الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الْحَرامِ) والمراد هو مكة حيث إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أسري به من بيت زوجته خديجة عليها سلام الله أو من بيت أمّ هاني ولم يكن في ليلة الإسراء في نفس المسجد. والحاصل بمقتضى الآية الحاضر والمسافر متساويان في مساكن مكة ومنازلها ويجوز للحاج والمعتمر في الموسم وغيره شرعا النّزول في كل مكان ومنزل ومسكن ولو كان سكّانها غير راضين ، نعم ليس للواردين إخراج أهل الدار عن دارهم ، والمسألة محل خلاف والبحث عنها خارج عن موضوع كتابنا هذا والقدر المتيقّن أن نفس المسجد الحرام يستوي فيه الحاضر والمسافر في العبادات والمناسك كلّها وليس لأحد منهما أن يمنع الآخر فإنه حرام قطعا نعم للسابق إلى مكان من المسجد أن يمنع اللّاحق بالنّسبة إلى ذلك المكان فقط ، ولا يجوز لأحد أن يزاحمه فيه. وفي نهج البلاغة في كتاب كتبه أمير المؤمنين إلى عامله على مكة قثم بن العباس بن عبد المطلّب : وأمر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا فإن الله سبحانه يقول : سواء العاكف فيه والباد ، والعاكف المقيم به ، والبادي الذي يحجّ إليه من غير اهله (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ) أي عن العدول عن القصد (بِظُلْمٍ) أي بغير حق وهما (أي بإلحاد وبظلم) حالان مترادفان والباء فيهما للملابسة ، وترك مفعول (يُرِدْ) للتّعميم ، أي : من يقصد أمرا فيه ملابسا للعدول عن القصد أي عن الحق إلى الباطل ، وملاصقا للظلم قيل هو الشرك وعبادة غير الله فيه ، وقيل كل شيء نهي عنه حتى شتم الخادم ، ودخول مكة بغير إحرام المعروف أن في غير مكة لا تكتب السيئة بمجرد قصدها ما دام لم تفعل بخلاف مكة فإن قصد السيئة خطيئة وتحسب إثما ولو لم تفعل ، وهذا لغاية شرافتها وكمال حرمتها (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) جواب (مَنْ) وقد مرّ تفسيره.

* * *

(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ

٢١

بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١))

٢٦ ـ (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ ...) أي اذكر حيث أحللنا إبراهيم عليه‌السلام وأنزلناه ، أو هديناه وأرشدناه إلى مكان البيت حتى يعمره ويبنيه ويرفع عليه الكعبة المقدّسة ، وجعلنا مكان البيت مسكنا له ومنزلا أسكن فيه زوجه وابنه. وبناء على هذا تكون اللام الجارّة زائدة ، ومكان : ظرفا ، ولفظ : إبراهيم : مفعولا به (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) أي

٢٢

أوحينا إليه بأن لا يشرك بعبادتنا شيئا (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) أي طهّره أنت وابنك إسماعيل من أن يدنّسه الشّرك ، والجملة عطف على جملة : أن لا تشرك ، فطهّرا بيتي من عبادة الأوثان :

٢٧ ـ (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ...) أي ناد فيهم أثناء موسم الحج وأدعهم إلى الطواف ببيتي والتعبّد فيه. وروي أنه صعد جبل أبي قبيس وقال : أيّها الناس حجّوا بيت ربّكم. وقيل إنه لمّا أمره الله تعالى بذلك قال : يا ربّ لا يصل ندائي إلى الناس جميعا ، فأجابه الله تعالى : عليك الأذان وعلينا البلاغ. (يَأْتُوكَ رِجالاً) أي مشاة جمع راجل كالقيام والصيام جمع قائم وصائم ، حال من فاعل يأتوك (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) الضامر الناقة المهزولة في طريق الحج لبعد الطريق وإسراع السير وقلة الأكل. اي يأتوك ركبانا على نوق ضامرة مهزولة (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أي طريق بعيد ، والفج هو الطّريق الوسيع وما هو عميق قعره ، وتقديم رجال على الراكب لأفضلية المشي على الركوب. وعن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : للحاجّ الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة ، وللحاجّ الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم. قيل : وما حسنات الحرم؟ قال : الحسنة بمئة ألف ، مرويّ عن ابن عباس عنه (ص).

