حاشية فرائد الأصول - ج ٣

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-091-8
الصفحات: ٥٥٦
الجزء ٢ الجزء ٣

مصباح الشريعة عن الصادق (عليه‌السلام) «لا يدفع اليقين بالشكّ» (١) ومنها ما عن الفقه الرضوي (عليه‌السلام) «إذا شككت في الحدث لا تنقض اليقين بالشكّ» (٢) وعنه أيضا «وإن توضّأت وضوءا صلّيت صلاتك أم لم تصلّ ثمّ شككت فلم تدر أحدثت أم لم تحدث فليس عليك وضوء لأنّ اليقين لا ينقض بالشكّ» (٣) وربما تذكر هنا أخبار أخر قد حكم الشارع في مواردها على طبق الحالة السابقة فإن لم تكن دليلا على المطلب فلا تخلو عن تأييد.

قوله : فيختصّ متعلّقه بما من شأنه الاستمرار الخ (٤).

يعني تعلّق النهي بنقض ما من شأنه الاستمرار ، فالمراد أنّ رفع اليد عن استمرار ذلك الشيء بالشك منهي عنه ولا يصدق هذا المعنى إلّا بالنسبة إلى الشكّ في الرافع بعد تحقّق المقتضي ، ولمّا كان هذا المعنى أقرب إلى حقيقة النقض لا جرم يكون الحمل عليه متعيّنا. لكن يرد عليه أنّا لا نسلّم أنّ ملاك صدق حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتّصالية ليكون هذا المعنى أقرب مجازاته ، بل الملاك رفع الشيء المستحكم وهدمه ، وبعبارة اخرى حلّ الأمر المبرم المحكم ، ألا ترى أنّه يقال نقض الحائط إذا هدمه ونقضت غزلها إذا حلّته ، ولا يقال نقض الحجر إذا رفعه عن مكانه وإن كان ثبوته في ذلك المكان مقتضيا للبقاء إلى زمان الرافع ، وحينئذ نقول لمّا كان النقض حقيقة في رفع الأمر المبرم المحكم لكن في المحسوسات كان الأقرب إليه رفع الأمر المحكم في الامور غير الحسّية فيشمل

__________________

(١) مصباح الشريعة : ٦٧. (وفيه : لا تدع ..).

(٢) فقه الرضا : ٦٧.

(٣) فقه الرضا : ٦٧.

(٤) فرائد الاصول ٣ : ٧٩.

١٠١

مورد الشكّ في الرافع ومورد الشكّ في المقتضي أيضا ، وصدق النقض فيه باعتبار أنّ اليقين السابق أمر محكم ليس كالظنّ والشكّ (١).

قوله : لأنّ الفعل الخاصّ يصير مخصّصا لمتعلّقه العام (٢).

التحقيق أنّ تحكيم ظهور الفعل على ظهور المتعلّق أو العكس ، ومثله تحكيم ظهور صدر الكلام على الذيل أو العكس ، لا يدخل تحت ضابط سوى الأظهرية وهي تختلف بحسب المقامات ، وكون الفعل فيما نحن فيه أظهر في الخصوص من المتعلّق أعني لفظ اليقين في العموم محل تأمّل بل منع.

ثم إنّ تعليله أرجحية المعنى الثاني على الثالث بقوله لأنّ الفعل الخاص الخ ، لا يخلو عن حزازة ، فإنّ علّة الترجيح إنّما هي الأقربية إلى الحقيقة كما صرّح به في ابتداء الكلام ، نعم هذا التعليل إنّما يصلح أن يكون دفع دخل تقريره أنّ الحمل على المعنى الثاني مستلزم لتخصيص عموم المتعلّق الشامل لصورة الشك في المقتضي أيضا ، بخلاف الحمل على المعنى الثالث ، فيجاب بأنّ الفعل الخاص قرينة على تخصيص المتعلّق ، لكن الانصاف عدم دفع الايراد في المقام بهذا

__________________

(١) أقول : الإنصاف عدم ورود هذا الإيراد ، سلّمنا أنّ الإبرام والاستحكام مأخوذ بالنسبة إلى متعلّق النقض في صدق النقض ، إلّا أنّ ذلك لا ينافي اعتبار الاتّصال والربط أيضا فيه في صدق النقض ، وليس لفظ النقض إلّا كلفظ الكسر والقطع والخرق والشقّ والفصل ونحوها في كونه ظاهرا في رفع الأمر المتّصل المحكم ، وما ذكر شاهدا على أنّ ملاك صدق النقض حقيقة كون متعلّقه أمرا مستحكما من أنّه لا يقال نقض الحجر إذا رفعه عن مكانه ، فيه : أنّ نقض الحجر ليس إلّا بالكسر ورفعه عن مكانه إنّما هو نقض لتحيّزه الخاصّ ، ولا ريب في أنّه يصدق النقض بالنسبة إلى كونه في حيزه الخاصّ لاقتضائه الاستمرار واتّصاله بالتحيّز في الأزمنة اللاحقة في ذلك المكان ، فتدبّر.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٧٩.

