الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

سورة لقمان

مكّيّة إلّا الآيات ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ فمدنية وآياتها ٣٤ نزلت بعد الصافات.

* * *

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧))

١ و ٢ ـ (الم ، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ...) قد قلنا سابقا إن الحروف المقطّعة في مبادئ السّور أسماء للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو رموز

٣٨١

بين النبيّ وبينه تعالى ، وعلمها عنده تعالى وعند نبيّه (ص) ، و (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) أي هذه الآيات آيات القرآن (الْحَكِيمِ) المحكم آياته أو المحكم ، أو آياته ذات الحكمة (هُدىً) بيانا ودلالة. ونصبه على الحال للآيات ، وهو مصدر بمعنى الفاعل من باب : زيد عدل أي حال كون الآيات هادية (وَرَحْمَةً) أي حال كونها نعمة (لِلْمُحْسِنِينَ) المطيعين أو للموحّدين ، أو المراد للّذين يحسنون العمل. ثم وصفهم سبحانه بقوله :

٣ إلى ٥ ـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ...) هذه الشريفة وما بعدها بيان للمحسنين ، وتكرير الضّمير تأكيد. وعن الكلبي ومقاتل أن النضر بن الحارث سافر إلى فارس للتّجارة فاشترى بعض الكتب الموضوعة للقصص والحكايات نحو ما كتب في أحوال رستم وبهرام وإسفنديار من ملوك الفرس وأمرائهم ، فكان يقرأ في مجامع قريش ومحافلهم بحيث أنّهم تركوا استماع القرآن وصاروا يجتمعون عنده لكثرة اشتياقهم لاستماع تلك القصص والحكايات الحلوة. وكان يقول النضر عنادا وإنكارا لما جاء به النبيّ من القرآن وغيره من المعجزات : إنّ محمدا جاء بقصّة عاد وثمود وملك سليمان وداوود ، وأنا أخبركم عن سعة ممالك ملوك العجم وأكاسرته وقياصرته ، فنزلت الآية الشريفة :

٦ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي ...) أي النضر أو غيره من المعاندين والمشركين يشتري (لَهْوَ الْحَدِيثِ) أي التغنّي أو مطلق ما يلهي عن سبيل الله وعن طاعته من الأباطيل والمزامير والملاهي والمعازف والأحاديث التي لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار فيها ونحوها من الملاهي (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وطريقته الحقة فيضلّ الناس عن دينه تعالى. ومن أضلّ غيره فقد ضلّ (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بغير بصيرة حيث يشتري الباطل بالحق والضلالة بالهدى ، والجملة حال من فاعل (أضلّ) ومتعلّق به (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) أي يتّخذ السّبيل المستقيم سخرية ويستهزئ بها ، ومن يفعل ذلك فله (عَذابٌ مُهِينٌ) ذو إهانة.

٣٨٢

٧ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ ... وَلَّى مُسْتَكْبِراً ...) أي أعرض عن سماع آياتنا إعراض من لا يسمعها و (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) أي كأنّ في مسامعه ثقلا يمنعه عن سماع تلك الآيات ومن كانت هذه حاله (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) مؤلم موجع. والتعبير بالبشارة مع أنّها تستعمل في الخير للتّهكّم. وفي القمي عن الباقر عليه‌السلام : هو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة من بني عبد الدار بن قصي وكان النضر ذا رواية لأحاديث النّاس وأشعارهم يقول الله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً).

* * *

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١))

٨ و ٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ...) هذه الشريفة بيان لحال المؤمنين إثر ذكر حال الكافرين بالآيات ، أي أن الذين آمنوا بالآيات وعملوا بها (لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) البساتين والحدائق ذات النعمة. ولا يخفى أنّ توحيد العذاب والكفرة ، وجمع الجنّات للمؤمنين إشارة إلى الرحمة وأن الرحمة واسعة أكثر من الغضب ، وتعريف النعمة وتنكير العذاب يرمز إلى أن الرحيم عرّف النعمة لإيصال الرّاحة إلى قلوب المؤمنين ولم يبيّن النقمة بل نبّه عليها تنبيها لتزلزل قلوب الكفرة ولتذهب أذهانهم إلى أيّ مرتبة من

٣٨٣

مراتب العذاب تكون النقمة من الكافرين ، في حين أن المؤمنين يكونون في الجنّة (خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي وعدهم وعدا حقّا لا خلف فيه ولا تبديل (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجازه وعده ووعيده في انتقامه من المشركين (الْحَكِيمُ) الذي يفعل طبق ما تقتضيه حكمته. ثم إنه تعالى بعد ذكر الوعد والوعيد بيّن أفعاله المحكمة المتقنة الدالة على التّوحيد والقدرة العظيمة بقوله :

