حاشية فرائد الأصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-015-2
الصفحات: ٦٩٤

عنده ببيان المحقق ، وقد عرفت ما يرد على الوجه الأول ، وأما هذا الوجه فيرد عليه على مذاق المصنف أنا لا نسلّم إهمال النتيجة بناء على الحكومة التي اختارها ، بل هي عامة من أول الأمر فلا يحتاج إلى دليل التعميم من الإجماع المركب أو الترجيح بلا مرجح حتى يقال بعدم جريانهما بالنسبة إلى المسائل الأصولية.

وبالجملة : ما أجاب به المصنف بعد اختياره الوجه الثالث حق ، فإن أغمض عما يرد على الوجهين الأولين لكونهما غير مختاره في تقرير دليل الانسداد فلا كلام ، وإلّا فقد عرفت ما يرد عليهما هذا ، مضافا إلى ما يرد على أمثلة أقسام الوجه الأول من المناقشات ، إلّا أن يقال إنّ المناقشة في المثال ليست من دأب المحصّلين فتأمل.

قوله : وبالجملة إذا ظن المكلف بالامتثال وبراءة ذمته وسقوط الواقع (١).

(١) محصل كلامه أنّ هناك مرتبتين ، مرتبة تعيين الحكم الشرعي ومرتبة تطبيق العمل على ما عين ، وحجية الظن ثابتة في المرتبة الأولى دون الثانية ، إذ الانسداد الأغلبي الذي يوجب حجية الظن لا يكون إلّا في المرتبة الأولى ، ففي المرتبة الثانية يعمل بالأصل الجاري في المسألة من الاحتياط وغيره. ولقائل أن يقول إنا لا نحتاج إلى تعيين الحكم الشرعي إلّا مقدمة للامتثال الواجب بحكم العقل فإذا لم نتمكن من الامتثال العلمي اللازم أولا نكتفي بمقتضى مقدمات دليل الانسداد بالامتثال الظني وهو موقوف على تعيين الحكم الشرعي وتطبيقه على العمل الخارجي ، فتكون المرتبة الثانية في عرض المرتبة

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٥٠.

٦٦١

الأولى بالنسبة إلى مقام الامتثال ، ولازمه حجية الظن في المرتبتين بدليل الانسداد في عرض واحد.

فإن قلت : لما جاء الشك في الامتثال من قبل الشك في تعيين الحكم لمكان الانسداد الأغلبي بالنسبة إليه يلزم أن تكون حجية الظن بالامتثال أيضا مقصورا على ما كان من جهة الانسداد الأغلبي وإلّا فكل جهة يمكن تحصيل العلم بها نوعا يلتمس فيها العلم ولا يكتفى فيها بالظن.

قلت : هذا الكلام وإن كان حقا إلّا أنّ لازمه ما لا يلتزم به المصنف وهو أن يقول بعدم حجية الظن في المسائل الأصولية واللغوية وشبههما مما لا يكون انسداد باب العلم فيها أغلبيا ، إذ يقال إنا نقتصر في الظن بالامتثال على ما كان من جهة الانسداد الأغلبي لا غيرها مما يكون باب العلم بها مفتوحا غالبا وإن انسد في أفراد نادرة مثل معنى لفظ الصعيد مثلا في المسائل اللغوية.

وبالجملة يجب ملاحظة الأمور التي يتوقف عليه الامتثال وجعلها بابا بابا ، فكل باب ينسد فيه باب العلم يعمل بالظن ، وكل باب انفتح باب العلم فيه يعمل بالعلم ، وفي موارد انسداده إن اتفقت يرجع إلى الأصول الجارية فيها.

قوله : فيقال إنّ باب العلم بالضرر منسد غالبا (١).

(١) يمكن أن يقرر حجية الظن فيه بتقريب آخر وهو أن يقال بناء العقلاء على الاكتفاء بالظن في مطلق الموضوعات إذا انسد طريق علمها وهو الحجة بعد عدم ردع الشارع عنه سواء في ذلك زمان انفتاح باب العلم بالأحكام وانسداده ، وقد أشرنا إلى جريان هذه الطريقة سابقا بالنسبة إلى الأحكام أيضا

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٥٢.

٦٦٢

كي لا تحتاج إلى إثبات واحد واحد من مقدمات الانسداد.

قوله : فنقول مستعينا بالله إنّ مسائل أصول الدين وهي التي لا يطلب فيها أوّلا وبالذات (١).

(١) اعلم أنّ المسائل الدينية منها ما يتعلق بأفعال الجوارح أوّلا فعلا أو تركا إلزاميا أو غير إلزامي ، ومنها ما يتعلق بأفعال القلب أوّلا ، والأول يسمى بالمسائل الفرعية ، والظاهر دخول الأفعال التي تجب في تحصيل مقدمات المسائل الأصولية مما يتعلق بالفحص عنها من تصفح كتب أهل العلم والدرس والتدريس ونحو ذلك في هذا القسم.