١٠٢

الجواب لأنّ الأمر فيما نحن فيه دائر بين مجاز واحد وإن كان بعيدا وهو حمل النقض على المعنى الثالث ، وبين مجازين أحدهما في لفظ النقض وإن كان أقرب والآخر تخصيص اليقين بصورة الشك في المقتضي ، ويمكن أن يكون المجاز الواحد وإن كان بعيدا أرجح من مجازين وإن كان أحدهما أقرب من الأول ، وإن سلّمنا كون الفعل الخاص قرينة لتخصيص المتعلّق في نفسه فإنّ ذلك فيما إذا كان الفعل حقيقة في الخاص وظاهرا فيه لا في مثل المقام من دوران الأمر بين حمل الفعل على الخاص مجازا المستلزم لارتكاب مجاز آخر في المتعلّق والحمل على العام من دون لزوم خلاف ظاهر آخر.

قوله : كما في قول القائل لا تضرب أحدا (١).

يمكن أن يمنع ظهور لفظ أحد في أعم من الحي والميت بل منصرف إلى الحي ، ألا ترى أنّه لو قيل ما رأيت أحدا يصدق ذلك مع فرض أنه رأى ميتا.

قوله : لأنّ التصرّف لازم على كلّ حال (٢).

توضيحه : أنّ نفس اليقين قد انتقض قطعا بفرض عروض الشك فلا معنى للنهي عن نقضه الاختياري ، فلا بدّ أن يتعلق النهي عن النقض بما هو قابل للنقض الاختياري وليس إلّا نفس المتيقّن أو آثاره التي يمكن إسنادها إلى اليقين ويقال إنّها آثار اليقين ، وعلى الأول يكون المجاز في اللفظ وعلى الثاني يكون من باب مجاز الحذف. وفيه ما مرّ مرارا من جواز النهي عن نقض اليقين تنزيلا والأمر بابقاء اليقين تنزيلا باعتبار بقاء الآثار ولا يحتاج فيه إلى ارتكاب مجاز أصلا.

فإن قلت : على هذا يدور الأمر بين ارتكاب هذا التنزيل وبين ارتكاب

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٧٩.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٧٩.

١٠٣

المجاز أو الحذف وكلاهما خلاف الظاهر فما وجه الترجيح.

قلت : على التقديرين يلزم ارتكاب التنزيل ، إذ كما أنّ نقض نفس اليقين غير معقول بعد الشك لكونه منقوضا بنفس الشك قهرا كذلك نقض المتيقّن المشكوك فيه أو آثار اليقين المشكوكة الوجود أيضا لا يمكن على نحو التنجيز ، والحاصل أنّه لا بدّ في صدق النقض من وجود متعلّق له فما لم يحرز وجوده لم يصدق حقيقة النقض سواء كان المتعلّق مقطوع العدم أو مشكوك الوجود ، وحينئذ نقول معنى لا تنقض المتيقّن ليس إلّا تنزيل المتيقّن المشكوك الوجود منزلة الموجود باعتبار الآثار ، فإذا احتيج بالأخرة إلى هذا التنزيل نلتزم بهذا من الأول من دون ارتكاب مجاز ونقول المعنى أنّه لا تنقض اليقين ولا ترفع اليد عنه ونزّله منزلة الموجود باعتبار ترتيب الآثار ، ومحصّل معنى «لا تنقض اليقين» على هذا كن كما أنّك متيقّن واعمل كما تعمل حال اليقين ، كما أنّ المعنى على ما ذكره المصنّف اعمل كما كنت تعمل حين وجود المتيقّن ، وقد مرّ في بيان حديث الرفع في رسالة البراءة ما ينفعك هنا فتذكّر.

قوله : بل المراد نقض ما كان على يقين منه وهو الطهارة السابقة أو أحكام اليقين الخ (١).

ظاهر هذا الكلام أنّ مفاد قوله لا تنقض المتيقّن متّحد مع مفاد لا تنقض آثار اليقين عموما وخصوصا ، مع أنه ليس كذلك لأنّ الأول يشمل ما إذا كان المتيقن حكما شرعيا تكليفيا كوجوب شيء أو حرمته ، ومعنى عدم نقضه الحكم ببقائه فيترتّب عليه حكم العقل بوجوب الاطاعة ، بخلاف الثاني إذ لا أثر شرعيا للحكم الكذائي حتى يحكم ببقائه ولازمه عدم جريان استصحاب الحكم الشرعي

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٧٩.

١٠٤

الكذائي ، فالأولى للمصنّف أن يختار الوجه الأول ، هذا.

وربما يورد على المصنّف بأنّ ما ذكره من أقربية المعنى الثاني من المعنى الثالث ممنوع ، وذلك لأنّ وجه مجازية النقض في المقام أنه حقيقة في رفع الأمر الموجود ، وفيما نحن فيه ليس متعلقه أعني المتيقن موجودا بل هو مشكوك الوجود ، وكما أنّ تعلق النقض بالمعدوم مجاز كذلك تعلقه بمشكوك الوجود ، وحينئذ نقول لا فرق بين أن يكون مشكوكا باعتبار الشك في المقتضي أو باعتبار الشك في المانع بعد إحراز المقتضي ، كما لا فرق بين أن يكون الشيء معدوما بسبب عدم المقتضي أو بسبب وجود المانع لأنه لا ميز بين الأعدام.

لا يقال : وجه الأقربية أنّ ما كان مقتضيه محرزا فقد أشرف على أن يوجد بخلاف ما إذا كان المقتضي مشكوكا فإنه أبعد من الوجود وأبعد من الحقيقة.