٢٨ ـ (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ...) اي ليحضروا ويحصّلوا فوائدهم الّتي أعدّها الله لهم في خصوص هذه المناسك وتلك العبادة ولا تحصل ولا توجد في غيرها. وتنكير المنافع إشارة إلى تعميمها للدنيوية وهي أرباح التجارة ، وللدّينيّة كالتشرّف بحضرة أئمة الهدى وأخذ مسائل دينهم واحكام الله عنهم عليهم‌السلام واستفاضتهم بعفوه تعالى ومغفرته والوصول إلى الدّرجات العالية في العقبى بفضله وعنايته (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) واختلف في هذا الذّكر ، قيل هو التلبية حين الإحرام وبعده والتكبير وغيرهما من الأذكار ، وقيل هي التسمية على ما يذبح أو ينحر لأن ذكر اسم الله على الذبائح

٢٣

شعار المسلمين في مقابل المشركين وعبدة الأصنام فإن شعارهم تسمية الأصنام والأوثان وغيرها من المعبودات الباطلة. ويؤيد هذا تعلّق (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) بقوله تعالى (يَذْكُرُوا) على ما هو الظاهر والقول الأول أعني التكبير مرويّ عن الصّادقين عليهما‌السلام قالا : اسم الله هو التكبير عقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر العيد بمنى وصورة التكبير مسطورة في محلها من كتب الفقه. (فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) قيل هي العشر الأول من ذي الحجة ، وقيل هي أيام التشريق كما عن الباقر عليه‌السلام ان الأيام المعلومات يوم النحر والثلاثة بعده أيام التشريق ، والأيام المعدودات عشر ذي الحجة. وفي رواية عن الصادق عليه‌السلام : المعلومات والمعدودات واحدة ، وهن أيام التشريق ، والتحقيق في التعيين موكول إلى كتب الفقه (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) الأمر بالأكل لانهدام ما هو المرسوم عند المشركين من عدم أكل الذبيحة التي كانوا يذبحونها باسم الهتهم ، فأمر الله تعالى أن يذكر على الذبائح اسمه ويأكلوا منها ويطعموا الفقراء والمساكين. والبائس أفقر من الفقير وأشدّ بؤسا ، مشتق من البؤس بمعنى شدّة الحاجة وسوء الحالة.

٢٩ ـ (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ...) التّفث الوسخ ، أي ليزيلوا وسخهم بتقليم الأظفار وقصّ الشّوارب وحلق الرأس وإزالة الأوساخ عن الأبدان وطرح الإحرام كما هو المرويّ عن الرّضا عليه‌السلام (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) أي ما نذروا من البرّ والطاعات (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أي القديم لأنه أول بيت وضع ، أو الكريم. وروي أنه المعتق من الغرق ومن تسلّط الجبابرة. روي عن سعيد بن جبير أن التّبّع توجّه إلى مكة لتخريب البيت ولمّا وصل الى غدير ابتلى بالفلج وكلما عالجه الأطبّاء ما أفاد عملهم إلا ازديادا فجاءه جماعة من أهل التوحيد وقالوا له : أيها الملك لهذا البيت ربّ وحرمة وكلّ من قصده بسوء فربّه يبتليه ببليّة لا علاج لها فلو قصدت أن تمشي إلى مكة فاعزم بان لا تتعرّض للبيت حتى يشفيك ربّه. فعزم أن لا يتعرّض للبيت

٢٤

فعافاه الله من مرضه فلما دخل مكة أمر أن يكسوا البيت بكسوة فاخرة ، وهو اوّل من كسا البيت الحرام ونحر ألف بعير وأعطى لأهل الحرم الصّلات والعطايا الكثيرة الثمينة وسمّوا الموضع الذي نزل فيه مطابخ لكثرة إطعامه.

٣٠ ـ (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ ... ذلِكَ) خبر للمبتدأ المحذوف ، أي الأمر ذلك يعني أمر الحج والمناسك تلك المذكورات كما في قوله تعالى هذا وأنّ للطاغين لشر مآب ويسمونه وأمثاله الفاصل بين الكلامين فقوله (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) أي أحكامه وما لا يحلّ هتكه من جميع التكاليف أو ما يتعلق بالحج (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي تعظيمها خير له ثوابا (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) كلّها أكلا (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) تحريمه في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) الآية ٣ من المائدة (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) من : ، بيانيّة (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) أي الكذب أو شهادة الزور أو الغناء أو قول هذا حلال وهذا حرام من عند أنفسهم.

