الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١))

٣١ ـ (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ ...) أي أوجدناهم بعد إهلاك قوم نوح وإفنائهم (قَرْناً آخَرِينَ) قوما غيرهم وهم عاد وثمود ، وقيل هم عاد فقط.

٣٢ ـ (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ...) أي بعثنا رسولا منهم : بشرا ، هو هود عليه‌السلام يأمرهم (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) بعبادة الله تعالى الّذي (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) ليس لكم ربّ سواه (أَفَلا تَتَّقُونَ) أفلا تخافون من عقوبته وعذابه وتتجنّبون غضبه وسخطه؟ ..

٦١

٣٣ و ٣٤ ـ (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) قال الكافرون من قومه (كَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) أنكروا البعث والحساب يوم القيامة (وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وكنّا قد أنعمنا عليهم في حياتهم ، قالوا : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) مرّ تفسيره ، فهو مثلكم (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ) من الطعام (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) ولا يمتاز عنكم بشيء (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ) إذا سمعتم كلامه حال كونه مثلكم ، وألقيتم له بالطاعة (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) لا تصيبون ربحا بذلك.

٣٥ و ٣٦ ـ (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً ...) أي هذا الذي يدّعي النبوّة يقول لكم أنكم تعودون بعد أن تموتوا وتصيروا ترابا وعظاما بالية (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) تبعثون وتخرجون من قبوركم كما كنتم في دار الحياة؟ ... (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) هيهات : اسم فعل ماض موضوعة للاستبعاد ، أي : بعدا لما يقوله من المحال وهو بعث الأجساد بعد فنائها. وهيهات الثانية تأكيد للأولى واللّام لبيان المستبعد ، أي : بعيد بعيد ما وعدكم به هود من أنكم تحيون بعد ما تموتون ، وتبعثون بعد ما تدفنون ، وتحاسبون على أعمالكم فتعذّبون ، فهيهات هيهات لما يتوهّم هود بما يقوله! ...

٣٧ ـ (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ...) أي ما هي إلّا هذه الحياة التي نعيشها ، وليس هناك من حياة غيرها ، ففي هذه الدنيا نحيا ونموت (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) ولسنا بمعادين بعد الموت.

٣٨ ـ (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى ...) أي ليس هود سوى رجل افترى : ارتكب فرية وكذبا (عَلَى اللهِ) وليس ما جاء به من عند الله (وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) ولسنا بمصدّقين ما افتراه واختلقه.

٣٩ و ٤٠ ـ (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ ...) مرّ تفسيرها قريبا (قالَ) الله تعالى له مجيبا دعاءه : (عَمَّا قَلِيلٍ) بعد فترة بسيطة (لَيُصْبِحُنَ

٦٢

نادِمِينَ) ليصيرنّ نادمين على تكذيبك ، وعلى عنادهم وثباتهم على الكفر وعدم إيمانهم ، وخصوصا إذا رأوا العذاب.

٤١ ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ ...) أي حلّت بهم وأصمّتهم صيحة جبرائيل عليه‌السلام حين صاح بهم صيحة هائلة منكرة تصدّعت لها قلوبهم وتمزّقت أحشاؤهم (بِالْحَقِ) بالحكم العدل من عند الله تعالى لأنهم كانوا مستحقّين لها. وهذه الآية تدل على أن قوم صالح أهلكوا بالصيحة كما هو واضح (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) فعن الباقر عليه‌السلام : الغثاء : اليابس الهامد من نبات الأرض. وقد شبّههم سبحانه بغثاء السيل وهو ما تحمله المياه الجارية على سطحها من الحشائش والنباتات اليابسة والأوساخ (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) بعدا : منصوب على المصدرية للمقدّر : أي بعدوا بعدا. ويحتمل أن تكون للإخبار أو الدعاء عليهم ، والمقدّر هو بمعنى : هلك هؤلاء ، أو أهلكهم الله ، وهذا له نظير : سحقا ، من المصادر الموضوعة موضع أفعالها كما لا يخفى على من تأمّل موارد استعمالها.

* * *

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥))

٤٢ و ٤٣ ـ (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ ...) مرّ تفسيرها وهي تعني قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) أي

٦٣

لا يسبق وقت هلاكها الأجل المعيّن له في وقته ، فإن لها أجلا محدّدا لا يتقدّم (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) ولا يتأخرون عن ملاقاة هلاكهم في موعده المقرّر.

