الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الخرور بالإلقاء ليشاكل ما قبله من الالقاآت المذكورة. وأمّا وجه إيمانهم فلعلمهم بأن مثله لا يتأتّى بالسّحر لأن السحر ليس إلا إخراج الباطل في صورة الحق ، أو الخدع والتخيلات والحيل التي يفعلها الإنسان مستعينا في تحصيله بالتقرب من الشيطان ، ولا يستقل به الإنسان خلافا لما يفعله المؤمن حين يستعين في تحصيله بالرحمان فإن له واقعية وحقيقة و (التميز بيد أهله).

٤٧ و ٤٨ ـ (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ...) إمّا بدل اشتمال من (فَأُلْقِيَ) أو حال من السحرة. ومعناه إظهار إيمانهم بالله عزوجل. وكذلك قوله تعالى : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) فإنه منهم إمّا على سبيل الإبدال أو عطف بيان توضيحا ودفعا للتوهم وإشعارا بأن الموجب للإيمان هو ما جرى على يدي موسى وهارون لا غيره.

* * *

(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١))

٤٩ ـ (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ...) أي بلا إذن مني وإجازة لكم (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) أي أنه رئيسكم الّذي تعلّمتم منه السحر وهو علّمكم بعض أقسامه دون بعض ولذا غلبكم ، أو أنكم تواطأتم عليه. فأراد بقوله هذا التلبيس على قومه بكون ما جاء به موسى معجزة كي لا يعتقدوا أنهم آمنوا على بصيرة وظهور حق (فَلَسَوْفَ

١٨١

تَعْلَمُونَ) وبال أمركم بايمانكم فخوّفهم بهذا القول ثم أوضحه بقوله : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) الآية والمراد بالخلاف : أقطّع من كلّ شقّ طرفا ، أي اليد اليمنى والرجل اليسرى ، أو بالعكس (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) أعلّقكم على الأخشاب بعد قتلكم.

٥٠ ـ (قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ ...) أي لا يضرّنا ذلك فافعل بنا ما شئت فإنه ألم ساعة ثم إلى النعيم الدّائم الذي ليس له زوال ولا فناء ، فعذابك لنا ليس ضررا علينا بل هو موجب لمنفعة أبدية وسرور وبهجة سرمديّة (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) راجعون إلى ثوابه بعد الموت ، وهذا تعليل لنفي الضير.

٥١ ـ (إِنَّا نَطْمَعُ ... أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ...) أي لأن كنّا أوّل المؤمنين وهو تعليل ثان لنفي الضير أو لما قبله أما كونهم أوّل المؤمنين فيحتمل أن يكون المراد ، في زمانهم أو من قوم فرعون ورعاياه. ثم إن فرعون أمر بقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى وبالصّلب فتأثر موسى كثيرا بحيث بكى عليهم ولكنّ الله تعالى أراه منازل قربهم ودرجاتهم في الجنة تسلية له عليه‌السلام فمكث موسى بعد هذا مدة بينهم ، وكان يدعوهم إلى ربّه فلم ينفعهم ، بل زاد عنادهم وجحودهم حتى قرب زمان إهلاكهم ، فصدر أمر الله إليه بالخروج من مصر مع من آمن به.

* * *

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨)

١٨٢

كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩))

٥٢ ـ (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى ...) فبعد سنين أقامها بينهم يدعوهم بالآيات إلى الحق فلم يجيبوه أوحى الله تعالى إليه (أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) هذه الجملة بيان لما أوحي أي قلنا لموسى بطريق الوحي والإلهام : اخرج من مصر أنت ومن آمن بك ليلا (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي أن فرعون وجنوده يتّبعونكم ويتعقبونكم ، لكن لا يصلون إليكم.

٥٣ ـ (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ...) أي بعث الجنود والخدم ليحشروا إليه الناس ويجمعوا الجيش ليقبضوا على موسى وقومه. ولما حضروا عنده قال للقوم :

٥٤ ـ (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ...) قليلون : جمع قليل. والشرذمة هي الطائفة القليلة وذكر (قَلِيلُونَ) للتأكيد. استقلّهم بالنسبة إلى جيشه إذ كان ألف ملك مع كل ملك ألف ، وكان قوم موسى عليه‌السلام ستمائة وسبعين ألفا ، وعن الباقر عليه‌السلام أنه كان يقول : عصبة قليلة ، وفسّر الشرذمة بالعصبة القليلة.