٣١ ـ (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ ... حُنَفاءَ) أي موحّدين له (غَيْرَ مُشْرِكِينَ) به حالان من ضمير اجتنبوا. وعن الباقر سئل عن الحنفيّة فقال عليه‌السلام : هي الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله قال فطرهم الله على المعرفة (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ ، فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ) أي فقد أهلك نفسه هلاك من سقط منها لأنه سقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) أي تأخذه بسرعة كناية عن نفسه الأمّارة وأهوائه المردية حيث ذهبت بعقله وأفكاره (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) أي تسقطه من مكان مرتفع الى موضع بعيد عميق جدا كناية عن أن الشيطان يطرحه في الضلالة بحيث لا ينجيه أحد ، وبحيث يهوي به إلى مهاوي الضلال والكفر والخسران.

* * *

٢٥

(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥))

٣٢ ـ (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ ... ذلِكَ) خبر لمبتدأ محذوف كما قلنا آنفا ، أي الأمر ذلك (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) أي أعلام دينه ومناهجه (فَإِنَّها) أي تعظيمها (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ناشئ من تقوى قلوبهم. وفي القميّ قال : تعظيم البدن وجودتها ، فالمراد على هذا بشعائر الله هو مناسك الحج كما قيل ، وقيل هي الهدايا. وهذا التفسير أنسب بقول القميّ رحمه‌الله. ويؤيّد التفسير الأخير قوله تعالى بعد ذلك :

٣٣ ـ (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ...) عن الصّادق في هذه الآية قال : إن احتاج الى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها وإن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها أي لا يحلب جميع ما فيها من اللبن بحيث صار سببا لهزالها وذهاب قوّتها (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أي محلّ نحر الهدايا أو الاستفادة منها هو البيت أي : الكعبة يعني منتهى الاستفادة من الهدايا بالركوب والحلب هو وصولها إلى البيت فانها عنده تنحر أو تذبح والمراد ب (إِلى) عنده هو ما يقرب منه قيل هو الحرم كلّه ، وعندنا أنّه في الحج ، منى ، وفي العمرة المفردة مكة.

٢٦

٣٤ ـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً ...) أي لكلّ أهل دين جعلنا منسكا : بالفتح قربانا أو ما يتعبّد به ويتقرّب به إليه تعالى ، وبالكسر : مكان النّسك والفتح هو قراءة المشهور وأنسب بقوله (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي عند ذبحها وكلمة (مِنْ) بيانية يعنى لا تذكروا على ذبائحكم غير اسمه تعالى فيفيد اختصاص القربان بها (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) من الخبت بمعنى الاطمئنان أي المطمئنّين به تعالى والمتواضعين له والخاشعين له.

٣٥ ـ (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...) أي خافت من هيبته (وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) أي من المصائب (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) في أوقاتها (يُنْفِقُونَ) في سبيل الخير والبرّ كلّ ذلك امتثالا لأمر ربّهم ثم استأنف الكلام بذاك الذبائح فقال سبحانه :

* * *

(وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦) لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧))

٣٦ ـ (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ ... الْبُدْنَ) جاء مصدرا وجمعا لبدنة وهي الناقة أو البقرة المسمّنة ، سمّيت بذلك لعظم بدنهما وجثتهما ولكثرة اللّحم ونصبها بفعل مقدّر يدل عليه المذكور بعدها ومعناه : جعلنا البدن لكم من

٢٧

أعلام ديننا وعلائم مناسك الحج أي سوقها إلى البيت وتقليدها عبادة الله والإضافة لاسمه تعالى للتعظيم والتشريف (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) نفع دينيّ ودنيويّ (اسْمَ اللهِ عَلَيْها) أي عند نحرها (صَوافَ) نصب على الحاليّة عن الضمير الفاعل أي اذكروا اسم الله على البدن حال كونها صافّات ومنظمّات وقوائمها مستويات ولعلّ الحكمة في إصفافها بهذه الكيفية ظهور كثرتها للناظرين فتتقوّى النفوس وتتشوّق ويكون التقرب بنحرها عند ذلك مزيدا للأجر وتشويقا للنّحر ، وظهورا لكثرة التكبير وإعلاء لاسم الله تعالى (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) المراد من وجوب الجنوب سقوطها على الأرض والنكتة في هذا التّعبير هو خروج تمام الروح منها من قوله وجب الحائط إذا سقط (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) القانع الذي يقنع بما يعطى ، والمعترّ الذي يعترض بسؤال أو بدونه. وعن الصّادق عليه‌السلام : أطعم أهلك ثلثا والقانع ثلثا والمعتّر ثلثا (كَذلِكَ) أي الأمر كما وصفنا لكم كيفية النحر في البدن (سَخَّرْناها لَكُمْ) مع ضخمها وقوتها فتقودونها وتحبسونها ثم تنحرونها وليس ذلك إلّا بتذليلنا إياها لكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمنا وآلاءنا عليكم.

