الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الأولى ، بدّلها. فدخل وخرج سبع مرّات ، فوقعت هي في يده من غير تعمّد والتفات. فعلم شعيب أنّه أهل لها ، فأعطاه إيّاها ولمّا علم شعيب أن موسى له شأن عظيم عنده تعالى ، وعرف حسن رعايته في أغنامه وبركته ويمنه في بيته وأغنامه ، أحبّ أن يحسن إليه فقال يا موسى كلّ ما يتولّد أبلق من أغنامي في هذه السنة فهو لك. فأوحى إليه تعالى في رؤياه يا موسى اضرب بعصاك الماء الذي تشرب منه الأغنام. ففعل ذلك ، فلم تلد الأغنام إلا أبلق ، فأعطاه الكل. والحاصل أن موسى لما توجّه إلى مصر مع امرأته ومواشيه في ليلة مظلمة باردة ، انحرف عن الطريق وضلّ ، وابتليت امرأته بوضع الحمل وتفرقت الماشية للأرياح الشديدة والبرودة الكثيرة فصار عليه‌السلام متحيّرا في أمره إذ رأى نارا (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي توقفوا هنا فإني أبصرت نارا (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي بخبر عن الطّريق وكان قد ضلّ عنه (أَوْ جَذْوَةٍ) أي قطعة أو شعلة من النار (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تستدفئون بها.

٣٠ ـ (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ ...) أي أتي النار ووصل إليها سمع موسى مناديا يناديه (مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) أي من الجانب الأيمن لموسى أو للوادي (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) متعلق بنودي أي النداء ، كان فيها ، وهي البقعة التي قال فيها (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ) إلخ ... وإنّما كانت مباركة لأنها كانت مهبط الوحي والرّسالة ونزول الكتب السماويّة غالبا على حسب الظروف واقتضاء المصلحة (مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل اشتمال من الشاطئ ، فانها كانت ثابتة على الشاطئ وإن الشجرة كانت محلا للكلام ومصدرا له (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) هذه الجملة تفسير للنّداء وبيان له. وذكر (رَبُّ الْعالَمِينَ) فيه إشعار لرفع توهّم الحلول في محل حيث ان مالك الممكنات وخالقها منزّه ومبرأ من ان يحلّ في شيء ، لأنّه ليس عرضا ولا جسما ، والحالّ في الشيء لا بدّ من أن يكون واحدا منهما كما برهن في محلّه.

٢٨١

٣١ ـ (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ ...) عطف على قوله : إنّي أنا الله. وإنّما أعاد سبحانه هذه القصّة وكرّرها في السور إثباتا للحجّة على أهل الكتاب واستمالة لهم إلى الحق ، ومن أحبّ شيئا أحبّ ذكره. والقوم كانوا يدّعون محبّة موسى ، وكلّ من ادّعى اتّباع سيّده مال إلى من ذكره بخبر وتبجيل وفضل. على أن كلّ موضع من موارد التكرار لا يخلو من مزيد فائدة (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) أي بعد إلقائها رآها تتحرّك بكمال السّرعة كأنّها حيّة صغيرة مع عظم جثّتها وغاية كبرها ، ولذا خاف و (وَلَّى مُدْبِراً) أي منهزما على عقبه من الفزع والدهشة (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع إلى موضعه ، فنودي يا موسى (أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) أي ارجع ولا تفزع (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) من كلّ مخوف حيث إنّك من المرسلين ، ولا يخاف لديّ المرسلون. فلمّا سمع هذا الخطاب اطمأنّ ورجع إلى قرب الشجرة وموضعه الأوّل. وفي المقام حذف وإضمار ، أي رجع وأمر بأخذ الحيّة ، فأخذها بكمال الجرأة واطمئنان القلب فصارت عصا كما كانت. وفي انقلاب العصا حيّة دلالة على أن البنية ليست بشرط في الإيجاد وأيضا دلالة على أنّ الأجسام والجواهر متماثلة ومن جنس واحد ، لأنّه لا حال أبعد من حال الحيوان عن الخشب. فلمّا صحّ قلب الخشب إلى الحيوان وصحّ العكس ، صحّ قلب الأسود إلى الأبيض وبالعكس. وكذلك كلّ ما يجري مجرى ذلك من الجمادات والحيوانات.

