الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الأمر فتسأل عنا حتى تعلمه وكيف الحال (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) فنحن نقر بك واتّخذناك وليّا ومعبودا لأنفسنا ، فكيف ندعوا الغير إلى عبادة من هو دونك ومن ليس أهلا لها كأنفسنا أو ما هو مثلنا أي أنه مخلوق ضعيف لا يقدر على شيء؟ فأنت تعلم بأنا برءاء من ذلك ، و (لكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) أي لما أنعمت عليهم بأنواع النعم تركوا ذكرك أو كتابك والتدبّر فيه وبالنتيجة (كانُوا قَوْماً بُوراً) أي هالكين ، فهم بأنفسهم ضلّوا سبيل الهداية والرّشاد لا بإضلال الغير ويحتمل ان المعبودين من الأملاك والأنبياء والأصنام لو أنطقهم الله لقالوا : سبحانك تعجّبا مما قيل لهم.

١٩ ـ (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ ...) هذا التفات عن خطاب المعبودين إلى عبدتهم للاحتجاج والإلزام ، على حذف القول. والمعنى : فقد كذبكم المعبودون (بِما تَقُولُونَ) من قولكم إنهم آلهة وهؤلاء أضلّونا (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً) أي كيف تقولون هؤلاء آلهتنا مع أنهم عجزة لا يقدرون دفعا للعذاب عن أنفسهم فكيف عن غيرهم (وَلا نَصْراً) أي لا يقدرون على حفظ أنفسهم وإعانتها في دفع الحوادث والعقاب ، فهم أعجز عن دفعه عن غيرهم بطريق الأولى مع أن الإله من هو على كل شيء قدير ، وعبدتم من هو مثلكم أو أدون وأضعف منكم كالأصنام والأوثان بلا حجة ولا برهان ، وهذا يحسب ظلما من الإنسان على نفسه (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) وهو النّار وما أدراك ما النار وما عذابها الشديد؟

* * *

(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠)

١٤١

وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤))

٢٠ ـ (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ...) هذه الشريفة جواب وردّ لقولهم : ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ) ايّها الناس (لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أي ابتلاء كابتلاء الشريف بالوضيع والغني بالفقير والرّسل بالمرسل إليهم. وهي في الواقع تسلية للنبيّ (ص) عن ما قالوا (أَتَصْبِرُونَ) أي ليظهر أنكم تصبرون على البلاء أولا ، أو معناه : اصبروا (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) بمن يصبر وبغيره.

٢١ ـ (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ...) أي الآيسين من الوصول إلى رحمتنا وخيرنا لكفرهم بالبعث ، وأصل اللّقاء هو الوصول (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) أي هلّا أنزلوا فيخبرون بصدق محمد فيكونون رسلا إلينا (أَوْ نَرى رَبَّنا) فيأمرنا باتّباع محمد في الأحكام وتصديقه في دعواه الرسالة (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) عدّوا أنفسهم ذات كبرياء وسيادة حيث توقّعوا نزول الملائكة عليهم أو رؤية الرب زعما منهم أنه تعالى جسم قابل للرؤية ويلاحظ أن ديدنهم التجسيم كما أن قوم موسى كانوا كذلك فقالوا لموسى أرنا الله جهرة. (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) طغوا طغيانا كبيرا بالغا الغاية ، وتجاوزوا الحدّ في الظلم لأنهم عاينوا المعجزات البيّنة القاهرة فأعرضوا عنها واقترحوا لأنفسهم الدنيئة ما سدّت دونه مطامح النفوس القدسيّة.

١٤٢

٢٢ ـ (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ...) أي عند الموت أو في القيامة. ونصب : يوم بأذكر مضمرا (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ) أي لا خبر مفرح في ذلك اليوم (لِلْمُجْرِمِينَ) للذين ارتكبوا الآثام (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) أي يقول المجرمون عند لقاء الملائكة هذه الكلمة استعاذة منهم كما كانوا يقولونها في الدّنيا عند لقاء عدوّ ونحوه ممّا كانوا يخافونه. فهذه الكلمة كانت عوذة لهم من المكاره بزعمهم. قال ابن جريح كانت الأشهر الحرم عند أهل الجاهلية محترمة لا يقاتلون فيها ولو يقابلون اتفاقا مع جيش يريد فيها مقاتلتهم وكانوا يقولون خوفا من القتل : حجرا محجورا يعنون بقولهم هذا أنه حرام عليكم هتك حرمتنا في هذه الأشهر واصبروا حتى تمضي فنقاتل معكم. فكان هذا الكلام أمنا لهم من شرّ أعدائهم. وكأنّهم لمّا جاء يوم القيامة ورأوا ملائكة العذاب يتوسلون بهذه الكلمة زعما منهم أنها تفيدهم كما كانت تنجيهم في الدّنيا من الشدائد عند لقاء عدوّ أو هجوم مكروه.