٣٧ ـ (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها ...) أي لن تصعد إليه اللّحوم ولا الدّماء المهراقة من حيث إنّها لحوم ودماء (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) أي يصعد إليه ما هو من لازم عملكم هذا وهو التقوى المكشوفة به الموجبة لإخلاص العمل لله وقبوله من عبيده المتقين (كَذلِكَ سَخَّرَها) تقدم ذكره ، والتكرار ليعلّل بقوله (لتكبروا الله إلخ) المراد على ما نقل هو التكبيرات المعروفة في أيّام التشريق بمنى عقيب خمس عشرة صلاة وفي الأمصار عقيب عشر (عَلى ما هَداكُمْ) أرشدكم الى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها أو لأعلام دينه ومناسك حجه ، لكنّ تفسير الأول مروي (الْمُحْسِنِينَ) اي الموحدين الذين يعملون الحسنات ومنها أنهم يحسنون إلى غيرهم.

* * *

٢٨

(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١))

٣٨ ـ (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ...) يدفع غائلة المشركين عنهم وهذه الكريمة بيان لتبشير المجمل السابق بأنه تعالى يدفع الأذى عن المؤمنين المحسنين وينصرهم عاجلا لقوله يدافع مكان يدفع ، فإن إيراد يدافع للمبالغة في الدفع والأنسب في المقام لمعنى المبالغة هو التعجيل فيه (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) فإنه تعالى أخبرهم بعدم حبه لهم ولأعمالهم فما لا يحبّه لا بدّ أن يدفعه ويرفعه عاجلا عن قريب. وقد نقل أن كفار مكة كانوا لا يزالون يؤذون المؤمنين بأقسام الأذى كما ذكر في أحوالهم في بدو الإسلام فجاءوا الى النبي (ص) يشتكون منهم ويستأذنون بقتالهم ، فأجابهم صلوات الله عليه بأن الله لا يأذن لي بمقاتلتهم ، ويأمركم بالصبر ويبشركم بالنصر فلما أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمهاجرة الى المدينة وتشرّفت المدينة

٢٩

بقدومه المبارك نزلت آية الاذن للجهاد وكانت أوّل آية أنزلها الله تعالى فيه هي هذه :

٣٩ ـ (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ ...) أي رخّص للمؤمنين أن يقاتلوا المشركين (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) بسبب أنّهم أصبحوا مظلومين بالضّرب والشجّ ونفي البلد والقتل وكسر الأعضاء والجوارح ، وعن الصادق عليه‌السلام : إنما هو القائم إذا خرج يطلب دم الحسين وهو يقول نحن أولياء الدّم وطلّاب التّرة ، ولا منافاة فإنها نزلت في المهاجرين وجرت في آل محمد صلوات الله عليهم.

٤٠ ـ (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ...) يعني ما كان موجب لإخراجهم من مكة سوى التوحيد الملازم للإقرار بالرّبوبيّة. قال الباقر عليه‌السلام نزلت في المهاجرين وجرت في آل محمد ، أخرجوا من ديارهم وأخيفوا (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي بنصر المؤمنين على الكفار (لَهُدِّمَتْ) بالتشديد والتخفيف (صَوامِعُ) جمع صومعة وهي معبد الرّهبان (وَبِيَعٌ) جمع بيعة وهي الكنائس معابد النّصارى (وَصَلَواتٌ) أي كنائس اليهود جمع صلوة سمّيت بذلك إما لوقوع الصلاة فيها أو هي معرّب ثلوثا كلمة عبريّة بمعنى المصلّى لا أنه جمع الصّلاة وهذا أقرب بالمقام (وَمَساجِدُ) وهي معابد المسلمين (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) صفة للأربع أو للمساجد فقط ، خصّت بها تشريفا (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) على النّصر (عَزِيزٌ) لا يغلب بشيء وهو غالب على كل شيء.