لأنّا نقول : لنا أن نفرض المقتضي في القسم الثاني مشرفا على الوجود ونعلم بعدم المانع فهو يساوي القسم الأول من الجهة المذكورة ، سلّمنا ذلك كلّه لكن نمنع كون هذه الأقربية مرجّحا لكونها اعتبارية لا يساعده فهم العرف بحيث ينصرف الذهن إليه لتكون مرجّحا.

وفيه : أنّ ما ذكر أجنبي عن كلام المتن فإنه ظاهر في أنّ جهة المجازية كون النقض حقيقة في رفع الأمر المتصل المحسوس.

والتحقيق : أنّ لفظ النقض في المقام مجاز من وجهين : أحدهما ما ذكره المورد من أنه حقيقة في رفع الأمر الموجود تحقيقا لا تنزيلا فارادة الرفع التنزيلي مجاز. والثاني ما أشار إليه المصنّف من كونه حقيقة في رفع الأمر المتصل المحسوس فارادة رفع الأمر الغير المحسوس مجاز ، والأقربية التي ادّعاها المصنّف بملاحظة الجهة الثانية ، وما منعه المورد بملاحظة الجهة الاولى فلا يتوجّه الايراد على المصنّف.

١٠٥

قوله : والمراد بأحكام اليقين ليس أحكام نفس وصف اليقين (١).

فيه تأمّل ، إذ يمكن للشارع تنزيل غير اليقين منزلة وصف اليقين والحكم بترتّب آثاره عليه كما هو كذلك في سائر التنزيلات الشرعية ، وأيّ فرق بين تنزيل الشارع التيمم منزلة الوضوء والطواف منزلة الصلاة وبين تنزيل الشك المسبوق باليقين منزلة اليقين ، وحينئذ نقول لا مانع من إرادة آثار نفس اليقين والمتيقن معا ، وكذا على ما اخترنا في معنى الأخبار من أنّ المراد النهي عن نقض نفس اليقين يمكن أن يكون ذلك بملاحظة آثار نفس اليقين والمتيقن كليهما ، فمعنى لا تنقض اليقين افرض اليقين الزائل باقيا واعمل كما كنت تعمل لو كنت متيقنا بالنسبة إلى جميع أحكام حال يقينك.

فإن قلت : أخذ آثار المتيقّن مبني على أخذ اليقين طريقا إلى متعلّقه ، وأخذ آثار وصف اليقين مبني على حمل اليقين على اليقين الموضوعي ولا يمكن الجمع بين المعنيين لعدم الجامع بينهما ، وذلك نظير ما حقّقه المصنّف في أول رسالة التعادل والترجيح بعد ما احتمل أن يكون حجّية أخبار الآحاد من باب الطريقية أو من باب الموضوعية قال : لا يمكن الجمع بينهما وحمل أدلّة حجّيتها على الوجهين لعدم الجامع بين الجهتين.

قلت : قد عرفت الجامع بين الأمرين فيما نحن فيه وهو تنزيل اليقين المعدوم منزلة الموجود في جميع ما كان يترتّب على اليقين طريقا وموضوعا ، وهذا بخلاف مسألة حجّية الخبر فإنه لو اريد إثبات حجّيته بكلا الاعتبارين بقوله صدّق العادل مثلا لزم استعمال أمر صدّق في الوجوب الغيري بالنسبة إلى الطريقية والوجوب النفسي بالنسبة إلى الموضوعية ، ولا جامع بين الوجوب النفسي

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٧٩.

١٠٦

والوجوب الغيري كما لا يخفى ، نعم لمّا كان اليقين ظاهرا في اليقين الطريقي دون الموضوعي كان المراد آثار المتيقن دون الأعمّ منه ومن آثار وصف اليقين ودون خصوص آثار اليقين ، فتدبّر.

وكيف كان ، فقد تبيّن ممّا ذكرنا غير مرة ـ من حمل الأخبار على النهي عن نقض نفس اليقين بمعنى تنزيله منزلة الموجود يعني باعتبار الآثار ، ويكون تعلق النقض باليقين باعتبار أنه أمر مبرم مستحكم ـ أنّ مدلولها أعم من موارد الشك في الرافع والشك في المقتضي ولا يختصّ بالأول كما أراده المصنّف.

لا يقال : بناء على ما ذكرت من إبقاء اليقين على ظاهره وتعلق النقض به دون المتيقّن ينطبق مفاد الأخبار على قاعدة اليقين دون الاستصحاب.

لأنّا نقول : قد مر وسيأتي أيضا في المتن أنّ مناط الفرق بين الاستصحاب والقاعدة أخذ الزمان قيدا للمتيقن كما في القاعدة أو ظرفا له كما في الاستصحاب ، ولا يتفاوت الأمر في ذلك بين أن يكون المنقوض نفس اليقين أو المتيقن في لسان الخبر ، وبالجملة كلا المعنيين يحتمل كلا الاعتبارين فليلتمس تعيين أحد الاعتبارين من مكان آخر ، وقد مر وجه تطبيق الأخبار على قاعدة الاستصحاب دون قاعدة اليقين ودون الأعم مع ما فيه ، فتذكّر.

فإن قلت : سلّمنا بقاء لفظ اليقين على ظاهره وصحة تعلق النقض به إلّا أنّه يمكن أن ينتصر للمصنّف ويقال إنّ ذلك أيضا مختصّ بالشك في الرافع بدعوى أنّ تعلق النقض به يقتضي أن يكون له إبرام واستمرار حتّى يكون قابلا للنقض ، ولا يكون ذلك إلّا فيما كان متعلق اليقين ممّا له اقتضاء البقاء والاستمرار فلا يشمل موارد الشك في المقتضي.