٤٤ ـ (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا ...) أي بعثنا رسلنا من الأنبياء إلى مخلوقاتنا من الناس ، (تَتْرا) متتالية واحدا بعد واحد ، من الوتر الذي هو الفرد ، وكانوا (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) فلم يصدّقوا قوله (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) أي جعلنا إهلاك تلك الأقوام الكافرة متتاليا ، نهلك أمة بعد أمة (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) فما أبقينا منهم أثرا إلّا ما يشير إلى كونهم عبرة للخلق يتمثل بهم من بعدهم ليعلموا ان الله تعالى ينتقم من أعدائه الظالمين في الدّنيا والآخرة فيتعجّبوا منهم ويعتبروا من محو آثارهم وإفنائهم بأنواع العذاب.

٤٥ ـ (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ ...) أي بعثناهما (بِآياتِنا) التسع المشهورات المذكورات في الكتاب والسنّة (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي حجّة واضحة ملزمة للخصم وهي العصا وتخصّها بالذكر مع أنها داخلة في الآيات لكونها اهمّ الآيات وأمّ المعجزات فإن كثيرا ما تولّد منها كشق البحر وجريان المياه من الحجر وبلع ما عمل السحرة وحراسة موسى إذا نام والاستضاءة بها في اللّيالي المظلمة كالقمر المنير والأمور الأخرى التي يحتاج إليها موسى في السّفر والحضر فلها امتيازات خاصّة بها.

* * *

(إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨))

٦٤

٤٦ ـ (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ ...) الملأ الجماعة من القوم ، وأشراف القوم الذين يملأون العيون أبّهة والصّدور هيبة ، وأصحاب التّشاور في الأمور (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الايمان والمتابعة (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) اي أرباب علوّ وقهر واستيلاء وأرباب أنفة وسلطان ولذا يرون أن التبعية لموسى والإيمان بالله خلاف مقامهم وشأنهم. ويدلّ على ما قلنا قولهم بعد ذلك :

٤٧ ـ (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا ...) فقال آل فرعون مثلما قال من سبقهم : هل نؤمن لإنسانين مثلنا وليسا من الملائكة من عند الله (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) أي أن بني إسرائيل نحن نستعبدهم ونستخدمهم في مصالحنا.

٤٨ ـ (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ...) أي أن فرعون وقومه لم يصدقوا موسى وهارون عليهما‌السلام ، فكانوا ممّن قضينا عليهم بالغرق في بحر النيل.

* * *

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢))

٤٩ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ...) أي : قد أنزلنا على موسى الكتاب الذي هو التوراة لعلّهم يسترشدون بها ويهتدون لما فيها من الحق والشرع.

٦٥

٥٠ ـ (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ...) أي جعلناهما معجزة أظهرناها للنّاس بقدرتنا لأن عيسى عليه‌السلام ولد من غير أب وتكلّم في المهد صبيّا وله معاجز كثيرة ذكرناها سابقا ، ولأن أمّة سلام الله عليها حملت به من غير أن يمسّها بشر ، فكانا معجزتين عجيبتين (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) أسكنّاهما في أرض مرتفعة هي بيت المقدس ، أو هي دمشق أو مصر وهي كلّها أراض مرتفعة (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) أي مستوية يستقرّ عليها والمراد بالمعين هو الماء الجاري الصافي الهنيء. وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام قال الربوة نجف الكوفة ، والقرار مسجد الكوفة والمعين : الفرات.

٥١ ـ (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ ...) أي المستلذّات المباحات (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي الإتيان والعمل بأوامره وترك نواهيه. وتقدّم أكل الطيّب على العمل الصّالح لأن الثاني نتيجة الاول. وقال بعض أهل المعرفة إن اللقمة بذر ، وكلّما كان البذر أحسن فالزرع أحسن فالثمر أعلى وأرقى ، وأكل الحلال يظهر أثره في جميع أحوال الإنسان وبالأخصّ في الرغبة إلى طاعة الله تعالى وفي كيفيّة العبادة بحيث يصير مصداقا للآية المباركة ، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ، بخلاف أكل الحرام أعاذنا الله منه حيث إن الإنسان يصير خاتمة أمره وعاقبته أن يكذّب بآيات الله وأحكامه ويستهزئ وتصير أحكامه تعالى كبيرة عليه كالجبال الراسيات. اللهم إلّا أن يوفّق للتّوبة ويترك الحرام وان كان بعيدا وهيهات هيهات أين يخليه الشيطان ويتركه حتى يوفق للتوبة وفي الحديث : إن الله طيب لا يقبل إلّا الطيّب (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) هذا البيان داع للعبد الى إصلاح عمله لأن العاقل إذا عمل عملا لمن يرى ويعلم حقيقة عمله ويجري على طبق ما يعمل ويعطى الأجرة على مقدار استحقاقه بعمله فالعامل طبعا يجدّ ويجتهد بتمام بذل وسعه حتى يصلح عمله ويأتيه على وفق مقصود آمره به فهذه التنبيهات لطف منه تعالى للعباد.