٤١ ـ (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ...) بدل من (يَنْصُرُهُ) أو وصف للذين أخرجوا. قال الباقر عليه‌السلام : نحن هم. ومعنى التمكّن في الأرض هو إعطاء السلطان والقدرة عليها (أَقامُوا الصَّلاةَ) الآية هذه جواب الشرط وهو وجوابه صلة للذين ، والمعنى واضح (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) وهو يصرّفها كيف شاء.

* * *

٣٠

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨))

٤٢ إلى ٤٤ ـ (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ ...) هذه الآيات الكريمات تسلية للنّبي (ص) بأن تكذيبك قومك في أمر الرسالة ليس بأمر بديع وشيء حديث بل الأنبياء السّابقون عليك طرّا مرميّون بتكذيب قومهم. فالله تعالى من باب المثل ذكر بعض المشاهير منهم صلوات الله عليهم أجمعين (وَكُذِّبَ مُوسى) تغيير النظم وإيراد الفعل مجهولا للإشارة بأن المكذّبين لموسى ما كانوا من قومه فان قومه هم بنو إسرائيل وأنهم كانوا من المؤمنين به والمصدّقين له وأنّ المكذّبين له هم القبطيّون ، وللإشعار بأنّ تكذيب موسى عليه‌السلام كان أشنع حيث إن معاجزه كانت أعظم وأبين فتكذيبه كتكذيب من ادّعى النهار والشمس في رابعته (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) أي

٣١

أمهلتهم إلى أن صرمت آجالهم المقدّرة (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي إنكاري عليهم بالانتقام منهم في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فبتغيير النعمة محنة ونقمة والحياة هلاكا والعمارة خرابا ، وأما في الآخرة فمصيرهم إلى النّار وبئس المصير. ثم انه تعالى أخذ في بيان كيفية هلاكهم وعقوباتهم بقوله عزوجل :

٤٥ ـ (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ...) اي ساقطة حيطانها على سقوفها بعد وقوعها أوّلا على وجه الأرض مأخوذ من خوى النجم إذا سقط ، وعرش البيت هو سقفه (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) أي متروكة بموت أهلها وفي تفسير أهل البيت في قوله : وبئر معطّلة أي : وكم من عالم لا يرجع إليه ولا ينتفع بعلمه. وعن الكاظم عليه‌السلام : البئر المعطّلة الإمام الصّامت (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) الامام الناطق. وإنما كنّى عن الإمام الصّامت بالبئر لأنه منبع العلم الذي هو سبب حياة الأرواح مع خفائه إلّا على من أتاه ، كما أن البئر منبع الماء الذي هو سبب حياة الأبدان مع خفائها إلّا على من أتاها ، وكنّى عن صمته بالتعطيل لعدم الانتفاع بعلمه ، وكنّى عن الإمام الناطق بقصر مشيد لظهوره وعلوّ منصبه وإشادة ذكره ، ورفيع منصبه.

٤٦ ـ (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ؟ ...) هذه حثّ لهم على أن يسافروا ليروا مصارع المهلكين فيعتبروا. وفي الخصال عن الصّادق عليه‌السلام معناه : أولم ينظروا في القرآن (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) أي ما يجب ان يعقل (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) أي ما يجب أن يسمع (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الضمير في قوله فإنها مبهم يفسره الأبصار ، وتقدير الكلام ان الأبصار لا تعمى لأنه ليس في مشاعرهم خلل ولا عيب ، ولكن تعمى القلوب عن مشاهدة العبر وقوله : التي في الصّدور ، للمبالغة والتأكيد كقوله : يطير بجناحيه ، ويقولون بأفواههم ولنفي التجوز في القلب حيث إنها تستعمل مجازا في بعض المعاني كما يقال قلب النّخل وقلب الشتاء وقلب الأسد أي شهر الأسد ، فإن المراد

٣٢

بالقلب في هذه الموارد هو وسطها لا معناه الحقيقي. والحاصل فإن إدراك الأمور النظرية والمعاني هو وظيفة القلب ومشاهداتها به ولكن إذا اتّبعت قلوبهم الهوى وانهمكت في التقليد فلا تدرك شيئا ولا تعقل ما يجب أن تعقله. فنسبة العمى إلى القلب حقيقة وليس بمجاز في شيء. وعن السجاد عليه‌السلام أن للعبد أربع أعين عينين يبصر بهما أمر دينه ودنياه وعينين يبصر بهما أمر آخرته ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما الغيب وأمر آخرته ، وإذا أراد الله به غير ذلك ترك القلب بما فيه.