وأما الثاني فمنها ما يتعلق بالملكات النفسانية من مطلوبية التخلق بالأخلاق الحسنة والتخلي عن الأخلاق الرذيلة وهو علم الأخلاق ، ومنها ما يطلب فيه الاعتقاد والتدين والتشرع والإذعان وعقد القلب عليه والالتزام بالبناء عليه في القلب ، وهذا هو المسائل الأصولية تسمى بأصول الدين في الاصطلاح ، ومن المعلوم أنّ معنى التدين والالتزام أمر زائد على العلم ، فربما يعلم الشخص أمرا ولا يعقد قلبه عليه بل يبني على خلافه عنادا وجحودا أو لا يبني لا عليه ولا على خلافه.

ثم المسائل الأصولية منها ما يجب مطلقا فيجب على المكلف تحصيل مقدماته ، ومنها ما يجب مشروطا بحصول العلم به ، والقسمان وإن كانا من مسائل أصول الدين في الاصطلاح إلّا أنّ ما يكون منها أصلا للدين وعمادا له بحيث يكون المتصف به متدينا والفاقد له خارجا عن الدين هو القسم الأول ، وأما القسم الثاني فيمكن خلو المكلف عن الاعتقاد به لفقد شرطه مع أنّه متدين

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٥٥.

٦٦٣

بالدين. والوجه في إدخال هذا القسم في أصول الدين أنّه مما يترتب عليها مع أنّ المطلوب فيه الاعتقاد بعد حصول الشرط كالقسم الأول فيشابهها.

ثم إنّه يمكن أن يكون أصل الدين بالمعنى الحقيقي في الشرع أزيد مما يحكم به العقل في الدين ، مثل أنّ ما يحكم به العقل في أصول الدين ليس إلّا وجوب الاعتقاد بالصانع وبعض صفاته والنبوة المطلقة واحتمال المعاد ، لكن ثبت في الشرع وجوب الاعتقاد بأزيد من ذلك البتة حتى أنّ من اكتفى بمقدار ما حكم به العقل فقط يكون خارجا عن الدين كمن لم يعتقد ثبوت المعاد بل الجسمانية منه ، بل يمكن قيام دليل شرعي على أنّ فعل بعض الواجبات الفرعية معتبر في أصل الدين بحيث يكون تاركه خارجا عن الدين ، ومن هنا يقال إنّ سابّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كافر على ما هو مقرر في محله ، بل الأظهر كما سيأتي أنّ الإقرار باللسان معتبر في الإيمان في مقابل الكفر شرعا لما سيأتي من الأخبار الدالة عليه.

قوله : إلّا الاعتقاد باطنا والتدين ظاهرا (١).

(١) يظهر من هذا الكلام أنّه يجب في كل مما يجب من المعارف أمران : أحدهما الاعتقاد باطنا. وثانيهما التدين ظاهرا ، مع أنّ التدين كما ذكرنا أيضا أمر باطني هو الالتزام وعقد القلب على المطلب والتسليم له ، ولو أريد بالتدين الاعتراف باللسان فهو خلاف ظاهر لفظ التدين ، فليكن ذلك على ذكر منك وسيأتي تمام الكلام.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٥٥.

٦٦٤

قوله : الثاني ما يجب الاعتقاد والتدين به إذا اتفق حصول العلم به (١).

(١) يمكن تصوير هذا القسم بأحد وجهين :

الأول : أن يقال إنّه يجب الاعتقاد بما في نفس الأمر من المعارف في مثل الصراط وأنه جسر على جهنّم بأوصاف خاصة والميزان له علاقة وشاهين وكفتان إلى غير ذلك بشرط حصول العلم بهذه الأمور بوجه من الوجوه.

وبعبارة أخرى : إنّ أراد المكلف أن يعتقد اعتقادا متعلقا بأحد هذه الأمور فيجب أن يعتقد ما هو الحق منها لا خلافه ، فإن لم يعتقد بشيء كان ذلك له ، وإن اعتقد بما هو الحق منها فقد أدّى تكليفه ، وإن اعتقد خلاف الحق فقد خالف الواجب عليه من التكليف معذورا وغير معذور باعتبار تقصيره أو عدم تقصيره ، وذلك لعدم حصول شرط التكليف في الأول بخلاف الأخيرين.

الثاني : أن يقال : إنّه يجب الاعتقاد بهذه المعارف يعني التدين بها بشرط حصول العلم بها ، فما لم يحصل العلم بها ليس على المكلف شيء لعدم حصول شرط الوجوب ، سواء كان ذلك بعدم حصول علم له أصلا بل كان غافلا أو صارفا نفسه عن العلم بهذه الأمور أو علم بخلاف ما هو في نفس الأمر ، وإن كان المكلف يتخيل في نفسه في صورة العلم بالخلاف أنّ هذا هو الواقع ويجب التدين به ، لكن لمّا كان علمه جهلا مركبا لم يحصل شرط التكليف في الواقع ، وأما إذا حصل له العلم بالواقع علما مطابقا يجب التدين به.

والفرق بين الوجهين أنّ شرط الوجوب في الثاني نفس العلم بالواقع

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٥٦.