٣٢ ـ (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ...) أي أدخلها فيه. والجيب من القميص طوقه ، ويطلق على ما يليه عند عامّة الناس من المشقوق (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) ذات شعاع بحيث أضاءت لها الدّنيا (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي مثل البرص أو أيّ عيب آخر (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) الجناح ما بين أسفل العضد إلى الإبط ، وإذا أدخل الإنسان يده اليمنى تحت عضده اليسرى يصدق أنّه ضمّ جناحه إليه. والمعنى والله العالم : أدخل يدك اليمنى تحت عضدك اليسرى ، وكذلك العكس ، حتى يذهب بروعك وخوفك. أو

٢٨٢

المراد منها وضع اليد على الصّدر على ما يقال ، فإن الخوف يسكن بوضع اليد على الصدر وعهدته على مدّعّيه والحاصل يمكن أن يقال انّه يؤخذ من الكريمة أمران : الأوّل ترتّب ذهاب الخوف الذي يعرض للإنسان من مخوف ، والثاني كون المراد بها هو الكناية عن عزم موسى على المأمور به وحثّه على الجد والجهد فيه حتى لا يكون خوفه مانعا عن قضائه على فرعون وعن إلقائه العصا وإخراج يده من جيبه نظير اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك حيث إن هذا كناية عن التأهّب والتهيّؤ للموت لا الشد والربط بمعناه الحقيقي.

وهل المراد من الخوف هو الذي حصل من الحية المنقلبة عن العصا؟ فالمناسب ذكر هذه الجملة قبل قوله تعالى (اسْلُكْ يَدَكَ) إلخ أو المراد هو الخوف إذا حصل عن إضاءة اليد وشعاعها العظيم الذي تضوّأت الدنيا عنه؟ فالمراد بالخوف هو هذا كما هو الظاهر من سياق الآية (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) أي العصا واليد حجّتان نيّرتان أنت مرسل بهما من عند ربك (إِلى فِرْعَوْنَ) الآية ، فإن فرعون وقومه قوم فاسقون.

* * *

(قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥))

٢٨٣

٣٣ و ٣٤ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً ...) أي أنه عليه‌السلام ذكر المحذور الذي يخالج نفسه من أنه يخاف أن يقتلوه لأنه قتل منهم قبطيّا قبل أن يغادر مصر. فهذا شأني (وَأَخِي هارُونُ) الموجود في مصر (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً).

إنما قال ذلك لعقدة ولكنة كانت في لسانه ، وقد مرّ فيما مضى ذكر سببها وقد أزالها الله ، أكثرها أو جميعها ، بدعائه عليه‌السلام : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) .. إلخ ، (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) أي عونا لي (يُصَدِّقُنِي) يكون مصدّقا لي في بيان الحجج وتزييف الشّبه حيث إنّه منطيق (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) حيث لا يفهمون مقصدي من عقدة لساني ولقصور بياني.

٣٥ ـ (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ...) أي نجعله عونا لك ونقوّيك به كما تريد في مقام الدّعوة وإظهار نبوّتك (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) أي غلبة وسلطة بالحجج (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) أي فرعون وقومه لا يصلون إلى الإضرار بكما (بِآياتِنا) بسبب ما نعطيكما من الآيات أو متعلق بمقدّر : (اذهبا إلي فرعون بآياتنا) الباهرة (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) لفرعون وملئه ، القاهرون لهم. وهذه الغلبة غير السلطان فإن السلطان بالحجّة والغلبة بالقهر حين هلك فرعون ومتابعوه ، وملك موسى وقومه ديارهم.

* * *

(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧))