٤٧ ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ...) الموعود به ، ولا يخفى أن استعجالهم كان استهزاء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنهم لا يعتقدون برسالته ولا يعتقدون بقوله فكيف يحمل الاستعجال على حقيقته وهو فرع العقيدة ، ومعها لا يتصوّر إلّا من المجنون أو من في حكمه (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) واو حاليّة ، أي هؤلاء المشركون يستهزئون باستعجال العذاب والحال أنه تعالى يمتنع أن يخلف في وعده وإنجازه ، ووعده تعالى بإنزال العذاب كان يوم بدر حيث إنهم في ذلك اليوم فرّق جمعهم وشتّت شملهم وقتلوا من أولهم إلى آخرهم إلّا القليل منهم بين أسر وفكّ بضرب الجزية مع منّة عليهم. هذا بالإضافة إلى عذابهم الدنيويّ مضافا إلى فتح مكة وخذلانهم في ذلك اليوم المبارك الذي استعبدهم النبيّ صلوات الله عليه وآله ثم أطلقهم بقوله : أنتم الطّلقاء ، وهذا غاية الذل ونهاية الخذلان وأمّا الوعد بالنسبة إلى عذابهم في الاخرى فهذا ما أشار اليه تعالى بقوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) أي يوما من أيام العذاب في الآخرة (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ممّا تحسبون في الدنيا.

٤٨ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها ...) أي كم من قرية ، يعني وهذه الحال كحال أي قرية أمهلتها كما أمهلتهم الآن (وَهِيَ ظالِمَةٌ) مثلكم أيها الكفار من قريش وغيرها (ثُمَّ أَخَذْتُها) بالعذاب والاستئصال

٣٣

(وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) مرجع الجميع فإنهم يعودون إليّ لأحاسبهم على أعمالهم الخيّرة والشرّيرة.

* * *

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١))

٤٩ ـ (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ...) قل يا محمد للناس بعد تذكيرهم بهذه الأمور التي يجب أن يتفكّروا بها ويعقلوها : أنا نذير لكم ومخوّف من عذاب الله في الدنيا والآخرة ، وأنا مبيّن لكم ما تصير إليه حالكم إذا أمعنتم في العناد والكفر ، وأنا نذير للمؤمنين أيضا ولسائر الناس وإليكم تفصيل حالكم جميعا أيها النّاس :

٥٠ ـ (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) أمّا المؤمنون الذين التزموا بأوامرنا ونواهينا وقاموا بالأعمال الصالحة الحسنة ، فأولئك (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) أعددنا لهم عفوا عن صغار ذنوبهم (وَ) لهم منا أيضا (رِزْقٌ كَرِيمٌ) وهو نعيم الجنّة ورزقها الكثير السخيّ فإنه نعيم في أكرم دار والكريم من كلّ نوع ما يجمع جميع فضائل الكرم.

٥١ ـ (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ ...) أي الذين عملوا على إبطال آياتنا فردّوا القرآن واعتبروه باطلا غير منزل من السماء. والمعاجزون هم المسابقون لنا الظانّون أنهم يفوتوننا أو يخرجون من قبضتنا أو يتمّ كيدهم. وهي من : عاجزه ، إذا سابقه ، لأن المتسابقين يطلب كلّ منهم إعجاز الآخر عن اللحاق به. ف (أُولئِكَ) المعاجزون الساعون في إبطال آياتنا هم

٣٤

(أَصْحابُ الْجَحِيمِ) هم أهل أسفل دركات جهنّم وأشدّها إحراقا ، فنعوذ بالله من عذاب الجحيم الشديد ...

* * *

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥))

٥٢ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ...) أي لم نرسل قبلك من رسول (وَلا نَبِيٍ) كائنا من كان منهم (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) تلا ما أوحينا به إليه (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أدخل في تلاوته ما يوهم أنّه من جملة الوحي (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي يرفع ما يلقيه ويزيل ما يدخله في محكم قوله وفي آيات كتابه (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) يثبتها ويقرّها كما نزلت من عنده لا تزيد حرفا ولا تنقص حرفا ويجعلها مقبولة عند من سبقت لهم الحسنى منه عزّ وعلا. وقيل إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرأ :

٣٥

والنّجم إذا هوى ، فلمّا بلغ قوله تعالى : (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ، سكت. فقرأ الشيطان : « تلك الغرانيق العلى ، وإنّ شفاعتهنّ لترجى » فوقع عند بعضهم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ ذلك ، وكان الشيطان في ذلك الحين يتكلّم ويسمع كلامه الحاضرون في المسجد دون أن يروه.