قلت : قد عرفت سابقا أنّ صدق النقض إنّما يتوقّف على أن يكون متعلقه أمرا مبرما محكما لا غير ، والأمر المبرم على ما ذكرنا هو اليقين بالشيء وهو

١٠٧

موجود في الشك في المقتضي أيضا ، بل لنا أن نقول إنّ صدق النقض لعلّه باعتبار أنّ المتعلّق أمر مفروض الوجود فيكون نقضه بمعنى الحكم بعدم ذلك الموجود كما أشار إلى ذلك بعض المحقّقين في توجيه عبارة المتن وقد مر في الحاشية السابقة. وما قيل من أنّ هذا مجرد احتمال لا يصح به صدق النقض بحيث يكون ظاهرا فيه ، مدفوع بأنّ الاحتمال يكفينا في المقام وإنّما نتمسّك للعموم بظهور اللام في اليقين في الجنس أو الاستغراق ، والغرض من إبداء الاحتمال المذكور دفع ما يقال من لا بدّية صرف ظهور العموم بقرينة تعلق النقض به فإن أمكن صحة تعلق النقض به مع بقائه على العموم نحمله على العموم هذا كله ، مع أنه يمكن أن يقال سلّمنا أنّ المراد من حرمة نقض اليقين نقض المتيقن ، لكن المراد من المتيقن ليس ذات المتيقن مجردة عن وصف اليقين بل معه ، فيمكن حينئذ أن يكون تعلق النقض بالمتيقن باعتبار وصفه العارض له أعني وصف اليقين ويعود الكلام من عدم اختصاص ذلك بالشك في الرافع بل أعم منه ومن الشك في المقتضي أيضا.

قوله : ويمكن أن يستفاد من بعض الأمارات إرادة المعنى الثالث مثل قوله (عليه‌السلام) «بل ينقض الشك باليقين» (١).

يمكن أن يكون المراد منه نقض الشك باليقين السابق ، فيكون محصّل معنى قوله «لا ينقض اليقين بالشك بل ينقض الشك باليقين» أنه لا يرفع اليد عن الطهارة السابقة المتيقنة بالشك اللاحق في تلك الطهارة ، بل يرفع اليد عن هذا الشك اللاحق باليقين السابق ويؤخذ بمقتضى اليقين السابق ، وعلى هذا تكون الفقرة الثانية كالتأكيد للفقرة الاولى ، ويمكن أن يراد منه نقض الشك باليقين اللاحق بخلاف اليقين السابق ، ويكون محصّل معنى الفقرتين حينئذ أنه لا يرفع

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٨٠.

١٠٨

اليقين بالطهارة بالشك فيها بل يرفع اليد عن هذا الشك باليقين بالحدث ، فهو نظير قوله «بل تنقضه بيقين آخر». ويمكن أن يراد نقض المشكوك فيه باليقين بالخلاف ويكون محصّل المعنى لا ترفع اليد عن الطهارة المعلومة بالشك فيها بل ترفع اليد عن الطهارة المشكوكة باليقين بالحدث (١).

وكيف كان لا شهادة في هذه الفقرة على إرادة المعنى الثالث من قوله (عليه‌السلام) «لا تنقض اليقين» بناء على الاحتمال الثالث فيها ، لأنّ ما تعلق به النقض أعني لفظ الشك قد اريد منه المشكوك وهو عين المتيقن السابق الذي فرضنا أنه أمر ثابت مقتض للاستمرار بقرينة تعلق لا تنقض به ، فصار موافقا للفقرة الاولى في كون متعلق النقض هو الأمر الثابت ، نعم على الاحتمالين الأوّلين يمكن أن يكون شاهدا على المعنى الثالث كما أراده المصنّف ، وتقريبه أنّ الشك ليس كالطهارة والحدث ممّا يدوم بعد حصول سببه إلى أن يرفعه رافع ، وأجاب عنه في المتن بمنع ذلك وأنّ الشك أيضا لا يرتفع إلّا برافع ، وفيه نظر لأنّ الشك واليقين من قبيل المتضادّين لا المتمانعين حتى يؤثّر كل منهما في رفع الآخر ، وشأن المتضادّين مجرد عدم اجتماعهما في محلّ واحد إلّا أنّ كلا منهما يوجد بوجود علّته ويعدم بانتفاء علّته ، وهذا بخلاف الطهارة والحدث المتمانعين فإنّ كلا منهما يؤثّر في اعدام الآخر ويرفعه.

قوله : وقوله «ولا يعتد بالشك في حال من الحالات» الخ (٢).

وهنا بيان لطيف لتوجيه عموم الأخبار للشك في المقتضي لعلّه أوجه مما

__________________

(١) والأظهر عندي هو المعنى الثالث ثم الثاني وإن أصرّ السيّد الاستاذ على أنّ الأظهر هو الأول.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٨٠.