٢٣ ـ (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا ...) أي عمدنا وقصدنا إلى أعمال الكفار في الدنيا ممّا رجوا به النفع وطلبوا به الثواب مثل صلة أرحامهم وصدقاتهم وأمثال ذلك (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) والهباء هو الغبار يدخل الكوّة من شعاع الشمس أو ما تسفيه الرياح وتذره من ناعم التراب. والحاصل تذهب أعمالهم باطلا ولا ينتفعون بها من حيث عملوها لغير الله. وقيل معناه أن أعمال الكفار وحسناتهم لا نقيم لها وزنا يوم القيامة. وفي البصائر عن الصّادق عليه‌السلام أنه سئل : أعمال من هذه؟ فقال : أعمال مبغضينا ومبغضي شيعتنا. ومنثورا : أي متفرّقا.

٢٤ ـ (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ...) أي مكانا يستقر فيه (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) موضع الاستراحة في الظّهيرة ، أو النوم فيها ويسمّى بنوم القيلولة. وقيل : هذا نحو من التجوّز قد أورده على التشبيه إذ لا نوم في الجنّة ، اللهم إلّا ما كان من أن أهل الجنّة يتنعّمون في ظلالها الوارفة. وفي الكافي ، في حديث سؤال القبر ، روي أن أمير المؤمنينعليه‌السلام

١٤٣

قال : ... ثم يفتحان له بابا إلى الجنّة ثم يقولان له : ثم قرير العين نوم الشباب الناعم ، فإن الله تعالى يقول : أصحاب الجنّة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا. ولو لم يكن في الجنّة من نوم فإن الاسترواح مع الأزواج والتمتّع بنعم الله الكثيرة فيه خير مقيل وأحسن مستقرّ

* * *

(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١))

٢٥ ـ (يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ ...) الظرف منصوب باذكر المقدر ، أو بيرون بقرينة المقام ، أي يرون يوم تتشقّق السّماء بسبب خروج الغمام منها الملائكة وهم يحملون بأيديهم صحائف أعمال العباد كما قال (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) من عنده سبحانه وتعالى يوم القيامة وبأيديهم الصحائف المذكورة وعند بعض : المراد بالغمام هو الذي كان ظلّة بني إسرائيل في التيه. وعن الصادق عليه‌السلام الغمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٢٦ ـ (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ ...) الحقّ إمّا خبر للملك فمعناه : الملك ثابت له تعالى يوم القيامة ، وإمّا صفة له وخبره (يَوْمَئِذٍ) أو

١٤٤

(لِلرَّحْمنِ) والملك على ثلاثة أقسام : ملك العظمة وهو مخصوص بذاته المقدّسة جلّت عظمته ، وملك الدّيانة وهو الذي يحصل بتمليكه سبحانه أو إمضائه ، وملك الجبريّة وهو الذي يتملّكه الإنسان بالقهر والغلبّة (وَكانَ يَوْماً) أي يوم القيامة (عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) أي شديد الأهوال بمخاوفه. وتقديم الظرف وفصله لإفادة الحصر حيث إن الشدّة على الكفرة. وأما أهل الايمان فكان أمرهم سهلا وهم في أمن من تلك الشدائد والمخاوف.

٢٧ ـ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ...) لعلّ عضّ الظلمة أياديهم كناية عن غاية غيظهم وفرط تحسّرهم. ويحتمل أن يكون المراد معناه الظاهري ندما وتحسّرا (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) أي طريقا إلى الهدى. وفي القمي : هذا مقول قول الأول. وعن الباقر عليه‌السلام : إن المراد الولاية.

٢٨ ـ (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ...) أي يا هلكتي احضري فهذا وقتك (لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) المراد بفلان هو من أضلّه. والقمي قال : يعني الثاني.

٢٩ ـ (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ ...) أي القرآن أو وعظ الرّسول من الإرشاد والإنذار أو الولاية (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ) أي الخليل المضلّ أو إبليس أو كل متشيطن جنّي أو إنسيّ وفي القمي أنه الثاني (لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) أي يسلّمه إلى الهلاك ثم يتركه ولا ينفعه ويريبه بالخذلان الأبدي. ثم أنه تعالى بعد ذكر أحوال مصاحبة الأشرار وبيان سوء عاقبته في دار القرار أخذ في حكاية شكاية رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قومه فقال :

٣٠ ـ (وَقالَ الرَّسُولُ) ... (هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ...) أي جعلوه متروكا وراء ظهورهم لا يسمعونه ولا يتفهّمونه ولا يتدبرون آياته وأحكامه.