٥٥ ـ (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ ...) أي لفاعلون ما يغيظنا إمّا بالمعاجز والآيات التي يعجز فرعون عن الإتيان بمثلها ، أو بما يقال من أن بني إسرائيل استعاروا من قوم فرعون الحليّ والألبسة الفاخرة بعنوان أنّ لهم عيدا فلما نزل الأمر بالإسراء ساروا من دون أن يردّوا عليهم ما استعاروا منهم.

٥٦ ـ (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ ...) أي شاكون في السّلاح ومعدّون للقتال ، أو معنى حاذرون من الحذر أي الخوف أو استعمال الحزم في الأمور والتيقظ. ثم أخبر تعالى عن كيفيّة إهلاكهم بقوله :

٥٧ و ٥٨ ـ (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ...) أي جعلنا فيهم داعية

١٨٣

الخروج حتى خرجوا من بساتين مملوءة من الأشجار ذات الثمار (وَعُيُونٍ) جارية فيها (وَكُنُوزٍ) أموال من ذهب وفضّة (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) أي منازل حسنة ومجالس بهيّة.

٥٩ ـ (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ ...) أي مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه أو أمرهم كما وصفناه (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) ذلك أنّ الله ردّ بني إسرائيل إلى مصر بعد ما أغرق فرعون وقومه ، وأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والمساكن والعقار والدّيار.

* * *

(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨))

٦٠ ـ (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ...) يعني قوم فرعون أدركوا موسى وأصحابه حين أشرقت الشمس وظهر وعلا ضوؤها ، وذلك أنّهم لحقوا بهم سائرين نحو المشرق.

٦١ ـ (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ ...) أي تقابلا بحيث كلّ فريق يرى الآخر ، قال قوم موسى (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) أي لحق بنا قوم فرعون وكادوا يدركوننا ويصلون إلينا. أي سيدركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا بهم.

١٨٤

٦٢ ـ (قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ...) أي قال موسى ثقة بنصر الله : (كَلَّا) هذه ردع ، أي لن يدركونا ولا يكون ما تظنّون ، فإن الله وعدكم الخلاص والنجاة منهم (إِنَّ مَعِي رَبِّي) بنصره وبالحفظ من فرعون وقومه (سَيَهْدِينِ) إلى سبيل النجاة كما وعدني ، ولا خلف لوعد ربّي ، ولا يخفى على ذي البصائر وأهل التحقيق أن موسى قدّم كلمة (مَعِي) في كلامه في المقام وسيّد الرّسل نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أخّرها وقال : إنّ الله معنا. والوجه فيه أنّ الكليم نظر من خلال نفسه الى ربه ، وهذا مقام المريد في كتاب العرفان ونظر العارف وأمّا نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر من خلال الحق الى نفسه وهذا مقام المراد ومرتبته بالنسبة إلى المريد وهو أعلى وأنبل. ولعلّ الوجه أنّ هذه المرتبة هي عبارة عن قوس النزول بعد ما فرغ عن الصعود وأخذ الفيض من المبدأ الأعلى بخلاف المقام الأول منه.

٦٣ ـ (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ ...) أي ب (أَنِ اضْرِبْ) أو (أي اضرب) وهي بيان لما أوحي ، و (الْبَحْرَ) نهر النيل الذي هو بين أيلة ومصر (فَانْفَلَقَ) أي ضربه فانشق فبرز إثنا عشر مسلكا (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) أي كل قطعة فرقت عن أخرى كالجبل الشامخ الراسي ، فسلك كل سبط مسلكا.

٦٤ و ٦٥ و ٦٦ ـ (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ ...) أي قرّبنا هناك ، في المكان الذي انشقّ من البحر (الْآخَرِينَ) هم فرعون وقومه وجنوده حتّى سلكوا جميعا مسلك بني إسرائيل وقيل أزلفنا : جمعناهم حوالي ذلك الموضع المشقوق. ثم إنّ فرعون لما وصل إلى ساحل البحر ونظر إلى انشقاق البحر إلى اثني عشر مسلكا بهذه الكيفية التي تحيّر العقول البشرية بهت الذي كفر : ولما أراد أن يدخل البحر قال له هامان وزيره مسارّة أنت تدري أن هذا من معاجز موسى وبدعائه ، فالحذر من أن تدخله فتهلك نفسك وجنودك ولكنه لما أراد أن ينصرف جاءه جبرائيل وقد ركب على برذونة من براذين الجنّة وجاز قدام فرس فرعون ، فلما استشمّ رائحة البرذونة وقد دخل

١٨٥

جبرائيل البحر ، فلم يتمالك فرعون من إمساك عنان الفرس وقد ذهب عنان الاختيار من يده فأدخله الفرس البحر فاتّبعه جنوده. فلما خرج موسى ومن معه من البحر ودخله فرعون وجميع جنوده غشيهم البحر فأغرقوا جميعا. وهذا معنى قوله عزّ من قائل : (وَأَنْجَيْنا مُوسى) ـ إلى قوله ـ (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ).

