليل البيّنة العمل عليها خالف الحالة السابقة أم لا ، توضيح الاندفاع : أنّ مؤدّى دليل الاستصحاب مقيّد بعدم دليل على خلافه بخلاف مؤدّى دليل البيّنة فإنه مطلق يشمل مورد الاستصحاب كما يشمل غيره.

أقول : ويمكن تقرير التخصص على وجه يكون متعلّق الشك نفس متعلّق اليقين بدعوى أنّ الشك الذي قامت أمارة على تعيين أحد طرفيه ليس بشك في

٣٤٧

حكم الشارع بل هو يقين بمؤدّى الأمارة بحكم الشارع ، فكما أنّ اليقين الوجداني على خلاف الحالة السابقة غاية للنهي عن نقض اليقين السابق ووارد عليه ، كذلك اليقين الشرعي ، فينحصر مورد الاستصحاب في الشك الذي لم يقم على خلاف حالته السابقة المتيقنة أمارة ، ولعله إلى هذا البيان أشار في المتن في تحرير التخصص بقوله : وإن شئت قلت إنّ المفروض دليلا قطعي الاعتبار فنقض الحالة السابقة نقض باليقين انتهى ، هذا.

ويمكن تقرير الورود بوجه آخر : وهو أن يقال إنّ جعل الاصول بحكم العادة وبناء العقلاء مختص بما إذا لم يكن دليل في موردها ويستفاد هذا المعنى أيضا من سياق ألفاظ أدلة الاصول أيضا فلا تشمل موارد الأدلة (١).

وأمّا بيان الحكومة فقد مر في أوّل رسالة الظن أنه قسمان قصدي وقهري ، والمراد من الحكومة القصدية أن يقصد من الدليل الحاكم شرح الدليل المحكوم تخصيصا أو تعميما كما يقال إنّ قوله لا حرج في الدين ناظر بمدلوله إلى أنّ الأحكام المجعولة في الدين مخصوصة بغير مواردها الحرجية ، ومن الحكومة القهرية أن يكون الدليل الحاكم بحيث يستلزم عدم المحكوم مثلا وإن لم يقصد منه ذلك كما يدّعى في حكومة الأصل في الشك السببي بالنسبة إلى الشك المسبب ، ففيما نحن فيه توجيه حكومة الأدلة والأمارات على الاستصحاب أن يقال إنّ أدلة حجية الأمارات ناظرة قصدا أو قهرا إلى إلغاء الحكم المجعول على خلاف مؤدّى الأمارة ، ولا يخفى أنّ انفهام حكومة الأمارة على أدلة الاصول قصدا في غاية البعد بأن يكون الشارع عند جعل الأمارة بصدد بيان إلغاء حكم الاصول في

__________________

(١) أقول : هذه دعوى لم يقم عليها بيّنة ولم يساعدها أذهاننا وإن أصرّ عليها سيدنا الاستاذ (دامت بركاته) واختار هذا الوجه من بين الوجوه.

٣٤٨

موردها ، فإن كان ولا بدّ نقول بالحكومة القهرية (١).

قوله : لا يخلو عن مسامحة (٢).

إن جعلنا تقدم الأدلة على الاصول من باب التخصيص فحينئذ يكون عدم الدليل من شرائط العمل بالاستصحاب كما ذكره ذلك البعض المشار إليه في المتن ، وكذا إذا جعلناه من باب الحكومة لأنها في الحقيقة تخصيص بلسان التفسير ، وأمّا إذا جعلناه من باب الورود والتخصص فظاهر أنّ عدم الدليل من شرائط جريان أصل الاستصحاب.

قوله : ثم المراد بالدليل الاجتهادي كل أمارة اعتبرها الشارع (٣).

قد ذكرنا سابقا عند التعرض لكلام المتن في أول أصل البراءة في بيان هذا المطلب أنه يعقل جعل ما ليس فيه جهة كشف طريقا تعبّديا في عرض الأدلة ولعل القرعة من هذا القبيل.