١٠ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ...) إذ لو كان لها عمد لرأيتموها حيث إنّها لو كانت فرضا لكانت من أجسام عظام بحيث تتحمّل ثقل السّماوات ، ولو كان كذلك لاحتاجت إلى عمد أخرى وهكذا حتى تكون كل واحدة منها معمودا لعمد أخرى وذلك موجب للتسلسل فإذا لا عمد لها ، هذا بناء على كون قوله (تَرَوْنَها) جملة مستأنفة ويحتمل كونها صفة لعمد أي بغير عمد مرئيّة ، يعني عمدها غير مرئيّة ومشاهدة لكم ، فإنّها لها عمد ممسكة لها وهي عبارة عن قدرته الكاملة وكلمته التامّة التي خلق الكون بها مع جميع كيفيّاته وكميّاته. ولعلّه يشير إلى هذا ما نقل عن الرّضا عليه‌السلام : ثم عمد ولكن لا ترونها. ومن مظاهر قدرته قوله (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي وضع وخلق عليها جبالا شوامخ ثوابت لعدم اضطراب الأرض ولاستقرارها كما يشير إلى تلك الفائدة المهمّة والنعمة المجهولة على أكثر البشر بقوله تعالى : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) لأنه تعالى كره أن تتحرّك وتضطرب بنا فإنّها لو توضع ولم تجعل عليها الجبال لزالت الأرض عن موضعها ولم تزل تتحرك بسبب المياه المتحرّكة والأرياح الجارية عليها. ومن النّعم التي منّ بها على العباد أن جعل الأرض صلبة ولو جعلها مثل الرمال لما كانت تصلح للزراعة وغرس الأشجار الكبيرة فإن الأراضي المرملة ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع ويموج كما تموج المياه ولا استقرار فيها أبدا (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) أي نشر وفرّق فيها من كل ما يتحرّك ويدبّ على وجه الأرض من أنواع الحيوان ، وأسكنها في

٣٨٤

الأرض ثم أرسل عليها المطر فأنبت فيها (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) أي من كلّ صنف كثير المنفعة. ثم أنّه تعالى استدل بهذه الأمور على عزّته فإنها تكشف عن كمال قدرته وتدل على حكمته البالغة ، ومهّد بذلك قاعدة التوحيد وقرّره بقوله :

١١ ـ (هذا خَلْقُ اللهِ ...) أي هذا مخلوقه وموجوده الذي تشاهدونه وتعاينونه بعين اليقين (فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أي اين مخلوق شركاء الله ومصنوعهم. وما ذا خلقت آلهتكم التي تعبدونها؟ وبأيّ سبب صارت مستحقة للعبادة؟ فأروني وجه استحقاقها والاستفهام للتقريع ، يعني لم يخلقوا شيئا ما ، ولا يقدرون أن يخلقوا فلا يستحقّون الاعتناء بهم ، فكيف أن يعبدوا وجعلوا شركاء لخالق السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما فواها ثم واها لهؤلاء الذين قالوا بألوهية العجزة وأشركوا العاجز المطلق مع القادر المطلق والمصنوع الذي نحتوه بأيديهم مع خالق العوالم الإمكانية بأسرها ... (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) هذا إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضّلال بحيث لا يكون خافيا على أحد من العقلاء الناظرين قد وضع الظاهر مقام الضمير إيذانا بالعلّة ، ثم إنه تعالى لمّا ذكر أدلّة التوحيد والقدرة والحكمة عقّبها ببيان قصّة لقمان وإعطائه رشحة من رشحات حكمته العالية بتلك المناسبة فقال عزّ من قائل :

* * *

(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ

٣٨٥

 أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥))

١٢ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ...) أي العقل والفهم على ما في الكافي عن الكاظم عليه‌السلام ، وعن الصادق عليه‌السلام : أوتي معرفة إمام زمانه. وكان لقمان بن باعور ابن أخت أيّوب عليه‌السلام أو خالته وعمّر حتى أدرك داود عليه‌السلام (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) أي لأن ، أو قلنا له أشكر لله (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) أي لعود نفعه إليها. والله (غَنِيٌ) عن شكر الشاكرين (حَمِيدٌ) أي حقيق بالحمد حمد أو لم يحمد.

