الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

٨ ـ (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ ...) أي لما قرب منها خوطب (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) والمراد (مَنْ) هو الملائكة. و (فِي النَّارِ) في مكان النار ، وهو البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ)(وَمَنْ حَوْلَها) أي موسى أو الملائكة أو كليهما. والتعبير بالنار لعلّه على زعم موسى في أوّل الرؤية وإلّا فهي من أنوار العظمة والجلال (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تنزيها له.

٩ ـ (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ...) ناداه الحقّ سبحانه إنّ هذه ليست نارا ولكنّ نوري تجلّى لك وأنا العزيز الذي لا يقهر ، الحكيم الذي أقواله وأفعاله طبق الحكمة التامة.

١٠ ـ (وَأَلْقِ عَصاكَ ...) نودي أن ارم عصاك وأطلقها من يدك ، فألقاها (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) تتحرّك وتتراقص (كَأَنَّها جَانٌ) كالجنّ السريع الحركة (وَلَّى مُدْبِراً) كرّ راجعا ، إلى الوراء (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع بل هرب منها ، فقال له سبحانه (يا مُوسى لا تَخَفْ) من تلك الحيّة (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) لأنني معهم أسمع وأرى.

١١ ـ (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ ...) أي رجع بعد ظلم نفسه إلى التوبة والإنابة والعمل الصالح بعد العمل السيّء. ويمكن أن يكون هذا تعريضا بوكز موسى عليه‌السلام للقبطيّ الذي قتله ، أو أن الاستثناء منقطع هنا والمقصود به الناس الآخرون من المكلّفين ، والله تعالى غفور لمن تاب وأناب.

١٢ ـ (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ ...) هذه آية أخرى زوّده بها الله سبحانه وتعالى ، وذلك بأن يدخل يده تحت إبطه أو في جيبه أو في شقّ قميصه الذي يلي صدره ، فإن إدخالها بهذا الشكل وإخراجها يكفيان لان تصير بيضاء (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) من غير آفة كالبرص أو غيره بل هي كالشمس في الليل وأضوأ منها في النهار (فِي تِسْعِ آياتٍ) أي مع تسع

٢٢١

آيات أخر أنت مرسل بها إلى فرعون وقومه (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) هذه الجملة في موضع التعليل للإرسال إلى قوم يرتكبون المعاصي والآثام.

* * *

(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤))

١٣ ـ (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً ...) من أبصر الطريق أي استبان ووضح. فهي ظاهرة واضحة ومستبانة ، فإن باب الإفعال كما استعمل متعديا كذا استعمل لازما كما مثّلنا ، وقال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وكثر استعماله كذلك شعرا ونثرا بحيث لا يحتاج إلى مزيد بيان. فالآيات تكون واضحة وظاهرة لجميع من حضر بحيث يرون أنها أمور خارجة عن طاقة البشر وأنها كانت مما وراء الطبيعة وخارقة للعادة. ونصبها على الحالية عن الآيات. وهذا لا يحتاج إلى التأويلات والتكلّفات التي ارتكبها المفسّرون في تلك الكلمة وأتعبوا أنفسهم الشريفة في تصحيحها هذا بناء على ما هو المشهور من قراءتها بصيغة اسم الفاعل وفي المجمع روي عن السّجاد سلام الله عليه مبصرة بفتحها فيرتفع الخلاف في هذا الكلام والظرف في قوله في تسع آيات متعلق بالمقدّر أي اذهب الى فرعون في تسع آيات. ولكنهم قالوا إنها سحر.

١٤ ـ (وَجَحَدُوا بِها ...) أي أنكروها وكذّبوا بها (ظُلْماً) لأنفسهم (وَعُلُوًّا) ترفّعا عن الإيمان والانقياد (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) في الأرض من الغرق في الدّنيا والحرق في الآخرة.

* * *

٢٢٢

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩))

١٥ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ...) عطف سبحانه على قصّة موسى قصّة داود وسليمان فقال آتيناهما علما بالقضاء بين الخلق وبكلام الطير والدوابّ (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) أي اختارنا من بينهم بأن جعلنا أنبياء وملوكا ، وبالمعاجز التي وهبها لنا من إلانة الحديد وتسخير الشياطين والجنّ والإنس. وفي الكريمة دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا ما دونه حتى ما أوتيا من الملك الذي لم يؤت أحدا بعدهما ولا قبلهما تحريضا للعالم على أن يحمد الله على ما آتاه من فضله ، وأن يتواضع ويعتقد أنه وإن فضل على كثير لكن فضّل عليه كثير.