٥٢ ـ (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ...) أي أن هذه الأمم التي هي أممكم وأرسلتكم إليهم واحدا بعد واحد ، لا بدّ وأن تكونوا على مذهب

٦٦

واحد وشريعة واحدة ومتوحدة على التوحيد (وَأَنَا رَبُّكُمْ) أي ليس لكم ربّ سواي فكونوا متّحدين ومتّفقين عليّ ولا تتفرّقوا عن عبادتي (وَأَنَا رَبُّكُمْ) إلهكم وخالقكم جميعا (فَاتَّقُونِ) فخافوني في الاختلاف وشقّ العصا فيما بينكم وفي النزاع بكلمة التوحيد ، ولا تتفرّقوا في شرعكم وفي أحكامه التي جاءكم بها رسلي واسمعوا قولهم وأطيعوا أوامرهم ونواهيهم لأنهم يؤدّون عنّي.

* * *

(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦))

٥٣ ـ (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً ...) أي أنهم مع تلك الوصايا والبيانات الكافية بوحدة الكلمة في أمر الدّين ، ولا سيّما في التوحيد ، فإنّهم من شدة اختلافهم جعلوا دينهم أديانا مختلفة وطوائف متنازعة ، وزبرا : أي قطعا قطعا ، استعيرت من زبر الحديد ، فصار (كُلُّ حِزْبٍ) كل فريق منهم (بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) مسرورون بما اتّخذوه دينا لأنفسهم ، وتحزّبوا له وأعجبوا به ورأوا أنفسهم هم المحقّين ، وغيرهم على الباطل. وفي القمي قال : كلّ من اختار لنفسه دينا فهو فرح به كمشركي العرب وكالمجوس واليهود والنصارى والصابئين وغيرهم. ثم انه تعالى قرّعهم على ذلك الاختلاف ووجّه إليهم الوعيد والتهديد فقال :

٥٤ ـ (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ...) أي اتركهم ودع هؤلاء الجهلاء في جهلهم الذي شبّهه سبحانه بغمرات المياه ، أي معظمها وكثيرها المتلاطم الذي يغمر القامة ويغطّيها ، فخلّهم في نزاعهم وحقدهم وتحاسدهم إلى حين : أي إلى وقت يقتلون فيه أو يموتون ، أو إلى وقت بعثهم وزمان حشرهم.

٦٧

٥٥ و ٥٦ ـ (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ ...) أي ما نعطيهم ونجعله مددا لهم (مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) كلمة (مِنْ) بيانيّة للموصول ، أي ما نرزقهم من الأموال والأولاد ، أيظنّون أنّا بعملنا هذا (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) أي هؤلاء الكافرون يظنّون أن ما نعطيهم ونزيدهم من أموالهم وأولادهم إنما نعطيهم ثوابا ومجازاة لهم على أعمالهم ولرضائنا عنهم لكرامتهم علينا واستحقاقهم ، ومكافأة لأعمالهم؟ ليس الأمر كما يظنّون ، بل ذلك إملاء لهم واستدراج لهوانهم علينا. وفي الحقيقة تلك المسارعة مبادرة لنا عليهم في الشرور حيث إنها معقّبة بالعذاب وبأخذهم أخذ عزيز مقتدر فجأة (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) الشعور هو العلم بالمعلوم الدّقيق ودقيق فهمه على صاحبه. وحاصل المعنى أن هذا الإمداد ليس إلّا استدراجا لهم في المعاصي ، وهم يحسبونه مسارعة في الخيرات. وكلمة (بَلْ) استدراك لقوله أيحسبون ، أي بل هم أشباه البهائم لا شعور لهم حتى يتفكّروا في ذلك أهو استدراج أم مسارعة في الخيرات. وفي المجمع عن الصّادق عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله تعالى يقول : يحزن عبدي المؤمن أذا قتّرت عليه شيئا من الدّنيا وذلك أقرب له منيّ. ويفرح إذا بسطت له الدّنيا وذلك أبعد له منّي ، ثم تلا هذه الآية ، ثم قال : إنّ ذلك فتنة لهم. ثم أنّه تعالى بعد بيان أحوال الكفرة والفجّار ذكر أحوال المؤمنين الأخيار الأبرار ببيان أوصافهم بقوله :

* * *

(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا

٦٨

نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧))