١٣ ـ (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ ...) أي اذكر يا محمّد إذ قال لقمان لابنه ، ويجوز أن يتعلّق بقوله (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) إذ قال لابنه (وَهُوَ يَعِظُهُ) أي يؤدّبه ويذكّره (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) وقيل كان كافرا فما زال به حتّى أسلم (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لأنّه تسوية بين أشرف الموجودات وأخسّ المخلوقات وهي الأوثان المنحوتة من الجمادات كالأحجار والأخشاب والأصنام المصنوعة من الذهب والفضّة والصفر والحديد .. وهذا الكلام من نصائحه الحكميّة. وروي عن النبي (ص) أن واحدا من عظماء بني إسرائيل مرّ على لقمان ورأى أن جمعا كثيرا اجتمعوا عليه يستمعون من مواعظه وكلماته الحكميّة فناداه : يا لقمان أما أنت الأسود الذي كنت ترعى أغنام فلان؟ وقال له هذا من التعجّب لا تحقيرا. فقال لقمان : نعم أنا ذاك. فسأله : بأيّ عمل نلت هذا المقام السّامي؟ أجابه : بثلاثة أمور : بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعني. وقد فسّر بعض شرّاح الحديث (ما لا يعني) بترك الآمال. ولكنّ الظاهر أنه ترك الكلام

٣٨٦

إلّا بمقدار الضرورة ورفع الحاجة فهو عليه‌السلام لا زال كذلك وكان لا يتكلّم إلّا بالحكمة والموعظة الحسنة ، وكان كثير الصّمت. ونقل الثعلبي في تفسيره من حكم لقمان أنّ مولاه أرسله مع بعض غلمانه إلى بستان له ليأتوه بفاكهة فأكلها الغلمان في الطريق وألقوا إلى رقبة لقمان وقالوا هو أكله. فغضب عليه مولاه ، فقال لقمان : كذبوا وهم أكلوها. فسأله المولى بأيّ كيفيّة يمكن كشف كذبهم؟ فقال : بأن تشربنا ماء فاترا وتركضنا في الصّحراء حتى تعرّضنا للقيء ، فإن خرجت الفاكهة من بطني فهم صادقون ، ولو خرجت من بطونهم فهم كاذبون. فسلك المولى بهم هذا العمل فخرجت من بطونهم الفواكه ومن بطن لقمان الماء الصافي. فاعتمد بعد ذلك على أعماله وأقواله وتعجّب من عقله وذكائه ومن قصار كلماته في الحكمة. فليس مال كالصّحة ولا نعيم كطيب النفس. ونقل أنه كان عبدا حبشيّا فأمره مولاه أن يذبح كبشا ويجيئه بأطيب أعضائه فذبحه وجاءه بقلبه ولسانه. وبعد أيّام قليلة أمره بالذبح وأن يجيئه بأخبث الأعضاء فجاءه بهما أيضا ... فسأله مولاه كيف يكون شيء واحد أطيب وأخبث؟ فأجابه : هما أطيب الأعضاء إذا طابا ، وأخبثها إذا خبثا. ومن كلماته الثّمينة الحكميّة قوله لداود عليه‌السلام : يا داود اسمع منّي وتعلّم خمس كلمات فيها علم الأوّلين والآخرين.

١ ـ اعمل لدنياك بقدر لبثك فيها.

٢ ـ واعمل لآخرتك بمقدار لبثك فيها.

٣ ـ وليكن مقصودك من مولاك عتق رقبتك من النار.

٤ ـ ولتكن جرأتك على المعصية بمقدار صبرك وطاقتك على النار.

٥ ـ إذا قصدت معصية مولاك فهيّء مكانا لا يراك فيه.

وله قصص وحكايات كثيرة وكلمات قيّمة ليس هذا المختصر مكان ذكرها. ثم إنه تعالى قدّم الأمر بالشكر على نعمه الجزيلة لأنه المنعم وعقّبه

٣٨٧

بالتّنبيه على وجوب الشكر للوالدين لأن حقوقهم على الأولاد كثيرة فقال تعالى :

١٤ ـ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ...) أي أمرناه بطاعة الوالدين وشكرهما والإحسان إليهما. وإنما قرن شكرهما بشكره لأنه الخالق المنشئ وهما السبب في الإنشاء والتربية. وبعد هذا بيّن سبحانه زيادة نعمة الأم وكثرة حقّها على الولد من ناحية كثرة أتعابها به ، فقال : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) أي ضعفا على ضعف ، فإن الحمل كلما يثقل ويترقّى يزيد في مضايقة الأم وضعفها فإن الحمل الثقيل كلفة ومشقّة على الحامل ، ألا ترى أنّ البطين كيف يرى الشّدة والجهد بحيث لا يقدر على المشي من الضعف لعظم بطنه وكبره (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) أي فطامه في انقضاء عامين ، وهما مدة رضاعه. والجملتان اعتراض مؤكّد للتوصية في حقّها وتنبيه على ازدياد حقها ولذلك قال سبحانه : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) هذا تفسير للوصيّة ، أي وصّيناه بشكرنا وشكر والديه وشكر الله بالحمد والطاعة وشكر الوالدين بالبّر والصّلة (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي المرجع فأجازيكم على حسب أعمالكم ، وفيه تهديد. وفي العيون عن الرّضا عليه‌السلام في حديث : وأمرنا بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله. وعنه عليه‌السلام : من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزوجل.