٦٧ و ٦٨ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ...) أي أيّة آية للاعتبار لكن أسفا وألف أسف لعدم المعتبر (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) هذا معنى علة عدم أيّية الآية لهم لأنهم غير مؤمنين على الأكثر. والآية آية لأهل الإيمان فإنّهم هم المتنبهون والمعتبرون بالآية والمعجزة. ولكن ما تنبّه لها أكثر بني إسرائيل إذ بعد ما نجوا سألوا بقرة يعبدونها لأنهم رأوا بعد خروجهم من البحر جماعة على ساحله كانوا يعبدون البقر ؛ هذا أولا ، وثانيا اتخذوا العجل ، وثالثا قالوا لن نؤمن حتى نرى الله جهرة ، فاعترفوا وأقرّوا بعدم إيمانهم بتلك الآية العظيمة من إغراق فرعون وقومه بتلك الكيفية المحيّرة لذوي الألباب. وفي الخبر عن القمي : فلما دخل فرعون وقومه كلهم البحر ، ودخل آخر رجل من أصحابه وخرج أصحاب موسى ، أمر الله عزوجل الرّياح فضربت البحر بعضه ببعض فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال ، فقال فرعون عند ذلك آمنت أنه لا إله إلّا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ، فأخذ جبرائيل كفا من حمأة فدسّها في فيه ثم قال : الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين؟ أي هو المنتقم من أعدائه والرّحيم بأوليائه. وهذه الكريمة تسلية لنبيّه صلواته عليه وآله ، أي يا محمد إن قومك وإن لم يؤمنوا بك مع ذلك التعب الشديد ، فليس هذا بأمر بديع وأول قارورة كسرت في الإسلام ، لأن قوم موسى مع تلك الآيات الباهرات لم يؤمنوا به ، وكذلك غيره من الرّسل. فلا تتأثّر كثير تأثر (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ) إلخ ... في الكافي عن الصّادق عليه‌السلام قال : إن قوما ممن آمن بموسى قالوا : لو أتينا عسكر فرعون وكنا فيه ونلنا من دنياه ، فإذا كان الذي نرجوه من ظهور موسى صرنا إليه. ففعلوا ، فلما توجّه موسى ومن معه هاربين من فرعون ركبوا دوابّهم

١٨٦

وأسرعوا في السير ليلحقوا بموسى وعسكره فيكونوا معهم ، فبعث الله ملكا فضرب وجوه دوابّهم فردّهم إلى عسكر فرعون فكانوا في من غرق مع فرعون.

* * *

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤))

٦٩ و ٧٠ ـ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ ...) أي اقرأ يا محمد على مشركي العرب خبر إبراهيم ، فإنّه أبو الأنبياء وبه افتخار العرب ، وفيه تسلية لك وعظة لقومك : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) أي لعمّه آزر ، وإطلاق الأب عليه بلحاظ التربية والإشفاق والمراد بالقوم هم أهل بابل : (ما تَعْبُدُونَ) من دون الله. والاستفهام على وجه الإنكار عليهم ، أي أن ما تعبدونه لا يستحق العبادة.

٧١ ـ (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً ...) هذا هو الجواب وكان كافيا. فإطالة الجواب لبيان ابتهاجهم وإظهار ما في نفوسهم من الافتخار بعبادتها (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) أي ثابتين على الصّلاة لها. وعن ابن عبّاس أن العاكفين بمعنى المصلّين ، أو معناه فنظل : فندوم ملازمين للأصنام. وعلى أيّ من المعنيين سألهم ثانيا :

٧٢ و ٧٣ ـ (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ...) أي هل يستجيبون لدعائكم إذا دعوتموهم أو يضرّون إن تركتم عبادتهم؟ وفي هذا بيان أن الدّين إنما يثبت

١٨٧

بالحجّة والبرهان ولو لا ذلك لم يحاجّهم إبراهيم هذا الحجاج.

٧٤ ـ (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا ...) أعرضوا عن جواب سؤاله وتمسكوا بالتقليد حيث إنهم ما كان عندهم جواب عن سؤاله عليه‌السلام بل لا جواب عليه لأحد ولا حجة ولا برهان لدينهم أبدا.