٢٨٤

٣٦ ـ (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً ...) أي مختلق كسائر أنواع السحر. والحاصل أن موسى لما أمر أن يمضي إلى فرعون وقومه وأخبره أن الغلبة لكما ولا يقدر فرعون أن يضرّكما ، رجع إلى امرأته على ما روي عن أبي جعفر في حديث طويل ، فقالت : من أين جئت؟ قال : من عند ربّ تلك النار. فغدا إلى فرعون ... إلى أن يقول عليه‌السلام : فأتى على باب فرعون فقيل لفرعون إن على الباب فتى يزعم أنّه رسول ربّ العالمين ، فقال فرعون لصاحب الأسود : حلّ سلاسلها. وكان إذا غضب على رجل خلّاها ، فخلّاها. فقرع موسى الباب الأوّل وكانت تسعة أبواب فانفتحت له الأبواب التسعة ، فلما دخل جعلت الأسود يتبصبصن تحت رجليه كأنّهنّ جراء. فقال فرعون لجلسائه أرأيتم مثل هذا السّحر قط؟ فلما أقبل إليه موسى انتبه فرعون وعرف أنه موسى فقال : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) الآية إلى أن قال عزّ وعلا : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) قد حال شعاعها بينه وبين وجه فرعون ، ثم ألقى العصا فإذا هي حيّة (ثُعْبانٌ) فالتقمت الإيوان بلحييها فدعاه : أن يا موسى أمهلني إلى غد ثم كان من أمره ما كان (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي ما سمعنا أنّ هذا الذي يقوله موسى يصدّق به آباؤنا ويقبلونه ممّن ادّعاه من المرسلين السابقين الذين كانوا مدّعين للرّسالة ، وليس المعنى أنّه ما سمعنا الدّعوة إلى توحيد الله في آبائنا. وكيف يتصوّر أن لم يسمعوا بهذا الأمر وقد اشتهر في تواريخهم؟ ولو لم يكن في كتبهم السماويّة إلّا قصص نوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء الذين يدعون البشر طرّا إلى التّوحيد وطاعة بارئهم وخالقهم لكفى .. والحاصل ما سمعنا عن آبائنا تصديقهم التوحيد لا أنهم ما كانوا يتكلّمون فيه أبدا.

٣٧ ـ (وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى ...) أي جاء بإراءة طريق الحق للناس (مِنْ عِنْدِهِ) بأمره فيصدّقوا بالمعجز وبالآيات الدالّة على حقّانيّة الدّعوى (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) عاقبة الدّنيا المحمودة وهي

٢٨٥

الجنّة ، فإنها المعتدّ بها ، وأما الدنيا فإنها خلقت مجازا وممّرا للآخرة ومقدّمة لها. فاذا كانت الدّنيا ختم للإنسان فيها بالسّعادة والصّلاح فهي العاقبة المحمودة والنتيجة هي الجنّة.

* * *

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢))

٣٨ ـ (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ...) خاطب فرعون قومه بذلك ، ويستفاد منه ـ على ما حكاه الله تعالى ـ أنه كان شاكّا في وجوده سبحانه لأنه نفى علمه بإله غيره حين قال : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) فلا ربّ سواي. ولذا أمر ببناء الصّرح وقال لوزيره : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) أي اصنع الآجرّ وأوقد النار على الطين ليشتدّ ويستحكم وابن لي صرحا عاليا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) في السماء. ويصدّق ما ذهبنا إليه قوله لقومه : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي أعتقد كذبه. وفي قوله

٢٨٦

تلبيس على العوامّ على كل حال وإن كان الجهل والضلال قد استحوذا عليه وحرماه من أن يستضيء بنور الإيمان ويجتهد في طلب المعرفة.

٣٩ ـ (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ...) أي استعلى هو وجنده وأعوانه وأخذتهم الكبرياء والعجرفة (وَظَنُّوا) زعموا (أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) لا يردّون يوم القيامة وحسبوا الحياة لعبا ولهوا.

٤٠ ـ (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ ...) أي لمّا شئنا صدر أمرنا فاستدرجناهم في أثر بني إسرائيل وأغرقناهم في البحر (فَانْظُرْ) تفكّر وتدبّر (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) كيف كان مصيرهم ونهاية أمرهم ، وهكذا فإن مصير كلّ ظالم إلى الدمار.

٤١ ـ (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً ...) أي اعتبرناهم وأقمناهم قدوة ضلال (يَدْعُونَ) أتباعهم (إِلَى النَّارِ) يوردونهم إياها بكفرهم (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) بدفع العذاب عنهم. وفي الكافي عن الصّادق عليه‌السلام أن الأئمّة في كتاب الله إمامان : قال الله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) أي : لا بأمر الناس يقدّمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم. وقال : وجعلناهم أئمّة يدعون إلى النار ، يقدّمون أمرهم قبل أمر الله وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزوجل.

٤٢ ـ (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ ...) أي ألحقنا بهم وأوصلنا لهم في الدّنيا (لَعْنَةً) إبعادا عن الرحمة. وبعبارة أخرى أردفناهم لعنة بعد لعنة وبعدا عن الرحمة والخيرات ، أو ألزمناهم اللّعنة في هذه الدنيا بأن أمرنا المؤمنين بلعنهم فلعنوهم دائما (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) ممّن قبحت وجوههم ومن المشوّهين أو ممّن قبحت أعمالهم وساء حالهم.