٣١ ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ ...) هذه الشريفة نزلت في مقام تسلية

١٤٥

النبيّ (ص) من حيث أذى قومه ووعده بالنصر على قومه تأسّيا بمن مضى قبله من الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ، فإنهم كانوا مأمورين من الله تعالى أن يدعوا قومهم إلى الايمان به وترك ما ألفوه من ديدن آبائهم ودينهم من عبادة الأوثان والشرك بالله سبحانه ، وكانت هذه أسبابا داعية إلى العداوة والأذى فأمروا بالصبر ووعدوا بالنصر. فمعنى الكريمة كما جعلنا لك أعداء من قومك كذلك جعلنا لكل نبيّ عدوّا من المجرمين فصبروا على ما لقوه منهم حتى نصروا ، فكذلك لا بدّ لك من الصّبر حتى يأتيك النصر والظفر عليهم كما يشير إليه بقوله (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) أي هاديا إلى طريق الظفر أو إلى الاعتصام منهم ، ونصيرا لك عليهم.

* * *

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤))

٣٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ...) أي دفعة واحدة كما أنزل بعض الكتب السّماويّة من التوراة والإنجيل والزّبور. فأجابهم الله تعالى بقوله : (كَذلِكَ) أي أنزلناه كذلك متفرّقا (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) لنقوّي بتفريقه قلبك على حفظه وفهمه إذ كنت أميّا بخلاف الأنبياء الثلاثة فنزلت عليهم كتبهم مكتوبة لأنهم كانوا يكتبون ويقرءون. وأيضا فإن في القرآن ناسخا ومنسوخا ، وفيه أجوبة للسّائلين ، ونزوله على حسب المواقع والموارد موجب لمزيد البصيرة والغوص في معناه ،

١٤٦

مضافا إلى أن كلّ نجم ينزل كان صلوات الله عليه يتحدّى به فيظهر إعجازه ويتجدّد عجزهم ، ومضافا إلى أنّ نزول جبرائيل في مختلف أوقاته كان باعثا لسرور قلبه الشريف وتسلية لنفسه المقدّسة وغير ذلك من الأمور الموجبة لإنزاله نجما بعد نجم ، والتي خفيت علينا كما اختفى كثير من أسراره (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) أي نزّلناه شيئا بعد شيء في نحو عشرين سنة ، أو أمرنا بترتيله أي تبيينه والتأنّي في قراءته. وروي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا ابن عباس إذا قرأت القرآن فرتّله ترتيلا. قال : وما الترتيل؟ قال : بيّنه تبيينا ولا تنثره نثر الرّمل. قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ولا يكوننّ همّ أحدكم آخر السّورة.

٣٣ ـ (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ...) أي لا يأتيك المشركون بمثل يضربونه لك وباعتراض في نبوّتك (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) فأبطلناه بما هو الحق وهو القرآن (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) أحسن بيانا وكشفا ممّا أتوابه من المثل.

٣٤ ـ (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ ...) أي يسحبون على وجوههم إلى النار وهم كفار مكة. وفي المجمع عن النبيّ أنه سئل كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة. وحاصل الحديث أنهم في الآخرة يمشون مقلوبين ، وجوههم إلى القرار وأرجلهم إلى الفوق ، ثم ذكر سبحانه حديث الأنبياء تسلية للرّسول وتبصرة لأمّته فقال :

* * *

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ

١٤٧

آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩))

٣٥ و ٣٦ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ...) لما قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) أتبعه بذكر جماعة من الأنبياء ، وعرّف نبيّه محمدا بما نزل عليهم من أممهم من تكذيبهم إيّاهم ، إشارة إلى أنّه لست يا محمد بأوّل من أرسلت فكذّبت ، وآتيناك الآيات فرددت ، فإن موسى قد آتيناه التوراة وقوّينا عضده بأخيه ، ومع ذلك فقد ردّه قومه وكذّبوه وجحدوا نبوّته فنصرناه وأهلكنا عدوّه فرعون (فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) التدمير هو الإهلاك بأمر عجيب كإهلاك فرعون.

٣٧ ـ (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ ...) أي أذكر يا محمد قصة قوم نوح حين كذّبوا الرّسل أي نوحا ومن قبله كشيث وإدريس ، أو المراد أنهم كذبوا نوحا إلّا أن تكذيب نبيّ واحد من الأنبياء كتكذيبهم جميعا لأنه مستلزم لتكذيبهم (أَغْرَقْناهُمْ) بالطوفان وجعلنا إهلاكهم (آيَةً) أي عبرة وعظة للناس (وَأَعْتَدْنا) هيّأنا لهم سوى ما حلّ بهم في الدّنيا (عَذاباً أَلِيماً) في الآخرة.