* * *

(قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩))

(وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢))

من ٧٥ إلى ٧٩ ـ (قالَ ... فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ...) أي ما تعبدون أنتم وآباؤكم خصم لي. وإنّما وصفها بالعداوة والخصومة التي لا تكون إلّا من العقلاء وذوي الأفهام (وعلى زعمهم سواء كانت شفعاءهم أو شركاء لله أو كانوا آلهة كما تزعم طائفة منهم) فعلى جميع المذاهب فإن عبدة الأصنام يعاملون معها معاملة ذوي الأفهام والعقول ولذا فإن الأنبياء يحاجّونهم عليها ويفحمونهم ، ومن تلك الجهة رأينا إبراهيم عليه‌السلام يقول : (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) وقال (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) وبهذا المضمون احتجّ سائر الأنبياء على عبدة الأصنام في كلّ عصر ، فقال إبراهيم : فإنهم ، فجمع جمع العقلاء بهذا الاعتبار ، أي بناء على زعمهم وعقائدهم الفاسدة الصادرة عن غير شعور ولا رويّة وبالجملة فلا نحتاج إلى بعض التأويلات التي هي خلاف ظاهر الشريفة. ويحتمل إرجاع الضمير إلى الآباء ، ووجه

١٨٨

عداوتهم له عليه‌السلام أنهم صاروا سببا لإضلال أبنائهم الذين كانوا معاصرين له عليه‌السلام وكانوا عدوّا له ، (فلما كان منشأ عبادة الأبناء للأصنام هو الآباء كما استدلوا به فهم صاروا منشأ للعداوة الناشئة عن العبادة الباطلة. وعلى التقديرين قوله عليه‌السلام (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) استثناء منقطع على احتمال الأول الذي هو الأظهر في النظر ومتصّل على الثاني ، ولعل الوجه في هذا التعبير من دون عكسه بأن يقول : فإنّي عدوّ لهم لأنّه أنفع في النصح وأدعى للقبول. ثم أنّه عليه‌السلام أخذ في بيان أوصاف ربّه إتماما للحجّة على خصمائه حيث إن تلك الأوصاف لا توجد إلّا فيه تعالى فمنها (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) إلى المنافع الدنيوية والأخروية. وهاهنا نكتة وهو أنّ قوله (الَّذِي خَلَقَنِي) ذكره بلفظ الماضي و (يَهْدِينِ) بلفظ المستقبل ، والسبب في ذلك أن خلق الذات لا يتجدّد في الدنيا فحينما توجد تبقى إلى الأجل المعلوم ، وأما هدايتها فهي تتكرر كل حين وأوان سواء كان ذلك هداية الى المنافع الدنيويّة أو الدّينية وعلى ضروب الهدايات في كلّ لحظة ولمحة. ومثل ذلك (يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) ... إلى أن قال :

٨٠ ـ (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ...) وإنّما غيّر أسلوب كلامه الرفيع ولم ينسب المرض إليه تعالى كما نسب الخلق والهداية والإطعام والسقاية إليه سبحانه ، بل نسبه الى نفسه عليه‌السلام لأنه في غالب الأمر انما يحدث المرض بإسراف الإنسان وتفريطه في مطاعمه ومشاربه. أو ان هذا كان لجهة حسن الأدب فإنه في مقام تعداد النعم وليس المرض منها. وأما مسألة الموت فسيجيء الجواب عنها بقوله :

٨١ ـ (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ...) عدّ الموت من النّعم ولذا أضافه إلى الله سبحانه ، لأنه لأهل الكمال وصلة إلى الحياة الباقية ، وسبب إلى نيل العطايا التي تستحقر دونها الحياة الدّنيويّة ، وواسطة للخلاص من أنواع المحن والبلايا ، فهو نعمة وإن كانت مقدمته المرض الذي هو توأم مع الآلام

١٨٩

والأوجاع التي هي نقمة قد لا يقاس الموت بها بالأولوية وقوله (ثُمَّ يُحْيِينِ) أي في الآخرة.

٨٢ ـ (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي ...) ذكر ذلك لأن استغفار الأنبياء عليهم‌السلام تواضع منهم لربّهم وهضم لأنفسهم الشريفة وتعليم للأمّة باجتناب المعاصي وإلّا فلم تكن له خطيئة صلوات الله عليه.