ثم إنه لو شك في كون الأمر المجعول دليلا تعبّديا أو أصلا تعبّديا فالظاهر أنه لا أصل هنا يرجع إليه في تعيين أحدهما ، اللهم إلّا أن يقال إنه لو كان في المجعول جهة كشف فهو أمارة وإلّا فأصل بحكم الاستقراء وبناء العقلاء في جعل الأمارات والاصول ، ولكن لا يخلو عن تأمل فتأمل ، وكيف كان يبقى الشك فيما

__________________

(١) أقول : والأقوى بالنظر القاصر من هذه الوجوه هو الورود بالتقرير الثاني ، وقد عرفت أنّ السيد الاستاذ (دام بقاه) اختار التقرير الثالث منه ، وحكى عن صاحب الفصول اختيار التقرير الأول منه ، ومختار المصنف الحكومة القصدية ، وقد كانت الحكومة القهرية مختار السيد الاستاذ في سابق الزمان وقد رجع عنه ، فليتدبّر.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣١٦.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٣١٨.

٣٤٩

لو شك في وجود جهة الكشف فيه أم لا.

قوله : وأمّا حكم المشهور بأنه لو اعترف ذو اليد (١).

المسألة مشكلة جدّا وكلمات الفقهاء مختلفة مضطربة في الغاية لا يخفى على من راجعها ، وما وجّهه في المتن من أنّ ذا اليد باقراره ينقلب مدّعيا أيضا مشكل ، ولو صح لزم أن ينقلب مدّعيا فيما إذا قامت البيّنة على الملك السابق أو على اليد القديمة أو كان الملك السابق لغير ذي اليد مقطوعا به للحاكم ولكل أحد ولم يقل أكثرهم بذلك ، وإن كانت كلماتهم هنا أيضا مختلفة.

وبالجملة ، الالتزام بسقوط حكم اليد وتقديم الاستصحاب عليه لا نعرف له وجها ، وغاية ما يمكن أن يقال في الفرع المذكور إنّ حكمهم بأنه لو اعترف ذو اليد بكون المدّعى به للمدّعي في السابق انتزع منه ، يريدون به ما إذا علّل ذو اليد ذلك بأنه انتقل من المدّعى إليه ، ويلتزم في هذه الصورة بسقوط يده إمّا لأجل قصور أدلة اليد عن شمول مثل ذلك بدعوى انصرافها إلى غيره ، وإمّا لأجل أنّ ذا اليد هذا يعدّ في العرف مدّعيا لاقتران يده بدعوى انتقال المال من المدّعي إليه ، وإمّا لأجل أنّ العقلاء لا يعتدون باليد المقرونة بالدعوى المذكورة ، واعتبار اليد في الشرع أيضا مقصور على مواردها المعتبرة عند العقلاء كما يظهر من التعليل المستفاد من رواية حفص بن غياث (٢) من قوله وإلّا لم يبق للمسلمين سوق ، وبعد ذلك كله فالمسألة محل الإشكال ، فليتأمل.

ثم إنه ذكر في المستند (٣) وعن غيره أيضا أنه يقدّم الاستصحاب على اليد في

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٢٢.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ / أبواب كيفية الحكم ب ٢٥ ح ٢.

(٣) مستند الشيعة ١٧ : ٣٤٤.

٣٥٠

مورد واحد من غير إشكال ، وهو ما لو كان الاستصحاب مبيّنا لحال اليد كما إذا كان المال في يده سابقا بعنوان الغصب ثم نجد المال بعد ذلك أيضا في يده مع احتمال أنه انتقل اليه بوجه صحيح ، فاستصحاب اليد السابقة مقدّم على حكم اليد الفعلية لأنه يعيّن حال هذه اليد وأنّها مغصوبة ، لكنه من الاصول المثبتة ، فإن قلنا بحجية الأصل المثبت مطلقا فلا كلام وإلّا فيقال بها في خصوص المورد من جهة كون الواسطة خفية فتأمّل.