١٥ ـ (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ...) أي بذلا ووسعهما وجدّا لأن تشرك بي (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي الذي لا علم لك باستحقاقه وأهليّته للشرك عن بيّنة وحجة قطعيّة إلّا تقليدا لهما فقط (فَلا تُطِعْهُما) في ذلك مع أن إطاعتهما وخدمتهما لازمة عليك ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق على ما روي عن الرّضا عليه‌السلام (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) أي مصاحبة معروفة محمودة شرعا وعرفا فأحسن إليهما بما تحسن به إلى أحبّ الخلق إليك وارفق بهما كمال الرّفق نحو ما ترفق بمن هو أحبّ

٣٨٨

الناس إليك. وفي الكافي عن الصّادق عليه‌السلام في حديث بعد أن أوصى رجلا بأن لا تشرك بالله شيئا وإن أحرقت بالنار قال عليه‌السلام : ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإن ذلك من الإيمان (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) أي نهج من رجع إليّ بالطاعة والتوحيد والإخلاص ، وهو محمد نبيّي ومن يحذو حذوه من أهل بيته وأتباعهم المتّصفين بالإيمان والإخلاص (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) إلى حكمي رجوعكم (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أخبركم بأعمالكم وأقوالكم وأجازيكم عليها إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.

* * *

(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩))

١٦ ـ (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ ...) ثم أخذ هو تعالى في بيان بعض آخر من قصص لقمان بقوله : يا بني ، تصغير شفقة وعطف على ابنه. والمثقال كناية عن أقل ما يوزن به الشيء من الأحجار والفلزّات التي يعيّن بها مقدار الأشياء كالكيلوات ونحوها في كلّ عصر بحسبه (مِنْ خَرْدَلٍ) بيان للحبّة وكناية عن أصغر الحبوب. والخردل نبات له حبّ

٣٨٩

صغير جدّا أسود مقرّح. ومعنى الكريمة أن فعلة الإنسان من الخير أو الشر أو أفعاله بقرينة المقام ، ولعل تأنيث الفعل أيضا بذلك الاعتبار ، إن كانت في الصّغر مقدار خردلة (فَتَكُنْ فِي) أخفى المواضع كجوف (صَخْرَةٍ) أو في أعلاها (فِي السَّماواتِ) أو في أسفلها (فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) أي يحضرها ليحاسب عليها (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) نافذ القدرة بحيث يصل علمه إلى كلّ خفيّ (خَبِيرٌ) عارف بكنه ذات الشيء وحقيقته. وروى العياشي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : اتقوا المحقّرات من الذّنوب فإن لها طالبا.

١٧ ـ (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ...) إن الله تعالى عقّب تلك الجملة بقوله : أقم الصّلاة حكاية عن عبده الصّالح الذي أعطاه الحكمة تنبيها على أهمّيتها وربطها بالدّين كالصّلاة التي هي عماد الدين. والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر يمكن أن يقال إنهما من ناحية أهمّ منها حيث إنهما علة مبقية للدّين كما أنّ الأنبياء والرّسل كانوا علة محدثة له ولولاهما (أي الأنبياء والرّسل) ولو لا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لم يكن ولا يبقى من الدّين اسم ولا رسم كما هو المشاهد بالوجدان ولا يحتاج إلى إقامة البرهان ، والمراد بالمعروف ما هو الموافق للشرع والعقل ، والمنكر ما هو المخالف لهما أو لأحدهما (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من المصائب والشدائد والأذى في الأمر والنهي أو مطلقا ، والأول مرويّ عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والثّاني عن الجبّائي ، والحق مع عليّ عليه‌السلام فإنه الظاهر من التعقيب بهما مضافا إلى أنّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أولى بالأمر بالصّبر لأن المصائب والشّدائد في هذين الفرضين أكثر من جميع الفرائض ، لأن الفرائض كلّها تسقط عند الدّماء وقتل النفس المحترمة ، بخلاف هذين فإن من مصاديقهما الجهاد ، الذي حقيقته الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أو كلاهما. والوجدان يحكم بأن الجهاد وضع للفداء والتضحية في سبيل الدّعوة إلى الدّين ، وفي هذا الفرض أيسره