* * *

(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩))

٨٣ ـ (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً ...) أي كمالا في العمل والعلم حتى أستعدّ به للخلافة الحقّة والقدرة للرياسة على الخلق (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) فإنه عليه‌السلام بعد أن أثنى على الله تعالى دعا لنفسه الزكيّة. وذلك تنبيه على أن تقديم الثناء على الدّعاء من المهمّات ، بل من الشرائط التي لها دخل في مقام الإجابة ولعل هنا يختلج بالبال أن إبراهيم لم لم يقتصر على الثناء لأنه مرويّ عنه علمه بحالي حسبي عن سؤالي؟ قلنا إن للأنبياء حالتين : حالة دعوة الخلق وتعليم البشر ، وهنا يكون النبيّ مشتغلا بالثناء ثم الدعاء تعليما لهم ، وحالة أخرى وهي حينما يخلو بنفسه مع الله تعالى يقتصر على قوله : حسبي عن سؤالي علمه بحالي. وإنّما قدّم قوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) ، لأن قوة النظرية مقدمة على القوة العلمية ذاتا وشرفا ، والعلم صفة الروح والعمل صفة الجسم. وكما أن الروح أشرف من البدن فكذلك العلم

١٩٠

أشرف من العمل. وقيل إن المراد بالحكم هو النبوّة. وردّ بأنه دعا ربّه بهذا حين ما كان نبيّا ، وتحصيل الحاصل محال. بل المراد كما قلنا كمال القوة العلميّة والنظريّة ، أي زدني علما إلى علمي. كما أن المراد بقوله (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) كمال القوة العملية ليتنظم به في عداد الكاملين في الصلاح. وفي هذا الدّعاء دلالة على عظم شأن الصلاح الذي هو عبارة عن الاستقامة فيما أمر الله تعالى عباده به ، أي كون القوّة العاقلة متوسّطة بين الإفراط والتفريط. فالصلاح لا يحصل إلّا بالاعتدال. ولما كان الاعتدال الحقيقي أمرا مشكلا لا يحصل إلّا للأوحديّ من الناس حيث لا ينفكّ البشر نوعا عن الخروج عن ذلك الجدّ ، لذا أظهر إبراهيم احتياجه واستمدّ من الله سبحانه تحصيل هذه القوة بهذا القول (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) أي بالموفقين لتحصيل تلك القوة العمليّة ، يعني الذين حصلت لهم القوة بكمالها وأعلى مراتبها. ومن هذا البيان ظهر لك معنى : حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين.

٨٤ ـ (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ...) أي الذين يعقبونني ويوجدون بعدي إلى يوم القيامة ، يعني اللهم اجعل لي جاها وحسن صيت على وجه الدهر وإلى الأبد. ولذلك فإنّه ما من أمّة إلّا وهم محبّون له مثنون عليه. وعن الصّادق عليه‌السلام : لسان الصّدق للمرء يجعله في الناس خيرا له من المال يأكله ويورّثه. وقيل سأل ربه أن يجعل من ذرّيته في آخر الزمان من يكون يجدّد أصل دينه ويدعو الناس إلى الحقّ ، وهو محمد وعليّ والأئمة المعصومون عليهم‌السلام.

٨٥ ـ (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ...) أي ممّن يعطاها في الآخرة ، وقد مضى معنى الوراثة في سورة (المؤمنون) وأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما منكم من أحد إلّا وله منزلان منزل في الجنّة ومنزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله. ويستفاد من الرواية أن العكس بالعكس. وبهذا المعنى روايات كثيرة.

٨٦ ـ (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ ...) بالهداية والإيمان لأنه كان من

١٩١

المنحرفين عن طريق الحق والغافلين عن سبيل الصّواب. ووصفه بالضال مشعرا بأن كفره كان عن جهل لا عن عناد وجحد. وأمّا وجه استغفاره لعمّه لأن عمّه وعده بالايمان به كما في قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) ، وإن كان بعد موته لظنّه بأنّه آمن وأخفى إيمانه خوفا من نمرود وأتباعه. والحاصل الأنبياء أعلم بما يفعلون.

٨٧ الى ٨٩ ـ (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ...) أي لا تهنّي ولا تفضحني بأمر صدر عنّي وأنت ما كنت راضيا بصدوره عني ولو غفلة كترك شيء كان الأولى عدم تركه أو فعل شيء كان الأولى تركه. ويمكن حمله على التواضع وخصوصا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون

(إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) من الشرك ومن حبّ الدنيا على ما في الرواية ، ويؤيّده قول النبيّ (ص): حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة. أو المراد منه هو صاحب النية الخالصة أو الصادقة كما في الرّواية.