٣٨ ـ (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ ...) عطف على الضمير المنفصل الذي هو مفعول الأول لجعلنا. أو على محلّ للظالمين فإنّه منصوب المحل بأعتدنا بناء على كونه بمعنى وعدناهم ، أو نصبه بفعل مقدّر بقرينة المقام أو بقرينة ذيل الآية (تَبَّرْنا تَتْبِيراً) وهو أهلكنا (وَأَصْحابَ الرَّسِ) فيه أقوال ، قيل هو بئر غير مطويّة أي غير مبنيّة كانت لعبدة الأصنام فبعث إليهم شعيب فكذّبوه فانهارت بهم لأنّهم كانوا حولها وقت نزول العذاب ولذا تسموا باسمها أو قرية باليمامة كانت فيها بقية ثمود فقتلوا نبيّهم

١٤٨

وأكلوا لحمه فنزل عليهم العذاب فأهلكوا ، أو ماء أو بئر بآذربايجان. وقيل أصحاب الرس كانوا يعبدون شجرة صنوبر ، وبعث إليهم نبيّ من نسل يهودا بن يعقوب النبيّ فكذّبوه وقتلوه ، وفيه أقوال أخر ليس في ذكرها كثير فائدة (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) أي أهلكنا أهل أعصار بين نوح وأصحاب الرس ، أو بين عاد وإيّاهم كثيرا لا يعلمها إلّا الله.

٣٩ ـ (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ ...) أي بيّنّا لهم القصص العجيبة فلم يعتبروا وأصرّوا على طغيانهم وتكذيبهم للأنبياء فأهلكوا (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) دمّرناهم تدميرا.

* * *

(وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤))

٤٠ ـ (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ ...) أي أن قريش مرّوا مرارا في أسفارهم إلى الشام (عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) عن الباقر عليه‌السلام :

١٤٩

هي سدوم قرية قوم لوط ، أمطر الله عليهم حجارة من سجّيل (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) في مرورهم فيتّعظوا بما يرون فيها من آثار قدرة الله وكيف عذبهم في دار الدنيا حتى يعتبر غيرهم (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) أي أنهم لا يتوقعون بعثا ولا يترقّبون حسابا وعقابا فلذلك لم ينظروا إلى تلك الآثار بعين الاعتبار ولم يتّعظوا بها أبدا فكانوا يمرّون عليها كما تمر دوابهم ومواشيهم صمّا بكما عميا.

٤١ ـ (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ ...) أي ما يتخذونك (إِلَّا هُزُواً) مهزوءا به قائلين : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) الاستفهام إنكاريّ وكانوا يقولون هذا استحقارا وتهكّما.

٤٢ ـ (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا ...) أي أنّه أراد أن يصرفنا عن عبادة آلهتنا بفرط اجتهاده في الدّعوة إلى التوحيد وبذل جهده في إيراد ما يسبق إلى الذهن أنها حجج وبراهين (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) لولا ثبوتنا عليها وتمسكنا بعبادتها لأزالنا عن ذلك ، وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) والآية فيها وعيد ودلالة على أنّه تعالى لا يهملهم وإن أمهلهم وأخّر عذابهم وقوله سبحانه (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) أي أخطأ طريقا أهم أم أنت ، وهذا على سبيل المماشاة مع الخصم.

٤٣ ـ (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ...) أي أخبرنا عن الذي فعل ذلك وأطاع هواه في دينه. وقدّم المفعول الثاني عناية به (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) فلست وكيلا عليه فدعه وشأنه ولا يضرّك ضلاله.

٤٤ ـ (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ...) اي سماع تفهّم (أَوْ يَعْقِلُونَ) يتدبّرون ما تأتي به من الحجج ، وخصّ الأكثر إذ فيهم من يعقل ويعرف الحق من الباطل إلّا أنه جاحد ومكابر خوفا على الرّئاسة (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) ما هم إلّا مثل البهائم في عدم تفهّم وتدبّر حججك (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) لأن بعضها تعرف المحسن إليها من المسيء وتطلب المنافع وتتجنّب المضارّ بخلاف هؤلاء فإنهم لا يعرفون

١٥٠

إحسان ربّهم من إساءة الشيطان ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع لأنه باق ، ولا يتّقون العقاب الذي هو أشدّ المضارّ لأنه أبديّ ولأن جهالة الأنعام لا تضرّ بأحد ، وجهالتهم تؤدّي إلى هيجان الفتن وصدّ النّاس عن الحق وسوقهم إلى الضّلالة. القميّ قال : نزلت في قريش وذلك أنّه ضاق عليهم المعاش فخرجوا من مكّة وتفرقوا في البراري والقفار والبلاد ، وكان الرجل إذا رأى شجرة حسنة أو حجرا حسنا أعجبه فعبده ، وكانوا ينحرون الإبل ويذبحون الأغنام ويلطّخونها بالدّم كما فعلوا بصخرة كانوا يسمّونها (سعد صخرة) فجاء رجل من العرب ورأى ثعلبا يبول على (سعد صخرة) الذي يعبدونه فأنشأ يقول :

وربّ يبول الثعلبان برأسه

لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب

* * *

(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢))