٣٩٠

إهراق الدّماء ، وأشدّه وأعسره قطع الأيادي والرّؤوس ، وأيّ فرض أحرى وأجدر بالصّبر من هذين الفرضين؟ فالأولى والأنسب إرجاع الأمر بالصّبر إلى جنب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللّذين هما معرّضان للتعب والأذى نوعا إن لم نقل بكونهما ملازمان لهما ولا سيّما في هذه الأزمنة من عصر آخر الزمان كما يشاهد بالعيان فقول عليّ عليه‌السلام هو الحق (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي الصّبر على ما أصابك من عزائم الأمور التي عزمها الله ومقطوعاتها. فالمقام اقتضى تسمية المفعول بالمصدر فقال : عزم الأمور ، أي معزوماتها ومفروضاتها التي لا بدّ منها.

١٨ ـ (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ...) أي لا تمل بوجهك عن الناس نخوة وتكبّرا ، وأقبل بوجهك عليهم تواضعا وخشوعا (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أن لا تمرح مرحا شديدا ، لا تسر بكبرياء وعجرفة وبإظهار نشاط وفرح واعتزاز بالنّفس (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي أنه تعالى يكره المتخايل في مشيه المتكبّر الفخور بنفسه الذي يمشي قليلا قليلا ليخدع الناس بأنه ذو شخصية قدسية أو مالية ، فلا ينبغي للإنسان العاقل أن يكون متّصفا بهذه الصفات ... ونلفت النظر إلى أن التصعير هو من الصّعر الذي هو علة تعرض للبعير فتسبّب له العوج في عنقه فيمشي وهو مائل الوجه عن وجهة سيره .. ثم قال سبحانه وتعالى على لسان لقمان :

١٩ ـ (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ...) أي توسّط فيه بين السّرعة والبطء فإن السرعة تذهب ببهاء الرّجل والبطء علامة التبختر والتكبر وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يمشي مصعرا خدّه أي مائلا برقبته إلى اليمين أو إلى اليسار بحيث يكشف عن عدم اعتنائه بالناس وكذا مختالا ينصب عنقه ويجعله عدلا بحيث لا يحركه إلى اليمين أو اليسار نخوة وتكبّرا فكلا الوصفين مذمومان عند الشارع لأنهما كاشفان عمّا هو مبغوض عند الشّارع ولذا نهى عنهما. (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي أقصر وإخفض صوتك فإن الرافع لصوته هو الحمار ، و (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) أي أقبحها

٣٩١

وأرفعها. وفي الكافي عن الصّادق (ع) أنّه سئل عنه عليه‌السلام فقال : العطسة القبيحة .. هذه نبذ من مواعظ لقمان حكاها الله تعالى ، فإنها وإن كان الخطاب فيها لولده لكنّها تفيد العالم ، ولذلك أوحى الله بها إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لاستفادة أمته بها ولنذكر رواية فيها من مواعظه وحكمه القيّمة ولو أن ذكرها خلاف ما هو قصدنا في الكتاب من رعاية الاختصار. ففي القمّي عن الصّادق عليه‌السلام في قول الله تعالى (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) ، الآيات قال (ع) : فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطّر وانشقّ. وكان فيما وعظه به أن قال : يا بنيّ إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة. فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد. يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، ولا تجادلهم فيمنعوك. وخذ من الدنيا بلاغا ، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضرّ بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صياما يمنعك من الصّلاة فإن الصّلاة أحبّ إلى الله من الصّيام. يا بنيّ إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان ، واجعل شراعها التوكّل واجعل زادك فيها تقوى الله فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك. يا بنيّ إن تأدّبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، إلى أن يقول : وأجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم ، فإنك لن تجد له تضييعا أشدّ من تركه ، ولا تمارينّ فيه لجوجا ، ولا تجادلنّ فقيها ، ولا تعادينّ سلطانا ، إلى أن يقول : يا بنيّ خف الله عزوجل خوفا لو أتيت يوم القيامة ببرّ الثقلين خفت أن يعذبك ، وأرج الله رجاء لو وافيت يوم القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر الله لك. فقال له ابنه : يا أبه ، وكيف أطيق هذا وإنّما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان : يا بنيّ لو استخرج قلب المؤمن فشقّ لوجد فيه نوران : نور للخوف ونور للرّجاء لو وزنا ما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرّة.