قوله : بل حال مطلق الظاهر والنص فافهم (١).

قيل إنه لا وجه للاستدراك والترقّي بل حاله حال أصالة الحقيقة على مذهب السيد (رحمه‌الله) مع أمارات المجاز بعينه ، لكن يمكن الفرق بأنّ ظهور الظاهر المحكوم بالنص ظهور ثابت مستقر في حد نفسه بالعلم بالوضع ، بخلاف أصل الحقيقة فإنّ ظهوره في نفسه أضعف بمراتب عن ظهور مثل العام مثلا فتأمّل.

ويمكن الفرق بوجه آخر : وهو أنّ ظهور أصالة الحقيقة على مذهب السيد ظهور خارجي ليس بظهور لفظي لأنه حاصل من الاستعمال ، وهذا بخلاف ظهور الظاهر والنص كالعام والخاص والمطلق والمقيد فإنه مستند إلى اللفظ باعتبار وضعه بشرط العلم به.

قوله : إمّا لكونها من الأمارات كما يشعر به قوله إلخ (٢).

وببيان أوضح وأوفى يقال إمّا أن يكون الاستصحاب وأصالة الصحة كلاهما أصلا أو يكونا أمارة أو يكون الاستصحاب أصلا وأصل الصحة أمارة أو بالعكس ، فبناء على الاحتمال الثالث يكون تقديم أصل الصحة على الاستصحاب

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٢٣.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٢٥.

٣٥١

من باب تقديم مطلق الأمارات على الاصول لأجل الورود أو الحكومة أو التخصيص كل على مذهبه ، وعلى الاحتمالات الثلاثة الباقية يكون وجه التقديم تخصيص أدلة الاستصحاب بأدلة أصل الصحة ، لأنّ الأمر بالأخذ بها في مورد الاستصحاب في أخبار الباب يدل على تقديمها على الاستصحاب ، هذا.

وينسب إلى بعض مشايخنا المحققين وهو ميرزا حبيب الله الرشتي (رحمه‌الله) اختيار حكومة أدلة أصل الصحة على أدلة الاستصحاب مطلقا ، واستظهر ذلك من قوله (عليه‌السلام) «فشكك ليس بشيء» في صحيح زرارة (١) وفي موثّقة ابن أبي يعفور (٢) ، بدعوى أنّ ظاهره تنزيل الشك منزلة العدم يعني بحسب الآثار ، فهو ناظر بمدلوله إلى الحكم المجعول للشك كالاستصحاب ونحوه ، فهو نظير قوله (عليه‌السلام) «لا سهو في النافلة» (٣) و «لا سهو لكثير السهو» (٤) ونحوهما من موارد الحكومة الواضحة ، ولا يخفى أنّ الحكومة هنا أقرب بمراتب من حكومة الأدلة الاجتهادية على الاصول العملية مطلقا على ما اختاره المصنف ، لبعد كون الأدلة الاجتهادية ناظرة إلى إلغاء أحكام الاصول المجعولة في مواردها كما مرّ بيانه مفصّلا ، لكن هذا المعنى قريب في أدلة قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الاستصحاب بقرينة تنزيل الشك منزلة عدمه في بعض أخبارها كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٤٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٨.

(٤) راجع الوسائل ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦.

٣٥٢

قوله : الثاني من جهة أنّ الشك في وصف الصحة للشيء ملحق بالشك في أصل الشيء أم لا (١).