١٥١

٤٥ و ٤٦ (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ...) أي ألم تنظر إلى صنعه سبحانه كيف بسط ظلال الأشياء من الفجر إلى طلوع الشمس. قال الباقر عليه‌السلام في هذه الآية الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، قيل هو أطيب الأحوال وأعدل الأزمان حيث أن الظلمة الخالصة تنفّر الطبع منها وينقبض نور البصر ، وشعاع الشمس يسخّن الهواء ويكسف نور البصر ، ولذلك وصف به الجنّة فقال : وظلّ ممدود ، إذ لم يكن معه الشمس. قال أبو عبيدة : الظّل ما نسخته الشمس وهو بالغداة ، والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد زوال الشمس. وسمّي فيئا لأنه فاء من جهة الشرق إلى جانب الغرب (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) اي ثابتا مقيما ، من السكنى ، يقال : فلان يسكن البلد الفلاني إذا أقام به دائما. وهو مثل قوله تعالى : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) في المعنى. والحاصل أنّه تعالى في بيان قدرته الكاملة يذكر تلك الآيات والدلائل حتى يتأمل العباد ويتدبّروا فيها فيتطرّقوا الى وحدانيّته ويذكروا بعض نعمه حتى يؤدّوا شكرها ثم قال سبحانه : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) قال ابن عباس تدل الشمس على الظلّ بمعنى أنّه لو لا الشمس لما عرف الظل ، ولو لا النور لما عرفت الظّلمة ، وكلّ الأشياء تعرف بأضدادها. وقيل لا يعرف وجوده ولا يتفاوت طوله وقصره إلّا بطلوعها وحركتها. وقيل معناها : خلقنا الظل أوّلا بما فيه من المنافع واللذائذ ثم اطلعنا الشمس فأذهبته فصارت دليلا على وجود هذه النعمة العظيمة الّتي غفلت عنها عقول أكثر العباد ، ولو لا وقوع الشمس على الأجرام لما عرف أن للظل وجودا وماهية ، والظل كيفية زائدة على الأجسام كانت مخفية على كثير من العقول. وقد ذهب إلى خلاف ما يظهر من الشريفة جماعة من الفلاسفة من أن الظل هو عدم الشمس وليس له وجود مستقل كما أن الظلمة هي عبارة عن عدم النور ، لا أنّها شيء في قبال النور (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا) أي أزلنا الظل بإيقاع الشعاع موقعه .. ولمّا عبّر عن إحداثه بالمدّ أي البسط فيناسبه التعبير بالقبض بمعنى الطّي من طوى الفراش أي لفّه أو كناية عن

١٥٢

مطلق الجمع. والحاصل أن هذا التعبير في غاية الحسن والبلاغة (قَبْضاً يَسِيراً) قليلا قليلا لا دفعة واحدة بحسب ارتفاع الشمس لحفظ نظام الكون ولمصالح جمّة ، ويتحصّل به ما لا يحصى من منافع الخلق. وقيل مدّ ظل السّماء على الأرض حين خلقهما ولو شاء لجعله ثابتا على تلك الحال ، ثم خلق الشمس وجعلها دليلا مسلّطا عليه يتبعها كما يتبع السائر الدليل ، يتفاوت بحركتها ، ثم قبضه تدريجا إلى غاية نقصانه.

٤٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً ...) أي ساترا بظلامه كاللّباس ، والتّشبيه من جهة الستر. (وَالنَّوْمَ سُباتاً) راحة للأبدان بقطع الأعمال والسّبت هو القطع (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) فلمّا كان النوم بمنزلة الموت على ما يظهر من بعض الرّوايات من أن النوم أخ الموت ، فلذا عبّر بذلك ونسب النّشور إلى النهار. وهذا يعني أنه جعل النوم واليقظة كالموت والبعث ، والليل والنهار كناية عن النوم واليقظة وهما عن الموت والبعث. وفي الحديث النبويّ : كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون. والمعنى أنّه تعالى أنعم على عباده بنعمة النهار وجعله ذا نشور ينتشر فيه الناس للمعاش وغيره من حوائجهم التي لا تحصل في غير النهار إلّا بتعب كثير.

٤٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ...) أي مبشّرات أو ناشرات للسّحاب على قراءة نشرا بالنون (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) استعارة لطيفة أي أن الرياح مبشرات قدّام المطر (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) السّماء لغة ما نشاهده فوقنا كقبّة زرقاء محيطة بالأرض ، وجاء بمعنى الفضاء المحيط بالأرض وبمعنى السّحاب وما هو المراد من تلك المعاني هو تعالى أعلم به. والطّهور هو المطهّر لقوله عزوجل ليطهّركم به ، أي ماء مزيلا للأحداث والأخباث. والطّهور اسم ما يتطّهر به كالوضوء والوقود اسمان لما يتوضأ به وما يوقد به ، كما قال عليه‌السلام : التراب أحد الطّهورين ، أو طهور المسلم. وقال (ص): جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا. وطهورا مبالغة في التطهير وبناء على ذلك وصف الماء به ليعلم أن الطهارة

١٥٣

من صفاته الذاتيّة لا العرضيّة كما زعم البعض. ومن أوصاف الماء قال تعالى :

٤٩ ـ (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ...) هو محيي البلاد به بالنباتات والنّعم الأخرى. وتذكير (مَيْتاً) بتأويل البلدة بالبلد للتّعميم (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) جمع إنسيّ أو إنسان ، وأصله أناسين قلبت النّون ياء. أي ولنسقي من ذلك الماء أنعاما جمّة وأناسا كثيرين.