٦٦٥

والواجب هو التدين والالتزام وشرط الوجوب في الأول اعتقاد ما ، والواجب هو الاعتقاد الحق ، ويمكن تصوير وجوب التدين أيضا على الوجه الأول بأن يقول الشارع مثلا إن تديّنت فتدين بما هو الحق في هذه المعارف ، وأما وجوب الاعتقاد على الوجه الثاني فغير معقول ، إذ يصير هكذا إن اعتقدت الحق فاعتقد بالحق ، ولا يعقل إيجاب الشيء بعد حصوله ، ولكن المصنف جمع بين وجوب الاعتقاد والتدين كليهما وقد عرفت في صدر كلامه أنّه يريد وجوب أمرين لا أنّ أحدهما عطف تفسير للآخر ، فالأنسب بكلامه أن يريد الوجه الأول ليمكن تصويرهما على نسق واحد ، فليتأمل جيدا.

قوله : وإن أرادوا التدين به الذي ذكرنا وجوبه في الاعتقاديات (١).

(١) كلامه هذا صريح فيما ذكرنا من أنّ مراده من التدين هو الاعتراف باللسان عما اعتقده ، لكنا نقول إن كان شرط وجوب التدين خصوص العلم فمن المعلوم عدم حصول العلم بعد قيام الدليل القطعي على حجية خبر الواحد أيضا ، وإن كان الشرط حصول مطلق الاعتقاد أعم من العلم والظن فيلزم وجوب التدين وإن حصل الظن من مثل دليل الانسداد ، ولا يختص ما ذكره بالظن الخاص ، وإن كان الشرط أحد الأمرين من العلم أو الظن الحاصل من الخبر فالأمر كما ذكره ، لكنه لا يحتاج إلى دليل حجية الخبر لتحقق الشرط بدونه ، والظاهر أنّه لا يقول به المصنف ولا غيره وخلاف ما صدّر به البحث من جعل الشرط خصوص العلم كما لا يخفى (٢).

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٥٧.

(٢) أقول : لا منافاة بينهما فإنّ دليل حجية الخبر يجعل مؤداه واقعا تنزيليا والعلم به علما بالواقع تنزيلا ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ الشرط صفة القطع الحقيقي خاصة لا التنزيلي كما

٦٦٦

قوله : نعم يمكن أن يقال إنّ مقتضى عموم وجوب المعرفة مثل قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(١).

(١) ما لفّقه من الآيات والأخبار على وجوب المعارف لا تدل إلّا على وجوب معرفة ما في الجملة ، أما تفاصيل المعارف على ما هو مذكور في محلّها فاستنباط وجوبها من هذه الأدلة وأضرابها دونه خرط القتاد.

ثم إن ثبت من هذه الآيات والأخبار وجوب جميع المعارف كان الوجوب المستفاد منها وجوبا مطلقا فأين الواجب المشروط الذي تعقله لأجل معرفة أنّ الظن يقوم مقام العلم فيه أم لا ، والحق والتحقيق أنّ الواجب من المعرفة ليس إلّا ما يعتبر في الإسلام أو الإيمان وضعا كما سيأتي في المتن ، وأما وجوب أمر زائد على ذلك تكليفا غير معتبر في الإسلام والإيمان الذي هو موضوع أحكام خاصة في الشرع فلا لعدم قيام دليل على ذلك.

وربما يقال بوجوب معرفة جميع المعارف من باب وجوب الاعتقاد بجميع ما جاء به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وفيه : أنّ هذا المعنى لا يختص بالأصول بل يجب الاعتقاد بما جاء به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الفروع أيضا ، مضافا إلى أنّ هذا لا يلازم معرفة

__________________

يظهر من المتن في كلامه الآتي.

وبالجملة : إن كان الشرط وجود طريق شرعي إلى ما يعتقد ويتديّن به سواء كان هو العلم أو ما يقوم مقامه يكون الظن الخبري بعد إثبات حجية الخبر نافعا فيما أراده ، وكيف كان لا نجد في الأدلة ما يفيد وجوب المعارف أو بعضها بالوجوب المشروط بأيّ معنى فرض كما ستعرف ، لأنّ كلما دل دليل على وجوبه فإنّما يدل على وجوبه مطلقا غير مشروط بشيء ، نعم ربما نلتزم بحرمة إنكار المكلف ما عرفه منها وهو أمر آخر.

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٥٩.

٦٦٧

التفاصيل ، بل يكفي اعتقاد العنوان الإجمالي وهو الاعتقاد بمجموع ما جاء به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كائنا ما كان.

نعم يمكن أن يستدل على وجوب المعارف في الجملة ببعض الأخبار التي سيأتي ذكرها من المصنف في خلال ما يذكره ممّا يدل على اعتبار المعارف في الإسلام والإيمان كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترض على العباد ما لا يسعهم جهله» (١) إلى آخره ، وكذا خبر عيسى بن السري (٢) وصحيحة أبي اليسع (٣) ورواية إسماعيل (٤) فإنّها تدل على وجوب معرفة ما اشتملت عليه من المعارف لا كلها.