٢٢٣

١٦ ـ (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ...) أي ورث الملك والنبوّة بأن قام مقامه دون سائر بنيه وهم تسعة عشر. وفي الكافي عن الجواد عليه‌السلام أنه قيل له إن الناس يقولون في حداثة سنّك ، فقال : إن الله أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبيّ يرعى الغنم ، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم ، فأوحى إلى داود أن خذ عصا المتكلّمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه أورقت وأثمرت فهو الخليفة. فأخبرهم داود فقالوا قد رضينا وسلّمنا. ولما أصبح الصّباح إذا عصا سليمان قد أثمرت وأورقت هذا ما ورد عنه ولا ينافي ما ورد في الصحيح من أنه تعالى أنزل من السّماء مكتوبا مختوما على داود (ع) وفيه مسائل فقال تعالى كل واحد من ولدك أجاب عليها فهو الوارث والخليفة بعدك. فإن ولده كان عددهم تسعة عشر وكلهم كانوا حسب الظاهر أهلا للوراثة والخلافة ، أمّا المسألة الأولى فهي أقرب الأشياء أيّ شيء وأبعدها أيّ شيء. والثانية أيّ الأشياء آنس وأيّها أوحش والثالثة أيّ شيئين من الأشياء قائمان وأيهما مختلفان ، وأيّهما المتباغضان. والرابعة أي شيء آخره محمود وأي شيء آخره مذموم. فجمع داود الأحبار والأشراف وأولاده وأراهم المكتوب المختوم السّماوي فسأل المسائل واحدا بعد واحد ولدا بعد ولد فما أجابوا إلّا سليمان عليه‌السلام.

أمّا الأولى فأجاب عنها بأن أقرب الأشياء إلى الإنسان هو الآخرة وأبعدها ما يمضي من الدنيا. أما الثانية فآنس الأشياء إلى الإنسان الجسد مع الروح وأوحش الأشياء الجسد بلا روح. والثالثة أنّ القائمين هما الأرض والسماء والمختلفين هما الليل والنهار والمتباغضين هما الموت والحياة والرّابعة أنّ الذي آخره محمود فهو الحلم في حال الغضب والذي عاقبته مذمومة فهو الحدّة في حال الغضب. فاعترف الأحبار وأولاده جميعا بفضل سليمان وأهليته للخلافة.

(وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) القمي عن الصّادق عليه‌السلام : أعطي سليمان بن داود مع علمه معرفة المنطق بكلّ لسان ومعرفة

٢٢٤

اللّغات ومنطق الطير والبهائم والسّباع. وكان إذا شاهد الحروب تكلم بالفارسيّة ، وإذا قعد لعمّاله وجنوده وأهل مملكته تكلّم بالروميّة وإذا خلا بنسائه تكلّم بالسريانية والنبطية ، وإذا قام في محرابه لمناجاة ربّه تكلم بالعربية ، وإذا جلس للوفود والخصماء تكلم بالعبرانية. وفي المجمع عن الصّادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض ومغاربها فملك سبعمائة سنة وستة أشهر ، ملك أهل الدنيا كلّهم من الجن والإنس والشياطين والدوابّ والطير والسباع ، وأعطي علم كل شيء ومنطق كل شيء في زمانه وصنعت في زمنه الصنائع العجيبة وذلك قوله علّمنا منطق الطير. وفي البصائر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لابن عباس : إنّ الله علّمنا منطق الطير كما علّم سليمان بن داود عليه‌السلام ومنطق كلّ دابة في بر وبحر. وعن الصادق عليه‌السلام أن سليمان بن داود قال علّمنا منطق الطير وأوتينا من كلّ شيء وقد والله علّمنا منطق الطير وعلم كلّ شيء ، وعن الباقر سلام الله عليه أنّه وقع عنده زوج ورشان (نوع من الحمام البرّي أكدر اللون فيه بياض فوق ذنبه) وهدلا هديلهما فردّ عليهما كلامهما فمكثا ساعة ثم نهضا فلما طارا عن الحائط هدل الذكر على الأنثى ساعة ثم نهضا. فسئل ما هذا فقال كل شيء خلقه الله من طير أو بهيمة أو شيء فيه روح فهو أسمع لنا وأطوع من ابن آدم. إن هذا الورشان ظنّ بامرأته ، فحلفت له ما فعلت ، فقالت ترضي بمحمد بن عليّ فرضيا بي ، فأخبرته أنّه لها ظالم فصدّقها. وقد تعرّضنا هنا لذكر الروايات بأكثر مما هو مبنانا في هذا الكتاب من الاختصار تيمّنا بها واستعانة بهم عليهم صلوات الله لأن في ذكر رواياتهم إحياء لذكرهم ونحن مأمورون به.

١٧ ـ (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ ...) أي جمع له (فَهُمْ يُوزَعُونَ) يحبسون ويمنعون من التفرّق حين الحركة والسّير لتحفظ عظمتهم وشوكتهم فإنهما في حفظ النظام والترتيب ، وهذا ممّا يتعلّق بتعظيم الملك وحفظ شؤونه وفيه مصالح لا يعلمها إلّا الله وأنبياؤه (ع).