* * *

٣٩٢

(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤))

٢٠ ـ (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ ...) بأن جعله أسبابا لمنافعكم (وَما فِي الْأَرْضِ) بأن مكّنكم من الانتفاع به كالنّيرات وكالحيوان وغيره (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) أي أوسع وأتمّ نعمه بأقسامها من الظاهريّة المحسوسة التي لا يمكن لأحد إنكارها كالخلق والإحياء والإقدار وإيجاد الشهوات في الحيوانات وضروب النّعم المأكولة والمشروبة والملبوسة والمسكونة والمركوبة وغيرها ممّا لا يعدّ ولا يحصى ، والباطنيّة مما لا يدرك بالحسّ والعيان بل بالعقول ، وبعض القوى الأخر ، وبنفس المدرك أيضا من النّعم الباطنيّة قال الباقر عليه‌السلام : أمّا الظاهرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به من معرفة الله وتوحيده ، والباطنة ولا يتنا أهل البيت (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) أي في ذات الله. وكما في عين المعاني أن يهوديّا جاء وسأل النبيّ (ص) فقال : يا محمد ، إنّ ربّك من أيّ شيء؟ فجاءت صاعقة وأحرقته ، فنزلت الآية. أو يجادل في توحيده وصفاته

٣٩٣

وينازع فيها وينكرها (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي عن جهل وعن تقليد (وَلا هُدىً) ولا هاد من نبي أو وصيّ نبيّ حتى يأخذوا منه حجة أو برهانا من الله على مدّعاهم (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) ولا كتاب منزل من عند الله كان واضح الدّلالة على ما يقولون ويخاصمون النبيّ (ص) به.

٢١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ... أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ ...) استفهام على سبيل التعجّب. وأدخلت على واو العطف همزة الاستفهام على وجه الإنكار. وجواب (لَوْ) محذوف تقديره : هل لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السّعير لاتّبعوه؟ والمعنى أن الشيطان يدعوهم إلى تقليد آبائهم وترك اتّباع ما جاءت به الرّسل ، وذلك موجب لهم دخول النار ، فهو في الحقيقة يدعوهم إلى النار وهم يتّبعونه في ذلك من حيث لا يشعرون فيقعون فيما كانوا يفرّون منه.

٢٢ ـ (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ ...) أي من فوّض وخلّى أمره إليه تعالى وتوجّه به إليه بكامل وجوده (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي كان عمله على الوجه الحسن ، وهو أن يكون موحّدا ومخلصا في عمله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي المحكمة ، وهذا تمثيل للمعلوم بالمحسوس. ولعلّ المراد بالعروة الوثقى هو القرآن ، أو كلمة التوحيد ، أو ولاية العترة الطاهرة (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي آخر كلّ شيء ، أو جزاء أعمال الناس خيرا وشرّا لأنّ الكلّ صائر إليه.

٢٣ ـ (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ...) أي الباقي على الكفر أو الذي ارتدّ ورجع إلى الكفر ، فلا تحزن عليه لأن كفره لا يضرّك ولا ينفعه (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) نخبرهم بأعمالهم المنسيّة وغيرها ونجازيهم بها. وهذه الشريفة تهديد للكفرة وتسلية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما يضمره الإنسان فيجازيه عليه.

٢٤ ـ (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ ...) أي نعطيهم من متاع الدنيا

٣٩٤

ونعيمها ما يتمتّعون به مدة قليلة ، وبعد ذلك نجعلهم مكرهين في الآخرة (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) شديد يثقل ويصعب عليهم.

* * *

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠))

٢٥ ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ...) أي مقرّون بأنّه خالقها لوضوح البرهان بحيث اضطرّوا إلى الإذعان. فلذا أمر النبيّ بالحمد بقوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) احمده على نعمة إلزامهم وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) بأن ذلك الإقرار يلزمهم الحجّة ويبهتهم.

٣٩٥

٢٦ ـ (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) أي هو المالك لهما ملكا وخلقا (الْغَنِيُ) على الإطلاق (الْحَمِيدُ) بالاستحقاق.

٢٧ ـ (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ ...) أي ولو ثبت أن الأرض بجميع أشجارها صارت أقلاما (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) أي البحر المحيط مع سعته بعد تماميّة مائه الذي صار مدادا يضاف إليه ويمدّه سبعة أبحر مثله ، وصار جميع الخلائق من الإنس والجنّ والملائكة كتّابا (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) أي ما انتهت كلماته الدالة على علمه وحكمته بكتابتها بتلك الأقلام وبذلك المداد لعدم تناهيها وغاية كثرتها ، فإن معلوماته تعالى ومقدوراته غير متناهية ، فكلماته التي تعبّر عنها كذلك. وقد أغنى عن ذكر الكتّاب بذكر القلم والمداد كما أغنى بذكر (المدد) عن ذكر المداد لأنه من مدّ الدّواة وأمدّها ، وجمع القلّة يشعر بأن ذلك لا يفي بقليلها فكيف بكثيرها (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب على كلّ شيء (حَكِيمٌ) لا يخرج عن علمه وحكمته شيء.