* * *

٢٨٧

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦))

٤٣ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى ... بَصائِرَ لِلنَّاسِ ...) أي أنوارا لقلوبهم يستبصرون بها ، أو حججا وبراهين لهم وعبرا يعرفون بها أمور دينهم (وَرَحْمَةً) لنيل الرحمة ولئلا يبقوا من المغضوب عليهم. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ما أهلك الله قرنا من القرون بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل الله التوراة ، غير أهل القرية التي مسخها الله قردة. وهي أيلة الواقعة على شاطئ البحر الأحمر من غربيّ أرض فلسطين بحسب الظاهر.

٤٤ ـ (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ ...) أي طرف جبل الطور الغربي حيث كلّم الله فيه موسى والذي كان فيه ميقاته عليه‌السلام (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) حين أوحينا إلى موسى أمرنا. يعني أنك لم تحضر المكان الذي أوحينا إليه فيه وكلّمناه في أمر الرسالة والشريعة (وَما كُنْتَ مِنَ

٢٨٨

الشَّاهِدِينَ) لتكليمه فتخبر قومك به عن مشاهدة وعيان ، لكنّا أخبرناكم به ليكون معجزة لك حيث لم تكن حاضرا هناك ولا مشاهدا ، ومع هذا تخبرهم بما كان من أمره.

٤٥ و ٤٦ ـ (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً ...) أي أوجدنا أمما. وهذا الاستدراك ما وجهه وكيف يرتبط بما قبله؟ ولعلّ الوجه أنه سبحانه يريد أن يخبر نبيّه بأنّا أوجدنا بعد عهد موسى الى عهدك قرونا مختلفة أمّة بعد أخرى (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) فمضت عليهم مدة طويلة بحيث نسيت الأخبار وتغيّرت الشرائع واندرست العلوم والمعارف وطالت فترة النبوّة ، والناس صاروا في حيرة الضلالة وتيه الجهالة فحملهم ذلك على الاغترار والتوحّش واعتداء كلّ واحد على الآخر ، فأرسلناك للناس رسولا كما أرسلنا موسى رسولا بعد ما أهلكنا القرون الأولى (السابقة عليه) وبعد فترة الرسل ، وذلك قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ ثاوِياً) مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) إلى أن يقول (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) ثم يقول سبحانه (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ) بالقرآن والإسلام. والحاصل أنه تعالى كأنه يقول له : إنّا نقصّ عليك أخبار الأنبياء وأممهم ولكنّا كنّا مرسلين إيّاك إلى أهل مكة وغيرهم وأنزلنا إليك هذه الأخبار لتتلو عليهم فيصدّقوا نبوّتك لأن الأخبار دلائل صدق على الرسالة وهذه هو وجه الاستدراك وربطه بما قبله والله اعلم ، وأما تكرار قضية موسى بقوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) ، بعد قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) بعد فصل بآية جاءت بينهما فيمكن أن يكون المراد بهذا النداء حين ما غرق فرعون وأنّه تعالى أعطى التوراة لموسى. والمراد بالأول حينما شرّفه بشرف النبوّة وأرسله إلى فرعون بالآيات والمعجزات. ولم نفعل ذلك من إخبارك بهذه القصص لسبب (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) فعلّمناك

٢٨٩

ذلك رحمة منّا ، وهو أن بعثك ربّك نبيّا وأنزل عليك القرآن وأعطاك دين الإسلام وأخبرك هذه الأخبار لتكون معجزة لصدق نبوّتك ، و (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) لتخوّف الذين لم يأتهم رسول في زمن الفترة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتّعظون ويعتبرون (لَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ).

* * *

(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠))

٤٧ ـ (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ ...) تنزل بهم (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) جوابه محذوف ، أي لولا قولهم إذا أصابتهم مصيبة وعقوبة ، بسبب كفرهم ومعاصيهم ، ربّنا هلّا أرسلت إلينا رسولا يبلّغنا آياتك فنتبعها ونكون من المصدّقين م؟ أرسلناك ، وإنّما أرسلناك قطعا لعذرهم وإلزاما للحجة عليهم ، ومراده

٢٩٠

بلولا الذي قلنا جوابه محذوف هو لولا الأوّل الذي هو امتناعي ولو لا الثاني تحضيضيّ ، والفاء في (فَيَقُولُوا) عاطفة على قوله (أَنْ تُصِيبَهُمْ) وفي قوله (فَنَتَّبِعَ) جواب لولا التحضيضية حيث إنه في حكم الأمر ، لأن (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ) في معنى قولك : أرسل إلينا رسولا فنتّبعه.