٢٢٥

١٨ ـ (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى ...) القميّ : قعد على كرسّيه وحملته الريح فمرّت به على وادي النمل ، وهو واد ينبت فيه الذهب والفضّة ، وقد وكّل به النمل. وقال الصّادق على آبائه وعليه‌السلام : وقد حماه الله بأضعف خلقه وهو النمل ، لو رامته البخاتي ما قدرت عليه. وادي النمل واد بالشام أو الطّائف كثير النمل ، وهو تعالى أخفاه عن الأنظار لأنه وادي الذهب والفضّة كما أخفى جنّة شدّاد وسدّ الإسكندر المعروف بذي القرنين والجبل الذي هو منام أصحاب الكهف وغيرها من عجائب الدنيا التي اقتضت حكمته الإلهيّة إخفاءها إلى يوم السّاعة .. وحين مرّ موكب سليمان عليه‌السلام على وادي النمل هذا قالت نملة لأخواتها (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) قراكم (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) يدهسكم سليمان وجنوده دون أن يحسّوا بوجودكم. وقد حكى عنهم كعقلاء لأن قولهم قول عقلاء.

١٩ ـ (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً ...) أي تجاوز حدّ التبسّم إلى حدّ الضّحك تعجّبا من حذرها وتحذيرها جنده. وكان للنملة القائلة بالتحذير سلطان عليهم على ما نقل وقد أثبت العلم الحديث أن للنّمل ملكة يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها وعن الرّضا عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه في وجه ضحكه : أن النّملة بعد إحضارها وسؤال سليمان عن وجه التحذير وجواب النملة بما ذكر في الرّواية قالت النملة : هل تدري لم سخّرت لك الريح من جميع الموجودات؟ قال (ع) : ما لي بهذا علم. قالت النملة : يعني عزوجل بذلك أنّه كلما أعطيتك من ملك الدّنيا هو كالرّيح في عدم استقرارها وثباتها تزول وتذهب وتفنى بسرعة فحينئذ تبسم ضاحكا من قولها. والرواية نقلتها بمعناها تقريبا لأني نقلتها من تفسير فارسي (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) أي ألهمني وذكّرني شكر نعمتك لأنه يزيد في النعمة. والتعبير بصيغة الاستقبال للدّوام والثبوت ، وهذه الحيثية داخلة في المسؤول ، أي شكرا دائما (الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) أما النعمة التي أعطاها الله تعالى له فهي نعمة النبوّة والملك وهما من أعظم النعم ولا تجتمعان إلّا في

٢٢٦

الأوحديّ من البشر ولم تجتمعا إلى الآن إلّا في داود وبعض أولاده سلام الله عليهم فينبغي أن يشكرها. وقد كانتا أيضا في ذي القرنين بناء على كونه نبيّا. وأدرج فيه ذكر والديه أمّا الوالد فلأن النعمتين العظيمتين المذكورتين هما تراث والده فهما سببان لشكر الوالد عليهما لا غيره وأمّا الأم فلما لها عليه من فضل الحمل والتربية والتعب. (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) عطف على أن أشكر (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) هذه الجملة يحتمل أن تكون علة لما قبلها من قوله (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً) وقد نقل أنه يوما من الأيّام كان سليمان على بساطه والريح تسيّره كيف يشاء وأين يريد فمرّ على دهقان يزرع ، فوقع نظره على بساط سليمان مع تلك العظمة والخدم والحشم فقال : سبحان الله لقد أوتي آل داود ملكا عظيما. فسمع سليمان مقالته بواسطة الرّيح المأمورة بإيصال كلّ صوت إليه ، فأمر الريح بإنزال البساط فأحضر الدهقان وقال (ع) : قد سمعت مقالتك وجئتك حتى أقول لك : لا تطلب ما لا تكون قادرا عليه. وقال بعد ذلك إنّ ثواب تسبيحة يقولها العبد المؤمن عن خلوص واعتقاد ويقبلها الله تعالى أفضل وأحسن ممّا أعطي آل داود لأنّه باق وملك سليمان فان. فقال الدهقان فرّج الله غمّك كما أذهبت غمّي.

* * *

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١))

٢٠ ـ (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ...) أي طلب الطير الذي لم يكن في مكانه وذلك أن سليمان (ع) كان إذا قعد على عرشه جاءت الطيور فتظلّل الكرسي والبساط بجميع من عليه من الشمس ، فغاب عنه الهدهد يوما فسقط