١٠٩

في المتن وهو أن يقال إنّ هذه الروايات الأربع التي اطلق الشك فيها على ما يعمّ الشك في المقتضي لو صارت قرينة على إرادة الأعم في قوله «لا تنقض اليقين بالشك» فهو ، وإلّا فهي بنفسها كافية في إثبات العموم ، هب أنّ قوله «لا تنقض اليقين» مختص باثبات حجّية الاستصحاب في الشك في الرافع فهو لا ينافي عموم الأخبار الأخر ، وما أجاب به عنها في المتن من منع كون هذه الأخبار دليلا على الاستصحاب قد عرفت ما فيه سابقا فإنّ بعضها دليل لو لم يكن كلّها ، قد مرّ توجيهه في محلّه.

قوله : وأمّا قوله (عليه‌السلام) «من كان على يقين فشك» فقد عرفت الإشكال في ظهوره (١).

قد عرفت ظهوره في الأعم من الاستصحاب وقاعدة اليقين فتذكّر.

قوله : مع إمكان أن يجعل الخ (٢).

مجرد إمكان كون خصوص الذيل قرينة على تخصيص عموم الصدر لا ينفع ، لم لا يكون عموم الصدر قرينة على إرادة العموم من الذيل أيضا فإنّه ممكن أيضا ، والمدار على الأظهرية كما عرفت ، ولم تثبت أظهرية الذيل في الخصوص على الصدر في العموم.

قوله : مع أنّ الظاهر من المضي الجري على مقتضى الداعي السابق (٣).

إن أراد من الداعي السابق داعي شخص الفاعل فهو أجنبي عن المقصود

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٨١ (لاحظ الهامش).

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٨١.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٨١.

١١٠

من إحراز المقتضي للحكم المتيقن ، وإن أراد منه المقتضي للحكم فلا نعلم دلالة لفظ المضي عليه ، مع أنّ الماتن جعل هذه الرواية أظهر في الشك الساري وقاعدة اليقين ، وعليه فكيف يكون المقتضي للحكم محرزا ويشك في رافعه ليحمل لفظ المضي عليه ، فليتأمّل.

قوله : من جهة استصحاب الاشتغال بصوم رمضان إلى أن يحصل الرافع (١).

فيه نظر أمّا أوّلا : فلأنّ العبرة بعموم لفظ «اليقين لا يدخله الشك» لا بخصوص المورد. وأمّا ثانيا : فلأنّ مورد الشك في الرواية موضعان ابتداء رمضان وابتداء شوال ، سلّمنا في أنّ قوله (عليه‌السلام) «افطر للرؤية» منطبق على استصحاب الاشتغال والشك فيه في الرافع ، وأمّا قوله (عليه‌السلام) «صم للرؤية» من حيث الشك في دخول رمضان من قبيل الشك في المقتضي على الظاهر ، بل هو مجرى قاعدة البراءة. وأمّا ثالثا : فلأنّ ما ذكره من الحمل على استصحاب الاشتغال إنّما يتم لو لم يرد من الرواية استصحاب موضوع رمضان بل لعلّه الظاهر منها ، وعليه يرجع إلى الشك في المقتضي كما لا يخفى.

وأمّا رابعا : سلّمنا ذلك كلّه إلّا أنه لا يتم إلّا على تقدير أن يكون صوم مجموع أيام رمضان تكليفا واحدا ، وهو في محل المنع ، بل مرجعه إلى تكاليف ، وتمام البيان في ذلك في الفقه.

قوله : وفيه أنّ تلك الاصول قواعد لفظية مجمع عليها (٢).

بل التحقيق أنّ هذا كله اعتماد على الظن والظهور المستند إلى الوضع أو

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٨٢.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٨٣.

١١١

الاطلاق ، وليس هناك أصل أصلا ، إذ لو اريد من أصالة عدم التخصيص والتقييد وعدم قرينة المجاز وغيرها الأصل التعبّدي الشرعي فهو واضح الضعف ، لأنّ هذه الظواهر معتبرة عند من لا يتديّن بدين وشرع ، وإن اريد الأصل العقلائي بمعنى أنّ العقلاء يبنون الأمر على عدم التخصيص والتقييد والمجاز إلى غير ذلك ثم يعملون على طبق الظواهر فهو أيضا فاسد ، لأنّا لم نجد في بناء العقلاء التعبّد بشيء في بنائهم وإنّما يعملون على طبق ظنونهم مطلقا فيما انسد فيه طريق العلم في جميع امورهم من التجارات والزراعات وغيرها ولا يعتنون باحتمال عدم حصول مقاصدهم بطروّ الطوارئ الاتفاقية ، وأيّ فائدة في البناء على عدم طروّ الطوارئ ، فإنّ الامور الواقعة واقعة على ما هو مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ ، والظن المعتمد عليه لا يتفاوت سواء بني على عدم وقوع الطرف المرجوح أم لم يبن ، ودعوى أنّ الظن والظهور فيما نحن فيه مستند إلى الاصول العدمية المذكورة أيضا بيّنة الفساد يشهد بذلك ما اشتهر في ألسنتهم من أنّ المخصّصات والمقيّدات وقرائن المجازات قرائن صارفة عمّا يقتضيه اللفظ الموضوع في نفسه ، فاللفظ ظاهر في المعنى ، والقرينة لو كانت موجودة تصرفه عن ظهوره إلى غيره.

قوله : لكن الذي يظهر بالتأمّل عدم استقامته في نفسه ـ إلى قوله ـ فتأمّل (١).