واعلم أنّ مسألة إثبات الصانع وعدله وحكمته وسائر صفاته الثبوتية والسلبية ، وكذا مسألة إثبات النبوة العامة والخاصة والإمامة والمعاد إلى غير ذلك من الأمور الواقعية الحقة مسائل كلامية لا ترتبط بما نحن بصدده ، وإنّما الكلام هنا فيما يجب اعتقاده على المكلف مطلقا أو مشروطا بحيث يكون تاركه مخلا بالواجب عليه تكليفا وخارجا عن الإسلام والإيمان وضعا ، وحينئذ نقول قد عرفت أنّ الشرع قد دل على وجوب معرفة الله وتوحيده ومعرفة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والولي (عليه‌السلام) بعده والإقرار بما جاء من عند الله وحقيقة الصلاة والزكاة والحج والصوم ، والظاهر أنّ الأمور الأربعة الأخيرة داخلة فيما جاء من عند الله فهو من عطف الخاص على العام.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٢ / ح ١١.

(٢) الكافي ٢ : ٢١ / ح ٩.

(٣) الكافي ٢ : ١٩ / ح ٦.

(٤) الكافي ٢ : ٤٠٥ / ح ٦.

٦٦٨

وكيف كان يستفاد منها إلّا وجوب المعرفة إجمالا وفي الجملة ، لا كما يقوله العلامة وغيره من المعرفة التفصيلية بالدليل التفصيلي.

ويمكن الاستدلال على المطلب بدليل العقل أيضا بأحد وجهين :

الأول : أنّ كل عاقل إذا التفت إلى المعارف واحتمل في نفسه وجوب شيء منها أو كلها بحيث لو ترك تحصيلها احتمل ترتب ضرر عليه في الآخرة أو في الدنيا ولو كان ذلك باحتمال سلب ما يجده من النعم ، فإنّ عقله يحكم حكما قطعيا بوجوب تحصيل ما يحتمل وجوبه دفعا للضرر المحتمل ، وهذا من جزئيات القاعدة المعروفة من أنّ دفع الضرر المحتمل واجب عقلا.

الثاني : أن يقال إنّا بعد ما علمنا وجود صانع واجب الوجود إلى آخر أوصافه ووجود نبي معصوم (عليه‌السلام) كذا وكذا ، وإمام كذا إلى آخر المعارف ، نقول إنه يجب على المكلفين بحكم العقل اعتقاد هذه المعارف حتى يكون من لم يعرفها يجب علينا إرشاده أو أمره من باب الأمر بالمعروف وإن لم يحكم عقل ذلك المكلف بشيء من ذلك.

وبيان ذلك : أنّ العقل يحكم بوجوب شكر المنعم وهو متوقف على المعرفة يعني معرفة الله تعالى وصفاته إجمالا ، بأن يعرفه متصفا بجميع الصفات الكمالية منزّها عن جميع الصفات المنقصة فيجب المعرفة بالوجوب المقدمي ، ثم بعد ما علمنا أنّ لله تعالى أحكاما يجب إطاعته فيها يحكم العقل بوجوب معرفة مبلّغها وهو النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وحافظها وهو الإمام (عليه‌السلام) بعد العلم بأنّ طريق فهم الأحكام منحصر في بيان نبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو إمام (عليه‌السلام) لا الوحي والإلهام ونزول الملك ونحوها ، ثم بعد ذلك علمنا بأنّ أغلب المكلفين لا يحصل لهم داعي إطاعة الله في أوامره ونواهيه

٦٦٩

إلّا طمعا في ثوابه أو خوفا من عقابه ، فيجب بحكم العقل الاعتقاد بالمعاد مقدمة لإحداث داعي الإطاعة ، لكن هذا في غير من يعبد الله لأنّه وجده أهلا للعبادة كما قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : «ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك» (١) ومن هنا يقال بوجوب شكر المنعم وعبادته ولو مع قطع النظر عن إنعامه وجنته وناره ، وأما غير هذه المعارف الثلاثة أو الأربعة فلا يحكم العقل بوجوبه (٢).

قوله : بالنسب المعروف المختص به (٣).

(١) معرفة النسب ليس إلّا من جهة تعيين الشخص في أمثال زماننا وإلّا فلو فرض تعيين شخص النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بوجه آخر كفى ، ولا وجه لاعتبار معرفة النسب المعروف كما لا يخفى.

وأما وجوب اعتقاد عصمة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أول عمره إلى آخره كما اعتبره في المقاصد العلية وغيره في غيرها فلا يساعده عقل ولا نقل ، وما أسند إليه من أنّ الغرض المقصود من الرسالة لا يتم إلّا به في معرض المنع ، إذ الغرض المقصود من الرسالة يتم بالعصمة في بيان الأحكام الشرعية لا غير.

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٠ : ٢٣٤.