٢٢٧

شعاع الشمس من موضعه في حجر سليمان أو على رأسه فرفع رأسه (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أي ما بال الهدهد لا أراه. تقول العرب مالي لا أراك يعني مالك أو يقول مالي أراك كئيبا أي ما لك كئيبا ، وهذا من القلب الذي يوضحه المعنى. والعيّاشيّ قال : قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال عليه‌السلام : لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يراه في القارورة أو كما يرى أحدكم الدّهن في القارورة. فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه وضحك. قال أبو عبد الله ما يضحكك؟ قال : ظفرت بك جعلت فداك. قال : وكيف ذلك؟ قال الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخ الذي يصاد به في التراب حتى يؤخذ في عنقه؟ قال (ع) : يا نعمان أما علمت أنه إذا نزل القدر عمي البصر؟ فبهت أبو حنيفة الذي أراد إفحام أعلم البشر في عصره. ولا يخفى أنّه ربّما يختلج في بعض الأذهان أن في هذه القصّة أمورا ، منها أن سليمان كان نبيّا والأنبياء معصومون من الظّلم ويمشون على جادة العدل وطريق الاستقامة ، ومن ناحية أخرى أن الطيور غير مكلّفين حتى يثبت عليهم التقصير فيستحقّون عذابا وعقابا ، فما معنى قول سليمان (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) أمّا الجواب عن الناحية الأخيرة لأنّا قبلنا منكم الأولى أن الطيور غير مكلفين ، فنعم. ولكن من ناحية التكاليف الشرعية والأحكام التي نحن البشر مكلّفون بها. وأمّا بالنسبة إلى بعض الأمور الأخر فلا نسلّم عدم تكليفها به ، فإنها مأمورة ببعض الأذكار ، وبأن لا يظلم بعضها بعضا. والحاصل أن الطيور في عصر سليمان كانت موظّفة ببعض الوظائف ومكلفة بتكاليف ، فإنه في أوقات سيره كان يحضرها للاستظلال بها ، فكانت الطيور تحضر لذلك بما فيها الهدهد يحضره للاستظلال به وللدّلالة على الماء ، فاذا عصى واحد منها أمر نبيّ الله فيعدّ عاصيا ومستحقّا للعذاب والعقاب بلا شبهة ولا ارتياب بما يراه ويشاء. فالهدهد بغيبته بلا استيذان ولا إجازة نبيّ الله يعدّ في زمرة العاصين. فهذا التشديد المؤكد بالحلف يمكن أن يكون من جهة العصيان أو من ناحية

٢٢٨

أخرى من تهديد الحاضرين من ذوي العقول وغيرهم ليعتبروا بقضية الهدهد فلا يقصّرون في مقام أداء الوظيفة. وأما الجواب عن الأسئلة الأخر ، فأولا : هذه الأمور المذكورة ليست بأمور كان صدورها محالا عقلا حتى يكذب ولا يصدّق فيمكن صدق هذه القضايا ووقوعها بمكان من الإمكان. وثانيا هذه الإشكالات من الأوهام القائمة على مباني الملاحدة ، وأما من كان يؤمن بالله ويصدّق بأنه القادر المطلق يفعل ما يشاء ويختار ما يريد وكل أفعاله تصدر عن مصالح يعلمها ولا نعلمها ، فحينئذ يمكن أن يصدر من الهدهد بإعطائه القدرة على ما لا يصدر من الطيّارات السريعة والأقمار السيّارة الجويّة الصناعيّة من السّرعة الشديدة كسرعة النّور وأن يشعر بأمور عقلائيّة لا يتفكّرها ولا يعرفها أمثال فيثاغورث وأفلاطون. ويمكن أن يخفى على سليمان أمور ظاهرة في نفس مملكته فكيف بممالك غيره؟ فتلك الإشكالات عند المعتقدين بإله العالمين القادر الكامل في قدرته موهومات سوفسطائية لا يعتنى بها.

٢١ ـ (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً ...) أي بنتف ريشه وتشميسه أو حبسه مع ضدّه في قفص واحد (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) ليعتبر به أبناء جنسه (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجة تبيّن عذره أو يبين عذره بها. واللام في الموارد الثلاثة لام القسم ، لكنّه في الأخير إما لصيانة السياق أو بتقدير فعل العفو. وفي الكافي عن الكاظم عليه‌السلام : وإنما غضب عليه لأنه كان يدله على الماء. قال فهذا الطائر قد أعطي ما لم يعط سليمان. وقد كانت الريح والنّمل والجن والإنس والشياطين المردة له طائعين ، ولم يكن أحد يعرف الماء تحت الهواء وكان هذا الطائر يعرفه ، وإن الله يقول في كتابه : ولو أن قرآنا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى. وقد ورثنا نحن هذا القرآن الّذي فيه ما تسير به الجبال ويقطع به البلدان ويحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء (الحديث).