٢٨ ـ (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ...) أي إلّا كخلقها وبعثها في قدرته فيكفي فيها إرادته ولا يحتاج إلى تسبيب الأسباب وتهيئة الأدوات والآلات فيأمر بقوله : كن فيكون ، فيتمّ الخلق ، وكذلك البعث فإنه يأمر إسرافيل عليه‌السلام أن ينفخ نفخة واحدة لنشر الأموات وبعثها ، فإذا نفخ في الصّور إذا هم يحشرون بلا فاصل ، وذلك لأنّه أجلّ وأعلى من أن يتصدّى لإحيائهم وحشرهم مباشرة. ثم إنّه يبيّن ويوضح لهم قضيّة تسهيل أمر البعث وتيسيره على ذاته المقدسة بأمر آخر وآية واضحة محسوسة لكلّ النّاس بقوله :

٢٩ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ ...) أي يدخل (في النهار) بأن ينقص منه في أوقات الصيف ويزيد في النهار ، ويفعل عكس ذلك في الشتاء ، فلذا ترى أن ليالي الصيف قصيرة ونهاراته طويلة ، وفي الشتاء ترى

٣٩٦

عكس ذلك. وليس هذا الا بتقدير قادر حكيم يفعل ما يفعل لمصالح شتّى لا يعلم أكثرها إلّا هو. وهذه الآية وإن كانت ترى في بدء النظر أمرا سهلا لكنها أصعب وأشكل من أمر البعث جدّا ، بيان ذلك أنّه قد كرّر الإيلاج تنبيها على أمر مستغرب ، وهو حصول الزيادة والنّقصان معا في كلّ من اللّيل والنهار في آن واحد وذلك بحسب اختلاف الأمكنة وبقاع الأرض ، كالشماليّة عن خط الاستواء والجنوبيّة عنه سواء كانت مسكونة أو لا ، فإن صيف الشمال شتاء الجنوب وبالعكس ، فزيادة النهار ونقصانه واقع في وقت واحد لكن في بقعتين ، وقس على النهار زيادة اللّيل ونقصانه في زمان واحد وهذه النكتة من فوائد التكرار كما لا يخفى على المتفكّر ذي الاعتبار. وقيل يولج الليل في النهار ، معناه يدخله في النهار بأن يستره به ، ويولج النهار في الليل أي يستره به وقريب من هذا المعنى ما روي من أن رجلا سأل عن الإمام عليه‌السلام : أين اللّيل في النهار؟ قال عليه‌السلام : هو فيه ، وكذلك العكس. والحاصل أن تعقيب قضيّتي الخلق والبعث بمسألة إيلاج اللّيل في النهار وكذلك العكس ، لعلّ بمناسبة أن كلّ واحد من اللّيل والنهار في كلّ يوم وليلة لهما خلق وإفناء وبعث ، أو تقول : خلق وبعث في نظر الاعتبار. فهذا في نظر المنكر للبعث يكون أشكل لأن إنكاره له يكون مساوقا لإنكار البديهيّ فإن زوال الليل ومجيء النهار وكذلك العكس أمر محسوس وجدانا غير قابل للإنكار. القميّ يقول : ما ينقص من اللّيل يدخل في النهار ، وما ينقص من النهار يدخل في الليل (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي كلّ واحد من الشمس والقمر يجري في فلكه جري الماء في مجراه إلى مدّة معيّة أو إلى منتهاه المعلوم بحيث لا يقصّران عنه ولا يجاوزانه وهو (خَبِيرٌ) عالم بكنه ذلك وبما تعملون.

٣٠ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ ...) إشارة إلى ما ذكر من سعة العلم وكمال القدرة وعجائب الصّنع واختصاصه تعالى بها ، فالله هو الحق الثابت ، وما يدعون (مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) الزائل الفاني بسرعة و (هُوَ

٣٩٧

الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) المرتفع على كل شيء والغالب عليه وأكبر من كلّ كبير بحيث لا يكون أكبر منه ، ومتسلّط على الأشياء بأجمعها.