(٢) أقول : وفي وجوب هذه المذكورات بحكم العقل نظر بيّن ، إذ لو أريد وجوبها على العالم بها فهو غير معقول لأنّه يرجع إلى وجوب تحصيل الحاصل ، وإن أريد إثبات وجوبها على الجاهل بها فلا يحكم به العقل ، إذ يجوز ألا يكون الجاهل مكلفا بشيء منها ، فإذن ينحصر إثبات وجوب تحصيل المعارف بالطريقة الأولى لو أريد إثباته بالدليل العقلي فافهم.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٥٦٥.

٦٧٠

قوله : ويكفي في التصديق بما جاء به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) التصديق بما علم مجيئه به متواترا (١).

(١) أصل وجوب التصديق بما جاء به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تفصيلا بالوجوب المطلق غير معلوم ، ولا يستفاد من رواية عيسى بن السري أزيد من الإقرار الإجمالي ، وأما من حيث كون عدم التصديق به تكذيبا للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلا يثبت إلّا أن الإنكار مضر لا وجوب التصديق سيما التفصيلي ، والظاهر أنّ المصنف (رحمه‌الله) أيضا لم يرد إلّا الوجوب الشرطي بعد حصول العلم بما حصل بالتواتر ، فإن أراد إثبات وجوبه بمثل الخبر المذكور فهو ممنوع وإلّا فلا نسلم إلّا بمعنى عدم جواز الإنكار الراجع إلى تكذيب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

قوله : وأما التدين بسائر الضروريات ففي اشتراطه أو كفاية عدم إنكارها ، إلى آخره (٢).

(٢) أما الوجه الأول ، فلم نجد من قال به ، وعلى الوجهين الأخيرين تخرج المسألة عن المسائل الأصولية الاعتقادية وتدخل في المسائل الفرعية ، ولذا تعرض لها الفقهاء في باب النجاسات في ذيل مسألة نجاسة الكافر بأقسامه ، وظاهر المشهور هو الوجه الثاني ، واختار جمع من المحققين ككاشف اللثام (٣) والأردبيلي (٤) وبعض معاصري صاحب الجواهر (٥) على ما حكاه عنه فيها

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٦٧.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٦٨.

(٣) كشف اللثام ١ : ٤٠٢.

(٤) مجمع الفائدة ٣ : ١٩٩.

(٥) جواهر الكلام ٦ : ٤٧.

٦٧١

الوجه الثالث ، وهو الوجه لأنّه بعد العلم بكون الضروري من الدين يرجع إنكاره إلى إنكار الدين لا محالة فيحكم بكفر المنكر لذلك ، واختار صاحب الجواهر الوجه الثاني لوجوه لفّقها دليلا لقول المشهور كدعوى ظهور الإجماع والأخبار المتفرقة في الأبواب الواردة في بعض مصاديق العنوان الظاهرة في الإطلاق ، ودعوى أنّ إنكار الضروري ولو مع عدم حصول العلم بأنّه من الدين بمنزلة الإنكار القولي مع صحة الاعتقاد بالمعارف الواجبة فإنّه موجب للكفر وغيرها.

وفي الكل نظر ، أما الإجماع فلأنّه لا يبعد أن يكون كلام المجمعين كلا أو بعضا ناظرا إلى ما هو الغالب من أنّ منكر الضروري عالم به أيضا ، وكذا ظاهر الأخبار المتفرقة أيضا ذلك ، وأما كون الإنكار المذكور بمنزلة الإنكار القولي مع صحة الاعتقاد ففيه منع الصغرى وإن كانت الكبرى مسلمة ، لأنّ إنكار المنكر في صورة عدم علمه بالضروري يرجع إلى إنكار صدور هذا الحكم من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلا يرجع إلى إنكار الدين ولا وجه للحكم بكفره سوى ذلك ، هذا كله في إنكار ضروري الدين والإسلام.

وأما إنكار ضروري مذهب الشيعة المحقة ، فإن كان المنكر من غير الفرقة المحقة كفرق العامة وسائر فرق الشيعة مثل الزيدية والكيسانية ونحوهم فلا يوجب إنكاره كفرا البتّة ، وإن كان من الفرقة المحقة ، فإن أنكر مع العلم بأنّه من الدين لأجل الضرورة أو غيرها فلا ريب في كفره لرجوعه إلى إنكار الدين ، وإن أنكره لا مع العلم لشبهة أو جهل فالظاهر كفره أيضا لظاهر بعض الأخبار الحاكم بكفره إلّا أن يتوب ، ويفهم منه أنه بعد التوبة يحكم بإسلامه ظاهرا وباطنا ، فلو كان فطريا لا يحكم عليه بأحكام المرتد الفطري من وجوب قتله مطلقا ونجاسته وبينونة زوجته وخروجه من أمواله ويرثها وارثه إلى غير ذلك ، بل حاله حال المرتد الملي والمرأة في الجملة لا مطلقا أيضا ، فتأمل.

٦٧٢

وهذه المباحث كلها خارجة عما نحن بصدده من المسائل الأصولية قد أشرنا إليها إجمالا والتفصيل يطلب من مظانه في الفروع.

قوله : وأما الموضع الثاني فالأقوى فيه بل المتعين الحكم بعدم الإيمان (١).