* * *

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥))

٩٠ ـ (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ...) أي قرّبت بحيث يرونها من الموقف حين الحساب فيبتهجون بأنهم هم المحشورون إليها ، والإزلاف هو التقريب.

٩١ ـ (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ...) أي كشفت وظهرت (لِلْغاوِينَ) أي الضالّين بحيث يرونها مكشوفة فيزدادون غمّا ويتحسّرون على أنهم المسوقون إليها.

١٩٢

٩٢ الى ٩٥ ـ (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ...) أي الأصنام التي تزعمون أنّها شفعاؤكم (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع العذاب عنكم كما رجوتم شفاعتهم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) أي بدفعه عن أنفسهم؟ لا ، لا (فَكُبْكِبُوا فِيها) طرحوا فيها ويقصد الأصنام ، هم (وَالْغاوُونَ) أي عبدتها وحاصل المعنى ألقوا في الجحيم آلهتهم وعبدتها حال كونهم يطرح بعضهم على بعض (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ) أي أتباعه وذرّيته جميعا.

(قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤))

٩٦ الى ٩٨ ـ (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ ...) أي أن العبدة وهم في النار يخاصم ويعاند بعضهم بعضا وجملة (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) حاليّة. وكان قولهم : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ) القسم متعلق بقالوا وفصل بينهما بجملة حاليّة للاهتمام بها و (إِذْ) مخفّفة من الثقيلة ، يعني إنّنا كنّا في ضلال واضح (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) حيث جعلناكم مساوين في العبادة والخضوع لربّ العالمين. هذا بناء على كون الخطاب للأصنام. وقيل يقولون لمن تبعوهم : أطعناكم كما أطعنا الله فصرتم أربابا.

٩٩ ـ (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ...) في الكافي عن الباقر عليه‌السلام : يعني المشركين الذين اقتدى بهم هؤلاء فاتّبعوهم على شركهم ، وهم قوم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس فيهم من اليهود والنّصارى أحد.

١٠٠ و ١٠١ ـ (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ...) عن الصّادق عليه‌السلام

١٩٣

الشافعون الأئمة عليهم‌السلام (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) أي لا حبيب ذو شفقة ورحمة يهمّه أمرنا كما للمؤمنين والمتّقين ، فإن لهم شفعاء وأصدقاء من الملائكة والأنبياء والأوصياء والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين وفي الكافي عن الباقر عليه‌السلام إن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب ، وإن المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة فيقول : يا ربّ جاري كان يكفّ عنّي الأذى فيشفّع فيه فيقول الله تبارك وتعالى أنا ربّك وأنا أحق من كافى عنك فيدخله الجنّة وما له من حسنة. وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا ، فعند ذلك يقول أهل النار : فما لنا من شافعين. وفي المجمع عن النبي (ص) أن الرجل يقول في الجنة ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في الجحيم. فيقول الله تعالى أخرجوا له صديقه إلى الجنّة فيقول من بقي في النار فما لنا من ... إلى آخر الآية الكريمة.

١٠٢ ـ (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ ...) أي ليت لنا رجعة إلى الدنيا ، ولفظة « لو » للتمنّي ، وجوابه فنكون.

١٠٣ و ١٠٤ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ...) أي أن في ذلك المقصوص لحجة ودلالة لمن اعتبر وأراد أن يستبصر (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أكثر قوم إبراهيم (مُؤْمِنِينَ) به عليه‌السلام (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي القادر على الانتقام معجّلا والرّحيم بالإمهال لكي يؤمنوا هم أو واحد من ذرّيتهم.

(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠))

١٠٥ إلى ١١٠ ـ (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ...) نوح أخوهم نسبا فإنّه عليه

١٩٤

السلام كان منهم (رَسُولٌ أَمِينٌ) مشهود له بالأمانة فيهم. قد قال لقومه : إنّي رسول لكم (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) في التوحيد والطاعة لله عزوجل (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) لا أطلب منكم على نصحي وتبليغ دعوتي وأداء رسالتي أجرا (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) أي ليس جزائي وثوابي إلّا على خالق الخلائق. ثم كرّر عليهم قوله (ع) : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) للتأكيد ، وتنبيها على أن كل واحدة من الرسالات تكون توأمة مع الأمانة. وقطع طمعه في أموالهم سبب لوجوب إطاعته فيما يدعوهم إليه. فكيف إذا اجتمعا؟ فلا تكرار في الواقع لاختلاف المعنى وهذا كما تقول : ألا تخاف الله وقد ربّيتك صغيرا ، ألا تخاف الله وقد أتلفت لك مالي؟

* * *

(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥))

١١١ ـ (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ ...) الاستفهام إنكاري ، كي كيف نتّبعك والحال كذلك وقد اتّبعك (الْأَرْذَلُونَ) الفقراء على ما عن القمّي ، وهم الذين لا مال لهم ولا عزّ ، فجعلوا اتّباع هؤلاء لنوح مانعا عن إيمانهم. ويعنون بذلك أن أتباعه لم يؤمنوا به عن نظر وبصيرة وإنّما هو لتوقّع مال ورفعة مقام.