٥٠ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ ...) أي فرّقنا المطر بين الناس في البلدان المختلفة والأوقات المختلفة المتفاوتة بصفات مختلفة من وابل وطلّ وغيرهما على حسب المصالح والحكم ، فلا يدوم في مكان فيفسده ، ولا ينقطع بالكليّة عن مكان فيهلكه ، لكنّه يزيد لقوم وينقص لآخرين على ما تقتضيه المصلحة كما قلنا. أو صرّفنا ما ذكر من الدّلائل في القرآن وسائر الكتب (لِيَذَّكَّرُوا) ليتفكّروا كمال القدرة وسعتها وحق النعمة فيعرفوا ربّهم وتوحيده فيعبدوه عن معرفة ويشكروا مزيد شكر لنعمائه (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) امتنعوا ولم يقبلوا ، جحودا للنعمة وقالوا : أمطرنا بنوء العقرب وبنوء السّرطان أو الحوت ، وهكذا ينسبون المطر ونزوله إلى الأنواء على عقيدتهم الخبيثة لا إلى الله. وفي الحديث : ثلاث من أمر الجاهلية ، وعدّ منها الأنواء.

٥١ ـ (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً ...) أي نبيّا يخوّف أهلها فيخفف عليك أعباء الرّسالة ، لكن خصصناك بعموم الدّعوة إجلالا لك وتفضيلا لك على سائر الرّسل وتعظيما لشأنك ، فكن ثابتا في الدّعوة وإظهار الحق ، واجتهد فيهما. والحاصل أننا لو شئنا لقسّمنا بينهم النّذر كما قسّمنا بينهم الأمطار ولكن نفعل ما هو الأصلح بحالهم وبأمرك في الدّعوة فبعثناك إليهم كافّة.

٥٢ ـ (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ ...) فيما يدعونك اليه ويريدونه منك من المداهنة بل خالفهم. وهذا تهييج له صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما بعث من

١٥٤

أجله (وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) حيث يجتهدون في إبطال دين الله وشريعتك فلا بدّ لك من الاجتهاد في مخالفتهم وإزاحة باطلهم بالقرآن ، فإن مجاهدة المتكلّمين في حلّ شبه المبطلين والجاحدين الذين هم أعداء الدّين بالحجج والبراهين أكبر من جهادهم بالسّيف ، لأنه يفحم ويقمع الحاضرين ومن يحذو حذوهم إلى يوم الدين ، بخلاف جهادهم بالسّيف الذي يفيد ويفتك بالحاضرين إذا أفاد. والحاصل أن الحجج باقية والسّيف لا يدوم ، والباقي أحسن من الفاني ولذا عبّر عن المجاهدة بالقرآن بالجهاد الكبير. ويمكن أن يكون قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، أو بقي علينا الجهاد الأكبر ، إشارة إلى هذا. وهذا بناء على عود الضمير في (بِهِ) إلى القرآن ، ويحتمل رجوعه إلى عدم إطاعتهم المستفادة من صدر الشريفة (فَلا تُطِعِ) الآية وهو الظاهر أو الأظهر

* * *

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥))

٥٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ...) هذا هو النوع الرابع من الدلائل الدالة على القدرة والتوحيد : مرج البحرين : أي خلّاهما وأرسلهما في مجاريهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان ، من مرج دابّته إذا خلّاها وأطلقها (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) أي في غاية العذوبة والهناءة (وَهذا مِلْحٌ

١٥٥

أُجاجٌ) شديد الملوحة بحيث تحسّ منه المرارة (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) حاجزا بقدرته الكاملة يفصل بينهما ويمنعهما من التمازج مع أنّهما متلاصقين ، ومقتضى كلّ عنصر مائع كالماء هو الاختلاط والامتزاج إذا كان متصلا ومتلاصقا كلّ واحد مع الآخر (وَحِجْراً مَحْجُوراً) أي حدّا محدودا ، عطف على (بَرْزَخاً) يعني جعلنا بين البحرين حدّا معيّنا وقرّرنا أن لا يختلط أحدهما بالآخر فيفسد طعمهما كما يشاهد في دجلة حين تدخل البحر فتشقّه فتجري في خلاله فراسخ لا يتغيّر طعمها ولا تغيّر طعم مجاورها وملاصقها مع أنه بحكم المائعيّة لا بدّ من الاختلاط كما قلنا آنفا. وقيل هذه كلمة يقولها المتعوّذ حين لقائه العدوّ ، وهي ها هنا على طريق المجاز كأنّ كلّ واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ويقول له حجرا محجورا حتّى لا يفسد كلّ واحد الآخر بالامتزاج ، وهي من أحسن الاستعارات. والقميّ يقول : حراما محرّما أن يغيّر واحد منهما طعم الآخر ، كما يقال بهذا المعنى عند لقاء العدوّ في الأشهر الحرم أو مطلقا.