٥٧ و ٥٨ ـ (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ ...) أي من خوف عذاب (رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي حذرون. فالإشفاق يتضمّن الخشية ، إلّا أن الخوف مع زيادة رقّة وضعف ، فبهذا الوجه يفرّق بينهما. وقيل ، جمع بينهما للتّأكيد فإذا هما متساويان. وقيل الخشية هو العذاب فالفرق بيّن. وقيل الشفقة هو الميل مع الخوف كالعبد يميل إلى ولاه وخائف منه أيضا فالفارق موجود. ثم إنه جلّ وعلا عدّ لهم أربعة أو خمسة أوصاف بعد أن بيّن أنهم يؤمنون بآيات ربّهم ، ثم جعل الوصف الأخير أي الجملة الأخيرة المشتملة على وصفهم بالمسارعة خبرا للموصول في الجملة الأولى فيستفاد أن إيمان المؤمن لا يكمل إلّا بمجموع هذه.

٥٩ ـ (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ ...) أي يوحّدونه ولا يجعلون له شريكا ...

٦٠ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا ...) أي يعطون ما أعطوه من الصّدقات أو أعمال البرّ كلّها فدخل فيه كلّ حقّ لزم ايتاؤه سواء كان ذلك الحق من حقوق الله كالزكاة والكفارة وغيرهما أو من حقوق الآدميّين كالودائع والدّيون وأمثالهما (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) لأن من يقدم على عمل من العبادات والمعاملات وهو يعلم أنه على تلك الأعمال محاسب بحساب دقيق وأنّ عالم

٦٩

السرّ والخفيّات مشرف على أعماله وهو بالمرصاد ، فهو وجلّ قهرا لأنه يحتمل أن يكون مقصّرا يخلّ بوظائفه ويفرّط في أعماله. وقيل في الكلام حذف وإضمار ، أي وقلوبهم وجلة أن لا يقبل منهم كما فسّر أبو عبد الله عليه‌السلام به فقال معناه : قلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم ، وذلك لعلمهم ب (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) أي لأن مرجعهم إليه ، وهو يعلم ما يخفى عليهم. فهذه الجملة في مورد العلّة لخوف قلوبهم ومتعلقة بوجلة بحذف حرف الجرّ. والحاصل أن المؤمن لا يرى في أعماله وأقواله إلّا ربّه لخوفه منه. وفي الكافي عن الصّادق عليه‌السلام قال : إن استطعت أن لا تعرف فافعل ، وما عليك أن لا يثني عليك الناس ، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله. ثم قال عليه‌السلام قال أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام : لا خير في العيش إلّا لرجلين : رجل يزداد كلّ يوم خيرا ، ورجل يتدارك السّيئة بالتوبة ، فبيّن عليه‌السلام ما هو شرط في قبول توبته وسبب لأن يوفّق للتوبة ، فقال ، أي مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله تبارك وتعالى منه إلّا بولايتنا أهل البيت. ألا ومن عرف حقّنا ورجا الثواب فينا ورضي بقوته نصف مدّ في كلّ يوم وما ستر عورته وما أكنّ رأسه ، وهم والله في ذلك خائفون ووجلون إلى آخر الحديث ...

٦١ ـ (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ...) أي يرغبون في الطاعات أشدّ الرغبة فيبادرون بها. أو المراد مطلق الأمور الخيرية دنيوية كانت أو اخروية ، لقوله تعالى فآتاهم الله ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة أي الأجر الدنيويّ ، وأحسن أجر في الأخرى (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) أي المتّصفين بتلك الصّفات المذكورة لأجل تلك الخيرات سابقون إلى الجنّة. وقيل إنهم للخيرات سابقون غيرهم من المؤمنين. وقال الكلبي : سبقوا الأمم إلى الخيرات.

٦٢ ـ (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ...) يعني أن تلك الحسنات

٧٠

والخيرات المذكورة الّتي كلّفنا العباد بها ليست بأمور شاقّة خارجة عن طاقة البشر ووسعهم فان التكليف بها مذموم قبيح ونحن لا نأمر به ومنزهون عنه بل هي أمور سهلة دون الطاقة والوسع. فهذه تحريض على ما هو المتصف به الصّلحاء والأبرار وترغيب للنفوس بأن تهفو إلى إتيانها حتى يعتادوا ويتصفوا بها وقد تأبى النفوس من تحمّل التكاليف حيث إنها ثقيلة على عامّة البشر ، ومن هنا سمّي تكليفا من الكلفة (وَلَدَيْنا كِتابٌ) أي صحيفة الأعمال أو اللّوح المحفوظ (يَنْطِقُ بِالْحَقِ) يبيّن الحق ويشهد بالصّدق فيما كتب فيه من أعمال العباد أو جميع أمورهم معادا ومعاشا (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقصان الثواب أو بازدياد العقاب على مقدار استحقاقهم.