١١٢ ـ (قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ...) أي وأيّ علم لي أنهم آمنوا إخلاصا وعن بصيرة أو طمعا في طعمة أو مال يوجب رفعة مقامهم وأنا مأمور باتّباع الظواهر والاعتبار بها.

١٩٥

١١٣ ـ (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي ...) أي ليس حساب بواطن الأمور علينا بل هو أمر راجع إلى ربّي فإنه المطلع على البواطن (لَوْ تَشْعُرُونَ) لو تدرون ، ولو عرفتم ذلك لما قلتم ما لا تعلمون لكنّكم تجهلون فتقولون ما يجري على ألسنتكم من دون علم ولا شعور بواقع الأمور.

١١٤ و ١١٥ ـ (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ...) في الآية كالدّلالة على أن القوم سألوه تبعيد الفقراء الذين آمنوا به لكي يؤمنوا به ويتّبعوه ، فأجابهم بأني لست مكلّفا بهذا الأمر وإنّما كلّفني ربّي بدعوة الجميع إلى الإيمان (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ولا يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء فإنّي بعثت بدعوة البشر سواء كانوا فقراء أم أغنياء ، وسواء كانوا أعزّاء أم أذلّاء ، من أصحاب الصنائع العالية أم الدانية كالحجامة والحياكة فاستر ، ذالكم إيّاهم لكونهم من أهل الصناعات الخسيسة لا دخل له في دعوتي حتى أطردهم لاتّباعكم إيّاي. ثم إن نوحا لمّا أفحمهم في مقام جوابهم لم يكن منهم إلّا التهديد فقالوا :

* * *

(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢))

١١٦ ـ (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ ...) عمّا تقول (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) من المضروبين بالحجارة أو من المشتومين. وروي عن أبي حمزة

١٩٦

الثمالي رحمه‌الله أنه قال : في كل موضع من القرآن الذي وقع فيه لفظ الرّجم فهو بمعنى القتل ، إلا في سورة مريم في قصة إبراهيم في قوله : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) ، فإنه هنا بمعنى الشتم.

١١٧ و ١١٨ ـ (قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ...) أراد أنه إنما يدعو عليهم لتكذيبهم بالحق لا لإيذائهم له (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ) من الفتاحة بالكسر والضم وهي الحكومة ، أي فاحكم بيننا (فَتْحاً) حكما وقضاء بالعذاب بقرينة قوله : (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فان طلب النجاة من شيء مكروه وبقرائن أخر تجيء تلوها كما هو ظاهر.

١١٩ ١٢٠ ـ (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ...) اي المملوء. وعن الباقر : المجهّز ، فخلّصناه بواسطة السفينة (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) أي بعد إنجائه مع المؤمنين به (ع) (الْباقِينَ) الذين لم يركبوا السفينة معه.

١٢١ و ١٢٢ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ ... الْعَزِيزُ ...) أي القادر على الانتقام من الكفرة في الدنيا بأنواع العذاب ، وفي الآخرة كذلك. والحاصل أنه غالب على أمره وقد مرّ تفسير الآيتين.

* * *

(كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥))

١٩٧

١٢٣ ـ (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ ...) أي قبيلة عاد ، وعاد أبوهم وكبير عشيرتهم. فقد أنكروا المرسلين ممّن سبقوهم بتكذيب رسولهم هود عليه‌السلام ومن قبله إلى آدم عليه‌السلام.

١٢٤ الى ١٢٧ ـ (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ ...) تصدير القصص بقوله (أَلا تَتَّقُونَ) أي فاتقوا الله وأطيعون ، دلّ على أن الغرض من البعثة الدّعاء إلى التوحيد وطاعة الخالق تعالى. والأنبياء متّفقون فيه وإن اختلفوا في بعض شرائعهم ولم يطلبوا بذلك مطمعا دنيويّا. والباقي مرّ تفسيره.