٤٨ ـ (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) ... أي جاء محمد إلى مشركي العرب من أهل مكّة وأرسلناه إليهم (قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) فحينما جاء محمد بمثل ما جاء به موسى من المعجزات من اليد والعصا والكتاب جملة قالوا هذا تعنّتا واقتراحا ، فالله تعالى احتّج على المشركين بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) فبيّن كفر القبطيين ومشركي عصر موسى بقولهم : (سِحْرانِ) أي اليد والعصا أو المراد به : ساحران فمن باب المبالغة عبّروا به ومرادهم موسى وهارون (تَظاهَرا) تعاونا وتعاضدا لإظهار تلك الخوارق (وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍ) منهما (كافِرُونَ) فالقبطيّون أنكروا ما أتى به موسى قبل عصر محمد. فاذا أتى محمد بمثل ما أتى به موسى أنتم تكفرون به وتنكرونه وتحملونه على السّحر كما فعل قوم موسى لأنكم أبناء جنس واحد والكفر ملّة واحدة ، قال بعض المفسرين : وكانت هذه المقالة حين بعث كفّار مكة رهطا منهم إلى رؤساء اليهود بالمدينة في عيد لهم فسألوهم عن محمد فأخبروهم بنعته وصفته في كتابهم التوراة فرجع الرهط إلى قريش فأخبروهم بما أخبرهم به اليهود عن التّوراة ، فقالوا عند ذلك (سِحْرانِ تَظاهَرا) أي التوراة والقرآن سحران توافقا (وَقالُوا) أعني مشركي قريش (إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ) أي الكتب السماوية والأنبياء.

٤٩ و ٥٠ ـ (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما) ... أي من التوراة والقرآن (أَتَّبِعْهُ) وأؤمن به معكم وأعترف بما فيه وأتديّن به إن صدقتكم بقولكم ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) لم يأتوا بكتاب أهدى ، أو حجّة أقوى

٢٩١

(فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) أي يتكلمون من عند أنفسهم إذ لو اتّبعوا حجة وبرهانا لأتوا بهما (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ) أي لا أضلّ منه. والاستفهام بمعنى النفي كما فسّرناه. وفي الكافي عن الكاظم عليه‌السلام في هذه الآية قال : يعني من اتّخذ دينه رأيه (بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) أي بغير إمام من أئمّة الهدى (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الّذين ظلموا أنفسهم بانهماكهم في اتّباع الهوى وتوغّلهم في الجحود والعتوّ فاتّبعوا تسويلاتهم النفسانيّة ومتمنيّاتهم الشيطانية مع وضوح دلائل الحق والحجج الدالة على حقيقة الإسلام.

* * *

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥))

٥١ ـ (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ ...) أي أنزلنا القرآن متّصلا بعضه في أثر بعض ليتصل الذّكر. أو المعنى متواصلا حججا وعبرا ومواعيد ، فأتبعنا الدعوة بالحجج والمواعظ (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فيتدبّرون ويعتبرون فيطيعون.

٢٩٢

٥٢ ـ (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ ...) أي أنزلنا عليهم التوراة قبل هذا القرآن (هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) يعني آمنوا بالقرآن بمجرد أنهم سمعوا باسم القرآن وأوصافه لمّا رأوا ذكره في التوراة ، وغيره من الكتب المتقدمة وقيل إنّها نزلت في أربعين رجلا من أهل الإنجيل قدموا من الحبشة والشام وآمنوا بالنبي (ص).

٥٣ ـ (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ ...) أي آمنا بالقرآن لأنّه كلام إلهيّ صادق عدل نازل عن عند ربّنا و (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا) لا شك فيه (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) أسلمنا به قبل نزوله وتلاوته علينا لأنّا وجدنا في كتبنا السماوية ذكره وأوصافه فكنا عارفين بحقيقته فآمنا به وصدّقناه حين ذاك.

٥٤ ـ (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ ...) أي لمّا آمنوا بالقرآن مرة قبل نزوله وأخرى بعد نزوله وتلاوته عليهم فلذا يعطون أجرين (بِما صَبَرُوا) بصبرهم على الإيمان به قبل النزول وبعده ، هذا هو الذي يظهر من مجموع الآيتين ، ولكن يحتمل أن يكون المراد بصبرهم على الإيمان بالكتابين اي القرآن وكتابهم الذي نزل على نبيّهم ، أو على الإيمان وأذى الكفرة ، والله سبحانه أعلم بما أراد ، (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي يدفعون بطاعاتهم سيّئاتهم ومعاصيهم التي عملوها قبل الحسنات فتمحى بها منّة منه سبحانه على العباد كقوله (ص) أتبع الحسنة السيئة تمحها. أو المراد بالحسنة كلمة التوحيد والسيئة هو الشرك فهي ماحية لها ، كقوله : الإسلام يجبّ ما قبله. وقيل بالحلم والجهل كقوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً). ويحتمل أن تكون الحسنة كناية عن كل عمل حسن والسيئة تعني كل عمل سيّء قبيح ، وما ذكره أرباب التفاسير بيان للمصاديق.