لا بأس بأن نشير إلى تصوير المعنيين وكيفية حمل قوله «إذا شككت في شيء» على كل من الشك في أصل وجود الشيء والشك في وصف الصحة فنقول : إنّ الشك في شيء من الوضوء كغسل الوجه مثلا يمكن أن يكون من جهة الشك في أصل وجوده ، وأن يكون من جهة الشك في تحقق بعض أجزائه بعد إحراز وجود بعض أجزائه الآخر ، وأن يكون من جهة الشك في تحقق شرطه وأن يكون من جهة الشك في تحقق مانع عنه ، وحينئذ نقول :

يعتبر تارة تعلق الشك في قوله «إذا شككت في شيء» بنفس ما هو مشكوك حقيقة من ماهية غسل الوجه أو جزئه أو شرطه أو مانعة باعتبار وجوده ، فيصير المعنى على هذا إذا شككت في وجود شيء من هذه الامور فشكّك ليس بشيء ، ولا يخفى أنه على هذا المعنى لا يحتاج إلى إلحاق الشك في الصحة إلى الشك في الوجود ، لرجوع الكل إلى الشك في الوجود ، ولا يبقى عنوان مشكوك آخر يسمّى بمشكوك الصحة غير داخل في العموم ، وعلى هذا المعنى يبتني النزاع والتردّد في أنّ الرواية شاملة للشك في الشرط أم لا بدعوى ظهورها في غيره.

وتارة اخرى يعتبر تعلق الشك في قوله «إذا شككت» بغسل الوجه في جميع الصور المذكورة ، ويصير المعنى إذا شككت في شيء يعني في غسل الوجه من حيث أصل وجوده أو من حيث جزئه أو شرطه أو مانعة فشكّك ليس بشيء ، ويصح إسناد الشك إلى غسل الوجه في الكل ، وإن كان بواسطة الشك في جزئه أو شرطه أو مانعة ، ولا يخفى أنه على هذا المعنى يصح أن يقال إنّ الشك في الصحة

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

٣٥٣

هل هو ملحق بالشك في الوجود أم لا ، يعني أنه هل يصدق النسبة بالنسبة إلى الشك في جزء الغسل أو شرطه أو مانعة كما يصدق بالنسبة إلى أصل وجوده أم لا ، لكن لا يصح النزاع والتردد في شمول الرواية للشك في الشرط ، إذ لا فرق بينه وبين الجزء في صدق النسبة وعدمه ، فافهم وتأمّل وانتظر لتمام الكلام في المعنيين.

قوله : الموضع الأول أنّ الشك في الشيء ظاهر لغة وعرفا في الشك في وجوده (١).

لا يخفى أنّ الشك في الشيء لا يراد منه أنّ الشيء ظرف للشك كما هو مقتضى حقيقة لفظة في ، بل المراد تعلق الشك به وأنه مشكوك توضيحه : أنه قد يقال شك في الصلاة أنه أحدث أم لا ، فهاهنا يكون «في» للظرفية ومتعلق الشك هو الحدث ، وقد يقال شك في الحدث وهنا يكون الحدث متعلق الشك لا ظرفه ، ولا يخفى أنّ الظاهر من الشك في الشيء هو التعليق لا الظرفية ، إلّا أنّ هذا الظهور مستند إلى العرف بالنسبة إلى إسناد الشك إلى الشيء وإلّا فلفظة «في» حقيقة في الظرفية.

ثم إنّ ما ذكره من أنّ الشك في الشيء ظاهر لغة وعرفا في الشك في وجوده محل تأمل ، أمّا لغة فقد عرفت أنّ لفظة «في» حقيقة في الظرفية دون التعليق فضلا عن ظهوره في التعليق باعتبار الوجود ، وأمّا عرفا أيضا فيمكن منع ظهوره في الشك في الوجود لأنّ الشك متعلق بذات الشيء في العبارة وكما يمكن تعلقه بالذات باعتبار الوجود كذلك يمكن تعلقه به باعتبار الصحة ، ويشهد بذلك أنه يصح أن يقال شككت في غسل الوجه من حيث الوجود كما يصح أن يقال

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٢٩.

٣٥٤

شككت فيه من حيث الصحة من غير مخالفة لظاهر لفظ شككت في غسل الوجه ، فالشك في الشيء أعم منهما ، ومن هنا ظهر وجه منع ما سيذكره من أنّ إرادة الأعم من الشك في وجود الشيء والشك الواقع في الشيء الموجود في استعمال واحد غير صحيح ، لما عرفت من صحة إرادة الجامع وهو الشك المتعلق بالشيء أعم من أن يكون من حيث الوجود أو من حيث وصف الموجود (١).