(١) الإنصاف أنّ لفظ الإقرار والشهادة والتدين والمعرفة وأمثالها لا تدلّ على أزيد من إظهار الإيمان ولو مع الاعتقاد الظني ، بل الظاهر أنّه لا يعتبر في الإسلام والإيمان الذي اعتبر موضوعا لأحكام المسلمين من حقن الدم والطهارة وحل الذبيحة وصحة التناكح والميراث ونحوها ، سوى إظهار الإيمان بالشهادتين والتزام أحكام الإسلام والدخول في حوزتهم وانسلاكه في زمرتهم ظاهرا وإن لم يكن معتقدا اعتقاد المسلمين جزما بل ولا ظنا بل كان شاكا أو ظانا أو جازما بخلاف الحق كما كانوا كذلك منافقوا زمن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والوصي (عليه‌السلام) ، ويدل على ما ذكرنا قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ)(٢) يفهم منه أنّ الإسلام هو السلم مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والمسلمين في مقابل الحرب ، والتزام المماشاة معهم على ما هم عليه في جميع الأمور ظاهرا بسبب إظهاره الإيمان والبيعة ، وهكذا يستفاد من أخبار كثيرة منها : الأخبار الدالة على أنّ الإسلام هو الإقرار بالشهادتين والإيمان هو الاعتقاد بالقلب كرواية سماعة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أخبرني عن الإسلام والإيمان أهم مختلفان ، فقال (عليه‌السلام) : إنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٧٠.

(٢) الحجرات ٤٩ : ١٤.

٦٧٣

الإيمان ، فقلت : فصفهما لي ، فقال : الإسلام شهادة ألا إله إلّا الله والتصديق برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس ، والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن» الخبر (١) ، وغير ذلك مما رواه في الكافي في باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان والباب الذي يليه في كتاب الكفر والإيمان.

قوله : أما الأول فقد يقال فيه بعدم وجود العاجز نظرا إلى العمومات الدالة على ، إلى آخره (٢).

(١) وقد يستدل أيضا لذلك بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(٣) وقوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(٤).

وفيه : مضافا إلى إمكان منع العموم فيها باعتبار منع كون الموصول مطلقا للعموم ، وأنّ المراد بالمجاهد من له أهلية المجاهدة ، وكذا الحجة البالغة ثابتة لأهلها ، أنّ غاية ما يستفاد منهما ظهور عموم يقبل التخصيص ، ونحن نرى بالوجدان والعيان وجود القاصرين سيما في أطراف البلاد البعيدة عن صيت الإسلام ، ومما يقطع به ذلك أنّه لو فرض أنّ المكلف في ابتداء بلوغه اشتغل بالمجاهدة والنظر ومات قبل أن يحصل له الاعتقاد بما يجب عليه من المعارف فهل ترى أنّه يحكم عليه بالتقصير أو يدعي عدم وقوع الفرض. وبالجملة أنا

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٥ / الحديث ١.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٧٥.

(٣) العنكبوت ٢٩ : ٦٩.

(٤) الأنعام ٦ : ١٤٩.

٦٧٤

قاطعون بوجود الجاهل القاصر بالحس والعيان ، والاستدلال ببعض الظواهر في مقابل ذلك كما ترى.

قوله : وقضية مناظرة زرارة وغيره مع الإمام (عليه‌السلام) في ذلك مذكورة في الكافي (١).

(١) بل وقضايا كثيرة من زرارة وأبي بصير وأبان وسفيان بن سمط وغيرهم مما يقرب التواتر في باب أهل الضلال وباب المستضعف وباب أصحاب الأعراف وباب المرجون لأمر الله وغيرها من كتاب الكفر والإيمان ، من شاء فليراجع إليها ما نقلناها مخالفة التطويل.

وأيضا اشتمل قضية زرارة على أنّ الكافر في النار إلّا أن يشاء الله ، فبقرينة الاستثناء يمكن الخدشة في المقدمة الثانية أيضا ، لكنه يظهر من جملة من تلك الروايات أنّ الذين نشئوا في بلاد الإسلام واختلفوا مع المسلمين كلهم مقصّرون لو لم يؤمنوا ، إلّا أنّ ذلك لا ينافي مطلوبنا من وجود القاصر كما لا يخفى ، ولعل الإجماع المنعقد على أنّ المخطئ في العقائد غير معذور محمول على مثل هذه الأشخاص لا كل أحد ولا كل مجتهد باذل جهده بزعمه كما ذكره في المتن ، لأنّا نعلم أنّ في أقطار الأرض أشخاصا يبذلون جهدهم في تحصيل العقائد الحقة ولا يظفرون بها لبعدهم عن بلاد الإسلام والشيعة وعن التفطن لمقدمات العقائد الحقة ، بل قد يتفق أنهم لا يحتملون حقية مذهب الإسلام أو مذهب الشيعة الإمامية ، ولا يمكن إنكار ذلك فإنّي رأيت رجلا من أهل بعض نواحي الشامات وكان من عساكر السلطان واقفا في صحن حضرة أبي الأئمة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) متعجبا من كثرة الجماعات والصلوات هناك

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٧٦.