٥٥ ـ (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ...) اللّغو هو الكلام السفيه ، والباطل الذي لا فائدة فيه دنيوية وأخروية يصدر لا عن رويّة معقولة

٢٩٣

مشروعة. وقيل هو الكذب ، واللهو هو الغناء. وهذا التفسير مرويّ عن القمي وقال : وهم (الأئمّة عليهم‌السلام) يعرضون عن ذلك كله (وَقالُوا) أي قال المتصفون بالأوصاف المذكورة آنفا لاغين (لَنا أَعْمالُنا) من الحلم والصفح (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) من السفاهة واللغو ، وكلّنا نجري على أعمالنا إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) قيل إنّ هذا سلام متاركة وتوديع يعنون به أن هذا فراق بيننا وبينكم. وقيل سلام تحيّة حلما وكرامة يعنون به أننا لا نقابل لغوكم بمثله بل بالإحسان (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) أي لا نريد مخالطتهم ولا نطلب مجالستهم ومعاشرتهم ونبتعد عن مصاحبتهم.

* * *

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧))

٥٦ ـ (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ...) المراد بالهداية هنا هو اللطف والتوفيق الذي من عنده تعالى ، ولا يقدر عليه غيره حيث إنّه إما بفعله سبحانه كتسبيبه الأسباب من حيث لا يحتسبه الإنسان ، وإمّا بإعلامه وإلهامه ، ولا يعلم أحد ما فيه صلاح العبد إلّا هو تعالى. وأمّا الهداية فبمعنى الدّعوة إلى الله وإلى الإيمان به ، فهو فعل الرسول كما في الآية الشريفة (إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فإن المراد بها الدّعوة لا بمعنى اللطف ، وإلّا لتناقض ذلك مع قوله (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بلطفه

٢٩٤

وتوفيقه فيريهم السّبل إليه ويعين من يستعدّ ويطلب ويجتهد فيه كما أشار إليه (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) والحاصل أن شمول هذه العناية واللطف يحتاج إلى الأهلية (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي بمن له الأهلية والسعادة الذاتية للتشرف بشرف الإسلام وللتنوّر بنور الإيمان ، وأما الذين ، لفرط العناد والجحد والاستكبار ، ليسوا بحاضرين لأن يتفكّروا في الآيات الهادية والبراهين الساطعة الواضحة فهم في بادية الخذلان وتيه الضلالة باقون ولا يهتدون.

٥٧ ـ (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ ...) أي نستلب (مِنْ أَرْضِنا) يعني مكة والحرم. وقيل إنما قاله الحرث بن نوفل بن عبد مناف فإنه قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنا لنعلم أن قولك حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ونؤمن بك مخافة أن يتخطّفنا العرب من أرضنا ولا طاقة لنا بالعرب ، فقال سبحانه ردّا عليهم هذا القول : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) أي أولم نجعل مكانهم حرما ذا أمن بحرمة البيت (يُجْبى إِلَيْهِ) أي يحمل إليه ويجمع فيه (ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) من كلّ أوب ومكان (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام والمشركون فكيف نتخلّى عنهم ونعرّضهم للخوف وللخطف إذا كانوا موحّدين؟ (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فهم جهلة جحدة لا يتفطّنون ولا يتفكّرون.

* * *

(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ

٢٩٥

الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١))

٥٨ ـ (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ ...) أي أهلكنا أهلها وكانت حالهم كحالكم في الأمن وخفض العيش حتى أنكروا وطغوا بما هم فيه من النعمة ولم يشكروا عليها فدمّرهم الله وخرّب ديارهم (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ) إشارة إلى ما يمرّون به في أسفارهم للتّجارة ، فإن قرية عاد في الأحقاف موضع بين اليمن والشام ، وديار ثمود بوادي القرى ، وديار قوم لوط بسدوم ، وهذه المواضع يعرفونها وهم بعض الأوقات يستريحون فيها في أسفارهم يوما أو نصف يوم أو أقلّ منه ويرون أنّها (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) أي خالية من أهلها ليس فيها إلا المارّون في أسفارهم (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) حيث إن لله ميراث السموات والأرض.