* * *

٢٢٩

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦))

٢٢ ـ (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ...) هذه العبارة أدلّ على السّرعة وآكد عليها من التعبير بعبارات أخر تدلّ عليها كما لا يخفى على من هو أدرى بفصاحة القرآن (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) وتلك المخاطبة لنبيّ أو وليّ من أولياء الله وأنبيائه عن كلّ شخص صدرت ، خلاف الأدب. فكيف من أداني الحيوانات. لكنها من إلهام ربّه تعالى تنبيها لنبيّه على أن تلك العتابات والخطابات إنما صدورها من نبيّ مثل سليمان لمخلوق من مخلوقات الله ، ولا سيما أعجزهم ، غير مرضيّ عنده تعالى ، وعلى أنّ في أدنى وأعجز خلقه من أحاط علما بما لم يحط به هو عليه‌السلام ، مع سعة إحاطته وكمال علمه ، فليتحاقر إليه وليتصاغر لديه علمه (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) سبأ اسم للحيّ أو هو أبوهم : سبأ بن يشحب بن يعرب ، أي بخبر متيقّن لا ريب فيه.

٢٣ ـ (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ...) يعنى بلقيس بنت شراحيل بن

٢٣٠

مالك بن ريّان كان ملكا في اليمن وتمام نواحيها (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) سرير أعظم من سريرك. ولعل المراد بعظمته دقة صنعه وكيفيّة ترصيعه بالجواهر ، ويمكن أن تكون عظمته من هذه الجهات ومن ناحية طوله وعرضه وحجمه على ما عن ابن عباس من أنه قال : كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا ، وطوله في الهواء ثلاثون ذراعا. وكان مقدّمه من ذهب مرصّع بالياقوت الأحمر والزّمرّد الأخضر ومؤخره من فضّة مكلل بالجواهر.

٢٤ إلى ٢٦ ـ (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ ...) أي رأيتهم يعبدون الشمس (مِنْ دُونِ اللهِ) ولا يعبدون الله عزوجل (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) خلّى سبحانه بين الشيطان وبينهم لأنهم نسوا ذكر الله فنسيهم : أي تخلّى عنهم فصاروا كأنهم منسيّين وأصبحوا يرون الفعل الذي يوسوس به الشيطان لهم جميلا بنظرهم وحسنا (فَصَدَّهُمْ) منعهم الشيطان (عَنِ السَّبِيلِ) عن طريق الحق والصواب (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) إلى العبادة الحقيقية وإطاعة الله تبارك وتعالى لأن الشيطان أشرب في قلوبهم تقديس الشمس وحبّها وزيّن لهم عبادتها. ويحتمل أن تكون هذه الجملة من كلام الهدهد بإلهام من الله تعالى كما ألهم الطيور والحيوانات بعض الأذكار والتسبيحات ، وكما ألهمها بعض الصنائع التي تحيّر العقول وتفتن الألباب كخلايا النحل وكالأعشاش المختلفة وكخيوط العنكبوت المهندسة النسج وغيرها. فأهل سبأ لا يهتدون (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) ألّا : تحضيضية إذا دخلت على المضارع كانت للحث على الفعل ، نحو : ألّا تؤمن؟ ألّا ترجع عن ضلالتك؟ أي لا بدّ وأن تؤمن وترجع عن الضلال. وهنا فيما نحن فيه : ألّا يسجدوا : أي لا بدّ وأن يسجدوا لله سبحانه ، وهي بمعنى (هلّا) التحضيضية. ويؤيّد ما ذكرناه ما عن ابن مسعود من تبديل الألف بالهاء وقرأ : هلا يسجدوا لله ، فنحن نظنّ قويّا أن الجملة وما بعدها من كلام سليمان عليه‌السلام وحينئذ لا

٢٣١

تحتاج إلى التأويلات حيث إنه بعد العلم بوجود قرية بقربه يعبد أهلها غير الله مع سعة سلطانه وانتشار دعوته وكمال قدرته وإحاطته بملكه ، فتعجّب ولفظ هذه الجملة وافتتحها ب (أَلَّا) التي تفيد التحضيض وطلب الشيء بعنف. ويحتمل أن تكون من كلام الله عزوجل مع سليمان في مقام الذّم على تركهم السجود له تعالى.

والحاصل أن الجملة في محلّ نصب ، والتقدير : وزيّن لهم الشيطان أن لا يسجدوا لله. ويمكن أن تكون عطف بيان أو بدلا من قوله : يسجدون للشمس. و (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي يظهر ما استتر وخفي سماويّا كان أو أرضيّا لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ) تسترون (وَما تُعْلِنُونَ) تشهرونه وتبدونه ، فهو (اللهُ) الخالق الرازق القادر (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا معبود سواه (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ربّ كرسيه التي وسعت كل شيء.

* * *

(قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١))

٢٧ ـ (قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ ...) قال سليمان (ع) للهدهد : سنتأمل لنعرف إذا كنت صادقا في قولك أم كاذبا. وهذه الآية الشريفة من ألطف وألين الخطاب ، لأن في قول الهدهد ما يحتمل وجوها من احتمالات الصدق والكذب والمبالغة في القول.