٦٣ ـ (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا ...) كلمة (بَلْ) إضراب عمّا سبق وردّ له وابتداء الكلام. والمعنى أن قلوب الكفار في غفلة شديدة من هذا الكتاب المشتمل على الوعد والوعيد وهو القرآن. وقيل في جهل وحيرة غامرة لها ومحيطة بها اي انهم في غاية الغفلة (مِنْ هذا) اي مما وصف به هؤلاء ، أو من كتاب الأعمال ، أو من القرآن (وَلَهُمْ أَعْمالٌ) سيّئة خبيثة (مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي سوى ما هم عليه من الشّرك (هُمْ لَها عامِلُونَ) لا يتركونها فإنهم معتادون على فعلها.

٦٤ ـ (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ ...) أي إلى أن نأخذ متنعّميهم (بِالْعَذابِ) في الآخرة أو القتل ببدر أو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال اللهم اشدد ووطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف. أي خذهم أخذا شديدا. فابتلاهم بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحروقة والقذر والأولاد (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي يصرخون بالاستغاثة والدعاء لينجّيهم.

٦٥ ـ (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ...) أي لا تصرخوا أو لا ترفعوا أصواتكم بالاستغاثة (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) أي قيل لهم : لا تمنعون منّا أو لا يأتيكم نصر من ناحيتنا فنحن لا ننفعكم بعد تمام الحجة والبيان.

٧١

٦٦ ـ (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ ...) هذه الكريمة في بيان العلّة لعدم النّصر (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أي تعرضون مدبرين عن سماعها فترجعون رجوع القهقرى. فإن النكوص هو الرجوع القهقرى.

٦٧ ـ (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ...) أي بالقرآن بتضمين الاستكبار معنى التكذيب (سامِراً) أي تتحدثون تمام الليل بالطّعن في القرآن ولا تنامون اشتغالا بتكذيبه وذكره بأنه شعر أو سحر ، بل وبسبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (تَهْجُرُونَ) أي تتركون القرآن أو تشتمونه أو تهذون به.

* * *

(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢))

٦٨ ـ (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ...) أي القرآن ، فيعرفوا ما فيه من الدّلالات والعبر ويعلموا أنّه الحق من ربّهم. أو المراد من القول هو أقوال النّبي (ص) حينما أرسل لتبليغ الأحكام وتبيين الأصول (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) استفهام إنكاريّ ، أي كما جاءهم الرّسل والكتاب من الأقدمين والسّلف ، كذلك أرسلناك وأنزلنا إليك الكتاب حتى تقرأ عليهم وتنذرهم

٧٢

من عذاب ربّهم. فإرسالك عليهم ليس بأمر بديع حتى يستنكروه.

٦٩ ـ (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ...) أي ألا يعرفونه بالصّدق والأمانة ومكارم الأخلاق وكمال العلم مع عدم التعلّم ، وبشرف النّسب وغير ذلك مما هو صفة الأنبياء (فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) وهذا الاستفهام كما في السّابق للإنكار أي بل عرفوا جميع ذلك فلا وجه لإنكارهم له صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٧٠ ـ (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ...) أي أنه مجنون ، فلا يعتنون بقوله فيقولون إن جنونه حمله على ادّعائه الرّسالة مع أنهم عرفوه كمال المعرفة بأنه أكملهم عقلا وأصدقهم قولا وأتقنهم عملا وأعرفهم بربّه وأعلمهم بأحكامه ، على أن كتابه متضمّن ومشحون بالدلائل الواضحة على صدقه في دعواه مضافا إلى أن المجنون كيف يمكنه أن يأتي بكتاب أعجز عقلاءهم وفصحاءهم وقصّروا عن الإتيان بآية من مثله. وإنما نسبوه إلى الجنون حيث كان صلوات الله عليه وآله يأمر صناديدهم وكبراءهم بانقياده والتسليم لأمره ونهيه وهذا كان عندهم من أشق الأمور وأصعبها ، فلذا نسبوه إلى الجنون ليتخلّصوا من إطاعته ولا ينقادون له ، فأوردوا ذلك استحقارا واستخفافا بشأنه حتى لا يرغب به أحد (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) أي بدين الحق المستقيم وهو الإسلام أو بقول الحق يعني القرآن (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) لأنه مرّ والشيء المرّ مكروه عندهم وعند البشر ولا سيّما البشر المعاند.