ويمكن أن يكون التمنّي على ظاهره ، أي : وما من رسول ولا نبيّ إلّا إذا تمنّى لأمّته الإيمان ، ألقى الشيطان في طريق أمنيّته العثرات وأقام بينه وبين مقصده العقبات ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان من الموانع والعوائق التي يبثّها في قلوب أوليائه ، ثم يحكم الله آياته بأن يجعلها ثابتة ومتقبّلة لدى المؤمنين ؛ ولعل هذا الوجه أوجه والله العالم.

ونرجع فنقول : إنما سمّيت التلاوة أمنيّة لأن القارئ إذا قرأ فانتهى إلى آخر آية رحمة تمنّى أن يرحمه‌الله تعالى ، وإذا انتهى إلى آخر آية عذاب تمنّى أن يوقاه ودعا الله أن ينجّيه منه. والحاصل أنه سبحانه ينسخ ما يلقي الشيطان أثناء التلاوة ويبطله ويزيله بعصمته وهدايته إلى ما هو الحق ، ثم يحكم آياته فيثبت دلائله الداعية إلى مخالفة الشيطان اللّعين (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عالم بما يجري غاية العلم ، حكيم فيما يقضي بأعظم الحكمة.

أمّا إلقاء الشيطان في الأمنيّات فهو :

٥٣ ـ (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ...) أي ليصير إلقاء الشيطان امتحانا واختبارا لمرضى القلوب ومزعزعي العقيدة (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) المتحجّرة التي لا يلجها ذكر الله تعالى. وهذه الآية الكريمة تبيّن علّة تمكين الله تعالى للشيطان بأن يلقي في وقت تلاوة الرّسل والأنبياء ما يشبه الذي نزل من عنده ، وهو ليس من عنده ، فيقع في القلوب المتردّدة الشاكّة لدى المنافقين. وعبارة : والقاسية قلوبهم عطف على الموصول ، وهم الكفرة. فحاصل الكريمة أن علّة التمكين من الإلقاء هي لمزيد كفر الكفرة ونفاق المنافقين المعاندين لعدم تأمّلهم وتفكّرهم في الفرق

٣٦

بين الحق والباطل ، أي بين ما جاء به النبيّ من عند ربّ العالمين ، وما هو من عند الشيطان الرجيم ، فظلموا أنفسهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) لفي خلاف بعيد عن الحقّ والحقيقة ، أو عن الرسول وبيعته ، لفرط عنادهم وكثرة جحودهم.

والوجه الآخر في تمكين الشيطان من الإلقاء هو :

٥٤ ـ (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ ...) أي ليعرف ويعتقد الذين منحوا العلم والمعرفة بتوحيد الله وبمنهج الحق وطريق الصواب ، أن هذا الذي يجيء من عند الله هو الحق (مِنْ رَبِّكَ) يا محمد ، لا من الشيطان ، إذ وفّقهم الله أن يميزوا بين الحق والباطل (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) يصدّقوه ويعتقدوه (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) تخشع وتلين وتطمئن له ، أي للقرآن أو له تعالى (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وبالتأكيد انه سبحانه هو الذي يهدي المؤمنين به إلى طريق الحق الذي لا عوج فيه.

٥٥ (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ...) أي مع هذا البيان كلّه وهذه الدلائل كلّها بقي الكافرون في مرية : شكّ من القرآن. وقيل في شكّ من الإمام الذي هو هنا أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما هو المرويّ عن القمى. فما يزالون في ريب منه (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) إلى أن يجيء يوم القيامة وساعة البعث (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) أو يجيئهم عذاب يوم القيامة الذي يسمّى عقيما لأنه لا يوم بعده.

* * *

(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا

٣٧

فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩))

٥٦ و ٥٧ ـ (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ...) ففي يوم القيامة الملك لله تعالى وحده ، وهو الحاكم العادل الذي لا يجور في حكمه (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) آمنوا به وصدّقوا رسله وعملوا بما أمروهم به يكونون (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يتنعّمون بعطاياه السنيّة خالدين في جنانه وملكه الذي لا يبلى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بنا وبالرّسل (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أنكروا دلائلنا ومعجزاتنا (فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) عذاب يهانون فيه ويحتقرون ويستخفّ بهم. وفي هذه الآية الكريمة أدخل الفاء في الخبر ، ولم يدخلها في خبر الآية الخاصة بالمؤمنين ، لعلّه للتّنبيه بأن إثابة المؤمنين بالجنّات محض تفضّل منه تعالى ، في حين أن عقاب الكفرة مسبّب عن أعمالهم.