٥٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً ...) أي الماء الذي خمّر به طينة آدم عليه‌السلام الذي هو العنصر ، أو المراد هو النطفة (فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) أي قسمين : ذوي نسب ذكورا ، لأن نسبة النسب تتحقّق به كما يقال فلان ابن فلان وفلانة بنت فلان ، وذوات صهر إناثا يصاهر بهنّ فتوجد المصاهرة بهن. ومثلها قوله تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى.) وعن مولانا أمير المؤمنين مرويّ أنّ النّسب ما حرم النكاح به ، والصّهر ما حلّ النكاح به (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) على أيّ شيء أراد ، فانظر أيّها المتفكّر كيف خلق من مادّة واحدة بشرا ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة ، وجعله قسمين متقابلين.

٥٥ ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ ... وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً ...) أي معينا للشيطان على معصية الله لأنه يتابعه بكلّ ما يأمر به ، فإن عبادة الأصنام

١٥٦

معاونة للشيطان لأنها حصلت بوساوسه وإغرائه وكانت مخالفة للرّحمان عزوجل.

* * *

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢))

٥٦ ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ...) أي بعثناك بشيرا للمؤمنين ، ومنذرا للكافرين بالعقوبة الخالدة غير المتناهية.

٥٧ ـ (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ...) على تبليغ الرّسالة (إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) يعني أجري هو إطاعة المطيعين وإيمان المؤمنين وتقرّبهم بأعمالهم إليه تعالى وطلبهم الزّلفى لديه فصوّر صلوات الله عليه ذلك في صورة الأجر حيث إنّه المقصود من فعله ونتيجة إتعاب نفسه

١٥٧

الشريفة وأعماله الصّعبة التي تحمّلها في بعثته لإعلاء كلمة الله. وهذا الاستثناء لقطع شبهة الطمع ، وإظهارا لغاية الشفقة.

٥٨ ـ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ...) في دفع المضارّ وجلب المنافع فإنه الحقيق لأن يتوكّل عليه لا غيره حيث إنه الباقي وغيره الفاني ، والفاني إذا فني ضاع من توكلّ عليه. وهذه هي النكتة في إضافة التوكل على صفة الحياة الدائمة دون غيرها من الصفات والذّوات (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) أي نزّهه عن صفات النّقص حال كونه مقترنا بذكر أوصافه الكمال مثل أن تقول الحمد لله على نعمه وإحسانه ، الحمد لله عظيم المنزلة وما أشبه ذلك (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) أي كفى الله معرفة بذنوب عباده حال كونه عارفا بأحوالهم ومستغنيا في جزاء أعمالهم عمّن سواه من جهة المشاورة والمعاونة والمحاسبة. والحاصل أنه يستفاد من تعقيب هذه الشريفة بالأولى التي أمر فيها بالتسبيح المصاحب بالحمد الذي يدل بالملازمة على التصديق بوجود المنزّه وهو الله تعالى والإيمان به وتنزيهه عن الشرك ، أن بينهما مطابقة بدليل أن العبد إذا فرغ من أداء تلك الوظائف الثلاث ، فهو تعالى يتولّى أمره يوم الجزاء مباشرة بلا استعانة بغيره ، ذاك أن معنى الكفاية هو الاستغناء عن الغير عند القيام بأمر ما. أو إذا كان المتولّي لأمر العبد العامل بالوظيفة هو المولى الكريم والسيّد الحليم فمعاملته مع هذا العبد ليست إلا العفو عن السيئات والرفع في الدّرجات ، وهذا من أعظم نعم الله على هؤلاء العباد ، فلمثل هذا فليعمل العاملون. ثم إنه سبحانه أخذ في بيان قدرته الكاملة فقال :

٥٩ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) أي أوجدهما من العدم مع (ما بَيْنَهُما) من المخلوقين من الملائكة والكواكب نهاريّة وليليّة وغيرهما من الموجودات التي لا يعلمها إلّا هو (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) فإن قيل إن الأيام عبارة عن حركات الشمس في فلكها أي السّماء فقبل السماء لا أيام؟ فالجواب : في مدة مقدارها هذه المدّة لو كانت. ولو قيل : لم قدّر الخلق والإيجاد بهذا