٢٣٢

٢٨ ـ (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ...) أي احمل رسالتي هذه وألقها إلى الجماعة الذين دينهم كما ذكرت. وقد أهتمّ سلام الله عليه بأمر الدّين وذكر القوم جميعا ولم يهتمّ بأمر الملكة فقط ولا قال : فألقه إليها (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) أي تنحّ عنهم متواريا عن أنظارهم بحيث ترى وتسمع (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) فاستمع مناقشتهم ورأيهم وما يقول بعضهم لبعض. فذهب الهدهد بالكتاب ورماه في حجر الملكة ، فلما قرأته :

٢٩ ـ (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ...) أي قالت لأشراف قومها الذين يمثّلون الرأي في مملكتها جاءني كتاب كريم جدير بالاحترام والعناية. وكان سليمان (ع) قد ختم الكتاب بخاتمه الشريف فلمّا فضّته أمام سراة قومها وشرفائهم عبّر عنهم سبحانه بالملإ. وفي القمي (الكتاب الكريم) أي المختوم ، وفي الجوامع عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كرم الكتاب ختمه. وفي الكلام حذف وتقديره : قيل لها ممّن هو وما هو؟ فقالت إنه إلخ ...

٣٠ ـ (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ ...) أي الكتاب من سليمان (وَإِنَّهُ) أي المكتوب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) لكنّهم كانوا متحيّرين أنّ الآتي والجائي بالكتاب من هو؟ ولذا جازوا عن السؤال عن عنوان الجائي به. وعن ابن عباس كلام في تفسير (الكتاب الكريم) يستفاد أنّهم علموا به ، وقال : إنّهم لشرافة صاحب المكتوب من حيث إن رسوله الهدهد وصفوا الكتاب بأنه كريم. والحاصل نحن والآيات المباركات في هذا المقام لا نستفيد منها شيئا وأهل البيت أدرى بما في البيت على فرض صحة الرواية.

٣١ ـ (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ...) قوله ألّا تعلوا في موضع رفع إما على البدليّة من الكتابة وإما على الخبريّة ، أي : هو أن لا تعلوا ، والضمير راجع إلى الكتاب. ولعلّ الأوجه أنّ كلمة « أن » تفسيريّة كما في الكريمة الأخرى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) والحاصل أن المكتوب كلام في غاية الوجازة مع كمال الدّلالة على المقصود لاشتماله على البسملة

٢٣٣

الدّالة على صفات الصّانع بعد الدلالة على ذاته ، والنهي عن العلوّ والترفّع الذي هو أمّ الرذائل ، والأمر بالإسلام الجامع لأمّهات الفضائل. وليس الأمر فيه بالانقياد له وإطاعته كما هو شأن الملوك وزعماء السياسة وأمرائهم. وأما قوله (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) فهذا لأنهم كانوا كفرة ، وهو عليه‌السلام كان نبيّا ورئيس المؤمنين والمسلمين والإسلام يعلو ولا يعلى عليه. فبهذا الاعتبار نهاهم عن الترفع عليه والاستكبار ، لا بما أنه ملك ذو قوة وحشم وخدم. فإن إلقاء الكتاب إليها وهي على تلك الحالة أي في قصرها على سرير الملك والعزّ بحيث لا يرقى إليها الطير بوسيلة ، وأمر سليمان هذا أقوى حجة وأعظم برهان على كونه نبيّا ورسولا ، فقوله عليه‌السلام ولا تعلو عليّ بعد إقامة الحجة على رسالته (ع) ونبوّته وولايته عليهم كاشف عمّا ذكرنا ومن أقوى الشواهد على ما قلناه (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) فما قال : وأتوني مطيعين لي أو نحو ذلك ولو كان لهذا اللفظ أيضا بناء على إثبات نبوّته تأويل لا ينافي ما قلناه.

* * *

(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥))

٣٢ ـ (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي ...) أي استشارت مشاوريها وطلبت منهم الفتيا في أمر إسلامهم وتسليمهم لسليمان وعدمه (ما كُنْتُ

٢٣٤

قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) لا أمضي أمرا إلّا بحضوركم ومشاورتكم واسترضاء خاطركم ، فما تقولون في هذا الأمر؟

٣٣ ـ (قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ ...) أي ذوو عدد وأهل شجاعة وأدوات حربيّة (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) اي قوّة في الحرب والجرأة على الأعداء والإقدام في الشدائد (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) من الحرب أو الصّلح. فلما فكّرت رأت أن أحسن الطرق وأولاها هو الصّلح والمسالمة لأن في الحرب مفاسد شديدة كما ذكرت.

٣٤ ـ (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ ...) الظاهر من الكلام أنّها أحسّت بأنّهم يميلون إلى القتال فقالت إن في دخول الملوك البلد مفاسد كثيرة منها إفساد نفس البلدة بنهب الأموال وتخريب الديار ، ومنها إذلال الأعزة والأشراف بالإهانة والأسر والقتل ، ومنها هتك الأعراض والنواميس فقدّمت مقدمة للصلح وتمهيدا لدفع الشر بأنّا نرسل إليهم هدية حتى نعرف تكليفنا.