٥٩ ـ (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً ...) أي حتى يرسل في عاصمتها وهي القرية التي تكون أعظم قراها ، رسولا. وتخصيص بعث الرسول بأمّ القرى لأنها مرجع لتوابعها ، وأهلها أفطن وأفهم من سائر القرى ولذا أمر بأن يعيش الإنسان في السواد الأعظم كقوله (ص): عليكم بالسّواد الأعظم أي العاصمة أو ما في حكم العاصمة (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) لإلزام الحجة وقطع العذر (وَأَهْلُها ظالِمُونَ) لأنفسهم بتكذيب الرسل والتوغّل في الجحود والكفر.

٢٩٦

٦٠ ـ (وَما أُوتِيتُمْ ... أَفَلا تَعْقِلُونَ؟ ...) فإن هذا الاستبدال للذي هو أدنى لفنائه بالذي هو خير لبقائه ، وإيثاره عليه أمر غير عقلائي.

٦١ ـ (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً ...) أي الجنة في الآخرة وعدا لا يتصوّر فيه خلاف ، إشارة إلى قوله تعالى : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى فَهُوَ لاقِيهِ) أي أن الموعود له يجد الموعود بلا شبهة ولا خلاف ، فإن الخلف في وعده تعالى محال ، ولذا عطفه على سابقه بالفاء المعطية للسببيّة حيث إن لقاء الموعود مسبّب عن الوعد الذي هو في معنى الضّمان فيما نحن فيه (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) إمّا للحساب أو للعذاب ويستفاد من هذا الذيل أن الموعود له بالوعد الحسن جزاء لأعماله الحسنة لا يحضر يوم القيامة للحساب تشريفا وتكريما لشأنه ، فإن الإحضار في ذلك الموقف ولو لم يحاسب ، لا يناسب لمقامه السامي الذي أعطاه الله تعالى إيّاه وأنعم عليه به. نعم ، إن الحضور للشفاعة لا بأس به فإنه من أعظم منن الله على عباده الذين هم أهل للشفاعة.

* * *

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ

٢٩٧

وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩))

٦٢ ـ (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ ...) توبيخا لهم وتهكّما ، فيخاطبهم الله سبحانه بقوله اين شركائي (الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) تزعمونهم شركائي وتظنون أنهم آلهة يعبدون؟

٦٣ ـ (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ...) أي وجب عليهم الوعيد بالعذاب. والمراد بالقول هو قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وغيره من آيات الوعيد (رَبَّنا هؤُلاءِ) مبتدأ (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) خبره ، وحذف الضمير الراجع إلى الموصول لظهوره (أَغْوَيْناهُمْ) بالوسوسة والتسويل فغووا باختيارهم غيّا (كَما غَوَيْنا) مثل غيّنا باختيارنا ولم تجبرهم على الغيّ (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم وممّا اختاروه لأنفسهم من الكفر (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) إنّما كانوا عابدين لأهوائهم الدنيئة وآرائهم الفاسدة.

٦٤ ـ (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ...) اي ويقال للأتباع ادعوا الذين عبدتموهم من دون الله وزعمتم أنّهم شركاؤه سبحانه لينصروكم ويدفعوا عنكم عذاب الله. وإنّما أضاف الشركاء إليهم لأنه لا يجوز أن يكون لله شريك ، ولكنّهم كانوا يزعمون أنهم شركاء لله بعبادتهم إياهم (فَدَعَوْهُمْ) من فرط الحيرة والضلالة (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) لعجزهم عن الإجابة والنصر (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) اي لمّا رأوا العذاب تمنوا لو كانوا مهتدين ، أو لو قدروا أن يهتدوا لوجه من الحيل فيدفعوا به العذاب عنهم

٢٩٨

لعملوا ولكن للأسف لا يهتدون وهيهات أن يهتدوا لما يدفع عنهم العذاب. ويحتمل أن يكون (لَوْ) للتمنّي ، أي تمنّوا أنهم كانوا مهتدين إلى مدافع وناصر ينصرهم من عذاب الله.

٦٥ ـ (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ...) أي أذكر يا محمد يوم يناديهم الله فيقول (ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) بأيّ شيء أجبتم الأنبياء حين دعوكم؟ وهذا سؤال تبكيت وتقريع لتكذيبهم الرّسل وتقرير بالذنب حيث إن الحجة كانت تامة عليهم فلم يقبلوها فالعذاب عذاب استحقاق وعدل.