* * *

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢))

٣١ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ...) أي أن من آياته الدالة على ذاته المقدسة وقدرته الكاملة جري السّفن في البحار العظيمة الكبيرة (بِنِعْمَتِ اللهِ) بفضله ورحمته ، وفيه إشارة إلى ذكر السبب بأنّ السّفن تجري بسبب نعمته التي هي الريح حين تجري بأمر الله وتسوق السّفن إلى حيث تقصد ولو اجتمع خلق كثير ليجروا الفلك غير البخاريّة أو التي تسير بالمحرّكات على خلاف الجهة التي تجري الرياح إليها لما قدروا عليه (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) لتروا بعض أدلّته الدالة على تفرّده بالإلهية والقدرة والحكمة. ووجه الدّلالة من ذلك أن الله عزوجل يجري السّفن بالرّياح التي يرسلها في الوجوه التي يريدون المسير فيها ، وفي ذلك أعظم دلالة على أنّ المجري لها بالرياح هو القادر الذي لا يعجزه شيء (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي في جري السّفن بالأرياح لعلائم على شمول قدرته وكمال حكمته ووفور نعمته (لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) لمن صبر على البلايا والمحن وعلى مشاق التكاليف وأتعاب نفسه لينتفع بالنّظر في آياته الآفاقيّة والأنفسيّة وقيل أريد بالصبّار الشكور ، المؤمن ، لأن في الحديث : الإيمان نصفان :

٣٩٨

نصف صبر ، ونصف شكر ، فكأنّه قال سبحانه : إن في ذلك لآيات لكلّ مؤمن (شَكُورٍ) لنعمائه. ثم إنه تعالى يخبر عن حال سكنة السّفينة بقوله تعالى :

٣٢ ـ (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ ...) أي علاهم وغطّاهم موج البحر مثل الظّلل في الكبر. وهو جمع ظلّة وهي ما يستظلّ به من حرّ أو برد كالجبل والسّحاب وغيرهما من المظلّات وذوات الظّل (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) حال كونهم خالصين دينهم لله تعالى من شوائب الأوهام وأدناس الشّرك لأن خوف الغرق والهلاك أنساهم جميع من سواه وأزال ما ينازع الفطرة التي كانت داعية لهم إلى التوحيد (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) أي متوسّط في الكفر والإيمان فبعضهم ليس مثل غيره متوغّلا في الكفر ومصرّا على الشرك ، ولا متصلّبا في الإيمان بحيث ينسى ما سوى الله سبحانه ويعاديهم. وقيل معنى المقتصد الباقي على الإيمان. ومن هذا يستفاد أن بعض الآخرين عادوا ورجعوا إلى كفرهم ولا يفعل ذلك (إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) غدّار شديد الغدر.

وقد قال القميّ : الختّار هو الخدّاع. و (كَفُورٍ) يعني شديد الكفر بنعم الله عزوجل.

* * *

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ

٣٩٩

غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))

٣٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ...) أي تجنّبوا ما يسخطه واعملوا بأوامره ونواهيه (وَاخْشَوْا) خافوا (يَوْماً) هو يوم القيامة والحساب ، حيث (لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) أي لا يؤدّي الوالد عن الولد شيئا ، ولا يتحمّل عنه تبعة ذنب مع كمال شفقته ورأفته به (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) والمولود لا يستفيد منه والده الرؤوف في ذلك اليوم شيئا. والحاصل أن كل واحد من الولد والوالد لا يقوم بأمر الآخر ولا يفيده لأن كلّ امرئ تهمّه نفسه ويشتغل بأمر نفسه ويقطع طمع كلّ ذي طمع ممّن يتوقّع منه ، ولا يغني أحد عن أحد ولا والد يغني عن ولده ولا العكس ، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ...) وقد غيّر النظم بالرّجوع عن الجملة الفعلية إلى الاسميّة تأكيدا لعدم نفع المولود ، مع أن الابن من شأنه أن يكون جابرا عن والده لماله عليه من الحقوق (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي وعده بالبعث والجزاء حقّ ثابت لا يتخلّف (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي لا يغرّنكم الإمهال الذي كانت الحياة كناية عنه ، ولا يلهينّكم الآمال والأموال عن الإسلام والإيمان ولا تغترّوا بطول السلامة وكثرة النعمة فإنّهما عمّا قريب إلى الزوال والفناء ، فلا يغشنّكم (بِاللهِ الْغَرُورُ) بالضم مصدر يطلق على الأباطيل ، وبالفتح ما يسبّب الانخداع ، والدنيا توصف به فيقال : الدّنيا الغرور ، والشيطان الغرور لأنّه يغرّ الإنسان بالمغفرة من الله في عمل المعصية. ونقل أن الحارث بن عمرو بن حارثة كان من أهل البادية فجاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد أخبرني عن الساعة متى تظهر ، والزرع الذي زرعته متى يسقى بماء الغيث ، وامرأتي الحامل متى تضع من أين نعرف أن الحمل ذكر أم أنثى؟ وأدري ما ذا عملت أمس لكن أحبّ أن أدري بماذا أشتغل غدا ، وبأي طريقة أعرف مولدي ، وأحبّ أن أعرف مدفني بأيّ وجه أعرف؟ بأيّ

٤٠٠