٣٥ ـ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ...) ففي المرحلة الأولى ، نحن في مقام الصلح ، ولسنا من أهل الحراب فأنا باعثة إليهم بهديّة أولا (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) أي منتظرة حتى يجيئنا الخبر عن حاله وكيفيّة عمله وقوله مع المبعوثين فنعمل على حسب تكليفنا بعد ذلك. وفي القمّي قالت : إن كان هذا نبيّا من عند الله كما يدّعي فلا طاقة لنا به فإن الله عزوجل لا يغلب ، ولكن سأبعث إليهم بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدّنيا يقبلها ، وعلمت أنه لا يقدر علينا. فبعثت حقّة فيها جوهرة عظيمة ، وقالت للرسول : قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار. فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان بعض جنوده من الديدان فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها وأخذ الخيط من الجانب الآخر. وهذه لا تنافيها الروايات الأخرى الدالة على أنها أرسلت مع المبعوثين بهدايا كثيرة ثمينة كما لا يخفى على من راجعها.

* * *

٢٣٥

(فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧))

٣٦ ـ (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ ...) أي أتساعدونني وتزوّدونني بمال وهذا استفهام إنكار (فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) ما أعطاني ربّي من النبوّة والملك والحكمة خير مما أعطاكم من الدّنيا وأموالها (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) فلا حاجة لي بهديّتكم ولا وقع لها عندي ، نعم أنتم تفرحون بهدايا بعضكم لبعض حبّا لزيادة المال ، لقصر همّكم عليه ، لكن نحن معاشر الأنبياء لا نفرح بذلك ، إشارة إلى عدم اعتباره واعتنائه بأموال الدّنيا. ثم قال للرسول :

٣٧ ـ (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ ...) أيّها الرسول ارجع إلى بلقيس وملئها بما جئت من الهديّة (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) أي لا طاقة ولا قدرة لهم على دفعها (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) نخرجهم من سبأ والملك فيها (أَذِلَّةً) بذهاب عزّهم (وَهُمْ صاغِرُونَ) ذليلون بأسر وإهانة. وفي القميّ : فرجع إليها الرسول فأخبرها بجميع ما اطّلع عليه ، وبالأخص بقوة سليمان وكثرة جنوده من الجن والإنس ، فعلمت أنّه لا محيص لها إلّا التّسليم ، فخرجت وارتحلت نحو سليمان.

* * *

(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ

٢٣٦

أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١))

٣٨ ـ (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا ...) أخبر جبرائيل سليمان أنّها أخرجت من اليمن مقبلة إليك فقال سليمان لأماثل جنده وأشراف عسكره (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) وتقييد إتيان العرش بقبل إسلامهم لأن بعده لا يجوز التصرف فيه إلّا بإذنها.

٣٩ ـ (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ ...) أي مارد قويّ (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أي من مجلس حكومتك. وقيل كان من عادته (ع) أن يجلس إلى نصف النهار يحكم بين الناس في الدعاوي والخصومات ويصلح أمورهم (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) أي على حمله لقادر وعلى الجواهر المركوزة فيه وعلى ذهبه وفضته أمين لست بخائن.

٤٠ ـ (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ...) أي الكتاب السّماوي الذي فيه الاسم الأعظم (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) الطّرف تحريك الأجفان للنظر ، والمعروف أن القائل هو آصف بن برخيا وكان عنده اسم الله الأعظم ، وذلك غاية الإسراع ، وفي العياشي عن الهادي عليه‌السلام قال : الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف به آصف ، لكنّه عليه‌السلام أحبّ أن يعرف الجنّ والإنس أنّه الحجة من بعده ، وذلك من علم سليمان الذي أودعه آصف بأمر الله ففهّمه الله ذلك لئلّا يختلف في إمامته ودلالته ، كما فهّم

٢٣٧

سليمان في حياة داود لتعرف إمامته ونبوّته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) أي حاصلا حاضرا بين يديه (قالَ) شكرا (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) أي تمكّني واقتداري على عرش بلقيس في هذا الزمان اليسير من مسيرة شهرين من إحسان ربّي عليّ بلا استحقاق لي (لِيَبْلُوَنِي) ليختبرني (أَأَشْكُرُ) نعمته (أَمْ أَكْفُرُ) أقصّر في أداء واجباته وفي شكر نعمه (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأنه به يستجلب دوام النعمة ومزيدها (رَبِّي غَنِيٌ) عن شكر الشاكرين (كَرِيمٌ) بالانعام عليهم أي على الكفرة فإن عادته الإحسان إلى المسيئين وسبيله الإبقاء على المعتدين.