هذه العبارة صارت محلا للأنظار ، ونحن نذكر أوّلا ما هو الأظهر عندنا في ترجمتها ثمّ نتعرّض لما ذكره غيرنا فنقول : المراد من قوله عدم استقامته في نفسه أنّ التوجيه المذكور لكلام المحقّق أعني حمل المقتضي على العموم أو الاطلاق والعارض على احتمال التخصيص أو التقييد غير مستقيم في نفسه لأنّه بعيد عن

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٨٦.

١١٢

اللفظ ، إذ ظاهر لفظ المقتضي هو مقتضي الحكم وسببه لا دليله ، والمراد من قوله وعدم انطباقه على قوله المتقدّم والذي نختاره الخ أنّ التوجيه المذكور لا ينطبق على العبارة المذكورة باعتبار تمثيله بعقد النكاح وأنّه اقتضى حلّ الوطء مطلقا فإنّ عقد النكاح سبب للحل مطلقا لا أنّه دليل عام أو مطلق وهو واضح.

قوله : وإخراجه للمدّعى عن عنوان الاستصحاب (١).

وجهه : أنّ موارد وجود العموم أو الاطلاق موارد الدليل الاجتهادي ، ومورد الاستصحاب فرع عدم وجود الدليل.

قوله : كما نبّه عليه في المعالم (٢).

يعني أشار في المعالم إلى خروج المدّعى أعني الأخذ بالعموم أو الاطلاق عن عنوان الاستصحاب حيث قال : وكأنه أي المحقّق رجع عمّا اختاره أوّلا من حجّية الاستصحاب واختار قول المنكرين حيث قال والذي نختاره الخ ، لأنّ العمل بالعموم والاطلاق ليس من محل النزاع في شيء.

قوله : فتأمّل (٣).

لعلّه إشارة إلى أنّ كلام المعالم (رحمه‌الله) يحتمل أنّه حمل كلام المحقّق على التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع وادّعى انحصار النزاع في الأول كما استظهره في المتن سابقا عند تعداد الأقوال ، هذا ما فهمناه من العبارة المذكورة.

قيل إنّ المراد من قوله عدم استقامته في نفسه أنّ التوجيه المذكور أعني

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٨٦ (انظر الهامش).

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٨٦.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٨٦.

١١٣

حمل المقتضي في كلام المحقّق على العموم أو الاطلاق غير مستقيم ، باعتبار أنّ العموم وكذا الاطلاق بنفسه غير مقتض للحكم ، بل هو مع أصالة عدم التخصيص أو التقييد ، فإنّ الأصل المذكور دخيل في إيجاب العموم للظن بالحكم ، فالعموم جزء المقتضي لا تمامه.

وفيه : مع أنّه خلاف ظاهر العبارة باعتبار ذيلها ، ما مر في الحاشية السابقة من أنّ الظن والظهور غير مبتن على إجراء أصل عدم المخصص والمقيّد بل لا أصل لهذا الأصل أصلا ، فتذكّر.

وقيل في معنى قوله «عدم استقامته في نفسه» وجه آخر ، وهذا القائل حمل التوجيه المذكور على أنّ المراد أنّ المقتضي بالمعنى المعروف يرجع إلى العام أو المطلق ، فقال إنّ المراد من عدم استقامته في نفسه أنّ هذا التوجيه غلط كيف وظهور العام وشموله للفرد المشكوك فيه في نفسه معلوم ، ولكن اقتضاء المقتضي للمشكوك مشكوك فكيف يرجع المقتضي إلى العام ، وأيضا مورد التمسك بعموم العام واطلاق المطلق منحصر فيما إذا كان عدم ورود المخصص والمقيد محرزا في الظاهر لكن احتملنا التخصيص أو التقييد بحسب واقع المراد ، لا فيما لو احتملنا ورود المخصّص أو المقيّد ولم نظفر به فإنّ المورد مورد التمسك بأصالة عدم ورودهما لا التمسّك بالعموم أو الاطلاق ، وما نحن فيه من قبيل الثاني فلا يصحّ التمسّك بالعموم.

ولا يخفى ما في هذا الكلام ، أمّا أولا : فلأنّ الكلام الموجّه كالصريح في أنّ المراد من المقتضي هو الدليل العام أو المطلق لا إرجاع المقتضي المصطلح إلى العام أو المطلق.

وأمّا ثانيا : فلأنّ مورد التمسّك بالعموم أو الاطلاق لا ينحصر فيما ذكره بل في كل ما لا يعلم بالتخصيص والتقييد ، سواء علمنا بعدم صدورهما واحتملناهما

١١٤

واقعا أو احتملنا صدورهما وعدم الوصول إلينا ، بل عرفت آنفا أنّه لا معنى لأصالة عدم التخصيص والتقييد إلّا الأخذ بظهور العموم أو الاطلاق.

قوله : ومنها أنّ الثابت في الزمان الأول ممكن الثبوت في الآن الثاني (١).