٦٦ ـ (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ ...) أي خفيت ولم يدروا بما ذا يجيبون ، فعجزوا عن الجواب ، كالأعمى الذي يعجز عن الاهتداء لطريقه المقصود ويتحيّر في الطريق ولم يدر لأيّ صوب يمشي ويذهب. ولذا عبّر بقوله (فَعَمِيَتْ) وهذا التعبير في هذا المقام أحسن تعبير يكشف عن غاية الفصاحة بلفظ موجز متضمّن المعاني الدقيقة المعبّرة عن نهاية التحيّر والعجز الذي لا يتصوّر فوقه. ومنها الكشف أنهم كانوا في الدنيا عمي القلوب فحشروا على ما كانوا ، فإن يوم القيامة يوم كشف الأستار ومنها مسألة التشبيه ، بيان ذلك أن الأعمى لو خلّي وطبعه يكون ضيّق الخلق فاقد النشاط والسّرور حيث يدري أن الناس متمتّعون بأبصارهم ينظرون إلى الدنيا وما فيها من أمتعتها وحليّها وحللها وألوانها ومختلف الخلائق فيها ، وهو محروم من جميع ذلك كلّه ، وكذلك الظّلمة فلا فرح لهم ولا سرور بل لا يزالون مهمومين مغمومين ، وكذلك الكفرة فإنهم يرون أهل الجنّة متنعمين فرحين نشطين مسرورين بما آتاهم الله جزاء بما عملوا في الدنيا ويرون أنفسهم معذّبين وفي النار خالدين ، فكيف يكونون مسرورين؟ (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) أي لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب لدهشتهم التي عرضت لهم في ذلك الموقف الخطير الذي يذهل الرّسل عن الجواب على مثل هذا السؤال ، فما ظنك بالضّلال والكفّار.

٦٧ ـ (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ ...) أي تاب من الشرك وآمن بالله ورسوله

٢٩٩

(وَعَمِلَ صالِحاً) مشفعا الإيمان بالعمل ، إذ يعرف أن العمل هو الجزء الأخير من العلة للفلاح ، والعلم بلا عمل لا يفيد كالشجر بلا ثمر. وفي القمي عن الصّادق عليه‌السلام قال : إن العبد إذا دخل قبره وفزع منه يسأل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقال له : ماذا تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم فإن كان مؤمنا قال : أشهد أنّه رسول الله جاء بالحق ، فيقال له : ارقد رقدة لا حلم فيها ، ويتنحّى عنه الشيطان ويفسح له في قبره سبعة أذرع ويرى مكانه من الجنّة. وإذا كان كافرا قال : ما أدري ، فيضرب ضربة يسمعها كلّ من خلق الله إلا الإنسان ويسلّط عليه الشيطان وله عينان من نحاس أو نار تلمعان كالبرق الخاطف فيقول له أنا أخوك ، وتسلّط عليه الحيّات والعقارب ، ويظلم عليه قبره ، ثم يضغطه ضغطة تختلف لها أضلاعه عليه. فيستفاد من هذه الرواية أن النداء كان في عالم الدنيا لا في القيامة ، ثم إن المشركين قالوا (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) فطعنوا وقالوا لم اختار الله محمدا للنبوّة وما اختار رجلا عظيم المنزلة والشأن من الطائف مثل عروة بن مسعود الثقفي أو من أهل مكة كالوليد بن المغيرة فينبغي أن يكون صاحب هذا المنصب العالي مثل هؤلاء الرجال لا مثل محمد يتيم أبي طالب فأجابهم الله سبحانه بقوله :

٦٨ و ٦٩ ـ (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ...) أي يوجد كلّ شيء يريده بلا مانع ولا رادع (وَيَخْتارُ) لرسالته من هو الأصلح لعباده ، فإنه الخالق لهم وهو يعرف الأصلح من غيره فليس لعباده كالوليد بن المغيرة وغيره من صناديد العرب أن يطعنوا في من اختاره الله واصطفاه للرسالة ويؤثروا على من اختاره الله غيره ممّن لا يصلح لها ولا له الأهلية لذلك (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي ليس لهم الاختيار. والخيرة اسم من الاختيار أقيم مقام المصدر (سُبْحانَ اللهِ) أي هو تعالى منزّه عن أن ينازعه أحد أو يزاحمه فيما اختاره (وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ارتفع عن إشراكهم الحامل لهم أن يختاروا على مختاره تعالى غير المختار. وفيه ردّ على من جعل الإمامة

٣٠٠