٥٨ و ٥٩ ـ (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا ...) أي الذين هاجروا من أوطانهم ، وجاهدوا في سبيل نصرة الحق ، ثم قتلوا في المعركة (أَوْ ماتُوا) في غيرها وهم بطريق الجهاد (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) ليعطينّهم عطاء جميلا بغير حساب (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) بل لا رازق سواه بالحقيقة لأنه هو مسبّب الأسباب للحصول على رزقه من كلّ أبواب الرّزق ... وهؤلاء المجاهدون المقتولون في سبيله (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) ليدخلنّهم الجنّة التي يرضونها ويحبّونها ويشتاقون إليها. وقرئ مدخلا ومدخلا (إِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) أي أنه خبير بما يفعل الناس ، رؤف بهم ، يمهل الكافر ، ويلطف بالمؤمن.

* * *

٣٨

(ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢))

٦٠ ـ (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ ...) أي أمر الله وسنّته وقاعدته هكذا ، وبه جرى قضاؤه في باب المؤمن والكافر ومصير كلّ منهما (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) أي جازى من ظلمه بمثل ما ظلمه به ولم يزد في الاقتصاص (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) أي عاوده الظالم بالظلم (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) على الباغي المتعدّي ، أي المتجاوز في العقوبة والاقتصاص (لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) للمنتصر ، روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أخرجته قريش من مكة وهرب منهم الى الغار وطلبوه ليقتلوه عاقبهم الله يوم بدر وقتل عتبة وشيبة والوليد وأبا جهل وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم من رؤوس المشركين فلمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طلب بدمائهم فقتل الحسين عليه‌السلام وآل محمد صلوات الله عليهم بغيا وعدوانا وهو قول يزيد لعنه الله حين تمثل بهذا الشعر : ليت اشياخي ببدر شهدوا إلخ ... وقال يزيد وهو يقلّب الرّأس الشريف.

نقول والرأس مطروح نقلّبه

يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر

حتى يقيسوا قياسا لو يقاس به

أيام بدر لكان الوزن بالقدر

٣٩

فقال الله تبارك وتعالى ذلك (وَمَنْ عاقَبَ) يعني رسول الله (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) حين أرادوا أن يقتلوه فخرج من مكة خائفا (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) بغلبة يزيد وأمثاله من الأمويّين والعباسيّين على آله صلى‌الله‌عليه‌وآله (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) يعنى بالقائم من ولده صلوات الله عليهم أجمعين.

٦١ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ ...) أي المذكور من النّصر الإلهي للمظلوم على الباغي (بِأَنَّ اللهَ) أي بسبب أنه تعالى قادر على أن يغلّب بعض الأشياء على بعض وعادة الله وسنّته جرت على المداولة بين الأشياء المتعاندة لمصالح وحكم اقتضت ذلك ومن جملة ذلك أنه سبحانه (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) أي يدخل كلّا منهما في الآخر بنقصان زمان كل واحد وزيادته على الآخر أي يزيد على الليل وينقص من النهار وكذلك العكس (أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) يسمع قول الظالم والمظلوم ويرى أفعالهما.

٦٢ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ ... ذلِكَ) أي اتّصافه بكمال القدرة والعلم وإحاطته بجميع الموجودات (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) بسبب أنه تعالى هو الثابت في نفسه والواجب بذاته لذاته فالنتيجة (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) إلها (هُوَ الْباطِلُ) أي ما يعبدونه من الأصنام هو زائل وزاهق في حدّ ذاته أو في ألوهيّته (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) فهو في ذاته أعلى ممّن سواه وفي سلطانه أكبر ممّا عداه لأن منشأ وجود غيره تعالى هو وجوده سبحانه وتعالى فإن وجودات الموجودات إفاضات ورشحات من فيض وجود ربّهم الذي هو الواجب بالذات وكل ما بالعرض لا بد وان ينتهي إلى ما بالذات. قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أصدق بيت قالته العرب قول لبيد : ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل ...

* * *

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما

٤٠