٦٧٥

وسمعته يقول لصاحب له : ما زلنا نعتقد أنّ الشيعة والرافضة قوم كفار لا عمل لهم سوى سب كبراء الصحابة والآن نرى منهم خلاف ذلك وأنّهم يصلون ويصومون ويعملون سائر العبادات أكثر من أهل السنة والجماعة ، ومن المعلوم أنّ ذلك كان اعتقاد أهل بلاده كلا أو جلا ، فمثل هذه الأشخاص قاصرون البتة ولو بذلوا جهدهم لم يظفروا على العقائد الحقة.

قوله : نعم لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلى العالم ورأى العالم منه التمكن من تحصيل الظن بالحق انتهى (١).

(١) بعد فرض عدم وجوب هذا الاعتقاد الظني لغير المتمكن من العلم يبعد وجوب إلزامه تحصيل ذلك الاعتقاد إرشادا غاية البعد ، إذ لا وجه لإيقاع الشخص في كلفة ما لا يجب عليه ولا يفيده.

والتحقيق أنّه يجب على من لا يقدر إلّا على تحصيل الاعتقاد الظنّي أن يحصّله ويتديّن به ، وهذا مما يستقل به العقل بملاحظة مطلوبية الاعتقادات الحقة ومذمة الشاكّ والجاحد في الأخبار المتظافرة ، وحينئذ يجب على العالم بأنّه يتمكن من تحصيل الظن إرشاده وإلزامه بذلك لوجوب إرشاد الجاهل بما يجب عليه ولو لم يراجع ذلك الجاهل إليه فضلا عما إذا راجع إليه.

قوله : فهذه أقسام أربعة عشر (٢).

(٢) يزيد الأقسام عن ذلك إلى أربعة وعشرين بل إلى ثلاثين كما يظهر ذلك بالتأمل في وجوه التقسيم ، ولعل أصل النسخة كان أربعة وعشرين وحصل الغلط من تصحيف النساخ ، وهذا يصح بناء على أن يجعل «دل عقله على

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٧٧.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٨٠.

٦٧٦

الوجوب أو بيّن له غيره» وجها واحدا والأمر سهل فافهم.

قوله : فنقول : قال في باب التقليد بعد ما ذكر استمرار السيرة على التقليد في الفروع (١).

(١) لم نجد في كلامه ما يصلح أن يكون مقولا لقول الشيخ ، والظاهر أنّ مراده نقل ما أشار إليه بقوله والكلام في عدم جواز التقليد في الأصول ، إلى آخره.

وكيف كان ، ليس في ظاهر ما حكاه شيء يدل على وجوب النظر مستقلا أصلا ، وإنّما يدل كلام الشيخ المذكور في المتن على وجوب معرفة الله وعدله والنبوة مقدمة لمعرفة الصلاة وأعدادها ، ومن الواضح أنّ أصل المعرفة كما تحصل بالنظر تحصل بالتقليد ، اللهم إلّا أن يريد أنّ المعرفة الجزمية لا تحصل بالتقليد ، لعدم إفادته الجزم كما في التقليد في الفروع ، وما يجب بحكم مقدمة معرفة الصلاة وأعدادها هو المعرفة الجزمية وهو كما ترى ، وهذا المعنى هو الذي استظهره المصنف (رحمه‌الله) فيما سيأتي من كلامه.

قوله : ثم اعترض على ذلك بأنّ ذلك لا يجوز لأنّه يؤدي إلى الإغراء بما لا يؤمن أن يكون جهلا (٢).

(٢) لأنّه إذا أعلم الشارع للمقلد بالعفو عن ترك هذا الواجب وسقوط العقاب عنه فإنّه أغرى المقلد على ترك الواجب ، أو لأنّ الأئمة (عليهم‌السلام) إذا لم يقطعوا موالاة من يسمع قولهم واعتقد مثل اعتقادهم ولو تقليدا ، فقد أغروا المقلدين على جواز التقليد وعدم وجوب النظر ، لكن ظاهر الجواب لا يلائم كلا الوجهين إذ يفهم منه أنّ المتعرض جعل إسقاط العقاب مغريا ، ثم إنّ القبيح هو

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٨١.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٨٢.

٦٧٧

الإغراء بالجهل لا الإغراء بما لا يؤمن أن يكون جهلا ، نعم إلّا إذا صادف الجهل وهو عين الإغراء بالجهل. ثم قوله في ذيل العبارة وأقوى مما ذكرنا أنه لا يجوز التقليد إلى آخره ، كلام غير مفهوم المراد.

قوله : إلّا أن يفهم هذا الشخص منها كون النظر واجبا تعبدا (١).

(١) فهم هذا الشخص كون النظر واجبا تعبديا أو شرطا شرعيا للإيمان لا يجعله كذلك في الواقع وإنما هو شيء تخيّله باعتقاده الخطأ ، فلا معنى لهذا الاستدراك أصلا.

قوله : الأمر السادس : إذا بنينا على عدم حجية ظن ، إلى آخره (٢).