٧١ ـ (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ ...) الحقّ هنا هو الله تعالى. والمعنى : لو جعل الله لنفسه شريكا كما يهوون (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) وهذه الشريفة تفيد ما يستفاد من قوله سبحانه : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ، ووجه الفساد هو التمانع والتزاحم. والحاصل ، أنه تعالى محال أن يصير تابعا لأهوائهم في جعل الشّريك والأمور الأخر التي يلزم منها الظلم والقبح (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) أي بكتاب فيه وعظهم ونصحهم وما فيه فخرهم وشرفهم لأنّ الرسول منهم والقرآن نزل بلغتهم ـ وقرئ بذكراهم ، لأنهم

٧٣

قالوا لو أنّ عندنا ذكرا من الأوّلين لكنّا عباد الله المخلصين ، فإذا أتيناهم بما فيه ذكر من الأوّلين وهو القرآن الذي فيه علم الأوّلين والآخرين (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) أي تاركون له وراء ظهورهم ، قد كذّبوا به. وفي الحقيقة أعرضوا عن شرفهم وفخرهم وما فيه خيرهم الدنيويّ والأخرويّ وذلك هو الخسران المبين.

٧٢ ـ (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ...) أي أجرا أداء الرّسالة فكان هذا ثقلا عليهم ، فلا يتحمّلونه فينفرون عن قبول الدّين والإيمان بك. فالاستفهام للإنكار ، أي ليس الأمر كذلك فإنك لست محتاجا إلى سؤال الخرج عنهم حيث إنّ خرجك على الله (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) والتّعبير عمّا نسب إليه بالخراج لأن فيه إشعارا بكثرته ولزومه ولذا غلب استعماله فيما يضع الإمام على الأرض أو يقاطعه مع الرّعايا وهو أمر معتنى به وكثير بخلاف الخرج فانه ما يخرجه الإنسان من ربحه ويعطى للغير وهو ـ نوعا ـ قليل ولا يعتنى به كما هو المشاهد المحسوس في الأسواق وغيرها. وزيادة المباني معروفة تدل على زيادة المعاني وجهته الخيرية لسعته ودوامه وعدم المنّة فيما يعطيه الخالق سبحانه وتعالى. والمراد بخراج الربّ هو رزقه الدنيوي وثوابه الأخروي (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) هذا تقرير لخيرية خراجه كما قررناه آنفا ـ وفي هذا دلالة على أن في العباد من يرزق غيره بإذنه جلّ وعلا ولو لا ذلك لما جاز أن يقول وهو خير الرازقين أي أفضل من أعطى.

* * *

(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما

٧٤

يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧))

٧٣ ـ (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ ...) أي وظيفتك الدعوة إلى دين الإسلام (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو طريق الحقّ والعمل به على طريق العدل والاستقامة ، فإن ما دل الدليل عليه وقامت الحجة على صحته فهو مستقيم ، عدل. وفي الرواية : إلى ولاية أمير المؤمنين.

٧٤ ـ (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ ...) أي عن جادة الهدى متمايلون إلى تيه الضلالة ووادي الغواية فإن خوف الآخرة أقوى البواعث على طلب الحق وسلوك طريقه فلو لم يخف الإنسان منها بل لم يقبلها فلا داعي له لطلب الحق والحقيقة.

٧٥ ـ (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ ...) أي لو منعنا عنهم القحط الذي أصابهم بمكة سبع سنين (لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ) أي لداوموا وثبتوا على ضلالتهم وإفراطهم في كفرهم وعداوة الرسول وتابعيه عليهم‌السلام ولا زالوا (يَعْمَهُونَ) يتحيّرون ويترددون في طريق الحق. والحاصل لو رفعنا العذاب عنهم لما تابوا بل كانوا ثابتين راسخين على عنادهم ولجاجتهم وعتوّهم. وروي أنهم قحطوا حتى أكلوا (العلهز : القراد الضخم وطعام من الدّم والوبر كانوا يتخذوه في المجاعة) فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أنشدك الله والرّحم ألست تزعم انك بعثت رحمة للعالمين؟ قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع. فنزلت الكريمة حتى لا يسأل النبيّ رفع العذاب عنهم لأن في الرفع خلاف المنّة والصلاح.

٧٦ ـ (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ ...) أي القتل يوم بدر (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) هذه تقرير يؤيد عدم الفائدة من رفع العذاب فلا

٧٥

مورد لرفعه ولسؤال رفعه ، فكانت تسلية لقلبه الشّريف صلوات الله عليه.