قد علّل المصنّف قدس‌سره هذه المقدّمة بأنّه لو لم يكن ممكن الثبوت في الآن الثاني لم يحتمل البقاء وهو خلاف الفرض في مورد الاستصحاب ، مع أنّ أوائل الاصوليين الذين اعتمدوا على هذا الدليل وأضرابه علّلوها بأنه لولاه لزم خروج الممكن عن الامكان الذاتي إلى الامتناع ، ولعلّ وجه العدول عنه ما أورد عليه في الفصول (٢) وملخّصه : أنه إن اريد أنّ ما أمكن وجوده في وقت فلا بدّ من أن يكون ممكن الوجود في سائر الأوقات فهو ممنوع ، ألا ترى أنّ أجزاء الزمان وكذا الزمانيات إذ اخذت من حيث تقييدها بالأزمنة الخاصّة يمتنع وجودها لا حقا كما يمتنع وجودها سابقا لامتناع تقدّم الشيء على نفسه. وبعبارة اخرى لا مانع من صيرورة الممكن الذاتي ممتنعا بالغير ، وإن اريد أنّ الممكن الذاتي لا ينقلب إلى الامتناع الذاتي فهو حق إلّا أنه لا ينتج المدّعى من إمكان الوجود في الزمان الثاني ، إذ يحتمل أن يكون ممتنعا فيه بالعرض ، قال فالوجه أن يتمسّك بلزوم خلاف الفرض على تقدير بطلان هذه المقدّمة ، إذ الكلام في استصحاب ما يمكن بقاؤه في الزمان الثاني ، إلى آخر ما ذكره.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٨٦.

(٢) الفصول الغروية : ٣٧٠.

١١٥

قوله : لاستحالة خروج الممكن عمّا عليه بلا مؤثّر (١).

أورد على هذه المقدّمة أيضا في الفصول (٢) بأنه لا يلزم من كون الثابت في الزمن السابق ممكنا في الزمن اللاحق توقّف عدمه على اقتضاء مؤثّر فيه ، بل يكفي عدم اقتضاء مؤثّر في بقائه على ما هو التحقيق من عدم استغناء الباقي في بقائه عن المؤثّر ، انتهى. نعم يتم هذا التعليل فيما إذا علم بالعلّة المقتضية للبقاء لو لا الرافع ، ويصحّ به سوق الدليل بالنسبة إلى الشك في الرافع ، فيكون الدليل حينئذ لو تم أخصّ من المدّعى.

قوله : ففيه أنّه لا دليل على اعتباره أصلا (٣).

يمكن أن يقال : إنّ بناء العقلاء عند انسداد باب العلم على العمل بالظنون النوعية أيضا ، ولا يقتصرون على الظنون الشخصية كما تقدّم في نتيجة دليل الانسداد من رسالة الظن ، فبناء على تمامية مقدّمات دليل الانسداد والقول بأصالة حجّية الظن حتى الظن النوعي على ما ذكرنا يكون حجّية الظن الاستصحابي موافقا للأصل ، لكنّه مختص بالاستصحاب في الأحكام ويبقى حجّية الاستصحاب في الموضوعات خالية عن الدليل ، ولعل المستدل لا يريد أزيد من ذلك لأنّه بصدد حجّية الاستصحاب المعدود من أدلّة الأحكام.

قوله : وثانيا : لا ينفع بقاء الأغلب في إلحاق المشكوك الخ (٤).

دعوى أنّ كون الغلبة مفيدة للظن باعتبار ربط وملازمة جامعة بين الأفراد

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٨٦

(٢) الفصول الغروية : ٣٧٠.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٨٧.

(٤) فرائد الاصول ٣ : ٨٩.

١١٦

الغالبة والفرد النادر غريبة ، كيف ولو كان بملاحظة الربط واشتراك مستند الحكم لم يحتج إلى إحراز الغلبة ، بل كان اللازم الاكتفاء باحراز حكم فرد واحد وإسراء حكمه إلى مشاركه في وحدة المستند ومناط الحكم فافهم فإنه يرجع إلى القياس لا الاستصحاب ، وإن اريد من الربط مجرد وجود جامع بينها صنفي أو نوعي أو جنسي فهو موجود بالنسبة إلى جميع الموجودات.

قوله : الاولى إثبات الاستمرار في الجملة (١).

هذه المرحلة الاولى لعلّه مستغنى عنها بإثبات المرحلة الثانية فإنّ الظن بمقدار خاص من الاستمرار مغن عن تحصيل الظن بأصل الاستمرار في الجملة.

قوله : وأمّا الثاني وهو الشك في الرافع الخ (٢).

وأيضا يرد على المحقّق القمي مضافا إلى ما في المتن ، أنّ الشك في الرافع مطلقا سواء كان الشك في وجود الرافع أو في رافعية الموجود ليس شكا في الاستمرار الناشئ عن استعداد الأشياء للبقاء الذي بنى عليه كلامه ، بل لو علمنا مقدار استمرار شيء واستعداده للبقاء أبدا يمكن ارتفاعه برافع ، فربما يحصل الشك في بقائه للشك في رافعية شيء له أو في وجود ما هو معلوم الرافعية ، وبالجملة ظاهر كلام هذا المحقّق بل صريحه أنّه ناظر إلى موارد الشك في المقتضي دون الرافع ، فيكون الدليل أخصّ من المدّعى.

قوله : وممّا يشهد بعدم حصول الظن بالبقاء الخ (٣).

إنّما يتم الشهادة في المثالين بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٩٠.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٩٢.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٩٤.

١١٧

الشخصي كما يظهر من البهائي (رحمه‌الله) ، وأمّا بناء على اعتباره من باب النوعي فلا منافاة بين الظن ببقاء الحدث والظن بطهارة البدن في المثال الأول ، وكذا الظن بكرّية مقدار معيّن من الماء وعدم كريته في المثال الثاني ، نعم يقع الكلام في إمكان حجّية كلا الظنّين المذكورين معا مع العلم بمخالفة أحدهما للواقع إجمالا وهو كلام آخر غاية الأمر صيرورته لذلك من قبيل المتعارضين.