١٥٨

التقدير مع أنه قادر أن يخلقه في لحظة واحدة؟ فالجواب : أنه سبحانه هو العالم بالأصلح ولعلّ خلقته التدريجية ترمز إلى أن التأنّي والتّدريج مطلوب في الأمور وفيه صلاح العباد ، فلا بدّ لهم أن يجعلوه شعارا لهم ويعتادوا عليه تقليدا وتبعا لربّهم في إيجاد الأشياء مع كمال قدرته (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي استولى أمره عليه وهو أعظم المخلوقات ، وهو الجسم المحيط بالعالم ، شبّه بسرير الملك ولذا عبّر عنه بالعرش ، أو استولى على الملك (الرَّحْمنُ) خبر للذي المتقدّم في صدر الآية إذا جعل مبتدءا ، وإن جعل الذي صفة للحيّ فلمحذوف أو بدل من ضمير ، (اسْتَوى) ، (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) أي عمّا ذكر من الخلق والاستواء فاسأل عارفا بهما وهو الله ، أو جبرائيل يخبرك به. وفي المجمع روي أن اليهود حكوا عن ابتداء خلق الدنيا خلاف ما أخبر الله تعالى عنه فقال سبحانه : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) ، والخبير هو من ذكرناه آنفا ، أو من وجده في الكتب المتقدمة السّماوية من الأحبار والرّهبان ، أو فاسأل عن الرّحمان من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا أنه مذكور في كتبهم. والباء على جميع هذه التفاسير بمعنى (عن) سواء كان مرجع الضمير هو المذكور كما فسّر به البعض ، أو بابتداء الخلق ، أو بالرّحمن ، وانشد في قيام الباء مقام (عن) قول علقمة بن عبدة :

فإن تسألوني بالنساء فإنني

خبير بأدواء النساء ، طبيب

ترون ثراء المال حين وجدته

وشرخ الثياب عندهنّ عجيب

إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله

فليس له في ودّهنّ نصيب

فالباء في (بالنساء) بمعنى (عن) كما هو واضح.

٦٠ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ ...) أي قيل للمشركين لأنهم ما كانوا يطلقونه عليه تعالى (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) أيّ شيء وأيّ شخص هو ، فإنّهم ظنّوا أنه صلوات الله عليه أراد غيره تعالى. وقيل إنهم لقبّوا بهذا الاسم مسيلمة الكذّاب باليمامة. ولعلّهم ظنّوا أن الرسول صلوات الله عليه أراد هذا الشخص الذي باليمامة فسألوا عن المسمّى به وجهلوا

١٥٩

أنه من أسمائه تعالى ، أو عرفوه وتجاهلوا جحدا (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) أي للذي تأمرنا بالسّجود له ، ولو لم نعرفه ولم نعتقد به ، أول أمرك لنا فقط. والظّاهر أنّ هذا الاستفهام إنكاري أو في مقام الاستهزاء ، ولا سيما على الاحتمال الأخير الذي فسّرناه به (وَزادَهُمْ نُفُوراً) أي الأمر بالسجود للرحمان زاد الكفرة تباعدا عن الإيمان وهروبا من التكليف.

٦١ ـ (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ ...) أي كثير الخير والبركة ذاك الذي جعل بقدرته الكاملة (فِي السَّماءِ بُرُوجاً) أي الاثني عشر المعروفة وهي : الحمل ، والثور ، إلى آخرها. والبروج هي القصور الرفيعة العالية وتسميتها بالبروج لأنّها بالإضافة إلى الكواكب السيّارة بمنزلة المنازل لها. والسيارات هي : زحل ، والمرّيخ ، والمشتري ، والزهرة ، وعطارد ، والشمس ، والقمر. وإن الحمل والعقرب منزلان للمريخ ، والثور والميزان منزلان للزهرة ، والجوزاء والسنبلة بيتان لعطارد ، والقوس والحوت منزلان للمشتري ، والجديّ والدلو منزلان لزحل ، والسرطان منزل للقمر ، والأسد منزل للشمس ، والبرج مشتق من التبرّج وهو الظهور ، لظهورها لأهل الأرض بأسبابها كالمراصد ونحوها ، ولذا قيل : البروج هي الكواكب الكبيرة (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً) أي الشمس لقوله : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً)(وَقَمَراً مُنِيراً) مضيئا بالليل ، وذكر القمر بعد (سِراجاً) أيضا قرينة على أن المراد به هو الشمس.

٦٢ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ...) أي يخلف أحدهما الآخر بأن يقوم مقامه (لِمَنْ أَرادَ) أن يتفكر ويستدلّ بذلك على أنّ لهما مدبّرا ومصرّفا (أَوْ أَرادَ شُكُوراً) أي أن يشكر نعمة ربّه عليه فيهما.

* * *

(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ

١٦٠