وكيف كان ، ما ذكرنا في تعميم مفاد الروايات للشك في وصف الصحة غير ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين فإنه سلّم ظهور الشك في الشيء في الشك في وجوده ومع ذلك قال في وجه التعميم ما لفظه : إرادة خصوص الشك في الوجود مطلقا يجدي في مورد الشك في صحة الموجود أيضا باعتبار أنّ الشك في صحته مستلزم للشك في وجود الشيء الصحيح.

لا يقال : نعم لكنه خلاف ظاهر لفظ الشيء فإنّ التعارف أن يكنى به من العناوين الأولية للأشياء لا الثانوية كعنوان الصحيح ونحوه.

لأنّا نقول : لا يستلزم ذلك أن يجعل الشيء كناية عن عنوان الصحيح بل عن عنوان أوّلي يصدق عليه الصحيح بالحمل الشائع هذا ، انتهى موضع الحاجة.

وفيه : أنّ الوجود الذي يصدق عليه الصحيح إن لم يؤخذ مقيدا بهذا الوصف لا ينفع في شمول الشك المتعلق به للشك في الصحة ، وإن اخذ مقيّدا به يرد عليه ما ذكره في السؤال من أنه خلاف ظاهر لفظ الشيء.

__________________

(١) أقول : الإنصاف أنّ ظهور الشك في الشيء في الشك في وجوده مما لا يمكن إنكاره ، يشهد بذلك أنه في سياق العلم بالشيء والظن به ، فكما أنّ قولنا علمت بالشيء أو ظننته ظاهر في العلم بوجود الشيء والظن بوجوده ، كذلك شككت فيه ظاهر في الشك في وجوده ، فإنّ الشك خلاف اليقين.

٣٥٥

وكيف كان ، يرد على ما ذكره المصنف من أنّ الشك في الشيء ظاهر لغة وعرفا في الشك في وجوده أوّلا بما مر من ظهور المعنى الجامع الشامل للشك للصحة أيضا. وثانيا : بأنّا لو سلّمنا ظهوره في الشك في الوجود نحمله على المعنى الجامع الذي ذكرنا لأجل القرينة التي أشار إليها من قوله خرجت منه وجاوزه المناسب للشك في الصحة (١).

وثالثا : أنه لا مانع من إرادة الشك في الوجود في بعض أخبار المسألة وهو الأخبار التي لم يقع فيها التعبير بلفظ خرجت منه وجاوزه ، والشك في الصحة في بعضها الآخر وهو ما اشتمل على الألفاظ المذكورة ، فتمام القاعدة مستفاد من مجموع الأخبار ، أو يجعل مفاد المجموع قاعدتين مستقلّتين إحداهما مضروبة للشك في الوجود والاخرى للشك في الصحة كما قوّاه بعض مشايخنا المحققين فليتأمل.

قوله : في استعمال واحد غير صحيح (٢).

قوله في استعمال واحد موجود في أكثر النسخ ومفقود في بعضها ، وعلى الأول فالمراد منه ما عرفت من أن لحاظ الشك في وجود الشيء ولحاظ الشك في صحة الشيء لحاظان مختلفان متباينان لا يمكن جمعهما في الارادة في استعمال واحد ، وعلى الثاني لعلّ المراد من العبارة أنه لا يمكن إرادة الشك في الصحة مضافا إلى الشك في الوجود في أخبار الباب مطلقا ولو بارادة أحدهما من بعضها والآخر من بعضها الآخر ، لحصول التعارض والتدافع بين الارادتين فيما إذا شك في وجود جزء القراءة مثلا بعد الدخول في غير ذلك الجزء ، فبملاحظة

__________________

(١) أقول : القرينة المذكورة تناسب تعيّن إرادة خصوص الشك في الصحة لا المعنى الجامع.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٢٩.