٧٧ ـ (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ ...) أي نوعا آخر من العذاب ، وهو أشد من الأول يعني الجوع فإنه أشد من القتل والأسر. أو المراد هو فتح مكة الذي صاروا فيه أذلّاء أشدّ الذلّ مضافا إلى الخوف الذي كادت قلوبهم أن تنصدع وتنشق وكان غاية أملهم أن يمنّ عليهم النبيّ الأكرم باستعبادهم ولم يقتلهم وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل بهم هكذا وقال : اذهبوا فأنتم الطّلقاء ، وما قتل منهم أحدا وكان هذا أشد ذلّا من القتل والأسر عليهم. قال أبو جعفر (ع) وهو في الرجعة عند قيام القائم. والحاصل فإنهم في هذه المرّة الثانية على اختلاف الأقوال فيها (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) أي متحيّرون أو مأيوسون ، فإن الإبلاس بمعنى اليأس من كلّ خير. ففي هذه المرّة نزلوا عن عتوّهم واستكبارهم بحيث أرسلوا كبراءهم وأشرافهم إلى النبيّ واستعطفوه واسترحموه. فهذه الكريمة على هذا التفسير يناسب أن يكون المراد بها هو قضيّة القحط أو فتح مكة أو هو بدر كما قيل ، والله أعلم بما أراد. ثم بعد ذلك ذكّرهم بعض نعمائه عليهم بقوله سبحانه :

* * *

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ

٧٦

أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣))

٧٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ ...) من النّعم الّتي أودعها الله سبحانه في الهيكل البشريّ قوّة السمع والبصر ، وتقديم السّمع على البصر لأهميّته وأشرفيّته عليه كما عليه المحققون من الأعلام ، ولعل ذلك بمرتبة من الوضوح بحيث لا يحتاج الى التّوضيح ويفهمه الإنسان بأدنى توجّه وتفكّر (وَالْأَفْئِدَةَ) وهذه جمع فؤاد وهو القلب الذي هو من تلك النّعم المودعة المنشأة ولولاها لفسدت جميع الجوارح وانعدمت القوى كلها ، فهي سلطانها وركن أركانها كما في علم التّشريح. وحاصل تلك الكريمة أنه تعالى على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب توبيخا وتقريعا يقول : نحن الّذين أنعمنا عليكم بالسّمع والبصر والفؤاد حتى تسمعوا به ما يقرأ أنبياؤنا المرسلون عليكم من آياتنا وكتبنا النازلة إليهم ، وتنظروا إلى معاجزهم وخوارق عاداتهم ، ثم بعد ذلك تتفكّروا في آياتنا البيّنة ومعاجزنا الباهرة فتستدلّوا على وجود صانع حكيم تفرّد في وحدانيته وقدرته. فإذا استعملتم تلك الحواس فيما هو مؤدّ إلى المعرفة بما قلنا فأنتم من الشاكرين لأنعمنا بتمام الشكر وكماله ، وإلّا لم تكونوا من الشاكرين أصلا أو (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) وقليلا صفة لمفعول مطلق مقدّر ، و (ما) زائدة للمبالغة في قلة الشكر أو مقحمة لنفي الشكر ، أي لا تشكرون ولو شكرا قليلا.

٧٩ ـ (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ ...) أي أوجدكم وأنشركم بالتّناسل في أرضه (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي إليه تبعثون في يوم الحشر وتجمعون عنده للحساب والجزاء.

٨٠ ـ (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) أي اختلافهما بالازدياد والانتقاص فذلك يختص به تعالى ولا يقدر على ذلك أحد ، وتقديم الجارّ الإفادة الحصر والاختصاص (أَفَلا تَعْقِلُونَ) اي لم لا تتعقلون

٧٧

ولا تتأمّلون أن صدور جميع المكوّنات منّا ، وأن قدرتنا تعمّ كلّ شيء ومنه البعث والنشر ولماذا ينكره أهل مكة بلا رويّة؟

٨١ ـ (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ ...) أي قلّد كفّار مكة آباءهم السابقين في مقالتهم الفاسدة التي هي :

٨٢ ـ (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ...) قال أسلافهم من الكفرة في مقام إنكار البعث : هل إذا متنا وصرنا ترابا وفنيت أجسادنا (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) سنبعث من جديد وتعود أجسادنا كما كانت؟ القائل بذلك كاذب ونحن لا نصدّق ذلك وننكره. يقولون ذلك وقد نسوا أنهم خلقوا من العدم وكانوا ترابا قبل خلقهم ، ولمزيد الإنكار قالوا :

٨٣ ـ (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا ...) أي أن مسألة الوعد بالبعث والنشور أمر سمعناه من قديم الزمان ، وسمعه آباؤنا وأجدادنا من سائر الأنبياء ونحن إلى الآن لم نر أثرا لهذا الوعد ، ولم يبعث آباؤنا وأجدادنا لنصدّقه ، وقد طال العهد بهذا الوعد (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) هذه أكاذيب سطّرها السابقون وكتبوها من عندهم ، وهي مما لا حقيقة له ولا واقع. و (أَساطِيرُ) جمع أسطور وهي الحديث الذي لا أصل له ، أو جمع أسطار التي هي جمع سطر بمعنى الخط ، أي الكتب. فأساطير الأولين هي ما سطّره السابقون من أعاجيب أحاديثهم وأخبارهم الخرافية.