قوله : وزاد بعضهم أنّه لو لا ذلك لاختلّ نظام العالم (١).

الظاهر أنّ هذا دليل آخر غير بناء العقلاء ، لأنّ ما يوجب اختلال نظام العالم يستقل العقل بنفيه مع قطع النظر عن بناء العقلاء على عدمه ، كما أنّ بناء العقلاء يكون دليلا على المطلب مع قطع النظر عن حكم العقل بمفسدة اختلال النظام بل مع فرض عدمه ، ومن هنا تبيّن أنّ ملاك حجّية الاستصحاب على مذاق المتشبّثين بالأدلّة المذكورة وأمثالها أحد امور أربعة : أحدها الاعتماد على الكون السابق والعمل على الظن المستند إلى مجرد الكون السابق ، وإليه ينظر الدليل الذي تشبّث به المحقّق والدليل الثالث بالتقريب الأول المذكور في المتن. الثاني الاعتماد على الغلبة واعتبار الظن الحاصل منها كما أشار إليه في المتن في ذيل الدليل الثالث واختاره السيد شارح الوافية (٢) وصاحب القوانين (٣). الثالث بناء العقلاء. الرابع : حكم العقل ، ويظهر من المتن ضعف الكل ، ولعمري أنّه بلغ فساد حجّية الاستصحاب من غير جهة الأخبار حد الوضوح ، وثمرة نقل هذه الأدلّة والجواب عنها هو التدرّب في كيفية المناظرة في كلّ باب بايراد الحجج والأجوبة على ما

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٩٥.

(٢) شرح الوافية : ٣٢٥.

(٣) القوانين ٢ : ٥٣ ـ ٥٤.

١١٨

هو دأب المناظرين من أهل الصناعة.

قوله : احتجّ النافون بوجوه (١).

قال في الفصول واعلم أنّ هذا القول أعني القول بعدم حجّية الاستصحاب مطلقا ممّا لم نعثر بقائله ، وإنّما وجدناه منقولا في كلام البعض ، ويمكن أن يكون مذهبا لأكثر الحنفية على ظاهر ما نسب العضدي إليهم حيث قال بعد تفسير استصحاب الحال باستصحاب الحكم : فأكثر المحقّقين كالمزني والصيرفي والغزالي على صحته وأكثر الحنفية على بطلانه (٢) انتهى.

ولكن لا يخلو كلامه عن النظر ، لأنّ صريح كلام المعالم (٣) اختياره لهذا القول ناسبا له إلى المعتبر ، وسيأتي في المتن نقل عبارة المعتبر في ذيل ثالث أدلّة هذا القول ، وعن الفاضل التوني (٤) نسبته إلى السيد المرتضى (رحمه‌الله) ، ونسب أيضا إلى ظاهر الشيخ في العدّة (٥) وإلى أكثر المتكلّمين ، والعلم عند الله.

قوله : مضافا إلى امكان التمسّك بما ذكرنا في توجيه كلام المحقّق في المعارج (٦).

لا كرامة في إضافة هذا الوجه إلى الوجوه الثلاثة ، لأنّه إشارة إلى ما ذكره سابقا في توجيه كلام المعارج من أنّ مراده من المقتضي للحكم الأول هو العموم

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٩٧.

(٢) الفصول الغروية : ٣٧٥.

(٣) معالم الدين : ٢٣٥.

(٤) الوافية : ٢٠٠.

(٥) عدّة الاصول ٢ : ٧٥٦.

(٦) فرائد الاصول ٣ : ٩٩.

١١٩

والاطلاق ، وأورد عليه بعدم استقامته وخروجه عن الاستصحاب ، فكيف يجعله هنا دليلا على المدّعى أو مؤيّدا.

وقيل إنّه أشار إلى ما ذكره المصنّف في تعداد الأقوال عند نقل كلام المعارج.

وفيه : أنّ المصنّف لم يزد هناك على بيان أنّ المستفاد من كلام المعارج هو القول بالتفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع وأنّه اختار الحجّية في الثاني دون الأول.

قوله : أنّه لو كان الاستصحاب حجّة لوجب في من علم زيدا في الدار الخ (١).

لا يخفى أنّ هذا الدليل بظاهره بديهي الفساد لا ينبغي لأهل العلم والعلماء الركون إليه ، ولعلّ المستدلّ به ممّن يرى انحصار الحجّة في القطعيات فيصحّ له أن يقول لو كان الاستصحاب حجّة لكان موجبا للقطع واللازم باطل فالملزوم مثله.

والجواب عنه : منع الانحصار فإنّ الأمارات الظنية التي ثبتت حجّيتها في الأحكام والموضوعات أكثر من أن تحصى ، نعم لو اريد انحصار الحجّة فيما يرجع بالأخرة إلى القطع فهو كذلك ، والاستصحاب من هذا القبيل بعد قيام الأدلّة على حجّيته.

قوله : لا يسلم الاستصحاب في أغلب الموارد عن المعارض (٢).

من موارد غير الغالب استصحاب نفس الأحكام الشرعية التكليفية إذا لم يكن لها أثر شرعي آخر أصلا أو كان لها أثر شرعي مسبوق بالوجود ، والضابط أنّ

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٩٩.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ١٠٠.

١٢٠