٣٥٦

الشك في الوجود قد جاوز المشكوك ودخل في غيره ، وحكمه عدم الاعتناء بالشك والمضي ، وبملاحظة الشك في صحة القراءة لم يجز المشكوك بل هو في المحل وحكمه وجوب التدارك.

لكن لا يخفى أنّ هذا التعارض مبني على أن يستفاد من هذه الأخبار قاعدتان إحداهما قاعدة التجاوز بعد المحل والاخرى قاعدة عدم التجاوز ووجوب التدارك في المحل ، وأمّا لو قيل بأنّ المستفاد منها قاعدة واحدة هي المضي بعد المحل ، وأمّا التدارك في المحل فهو مقتضى الأصل في المسألة وقد قرره في هذه الأخبار فلا تعارض ، لحكومة قاعدة التجاوز على الاصول كما تقدم ، بل يمكن أن يقال على تقدير كونهما قاعدتين أيضا لا تعارض لحكومة قاعدة التجاوز في المثال المذكور الجارية بالنسبة إلى الشك في الوجود على قاعدة التدارك بالنسبة إلى الشك في الصحة ، لأنّ الشك في الثاني مسبّب عن الشك في الأول ، وسيأتي تتمة لهذا الكلام فانتظر.

قوله : بل لا يصح ذلك في موثّقة ابن أبي يعفور كما لا يخفى (١).

وذلك لأنّ الضمير المجرور في قوله «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره» (٢) راجع إلى الوضوء بقرينة الإجماع والنصوص ، فما دام المكلّف في الوضوء وحصل الشك بالنسبة إلى بعض أجزائه يصدق أنه شاك في الصحة يعني صحة الوضوء وهو في المحل ، فيجب التدارك لأنه لم يدخل في غير الوضوء وهو الموافق للنص والفتوى ، ولو اريد منها الشك في الوجود لزم أن تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الشك في كل جزء من أجزاء الوضوء إذا دخل

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٢٩.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٢.

٣٥٧

في غير ذلك الجزء ، وهو خلاف النص والفتوى ، ولازمه رجوع الضمير المجرور إلى الشيء أيضا وقد عرفت ثبوت خلافه.

قوله : لكن الإنصاف إمكان تطبيق موثّقة محمد بن مسلم على ما في الروايات (١).

وذلك لأنّ قوله (عليه‌السلام) «فامضه كما هو» وإن كان ظاهرا في إمضاء شيء متحقق موجود على ما وقع صحيحا كان واقعا أو فاسدا ، إلّا أنه يمكن أن يراد منه إمضاء ذلك الشيء المشكوك الوجود مع وصف الشك في وجوده موجودا كان في الواقع أو معدوما ، وهذا المعنى غير بعيد عن اللفظ يلتزم به توفيقا بينه وبين سائر الروايات.

قوله : بحكم الطريقة المألوفة (٢).

يعني بحكم عادة النوع في قبال عادة الشخص التي ذكرها أخيرا.

قوله : هذا كلّه مما لا إشكال فيه إلّا الأخير (٣).

يعني أنّ شمول المحل للأقسام الأربعة وهي المرتبة المقررة للشيء بحكم العقل أو الشرع والعادة النوعية أو العادة الشخصية مما لا إشكال فيه إلّا العادة الشخصية ، إلّا أنّ هذا محل نظر بل منع ، لأنّ الظاهر المنصرف إليه اللفظ هو المحل العرفي بل العرفي الشرعي بالخصوص ، فشموله للمحل العقلي والعادي بقسميه فيما إذا لم يصدق عليه المحل الشرعي ممنوع ، والظاهر أنّ الأمثلة التي تعدّ للمحل العقلي يصدق عليها المحل الشرعي أيضا كما لا يخفى ، ويبقى المحل العادي بقسميه خارجا عن منصرف الأخبار.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٢٩.

(٢ ، ٣) فرائد الاصول ٣ : ٣٣٠.