٤١ ـ (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها ...) أي غيّروا هيئته اختبارا لعقلها لنرى فيما إذا كانت تعرفه ، فنعرف عقلها وفطنتها وأنها تعرفه بعد التغيير أم لا.

* * *

(فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤))

٤٢ ـ (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ؟ ...) أي عرشك مثل هذا العرش. فلما دقّقت النظر إليه (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) أي لم تقل هو هو لاحتمال أن يكون مثله حيث إنه كان في نظرها بعيدا عادة لبعد الطريق ولأنّها أقامت عليه حرّاسا وحفظة كثيرين بحيث لا يقدر لأحد عادة السّلطة

٢٣٨

عليه وأخذه فضلا عن الإتيان به في هذا اليسر من الزّمان. فقولها (كَأَنَّهُ هُوَ) كاشف عن كمال عقلها حيث إنها ما اختارت النفي أو الإثبات في بداية النظر ، بل ألقت كلاما يحتمل الأمرين حتى ينكشف لها واقع الأمر (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) يمكن أن يكون هذا الكلام من تتمة كلامها فإنها أحسّت أنّ السؤال لاختبار عقلها وإظهار معجزة لها فقالت (وَأُوتِينَا) إلخ أي العلم بقدرة الله وكمالها وصحّة نبوّتك قبل إظهار تلك المعجزة والإتيان بعرشنا وإحضاره عندك فالضمير في (قَبْلِها) راجع إلى المعجزة (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) قبل مجيئنا إليك حين ما رجع إلينا رسلنا من لدنك حيث أظهرت لهم علائم النبوّة بما اختبروك من قبلنا. ويحتمل أن يكون من كلام سليمان ، يعني : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) بإسلامها ومجيئها طائعة قبل مجيئها من باب حذف المضاف لقرينة المقام.

٤٣ ـ (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ ...) أي منعها الذي تعبده غير الله عن عبادة الله تعالى (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) هذه الجملة في مورد التعليل ، أي نشوئها بين أظهر الكفار وفي بلادهم صار موجبا وسببا لأن تعبد الشمس والانصراف عن عبادة الله تعالى.

٤٤ ـ (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ...) أي القصر ، أو كل بناء عال (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) ماء عظيما. وذلك أنّ سليمان لمّا أقبلت صاحبة سبأ كان قد سبق قدومها أن بنى الناس والشياطين قصره العظيم وكانت أرضه من زجاج ابيض يجري الماء من تحته مع حيوانات مائيّة كالضّفادع والحيتان بحيث يرى كلّ من دخل القصر صحنه ماء متراكبا في جريانه ، ثم أمر أن يوضع عرشه في صدر الدار كأنه على رأس الماء ، وأمر بدخول بلقيس في ذلك القصر ، لأنّه أراد ان يختبر عقلها ويرى تصرّفاتها وقدميها فإن الجن ، على ما قيل ، قالوا إن في عقلها خفة ، وأن قدميها كحافر الحمار أو البعير. فلمّا أدخلت القصر ظنّت أن صحن الدار لجّة (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) لتخوضه فوجدها أحسن الناس ساقا وقدما إلا أنها شعراء ، فأمر

٢٣٩

الجن بعلاج الشّعر فعملوا لها النّورة والحمّام (قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) أي قال سليمان إن ما تظنّيه ماء بناء مملّس من الزجاج. فلما رأت سليمان وكان مهيبا ذا جلالة (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بعبادتي في تلك المدة المديدة لغيرك عن جهل وضلالة (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) كلمة (مع) اسم يستعمل مضافا وله حينئذ ثلاثة معان : الاجتماع كقوله : (الله معكم أينما كنتم) ، والمصاحبة كقوله : افعل هذا مع هذا ، وزمان الاجتماع كقوله : جئتك مع العصر. وقيل بمعنى (عند) تقول جئت مع القوم أي عند مجيئهم. وفي الشّريفة للمصاحبة أي أسلمت بمصاحبة سليمان ومرافقته وإمداده وتسبيبه لتشرّفي بالإسلام ، ولولاه لما وفّقت بهذا التوفيق. واختلف في أمرها بعد ذلك فقيل إنه عليه‌السلام تزوّجها وأقرّها على ملكها ، وقيل إنّه وكل أمرها إليها في التزويج فاختارت ملكا يقال له تبّع بعد أن يئست من تزويجه عليه‌السلام إياها ، وعلى الأوّل كان عليه‌السلام يزورها في كل شهر مرّة ويبقى عندها ثلاثة أيّام أداء لحقها. ثم عطف سبحانه على قصة سليمان قصة صالح عليه‌السلام ، فقال :

* * *

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧))

٤٥ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ ...) أي إلى قبيلة ثمود (أَخاهُمْ صالِحاً) أخاهم في النّسب لأنه عليه‌السلام مع القبيلة كانوا أبناء أب واحد (أَنِ

٢٤٠