١٢٨ ـ (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً ...) أي بكل مكان مرتفع كرؤوس الجبال أو نحوها من المواضع العالية بناء ، علامة للمارّة على مقدار المسافة ، أو لمعرفة البلاد. والآية علامة الطّرق بعضها إلى بعض بلا احتياج إلى دليل ، فقد كانوا يبنون بكل مكان مرتفع برجا يجلسون به ويسخرون من الناس ويؤذون من يمرّ بهم من المؤمنين. ولأنّهم على ما نقل عن مقاتل بن سليمان كانوا في أسفارهم يهتدون بالسيارات والنّجوم بحيث لم يكونوا محتاجين إلى هاد آخر لأنّهم كانوا خبراء في هذا الفن وأعلاما في هذا العلم ، علم النجوم ، فعملهم لهذه الابنية يعدّ سفها ولذا استشنعه هود واستقبح بناء تلك الأبنية. والاستفهام إنكاريّ يؤوّل بالنهي ، وفي المجمع عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ كلّ بناء يبنى وبال على صاحبه يوم القيامة إلّا ما لا بد منه.

١٢٩ ـ (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ ...) حياضا كبارا يجمع فيها ماء المطر ، أو المراد منها الحصون المشيّدة والقصور العالية للسّكنى كأنّهم يرون أنفسهم من المخلّدين في دار الدّنيا ، ولذا يبنونها بأشدّ إحكام (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) أي ترجون الخلود فتحكمونها وتجعلونها متينة متقنة.

١٣٠ ـ (وَإِذا بَطَشْتُمْ ...) أي ضربتم بسوط أو بسيف (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) مستعلين بالضرب أو القتل بلا رأفة ولا رحمة بل بظلم وغشم.

١٩٨

١٣١ إلى ١٣٥ ـ (فَاتَّقُوا اللهَ ...) تجنّبوا غضبه وأطيعوا أمري ، فهو الذي (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) فأعطاكم سبحانه الأولاد والنّعم والأنعام والخيرات وغير ذلك ممّا جعل بلادكم كأنها جنان النعيم ، ولذلك ف (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن بقيتم على عنادكم (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) في الدنيا أو في الآخرة.

* * *

(قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥))

١٣٦ و ١٣٧ ـ (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ ...) أي أن وعظك لنا أو عدمه سواء عندنا ، فلا تتعب نفسك في الدعوة (إِنْ هذا) أي ما هذا الذي تجيء به من التوحيد والرسالة والكتاب والحساب والنهي عمّا كنّا عليه من عبادة الأصنام والتجبّر وعمارة الأبنية الرفيعة علما للمارة ، ليس هذا (إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) إلّا ممّا جرت به عادة السابقين عليك ممن كانوا يدّعون الرّسالة ويقولون مثل ما تقول لنا. وحاصل جوابهم هو إنكار ما جاء به الرّسل وتكذيبهم ، والشاهد على هذا قولهم من ما حكاه الله عنهم :

١٩٩

١٣٨ ـ (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ...) على ما نحن عليه حالة كوننا مقتدين بآبائنا الأقدمين في عاداتهم القديمة.

١٣٩ و ١٤٠ ـ (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ ...) فكذّبوا رسولهم هودا فيما جاء به من عند ربّ العالمين (فَأَهْلَكْناهُمْ) بريح صرصر شديدة الهبوب شديدة البرد. ثم أخذ سبحانه في بيان شرح قوم صالح (ع) وهم ثمود وكيفيّة فعل صالح وقوله معهم في الآيات ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٥ إلى أن يقول سبحانه :

* * *

(أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢))

١٤٦ إلى ١٤٨ ـ (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا ...) أي أتطمعون أن تتركوا وتبقوا في النّعم الدنيوية (آمِنِينَ) من زوالها وأخذها منكم؟ والهمزة للإنكار ، أي لا يكون كذلك. ثم إنه تعالى فسّر هذه النعم المجملة بقوله (فِي جَنَّاتٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) أي ثمرها لطيف نضيج ليّن. وعن ابن عبّاس أنه قال : الطّلع تمر يسمّى كفري من ألطف الرّطب ، وهو مشتق من الطّلوع لأنّه يطلع من النخل ، وأفرد النخل بالذكر لفضله.

١٤٩ إلى ١٥٢ ـ (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ...) أي تنقرون في الصخر بيوتا (فارِهِينَ) حاذقين أو نشيطين بنحتها. فلا ينبغي أن تصرفوا كلّ همكم إلى الدنيا (فَاتَّقُوا اللهَ) احذروا غضبه (وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) لأنهم يتعدّون حدّ المعقول ويفرّطون بدنياهم وبآخرتهم إذ لا

٢٠٠