* * *

(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ

٧٨

بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩))

٨٤ ـ (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ...) لا يخفى على عاقل أن إيراد هذه الآية الكريمة وما يليها استدلال على منكري إعادة الأجسام ، والردّ على عبادة الأوثان ، وذلك لأن قريش كانوا أكثرهم مقرّين بالله لكن كانوا يقولون نعبد الأصنام ليقرّبونا إلى الله. فاحتّج الله عليهم بقوله : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ) الآية ، أي من كان خالقا للأرض ومن فيها ، قادرا على الإحياء والإماتة ، وأنعم عليكم بتمام النعم؟ أو ليس ينبغي أن لا تعبدوا إلّا إيّاه وتكفّوا عن عبادة ما لا ينفعكم ولا يضرّكم؟ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) لتعلموا بطلان ما أنتم عليه من عبادة الجمادات؟ ثم زاد في الاحتجاج فقال :

٨٥ ـ إلى ٨٧ ـ (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ...) وجه الاستدلال أنه تعالى خاطب نبيّه (ص) أن اسأل يا محمد عن مدبّر السّماوات السّبع (وَرَبُّ الْعَرْشِ) وخالقهما فإنّهما أعظم من الأرض فلا بدّ لهم من الاعتراف والقول بأنّه هو الله (قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) أي فلم لا تتّقون ولا تخافونه وتعبدون غيره وتنكرون المعاد مع أن بدء الخلق ليس بأهون من إعادته بل هو أشد حيث أنّ إيجاد المعدوم وهو أشد بنظركم وعندكم من إعادة الموجود. ثم إنه تعالى ترقّى في الحجة فقال :

٨٨ و ٨٩ ـ (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ...) الملكوت تاؤه للمبالغة في الملك كالجبروت ، ولذا عدّ من صيغ المبالغة ، ومعناه الملك العظيم والعزّ والسلطان الكبير وقيل معناه هنا هو الخزائن أي من بيد قدرته خزائن الدّنيا والآخرة (وَهُوَ يُجِيرُ) أي يؤمّن ويحفظ من العذاب من يشاء (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) أي ليس لأحد أن يؤمّن ويغيث أحدا من عذابه تعالى إلا بمشيئته .. وتعدية (أجار) ب (على) لتضمينه معنى النّصر ، يعني لا يمكن لأحد أن ينصر أحدا على الله وينجّي أحدا من عذابه تعالى بلا

٧٩

رخصة وإجازة منه سبحانه. والحاصل : قل يا محمد لهؤلاء القوم : من هو المتّصف بهذه الصفة وغيرها من صفات العظمة والجبروت (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تدركون ذلك المعنى السامي؟ فإذا كان عندكم علم بذلك فقولوا لي. ولن تقولوا إلّا أن الله تعالى يملك ذلك كله (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) فكيف يتلبّس عليكم الأمر الواضح. وقيل باختصار : إنه سبحانه ينقذ من هرب إليه ، ولا ينقذ أحد هرب منه ، لأنه يمنع من يشاء ولا يمتنع منه أحد.

* * *

(بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢))

٩٠ ـ (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ ...) أي نحن جئناهم بالحقّ وبيّنا لهم الحق من التّوحيد والوعد بالنشور ونفي الولد ومع ذلك (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) لأنهم أصرّوا على كذبهم في دعواهم الولد والشريك له تعالى.

٩١ ـ (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ ...) في الكلام تنبيه على نفي قول الكفّار حيث إن جمعا منهم كانوا يقولون : الملائكة بنات الله ، أو كالنّصارى فإنهم يقولون بأن المسيح ابن الله ، وكذلك الكلام في مقام نفي الشريك عنه بقوله تعالى : (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) لتقدسه عمّن يساهمه في الألوهيّة (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) هذه الجملة في موضع العلة لما تقدّم من قوله وما كان معه من إله ، ومفادها ، مفاد قوله لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا وقد تقدّم شرحها. وقوله إذا لذهب جواب وجزاء لشرط محذوف

٨٠