(٢) الأولى تعميم عنوان هذا البحث بأن يقال : هل الظن المطلق يصح أن يكون جابرا أو موهنا أو مرجحا أم لا ، سواء قلنا بالحجية في إثبات أصل الحكم أم لا.

فإن قلت : لو قلنا بحجية الظن مطلقا بدليل الانسداد أو غيره فلا محالة يكون جابرا وموهنا ومرجحا لفرض حجية الظن المطلق فلا يأتي البحث ، فينحصر مورد البحث على البناء على عدم الحجية كما عنونه في المتن.

قلت : نعم لو ثبتت حجية الظن مطلقا حتى في مقام الجابرية والموهنية لم يأت هذا البحث ، كما أنه لو بني على عدم الحجية مطلقا حتى في مقام الجابرية لم يأت البحث أيضا ، فيلزم سقوط البحث على كلا البناءين ، لكن الشأن في تحقق المبنى بهذا النحو من الإطلاق ، وإنّما الظاهر بل المعلوم أنّ التكلم في الحجية وعدمها في السابق كان في الجملة وفي مقام كون الظن طريقا إلى نفس

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٨٤.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٨٥.

٦٧٨

الحكم الشرعي لا مطلقا حتى في مقام الجابرية كما يعلم ذلك من مراجعة أدلة الطرفين.

قوله : إلّا أنّ الظاهر أنّه إذا كان المجبور محتاجا إليه من جهة إفادته للظن (١).

(١) كون هذا استثناء عن الأصل المذكور محل نظر ، لأنّه لو كان موضوع حكم الحجية مظنون الصدور فالظن هنا محقق الموضوع لا جابر ، وإنّما يكون محل الكلام ما لو تعلق الحكم بأمر واقعي كان الظن طريقا بالنسبة إليه ، مثلا لو قلنا بأنّ الخبر الصادر حجة أو خبر العادل حجة وحصل الظن لأجل الشهرة أو غيرها بصدور الخبر أو كون الخبر خبر عادل ، فيقع الكلام في أنّ مثل هذا الخبر بملاحظة الظن المذكور يكون حجة أم لا ، فيقال إنّ الأصل عدم الحجية.

قوله : نعم لو كان حجيته ـ سواء كان من باب الظن النوعي أو كان من باب التعبد ـ مقيدة بصورة عدم الظن على خلافه كان للتوقف مجال (٢).

(٢) محصل ما ذكره بناء على هذا التقدير أنّ فيه وجوها ثلاثة :

الأول : أن يلتزم بكون الظن موهنا ومسقطا لما يقابله عن الحجية ، لكون الحجية بالفرض مقيدة بعدم الظن على خلافه ، ولا يخفى أنّ التعبير بالموهن هنا فيه مسامحة بيّنة ، إذ على التقدير المذكور لم يتحقق موضوع الحكم بالحجية وما يقتضي الحجية لو خلّي وطبعه ، لا أنّه حصل مقتضي الحجية وصار الظن بالخلاف موهنا أي مانعا عن الحجية الفعلية كما هو محلّ البحث هاهنا.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٨٦.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٩١.

٦٧٩

الثاني : عدم كون الظن القياسي موهنا مطلقا بدعوى أنّ النهي عن القياس يقتضي عدم ترتيب أثر من الآثار على القياس ، وأنّ الحكم حال وجود الظن القياسي كحال عدمه فكأنّه ليس في مقابل الأمارة ظنّ على خلافه فيتحقق موضوع حكم الحجية لكن تنزيلا لا تحقيقا.

الثالث : الفرق بين ما كان دليل حجية الأمارة كذلك بناء العقلاء فيقال كالأول لعدم بناء العقلاء على اعتبار الأمارة مع كون الظن الفعلي على خلافه ، وبين ما كان دليل الحجية التعبد فيقال كالثاني لأنّ دليل حجية الأمارة بشرط عدم الظن على خلافه بانضمام دليل حرمة العمل بالقياس والاعتماد عليه يرجع إلى أنّ الأمارة حجة ما لم يكن الظن غير القياسي على خلافه ، وهذا أحسن الوجوه عند المصنف بناء على هذا المبنى الضعيف عنده ، وهذا المبنى قويّ عندنا بالنسبة إلى حجية الظواهر وبالنسبة إلى حجية أخبار الآحاد أيضا ، فإنّ بناء العقلاء على الاعتماد على الظواهر الموجبة للظن النوعي ما لم يقم الظن الشخصي على خلافه ، وكذلك الأدلة الدالة على حجية أخبار الآحاد بالخصوص من الإجماع والسيرة والأخبار لا تدل إلّا على حجية الأخبار المظنون الصدور بالظن النوعي ما لم يقم الظن الشخصي على عدم صدورها بالخصوص ، وحينئذ نقول بعدم موهنية الظن القياسي في المقامين ، أما المقام الثاني فيما مرّ بيانه آنفا في وجه التفصيل لكون دليل الحجية هو التعبد ، وأما المقام الأول فيما استدركه المصنف في آخر كلامه ب :

٦٨٠