٣٥٨

ويؤيّد ما ذكرنا أنه إن كان المحل العادي مشمولا للأخبار يلزم التعارض بين فردي العموم في مثل من اعتاد الصلاة في أول وقته أو مع الجماعة فإنه بحسب عادته قد جاوز المحل وحكمه المضي معه ، وبحسب الشرع فهو في المحل ، إذ محلها الشرعي تمام الوقت وهكذا في جميع الموقتات الشرعية ، ويكون حكمها وجوب الاتيان ، اللهمّ إلّا أن يدفع هذه المعارضة بما ذكرنا سابقا من أنّ وجوب الاتيان في المحل إنما هو بمقتضى الأصل وقاعدة الاشتغال ، والمستفاد من الأخبار ليس إلّا قاعدة التجاوز ، وأمّا بالنسبة إلى وجوب التدارك في المحل فهي مقررة لحكم العقل والأصل المحكومين بقاعدة التجاوز ، وقد عرفت أنه لا معارضة بين الاقتضاء واللّااقتضاء ، هذا.

ويحكى عن بعض أنه تمسك في عدم شمول الأخبار للمحل العادي بوجه آخر ، وهو أنه ليس في الأخبار لفظ المحل كي يؤخذ باطلاقه ، بل هو مفهوم من دلالة القرينة والقدر المتيقن منه هو المحل الشرعي ، فهو القدر المتيقن من محل القاعدة وغيره مشكوك فيه.

وفيه : أنه لا فرق بين أن يكون لفظ المحل مذكورا أو مقدّرا بدلالة الاقتضاء أو لم يكن مذكورا ولا مقدّرا بل يكون إسناد التجاوز إلى الشيء المشكوك الوجود صحيحا من باب الاسناد المجازي في أنّ المنصرف إليه هو التجاوز عن المحل الشرعي ، ولو سلّم أنّ التجاوز عن محل الشيء يتناول المحل العادي نقول إنّ التجاوز عن الشيء بدون ذكر المحل أيضا يشمله ، لا نعرف فرقا بينهما في الانفهام العرفي فتدبّر.

٣٥٩

قوله : يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة (١).

لم نعرف وجه المخالفة لاطلاقات كثيرة ، فإنه إن اريد بها إطلاقات أدلة الأحكام فلا ريب أنها غير متكفّلة لحكم الشك كما هو محل قاعدة التجاوز ، بل يستفاد منها أحكام واقعية تدور مدار واقعها ، وإن اريد بها إطلاق قاعدة الشغل أو الاستصحاب ونحوه من الاصول فهو لا يقدح في شمول العموم للمحل العادي ، فإنّ مخالفة القاعدة لمثل هذه الاطلاقات وتقدّمها عليها مفروض مسلّم في جميع أفراد مورد القاعدة ، فلا يكون هذا مبعّدا لشمولها التجاوز عن المحل العادي.

ويحتمل بعيدا أنه أراد أنّ في شمول الأخبار للمحل العادي لزوم مخالفة الواقع كثيرا بالبناء على فعل الشيء صحيحا ويكون الواقع خلافه. وفيه مع أنه خلاف ظاهر العبارة ، أنّ البناء على وجود الشيء بعد تجاوز محله العادي موافق للظاهر المظنون ولا نعلم فيه مخالفة للواقع كثيرا ، بل الأمر بالعكس.

قوله : فمن اعتاد الصلاة في أول وقتها الخ (٢).

هذا المثال وما بعده إلى آخر الأمثلة إنما تكون مثالا لما نحن فيه لو قلنا بأنّ الأخبار شاملة للأفعال المستقلة بالتكليف لا تختص بالشك في الأجزاء أو الشرائط للشيء الواحد ، وهو محل التأمل وسيأتي الكلام فيه.

قوله : وإن كان الظاهر من قوله فيما تقدم «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك» الخ (٣).

إن اريد منه أنه يستفاد من هذا الخبر اعتبار الشارع لمطلق الظن النوعي في

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٣٠.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٣٠.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٣٣١.

٣٦٠